سلسلة الفن الحديث: فن ما بعد الحداثة

هذه المقالة هي الجزء 10 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

بينما قام (الفن الحديث) على المثالية والعقل، ولدت حركة (ما بعد الحداثة) من التشكيك في العقل والطعن في فكرة وجود الحقائق. فقد اعتمد فن ما بعد الحداثة على الفلسفة، واعتبر أن التجربة الفردية أكثر واقعية من المبادئ المجردة. وبينما دافع اتباع الفن الحديث عن الوضوح والبساطة. احتضنت ما بعد الحداثة معانٍ كثيرة معقدة ومتناقضة في كثير من الأحيان.

يعتبر فن ما بعد الحداثة مجموعة من الأساليب والمواقف المرتبطة في رد فعلها ضد الفن الحديث. وقد تم استخدام المصطلح لأول مرة عام 1970. وتعتبر حركة فنية تتحدى التعريف إلى حد ما، حيث لا يوجد أسلوب أو نظرية واحدة تعبّر عنها أو تتوقف عليها.

Wooden Gallop, By: Robert Rauschenberg, 1962

تتبنى الحركة العديد من الأساليب المختلفة لصنع الفن، ويمكن القول إنها بدأت بفن البوب في الستينيات. احتضنت الحركة الكثير مما تبع فن البوب، بما في ذلك الفن المفاهيمي  conceptual art والتعبيرية الجديدة والفن النسوي.

الفرق بين الفن الحديث وفن ما بعد الحداثة

كانت ما بعد الحداثة رد فعل ضد الحداثة التي استندت على المثالية والمجتمع والإيمان بالتقدم. فقامت بافتراض أن بعض المبادئ أو الحقائق المطلقة كالتي صاغها الدين أو العلم يمكن استخدامها لفهم أو تفسير الواقع.

بالإضافة لقيام أتباع الفن الحديث بتجربة الشكل والتقنية بدلاً من التركيز على الموضوعات، معتقدين أن باستطاعتهم إيجاد طريقة تعكس العالم الحديث تمامًا.

Soundproof Aesthetic of Luxuriety, By: Lubo Kristek, 1976
Too Obvious, By: David Hammons, 1996

وعلى النقيض من ذلك، تميزت حركة ما بعد الحداثة بالتشكيك في الأفكار الرئيسية التي تم تبنيها خلال العصر الحديث، وأهمها فكرة أن كل تقدم – وخاصة التكنولوجي- إيجابي.

فمن أواخر القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، تم تعريف الفن والأدب والعلوم والفلسفة من خلال الإحساس بالتقدم التكنولوجي الناجم عن الثورة الصناعية والانتماء إلى إيجابية الحياة الحديثة.

ومن خلال رفض تلك الأفكار، يرفض أتباع تلك الحركة فكرة تضمين المعرفة العامة أو التاريخ العالمي في الأعمال الفنية، ويؤكدون على وجوب احتضان الأفكار المحلية والمؤقتة والسريعة بدلًا من ذلك.

Torn And Twisted Curtain, By: Joseph Havel, 2004-2005

ذلك بالإضافة لرفض فكرة التطور الفني باعتباره موجهًا نحو هدف معين، كالأفكار القائلة بأن الرجال فقط هم العباقرة في الفن، والافتراض الاستعماري العنصري بأن الأجناس غير البيضاء هي أدنى مرتبة، وهكذا. لذلك غالبًا ما يتم تضمين الفن النسوي وفن الأقلية الذي يتحدى طرق التفكير التقليدية تحت عنوان ما بعد الحداثة، أو بأنها تقوم بتمثيلها.

مفهوم الأعمال الفنية

قامت حركة ما بعد الحداثة بقلب فكرة وجود معنى واحد متأصل لعمل فني، أو أن هذا المعنى حدده الفنان في وقت انشاء ذلك العمل. بل أصبح المشاهد -بدلاً من ذلك- محددًا مهمًا للمعنى، حتى أن بعض الفنانين قاموا بالسماح للمشاهد بالمشاركة في العمل. وقد ذهب فنانون آخرون إلى أبعد من ذلك من خلال إنشاء أعمال تتطلب تدخل المشاهد لإنشاء أو إكمال العمل الفني! والذي يعرف باسم” Participatory Art” الفن التشاركي.

Art Experiment: Taking inspiration from the universe, 2013
Landscape Non Grata, By: Lubo Kristek, 2014

وقد كانت فكرة تحطيم الفروق بين مراتب الفنون بدمج عناصر الثقافة الشعبية في الأعمال الفنية عنصرًا أساسيًا في ما بعد الحداثة، كوضع بابلو بيكاسو كلمات الأغاني الشعبية على لوحاته مثلًا. فجميع تلك الأفكار تعزز الفكرة القائلة بأن الثقافة المرئية لا يجب أن تكون صحيحة أو جميلة، لكن يمكن أيضًا تقديرها والاستمتاع بها دون أي تدريب جمالي، مما يجعل مفهوم القيم الفنية للأعمال أكثر نضوجًا.

Requiem for Mobile Telephones V, By: Lubo Kristek, 2010

وقد سعى فنانين مثل بول سيزان وبيت موندريان لإيجاد وسيلة عالمية للتعبير من خلال التجريد المتزايد لموضوعهم. وكان يُنظر إلى الفنانين الآخرين الذين ركزوا على الذات والنفس والغرائز، كسلفادور دالي أو مارسيل دوشامب أنهم متطرفون لعدم تركيزهم على العقلانية، وأصبحت أعمالهم  فيما بعد مقدمة لما بعد الحداثة.

وقد تطورت الأعمال الفنية بناء على تلك الأفكار حتى أصبحت عملية الرسم التي كانت وسيلة لتصوير موضوع من خلال استخدام الخط واللون والشكل، هي الموضوع نفسه.

مصادر:

The Art Story
Google Arts&Culture
TATE

سلسلة الفن الحديث: فن البوب

عندما تسمع مصطلح “فن البوب” من بعيد، هل تعتقد أن علب الطماطم والكثير من وجوه مارلين مونرو المكررة هم ما يعبرون عنه؟ فكر مرة أخرى عزيزي القارئ، فهم ليسوا سوى جزءٍ صغيرٍ من القصة.

ظهرت الحركة الفنية المسماة بـ “فن البوب” في أواخر خمسينيات القرن الماضي وازدهرت في الستينيات في أمريكا وبريطانيا، ويعتبر مصطلح فن البوب pop-Art اختصارًا لكلمة Popular أي شعبي. فهي مستوحاة من الثقافة الشعبية والتجارية. وقد بدأت كتمرد ضد الفن والثقافة والآراء التقليدية عن الفن وكيف يجب أن يكون، وابتعد عن الموضوعات التقليدية كالأساطير والتاريخ الكلاسيكي، كعادة جميع الحركات الفنية الحديثة.

وقد انتشر حول العالم بعيدًا عن كونه ظاهرة فنية أمريكية بحتة. وإن تميزت تلك الفترة بالنمو الاقتصادي في أمريكا، فقد تميزت أيضًا بالاضطرابات الاجتماعية حول العالم. فقد عانت البلدان من تداعيات الحرب العالمية الثانية. وحين احتد الصراع في فيتنام، كان صعود الشيوعية يسبب بدوره الذعر، مما أدى إلى نشوء بيئة خصبة مكنت الفنانين من السخرية من السياسيين والنجوم وحتى الفنانين الآخرين.

Guevara Vivo ou Morto, By: Cláudio Tozzi, 1967

ذلك بالإضافة لشعور الفنانين الشباب أن ما تعلموه في أكاديميات الفنون والمتاحف لا علاقة له بحياتهم، مما أدى إلى استخدامهم للأشياء الشائعة في الحياة اليومية؛ كأفلام هوليوود وملصقات الإعلانات وأغلفة المنتجات وموسيقى البوب ​​والكتب المصورة في لوحاتهم، وقد أدى ذلك إلى ارتقائهم بالثقافة الشعبية إلى مستوى الفنون الجميلة.

Just what is it that makes today’s homes so different, so appealin? By: Richard Hamiltin, 1956

وقد أصيب النقاد بالرعب من استخدام فناني البوب ​​لتلك الموضوعات “المتدنية”، فقد أخذوا​​ الفن إلى مجالات جديدة وطوّروا طرقًا عديدة لتقديمه. وبعد شعبية التعبيرية التجريدية، كان فن البوب بمثابة تحول كبير في اتجاه الفن الحديث، ويعتبر من أهم المظاهر الأولى لما بعد الحداثة.

ومن أهم مميزاته أنه كان سليلًا لفن “الدادا“، وهي حركة ظهرت في عشرينيات القرن الماضي والتي سخرت من جدية الفن الباريسي المعاصر والأوضاع السياسية والثقافية. وقد حاول “مارسيل دوشامب” -رائد مدرسة الدادا في الولايات المتحدة-  تضييق المسافة بين الفن والحياة اليومية، ويعتبر الشخصية الأكثر تأثيرًا في تطور فن البوب.

أما أعمال فناني البوب ​​أمثال “روي ليختنشتاين” و”آندي وارهول ” و”كلايس أولدنبورغ” و”توم ويسلمان” و”ديفيد هوكني” و”بيتر بليك” فقد تميزت من بين آخرين بتصويرهم لجميع جوانب الثقافة الشعبية التي أثرت بقوة على الحياة المعاصرة. فقد قدموا أيقوناتهم – المأخوذة من التلفزيون والكتب المصورة وملصقات الأفلام كما هي دون تجميلٍ أو تقبيح، واستعارتها من وسائل الإعلام بنفس التقنيات التجارية المستخدمة.

Whaam! By: Roy Lichtenstein, 1963

وكان من أكثر الأشكال لفتًا للنظر ​​هي نسخ “روي ليختنشتاين” للرسومات الهزلية باستخدام النقاط الملونة والألوان المسطحة والتي تصلح للطباعة التجارية. بالإضافة إلى لوحات “آندي وارهول” والمطبوعات بتقنية Silk screen لمارلين مونرو وملصقات علب الطماطم والصابون، والصفوف المتكررة من زجاجات المشروبات الغازية.

Campbell’s Soup Cans, By: Andy Warhol, 1962

ولم يبتعد النحت والتجهيز في الفراغ عن تلك الحركة الفريدة، فقد ظهرت بقوة المنحوتات البلاستيكية الناعمة لـ “كلايس أولدنبورغ” لأشياء مختلفة كالحمامات والآلات الكاتبة وشطائر الهامبرغر العملاقة! أما “جورج سيغال” فقد بنيت أعماله الفنية على عرض أشخاص بالحجم الطبيعي من الجبس موضوعة في بيئات فعلية، كطاولات غداء وحافلات تم أخذها من ساحات الخردة.

Two Cheeseburgers, with Everything, By: Claes Oldenburg, 1962
The Commuters, By: Goerge Segal, 1980

وقد بدأ غالبية فناني البوب ​​حياتهم المهنية في الفن التجاري والإعلانات، وقامت خلفيتهم في عالم الفن التجاري بتدريبهم على المفردات المرئية للثقافة الجماهيرية، بالإضافة إلى تقنيات الدمج السلس بين عوالم الفن الرفيع والثقافة الشعبية.

Look Mickey, By: Roy Lichtenstein, 1961

وقد أدى استخدام فن البوب للأفلام والمشاهير وشخصيات الرسوم المتحركة إلى اقتحام عالم الفن وخلق جاذبية فنية فورية. وحقيقة أن أعماله الفنية لا تزال قوية وحيوية كما كانت عند إطلاقها؛ هي شهادة على أصالته وجاذبيته الدائمة.

فهو أسلوب تم تقليده إلى يومنا منذ ذلك الحين، بالإضافة لاستخدامه واستعارته في عدد لا يحصى من العروض الترويجية للطعام والشراب والرسوم الهزلية والبرامج والأفلام، مما يؤكد على كونه ثورة فنية كبيرة وأصيلة.

أعمال فنية مشهورة في فن البوب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

Tate
Britannica
TheArtStory

الفن التجريدي: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 9 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

عندما طرحت المدرسة الرومانسية أفكارًا جديدة حول الفن معارضة لتركيز الكلاسيكية على التقليد والمثالية، وشددت على دور الخيال واللا وعي كعوامل إبداعية أساسية، أدت بدون قصد إلى ظهور العديد من المذاهب الفنية الفريدة لاحقًا، وهو ما أدى إلى ظهور الفن التجريدي.

تعود أصول الفن التجريدي إلى القرن التاسع عشر، وبدأ على إثر ذلك قبول العديد في عالم الفن من الفنانين الحرية الفكرية الجديدة تدريجياً. فكما صرّح “موريس دينيس: عام 1890 قائلًا:  “يجب أن نتذكر أن اللوحة قبل أن تكون حصانًا حربيًا أو امرأة عارية أو حكاية من نوع ما، هي أساسًا عبارة عن سطح مستوٍ مغطى بألوان بترتيب معين.”

Composition V, By: Wassily Kandinsky, 1911

الفن التجريدي

يعتبر الفن التجريدي الفن الرافض لتقديم تصوير دقيق للواقع، بل يستخدم بدلاً من ذلك الأشكال والألوان والرموز لتحقيق هدفه. ويعتمد أيضًا على تبسيط الأشكال لتكوين ما أو لمنظر طبيعي، ويعد أيضًا مصطلحًا للفن الذي يستخدم أشكالًا ليس لها أي مصدر على الإطلاق. وغالبًا ما يحمل الفن التجريدي بُعدًا أخلاقيًا؛ حيث يقوم بتمثيل الفضائل المختلفة كالنظام والنقاء والبساطة والروحانية. ويعد “كاندينسكي” عمومًا أول فنان ينتج لوحات تجريدية بحتة تحتوي أشياء لا يمكن التعرف عليها.

