كيف زُجت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى؟

 كيف زُجت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى؟

كانت الدولة العثمانية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى تحت سيطرة الإتحاديين أي حزب الإتحاد و الترقي، فكان أنور باشا وزير الحربية أعظم رجال الدولة نفوذاً حتى أطلق عليه بعض المؤرخين لقب “دكتاتور الحرب”، ويليه في النفوذ طلعت باشا وزير الداخلية الذي صار فيما بعد رئيس الوزراء ثم يأتي بالدرجة الثالثة جمال باشا وزير البحرية الذي كان القائد العام للقوات العثمانية في بلاد الشام، وكان هؤلاء الثلاثة هم المتحكمين الحقيقيين في الدولة العثمانية.

 

حيث يذكر القائد التركي علي فؤاد بك في مذكراته:

“كانت المملكة العثمانية في قبضة الاتحاديين، وكان الاتحاديون في قبضة المركز العام، وكان المركز العام في قبضة الحكام الثلاثة، وكان الثلاثة في قبضة أنور يسوقهم سوقاً عنيفاً. أما مقام السلطنة والقوة التشريعية وحزب الإتحاد والترقّي والحكومة الرسمية والمطبوعات والرأي العام فلم تكن إلّا أشباحاً ماثلة وخيالات مصورة”

 

كان أنور باشا يميل إلى ألمانيا حيث كان معجباً بجيشها وكان يعتقد إن النصر سيكون من صالح ألمانيا بدون شك فكان يسعى إلى زج الدولة العثمانية في الحرب إلى جانب ألمانيا ولكنه وجد ذلك صعباً في البداية فآثر التريث لحين قدوم الفرصة المناسبة.

 

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في أوروبا أعلنت تركيا الحياد وأعلنت كذلك النفير العام بحجة المحافظة على الحياد، كانت حالة النفير العام والتي يطلق عليها باللغة التركية “سفر برلك” شديدة الأثر على سكان البلدان العثمانية حيث سيق الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والأربعين إلى التجنيد، وصارت دوائر الإعاشة العسكرية تضع يدها على جميع حيوانات النقل بحجة حاجة الجيش وكانت هذه الدوائر تعطي لمن تأخذ منه شيئاً ورقة ضمان بأنها سوف تسدد الثمن بعد انتهاء الحرب وكان الناس لايثقون بأقوال الحكومة ابداً وكانت الحقيقة أنها وسيلة استعملها العثمانيين لنهب ومصادرة أموال الناس حيث لم تقتصر المصادرة على حيوانات النقل بل شملت المواد الغذائية وكل ما له قيمة!

 

يقول الباحث التركي المعروف أحمد أمين في كتاب له عنوانه “تركيا في الحرب العالمية”

 

“إن حالة النفير العام ضربت الحياة التجارية في البلاد كأنها صاعقة تنزل من سماء صافية، وقد تضررت كل فروع الحياة الاقتصادية كما تضررت الزراعة. فقد لجأت دوائر الإعاشة في الجيش إلى مصادرة كل شئ، ولم تقتصر مصادرتها على المواد الضرورية للجيش، بل أخذت تصادر أشياء من قبيل الجوارب الحريرية وأحذية الأطفال ومكائن الطباعة. وصار التجار يؤثرون بيع بضائعهم بأي ثمن للتهرب من مصادرة الجيش لها. وكان هناك دافع آخر دفع التجار للبيع المستعجل هو أنهم في حاجة إلى النقود لدفع الضريبة الحربية التي فرضت عليهم… وتوقفت الأعمال التجارية التي تعتمد على الدفع المؤجل، وتهافت الناس على البنوك لسحب ودائعهم.. واضطرت الحكومة إلى إعلان تأجيل الديون”

 

دخول الحرب العالمية الأولى:

قبل دخول الدولة العثمانية للحرب تراكمت العديد من الحوادث التي أعطت فرصة لمؤيدي الحرب داخل الدولة العثمانية للحصول على التأييد العام ومن هذه الحوادث هو إن تركيا كانت قبل الحرب قد أوصت أحد مصانع بريطانيا على صنع باخرتين حربيتين، وكانت قد جمعت ثمنها بواسطة الإكتتاب العمومي، وتحمس الأتراك لهذا العمل الوطني وانفقوا اموالهم في سبيل الباخرتين ولكن بريطانيا امتنعت عن تسليم الباخرتين على أثر اندلاع الحرب فهاج الرأي العام وأنتهز السفير الألماني تلك الفرصة الذهبية فأخذ يحرض الصحف التركية ويذكر أن بريطانيا عدوة الإسلام والمسلمين وتسعى للشر دائما بالأتراك.

 

   في أثناء الحرب العالمية حصلت مطاردة قامت بها البحرية البريطانية لإغراق طرادين ألمانيين اسمهما “غوبن” و “برسلاو” كانا في البحر الأبيض المتوسط ، وصل الطرادين إلى مضيق الدردنيل فاحتميا فيه وبذلك تخلصا من المطاردة البريطانية ولكن ما حصل سبب مشكلة سياسية كبيرة إذ إن الحياد يوجب على الدولة العثمانية طرد الطرادين من المياه العثمانية، وكانت هذه الحادثة هي السبب الأساسي في زج الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

بعد العديد من المشاورات بين الألمان والعثمانيين اتفق الطرفان على إعلان إن ألمانيا قامت ببيع  الطرادين إلى الدولة العثمانية وتم ذلك حيث قام طاقم الطرادين بخلع ملابسهم العسكرية الألمانية وارتداء الطرابيش والملابس العثمانية لكن ذلك كان على الأغلب حيلة من مناصري الحرب داخل الدولة العثمانية من أمثال أنور باشا وجمال باشا بمساعدة الألمان للزج بالدولة العثمانية في الحرب حيث قام الطرادين فيما بعد بدخول البحر الأسود وضرب أحد الموانئ الروسية وكانت هذه الحادثة هي القشة التي قسمت ظهر البعير وحققت لأنصار الحرب السيطرين على حزب الإتحاد والترقي مثل أنور باشا هدفهم حيث طلب بعد ذلك وزراء روسيا وفرنسا وبريطانيا مغادرة البلاد من رئيس الوزراء سعيد حليم باشا الذين حاول تبرير الموقف حيث كان من معارضي الحرب ولكنه لم ينجح في مبتغاه حيث أعلنت روسيا وبريطانيا وفرنسا الحرب على الدولة العثمانية وكان هذا بداية سلسلة من الويلات التي وقعت على الأقطار العثمانية آنذاك.

