المتحور دلتا، ما الذي نعرفه عن التحور المهيمن صانع ريمونتادا كوفيد 19 الجديدة؟

المتحور دلتا هو أحد أكثر تحورات فيروس كورونا شهرةً. بسبب الكارثة الإنسانية التي ألحقها بالهند. كذلك الزيادة في معدلات انتشاره على مستوى العالم. فقد تسبب في زيادة ملحوظة في أعداد الوفيات والإصابات بالهند. حتى أن المستشفيات اكتظت بالمرضى ولم تعد بها أماكن لاستقبال مرضى جدد. كما لم تتوفر أماكن كافية لحرق الجثث وفقاً للتقاليد الهندوسية وحدث نقص شديد في اسطوانات الأكسجين المستخدمة في إسعاف المرضى. [2] كذلك فقد سارع الكثير من أبناء الشعب الهندي لأخذ اللقاح ليساعدهم في حربهم ضد ذلك العدو الذي لا يرحم. حتى يتجنبوا المصير الذي يشاهدوه في الطرقات وعلى التلفاز والإنترنت وبين أقاربهم. الأمر الذي نتج عنه نفاذ كميات اللقاح المتوفرة في حينها. [3] كما أنه أثار ذعراً من نوع آخر حول إحتمالية قلة فاعلية لقاحات وعلاجات كوفيد-19 تجاهه. ومع استمرار انتشاره في كثير من دول العالم؛ أصبح كثير من قادة الدول يترقبون في حذر وصوله إلى دولهم وصورة الضحايا في الهند لا تغادر أذهانهم.

اكتشاف المتحور دلتا

في أواخر 2020 بدأت إصابات كوفيد-19 في الهند في الارتفاع. وهناك تم اكتشاف المتحور دلتا لأول مرة. وكان في مارس 2021 مسئولاً فقط عن 4% من الإصابات. إلا أنه في غضون شهرين فقط أصبح مسئولاً عن 70% من الإصابات. [2]

رسم يوضح ارتفاع عدد الحالات التي تسبب بها المتحور دلتا من مارس 2021 (<7%) إلى مايو 2021 (>70%). [2]

تصنيف منظمة الصحة العالمية للمتحور دلتا

بشكل عام تتطور كل الفيروسات بشكل مستمر بسبب حدوث طفرات كنتيجة لأخطاء تحدث أثناء عملية التكاثر ونسخ الشفرة الوراثية. الغالبية العظمى من تلك الطفرات لا يكون له تأثير على الفيروس. لكن بعضها قد يعطيه ميزات تطورية تمكنه من الانتشار بشكل أسرع أو يجعله مقاوماً لمضادات الفيروسات واللقاحات أو يتسبب في أمراض أو أعراض مختلفة أو أكثر خطورة من المشهور عنه.

وكأثر من آثار جائحة كوفيد-19 قامت منظمة الصحة العالمية بتتبع طفرات الفيروس المسئول وتحوراته وقامت بتصنيفها إلى قسمين:

1- تحور مثير للقلق Variant of concern:


لكي يكون تحور سارس-كوف-2 مصنفاً كتحور مثير للقلق؛ ينبغي أن تنطبق عليه أحد أو كل الشروط التالية:

1- زيادة شديدة في معدلات انتشاره وانتقاله.

2- زيادة في ضراوته وتغير في الأضرار التي يُلحقها بالمريض والصورة المرضية المشهورة عن المرض الذي يسببه.

3- انخفاض فاعلية أساليب الصحة العامة المعتمدة في الحد من أثره وانتشاره مثل: العلاجات المستخدمة، اللقاحات، وسائل التشخيص المعملية.

2- تحور مثير للاهتمام Variant of interest:

لكي يكون التحور مصنفاً كمثير للاهتمام؛ فلابد أن يتحقق به شرطان:

1- أن تحدث به طفرة جينية مُتوقع علمياً أن تتسبب في تغييرات تزيد من قدرته على الانتشار أو مقاومة الأدوية والمناعة أو تزيد من ضراوته وشدة المرض الذي يسببه.

2- يتسبب في حدوث إصابات محدودة في مناطق معينة أو منتشرة في عدد من الدول يزداد عددها مع الوقت بشكل ينذر بحدوث موجة جديدة من الإصابات.

وهذا التصنيف لا يعد بديلاً عن التصنيفات والتسميات المعتبرة في علم الفيروسات والتي تتولاها هيئات علمية دولية كبرى. ولكن هو محاولة للمساعدة في تبسيط النتائج التي يتوصل لها المختصون. ومن ثم يتمكن المسئولون وأصحاب القرار من اتخاذ قرارات وإجراءات بشكل أسرع وأكفأ في مواجهة أي تحور قد يشكل خطورة. وكذلك لتسهيل فهم التحورات على غير المختصين ومن ثم يزداد الوعي بها. وأيضاً كمحاولة لمنع التحيز والتمييز ضد سكان بلدان معينة تم اكتشاف هذا المتحور بها أول مرة.

