نابليون الشرق والمعركة الأولى في التاريخ

على الضفة الشرقية لنهر النيل وتحديدًا في شمال محافظة الأقصر جنوب مصر، حيث حرارة الجو، يقف الفرعون تحتمس الثالث على جدار صرحه في معبد الكرنك مرتديَا تاجه الأحمر، ممسكًا بيده اليسرى مجموعة من الأسرى ويهم بضربهم باليمنى، فيما يحيط بهذا المشهد المهيب نقوش وكتابات قديمة نقشت لتسجل إنجازات هذا الملك والمعركة الأولى في التاريخ.

نابليون الشرق كما يدعوه علماء الأثار تمكن من أن يجعل مصر في عهده أقوى إمبراطورية. لكن أبرز إنجازاته كان انتصاره على تحالف أكثر من 300 دويلة في معركة كانت من أولى المعارك المسجلة في التاريخ.

نابليون الشرق

لا نعرف بالضبط كيف ماتت حتشبسوت، لكن بعد وفاتها تسلم تحتمس الثالث السلطة واتجه بدايةً إلى أعدائه في الداخل حيث قضا على مناصري حتشبسوت، وهم العاملين في بلاطها، ثم أخذ بعد ذلك في القضاء على كل آثارها بصورة مروعة يشهد بشناعتها وعنفها ما أحدثه من الدمار في معبد الدير البحري، وهو المعبد المخصص لحتشبسوت، وبخاصةً في تماثيلها، هذا فضلا َّعما ألحقَه بسائر آثارها في كل أنحاء البلاد.

ولم يعترف تحتمس الثالث بحُكم حتشبسوت، بل جعل التواريخ تبتدئ بالسنة الأولى التي نُصب فيها حاكمًا لمصر عندما أعلنه الإله «رع» ووالده «تحتمس الثاني» ملكًا شرعيًّا على عرش مصر (١٥٠٤–١٤٥٠ق. م).

نقش في معبد الكرنك يظهر تحتمس الثالث يضرب أعدائه في معركة مجدو (مواقع التواصل)

 مصر أُم المشرق

لم تقم حتشبسوت في عهدها بأي حملة عسكرية بل اهتمت بالبناء والاصلاح الداخلي لكنها بالوقت نفسه حافظت على جاهزية قواتها. وقد كانت مصر مهيمنة اقتصاديًا وعسكريًا في تلك الفترة على مناطق المشرق القديم التي كانت تضم مدنًا من سوريا ولبنان وفلسطين اليوم.

خلال فترة انتقال الحكم إلى تحتمس الثالث، اعتبرت المدن المشرقية أن مصر ستمر بمرحلة ضعف واضطرابات، فأقامت هذه الدول تحالفًا وجمعت قواتها في مدينة 《مجدو-Meggido》 وأعلنت بدأ التمرد على مصر. (1)

إقرأ أيضًا: الانهيار الحضاري الكبير .. هل احتلت شعوب البحر العالم؟

معركة مجدو

في سهل مرج ابن عامر شمال فلسطين حيث تمتد المساحات الخضراء بدون نهاية، تقع مدينة مجدو، وعلى بعد 30 كلم جنوب شرقي حيفا ترتفع المدينة على تل في موقع استراتيجي يتحكم بالطريق التجاري والعسكري الذي يخترق جبل الكرمل من السهل الساحلي. كما أن المدينة تربط مصر بسوريا ومن أجل نجاح هذا التمرد كان لا بد من الحفاظ على هذه المدينة.

قرر تحتمس الثالث أن وقت الانطلاق بالحملة هو بداية شهر نيسان سنة 1457. وشهر نيسان هو شهر حصاد القمح في مصر. أما هذا التوقيت الاستراتيجي للانطلاق فاستهدف انتهاء المزارعين المصريين من الحصاد واستعدادهم للقتال في الجيش المصري المكون من العمال والفلاحيين، ولضمان اشتراك القطاع الزراعي في مصر كان لا بد من الانتهاء من الحصاد أولا ثم الانطلاق للمعارك. (2)

سار الجيش المصري المكون من 10 ألاف مقاتل مسافة 220 ميلا في 10 أيام أي ما يقارب 20 ميلا في اليوم، واستقر في غزة ليوم كامل من أجل الراحة قبل الانتقال إلى مدينة 《يحم-Yehem》 التي تقع جنوب غربي مجدو وتبعد عنها حوالي 40 كلم حيث توقف تحتمس الثالث ليجتمع مع كبار الضباط. على طول الطريق المؤدي لمجدو. كانت العديد من المدن المشرقية التي لا تزال موالية لمصر تدعم الجيش بالجنود والعتاد. (2)

على مفترق طرق

في مدينة يحم وُضعت الخطة، أمام تحتمس ثلاث طرق: طريق وعر يمر بأرونا وهو طريق ضيق يسمح بمسير فردي، وطريقين جانبين يمكن عبورهما بسهولة وسرعة. وقد اختار الفرعون أن تعبر القوات في طريقها إلى مجدو عبر ممر أرونا Aruna الضيق والوعر. التزم الجنرالات فورًا بالقرار، وحثوا الجيش على السير بسرعة، فقد دخلوا الممر تقريبا الساعة 6 صباحًا، ربما تم تفكيك العربات وقاد الرجال الخيول في صف واحد للخروج في وادي كينا القريب من مجدو. (3)

وكما توقع تحتمس، لم يجدوا أيًا من الأعداء بانتظارهم في الواقع فإن التحالف المشرقي قد توقع أن المصريين سيسلكون إحدى الطريقين السهلين ووضع جنوده هناك لملاقاته.

استغرق الجنود ليعبروا الممر حوالي ست ساعات لكن عنصر المفاجأة الآن بيد المصريين.

حوالي الواحدة ظهرًا أمر تحتمس الثالث الجنود ببناء المعسكر في منطقة 《Qina Brook》 التي تقع جنوب مجدو ولا تبعد عنها كثيرًا، وبعد خروج آخر القوات من الممر وزع الطعام، وفي تلك الليلة تلقى تحتمس شخصيًا تقارير الحراسة وأصدر الأوامر بأن المعركة ستبدأ في اليوم التالي، ووزع قواته بحيث الجناح الجنوبي كان  على التل فوق 《Qina Brook》 والجناح الشمالي كان في الجهة الشمالية الغربية لمجدو. وقاد الملك شخصيًا الهجوم من الوسط.