وقد أدى ظهور عدة حركات إلى توسيع نطاق الفن التجريدي من أهمها حركة الفن التجريدي الهولندي (de Stijl) في هولندا، الحركة الدادية (Dada) في زيورخ. وقد قاد الأولى بيت موندريان “Piet Mondrian” والذي كان من أهم رموز تطوير الفن التجريدي الحديث والقائد الرئيسي للحركة التجريدية الهولندية بلوحاته الناضجة، وقد استخدم موندريان مجموعات بسيطة للغاية من الخطوط المستقيمة والزوايا القائمة والألوان الأساسية والأسود والأبيض والرمادي.

Composition with Red, Blue and Yellow, By: Piet Mondrian, 1930

فمنذ خمسينيات من القرن الماضي، كان الفن التجريدي منتشرًا في نطاق واسع في التصوير والنحت الأوروبي والأمريكي. وعلى الرغم من إرباكه العديد من الناس، لكنه حمل قيمة وإنجازًا عظيمًا لأولئك الذين قبلوا لغته الفريدة.

وبالرغم من تلقى التجريدية القليل من الاهتمام في بدايتها وعدم حظيها بالازدهار كالحركات الفنية التي ركزت على الصور الحقيقية كالسريالية والواقعية، ظهرت بعدها مدرسة أمريكية للفن التجريدي تسمى التعبيرية التجريدية أثرت تأثيرًا كبيرًا وعلى نطاق واسع في عالم الفن.

التعبيرية التجريدية

أصبحت تلك الحركة الأمريكية اتجاهًا سائدًا في الفن الغربي. وكان من أبرز الفنانين التعبيريين التجريديين الأمريكيين “Jackson Pollock – جاكسون بولوك” و”ويليام دي كونينج” و”فرانز كلاين” و”مارك روثكو”. وقد عاش وعرض معظمهم في مدينة نيويورك.

Seated Women, By: Willem de Kooning, 1940

وقد بدأت الحركة التعبيرية التجريدية مع اللوحات التي رسمها “جاكسون بولوك” و”ويليم دي كونينج” في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي. وقد تألفت الحركة من عدة أساليب فنية تختلف في كل من التقنية وجودة التعبير، وعلى الرغم من هذا التنوع، فإنها تشترك في عديد من الخصائص العامة.

فغالبًا ما تصور أشكالًا غير واقعية وغير مستمدة من العالم المرئي، وتؤكد على التعبير العاطفي الحر والعفوي. ويمارس فنانوها حرية كبيرة في الأسلوب والتنفيذ لتحقيق أهدافهم، مع التركيز بشكل خاص على استغلال طبيعة الألوان العفوية لاستحضار صفات تعبيرية: كالديناميكية والعنف والغموض والتناغم. وقد قاموا بالتركيز على التطبيق الغير مدروس لتلك الألوان كشكل من أشكال الارتجال النفسي الشبيه بالسرياليين في التعبير عن قوة اللاوعي في الفن، فقد استلهموا الفكرة السريالية القائلة بأن الفن يجب أن يأتي من اللاوعي.

Convergence, By: Jackson Pollock, 1952

وعلى الرغم من تنوع الحركة التعبيرية التجريدية، يمكن التمييز بين نوعين رئيسيين منها:

أولًا الرسم الحركي، وهو يتميز بمعالجة فضفاضة وسريعة أو ديناميكية للألوان بضربات الفرشاة وبتقنيات تمليها المصادفة جزئيًا، مثل تقطير الألوان أو سكبها مباشرة على القماش بطريقة ارتجالية! وقد مارس بولوك الرسم الحركي واشتهر بوضع قماشه على الأرض والرقص حوله وهو يسكب الألوان من العلب أو بالفرشاة أو العصا.

فقد وضع رسامو الحركة بهذه الطريقة نغماتهم الداخلية مباشرة على اللوحة القماشية وقاموا ببناء أشكال معقدة ومتشابكة من الألوان، بالإضافة للأنماط الخطية المثيرة.

أما النوع الثاني فتكون من نهج الفنانين “روثكو” و”نيومان” و”رينهاردت” و”كليفورد ستيل”. فقد استخدم هؤلاء الرسامون مساحات كبيرة من الألوان المسطحة الواحدة، بالإضافة للألوان الشفافة لتحقيق تأثيرات هادئة وتأملية. وقد تكونت معظم أعمال “روثكو” من مجموعات واسعة من مناطق مستطيلة ذات الحواف الناعمة والألوان المائلة للوميض والصدى والانتشار.

White Center (Yellow, Pink and Lavender on Rose), By: Mark Rothko, 1950

وقد اهتموا بشدة بشدة بالدين والأساطير وقاموا بإنشاء تراكيب بسيطة في مساحات كبيرة من الألوان تهدف إلى إنتاج استجابة تأملية أو تأملية لدى المشاهد. وقد أدى هذا النهج للرسم إلى تطور ما يعرف بـ (الفن الميداني الملون) والذي يتميز بإنشاء الفنانين لمساحات كبيرة من لون واحد أو أكثر.

مصادر:
Tate
Tate
Britannica
Britannica

كيف صُنعت الأقمشة في العصور الوسطى؟

كيف صُنعت الأقمشة في العصور الوسطى؟

تميزت الأقمشة والملابس في العصور الوسطى بأشياء عدة لتناسب زمان ومكان ذلك العصر، وقد تباينت ملابس الطبقات الاجتماعية عن بعضها البعض، فقد تميزت ملابس الأغنياء والعائلة المالكة عن غيرهم، ووقع هذا الاختلاف في نطاق أنواع الأقمشة والألوان وغيرها، لكن ما شاع بينهم وما ميز ملابس تلك الحقبة عمومًا هو انتشارها بخامتي الصوف والكتان.

وكان الصوف أكثر المواد استخدامًا في ملابس العصور الوسطى، وقد تم إنتاجه حينها بكميات كبيرة. فقد كانت له مميزاتٍ عدة، كان دافئًا ومريحًا، وكان من الممكن تحويله إلى نسيج رقيق أو سميك. أما بالنسبة لصبغه فقد كان أمره أسهل من الأقمشة الأخرى.

ولقد تم استخدام الكتان أيضًا بشكل كبير، فقد خُصص للقمصان والملابس الداخلية أيضًا، وقد أدخله المغاربة في القرن التاسع واعتبر من أهم صادرات إسبانيا في ذلك الوقت.

أما الحرير، فقد حصلوا عليه من الشرق، وقد استخدموه في صنع الأقمشة المطرزة والأقنعة والشاش. كما استخدموا جلود وفراء الحيوانات بوفرة.

خيوط الأقمشة

تعتمد صناعة خيطٍ ما في الأقمشة على المادة المصنوعة منها، فإذا كانت من الصوف، فيجب غسله وتمشيطه أولًا للحصول على شعرٍ منه في نفس الاتجاه. وقد تم صنع الصابون الذي يغسل به الصوف من الرماد والدهون.

النسج

كانت الطرق السائدة التي صنعت بها الأقمشة هي النسج على النول العمودي، وطريقة أخرى تضمنت نسج الألياف لصنع الغزل، ثم حَبك هذا الغزل أو تضفيره ليصبح قطعة من القماش. ورغم ذلك، كان النسج على النول هو الأسلوب الشائع.

ولقد استخدم النول العمودي منذ العصور القديمة ولم يتوقف استعماله في العديد من بلدان العالم منذ ذلك الحين. وبحلول القرن الحادي عشر، تطور النول إلى جهاز به بكرات، مما جعل العملية أسرع بكثير.

النول العمودي
نول ذو بكرات

بدء النسيج

تعد السدى واللُّحمة حجر الأساس لنسج أي قماش. فالسدى هي الخيوط الممتدة بالطول، عكس اللحمة الممتدة عرضًا مكونين سويًا النسيج.
ولبداية نسج الخيوط، فإننا نبدأ بشد سدى ناحية اليمين أثناء تثبيتها على بكرة، ثم تشد على النول. بعد ذلك تستخدم دواسات مخصصة تقوم برفع خيوط السدى مكونة فراغات لمرور اللحمة من خلاله.

السدى واللحمة

ويحدث ذلك أثناء حمل الحائك للُّحمة في يده اليمنى، وبعد مرورها اللحمة يقوم برفع الخيوط الأخرى مع الدواسات وإحكامها. ويقوم بتكرار ذلك حتى يتكون لدينا لفة طويلة من القماش. ولجعل الأقمشة أكثر سمكًا يجب تنظيفها مرة أخرى. ولكن من الطرق الغريبة جدًا لتنظيفه هي بوضعه في وعاءٍ من البول القديم وسحقه بواسطة الأرجل. ولزيادة سمكه، يجب تعريض الصوف للحرارة والضغط والرطوبة، وهو ما توفره تلك الطريقة. وكان ينتج بذلك أفضل أنواع الصوف، وقد بلغ في القرن الثامن عشر أعلى درجات الجودة، فكان يتصف بأنه قماش من الصوف السميك ذو سطحٍ أملس.

Painting By: Hermann Sondermann, 1879

الألوان

كان إصلاح وجعل الألوان زاهية وبرّاقة أمرًا صعبًا ومكلفًا، لذا خصصت ألوان الأقمشة الزاهية عادةً للأثرياء.
وتضمنت معظم عمليات الإصلاح التسخين والترطيب للنسيج، وخلطه مع الصبغة وعناصر أخرى مثل الغراء الطبيعي والنبيذ والخل والأملاح واللحاء. لكن، من أين تم الحصول على تلك الأصباغ في ذلك الوقت؟

كان الحصول عليها كما نتوقع من جميع الأشياء الطبيعية، كالنباتات مثل الأشنة والحبيبات والفطر والزعفران. ومن الحشرات أيضًا كالحشرة القرمزية –وهو ما نفعله لصنع اللون القرمزي الآن- كما استخلصوا ألوان عدة من المعادن. فحتى إن كانت العصور الوسطى من غابر الزمان، فستظل مبادئ كل شيء حينها لا تزال نفسها حتى الآن.

وكان من الممكن صبغ القماش إما عند الانتهاء من النسيج، أو بصباغة الخيوط قبل نسجها، وذلك للحصول على نسيجٍ ذو نمطٍ ملون.
أما الأدوات المستعملة في الصبغ فهي صبغة اللون، ووعاء كبير، وغلايات لغلي الماء. لكن كان هناك بعض الأصباغ يصعب صنعها أكثر من غيرها: كاللون الأرجواني الذي كان صعبًا جدًا ويتميز برائحة كريهة جدًا أثناء صنعه، لذا كان يرتديه معظم أفراد العائلة المالكة.

المصدر:

About History

المدرسة السريالية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 8 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

سعى فنانو المدرسة السريالية إلى إطلاق العنان لقوة الخيال من اللاوعي في فنهم، وذلك لتأكيد قيمة اللاوعي والأحلام. فقاموا بإبعاد العقلانية والواقعية تمامًا معتقدين أن التفكير العقلاني يقمع قوة الخيال، ويثقل كاهلها بالمسلمات، وكانوا يأملون بأن تتمتع نفس الإنسان بالقدرة على كشف التناقضات الموجودة في الأحداث اليومي، مما أدى إلى إحداث ثورة في التجارب الإنسانية. وقد وجد شعراء وفناني الحركة السحر والجمال في كل ما هو غريب وغير متوقع، وبالتأكيد غير تقليدي.

ماهي السريالية؟

يشير مصطلح (السريالية) إلى وصف ما وراء الواقع، وقد صاغه الشاعر الفرنسي “غيوم أبولينير – Guillaume Apollinaire” عام 1917. لكن “أندريه بريتون – André Breton” -زعيم مجموعة من الشعراء والفنانين- قام من بعده بتعريف السريالية عام 1924 على أنها: “آليّة نفسية خالصة يقوم من خلالها المرء التعبير شفهيًا أو كتابيًا أو بأي طريقة أخرى، عن الأداء الحقيقي للفكر في غياب كل سيطرة يمارسها العقل، وذلك بالابتعاد عن الانشغال الجمالي والأخلاقي للأشياء.”

The Persistence of Memory, 1931, By: Salvador Dalí

لكن ببساطة يعبر مصطلح “سريالية” عن (الغرابة) أو (ما يشبه الأحلام)، وهي حركة فنية تطورت من الحركة (الدادية) التي ظهرت كرد فعل على عنف وأحداث الحرب العالمية الأولى، ويقوم فيها الفنان بقمع التحكم الواعي والسماح للعفوية بالانطلاق.

كان بريتون والسرياليين عمومًا متأثرين بعدة أشخاص كان لهم تأثيرًا عميقًا في نفوس السرياليين، وكان من أهمهم كارل ماركس في عالم السياسة والفكر، فكان يتمنى بريتون دائمًا أن تكون السريالية حركة ثورية قادرة على تحرير عقول الجماهير من النظام العقلاني للمجتمع.

لكن عند دخولنا عالم الأحلام والتحليلات النفسية، فقد كان لـ “سيغموند فرويد – Sigmund Freud” النصيب الأكبر في التأثير العميق على السرياليين، ولا سيما كتابه (تفسير الأحلام) والذي شرح فيه فرويد أهمية الأحلام واللاوعي على أنهما شيئان صحيحان عن المشاعر والرغبات الإنسانية، مما أدى إلى تقديم مادة خصبة من العوالم الداخلية المعقدة والرغبات المختلفة المقموعة لكثير من السرياليين.

Personal Values, 1952, By: René Magritte

اللوحات السريالية

ربما تكون اللوحات السريالية هي العنصر الأكثر تميزًا في الحركة، ورغم ذلك فهي أكثر العناصر صعوبة التعريف. فقد اعتمد كل فنان على أساليبه المتكررة الناشئة من أحلامه أو عقله اللاواعي. وفي الأساس، تكون الصور غريبة ومحيرة، لإبعادها المشاهد عن افتراضاته المريحة. وكان السريالي “رينيه ماغريت – René Magritte” من أهم الفنانين الذين قاموا بتطبيق تلك الفكرة بوضوح.