كما قامت منظمة الصحة العالمية بابتكار نظام يسهل تسمية التحورات المهمة من فيروس سارس كوف 2 SARS-CoV-2 المسئول عن كوفيد-19. حيث يتم تسمية التحورات بالحروف اليونانية كالتالي:

ألفا Alpha، بيتا Beta ، جاما Gamma، دلتا Delta،…. وهكذا.

ويندرج المتحور دلتا تحت المتحورات المثيرة للقلق وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. [4]

صورة تعبيرية عن تنوع تحورات سارس-كوف-2. [15]

ما هي التحورات التي أنتجت المتحور دلتا؟

إن دلتا يحمل عدة طفرات في الجين المسئول عن إنتاج البروتين الشوكي (إس جين S gene). تتسبب في تحورات في البروتين الشوكي الذي يمكن الفيروس من دخول الخلية والذي هو أيضاَ هدف الأجسام المضادة التي يكونها جهاز المناعة سواء لدى المتعافين أو من تلقوا اللقاح. [7، 9]

بشكل عام يحمل المتحور دلتا تحورات في ثلاثة مناطق من البروتين الشوكي Spike protein:

1- نطاق الارتباط بالمستقبِل Receptor-binding domain (RBD):
هذا الجزء مسئول عن الارتباط بمستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 Angiotensin Converting Enzyme 2 Receptor (ACE2 R) والتي يرتبط بها الفيروس على سطح الخلية حتى يتمكن من الدخول إلى الخلية.
ويمتلك المتحور دلتا ثلاث طفرات في هذا الجزء: الأولى تساعده في تفادي الأجسام المضادة والثانية تمكنه من الارتباط بكفاءة أكثر بالمستقبل ومن ثم الارتباط بالخلايا ودخولها بسرعة والانتشار أسرع و الثالثة تساعده في الارتباط بالمستقبلات وفي تفادي الأجسام المضادة.

2- موضع ا
لتكسير بالفيورين Furin Cleavage Site:
يتركب البروتين الشوكي من جزئين: جزء الارتباط بالمستقبل Receptor-binding subunit S1 وجزء الالتحام بالخلية Fusion subunit S2 وبينهما موضع التكسير بالفيورين. والذي يلزم تكسيره بعد ارتباط S1 بالمستقبل حتى يتمكن الجزء S2 من الالتحام بسطح الخلية. والمتحور دلتا يحمل طفرات بهذا الموضع تسهل عملية التكسير بالفيورين ومن ثم الدخول للخلية وبالتالي تساعده على الانتشار أكثر وأسرع.

3- نطاق النهاية الأمينية (الموضع مولد الضد الفائق) N-Terminal Domain (Antigen supersite):
يعتبر هذا الجزء من البروتين الشوكي أحد أهم نقاط ضعف الفيروس حيث يعتبر هدفاً للأجسام المضادة. لكن المتحور دلتا يتميز بامتلاكه عدد من الطفرات بهذا الجزء مما يجعله قادراً نسبياً على تفادي الأجسام المضادة والهروب منها. [7، 9]

معدل انتشار المتحور دلتا

لكن عزيزي القاريء هل يمكن أن يكون انتشار دلتا في الهند هو مجرد صدفة وإستعداد جسدي ما لدى المصابين في الهند كما حدث مع المتحور جاما في البرازيل سابقاً؟ والذي لم ينتشر بكثافة في أماكن أخرى في العالم كما انتشر بالبرازيل.

بناءاً على البيانات التي تم التوصل إليها فإن المتحور دلتا هو أكثر متحورات سارس-كوف-2 قدرة على الانتشار. إذ يبلغ معدل انتشاره تقريباً ضعف سلالة ووهان الأصلية. ويمكن تصنيفه كفائق الانتشار Superspreader. فقد أصبح المتحور دلتا في شهور قليلة المتحور المهيمن على عدوى كوفيد-19، ومن ثم حل محل التحورات الأخرى في معظم البلدان؛ مثل: أمريكا والهند وانجلترا واسكتلندا وإسرائيل وغيرهم. [9]

حيث انتشر دلتا في بريطانيا وحدها بمعدل أعلى ب 40 – 50 % من معدل انتشار المتحور ألفا والذي تم اكتشافه في بريطانيا سابقاً. وكان معدل انتشاره يفوق سلالة ووهان الأصلية بمعدل 50% [5]
كذلك في أستراليا ارتفعت نسبة إصابات كوفيد-19 المسئول عنها المتحور دلتا من 1% إلى 84% في غضون ثلاثة شهور فقط. أما بالنسبة لروسيا فإن نسبة الإصابات المسئول عنها المتحور دلتا ارتفعت من 0% إلى 95%. [2]