كما في صراع العروش

بحسب النصوص انطلق تحتمس إلى المعركة فجر اليوم التالي بعربة من الذهب الخالص وبحماية الآلهة، وقد ارتعب الأعداء منه فهربوا تاركين عرباتهم وخيولهم متجهين نحو المدينة التي أغلقت أبوابها في وجوههم، لكنهم تمكنوا من دخول المدينة عبر الملابس التي علقت لهم كالحبال على أسوار المدينة. (4)

أما لائحة الغنائم فتتضمن 340 أسير، 2041 حصان، 924 عربة والعديد من الماشية التي تركت خارج الأبواب. (2)

يشير تقرير 《Tjaneni》 الكاتب العسكري الذي رافق تحتمس إلى أنه إذا كان الجيش قد طارد العدو الهارب عبر الميدان وقتلهم أثناء فرارهم، فإن المعركة كانت ستنتهي بشكل حاسم في ذلك اليوم. في حين أن الجنود قد تخلوا عن قلوبهم للاستيلاء على الغنائم في الميدان وسمحوا لخصومهم بالوصول إلى حرم المدينة (4).

أمر تحتمس الثالث بحفر خندق حول مجدو، وبناء حاجز خشبي حول الخندق المائي. ولم يُسمح لأي شخص من داخل المدينة بالخروج إلا للاستسلام. استمر الحصار سبعة أشهر على الأقل، قبل استسلام قادة التحالف وتسليمهم للمدينة. حيث تم تجريدهم من مناصبهم وعين مكانهم مسؤولين جددًا، موالين لمصر. وكما في مسلسل صراع العروش أخذ أطفالهم كرهائن إلى مصر لضمان حسن سلوكهم وموالاتهم. تم الإعتناء بالرهائن جيدًا وواصلوا العيش في مستوى الراحة التي اعتادوا عليها.  تم تعليم الأطفال الثقافة المصرية وعندما بلغوا سن الرشد عادوا إلى أراضيهم مع ضمان الولاء للملك المصري. (3)

على الرغم من انتهاء معركة مجدو إلا أن أصدائها بقيت تتردد عبر الأجيال، فكل قوة تحالف المشرق قد هُزمت على يد مصر، أما تل مجدو أو 《Har-Megiddo》  كما ورد في العهد القديم فقد ترجم إلى اليونانية وأصبح 《Armageddon》 ومنه تحولت المعركة الأولى في التاريخ إلى معركة نهاية الزمان في بعض المعتقدات الدينية والنصوص السرية.

المصادر

  1. Redford D. The wars in Syria and Palestine of Thutmose III. Leiden: Brill; 2003.
  2. Spalinger A. War in Ancient Egypt. Blackwell Pub; 2007.
  3. . Mark J. Thutmose III at The Battle of Megiddo [Internet]. Ancient History Encyclopedia. 2020 [cited 1 November 2020]. Available from: https://www.ancient.eu/article/1101/thutmose-iii-at-the-battle-of-megiddo/
  4. Pritchard J, Fleming D. The ancient Near East. Princeton, N.J.: Princeton University Press; 2011.

تاريخ الكتابة

ما الذي له اليد الطولى في وصول العالم إلى ما هو عليه الآن؟ بالطبع، ليس هناك سبب واحد للتطور الحضاري. لكن ثمة أسباب معينة كانت وراء انتقال البشرية من استخدام العصا إلى استخدام الأجهزة الذكية. قد يقول البعض بأن النار هي مفتاح الحضارة، وهم محقون في ذلك. وقد يعول البعض على الخيال الأسطوري الذي مهد إلى معرفتنا الحالية بالعالم والكون، وهم بدورهم على الصواب. بيد أن الكتابة هي العنصر الأكثر فاعلية في رحلة الإنسان الشاقة نحو المزيد من المعرفة. هذه الأداة التي أُستخدمت قبل آلاف الأعوام في بلاد ما بين النهرين لأغراض تجارية هي الحارس الوحيد لاقتصادنا المعرفي. فتاريخ التقدم البشري هو على الأغلب تاريخ الكتابة، أو على الأقل لما كان هناك أي نقاش دون وجود هذه العلامات ذات البعدين. فسنخصص هذا المقال في البحث عن تاريخ الكتابة.

ما قبل الكتابة

إذا كانت اللغة المنطوقة هي أساس بناء علاقة أفقية مع الآخر في حدود زمانية ومكانية محددة، فالكتابة هي دعوة للحوار العمودي بين الأسلاف والاخلاف. تسعى اللغة المنطوقة إلى أهداف آنية وتواصل آني سرعان ما يُنسى. في حين، الكتابة هي مقاومة الزمن في سعي مستمر نحو أهداف طويلة المدى.

مع أن الكتابة لعبت دورًا مشابهًا للدور الذي لعبته النار في الحضارة البشرية، إلا أن تاريخ الكتابة فتي وقصير جدًا. اللغة المنطوقة سبقت المكتوبة بآلاف السنين ولا نعرف لماذا تكاسل البشر في هذا الاكتشاف. لكن، الكتابة ما هي إلا شكلٌ من أشكال التواصل الحر العمودي؛ ترك البشر الكثير من الرموز الأخرى لإقامة علاقة معنا. فالرسومات الفنية على جدران الكهوف تمثل بدورها نوعًا من اللغة المكتوبة ومع تفسير تلك الرسومات يمكن فهم الكثير عن الحالة البشرية قبل عشرات الآلاف من الأعوام.

الكتابة هي المظهر المادي للغة المنطوقة. ويُعتقد بأن البشر قد طوروا هذا المظهر المادي حوالي (50000 إلى 35000 ق.م) كما هو واضح من الرسوم الكهفية في عصر إنسان كرو-ماجنون. فتلك الرسومات كانت تعبر عن مفاهيم من الحياة اليومية، كرحلة صيد وما وقع فيها من الأحداث على سبيل المثال(1).

تاريخ الكتابة

الرموز الممهدة للكتابة

كان السلف المباشر لخط بلاد ما بين النهرين عبارة عن جهاز تسجيل (Recording Device) يتكون من قطع طينية ذات أشكال متعددة. تم العثور على الكثير من تلك الاشكال الطينية الهندسية مثل المخاريط والأسطوانات والأقراص والاشكال البيضوية  وهي تعود إلى 8000 إلى 3000 ق.م. هذه الاشكال تجسدت رموز دلالية ونظام من الإشارات لنقل المعلومات. على سبيل المثال، كان المخروط والكرة يمثلان على التوالي مقدارًا صغيرًا أو كبيرًا من الحبوب(2). بيد أن هذه الاشكال لم يكن لها سياق قواعدي. قثلاثة مخاريط وثلاث بيضات متناثرة بأي شكل من الأشكال كان من المقرر ترجمتها “ثلاث سلال من الحبوب، وثلاث أوعية زيت”(2).