فعند رؤيتنا للغيوم والغليون والقبعات والتفاح الأخضر، نستطيع على الفور معرفة انتمائها لـ “ماغريت”. فقد أنتج مجموعة من الأعمال التي جعلت مثل هذه الأشياء المألوفة غريبة ، حيث قام بتقسيمها إلى مشاهد غير مألوفة، أو تعمّد تصنيفها بشكل خاطئ لجعل معظم الأشياء اليومية تصرخ بصوت عالٍ على حد تعبيره. فبألغازه التصويرية واللغوية، جعل ماغريت المألوف مزعجًا وغريبًا وطرح أسئلة حول طبيعة التصوير والواقع.

The Son of Man, 1964, By: René Magritte

وكانت اللوحة السريالية تميل نحو أسلوب التجريد حتى أواخر العشرينيات، والذي غالبًا ما تم تطبيقها من خلال تقنيات تلقائية يُفترض أنها خارج السيطرة الواعية للفنان، لكن الفنان ماغريت قام بتطوير أسلوب تصويري يتحدى العالم الحقيقي من خلال تصوير طبيعي ومفصل للغاية للأشياء والموضوعات العادية.

فلم يختر كل فنان إنشاء مثل هذه الأعمال المجردة، وأدرك العديد منهم أن تمثيل المظهر الفعلي لشيء ما في العالم المادي قد يستحضر بشكل أكبر ارتباطات للمشاهد؛ حيث تكشف حقيقة أعمق عن نفسها. وقد ابتكر فنانون مثل دالي وماغريت رؤى واقعية للغاية تشبه الحلم تشكل نوافذ إلى عالم غريب يتجاوز حياة اليقظة، على سبيل المثال ، حيث يرسم فنان طائرًا أثناء طيرانه بينما ينظر إلى بيضة تجلس فوق طاولة، تشير إلى مشهد أحلام أو حالة هلوسة.

Clairvoyance, 1936, By: René Magritte

وقد استخدم العديد من الفنانين السرياليين الرسم أو الكتابة التلقائية لتمثيل الأفكار من اللاوعي، وسعى آخرون إلى تصوير عوالم الأحلام أو التوترات النفسية المخفية. وقد جذبت الكتاب والفنانين والمصورين وصانعي الأفلام من جميع أنحاء العالم الذين شاركوا هذا الرفض العدواني للقيم الفنية والأخلاقية التقليدية. وكان من أهمهم الفنان الاسباني الأشهر “سلفادور دالي – Salvador Dali”.

سلفادور دالي

يعد دالي من أكثر الفنانين الأكثر تنوعًا وانتاجًا في القرن العشرين والأكثر شهرة من السرياليين. وعند وفاته في 1989، كان قد ابتكر إرثًا مذهلاً لا يشمل فقط لوحاته السريالية الأكثر شهرة، بل يشمل أيضًا النحت والأفلام والتصوير الفوتوغرافي وغير ذلك الكثير. وتُظهر لوحاته أيضًا افتتانًا بالفن الكلاسيكي وعصر النهضة.

The Elephants, 1948, By: Salvador Dali

وقد اشتهر دالي بشخصيته المتوهجة بقدر ما اشتهر ببراعته الفنية التي لا يمكن إنكارها، وكشخصية غريبة الأطوار منذ الطفولة ، أحب دالي تخطي الحدود في حياته الشخصية والمهنية. وكان أيضًا محتالًا وأستاذًا في الترويج الذاتي. وقد طُرد دالي من مدرسة الفنون مرتين، أحدهما بسبب مشاركته في إحدى الاحتجاجات الطلابية، والآخر لعدم موافقته أداء الامتحانات الشفوية مبررًا ذلك: “أنا أكثر ذكاءً من هؤلاء الأساتذة الثلاثة ، وبالتالي أرفض أن يتم فحصي من قبلهم. أنا أعرف هذا الموضوع جيدًا.”

ولم يستخدم أي مواد مخدرة لتغيير حالته الذهنية. وقد قال:”أنا لا أتعاطى المخدرات، بل أنا المخدرات.” لكن لتحفيز إبداعه ، قام بتطوير طريقة سمحت له بالوصول إلى عقله الباطن، وكانت مساهمة كبيرة في الحركة السريالية، وكانت إحدى الطرق التي أبقى بها نفسه في حالة تشبه الحلم عبارة عن التحديق بثبات في شيء معين حتى يتحول إلى شكل آخر، مما أثار نوعًا من الهلوسة.

المصادر:

Tate
Artsy
The Art Story
MetMuseum
MoMa
Britannica
The Art Story

الحركة الدادية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 7 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

الحركة الدادية: سلسلة الفن الحديث

في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، بدأت أوروبا تفقد قبضتها على الواقع، فكان عالم أينشتاين أشبه بالخيال العلمي، وقامت نظريات فرويد بوضع العقل في قبضة اللاوعي، وكانت الشيوعية تهدف إلى قلب المجتمع رأسًا على عقب، وبدأت سلالة جديدة من الفنانين في مهاجمة مفهوم الفن نفسه، حتى أن الفنان (مارسيل دوشامب) قام برفض كل اللوحات؛ لأنها صنعت للعين وليس للعقل.

وغالبًا ما كان الفن والشعر والأداء الذي أنتجه فنانو (الحركة الدادية) ساخر وغير منطقي، فقد كان هدفهم تدمير القيم التقليدية للفن وخلق فن جديد يحل محل القديم. فكما كتب الفنان هانز آرب: “لقد كرسنا أنفسنا في زيورخ للفنون بعد مذبحة الحرب العالمية، فبينما كانت البنادق تدق في الساحات، كنا نغني ونرسم ونكتب القصائد بكل قوتنا.”

Fashion Show, By: Hannah Hock, 1935

تأسيس الحركة الدادية

قام الكاتب (هوغو بول) بتأسيس الحركة الدادية عام 1916 بملهى في زيورخ بسويسرا. فكانت الدادية حركة فنية وأدبية نشأت كرد فعل على الحرب العالمية الأولى. وقد تأثرت بحركات حديثة أخرى كالتكعيبية والمستقبلية والتعبيرية، وكان إنتاجها متنوعًا وشاملًا بدءًا من فن الأداء إلى الشعر والتصوير الفوتوغرافي والنحت والرسم والكولاج.

The Art Critic, By: Raoul Hausmann, 1920

وكانت هي الحركة السابقة لحركة الفن المفاهيمي conseptual art، حيث لم يكن تركيز الفنانين على صياغة أشياء مبهجة من الناحية الجمالية، ولكن على صنع أعمال غالبًا ما قلبت الأساسيات وولدت أسئلة صعبة حول المجتمع ودور الفنان وحتى الغرض من الفن. فكان أعضاء الداداية مصممين على معارضة جميع معايير الثقافة لدرجة أن المجموعة كانت بالكاد تؤيد نفسها وقاموا بالهتاف كثيرًا قائلين “الدادية معادية للدادية”.

وقد كان تأسيس المجموعة في ملهى Cabaret Voltaire مناسبًا؛ فقد تمت تسمية الملهى على اسم الكاتب الفرنسي في القرن الثامن عشر فولتير الذي سخرت روايته (Candide) من حماقات مجتمعه.

طبيعة الحركة الدادية

في عام 1919، رسم مارسيل دوشامب شاربًا ولحية صغيرة على طبعة لوحة الموناليزا للفنان ليوناردو دافنشي، وكان تشويه دوشامب متعمدًا ويهدف إلى التعبير عن رفض فناني الدادية لكل من السلطة الفنية والثقافية. وكتب دوشامب لاحقًا: “في عام 1913، كانت لدي فكرة بربط عجلة دراجة بمقعد مطبخ ومشاهدتها وهي تدور.” مما يعتبر مقدمة لكل من الفن الحركي والمفاهيمي.

Marcel Duchamp, L.H.O.O.Q. 1919

وقد أطلق اثنان من القادة العسكريين الألمان على الحرب اسم “معركة المعدات”. لكن الداديين وكما كتب (هوغو بول) في مذكراته: “الحرب مبنية على خطأ فادح، فقد تم الخلط بين الرجال والآلات”.

ولم تكن الحرب فقط هي من أثرت على الحركة الدادية، ولكن تأثير وسائل الإعلام الحديثة والعصر الصناعي الحديث للعلم والتكنولوجيا هو ما أثار فناني الدادية. وقد قيل أن ممثل الإنسان اليوم ليس سوى زر صغير على آلة عملاقة لا معنى لها.

لكن الداديين سخروا من هذا التجرد من الإنسانية، فقاموا بتشبيه الإنسان في أعمالهم بالتروس والبكرات والأقراص والعجلات والرافعات والمكابس. وعندما قام الداديون بتمثيل الشكل البشري، غالبًا ما تم تشويهه وجعله يبدو مصنعًا أو ميكانيكيًا. فكثرة المحاربين القدامى المعوقين بشدة ونمو صناعة الأطراف الاصطناعية ألهم الفنانين المعاصرين لأنهم خلقوا سلالة من الرجال نصف الميكانيكيين.

The Skat Players, By: Otto Dix, 1920

وقد ابتكر أيضًا الفنان (راؤول هاوسمان) عمل فني من دمية ذات شعر مستعار وأشياء غريبة ​​مختلفة – محفظة من جلد التمساح ومسطرة وساعة جيب- وأطلق عليها اسم (رأس ميكانيكي – The Mechanical Head).

Raoul Hausmann, The Mechanical Head, 1920

أشهر أعمال الدادية

لكن يعد العمل الفني Fountain واحدًا من أشهر أعمال (مارسيل دوشامب – (Duchamp ويُنظر إليه على أنه رمز لفن القرن العشرين وبداية فن ما بعد الحداثة. فقد قام بتقديم (مبولة) كعمل فني إلى جمعية الفنانين المستقلين – الملتزمة بدستور يقبل كل ما يقدمه الأعضاء-، لكنهم قاموا برفضها مبررين ذلك بأنه لا يمكن اعتبار قطعة من الأدوات الصحية عملاً فنياً.

Fountain, By: Marcel Duchamp, 1917

ذكر دوشامب لاحقًا أن فكرة Fountain نشأت من مناقشة مع جامع التحف (والتر أرينسبيرج) والفنان (جوزيف ستيلا) في نيويورك. فقد اشترى مبولة من مورد أدوات صحية وقدمها كعمل فني من تصميم R. Mutt لجمعية الفنانين المستقلين، والتي ساعد دوشامب نفسه في تأسيسها والترويج لها.

وبعد مناقشةٍ وتصويت، قرر المديرون الحاضرون نيابة عن مجلس الإدارة استبعاد تقديم العمل الفني. فقام دوشامب وأرينسبيرج بالاستقالة احتجاجًا على قرار مجلس الإدارة.

لم يعلق دوشامب صراحة على سبب رغبته في اختبار مبادئ زملائه من أعضاء مجلس الإدارة، ولكن ربما نشأ ذلك من تجربته في صالون باريس عام 1912 عنما قدم لوحته الشهيرةNude Descending a Staircase إلى الصالون، وعلى الرغم من إدراج العمل في الكتالوج، فإن المنظمين لم يكونوا راضين عن موضوع اللوحة وعنوانها، فقام إخوة دوشامب -الذين كانوا فنانين- ، بالطلب منه بسحب العمل قبل أيام قليلة من افتتاح العرض. وقد قام بفعل ذلك بهدوء، لكنه اعتبر ذلك بمثابة خيانة غير عادية ووصفها لاحقًا بأنها نقطة تحول في حياته.

وبالتالي يمكن اعتبار تقديم Fountain جزئيًا على أنه تجربة قام بها لإعادة عرض هذا الحدث، واختبار التزام المجتمع الأمريكي الجديد بحرية التعبير وتحمله للمفاهيم الجديدة للفن.

وعلى الرغم من كل ذلك الازدحام، واعتبار الحركة بأنها واحدة من أكثر الفنون تأثيرًا في الفن الحديث، حيث أنذرت بقدوم الفن التجريدي والمفاهيمي، وفن الأداء، والعمليات، وفن البوب، لكنها انتهت في أقل من عقد من الزمان ولم تمتلك هذا النوع من المتاحف الكبرى بالشكل الذي تستحقه حتى الآن.

المصادر:
The Art Story
Tate
smithsonian mag
Tate

المدرسة المستقبلية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 6 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

ظهرت المدرسة المستقبلية في أوائل القرن العشرين، وكانت حركة فنية إيطالية تهدف إلى التقاط ديناميكية وطاقة العالم الحديث في الفن بالإضافة إلى الصناعة والتكنولوجيا، وقد خلقت المستقبلية لوحاتٍ تعبر عن فكرة ديناميكية وطاقة وحركة الحياة الحديثة.

وقد سعى المستقبليون إلى التخلص من المفاهيم الفنية التقليدية بالتركيز على التقدم والحداثة وعصر الآلة. فقد تم التركيز على خلق رؤية فريدة للمستقبل، فأنتج الفنانون لوحات للمناظر الحديثة بالإضافة إلى التقنيات الجديدة: كالقطارات والسيارات والطائرات.

وقد طورت المجموعة عددًا من التقنيات الجديدة للتعبير عن السرعة والحركة والديناميكية، بما في ذلك التمويه والتكرار واستخدام الخطوط القوية. وقد تم تطوير هذه الطريقة الأخيرة من عمل التكعيبيين وأصبح إدراج هذه الخطوط سمة من سمات الصور المستقبلية.

“il Trittico della Velocità: Il Via”, By: Gerardo Dottori 1927

تأسيس المدرسة المستقبلية

أسس الكاتب الإيطالي (فيليبو توماسو مارينيتي) المدرسة المستقبلية عن طريق بيان صحفي والذي قام فيه بمطالبة الثقافة الإيطالية بتبني الحداثة والتوقف عن النظر للخلف، والتخلي عن المواضيع التقليدية والكلاسيكية بتصوير الحياة الحديثة التي أحاطت بهم بدلاً من ذلك.