وحتى وقتنا الراهن فإن متحور دلتا مسئول عن ما يزيد على 80% من الإصابات في الولايات المتحدة. ومع كون ما يقرب من 50% فقط من الشعب الأميريكي قد تلقى اللقاح فإن ذلك مثار قلق هناك. خصوصاً أنه وفقاً للإحصائيات فإن معدلات الإصابة بدلتا تتناسب عكسياً مع نسب متلقّي اللقاحات في الولايات. [9، 10] وقد أعاد مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC إصدار توصيات بإرتداء الكمامات في الأماكن المغلقة حتى لمن تلقوا اللقاح بشكل كامل مع ظهور إصابات بين من تلقوا اللقاح وذلك من أجل الحد من انتشار العدوى. [11]

يٌعد أحد أكبر الألغاز التي يثيرها المتحور دلتا هو تمكنه من الهيمنة على العدوى بالمقارنة بمتحورات كورونا المنتشرة الأخرى. وذلك على الرغم من أن بعضها يمتلك تحورات تمكنها من تجنب الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة بفعالية أعلى من قدرة المتحور دلتا. [6]

تأثير المتحور دلتا عل شدة أعراض كوفيد والحاجة للحجز في مستشفى

قد أفادت بعض التقارير بإختفاء أعراض قديمة شهيرة عند الإصابة بالمتحور دلتا مثل: الكحة وفقدان حاستي الشم والتذوق وبوجود أعراض جديدة مصاحبة له؛ مثل: ضعف أو فقدان السمع، تكوّن جلطات مسببة موت الأنسجة وبالتالي غنغرينا. لكن حتى وقتنا الراهن لا يوجد دليل قاطع على ارتباط وثيق بين هذه الأعراض والإصابة بالمتحور دلتا، كذلك ارتباطه بمعدلات وفيات أكثر. ما يزال كل هذا محل بحث. بينما الأعراض مثل الصداع وإلتهاب الحلق والحمى مازالت ضمن الأعراض التي تظهر مع إصابات كوفيد-19 المسئول عنها المتحور دلتا [9]
لكن يبدو أن المتحور دلتا يزيد من إحتمالية الحجز بالمستشفى، حيث وجدت إحدى الدراسات أن الإصابة بالمتحور دلتا تزيد من إحتمالية الحاجة للحجز بالمستشفى بمعدل الضعف بالمقارنة بالمتحور ألفا والذي كان أشد من سلالة ووهان الأصلية. [12]

اللقاحات والمتحور دلتا – انخفضت فاعليتها لكن ما تزال قادرة على الحماية

منذ بدايات اكتشاف اللقاحات وهي تعد أحد أهم دفاعات البشر ضد الإصابة بالعدوى ووسيلة فعالة لإنقاذ حياة البشر وحمايتهم. لذلك عندما ظهرت جائحة كوفيد-19 وجه كثير من البشر آمالهم وتطلعت أبصارهم إلى مختبرات العلماء منتظرين منهم لقاح للحماية من تلك الجائحة الكارثية.
وقد كان وظهرت عدة لقاحات للوقاية من كوفيد-19. ولكن كما ذكرنا عزيزي القاريء فإن الفيروسات تتحور وبعض تحورات سارس-كوف-2 تكون في الهدف الذي تستهدفه اللقاحات في عملها. وهذا يثير تساؤلاً حول فاعلية اللقاحات في الوقاية من المتحور دلتا.

لقد لاحظت دراسة معملية انخفاض فعالية الأجسام المضادة المتكونة عند المتعافين أو من تلقوا اللقاح ضد سلالة دلتا بالمقارنة بالسلالة الأولى المعروفة بسلالة ووهان. مع ذلك ما تزال هذه الأجسام المضادة قادرة على توفير نوع من الحماية ضد فيروس دلتا. [8]

كما لاحظت دراسة أخرى باسكتلندا أن التطعيم بلقاح أسترازنيكا أو فايزر-بيونتك حتى وإن كان ذو فعالية أقل ضد المتحور دلتا فإنه يقلل من شدة الإصابة بالمتحور دلتا ويقلل كذلك من نسب الحاجة للحجز بمستشفى. [12]

كما أنه وُجد في دراسة أخرى في بريطانيا -لا تزال تحت التحكيم- أنه رغم إنخفاض كفاءة اللقاحات في توفير حماية من المتحور دلتا إلا أنها مازالت توفر حماية مقبولة. حيث كانت الحماية التي يوفرها لقاح فايزر-بيونتك مثلاً ضد المتحور دلتا حوالي 88%. كذلك فإن لقاح أسترازينيكا كان فعال بنسبة 67% ضد دلتا. كما وجدت الدراسة أيضاً أن اللقاحات تقلل من شدة الأعراض ومن ثم تقلل معدلات الحجز بالمستشفيات. حيث وجدت الدراسة مثلاً: أن استخدام اللقاحات يقي من الأعراض الخطيرة التي تتطلب حجز بمستشفى بنسبة تتراوح بين 71% و94% بعد الجرعة الأولى وبين 92% و96% بعد الجرعة الثانية. [13]

وعندما قارنت دراسة بين فاعلية الأجسام المضادة الموجودة عند متعافين من كوفيد-19 والمٌتكونة نتيجة لقاحات؛ وجدت أن فعالية الأجسام المضادة المتكونة نتيجة لقاحات أعلى في الحماية من المتحور دلتا. [7]

من ثم يمكن القول أن لقاحات كوفيد-19 لا تزال توفر نوع من الحماية حتى من المتحور دلتا.