الكتابة التصويرية

بعد أربعة آلاف عام، أدى النظام الرمزي (Token System) إلى الكتابة. حيث حل الخط (Script) محل العدادات (Counters) في كل من بلاد السومر وعيلام عندما كانت الأخيرة تحت الحكم السومري في فترة 3500 ق.م. كان يتم تخزين الرموز (Tokens) في مظاريف طينية مسدودة، من المرجح كانت تمثل الديون، ويقوم المحاسبين بوضع علامة خطية على تلك المظاريف. وتلك العلامات كانت أولى علامات الكتابة(2). بيد أن التحول هذا لم يكن كبيرًا ولم تتحرر الكتابة بعد من نظام الرمز سوى في تحويل الرموز من ثلاثية الأبعاد إلى ثنائية الأبعاد. كان الخروج الرئيسي الوحيد من نظام الرمز يتمثل في إنشاء نوعين متميزين من العلامات(signs): الرسوم التصويرية المحفورة(incised pictographs) والأرقام المؤثرة (impressed numerals). بدأ هذا المزيج من العلامات في التقسيم الدلالي بين العنصر المحسوب والرقم(2).

اقرأ أيضًا: ملخص كتاب دروس من التاريخ لويل ديورانت

اللوغرام

المرحلة الثانية في تطور الكتابة تبدأ من حوالي 3000 ق.م. وذلك عند إنشاء علامات صوتية، بحيث تحولت العلامة الكتابية من عالم البصر إلى عالم السمع.

مع بناء الدولة، تطلبت اللوائح الجديدة تسجيل أسماء الأفراد الذين استلموا البضائع المسجلة على الألواح الطينية. وكانت العلامة الكتابية تكون بمثابة صورة ومحاكاة للعلامة المنطوقة، على سبيل المثال، يمكن كتابة اسم ربيع بعلامة دالة لفصل الربيع. وفي حال العبارات كان يتم استخدام رموز دالة وحسب لا الأفعال. هذه المرحلة من تطور خط بلاد ما بين النهرين والتي تميزت بإنشاء العلامات الصوتية، لم تؤدي فقط إلى فصل الكتابة عن المحاسبة ، بل أدت أيضًا إلى انتشارها من سومر إلى المناطق المجاورة، الحضارة المصرية على سبيل المثال(2).

ظهور الأبجدية

بدأت المرحلة الثالثة من تطور الكتابة حوالي 1500 ق.م مع اختراع الأبجدية. الأبجدية الأولى والتي تسمى بالسينائية (Porto-Sinaitic) والتي نشأت في أرض لبنان الحالية تأسست على حقيقية أن كل لغة تتألف من عدد محدد من الحروف وكل حرف يمثل صوتًا(2).

وكان قد حدث الانتقال من الكتابة المسمارية إلى الأبجدية في الشرق الأدنى القديم على مدى قرون. هذه الثورة المعرفية العظمى صدرها الشرق إلى بلاد الأغريق من خلال التجار الفينيقيين أبان القرن الثامن قبل الميلاد.

الجدير بالإشارة هو أن الفيضانات التي كانت تحدث في بلاد ما بين النهرين كان لها دور في ابتكار الأبجدية. حيث وجدت المجتمعات التي بنت المدن المبكرة أنها بحاجة إلى الاحتفاظ بسجلات لمخزوناتها وممتلكاتها وتجارتها(3).

الكتابة في مصر

منذ عام 3200 ق.م فصاعدًا، ظهرت الكتابة المصرية الهيروغليفية على ألواح عاجية صغيرة تُستخدم كملصقات للبضائع الجنائزية في المقابر. و تم العثور على الكتابة بالحبر باستخدام فرش وأقلام القصب لأول مرة في مصر. عُرفت هذه الكتابة بالحبر في اليونانية بالهيراتيكية (النص الكهنوتي) ، في حين أن الأحرف المنحوتة والمرسومة التي نراها على الآثار تسمى الهيروغليفية (المنحوتات المقدسة).

وكان للكتابة في مصر وظيفتان: الأولى كانت احتفالية وكانت كتابة منحوتة، والأخرى كانت في خدمة الإدارات الملكية والمعابد وكانت مكتوبة(4).

الكتابة في الصين

تطورت الكتابة في الصين من طقوس العرافة باستخدام عظام أوراكل عام 1200 قبل الميلاد. يبدو أن الكتابة الصينية نشأت بشكل مستقل، حيث لا يوجد دليل على انتقال ثقافي في هذا الوقت بين الصين وبلاد ما بين النهرين. تضمنت ممارسة العرافة الصينية القديمة نقوشًا على العظام أو الأصداف التي تم تسخينها بعد ذلك حتى تشققها. ومن ثم يتم تفسير الشقوق بواسطة العراف (Diviner) إذا كان هذا العراف قد حفر “الثلاثاء القادم سوف تمطر” و “الثلاثاء القادم لن تمطر” فإن نمط الشقوق على العظم أو الصدفة سيخبره ما هو الحال. بمرور الوقت ، تطورت هذه النقوش إلى النص الصيني(1).

تسجل عظام أوراكل هذه (شفرات كتف الثيران والسلاحف) الاسئلة التي طُرحت على النسب الملكي حول مواضيع متنوعة مثل تناوب المحاصيل والحرب والولادة وحتى وجع الأسنان. حتى الآن، تم العثور على ما يقرب من 150000 نموذج لمثل هذه العظام، تحتوي على أكثر من 4500 رمز مختلف، يمكن تحديد العديد منها على أنها أسلاف الأحرف الصينية التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم(4).

الخلاصة

منذ اختراع الكتابة في بلاد ما بين النهرين بدأت الحضارة ترتقي أكثر فأكثر. فاللغة قديمة جدًا، لكنها لم تكن قادرة على القيام بوظيفتها الكاملة دون وجود الكتابة. العالم نفسه لما كان سيكون بهذا الشكل لولا الهبة التي قدمتها لنا الكتابة. لما كنا سنعرف ملحمة جلجامش ولا الفلسفة اليونانية ولا كتاب مبادئ الرياضيات ولا حتى النصوص الدينية. ثمة أمر مثير للإهتمام في تاريخ الكتابة ألا وهو حدوثها الحتمي. إذ أن الكتابة كانت ستكون حتى دون أن يجازف السومريون؛ فحسب الأدلة التاريخية تمكن الصينيون من اختراع نظام للكتابة خاص بهم بمنأى عن السومريين. والكتابة لم تأتي فجأة بشكلها الحالي إنما تطورت بما يخدم الحاجات البشرية.