وقد عبر فيه عن مشاعر الكره لكل شيء قديم، خاصة التقاليد السياسية والفنية. فقد قال في البيان: “لا نريد جزءًا من الماضي، نحن المستقبليون، الشباب والأقوياء!” فقد أضمر المستقبليون إعجابًا شديدًا بموضوعات بالسرعة والتكنولوجيا والمدن الصناعية والآلات الحديثة كالسيارة والطائرة، وقد اعتبروا كل ذلك بمثابة الانتصار التكنولوجي للبشرية على الطبيعة.

كانت المجموعة في أوج نفوذها بين عامي 1909 و1914، ولكن أعاد مارينيتي إطلاقها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. جذب هذا الإحياء فنانين جدد وأصبح يعرف بالجيل الثاني من مستقبلية، وعرضت أعمالهم في جميع أنحاء أوروبا.

“Trasvolatore”, By: Gerardo Dottori , 1931

وبمجرد انتشاره سرعان ما انضم إليه عدد من الفنانين بينهم: (أمبريتو بوكيوني)، و(كارلو كارا) و(جياكومو بالا). وقد تأثر المستقبليون بحركات فنية أهمها (ما بعد التأثيرية) و(التكعيبية)، لكن كانت لوحاتهم أكثر ديناميكية وحركة من لوحات (بابلو بيكاسو) و(جورج براك).

أهم فناني المدرسة المستقبلية

أمبرتو بوكيوني

كان أمبرتو بوكيوني رسامًا ونحاتًا التقى بالكاتب مارينيتي بعد انتشار البيان الصحفي وأصبح من أهم مؤسسي الحركة المستقبلية. وكان اهتمام بوكيوني بالتكعيبية واضحًا، فقد دمج الطريقة التكعيبية في رسمه للأشخاص بالكولاج والخطوط المستقيمة القوية التي أدت إلى إظهار الحركة.

ولم يكن غرضه تحليل وتقديم أحجام العناصر بشكل كامل، ولكن التقاط وتمثيل الديناميكية والحركة. كما قدمت إنارة الشوارع التي تم تركيبها مؤخرًا في ميلانو للفنان مواضيع جديدة ليعمل عليها، بالإضافة إلى تأثيرات ضوئية جديدة. وقد رسم مشهدين في غاية الجمال من الأحداث بعد حلول الظلام.

Simultaneous Visions“, By Umberto Boccioni, 1912
“Unique Forms of Continuity in Space”, By: Umberto Boccioni, 1913

جياكومو بالا

كان بالا رسامًا إيطاليًا ومعلمًا للفنون وشاعرًا معروفًا كمؤيد رئيسي للمستقبلية. وقد صوّر في لوحاته الضوء والحركة والسرعة.

كان أحد الأعضاء الأكبر سنا في الحركة المستقبلية. وقبل الانضمام إلى المستقبليين، كان يتبع حركة (ما بعد الانطباعية)، وخصوصًا الأسلوب المسمى بالـ (تقسيمية) –الذي سمي بذلك لاعتماده على تقسيم الألوان إلى الأجزاء المكونة لها على اللوحة وترك ضربات الفرشاة مرئية بدلاً من مزجها-.

“Street Light”, By: Giacomo Balla, 1911 

ونظرًا لأن لوحة “Street Light” قد تم رسمها في وقت مبكر من الحركة المستقبلية، فإن أسلوبه هنا لا يزال في الأساس تقسيميًا. فقد استخدم ضربات فرشاة واضحة وجريئة على شكل V متكرر لتوضيح الضوء والطاقة المنبعثة من المصباح. لكنه قد تخلى عن الأسلوب التقسيمي في النهاية لأنه بدا في النهاية غير تابع (للمستقبلية) بل مرتبطًا بالأجيال الماضية.

وبعد أن زار المستقبليون باريس معًا، تأثر العديد منهم بالتكعيبية. وعلى الرغم من تغييرهم للتقنية وتركيزهم بشكل أكبر على الموضوعات المستقبلية، بدأ بالا في استكشافات لرسم الحركة بطرق أخرى. وقد ظهر أسلوب جديد منهم في لوحة “Dynamism of a Dog on a Leash”. وفي وقت لاحق، بدأ مرحلة تجريدية استكشافية رسم فيها حركة السيارات وطيران الطيور وحركة الضوء نفسها.

“Dynamism of a Dog on a Leash”, By: Giacomo Balla, 1912

تظهر هذه اللوحة امرأة وهي تمشي مع كلبها الصغير الأسود على رصيف المدينة. ويظهر في اللوحة طريقة ضرب أقدام المرأة على الأرض، إلى جانب الطيات السفلية لملابسها السوداء، وكذلك أقدام الكلب وذيله وأذنه المرنة وتصويرها عن قرب شديد، وبدرجات متفاوتة من الشفافية والعتامة. وقد تحول الحبل المعدني الواحد إلى أربعة منحنيات متكافئة تربط المرأة بالكلب، وقد أدى خلق هذا التكرار للعناصر المتحركة إحساسًا بحركتهم الأمامية التي تتعارض مع الخطوط الرصيف.

وقد كان (بالا) يأخذ نوع من الموضوعات التي تخصصت فيه الانطباعية، لكن يقع الاختلاف اختياره لتفصيلية ومقطع واحدة فقط يقوم باختياره عشوائيًا ويجعله محور اللوحة الكاملة، فيقوم بذلك بجعل موضوع تافه حدثًا رئيسيًا.

المصادر:
The Art Story
TATE
MET MUSEUM

المدرسة التكعيبية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 5 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

غالبًا ما تأتي المدرسة التكعيبية أو -التجريدية- في المقدمة حين يذكر الفن التشكيلي، ولعل سبب شهرة الفن التكعيبي هو اختلافه الكبير عن بقية الفنون الحديثة، وسرعة انتشاره وتأثر الكثير من الفنانين به، مما أدى إلى تأثر الناس به سواء كانوا محبين للفنون أم لا. وقد أدت بشكل رئيسي إلى تشكيل اتجاه الفن الحديث والمعاصر عبر العقود.

فتعتبر المدرسة التكعيبية هي واحدة من أكثر المدارس تأثيراً في القرن العشرين، وقد بدأت في حوالي عام 1907. وقد ابتكرها كلًا من “بابلو بيكاسو” و”جورج براك”. واستمد اسم (التكعيبية) من تعليق أدلى به الناقد “لويس فوكسيلز” عند رؤية بعض لوحات الفنان “جورج براك” عام 1908 بأنها اختزلت كل شيء إلى أشكالٍ هندسية و مكعبات.

فتحت التكعيبية أبوابًا لإمكانياتٍ جديدة لوصف ومعالجة الواقع بشكل فني، واعتُبرت نقطة البداية للعديد من الأساليب التجريدية في وقت لاحق.

Painter and Model”, 1928, By: Pablo Picasso”

مميزات المدرسة التكعيبية

أكدت المدرسة التكعيبية على التسطيح والشكل ثنائي الأبعاد للعناصر والأقمشة بدلاً من خلق وهم العمق والمنظور، فكان هذا بمثابة انفصال ثوري عن الشكل الأوروبي التقليدي المتمثل في خلق وهم الفراغ والعمق باستخدام أدوات تساعد على ذلك كالمنظور الهندسي، والذي سيطر على الفن منذ عصر النهضة. وتتميز التكعيبية أيضًا بالكتل المفككة بطريقة تمكنك من رؤيتها من عدة زوايا في آنٍ واحد.

“Bread and Fruit Dish on a Table”, 1909, By: Pablo Picasso

ما الذي ألهم ظهور التكعيبية؟

تأثرت المدرسة التكعيبية جزئيًا بالأعمال المتأخرة للفنان “بول سيزان” أبو الفن الحديث، وأبرز فنان في حركة (ما بعد التأثيرية) حيث قام برسم عناصر وأشياء من وجهات نظر مختلفة قليلاً.

وقد استلهم بابلو بيكاسو أعماله أيضًا من الأقنعة القبلية الأفريقية والتي تظهر بشكل متكلف وغير طبيعي قليلًا، لكن تظهر الأشكال بشرية حية في اللوحات رغم ذلك، فقد قال بيكاسو: “لا يعتبر الوجه إلا مسألة عيون وأنف وفم يمكن توزيعهم بأي طريقة تريدها.”

“Dora Maar au Chat”, 1941, By: Pablo Picasso

بابلو بيكاسو

كان بيكاسو فنانًا مبتكرًا لحدٍ كبير، فقد قام بتجارب وابتكارات كثيرة خلال سنواته التي تزيد عن 92 عامًا على الأرض. ولم يكن رسامًا فحسب، بل كان نحاتًا وشاعرًا، وأنتج أعمالًا خزفية ومطبوعة. ومن الجدير بالذكر أن بيكاسو عاصر الحربين العالميتين، وتوفي عام 1973.

فترات بيكاسو الفنية

عرفت أول مرحلة لأعمال بيكاسو باسم (المرحلة الزرقاء). وقد امتدت تلك الفترة الفنية المعروفة باسم (الفترة الزرقاء) من عام 1901 إلى عام 1904. وخلال هذا الوقت، تميزت لوحاته بظلال من اللون الأزرق، مع لمسات من ألوان دافئة نوعًا ما. فقد تميز مثلًا العمل الفني الشهير عام (The Old Guitarist) بجيتار بألوان بنية أكثر دفئًا وسط الأشكال الزرقاء.

وغالبًا ما يُنظر إلى أعمال على أنها كئيبة، يعزو المؤرخون الفترة الاكتئاب الواضح الذي أصابع للفنان بعد انتحار صديق له. وكانت الموضوعات المتكررة بالفترة الزرقاء هي العمى والفقر.

أما الفترة التي تلتها فتسمى الفترة الوردية، وقد استمرت من 1904 حتى 1906. وتميزت لوحات تلك الفترة بأجواء أكثر دفئًا وأقل حزنًا من لوحات الفترة الزرقاء. أما موضوعاتها فقد كانت في الغالب عن المهرجين والسيرك.

أما بالنسبة للتكعيبية فقد بدأت أخيرًا في تلك الفترة في عام 1907 حين التقى براك ببيكاسو. وفي ذلك الوقت، كان بيكاسو ينتج أعمالًا في فترة سميت بالـ (الفترة الأفريقية)، حيث كانت أعماله تتميز بطابع بدائي متأثرةً بالأقنعة والنحت الأفريقي. وقد بدأت التكعيبية مع لوحة بيكاسو الشهيرة (آنسات آفنون) Demoiselles D d’Avignon والتي تضمنت أشكالًا تكعيبية ومستوحاة من الفن الأفريقي.

Les Demoiselles d’Avignon“, 1907,

لكن من المحتمل أن يكون عمل بيكاسو الأكثر شهرة، هي اللوحة الجدارية Guernica والتي تعد أقوى تصريح سياسي له، فقد تم رسمها كرد فعل لحادثة القصف المدمرة للنازيين على بلدة جيرنيكا خلال الحرب الأهلية الإسبانية.

تظهر هذه اللوحة مآسي الحرب والمعاناة التي ألحقتها بالأفراد والمدنيين الأبرياء. وقد اكتسب هذا العمل وضعًا هائلاً وأصبح تذكيرًا دائمًا بمآسي الحرب ورمزًا رافضًا للحرب وتجسيدًا للسلام.

وقد تم عرض اللوحة عند انتهاءها حول العالم في جولة قصيرة، وأصبحت مشهورة ومعروفة على نطاق واسع، والتي ساعدت في لفت انتباه العالم إلى الحرب الأهلية الإسبانية.

“Guernica”,1937 

جورج براك

أمضى “براك” معظم حياته المهنية في العمل مع “بيكاسو” عندما ركزا على تطوير نمط جديد من الفن وتقديمه إلى العالم. طور الاثنان مواضيع جديدة وخطوط جريئة وسلسلة منظمة من الألوان الداكنة، وخلقوا أسلوب التكعيبية. وقد كان هدفهم هو تطوير طريقة جديدة تعكس العصر الحديث. قام “براك” أيضًا بدمج الملصقات في اللوحة بأكملها.

وكان فن (الكولاج) إضافة جديدة وقتها وأسلوبًا رئيسيًا اتبعته خلال هذه الفترة في أعماله الفنية أيضًا. وكان براك وبيكاسو أول من استخدموا الكولاج وقتها وقاموا بدمج مختلف الخامات والوسائط على اللوحة غير اللون.

Houses at Estaque“, 1908, By: Georges Braque

وقد مرت التكعيبية بمرحلتين: التحليلية والتركيبية. تُعرف المرحلة الرسمية الأولى للحركة باسم التكعيبية التحليلية، وتتميز بلوحات فوضوية لأشياء مجزأة تم عرضها بألوان محايدة. طبق بيكاسو أيضًا مبادئ التكعيبية التحليلية على ممارسته للنحت، والتي ظهرت بشكل واضح في مجموعة من التماثيل النصفية.

أما التكعيبية التركيبية هي المرحلة الثانية للحركة التكعيبية، وخلال هذا الوقت، قام بيكاسو وبراك وجريس وغيرهم من الفنانين بتبسيط تراكيبهم وإضاءة لوحات الألوان الخاصة بهم.

المصادر:
TATE
My Modern Met
Georgesbraque.org
PabloPicasso.org

المدرسة التعبيرية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 4 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

كانت المدرسة التعبيرية من أكثر تيارات الفن إثارة للجدل وواحدة من أهم التيارات الرئيسية للفن الحديث في القرنين الـ19 والـ20 لعدة أساب؛ فقد نشأت في جو كان يسوده الظلم والقهر، وكان ذلك في ظل الحرب العالمية الأولى والثانية، بالإضافة إلى خصائصها في التعبير عن الشخصية  والذات العميقة.