كيف نواجه المتحور دلتا ونوقف تحور الفيروس؟

ربما تتسائل الآن عزيز القاريء عن كيفية مواجهة دلتا وخفض معدل التحورات عموماً. إن الاستراتيجية المتاحة أمامنا هي الحد من انتقال الفيروس بقدر الإمكان. من ثم نُوقف قدرته على التحور إلى أشكال أشد ضراوة وخطورة. والأسلحة التي في جعبتنا كأفراد حالياً هي الالتزام بالتباعد الاجتماعي وإرتداء الأقنعة الواقية وتناول اللقاحات المتوفرة. [9] وبالنسبة للمنظمات والجهات المسئولة ففي جعبتهم فرض وتطبيق لوائح وقوانين تحد من انتشار الفيروس. كذلك إتخاذ خطوات تسرع من عمليات التطعيم وتساعد في الترصد والكشف المبكر عن التحورات الجديدة التي قد تشكل خطورة جديدة. وهي أسلحة فعالة إلى حد كبير إذا ما أحسننا استخدامها قبل فوات الأوان.

يكمُن الخطر الحقيقي عزيزي القاريء في أنه بوجود أفراد لم يتلقوا اللقاح أو مع عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية من كوفيد 19 فإننا نسمح بوجود إصابات بالفيروس. مما يخلق وسطاً يساعده على التحور أكثر فأكثر بشكل سريع ولا يمكن توقع أثر أو مشاكل أو خطورة هذه التحورات مستقبلاً. في الواقع إن المتحور دلتا قد ظهر منه تحور جديد هو دلتا بلس والذي هو قيد البحث والتتبع حالياً أيضاُ. [14]

المصادر:

  1. WHO says delta variant driving Covids fourth wave in Middle Easts :مصدر الصورة البارزة للمقال
  2. Demystifying the Delta Variant with Data – Johns Hopkins Coronavirus Resource Center
  3. Covid-19 vaccination: Is India running out of doses?
  4. Tracking SARS-CoV-2 variants (who.int
  5. How Dangerous Is the Delta Variant, and Will It Cause a COVID Surge in the U.S.?
  6. Why Do Variants Such as Delta Become Dominant?
  7. Reduced sensitivity of SARS-CoV-2 variant Delta to antibody neutralization
  8. Infection and Vaccine-Induced Neutralizing-Antibody Responses to the SARS-CoV-2 B.1.617 Variants | NEJM
  9. How Dangerous Is the Delta Variant (B.1.617.2)? | ASM.org 
  10. CDC COVID Data Tracker
  11. Interim Public Health Recommendations for Fully Vaccinated People
  12. SARS-CoV-2 Delta VOC in Scotland: demographics, risk of hospital admission, and vaccine effectiveness
  13. Public library – PHE national
  14. S.Korea on alert for new Delta Plus COVID-19 variant
  15. Delta variant brings new pandemic threat to Germany 

أدلة تطور الحيتانيات

هذه المقالة هي الجزء 9 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

لم نخصص مقالًا في هذه السلسلة للحديث عن الحيتانيات إلا لأنها تمتلك صرحًا ضخمًا من أدلة التطور التي تتشابك مع بعضها البعض من مختلف فروع العلم. كما أنها من أعظم أمثلة قدرة نظرية التطور التنبؤية. وهذا المقال يرصد أدلة تطور الحيتانيات، فتعالوا معنا نتعرف عليها.

وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، فإن «الحيتانيات-Cetaceans» لفظ يطلق على الثدييات البحرية التي تشمل الحيتان والدلافين وخنازير البحر بمختلف أنواعها. [1]

لماذا لا تعد الحيتانيات من الأسماك؟

على الرغم من التشابه الكبير في الهيئة الخارجية بين الحيتانيات والأسماك إلا أنها لا تعتبر من الأسماك. إذ تمتاز الحيتانيات بصفات غير سمكية، فهي على سبيل المثال من الثدييات التي تلد وترضع أطفالها – تمامًا مثل الثدييات البرية -. كما أنها ذات دم حار (بينما الأسماك ذوات دم بارد). الحيتانيات على عكس الأسماك، لا تمتلك خياشيم تساعدها على التنفس وإنما تتنفس عن طريق رئتين. لهذا قد تلقى الحيتانيات مصرعها إن لم تصعد لسطح الماء للحصول على الأوكسجين في الوقت المناسب. [2]

وعلى ذكر التنفس، تمتلك الحيتانيات ثقوبًا أعلى الرأس لتساعدها على التنفس. وتمتلك بعض الحيتان فتحتين مشابهتين لأنوف الثدييات البرية. رغم امتلاك الدلافين وخنازير البحر فتحة واحدة، إلا أنه يتكشّف لنا شيء غريب عند تشريح جماجم الدلافين وخنازير البحر. إذ نجد أن هذا الثقب الواحد ينقسم إلى فتحتين أنفيتين [3]. فهل يُعد وجود فتحتين ذو دلالة على علاقتها بالثدييات الأرضية؟ سنعرف هذا بعد قليل.