المصادر:

  1. ancient.eu
  2. sites.utexas.edu
  3. sciencedirect
  4. bl.uk

الانهيار الحضاري الكبير .. هل احتلت شعوب البحر العالم؟

يرزح الاقتصاد العالمي تحت ضغط كبير، وتجتاح الأزمات دول الشرق الأوسط. انهيار اقتصادي في لبنان وسوريا وحرب في اليمن، تدخلات تركية وإيرانية تأجج نيران الصراع في المنطقة. العراق يعيش حالة من الاضطراب واقتصاد اليونان في حالة يرثى لها. أليس هذا هو الحال في سنة 2021 ميلاديًّا؟ بلى، ولكن الوضع أيضا كان هكذا في سنة 1177 ق.م. منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة وفي عصر يدعى بالعصر البرونزي، حلَّ الانهيار الحضاري الكبير ، فانهارت حضارات منطقة البحر المتوسط الواحدة تلو الأخرى. وبانهيارها غيرت مسار ومستقبل العالم إلى الأبد.

استمر العصر البرونزي في منطقة الشرق الأدنى، ومصر وبحر إيجة ما يقرب من ألفَي عام. من سنة 3200 ق.م تقريبًا إلى بُعَيْد سنة 1200 ق.م. قامت في هذه الفترة العديد من الممالك الصغيرة والإمبراطوريات الكبيرة التي سيطرت على منطقة الشرق الأوسط. أسست نظمها وسياساتها الخاصة، وتشابكت العلاقات فيما بينها عبر طرق تجارية دولية واسعة حتى دعيت تلك الفترة بأول فترة أممية. إن أول ظهور للعولمة كما نعرفها اليوم قد بدأ منذ ذلك الحين. لكن وبعد قرون من التطور الثقافي والتكنولوجي، انتهى الحال بغالبية أقاليم البحر المتوسط إلى نهاية مأساوية. فسرعان ما انهارت الامبراطوريات الكبيرة والممالك الصغيرة، وانهار معها النظام العالمي. مخلفًا سنوات من الظلام قبل أن تظهر نهضة ثقافية جديدة في المناطق المتضرِّرة، ممهدة الطريق لتطور المجتمع الغربي على الصورة التي نعرفه عليها في وقتنا الحاضر.(1)

لسنوات عديدة وجهت معظم الأبحاث الأثرية التي درست هذا الانهيار وأسبابه أصابع الاتهام نحو شعوب البحر، اتهموا بأنهم قد اجتاحوا هذا العالم القديم ودمروه، فمن هم هؤلاء الشعوب؟

البداية والنهاية

في العام 1177 ق.م. وفي السنة الثامنة لحكم الفرعون المصري رمسيس الثالث وفي وقت واحد تقريبا بدأت عدة معارك برية وبحرية في دلتا مصر أو بالقرب منها. هاجمت قوات شعوب البحر الجيش المصري الذي كان في انتظارها. يوجد احتمال أن هذه المعارك كانت تمثل كمائن أخذ فيها المصريون أعدائهم على حين غرة أو أنها معركة واحدة طويلة، لكن ما هو مؤكد أن المصريين قد انتصروا فيها.

في معبده الجنائزي في مدينة هابو بالقرب من مدينة الأقصر حاليًا يمثل رمسيس الثالث معركته مع شعوب البحر بعدة جداريات ونقوش، وقد كتب بإيجاز في أحد هذه النصوص:

أعدَّت البلاد الأجنبية مؤامَرةً في جُزرها. وفجأة ودونما إنذار انتزعوا البلدان ودمَّروها في خضمِّ المعارك الحامية الوطيس. ولم يستطع أي بلد أن يَصمد في مواجهة جيوشهم، فاغتُصِبت البلدان بدءًا من خاتي، وكودي، وكركميش، وأرزاوا، وألشية وما بعدها دُفعةً واحدة. [لقد أقاموا] معسكرهم في مكان واحد في عمورو، والتي قتلوا شعبها، وكان حال أرضها كحال أرضٍ خَرِبة لم يكن ثمَّة وجودٌ لبشرٍ عليها من قبل. كانوا آخذين في التقدُّم صوب مصر، بينما كانت النارُ مُعدةً لهم. كان تحالفُهم يتكوَّن من الفلستيين، والتجيكر، والشيكليش، والدانونا، والويشيش، والتي كانت بلدانهم متحدة. لقد احتلوا بلدانًا بقدر ما وصلت إليه أيديهم، وكانت قلوبهم واثقةً وموقنةً بالنصر.(1)

يعطي هذا النقش العديد من المعلومات عن شعوب البحر. وكان يعتبر بالإضافة لباقي النقوش المصرية الدليل الأساسي لاجتياح شعوب البحر للعالم القديم وتدميره في أواخر عصر البرونز.

شعوب البحر

شعوب البحر، هو الاسم الذي أطلقه الباحثون عليهم اليوم، لكن المصريين القدماء لم يستخدموا هذا المصطلح أبدًا. عوضًا عن ذلك ححدوا هويتهم باعتبارهم مجموعات منفصلة تعمل معًا: الفلستيون، والتجيكر، والشيكليش، والشاردانا، والدانونا، والويشيش. وهي أسماء أجنبية الوقع لأناس بملامح أجنبية.

أسماء هؤلاء الشعوب ووجوههم محفورة على جدران معبد رمسيس الثالث الجنائزي في مدينة هابو. على هذه الجدران تظهر دروع الغزاة المستديرة، وأسلحتهم، وملابسهم، وقواربهم بوضوح تام، وبتفصيل كبير لدرجة أن الباحثين قد قارنوا بين الدروع والسفن في هذه الرسوم مع ما يشبهها في حضارات العالم القديم بحثًا عن أصل هذه الشعوب.

نقش يمثل معركة رمسيس الثالث مع شعوب البحر (مواقع التواصل )

على رؤوسهم ريش

بالنسبة لأشكالهم يظهرون في الرسوم وهم يرتدون قبعات من ريش على رؤوسهم، أو بأغطية رأس على شكل جماجم أو ذات قرون، كما يظهر بعضهم بلحية قصيرة مدببة وبإيزار قصير، وبعضهم الأخر بملابس طويلة تكاد تشبه التنانير. يشير هذا الاختلاف في الشكل واللباس إلى أن هذه الشعوب كانت من مناطق جغرافية وثقافات مختلفة.