فهو الأسلوب الفني الذي لم يسع فيه الفنان إلى تصوير الواقع، بل صوّر العواطف والاستجابات التي تثيرها الأحداث داخل الشخص. ويعتبر هو الهدف الذي يحققه الفنان من خلال التشويه والمبالغة والبدائية والخيال، والتطبيق العنيف والديناميكي للعناصر.

Tired Of Life“, By: Ferdinand Hodler, 1892

ولادة المدرسة التعبيرية

على الرغم من أن مصطلح التعبيرية يمكن إطلاقه على الأعمال الفنية من أي عصر، إلا أنه مرتبط بشكل محدد بالفن الألماني الذي ظهر في القرن العشرين. وقد ظهرت التعبيرية كرد فعل على الانطباعية والفن الأكاديمي. وظهرت بشكلٍ أساسي من فن فان جوخ ضامة العديد من الفنانين: إدوارد مونش وجيمس إنسور وهودلر وهنري ماتيس – رائد المدرسة الوحشية- وإيجون شيلي وماكس بيكمان وبابلو بيكاسو وبول كليي وغيرهم.

وقد طور كل منهم أسلوبًا شخصيًا للغاية مستغلين التعبيرات التي تنتجها الألوان والخطوط لعرض الموضوعات الدرامية المليئة بالعاطفة، أو لنقل تعبيرات الخوف والرعب والبشاعة، أو ببساطة لعرض قوة الهلوسات والحالات الذهنية وما تفعله الطبيعة بالشخصية والذات الداخلية.

Anxiety“, 1894, By: Edvard Munch
Self-Portrait with Lowered Head“, 1912, By: Egon Schiele

وكان هؤلاء الرسامين في ثورة ضد ما اعتبروه الطبيعة الطبيعية السطحية للانطباعية الأكاديمية. فقد شعروا أن الفن الألماني يفتقر إلى الروحية، وسعوا للقيام بذلك من خلال تعبير عصري وبدائي وعفوي وشخصي للغاية.

صفات اللوحات التعبيرية

تم استوحاء المدرسة التعبيرية من التيارات الحديثة السابقة، وسرعان ما طور التعبيريون أسلوبًا ملحوظًا لقسوته وجرأته وكثافته البصرية؛ فاستخدموا خطوطًا خشنة ومشوهة بفرشاة سريعة وخشنة وتضارب الألوان لتصوير مشاهد موضوعات عصرية مختلفة في تركيبات مزدحمة تتميز بعدم الاستقرار وبالأجواء المشحونة بالعاطفة.

Tavern“, 1909, By: Ernst Ludwig Kirchner

وقد عبرت العديد من أعمالهم عن الاستجابة للقبح والابتذال الفاحش، والتناقضات التي يواجهونها في الحياة الحديثة، بالإضافة إلى الإحباط والقلق والاشمئزاز والسخط والعنف، خصوصًا أن تلك الحركة نشأت في فترة الحرب العالمية الثانية. وقد طور الفنانون التعبيريون نمطًا قويًا من النقد الاجتماعي بأعمالهم الحيوية والألوان الجريئة.

استمرت المدرسة التعبيرية وانتشرت في جميع أنحاء أوروبا، وقد نبع منها في وقت لاحق العديد من الفنانين والتيارات الفرعية مثل: التعبيرية التجريدية والتعبيرية الجديدة ومدرسة لندن.

“Self-Portrait with a Model”, 1910, By: Ernst Ludwig Kirchner
The Intrigue“, 1890, By: James Ensor

الفن التعبيري والنازية

شنت النازية سلسلة من الحملات الشنيعة ضد الفن التعبيري أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى تدمير وحرق الأعمال الفنية وطرد الفنانين من التدريس ومنعهم من ممارسة الفن حتى في بيوتهم بالإضافة إلى النفي. ويعد أشهر ما حدث هو التشهير بالفن التعبيري على الملأ بطريقة لم يتوقعها أحد!

فقد عُقد في ميونيخ عام 1937 معرضين على بعد بضع مئات الأمتار من بعضهما فقط، كان أحدهما (المعرض الكبير للفن الألماني) الذي قام بعرض أمثلة رائدة للفن الحديث. وكان الآخر معرض (الفن المنحط)الذي قدم جولة عبر الفن الذي رفضه النازيون لأسباب أيديولوجية.

وقد كانت المرئيات مهمة للنازيين، وكان هتلر نفسه رسامًا، لذلك لم يكن من الغريب أن تكرس النازية موارد كبيرة للترويج لأفكارهم من خلال الفن، والتي ظهرت بوضوح في معرض الفن الألماني الذي أقاموه. فقد أظهر ذلك المعرض أعمالًا بالسمات الكلاسيكية، ومنحوتات كبيرة ذات أجسام عضلية مثالية، ولوحات للجنود والأبطال، والتي كانت تدعوا للتفاؤل والشباب والبهجة.

معرض الفن المنحل

أما معرض (الفن المنحل)، فقد عرضت فيه الأعمال التعبيرية وبعض من التجريدية. والتي كانت أعماله تخاطب الذات والغرائز وتعبر عن القبح والفساد الداخلي والخارجي، بل وتقوم بانتقاد المجتمع بجرأة.

ورغم أن الكثير من تلك الأعمال الفنية مفضلة للكثير من النازيين قبل أن توضع في ذلك المعرض،  فقد تلاعب معرض (الفن المنحل) بالزائرين ليكرهوه ويسخروا منه من خلال محو معانيه الأصلية، بل وتم تعزيز قيمة الصدمة من خلال عدم السماح لمن دون سن الـ18 بالدخول. وقد تمت إهانة الأعمال الفنية به عن طريق إخراج العديد منها من إطاراتها ووضعها بشكلٍ عشوائي على جدران كتب عليها شعارات غاضبة.

فبدلا من أن تُرى تلك الأعمال باحترام، خدع القائمين على ذلك المعرض الزوار وأصبحوا يرون الأعمال كقمامة خطيرة وشنيعة، وفقدت مكانتها كأعمال فنية عظيمة. وقبل أن يقام ذلك المعرض، عرضت تلك الأعمال الفنية في أعظم المتاحف في البلاد.

وقد استمرت العشوائية النازية بعد إغلاق هذه المعارض، حتى أن الفنان إيميل نولده تم منعه من الرسم في بيته، فقد كان يتلقى زيارات دائمة من الشرطة السرية والتي كانت تأتي لتلمس فرشه للتأكد من أنها لم تستخدم! لكن احتال نولده عليهم أحيانًا حين رسم بالألوان المائية، والتي كانت تجف فرشها بشكل أسرع من الألوان الزيتية.

أما الفنان كريشنر، فقد انضم انضم إلى الجيش الألماني لكنه عانى في النهاية من انهيار عصبي. وعلى الرغم من اعتلال الصحة ومحاولاته للتعافي، استمر في إنتاج الأعمال الفنية بشراهة. كن ضم النازيون أعماله في معرض (الفن المنحل)، وتمت إقالته من أكاديمية برلين للفنون. وفي عام 1937، تم مصادرة أكثر من 600 من أعماله وتدميرها أو بيعها، وبعدها بعام واحد فقط أدت المعاناة النفسية التي سببتها له السلطات النازية وتشتت أعماله وتدميرها، والاحتلال النازي للنمسا بالقرب من منزله إلى انتحاره في نهاية المطاف.

المصادر:

Britannica
The Art Story
Khan Academy
NGA gov

الحركة الرمزية وحركة الانفصال الفيينية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 3 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

مقدمة

ظهرت الحركة الرمزية في الفترة التي خضع فيها الفن في القرن العشرين لعملية تغيير مستمر وسريع مثل البيئة الاجتماعية التي أنتج فيها. فلم يعد الواقع يُمثُّل عن طريق الفن في أوروبا. بل كان يتم تسجيل الأحداث التاريخية بدقة من خلال الوسائط الأحدث: كالتصوير الفوتوغرافي والسينما.

وقد انتقل سوق الفن أيضًا من الصالونات العامة الكبرى إلى نظام صالات العرض الخاصة. فأصبح حجم اللوحات أصغر، ومواضيعها شخصية بشكل أكبر واستطاعت أن تكون حرة وأكثر تجريبية. وقد مكّن ذلك الفنانين من الاستجابة للواقع المتغير من حولهم وجعلهم مواكبين للعصر. مما أدى إلى إنتاج لوحات مبتكرة ومليئة بالتأثيرات والمعاني الجديدة.

الحركة الرمزية

تطورت الحركة الرمزية في البداية كحركة أدبية فرنسية في ثمانينيات القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من ذلك، فقد تبعها جيل من الرسامين ممن رفضوا تمثيل الواقع والطبيعة. فقد اعتقد رساموا الرمزية أن الفن يجب أن يعكس عاطفة أو فكرة بدلاً من تمثيل العالم الطبيعي بطريقة المدرستين الواقعية والانطباعية.

وقد قامت الرمزية بالتمرد على العقلانية والمادية التي هيمنت على ثقافة أوروبا الغربية. وهي نفس الفلسفة التي شملت اقتناع الشاعرالفرنسي الرمزي (ستيفان مالارميه – Stéphane Mallarmé) بأن الواقع تم التعبير عنه بشكل أفضل من خلال الشعر، لأنه يوازي الطبيعة بالمعاني والعواطف بدلاً من تكرارها وتقليدها.

وغالبًا ما كانت اللوحة المرتبطة بالحركة الرمزية قائمة على الموضوعات الأدبية والأساطير، لكنها قامت أيضًا على الخيال الشخصي والحلم.

Angel, I will follow you, By: Jacek Malczewsk, 1901

وقد فكر الفنان الفرنسي (موريس دنيس – Maurice Denis) في إمكانية التقليل من الحاجة إلى الواقعية في الفن باستخدام الخط واللون بشكل أساسي. فشملت لوحاته موضوعات مألوفة -كالمشاهد الدينية، ونساء في الغابات. لكن تم تصويرها بألوان غير واقعية تحدها الخطوط الزخرفية المتدفقة. فلا يجب أن يتم وصف الحقيقة بشكل واضح ومباشر؛ بل يمكن للعقل البشري أن يفهمها من خلال الاستعارة الرموز.

بم تميزت الحركة الرمزية؟

ومما ميز الرمزية هو ابتعادها عن المبالغة لاستحضار المزاج أو الشعور. فكانت فكرتها الشائعة هي وجود مجموعة من الشخصيات التي لا تتفاعل بأي طريقة مباشرة. فلا تلتقي أعينهم أو تشير إيماءاتهم ونظراتهم لشيء، بل تدل على غوص كل واحد في خياله الخاصة.

The Yellow Sail, Odilon Redon, 1905, Pastel On paper
Mystical Conversation, By: Odilon Redon, 1896

فالتكوينات –العناصر والأشخاص والخلفية- في اللوحات الرمزية مصطنعة وليست واقعية. ويزداد هذا الإحساس من خلال التركيز على اللون والخط، وعلى الطرق التي ترتبط بها أجزاء اللوحة المختلفة مع بعضها البعض ضمن شكل عام.

كانت الحركة الرمزية موجهة نحو موضوعات نفسية معاصرة غذت أعمال الفنانين والكتّاب الرمزيين وكانت من المحرمات: كالرغبات الجنسية والشهوة والانحراف والحب والخوف والكرب، أو الصوفية الدينية والسحر.

Danaë, By: Gustav Klimt, 1908
Spirit of the Dead Watching, By: Paul Gauguin, 1892
قال غوغان أن العنوان قد يشير إما أن الفتاة تتخيل الشبح، أو أن الشبح يتخيلها.

حركة الانفصال الفيينية

في نفس الفترة الزمنية، ظهر بالتوزاي مع الرمزية حركة فنية جديدة تسمى (حركة الانفصال الفيينية). ومثلها أعمال الفنانين الشبان في (فيينا) الذين انفصلوا عن طرق وأساليب الأكاديمية المحافظة للفنون في المدينة. إذ ظلت مدارس فيينا الفنية وصالونها السنوي مرتبطين بالنمط الفني الأكاديمي القديم. وكان من أهم المؤسسين لتلك المدرسة (غوستاف كليمت – Gustav Klimt). يعتبر كليمت أشهر فنان في فيينا في ذلك الوقت. وكانت مكانته كبيرة كواحد من أعظم المصورين وفناني الديكور في القرن العشرين. وقد انتشر أسلوب الانفصال عن الأكاديميات عمومًا في العديد من المدن في جميع أنحاء أوروبا.

Death and Life, By: Gustav Klimt, 1908–1915

لم تكن هناك خصائص موحدة للتصوير أو النحت أو حتى العمارة لتلك الحركة. لكن التزم أعضاؤها بدلًا من ذلك بتحديث الفن من خلال التعرف على حركات الفن الحديث كما بعد التأثيرية. بالإضافة إلى الأنماط العصرية للفن الزخرفي كـ (الفن الجديد – Art Nouveau).

نشأت تلك الحركة وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بذلك الأسلوب (Art Nouveau) لمصممين ملّوا من الكلاسيكية الجديدة والموضوعات التاريخية. أرادوا نقل العصر لاتجاه التصميم الحديث. فقد نظروا للتصميم على أنه أكثر من مجرد تطبيق للجماليات، وسعوا إلى دمج الموضوع والجماليات والتصميم في أشكال متناغمة.

Beethoven Frieze, By: Gustav Klimt, 1902

واصل كليمت تحسين الصفات الزخرفية بحيث أصبحت الأنماط المسطحة والمتلألئة لأعماله شبه مجردة. وتعرف الآن باسم “المرحلة الذهبية”، والتي تعتبر في النهاية الموضوعات الحقيقية للوحاته. وعلى الرغم من كونه فنانًا تابعًا “للفنون الجميلة”، إلا أنه كان من الدعاة البارزين للمساواة بين الفنون الجميلة والزخرفية.