 

المصادر:

١) لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث علي الوردي

٢) مذكرات علي فؤاد بك

٣) تركيا في الحرب العالمية 

 

بداية المشروطية الإيرانية وانتصارها

بداية المشروطية الإيرانية

ظهور المشروطية

المشروطية هي حركة المطالبة بالدستور، والتي ظهرت في تركيا وإيران. وسميت بهذا الاسم لأنها تفرض شروط على الملك ليلتزم بها أثناء الحكم، وهي مستمدة من فكرة العقد الاجتماعي التي ظهرت في عصر الثورة الفرنسية. ظهرت حركة المشروطية اولاً في تركيا بحكم موقعها الجغرافي القريب من أوروبا حيث دخلت الاختراعات والأفكار الأوروبية إلى تركيا في وقت مبكر وسببت صراع شديد بين المنفتحين على التطور والمحافظين. ومن ثم في إيران تحت اسم المشروطية الإيرانية. في منتصف القرن التاسع عشر، دخلت الاختراعات والأفكار الأوروبية إلى إيران، وخصوصاً في عصر الشاه ناصر الدين الذي كان مولعاً بالاختراعات الأوروبية حيث سافر بنفسه إلى أوروبا ثلاث مرات، ولكن كان متخوفاً بشكل دائم من دخول الأفكار التحررية الأوروبية الى إيران وأن يطالب الشعب بالدستور والقانون!

مما ساعد على تقوية حركة المشروطية الإيرانية هو قتل الشاه ناصر الدين، حيث تبوأ مكانه ابنه مظفر الدين الذي كان على عكس أبيه متهافت الشخصية، وكان مثل والده محباً للسفر إلى أوروبا. إلا أن الخزينة في عصره كانت فارغة فلجأ الى الإقتراض من روسيا، كان من شروط هذا الاقتراض منح الروس امتيازات وإحتكارات خاصة، مما زاد من نفوذ الروس في إيران، ولكن هذا سبب غضباً شديداً عند تجار البازار، حيث أضر ذلك أضر بأعمالهم، وكان لتجار البازار تأثير شديد على رجال الدين، فإذا وقعت لهم مشكله وقف رجال الدين معهم واصدروا لهم الفتاوى المناسبة.

ومما زاد الطين بلة أن مظفر الدين عهد بأدارة الأمور إلى صهره الأمير عين الدولة، الذين كان مكروهاً من الشعب الإيراني، بالإضافة إلى كل هذا فكان يوجد صراع شديد على النفوذ في إيران بين الروس والإنكليز حيث ساند الإنكليز الحركة المشروطية لإضعاف النفوذ الروسي في إيران.

انطلاق الحركة

انطلقت حركة المشروطية من حادث حصل في البازار، وهو أن بعض التجار كانوا قد خالفوا بعض أوامر الحكومة، فتمت معاقبتهم، وبعد ذلك انطلقت احتجاجات ضخمة، وكان من عادات الإيرانيين الإلتجاء لمرقد أو جامع والاعتصام فيه وكان يسمى “البست”، فذهبوا لبلدة شاه عبد العظيم واعتصموا في المرقد.

أخذ عدد المعتصمين يزداد يوم بعد يوم مما أجبر الشاه على إرسال مبعوثين الارتضاء المعتصمين ونجح في ذلك مقابل استجابة مطالب المعتصمين وأرسل عربات خاصة لإجلاء المعتصمين.
يبدو أن الشاه فشل في تنفيذ مطالب المعتصمين ومما زاد الأمر سوءاً إصابته بالشلل، فانتهز الفرصه صهره عين الدولة وأمر باعتقال أحد علماء الدين الذين شاركوا باعتصام بلدة شاه عبد العظيم، فحاول الناس تخليصه من الاعتقال مما أشعل مواجهة بينهم وبين الجنود، وأدى ذلك إلى موت أحد المشاركين فسبب ذلك حالة غضب شديدة بين الناس، وبدأت احتجاجات كبيرة لكن هذه المرة لجأ الكثير من المعتصمين إلى السفارة البريطانية وكانت مطالبهم هو إنشاء دار للعدالة او كما يسمونها “عدالة خان”، واستمر الاعتصام في السفارة البريطانية وتقرب موظفوا السفارة من المعتصمين ووفروا لهم ما يحتاجون ودعوهم لزيادة مطالبهم لتشمل الحرية والمساواة والشورى.
نجحت هذه الاحتجاجات واضطر الشاه للرضوخ لإرادة الشعب فعزل عين الدولة وأمر بإجراء انتخابات لتأسيس مجلس شورى يقوم بصياغة الدستور والذي سمي “المجلس الشوري الملي”، اُفتتح المجلس الشوري الملي في طهران في ٧ تشرين الأول من عام ١٩٠٦.

المصدر: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق ، علي الوردي، صفحة 133-157

مواضيع ذات صلة: السلطان عبد الحميد والمشروطية الأولى

Exit mobile version