لقد استعمل الغزاة القوارب التي تشبه مقدماتها رؤوس الأحصنة وهذا النمط كان منتشرا في حضارة بحر إيجة، كما استعملوا مركبات تجرها الثيران. قاتلوا بسيوف برونزية حادة واستعملوا رماح برؤوس معدنية وأقواس وسهام. أما دروعهم فكانت دائرية الشكل وهذا النمط كان منتشرًا أيضا في حضارة بحر إيجة. لقد جاء الغزاة في موجات وعلى مدى فترة طويلة من الزمن فهل أتوا من الفراغ؟

نقش يظهر أشكال شعوب البحر (مواقع التواصل )

أراضي خلف البحار

لم تترك المجموعات الست المنفصلة التي كوَّنت شعوب البحر أثناء هذه الموجة من الغزو أي نقوش تدل على أصلها. كان الدانونا معروفين منذ زمن بعيد على أنهم الدانانيون الذين أتى هوميروس على ذكرهم، والذين كانوا يعيشون في منطقة إيجة في العصر البرونزي. أما الشيكليش فقد أتوا من جزيرة صقلية الحالية. والشاردانا أتوا من جزيرة سردينيا، استنادًا إلى أوجه التشابه بين الحروف الساكنة في كلٍّ من الحالتَين. ومع ذلك لا يقبل كل الباحثين هذه الاقتراحات. توجد مدرسة فكرية بكاملها تقترح أن شعبي الشيكليش والشاردانا لم يأتيا من غرب المتوسط، وإنما كانا من مناطق في شرق المتوسط وأنهما فرَّا فحسب إلى منطقتَي صقلية وسردينيا، ومنَحا اسمَيهما لهاتَين المنطقتَين، بعد هزيمتهم على يد المصريين.

ما علاقة فلسطين بكل هذا؟

من بين كل المجموعات الأجنبية النشطة في هذه الساحة في ذلك الوقت، لم يحدد الباحثون على نحو مؤكَّد سوى مجموعة واحدة فقط. اعتبر الباحثون أن الفلستيون من شعوب البحر ليسوا سوى الفِلَسْطِينِيِّينَ، الذين حدِّد الكتاب المقدس أنهم أتوا من جزيرة كريت. يبدو هذا واضحا من تشابه الاسماء وبالإضافة إلى هذا التحديد  نشر فريق من العلماء سنة 2019 ورقة بحثية في مجلة ساينس ادفانس اعتمدوا فيها على تحليلات الحمض النووي لتحديد أصول الفلستيين. اختاروا للبحث أكثر من مئة رفات من مدينة عسقلان تعود للفترة الانتقالية بين عصر البرونز والحديد. 10 عينات فقط أعطت كميات كافية للتحليل. وقد بينت النتائج أنه في أوائل العصر الحديدي أو نهاية العصر البرونزي حصل تغيير في التركيب الجيني لسكان المنطقة في فلسطين مع وجود جينات من أصل أوروبي في رفات بعض العينات، وهذا ما يتناسب مع الوقت الذي كان مقترحًا لوصول الفلستيين إلى الساحل المشرقي.(2)

نرشح لك: التضحية بالأطفال .. قصة فينيقيو قرطاجة

غزو عالمي

يعتقد الباحثون اليوم أن شعوب البحر كانوا يتنقَّلون باستمرار من موقع إلى آخر، آخذين في اجتياح البلاد والممالك أثناء مرورهم بها. وحسب النصوص المصرية، فأنهم أقاموا معسكرًا في سوريا قبل الاستمرار بحذاء ساحل منطقة كنعان (التي تتضمَّن أجزاءً من سوريا الحالية، ولبنان، وفلسطين) وإلى دلتا نيل مصر.

هاجمت هذه الشعوب دول العالم القديم في فترات زمنية مختلفة انتقلوا برًا من يونان إلى تركيا اما بحرًا فقد هاجموا الحضارة الميسينية حوالي سنة 1210-1200 ق.م. ثم انتقلوا إلى جزيرة كريت ومنها هاجموا قبرص ثم السواحل المشرقية سنة 1192-1190 ق.م. ثم انتقلوا إلى ديلتا مصر سنة 1177 ق.م.

في مدينة أوغاريت في سوريا عثر العلماء على لوح طيني منقوش عليه رسالة من ملك أوغاريت في شمال سوريا إلى ملك جزيرة قبرص:

  أبي الأن وصلت سفن العدو. إنهم يضرمون النار في  مدني وألحقوا بالبلد الأذى. ألا يعرف أبي أن كل الرجال المشاة خاصتي ومركباتي الحربية متمركزون في خاتي، وأن كل سفني متمركز في أرض اللكا؟ أنهم لم يعودو بعد، لذا فالبلد ليس له حماية. فليكن أبي لى علم بها الأمر. الأن سفن العدو التي كانت اتية  قد ألحقت بنا الكثير من الضرر. وإذا كانت سفن أخرى ستظهر. فإعلمني بطريقة ما.

لا  نعلم اذا كانت هذه الرسالة قد وصلت  إلى وجهتها او لا لكن أوغاريت قد تدمرت كليا سنة 1190 – 1192 ق.م وهذا ما أظهرته دراسة حديثة.(3)

أما على ساحل المشرق الجنوبي فقد أسست هذه الشعوب ثلاثة مدن هي 《غزة – Gaza》و《 أشدود – Ashdod》و 《عسقلان – Ashkelon》و 《جاث – Gath》و《 عقرون – Ekron》

المناطق التي هاجمها شعوب البحر (مواقع التواصل )

غزاة أم لاجئون؟

نسب الباحثون السابقون كل الدمار الذي وقع في هذه الفترة إلى شعوب البحر. لكن قد يكون من المبالغة أن يلقوا بلائمة نهاية العصر البرونزي برمتها عليهم. فهم بذلك يمنحون تلك الشعوب قدرًا لا تستحقُّه من الأهمية، إذ إننا لا نَملك أدلة واضحة، باستثناء النصوص والنقوش المصرية، التي تُعطي انطباعات متضاربة. هل توجَّهت شعوب البحر إلى منطقة شرق المتوسط على هيئة جيش منظم نسبيًّا؟ هل كانت تلك الشعوب على هيئة مجموعة من المُغيرين المنظَّمين تنظيمًا ضعيفًا، مثل الفايكينج الذين ظهروا في عصر لاحق؟ أم كانوا لاجئين يفرُّون هربًا من كارثة؟

لم يعد هناك يقين أن كل المواقع التي يوجد دليل على تدميرها قد دُمِّرَت على يد شعوب البحر. فيمكن للباحثين مثلا أن يستنتجوا من الأدلة الأثرية أن موقعًا ما قد تعرَّض للتدمير، ولكن لا يستطيعوا دومًا أن يستنتجوا السبب أو الفاعل. علاوة على ذلك، فإن المواقع لم تُدمَّر كلها على نحو مُتزامِن، ولا حتى بالضرورة في خلال نفس العقد من الزمن.