اعتقد فنانو تلك الحركة بأن الفن يمكن أن يلعب دورًا مركزيًا في التحسن الاجتماعي. مما أدى إلى شمول جميع أنواع الفن وليس فقط التخصصات الأكاديمية كالتصوير والنحت. فقد أدرجت جميع الفنون التي طبقت ذلك المبدأ من الرسم إلى العمارة تحت ذلك العنوان. فحتى الحرف اليدوية والتي لم تكن تعتبر فنًا قامت تلك الحركة الجديدة باحتضانها كجزء منها.

وقد جاء في بيان مبكر نشرته المجموعة:

“نحن لا ندرك أي فرق بين الفنون العظيمة والثانوية، بين فن الأغنياء والفقراء. الفن ملك للجميع.”

تبعات الثورة الصناعة على الحركة الرمزية

وقد أدت الثورة الصناعية والإنتاج الضخم إلى استنساخ التحف القديمة بشكل سيئ، فحاولت تلك الحركة إحيائها لكن بدقة وحرفية شديدة. فقد أرادوا إحياء ذلك بعهد جديد من التصميم الذي يرفض العبث بأسس جماليات الشيء.

أشهر من قدموا إسهاماتٍ في هذا المجال هو (لويس كومفورت تيفاني – Louis Comfort Tiffany) أحد أشهر الفنانين الأمريكيين. تبنى كومفورت كل وسيلة فنية وزخرفية تقريبًا. وقام بتوجيه مرسمه لإنتاج نوافذ زجاجية وفسيفساء ووحدات إضاءة وزجاج وفخار وأعمال معدنية ومجوهرات وديكورات داخلية.

وبصفته نجل (تشارلز لويس تيفاني) مؤسس متجر السلع الفاخرة (Tiffany & Co)، تحوّل إلى شركة المجوهرات والفضة الشهيرة اليوم. واختار متابعة اهتماماته الفنية بدلاً من الانضمام إلى الأعمال العائلية.

water-lily table lamp, Designed by: Louis Comfort Tiffany, 1904–1915
وهو أحد أنجح تصاميم تيفاني التي تم تنفيذها لمنتجات شركته المعروفة المصنوع بخامة الزجاج المعشّق بالرصاص.

كانت الرمزية والفن الجديد (Art Nouveau) حركات فنية متزامنة موجودة كل منها بمفردها، لكنها غالبًا ما وجدت سويًا في قطعة فنية واحدة. بينما ركزت الرمزية على الاستخدام المجرد للرموز للتعبير عن الواقع الروحي وراء العالم المادي، حين سعت الأخرى إلى جلب الحداثة والأناقة للتكوين والتصميم. عندما أرادت الرمزية تكوين صور من الأحلام، ساعدتها الحركة الأخرى كثيرًا حين وفّرت لها خلفية مثالية بالخطوط الدائرية والطبيعة الأثيرية.

_____________

المصادر:

All art
MetMuseum
TATE
The Artist
Visual Arts Cork
The Art Story

المدرسة الوحشية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 2 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

تعتبر المدرسة الوحشية أول حركة فنية في القرن العشرين في الفن الحديث، وهو الاسم المطلق على الأعمال التي أنتجتها مجموعة من الفنانين من حوالي 1905 إلى 1910، والتي تميزت بشدة بألوانها قوية والفرشاة الشرسة.

وقد استلهم الوحشيون أعمالهم في البداية من فناني ما بعد التأثيرية كـ فان جوخ وبول غوغان وجورج سورا وبول سيزان. وتكونت المدرسة الوحشية من مجموعة من الرسامين الفرنسيين ذوي المصالح المشتركة، والذين اهتموا بالفنون المتحررة (كالبدائية والفطرية وفنون الأطفال).

أُطلق عليهم هذا الإسم عندما صاغه الناقد (لويس فوكسيل) حينما رأى أعمال (هنري ماتيس-Henri Matisse) و(أندريه ديران-André Derain) في صالون (ديوتومني) في باريس عام 1905 وانذعر من الألوان الصارخة التي تغطي الجدران حول تمثال لطفل من البرونز المستمد من عصر النهضة وصاح قائلًا “دوناتللو بين الوحوش!”. وقد ألهمت الوحشية بشكل كبير المدارس اللاحقة كالتكعيبية والتعبيرية والتجريدية وغيرهم.

The Dessert: Harmony in Red, 1906, By: Henri Matisse

صفات المدرسة الوحشية

  • كان من أهم سمات المدرسة الوحشية الرئيسية هو فصل اللون عن العنصر والسماح له بالوجود على اللوحة كعنصر مستقل. فيمكن للون أن يعبر عن مزاجٍ ويؤسس هيكلًا داخل العمل الفني دون أن يكون حقيقيًا كما في العالم الواقعي.
  • يعتبر التوازن الكلي للتكوين من أهم مميزات المدرسة الوحشية، بالإضافة للأشكال المبسطة والألوان البراقة، مما أعطى انطباعًا بصريًا فوريًا للعمل بالقوة والوحدة.
  • استخدام ألوان جريئة وغير طبيعية (غالبًا ما يتم تطبيقها على اللوحة مباشرة من أنابيب الألوان) وتبسيط أشكال الموضوعات أيضًا مما يجعل أعمالهم تبدو مجردة تمامًا.
  • تشارك فنانو المدرسة الوحشية في تحديد الألوان والأشكال بخطوط واضحة كوسيلة للتواصل مع الحالة العاطفية للفنان.
  • كان أهم شيء قامت الوحشية بتقديره هو التعبير الفرد، فقد كانت رؤية الفنان المباشرة في موضوعاته واستجابته العاطفية للطبيعة وحدسه أكثر أهمية من النظرية الأكاديمية أو الموضوعات الكبيرة كالأسطورية والدينية.
Landscape near Chatou, 1904, By: André Derain

هنري ماتيس

يعتبر ماتيس من أهم فناني الوحشية ورائدًا لها. ولد لعائلة من النساجين وتأثر وهو طفل بالألوان والأنماط الزاهية للمنسوجات المحلية. وقد تم إيقاظ إحساسه الفني باللون (أساس الوحشية) حينما أعطته والدته الألوان ليرسم عندما عاد المنزل ليتعافى بعد إجراءه للزائدة الدودية. وقد قال ماتيس عن ذلك في وقت لاحق: “منذ اللحظة التي أمسكت فيها بالألوان بين يدي، علمت أن هذه هي حياتي. فقد ألقيت نفسي بها كوحش يغوص نحو ما يحبه.”

وقد تم وصف طريقته خلال مساره المهني طويل بـ “البناء بالأسطح الملونة”. وظل على هذا المسار خلال المراحل المختلفة من أعماله، بدءًا من لوحاته المُلخصة والدقيقة حتى الديكور الداخلي المضاء بنور الشمس وصولًا إلى القصاصات المبتكرة في آخر حياته. وقد أدى العديد من أفضل أعماله عندما طور أسلوبًا صارمًا أكد فيه على الأشكال المسطحة والنمط الزخرفي.

Die Laute, 1942, By: Henri Matisse

وعلى الرغم من أن معظم أعماله – سواء كان الرسم بالخط السريع أو لوحاته ذات المساحات المسطحة– يبدو كأنه تم تنفيذها بسهولة تامة، فقد نبه ماتيس أن هذا التأثير مجرد “بساطة ظاهرية”. فقد عمل في الواقع بجِد لتحقيق فن التوازن والنقاء الذي طالما حلم به.

ويُنظر إلى ماتيس بشكل عام إلى جانب (بابلو بيكاسو) كواحدٍ من الفنانين الذين ساعدوا في تحديد التطورات الثورية في الفنون البصرية طوال العقود الأولى من القرن العشرين، ومن المسؤولين عن التطورات المهمة في الرسم والنحت.

Still Life With Aubergines
The Pink Studio

بعض الأعمال لأهم فناني الوحشية

أندريه ديران

Portrait of a Man With a Newspaper, 1913
Figures from a Carnival

موريس دي فلامنك

The River Seine at Chatou, 1906, By
Portrait of Derain, 1905

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

Tate
Tate
TheArtStory
MOMA
Guggenheim

ما بعد التأثيرية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 1 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

في تسعينيات القرن الـ19، وبعدما سيطرت المدرسة التأثيرية على الفن في فرنسا، ظهرت عدة تيارات متطورة منها والتي أدت في النهاية إلى بداية عالم الفن الحديث. فقد أدى ذلك إلى ظهور تيارين فنيين، وهما: 

  • التأثيرية الحديثة
  • ما بعد التأثيرية

التأثيرية الحديثة

اعتمد فنانو ذلك التيار على علم البصريات واللون لصياغة تقنية جديدة للرسم متجنبين عفوية التأثيريين. فقد تبنى العديد من الفنانين في السنوات التالية تقنية من أهم تقنيات ذلك التيار والمسماة “بالتنقيطية”، وهي عبارة عن تطبيق نقاط صغيرة من اللون بجانب بعضها، بغرض رؤية المشاهد لها عندما يبتعد ألوانًا ممزوجة متناسقة.

فبالاعتماد على قدرة المشاهد على مزج نقاط الألوان ببصره على اللوحة، سعوا لخلق لوحات أكثر إشراقًا تصور الحياة العصرية بالإضافة لخلق سطح لامع ومضيء من خلال وضع الألوان المتناقضة بشكل مبتكر، مما أدى إلى المزيد من الاستكشافات للألوان والوصول للفن التجريدي في نهاية المطاف.

Place des Lices, 1893, By: Paul Signac, Location: Carnegie museum of art

ومن أهم فناني ذلك التيار:

  • بول سينياك – Paul Signac
  • جورج سورا – George Saurat
Le Cirque, 1891, By: George Seurat.

ما بعد التأثيرية

ما هي ما بعد التأثيرية؟

شعر العديد من الفنانين بأن هناك خطأً في تركيز التأثيريين على الأسلوب (التركيز على تأثيرات الضوء) بدلاً من الموضوع، مما أدى إلى ظهور تيار ما بعد التأثيرية. وهي حركة فنية تتميز بالرؤية الشخصية للفنان، حيث اختار الفنانون إثارة العواطف في أعمالهم وإظهار تصوراتهم الشخصية عن العالم، وقد اختلفت أساليب كل منهم لكن اشتركت لوحاتهم في بعض الصفات، مما أدى إلى جمعها تحت هذا الاسم.

وقد تشكلت هذه المجموعة من عمالقة الفن المعروفين اليوم: بول سيزان وجوجان وفان جوخ ولوتريك وهنري روسو وغيرهم.

ويعتقد فنانو ما بعد التأثيرية أن جمال الفن متأصل في الإدراك وليس في نقل الموضوع. ويشرح الناقد الفني والمؤرخ (روجر فراي-Roger Fry) في مقال عن علم الجمال قائلًا: 

“إن الفن ليس نسخة مطابقة للحياة الواقعية، بل هو تعبير ومحفز للحياة الخيالية”. 

The Dream, 1910, Henri Rousseau

خصائص ما بعد التأثيرية

العاطفة: كما أوضح (فراي)، يعتقد ما بعد التأثيريين أن العمل الفني لا يجب أن يدور حول الأسلوب، بل أن يركز على الرمزية وتوصيل الرسائل من العقل الباطن. فبدلاً من استخدام الموضوع كوسيلة بصرية يتم رؤيته ونقله على اللوحة، رأوا أنه وسيلة لنقل المشاعر. فبحسب بول سيزان: “إن العمل الفني الذي لم يبدأ بالعاطفة ليس عملاً فنياً”.

الألوان: استخدم ما بعد التأثيريين ألوانًا متكلفة ومصطنعة عمدًا كوسيلة لإظهار تصوراتهم الشخصية عن العالم. فقد ظهرت الأشكال في معظم لوحاتهم بشكلٍ متعدد الألوان، مما أثبت نهجهم المبتكر والخيالي في تصوير الأشياء.

ضربات الفرشاة: تتميز معظم لوحات ما بعد التأثيرية بضربات فرشاة واسعة وحادة يمكن تمييزها. فبالإضافة إلى إضفاء الملمس والشعور بالعمق في العمل الفني، فهي تشير أيضًا إلى الصفة الخيالية للوحة، مما يوضح عمدهم بعدم تمثيل الموضوع بشكل واقعي.

Where Do We Come From? What Are We? Where Are We Going? 1897, By: Paul Gauguin

فناني ما بعد التأثيرية وأهم أعمالهم

بول سيزان 

أو كما يلقب ب (أبو الفن الحديث)، هو من أهم وأعظم عمالقة الفن وأكثرهم تأثيرًا في الفن الحديث. وقد صُنفت أعماله بشكل عام بأنها (ما بعد التأثيرية)، لكن طريقته الفريدة وأسلوبه التحليلي أثروا في بناء الشكل مع اللون على المدرسة التكعيبية والوحشية اللاحقتين، وغيرهم من الأجيال اللاحقة من الفنانين.

ومن أكثر ما ميّز سيزان هي لوحات الطبيعة الصامتة التي رسمها. فقد بدأ في خلق أبعاد لعناصره وعالج مشاكل الشكل واللون من خلال الدرجات اللونية المتدرجة والمتنوعة بدقة. وقام أيضًا برفض التباين العالي بين الظل والنور وقام بتجاهل قوانين المنظور التقليدية، ونتيجة لذلك، فجّر سيزان ثورة في عالم الفن الحديث. ولم ينطبق ذلك فقط على الطبيعة الصامتة، ولكن على المناظر الطبيعية أيضًا. فقد أجرى عددًا كبيرًا من لوحات المناظر الطبيعية  والتي ألهمت العديد من التكعيبيين.