حقوق الصورة: kythera-family.net

الأدلة من التشريح المقارن

وعلى الرغم من امتلاك كل من الحيتانيات والأسماك للزعانف إلا أنهما بعيدان كل البعد عن التشابه التشريحي. فعند النظر إلى زعانف الحيتانيات نجد أنها تتبع نمطًا مشابهًا للنمط الموجود في «رباعيات الأطراف-Tetrapods». تتكون زعانف الحيتانيات من عظمة كبيرة وهي عظمة «العضد-Humerus» (باللون البرتقالي)، ثم عظمتين وهما عظام «الساعد والزند-Radius and Ulna» (باللونين الأحمر والأبيض)، ثم عدد من العظام وهي عظام «الرسغ-Carpals» (باللون الأصفر)، ثم تنتهي ب «مشط اليد والأصابع-Metacarpals and Phalanges» (باللون البني). يدل هذا على انتماء الحيتانيات إلى رباعيات الأطراف. [4]

حقوق الصورة: Labster theory


ولكن إذا كانت الحيتانيات من رباعيات الأطراف، فأين أطرافها الخلفية؟ في الواقع تمتلك الحيتانيات أطرافًا خلفية ضامرة كثيرًا ما يثير الخلقيون بشأنها بعض التساؤلات، وسنجيب عن هذه التساؤلات في نهاية هذا المقال.

ويمكننا من كل ما سبق استنتاج العلاقة الوثيقة بين الحيتانيات والثدييات البرية وهو ما يمكن تفسيره بتطور الحيتانيات من ثدييات برية. ولكن هل هناك خط آخر من خطوط الأدلة ليدعم هذا الاستنتاج؟ لنرَ ما عند علم الأجنة ليقوله.

الأدلة من علم الأجنة

إذا ما تتبعنا مراحل تكون أجنة الحيتانيات وجدناها (مثل رباعيات الأطراف) تتكون لديها براعم أطراف أمامية وخلفية. إلا أن الأطراف الأمامية تُكمل نموها لتصير زعانف الحوت، بينما تتوقف براعم الأطراف الخلفية عن النمو. [5]

حقوق الصورة: evolution for skeptics

ليس هذا وحسب، ولكنها أيضًا تبدأ بتكوين فتحتي أنف في مقدمة الرأس (كالتي عند الثدييات البرية). ولكن تهاجر هاتين الفتحتين تدريجيًا إلى أعلى الرأس ليلتحما في حالة الدلافين. [6]


كما أن معظم الحيتانيات تفتقر إلى وجود شعر يكسو أجسادها كما الثدييات. ولكن تمتلك أجنة الدلافين شعر شارب مثل الذي نراه في القطط، ولكنه يختفي قبل الولادة أو بعد الولادة بفترة قصيرة. [7]

شوارب الدلافين. حقوق الصورة: whyevolutionistrue


«الحيتان البالينية-Baleen whales» هي حيتان لا تمتلك أسنانًا، ولكن تمتلك تراكيبًا تُدعى البالينات. يستخدم الحوت البالينات في تناول طعامه عن طريق فتح فمه وسحب الماء المحمّل بالعوالق، ثم يدفع الماء خارج فمه وتقوم البالينات بفلترة العوالق لتبقى داخل فمه ليتغذى عليها.

حقوق الصورة: hakai magazine

والمثير للدهشة هنا هو أنه على الرغم من عدم امتلاك الحيتان البالينية للأسنان. إلا أن أجنتها تبدأ بتكوين أسنان في الفكين العلوي والسفلي أثناء وجودها في أرحام أمهاتها، ولكنها تختفي قبل الولادة ولا يبقى لها أي أثر. [8]

حقوق الصورة: evolution for skeptics

وكما ذكرنا في الجزء الخاص بعلم الأجنة من هذه السلسلة فإن وجود تراكيب جنينية مثل هذه في الحيتانيات تدل على حملها لجينات تكوين هذه التراكيب من أسلافها. فهل يأتي السجل الأحفوري مصدقًا على استنتاجاتنا ويخبرنا كيف كانت أسلاف الحيتانيات الحديثة؟

السجل الأحفوري وتطور الحيتانيات

يُعد السجل الأحفوري للحيتانيات واحدًا من أغنى السجلات الأحفورية بالحفريات الانتقالية. ذلك لأنه مليء بالحفريات التي توثق تطور الحيتانيات من ثدييات برية إلى ثدييات مائية، دعونا نناقش بعضها على سبيل المثال لا الحصر.