تشير الأدلة المتوفرة حاليًا إلى أنه من المرجح أن شعوب البحر ليسوا الفئة الوحيدة التي تقع عليها اللائمة في ذلك. يبدو مرجحًا الآن أن تلك الشعوب كانت الضحيةَ بقدر ما كانت المُعتدية في مسألة انهيار الحضارات. تقترح إحدى الفرضيات أن تلك الشعوب أُجبِرَت على الخروج من أوطانها جراء سلسلة من الأحداث المأساوية وارتحلت شرقًا حيث صادفت مَمالك وإمبراطوريات كانت بالفعل آخذةً في الانحسار. من المحتمَل جدًّا أيضًا أن السبب تحديدًا في قدرتها على مهاجمة الكثير من ممالك المنطقة والقضاء عليها في نهاية الأمر هو أن تلك الأنظمة الملَكية كانت بالفعل آخذةً في الانحسار وفي حالة ضعف لسبب أو لعدة أسباب أخرى سنتكلم عنها في المقال القادم.

اقرأ أيضًا: الفينيقيون الجدد .. كيف ترسم السياسة حدود الحضارات؟

المصادر

  1. https://press.princeton.edu/books/paperback/9780691168388/1177-bc
  2. https://advances.sciencemag.org/content/5/7/eaax0061
  3. https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0020232

صابر صبري وإعادة إحياء العمارة المملوكية في مصر

صابر صبري وإعادة إحياء العمارة المملوكية في مصر

صابر صبري باشا هو مهندس معماري مصري ولد عام 1845 وتوفي عام 1915 على الارجح، وعلى عكس معظم معماريين جيله، لم يدرس بالخارج ولكن تلقى تعليمه في المهندسخانة، عمل عام 1881 كمدرس للرياضيات والهندسة الوصفية في المهندسخانة. تولى وظيفة “باشمهندس نظارة الأوقاف”، وهي أحد أعلى المراتب في النظارة، منذ تولى الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892 حتى عام 1906. إحتوى تقرير قدمه صبري بعد تقاعده، أن الأوقاف مسؤولة منذ عام 1892 عن بناء أو تجديد حوالي مائة مسجد وضريح، في حين تم تجديد أكثر من مائتي مبنى سكني وتجاري. وهذه الأرقام تبدو كبيرة إلى حد ما عند مقارنتها بنشاط الأوقاف في السابق، ففي عهد والده الخديوي توفيق، تم بناء وترميم عشرين مسجدًا وثلاثين مبنى تجاريًا فقط.
لصبري العديد من التصميمات منها: تصميم مسجد أولاد عنان 1894، تصميم مسجد السيدة نفيسة 1895، تصميم مبنى وزارة الأوقاف بالتعاون مع آخرين 1896، تصميم مبنى جامعة القاهرة مع محمود بك فهمي 1914.

الأوقاف في أواخر القرن التاسع عشر

الأوقاف هي هيئة إدارية تشكلت عام 1835 لإدارة المؤسسات الدينية، أُعيد تنظيم الأوقاف في عام 1851 كديوان له سلطة على جميع مباني الأوقاف. وأصبح فيما بعد نظارة أو وزارة عام 1879؛ والأهم أنها اكتسبت، أو بالأحرى استرجعت، استقلالية كبيرة عند تحويلها إلى “هيئة إدارية” في 23 يناير 1884، على اساس أن تُدار الأوقاف وفقًا للشريعة وبالتالي تكون منفصلة تحت الوصاية المباشرة للخديوي. تلك الاستقلالية كانت قصيرة الأجل، حيث تم إعادتها إلى وزارة في 20 نوفمبر 1913.

الطراز المملوكي

الطراز المملوكي هو الطراز الذي تطور في مصر اثناء حكم المماليك (1250-1517) ويعتبره الكثيرون الطراز المعبر بصدق عن مصر العربية والاسلامية حيث أنه استمد سماته من التراث المصري. معظم المباني التي بنيت في الفترة من 1892 حتى 1906 تنتمي الى إعادة إحياء الطراز المملوكي. وذلك بعد سيطرة اتجاهات التغريب على العمارة المصرية في عهد الخديوي اسماعيل.
وبالرغم أن تلك المباني يمكن تمييزها بسهولة من المباني المملوكية الأصلية، إلا انها قدمت نماذج رائعة لفهم الطراز المملوكي وتعبير صادق عن البراعة في فهم خصائص الطراز. نستعرض في المقالة مثالين من ذلك الطراز.

1- تصميم مسجد أولاد عنان

يمثل مسجد أولاد عنان مشروعًا مبكرًا لصابر صبري في الأوقاف. تم بناؤه في باب الحديد، الآن رمسيس، مقابل محطة سكة حديد القاهرة، حيث يقع مسجد الفتح الآن. نجا مسجد أولاد عنان من الهدم لبناء مسجد الفتح، في عام 1979 تم تفكيكه ونقله .إلى الميدان الكبير أسفل القلعة، وأعيد تسميته باسم مسجد السيدة عائشة

مسجد أولاد عنان بُنى مكان ضريح قديم من القرن الرابع عشر تم هدمه اثناء الحملة الفرنسية. انتقلت ملكيته الى الأوقاف عام 1893. وتم البدء في انشاؤه عام 1894 وتم افتتاحه عام 1896 بتكلفة اجمالية بلغت حينها 7000 جنيه مصري.

تم بناء المسجد من الحجر، مع الطبقات المعتادة من الحجر الأحمر والأبيض (المشهر والأبلق) من محاجر المقطم. احتوى التصميم على قاعة صلاة مغطاة، مضاءة بواسطة مِشكاوات (كما كان الحال في العديد من المدارس المملوكية)، كما تضمن كُتاب في الطابق الأول. وكانت عائدات صيانة المبنى تنتج عن طريق إيجار شقة ومخزن ملحق بالمسجد. والتي اضيفت نتيجة الانحراف الناتج عن الدوران لاتجاه القبلة ومحاذاة حدود الشارع.