Bouilloire et fruits, 1890, By: Paul Cezanne

فينسينت فان جوخ

يعتبر واحدًا من أعظم فناني ما بعد التأثيرية والمؤسس الرئيسي لها مع سيزان، فألوانه المدهشة وضربات فرشاته المؤكدة والأشكال المحددة بقوة في أعماله توضح ذلك. لكن التأكيد على العواطف الشخصية أدت إلى وصف بعض أعماله بالتعبيرية. ويعد من أكثر الفنانين إنتاجًا في تاريخ الفن للوحات الطبيعة الصامتة والحقول والزهور.

تأثر فان جوخ بكل كبير بالواقعيين (خاصة ميليت) طوال حياته. وعندما انتقل إلى باريس تأثر بكلًا من التأثيريين والتأثيرية الحديثة وطوّر أسلوبه. وحينما انتقل إلى “آرل” بجنوب فرنسا، وبفضل الجو المشمس فيها  وألوانها الربيعية النابضة بالحياة، أنتج بها العديد من اللوحات للبساتين والحقول، ذلك بالإضافة لتأثره بالمطبوعات اليابانية.

بول جوجان

مصوّر ونحات فرنسي سعى لتحقيق تعبير “بدائي” عن الحالات الروحية والعاطفية في أعماله. وقد عرف بمنفاه الذي فرضه على نفسه في “تاهيتي”. وقد كان شريكًا لفان جوخ في السكن لفترة، لكن حدثت بينهما العديد من المشاكل والتي أدت إلى انتقال جوجان من عنده. وقد قيل أن السبب هو محاولة قتله لجوجان في إحدى انهياراته العصبية.

تأثر جوجان بكل من المدرستين الرومانسية والواقعية، ودرس على يد الفنان التأثيري “كاميل بيسارو”. وعرض في المعرض الخامس للتأثيريين، لكن بعد ابتعاده عن التأثيرية تأثرت رؤيته الفنية بهوية غريبة، مشيرة إلى أصوله من دولة “بيرو” كشكل من “البدائية”. وقد استمرت أبحاثه عن العودة إلى الفن البدائي وحث على الاعتماد على الشعور أكثر من الملاحظة المباشرة كالتأثيريين. وقد اكتشف قدرة تلك الوسائل التصويرية على إحداث شعور معين في المشاهد.

لوتريك

هنري دي تولوز لوتريك، وهو فنان الفرنسي قام بتوثيق جوانب الحياة الليلية الفرنسية. فقد أبهرته المقاهي والملاهي والفنانين في بلدة “مونامارتر” والحياة البوهيمية بها، وركز اهتمامه على تصوير الفنانين المشهورين والمهرجين. وقد أدى استخدامه للخط الحر إلى التعبير عن التدفق والحركة، وكان التبسيط الشديد بالخطوط العريضة واستخدام المساحات اللونية الكبيرة من أهم مميزات أعماله.

وقد اعتبرت الملصقات (Posters) التي رسمها من أقوى أعماله، بالإضافة للرسوم التوضيحية للأغاني والتسويق للكباريهات. وقد سعى تولوز لوتريك إلى التقاط تأثير حركة الجسم البشري من خلال شكله الأصلي البسيط، ولم تعد خطوطه مرتبطة بما هو صحيح تشريحيا مع التغافل عن المنظور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

The Art Story
Britannica
Britannica
MetMuseum
MetMuseum
MyModernMet

المدرسة التأثيرية

هذه المقالة هي الجزء 7 من 8 في سلسلة مقدمة في تاريخ فن العصور الوسطى

المدرسة التأثيرية

ظهرت المدرسة التأثيرية في القرن التاسع عشر عندما بدأت مجموعة من الفنانين في فرنسا في تصوير المناظر الطبيعية ومشاهد الحياة اليومية كالطهي والنوم والاستحمام. قد تبدو أشياء عادية ويمكن رؤيتها الآن في الفن، ولكن معظم الفن الشائع في أوروبا حينها احتوى على مواضيع كالمعارك التاريخية والقصص الأسطورية والدينية.

يمكن اعتبار المدرسة التأثيرية أول مبشر للفن الحديث، وقد ظهرت في باريس عندما قام مجموعة من الفنانين الشبان، وهم مونيه وسيزان ورينوار وبيسارو وسيزلي وبازيل بالعمل معًا. كانت تلك المجموعة هم المؤسسون للمدرسة التأثيرية.

بدأ الأمر بعدم رضا تلك المجموعة عن تركيز تدريس الفن الأكاديمي على الموضوعات التاريخية والأسطورية مع الأسلوب المثالي الأكاديمي. وقد تعلموا من المصورين الواقعيين سائرين على نفس نهجهم في اختيار المواضيع والأساليب، لكن ما ميّز التأثيرية بالفعل أنهم قاموا بنقل التصوير من المرسم إلى الهواء الطلق.

Camille Monet on a Garden Bench” , By: Claude Monet, Location: Metropolitan Museum of Art”

وقد تعرف المؤسسون جميعهم على المصور (إدوارد مانيه) واتخذوه رائدًا لحركتهم الجديدة وقاموا بعرض أعمالهم سويًا. لكن رفضهم الصالون الرسمي السنوي والمعارض الحكومية. لم تنته رحلتهم هنا، بل قاموا بعمل معارضهم الخاصة -والتي كانت بمثابة احتجاج على رجال الصالون- في استوديو المصور الفوتوغرافي (نادار). لم يكن الأمر سهلًا فقد لاقوا ردود فعلٍ عنيفة من الجمهور والنقاد لفترة كبيرة.

ما هي التأثيرية؟

بدأ الفكر العلمي في ذلك الوقت يدرك أن ما تدركه العين وما يفهمه ويحفظه الدماغ أمران مختلفان. وقد أعجب عدد من الفنانين الشبان بالاكتشافات العلمية عن الضوء، وسعوا إلى التقاط التأثيرات الضوئية لضوء الشمس كما هي أمام أعينهم لنقل التغيرات في الطقس والتحولات الأخرى في الغلاف الجوي لتظهر في لوحاتهم للمشاهد.

لم يكن الفنانون التأثيريون (الانطباعيون) يحاولون رسم لوحة واقعية كما هي، ولكن كانوا يودون أخذ “الانطباع” لما يبدو عليه الشخص أو المشهد.

La plage de Trouville“, 1870, By: Claude Monet, Location: National Gallery, London”

غالبًا ما استخدم أسلوبهم ضربات فرشاة سريعة وفوضوية، فمعظم اللوحات قبل التأثيرية كان لها سطح أكثر تسطحًا ونعومة. لم يكن رؤية ضربات الفرشاة سهلًا على الإطلاق فيما قبل التأثيرية. بالإضافة إلى أنه غالبًا ما كانت المناظر الطبيعية أيضًا خيالية ومثالية مرسومة في الإستوديو. لكن غيرت التأثيرية كل ذلك، وقام فنانوها بالرسم في الهواء الطلق كالشوارع والريف.

By the Water“, 1880, By: Pierre-Auguste Renoir, Location: Art Institute of Chicago”

وقد قام الفنان التأثيري (كاميل بيسارو) بتلخيص التأثيرية في نصيحته التالية حول كيفية رسم منظر طبيعي:

“اعمل في نفس الوقت على السماء والماء والفروع والأرض مع الحفاظ على كل شيء على قدم المساواة. لا تخف من وضع اللون، وارسم بسخاء وبلا تردد، فمن الأفضل ألا تفقد أول الانطباع.”

استبدل التأثيريون الألوان الخضراء والبنية والرمادية التقليدية في المناظر الطبيعية بألوان أكثر إشراقًا وأكثر لمعانًا. فقد بدأوا بوضع تأثير ضوء الشمس على الماء والألوان المنعكسة من تموجاتها. وقد تخلوا عن استخدام الرمادي والأسود في الظلال كألوان. واستخدموا ألوانًا متكاملة بدلاً من الأسود والرمادي لإعادة إنتاج انطباعاتهم البصرية الفورية كما هي مسجلة على شبكية العين.

أدى بناءهم للأشياء من بقع وضربات فرشاة منفصلة من الألوان لاستحضار التغيرات الناتجة عن ضوء الشمس إلى إفقاد الأشكال حدودها الواضحة وجعلها غير مادية ومتلألئة ومهتزة. ولهذا السبب، انتقد العديد من النقاد اللوحات الانطباعية لمظهرها غير المكتمل والجودة التي تبدو من عمل الهواة.

Le grand noyer à l’Hermitage, 1875, By: Camille Pissaro

ومن خلال نهج كوربيه –رائد المدرسة الواقعية-، كان الانطباعيون يهدفون إلى أن يكونوا رسامين حقيقيين. هدفوا إلى توسيع الموضوعات المحتملة للرسومات والتركيز على العالم كما يرونه. شملت اهتمامات الانطباعيون محطات السكك الحديدية والشوارع الواسعة والمباني السكنية الكبيرة، بالإضافة إلى مشاهد الترفيه العام لا سيما المقاهي والملاهي.

The Boulevard Montmartre at Night“, 1898, By: Camille Pissaro, Location: National Gallery”

والآن لنتعرف على بعض من أهم الفنانين التأثيريين والذين أثروا في تلك الحركة وما تلتها بشكل ملحوظ.

إدوارد مانيه

على الرغم من أن (مانيه) لم يكن تأثيريًا ورفض أن توصف أعماله بذلك، لكن قام الفنانين التأثيريين باعتباره زعيمًا لحركتهم لإعجابهم بجرأته وابتكاراته في التصوير. فعندما رسم لوحته الشهيرة (الغداء على العشب) كانت هي البداية بالبعد عن التقاليد الواقعية وأسلوب الأكاديميات. وعندما قدّم العمل في 1863 في صالون الخريف، تسبب في ضجة بسبب محتواه الذي اعتبروه “مبتذلًا”.

Luncheon on the Grass, 1863, By: Édouard Manet

فاللوحة التي تصور نزهة رجلين يرتديان ملابس رسمية وامرأة عارية قامت بتحدى تقليد موضوع الأنثى المثالية في الكلاسيكية الجديدة وقاموا باعتبار ذلك إهانة للأخلاقيات رغم أنه في الفنون السابقة كان موضوع “المرأة العارية” شائعًا. لكنها أثارت الجدل خصوصًا لأن وضع المرأة على اليسار كانت تنظر بصراحة إلى المشاهد بالمواجهة بدلاً من المبني للمجهول، بالإضافة إلى أسلوبه في ضربات الفرشاة السميكة وغير الدقيقة في الخلفية وتسطيح البعد الثالث.

كلود مونيه

Impression, Sunrise” 1872, By: Claude Monet”

كان مونيه الرائد الفعلي للتأثيرية، والذي أطلق اسم الحركة بسبب إحدى لوحاته، وهي لوحة “شروق الشمس، تأثير”.

بالإضافة لاهتمامه الواضح باتباع تأثيرات الضوء على الأشياء، فقد اتبع مونيه طريقة مبتكرة في تصوير لوحاته في وقت متأخر من حياته. رسم مونيه الموضوع الواحد في عدة لوحات في أوقات مختلفة من اليوم ليتمكن من دراسة الضوء على الأشياء.

وفي لوحته امرأة في الحديقة Women in the Garden استخدم فيها زوجته (كاميل) كموديل. وقد ظهرت تأثيرات الضوء الخارجي في هذه اللوحة بشكل ومضات من ضوء الشمس الذي يخترق أوراق الشجر إلى الظلال الرقيقة. اشترى صديقه الفنان التأثيري (فريدريك بازيل) العمل لمساعدة مونيه على الخروج من الدين الشديد الذي كان يعاني منه في ذلك الوقت.

Women In Garden, 1866, By: Claude Monet

أوجست رينوار

كان رينوار أعظم مصوري القرن الـ19 والعمود الرئيسي للتأثيريين، فقد تعاون مع مونيه على تأسيس قواعد تلك الحركة. وكان يتردد كثيرًا على اللوفر لدراسة أعمال عظماء القرن الـ18. وتأثر أيضًا بالمدرسة الرومانسية والواقعية -التين سبقتا التأثيرية- وخصوصًا (كوربيه).

Dance at Le Moulin de la Galette, 1876, By: Pierre-Auguste Renoir

قرر رينوار أن يتراجع عن التأثيرية والرسم في الخلاء، بعد زيارته إلى إيطاليا وتأثره بالفن الروماني وخصوصًا الأعمال في مدينة “بومبي” عائدًا إلى الكلاسيكية مرة أخرى. فنبذ استخدام الألوان للإيحاء بالشكل واتجه إلى الاهتمام بالخط. وأصبحت لوحاته تجمع بين ألوان التأثيريين النقية وبين أسلوب العباقرة القدامى كـ بول روبينز -فنان من عصر الباروك-.

Girls At The Piano“, 1892, By: Pierre-Auguste Renoir”

إدجار ديجا

فضّل ديجا أن يطلق عليه فنان واقعي أو (مستقل)، لكنه مع ذلك كان أحد أهم مؤسسي المجموعة التأثيرية ومنظمًا لمعارضها. ومثل باقي التأثيريين، سعى إلى توثيق اللحظات العابرة للحياة الحديثة. لكن أظهر ديجا اهتمامًا ضئيلًا برسم المناظر الطبيعية في الهواء الطلق مفضلاً مشاهد المسارح والمقاهي المضاءة بالضوء الصناعي. استخدم ديجا الضوء الصناعي لتوضيح ملامح شخصياته، وملتزمًا بتعليمه الأكاديمي بشكل كبير.

كانت أكثر الموضوعات التي اشتهر بها ديجا هي مسارح الباليه والأوبرا، ومشاهد منفردة لنساء في حياتهم اليومية. وقد كان تركيزه على الخط وإصراره على أهمية الرسم كبيرًا، حتى أنه طوّر أسلوبه فيما بعد حين نبذ الألوان الزيتية واستخدم ألوان الباستيل بمفردها. كما تميز أسلوب ديجا بتحديد الأشكال بقلم الفحم الأسود الواضح.