«بازيلوسورد-Basilosaurid»

وجدت حفريات حوت البازيلوسورد بين 23 إلى 41 مليون سنة ماضية، ويمتلك بعض الصفات المثيرة. عند النظر إلى جمجمة البازيلوسورد، لا نجد فتحات الأنف أعلى الرأس كما الحيتان الحديثة، ولا في مقدمة الرأس كما الثدييات البرية، ولكنها تقع تمامًا في المنتصف. وهذا يوثق الانتقال التدريجي لمكان فتحات الأنف أثناء تطور الحيتانيات من ثدييات برية. [9] بالإضافة إلى أرجل صغيرة، تحتوي على «عظمة ورك-Femur»، و«قصبة ساق-Tibia»، و«قصبة صغرى-Fibula»، و«غطاء ركبة-Patella»، وعظام كاحل، بل وحتى أصابع قدم.

هذه الأرجل أكبر من بقايا الأطراف الخلفية الضامرة الموجودة لدى الحيتان الحديثة، ولكنها أصغر من أن تستخدم في المشي على اليابسة. بالإضافة إلى عدم اتصالها بالعمود الفقري، فلم تكن لتستخدم في الحركة، لذلك فهي على الأرجح كانت تستخدم أثناء التزاوج أو لحك الجلد. [10]

حقوق الصورة: earth archives

وفي هذا السياق، يمكننا استنتاج أنه بالرجوع في الزمن إلى الوراء، سنجد الحيتانيات أقرب إلى الثدييات البرية.

«ماياسيتوس-Maiacetus»

عاش الماياسيتوس منذ حوالي 47.5 مليون سنة، وكان هذا هو شكل الهيكل العظمي المتحجر الذي عُثر عليه للماياسيتوس.

حقوق الصورة: artstation

ويمكننا ملاحظة امتلاكه عظام أطراف خلفية أقوى، مما يرجح أنه كان يستطيع السير على اليابسة، ولكن لماذا يعتبره العلماء من الحيتانيات؟

يعتبر العلماء ماياسيتوس من الحيتانيات لعدة أسباب هي:

1. جميع حفريات ماياسيتوس وُجدت بين حفريات لكائنات بحرية مما يرجح معيشته في البحر.
2. عظام وركه كانت قوية لكن أرجله كانت قصيرة، بالإضافة إلى أصابعه الطويلة. مما يخبرنا بأنه على الأرجح كان يواجه صعوبة في المشي.
3. التركيبة الفريدة لعظام الأذن الوسطى، والتي تطابق تلك الموجودة لدى حيتان البازيلوسورد والحيتانيات الحديثة.
4. امتلك ماياسيتوس أصابع وأصابع قدم مسطحة بنتوءات على جوانب تلك الأصابع، مما يرجح باحتمالية كبيرة امتلاكه لغشاء يمتد بين تلك الأصابع ليساعده على السباحة.
5. امتلاك أسنان مشابهة لأسنان البازيلوسورد.
6. «الخطم المطوّل-Elongated snout»، وهي خاصية موجودة في كل الحيتانيات الحديثة وكل الحفريات الانتقالية للحيتانيات التي تأتي في السجل الأحفوري بعد الماياسيتوس.
7. امتلاك قواطع وأسنان أمامية مخروطية الشكل، وهذه الخاصية ليست عادية في الثدييات، ولكنها موجودة في الحيتانيات الحديثة ذات الأسنان (حيتان الأوركا، والدلافين، وحيتان العنبر).
8. امتلاك تركيبة كاحل فريدة تربطه ب «شفعيات الأصابع-Artiodactyls»، مثل أفراس النهر والخنازير والغزلان. تركيبة الكاحل تلك مثيرة للاهتمام، إذ أن الحمض النووي للحيتان يخبرنا بأنها شفعيات أصابع معدلة. [11]

«باكيسيتوس-Pakicetus»

عاش الباكيسيتوس منذ حوالي 50 مليون سنة، وكان هذا هو شكله.

حقوق الصورة: britannica


وقد تتساءل عن علاقة هذا الكائن بالحيتانيات، وهو سؤال مشروع، إذ أنه لا يشبه الحيتانيات ظاهريًا، ولكنه على علاقة بالحيتانيات، ويمكننا معرفة هذا من شكل جمجمته الطويلة بشكل مميز، ولكن هذا ليس كافيًا لوضعه في السجل الأحفوري الذي يوثق تطور الحيتانيات من ثدييات برية، فماذا عن امتلاكه لصفة مميِّزة للحيتانيات؟

امتلك باكيسيتوس تركيبة فريدة للأذن، وهذه التركيبة لا توجد إلا في الحيتانيات الحديثة.