تظهر الاقتباسات الحرفية من الآثار المملوكية في زخرفة المئذنة، والتي تجمع بين البدن والجزء السفلي من مئذنة قايتباي في الأزهر (1494)، مع الجزء العلوي من مئذنة قايتباي الملحقة بضريحه في المقبرة الجنوبية (1472). كما تستحضر قبة المسجد المنحوتة عمارة قايتباي أيضًا، كما تظهر في موقعها الحالي من القلعة. شكلت العمارة المملوكية المتأخرة المصدر الأساسي لإلهام تصميم مسجد أولاد عنان.

2- تصميم مبنى وزارة الأوقاف

المثال الثاني هو مبنى الأوقاف (1898) وهو مازال قائم في وسط القاهرة حتى الآن، مع إضافات تمت لاحقا عام (1911 و1929). يتوافق المسقط الأفقي مع الوظيفة الإدارية للمبنى، وهي منظمة حول فناء داخلي. تحمل الرسومات هذه المرة اسم مهندس أوروبي غير معروف. والذي يذكر انه رسم ونسخ الرسومات في يونيو 1896. ووقع صابر صبري المشروع في اليوم التالي. وفقا للنقوش على الواجهة، تم الانتهاء من المبنى في عام 1898.

المبنى عبارة عن مجموعة (تلقيطية – Eclectic) من المفرادات المستعارة من آثار مملوكية متنوعة:
فتحات غاطسة، تعلوها نقوش وزخارف جصية واستخدام الأبلق، استخدام تكوين مجموعة نوافذ قلاوون. وتم استخدام التلقيطية في هذه الحالة حيث أنه لا يمكن اللجوء إلى مثال تاريخي لتصميم مثل هذا النوع من المباني. والذي يعني بالضرورة الحاجة الى ابتكارات مختلفة.

توضح (Mercedes Volait) أن تصميمات صبري لمسجد أولاد عنان وجدت طريقها إلى مجلة معمارية فرنسية: وكان هذا وضعًا استثنائيًا لمهندس شرق أوسطي في ذلك الوقت! وبالرغم من ذلك تعرض صبري للنقد عام 1915، فتصميم مسجد أولاد عنان اعتمد بدون شك على نموذج قديم، ولكن كان يُنظر إلى المسجد الآن على أنه ذو مئذنة غير متناسبة ومراجع تاريخية غير صحيحة. وكانت الحداثة التي ستقطع العلاقات بالماضي هي التيار القادم.

في النهاية، إعادة إحياء الطراز المملوكي في القاهرة في نهاية التاسع عشر. يعتبر ظاهرة معقدة إلى حد ما، مع معاني وقراءات محتملة ومتنوعة، تتجاوز الرمزية السياسية بشكل عام المتعلقة بالطراز.

المراجع

.Mercedes Volait. Appropriating Orientalism? Saber Sabri’s Mamluk Revivals in late 19th c. Cairo
Doris Behrens-Abouseif; Stephen Vernoit. Islamic Art in the 19th Century: Tradition, Innovation
.and Eclecticism, Brill, pp.131-155, 2005

محمد فوزي المناوي، جامعة القاهرة في عيدها المئوي، المكتبة الأكاديمية، 2007.

اقرأ أيضًا هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

مالذي يربط أهرامات الجيزة وجزر النخيل بدبي بالفضاء؟

مالذي يربط أهرامات الجيزة وجزر النخيل بدبي بالفضاء؟

يقال أن رواد الفضاء العائدين من الفضاء يواجهون تحولا في منظورهم لأنهم يكتشفون مدى صغر كوكبنا الأزرق في الفضاء. من بين أكثر الأساطير شعبية حول الغضاء هي إمكانية رؤية سور الصين العظيم من المدار، كما يقول البعض أنه البنية الوحيدة التي صنعها الإنسان والتي يمكن رؤيتها من الفضاء والقمر. بالطبع كلها أساطير لا أساس لها من الصحة!

لكن إليك أربعة أشياء يمكنك رؤيتها من الفضاء بالفعل، كما سنعرض لك سبب عدم قابلية رؤية سور الصين العظيم من الفضاء:

1- الأهرامات العظيمة بالجيزة:

لقد صمدت هذه الأهرامات أمام الأضرار التي تسببت بها الحروب، رياح الصحراء والتعرية على مر آلاف السنين. في حين هناك العديد من نظريات المؤامرة التي تقول أن الأهرامات من صنع الكائنات الفضائية. لكن في الحقيقة أن ما يربطها بالفضاء هو إمكانية رؤيتها هناك.

صورة ملتقطة من طرف ناسا للأهرامات العظيمة بالجيزة.

2-الدفيئات الزراعية بالميرية:

تعتبر الميرية مدينة إسبانية قاحلة وجافة جدا، فقد كانت في الماضي موقعا استراتيجيا يلجأ إليه مصوري أفلام السباغيتي. لكن، خلال العقود الأخيرة تحولت المدينة بفضل تقنيات الزراعة المائية إلى أكبر دفيئة زراعية بأوروبا. تغطي العديد من الدفيئات الزراعية المنطقة، فتعكس المزيد من الضوء فتسهل رؤيتها من المدار.

3- الجزر الإصطناعية بدبي:

جزر النخيل عبارة عن سلسلة من الجزر الصناعية على ساحل دبي أنشأت برمال الخليج الفارسي فتسهل رؤيتها من الفضاء بشكل مبهر.

جزر النخيل بدبي

4- المنشأة الصينية التي يمكنك رؤيتها من الفضاء:

لقد ذكرنا مسبقا أنه لا يمكن رؤية سور الصين العظيم من الفضاء ولو في مدار منخفض، وذلك لأنه لا يوجد تباين كاف بين لون السور والمناظر الطبيعية المحيطة به كما أن بنيته ضيقة نوعا ما.

لكن الحقيقة المحزنة هي أن جزء من الصين غير مرئي من الغضاء إلا في حالة استخدام عدسة تكبير خاصة وذلك بسبب تلوث الهواء في البلاد. ففي الرابع من ديسمبر 2016، اعتبرت بيكين منطقة خطرة بسبب الضباب الدخاني وجودة الهواء غير الآمنة.

على مدى زمن طويل اعتبرت مشاكل التلوث بالصين محط أنظار النشرات الإخبارية. لحسن الحظ، بدأت الحكومة الصينية سنة 2017 بفرض جهود مكثفة للتخلص من التلوث وقاموا باستثمارات كبيرة في الطاقات النظيفة، وبالفعل لوحظت نتائج إيجابية.

ونأمل أن تستمر بيكين في نقاء سمائها من الضباب الدخاني السام، ونبقي عقولنا خالية من الأساطير السامة!