Ballet Rehearsal, 1873, By: Edgar Degas
After the Bath, pastel on paper, 1898, By: Edgar Degas

النحت في المدرسة التأثيرية

كانت تعتبر بداية النحت الحديث بشكل عام على يد النحات الفرنسي (أوغست رودان – Auguste Rodin). وقد اتجه النحت الحديث إلى الموضوعات المعاصرة بدلًا من الأسطورية أو الدينية كما هو حال التصوير. فقد قل الاهتمام بالتجسيد الطبيعي للغاية أمام الاهتمام بالشخصية العامة والنفسية.

ولم يكن رودان يسعى إلى الأسطح المصقولة الناعمة في منحوتاته، بل أنتج أسطحًا معقدة وتجاويف ونتؤات في منحوتاته. وعلى الرغم من عدم اعتبار رودان نفسه تأثيريًا، إلا أن أسلوبه التعبيري القوي الذي استخدمه في أعماله غالبًا ما كان شبيهًا بضربات الفرشاة السريعة التي هدفت إلى التقاط لحظة عابرة لدى المصورين التأثيريين.


Man with the Broken Nose“, 1863, By: Auguste Rodin”

المصادر:

The Art Story
TATE
BritannicaOer2go
كتاب: فنون الغرب في العصور الحديثة لـ: نعمت إسماعيل علام

المدرسة الواقعية

هذه المقالة هي الجزء 6 من 8 في سلسلة مقدمة في تاريخ فن العصور الوسطى

المدرسة الواقعية

ظهرت المدرسة الواقعية في فرنسا في خمسينيات القرن التاسع عشر في أعقاب ثورة 1848، وهو الحدث الذي أنشأ (حق العمل) في البلاد. وقد قدمت الحركة الواقعية موضوعات مختلفة عما سبقتها. فقد قدمت المدرسة الواقعية الأشخاص العاديين والطبقة العاملة والمشاهد اليومية والمعاصرة كمواضيع فنية أساسية وجديدة وجديرة بالاهتمام.

وقد نبعت المدرسة الواقعية من رغبة الفنانين في تقديم وجهات نظر أكثر صدقًا وبحثًا عن الحياة اليومية. كما عبرت عن رغبتهم في استخدام الفن كوسيلة للنقد الاجتماعي والسياسي. أهم ما يصف تلك المدرسة هو عدم اعتمادها على تقليد الأساليب الفنية السابقة ولكن على تصوير حقيقي ودقيق للنماذج التي تقدمها الطبيعة والحياة اليومية للفنان بمختلف أحداثها.

The End of the Working Day, 1886, By: Jules Beton لوحة بعنوان، نهاية يوم عمل.

سمات المدرسة الواقعية

أهم ما رفضه فنانو الواقعية هي معايير المدرسة الرومانسية السابقة لهم، والتي عادة ما تميزت لوحاتها بالأشكال الخيالية أو المشاهد السامية للطبيعة. في كل الحالات تعتبر الخيالية من الصفات التي رفضها الواقعيون بشكل صارم، فهم يعتبرون أن الواقعية تصويرًا دقيقًا ومفصلًا للطبيعة أو للحياة المعاصرة. تقوم الواقعية على الملاحظة الدقيقة للمظهر الخارجي رافضة لكل الأشكال المثالية الخيالية.

اتفق مؤيدو الواقعية الفرنسيون على رفض التصنع الموجود في كلًا من الكلاسيكية والرومانسية في الأكاديميات. حاول الواقعيون تصوير حياة ومظاهر ومشاكل وعادات الطبقات الوسطى والفقيرة، وكل ما هو عادي ومتواضع وغير مزخرف.

The Third Class Wagon, 1862–1864, By: Honoré Daumier.

كوربيه – رائد الواقعية

يعتبر “غوستاف كوربيه – Gustave Courbet” من وضع الأساس لتلك الحركة في أربعينيات القرن التاسع عشر. بدأ غوستاف بتصوير الفلاحين والعمال في مواضيع دينية أو تاريخية أو رمزية، وعارض “كوربيه” المثالية في فنه بشدة. حَثّ الفنانين الآخرين على جعل الفن الواقعي والمعاصر محط تركيزهم، فقد نظر إلى التصوير الصريح لمشاهد الحياة اليومية على أنه فن ديمقراطي حقيقي.

كانت اللوحات التي قام بعرضها في صالون خريف 1850-1851 مثالًا على الواقعية وصدمةً للجمهور والنقاد لعرضه الحقيقة الصريحة وغير المزينة. صوّر غوستاف في لوحات صالون الخريف الفلاحين المتواضعين والعمال، مثل لوحتي (Ornans (1849 و (Stone Breakers (1849.

The Stone Breakers, 1849, By: Gustave Courbet.

وقبل ظهور “كوربيه”، لم يكن الرسامون يصورون المشاهد كما رأوها؛ بل قاموا بإضفاء الطابع المثالي عليها. أدى التوجه المثالي إلى محو أي عيوب، وكان ذلك بالنسبة إلى “كوربيه” ضارًا بالرسم؛ لقضاء ذلك على أي شعور بالفردية.

“باختصار، إنه طريقي لرؤية المجتمع بكل اهتماماته وشغفه، فالعالم كله قادم إليّ لأرسمه “. -غوستاف كوربيه.

Young Women from the Village, 1852 by Gustave Courbet

والحقيقة أن كوربيه لم يمجد فلاحيه ولم يزيّن صورهم، بل قدّمهم بجرأة بأشكالهم الحقيقية المتواضعة. أدى تقديم كوربيه إلى رد فعل عنيف في عالم الفن. بنى كوربيه أسلوبه وموضوعاته على أرض بناها بالفعل رسامو مدرسة (الباربيزون).

مدرسة الباربيزون

وقد استقر عدد من الفنانين كـ “ثيودور روسو – Théodore Rousseau ” في قرية (باربيزون) الفرنسية بهدف إعادة إنتاج الطابع المحلي للمناظر الطبيعية على حقيقتها بصدق ودون تجميل زائف. وعلى الرغم من أن كل رسام من (الباربيزون) كان له أسلوبه الخاص ومصالحه الخاصة، لكنهم جميعًا أكدوا على الجوانب البسيطة والعادية والطبيعية بدلاً من الجوانب الفخمة والثرية للطبيعة. وابتعدوا عن المشاهد الدرامية ورسموا أشكالاً صلبة ومفصلة نتجت عن ملاحظاتهم الدقيقة.

Les chênes d’Apremont (Oak Grove, Apremont), 1850-1852, By: Théodore Rousseau.

جان فرانسوا ميليت

كان “جان فرانسوا ميليت – Jean-François Millet” من أوائل فنانين المدرسة الواقعية الذين صوروا عمال الفلاحين وأحد موسسي مدرسة (الباربيزون)، وقد اختار أيضًا أن يُظهر أشخاصًا من الطبقة العاملة في لوحاته.

نظرًا لإقامة ميليت في الريف الفرنسي، فقد عاد مرارًا وتكرارًا إلى اعتبار المزارعين موضوعًا أساسيًا لاختياراته.

“إن مواضيع الفلاحين هي ما تناسب طبيعتي، لأنه يجب أن أعترف أن الجانب الإنساني هو أكثر ما يمسني في الفن.”

مقولة تنسب إلى جان فرانسوا ميليت
Bringing home the calf born in the fields, 1860
Shepherd Tending His Flock, early 1860s

دومييه

كان “أونوريه دومييه – Honoré Daumier” مصوّرًا ونحاتًا ورسامًا كاريكاتوريًا، استخدم دومييه مواهبه للتعليق بجرأة على سياسات فرنسا المعاصرة. وعلى عكس أعمال “كوربيه” و”ميليت”، كان فن “دومييه” -أي الرسوم الكاريكاتورية السياسية- غالبًا ما قدمت لمحات تفتح الأعين على تفاصيل دقيقة للحياة في فرنسا في القرن التاسع عشر.

A lithograph of Daumier’s Garganota, 1831.
L’Avocat au placet or Lawyer with a Plea, c.1850

اختار دومييه أبطال أعماله من الطبقة العاملة والمحامين والسياسيين الفاسدين، بالإضافة إلى الأحياء الفقيرة وشوارع باريس. كان ديمقراطيًا متحمسًا مثل كوربيه، واستخدم مهارته كرسام كاريكاتير مباشرة لخدمة الأهداف السياسية. وقد استخدم “دومييه” أسلوبًا ذو تفاصيل واقعية بجرأة لانتقاد اللاأخلاقية والقبح الذي شاهده في المجتمع الفرنسي.

An unhappy child hung on a wall by his nurse, who has gone dancing. Coloured lithograph by H. Daumier, c. 1850. 

الواقعية في أمريكا

نتيجة لنجاح الواقعية في أوروبا، تبنى الفنانون الأمريكيون النهج ذاته بعد فترة وجيزة من ظهوره. تجلى تأثير الواقعية بشكل خاص في لوحات “توماس إيكنز-Thomas Eakins”، ودراسات “إدوارد هوبر-Edward Hopper” الكاشفة عن حياة المدينة الحديثة.

Nighthawks, 1942, By: Edward Hopper.

وقد ألهمت الواقعية بشكل مباشر حركات الفن المعاصر البارزة، بما في ذلك الواقعية الفوتوغرافية (Photorealism) والواقعية المفرطة (Hyperrealism). وبناءً على التركيز الواقعي الملحوظ لهذه المدرسة، وضحت هذه الأنواع الإرث الدائم والمتطور لها.

Four Apples and a Tin, 2018, Oil on canvas, By: Pedro Campos.

المصادر

mymodernmet
britannica

المدرسة الرومانسية

هذه المقالة هي الجزء 5 من 8 في سلسلة مقدمة في تاريخ فن العصور الوسطى

المدرسة الرومانسية

ظهرت المدرسة الرومانسية في أواخر القرن الثامن عشر كرد فعل على المدرسة التي سبقتها – الكلاسيكية الحديثة -، فقد احتضنت الرومانسية الفردية والذاتية لمواجهة الإصرار المفرط على الفكر المنطقي الذي كان يكسو الفن الكلاسيكي الحديث.

فقد بدأ فنانو الرومانسية في استكشاف حالات عاطفية ونفسية مختلفة بالإضافة إلى الحالة المزاجية. فبدأوا باستخدام الأحداث والمصائب التي تحدث لتسليط الضوء على الظلم بتراكيب درامية تنافس لوحات التاريخ الكلاسيكي الحديث الأكثر رصانة والذي كان مقبولًا بشكل كبير من الأكاديميات الوطنية.

لكن أصرت الرومانسية على احتضان ذلك الأسلوب والنضال من أجل الحرية والمساواة وتعزيز العدالة.

الحرية تقود الشعب، يوجين ديلاكروا

تضمنت مبادئ الرومانسية العودة إلى الطبيعة، والذي يتجلى في التركيز على الرسم العفوي في الهواء الطلق. كما آمنت بخير الإنسانية، تعزيز العدالة للجميع، بالإضافة إلى الإيمان القوي بالحواس والعواطف بدلاً من العقل.

مال المصورون والنحاتون الرومانسيون إلى التعبير عن الاستجابات الشخصية العاطفية للحياة، على النقيض من القيم العالمية التي دعى إليها الفن الكلاسيكي الجديد.

Caspar David Friedrich, Wanderer Above the Sea of Fog

وصف الشاعرالفرنسي “شارل بودلير” المدرسة الرومانسية قائلًا:

“Romanticism is precisely situated neither in choice of subject nor in exact truth, but in a way of feeling.”

“لا تقوم الرومانسية على دقة اختيار الموضوع ولا الحقيقة ذاتها، ولكن تقوم على طريقة الشعور”.

وقد ارتكزت أعمال الرومانسيين على المراقبة الدقيقة للمناظر الطبيعية خصوصًا السماء والجو. أدت تلك المراقبة إلى ارتقاء المناظر الطبيعية إلى مستوى جديد. وفي حين سعي بعض الفنانين على إظهار البشر كجزء من الطبيعة، صور آخرون قوة الطبيعة نفسها وعدم القدرة على التنبؤ بما فيها. أثار ذلك مشاعر السمو والرعب الممزوجين بالرهبة في المشاهد.

J. M. W. Turner, The Burning of the Houses of Lords and Commons (1835), Philadelphia Museum of Art

أكدت المدرسة الرومانسية على مشاهد الفولكلور والتقاليد والمناظر المحلية كالشوارع والأسواق، مما أدى إلى تعزيز الهوية الوطنية والفخر. وقد جمع الفنانون الرومانسيون بين المثالية والمشاعر الخاصة أو الفردية. دعت لوحاتهم إلى التجديد الروحي الذي من شأنه أن يبشر بالحريات التي لم يروها بعد. ومن خلال تأكيدهم على الخيال والعاطفة، ظهرت المدرسة الرومانسية كرد فعل على قيم التنوير للعقل والنظام وذلك في أعقاب الثورة الفرنسية عام 1789.

Louis Janmot, from his series “The Poem of the Soul”, before 1854

أهم فناني المدرسة الرومانسية

من بين أعظم فنانيين المدرسة الرومانسية:

  • هنري فوسيلي
  • فرانسيسكو غويا
  • كاسبر ديفيد فريدريش
  • جوزيف مولارد ويليام ترنر
  • جون كونستابل
  • ثيودور جيركولت
  • يوجين ديلاكروا

تأثير الرومانسية

حفّز الأسلوب الرومانسي للرسم على ظهور العديد من المدارس، مثل: مدرسة باربيزون للمناظر الطبيعية في الهواء الطلق، ومدرسة نورويتش لرسامي المناظر الطبيعية، ومدرسة نهر هدسون للمناظر الطبيعية.

The Gleaners. Jean-François Millet. 1857 (Barbizon school)

انفوجراف مُبسط للمدرسة الرومانسية.

انفوجراف الفن الرومانسي

المصادر:

the art story
metmuseum
visual-arts-cork

Exit mobile version