كما أن تركيبة كاحله تربطه بشفعيات الأصابع التي تحدثنا عنها منذ قليل، والتي تشمل الحيتانيات. [12]

«إيتيوسيتوس-Aetiocetus»

ذكرنا منذ قليل امتلاك أجنة الحيتان البالينية لبراعم أسنان، وهذا يدل على امتلاكها لجينات تكوين الأسنان من أسلافها. يعني هذا بدوره وجود سلف مشترك بين الحيتانيات ذات الأسنان والحيتان البالينية، فماذا لدى السجل الأحفوري ليقوله بهذا الشأن؟

امتلك إيتيوسيتوس أسنانًا صغيرة جدًا بمسافات كبيرة بينها، بالإضافة إلى وجود فتحات للتغذية تُدعى “foramina”. يعد هذا مؤشرًا على امتلاكه للبالينات، وبهذا نستنتج أن الإيتيوسيتوس امتلك أسنانًا جنبًا إلى جنب مع البالينات في فمه. مما يعني أن الإيتيوسيتوس يعد شكلًا انتقاليًا يوثق انحدار الحيتان البالينية من الحيتانيات ذات الأسنان. [13]

ليست هذه هي الحفريات الوحيدة في السجل الأحفوري للحيتانيات، فهناك حفريات لحيوانات أخرى سنذكر بعضها بعد قليل.

تفنيد اعتراضات الخلقيين

على الرغم من الأدلة الكثيرة على تطور الحيتانيات من شتى فروع العلم المذكورة أعلاه، إلا أن الخلقيين يرمون بكل هذا عرض الحائط ويتمسكون بحجج وأطروحات واهية مستوردة من أطروحات الخلقيين الأجانب. ولكننا رأينا أن نقف نطرح هذه الحجج في مقالنا هذا لمناقشتها.

زعنفة ذيل «رودوسيتوس-Rodhocetus»

يرى الخلقيون أن العلماء يقومون بتزييف البيانات لوضع الحفريات ضمن السياقات التطورية للحيوانات. وفي هذا المثال يحتجون بما حدث مع حفرية الرودوسيتوس، حيث يعتبر الرودوسيتوس واحدًا من الكائنات الانتقالية في السجل الأحفوري للحيتانيات، فأين هي المشكلة بالتحديد؟ تقع المشكلة من وجهة نظر الخلقيين في أن مكتشف هذه الأحفورة أضاف إليها زعانفًا وزعنفة ذيل لوضعها في السياق التطوري للحيتان.

حقيقة ما حدث مع حفرية الرودوسيتوس هو أنه عندما اكتشفها «فيليب جينجريتش-Philip Gingerich» لم تكن تمتلك ذيلًا أو أطرافًا مكتملة، فكانت بهذا الشكل.

حقوق الصورة: bensozia


ولكن عندما احتاج جينجريتش إلى تمثيل هذا الكائن لعرضه في المتاحف لجأ إلى افتراض بقية الأجزاء لتكون معروضة على العامة. افترض جينجريتش وجود زعانف وزعنفة ذيل، نظرًا لخصائص أخرى امتلكها رودوسيتوس تضعه ضمن السياق التطوري للحيتانيات، مثل موقع الفتحات الأنفية التي تقع أعلى الخطم مثل البازيلوسورد (في طريقها التدريجي إلى أعلى الرأس كما في الحيتانيات الحديثة). بالإضافة إلى موقع أذنه الداخلية التي كانت إلى أسفل (في طريقها إلى قاع الجمجمة كما في الحيتانيات الحديثة).

إذًا لم يضع جينجريتش الرودوسيتوس في السياق التطوري للحيتانيات بناء على تخمينات، وإنما على صفات مميزة للحيوانات الانتقالية في السجل الأحفوري للحيتانيات.

أما عن الزعانف وزعنفة الذيل فهذا النموذج لم يكن إلا للعرض في المتحف على العامة. حيث أن هذا النموذج لم يخضع لمراجعة علمية ولم يعتمده المجتمع العلمي، وإنما كان للتبسيط على العامة فقط. لا داعي للقول بأن “العلماء يخدعون الناس”، ولكن لاحقًا اكتشف جينجريتش حفرية رودوسيتوس أخرى، وهذه المرة بأطراف أمامية وخلفية ذات أصابع طويلة [14] كما توقع بالفعل. أما عن زعنفة الذيل فلا يمكننا معرفة ما إذا كان يمتلك زعنفة ذيل بالفعل أم لا، إذ أنه حتى الحيتانيات الحديثة لا تُظهر امتلاكها لزعنفة ذيل عند تحولها لحفريات على الرغم من امتلاكها لواحدة.

حقوق الصورة: researchgate


الأمر إذًا كان مجرد نموذج تخيلي (غير معتمد علميًا) تم تعديله بعد الاكتشافات العلمية الأحدث، وهذا ما يحدث مع النماذج التخيلية للحفريات. فجميع نماذج الديناصورات التي نمتلكها في المتاحف غير دقيقة. إذ أن الأدلة الأحدث تشير إلى امتلاك بعض الديناصورات للريش، وليس كما تظهر في المتاحف.