المصدر: Today I Wtached

اقرأ أيضا: هواة علم الفلك يساهمون في اكتشاف نوع جديد من الشفق القطبي

اكتشاف تمثال نادر للملك رمسيس الثاني على هيئة “الكا”

اكتشاف تمثال نادر للملك رمسيس الثاني على هيئة “الكا”

تم الكشف عن تمثال نادر للملك رمسيس الثاني على هيئة “الكا”، أثناء أعمال حفائر الإنقاذ التي قامت بها وزارة الآثار المصرية داخل قطعة أرض يمتلكها رجل اُعتقل في وقت سابق من الشهر لقيامه بأعمال تنقيب غير شرعية بالقرب من معبد الإله بتاح بمنطقة ميت رهينة، وكُشف النقاب عن كتل أثرية ضخمة مغمورة في المياه الجوفية.

كشفت بعثة الإنقاذ الأثري الجزء العلوي لتمثال نادر من الجرانيت الوردي للملك رمسيس الثاني علي هيئة “الكا” رمز القوة و الحيوية و الروح الكامنة، يبلغ ارتفاع التمثال 105 سم و عرضه 55 سم و سماكته 45 سم، و يصور الملك رمسيس مرتديًا باروكة و يعلو رأسه علامة “الكا” كما نُقش على عمود الظهر الخاص به الاسم الحوري للملك رمسيس “كا نخت مري ماعت” والتي تعني ” الثور القوي محبوب ماعت.”

الاسم الحوري للملك رمسيس “كا نخت مري ماعت

إن هذا الكشف يعتبر من أندر الاكتشافات الأثرية، حيث أن هذا التمثال هو أول تمثال “للكا” من الجرانيت يتم كشف النقاب عنه؛ حيث أن التمثال الوحيد “للكا” الذي تم العثور عليه من قبل مصنوع من الخشب لأحد ملوك الأسرة الثالثة عشر ويدعى “او ايب رع حور” و هو معروض حاليًا بالمتحف المصري بالتحرير.

و قد تم نقل التمثال وباقي القطع المكتشفة خلال حفريات الإنقاذ إلى المتحف المفتوح بميت رهينة؛ لإجراء أعمال الترميم اللازمة للحفاظ عليها، حيث عثرت البعثة على عدد كبير من القطع الأثرية من الجرانيت الوردي و الحجر الجيري عليها نقوش تصور الإله بتاح إله مدينة منف، بالإضافة إلى خراطيش للملك رمسيس الثاني، تدل على أن هذه القطع تمثل أجزاء من المعبد الكبير للإله بتاح بمنطقة ميت رهينة.

أقدم معاهدة سلام في التاريخ

حكم رمسيس الثاني في عهد الأسرة التاسعة عشرة، بين عام  1279 و 1213 قبل الميلاد. يُشار إليه باسم رمسيس الأكبر بسبب فترة حكمه الطويلة والناجحة، كان لديه عدد كبير من الأبناء. وقد قاد عدة حملات عسكرية في بلاد الشام، وقام بعقد أقدم معاهدة سلام مع الحثيين. يُعتقد أنه توفي عن عمر يناهز 90 عامًا ودُفن في وادي الملوك.

المصدر:

1- موقع وزارة الآثار المصرية 

2- Newsweek

3- Ancient Origins

كيف فسر العلماء وجود مومياء قطة بثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية؟

 

كيف فسر العلماء وجود مومياء قطة بثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية؟

لقد ولّت الأيام التي كان لابد فيها من فك لفائف المومياء لاكتشاف مابداخلها. ساعدت التطورات في التكنولوجيا الطبية وتطبيق تلك التكنولوجيا على الأبحاث الأثرية من إحراز تطور كبير في الدراسات الأثرية، وخاصة فيما يخص المومياوات المصرية. ويتم فحص المومياوات الحيوانية بالإضافة إلى البشرية؛ لكن الأمور لاتسير دائماً كما هو مخطط لها، على سبيل المثال قدم “التشريح الرقمي”  لمومياء قطة اكتشافًاً غير متوقع فقد كانت لدى مومياء القطة ثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية!

 

ماهي قصة الاكتشاف؟ وكيف فسر العلماء وجود مومياء قطة بثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية؟

صورة توضح محتويات مومياء قطة بثلاثة ذيول وخمسة أطراف

تم تشريح قطة مصرية محنطة عمرها 2500 عام في متحف الفنون الجميلة في  Rennes، تم وضع القطة في جهار التصوير المقطعي لفحص الهيكل الداخلي. أفاد المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث الأثرية (INRAP) أنه عندما بدأ علماء الآثار في تحليل إعادة البناء ثلاثية الأبعاد لأطراف المومياء، وكانت المفاجأة بأن اكتشفوا وجود ثلاثة ذيول وخمسة أطراف خلفية، بالإضافة إلى وجود كرة من القماش بدل الرأس. يمكن ألا يكون هذا استثنائياً.  حيث كشفت الفحوصات على المومياوات الحيوانية أن بعضها فارغ من الداخل، والبعض الآخر يحتوي على عظمة واحدة، وفي أحيان أخرى تكون القطة كاملة.

يعتقد الباحثون أننا هنا أمام عملية احتيال قديمة قد نظمها بعض الكهنة عديمي الضمير. حيث كان الطلب على مومياوات الحيوانات في تزايد مستمر، فقد تم الكشف عن ملايين الحيوانات المحنطة في سراديب الموتى، كانت تتضمن القطط والطيور والقوارض وحتى التماسيح. وكان هذا الطلب الضخم على المومياوات لأنها كانت تُقدم كهدايا مقدسة للآلهة التي تحمل نفس شكل الحيوان.

 

هل تعتقد فعلاً أن المشرفين على عملية تحنيط الحيوانات سيكونون دائماً عند حسن ظن عملائهم؟

قامت جامعة مانشستر بإجراء سلسلة من فحوصات الأشعة المقطعية والسينية على 800 مومياء لحيوانات يعود تأريخها مابين 1000عام قبل الميلاد و400 ميلادي، وكانت المفاجأة أن العديد من المومياوات ملفوفة بعناية وإتقان ولكنها إما تضم بعض البقايا من جثث الحيوان، أو أنها لا تضم شيئاً على الإطلاق.

إن تقنية التشريح الرقمي قدمت لنا فرصة رائعة للتعرف أكثر على عمليات تحنيط الحيوانات القديمة مع المحافظة على التراث الأثري أمناً للأجيال القادمة.

 

المصدر: Ancient Origins

مواضيع ذات صلة: الفن الفرعوني

Exit mobile version