النماذج المعروضة في المتاحف يكون غرضها التبسيط للعامة فقط وليس الدراسة العلمية. علميًا، تدرس الحفريات بما وُجد في مواقع الحفر، وليس بالنماذج الممثلة في المتاحف. وحتى في حالة عدم امتلاك رودوسيتوس للزعانف فهذا لا يؤثر على كونه ضمن السجل الأحفوري لتطور الحيتانيات بالمرة، نظرًا لامتلاكه صفات حيتانية مميزة كما رأينا أعلاه. لا يمكن للخلقيين مثلًا امتلاك دليل على تصنيف الرودوسيتوس بشكل مختلف عما صنفه جينجريتش.

هل يعارض «إندوهاياس-Indohyus» الخط الزمني لتطور الحيتانيات؟

يقول الخلقيون أن باكيسيتوس عاش منذ 50 مليون سنة، بينما إندوهاياس (حيوان ضمن السياق التطوري للحيتانيات) عاش منذ 48 مليون سنة. أي أن الإندوهاياس يفترض أن يكون أقرب تشريحيًا إلى الحيتان من باكيسيتوس (لكونه أحدث)، ولكن باكيسيتوس أقرب تشريحيًا إلى الحيتان من إندوهاياس. يعتقد الخلقيون أن العلماء يتلاعبون بترتيب الحفريات في السجل الأحفوري لإجبار البيانات على دعم التطور.

هناك سوء فهم لعملية التطور في هذا الطرح، فالتطور ليس عملية تقدم خطّي إلى الأمام و إذ أن الصورة النمطية التي نراها في الرسومات التعبيرية مثل هذه ليست دقيقة.

بالإضافة إلى كون كل حفرية من المذكورة في المثال لها مدى زمني لأعمارها وليس مجرد أرقام صماء، فعلى سبيل المثال وجدت حفريات باكيسيتوس بين ما يعود من 52 إلى 48 مليون سنة مضت، وإندوهاياس بين ما يعود من 50 إلى 48 مليون سنة مضت، فهي نطاقات زمنية متداخلة وليست مجرد أرقام.

وفضلًا عن أن هذه الأرقام لا تعبر بالضرورة عن الفترة التي عاش خلالها الحيوان، إذ يمكن أن يكون عاش قبلها وبعدها، إلا أن هذا حتى لا يمنع من وجود هذه الكائنات في نفس الفترة الزمنية.

مثال

على سبيل المثال، نحن البشر نعيش في نفس الفترة التي يعيش فيها الشيمبانزي، وبعد ملايين السنين عند النظر إلى صور الشيمبانزي وصور البشر الحاليين، قد يستنتج شخص ما بطريقة خاطئة أننا منحدرون من الشيمبانزي، وقد يتعجب من كون البشر يعيشون في نفس الفترة التي يعيش فيها الشيمبانزي (نفس المغالطة التي وقع فيها الخلقيون في هذا المثال) ولكن هذا ليس صحيحًا على الرغم من امتلاك الشيمبانزي لخصائص بدائية أكثر من البشر، ولهذا فلا يدعي العلماء أن إندوهاياس انحدر من باكيسيتوس أو العكس، في الواقع لا يعتقدون أن أيًا من الحفريات المكتشفة تمثل أسلاف الكائنات الحديثة، ولهذا يتم التعبير عن الأسلاف في الرسومات بنقاط مجردة، مثل هذه الصورة.

حقوق الصورة: understanding evolution


بالإضافة إلى أنه إن كان العلماء ينوون التلاعب بالبيانات لموافقة التطور، فلم يكونوا ليجعلوا هذه الأرقام معلنة للعامة، فهم بالتأكيد يعلمون أن 48 أقل من 50، فلماذا لم يتلاعبوا بالأرقام؟

هذا لأن الحجة أصلًا مبنية على فهم خاطئ لعملية التطور، لا أكثر.

هل انتقلت الحياة من الماء إلى اليابسة أم العكس؟

يرى الخلقيون أن ادعاء تطور الحيتانيات من ثدييات برية يعارض باقي الأدلة التطورية التي تخبرنا بانتقال الحياة من الماء إلى اليابسة.

قلنا: لا يوجد هدف مسبق للتطور ليحدد مسارًا واحدًا للحياة لتسلكه، فالحياة بالفعل انتقلت من الماء إلى اليابسة ولكن بعض الكائنات انتقلت مجددًا إلى الماء وهو ما تظهره الأدلة التشريحية والأحفورية كما رأينا أعلاه، كما أن «تحليل نظائر الأوكسجين-Oxygen isotope analysis» يمكننا من التعرف على نوع المياه التي كان يشربها الحيوان أثناء حياته عند العثور على حفرية له، وأظهرت النتائج أن باكيسيتوس شرب مياهًا عذبة [15]، بينما شرب «أمبيولوسيتوس-Ambulocetus» (حيوان انتقالي في السجل الأحفوري للحيتانيات) مياهًا عذبة ومياهًا مالحة، وهذا بحد ذاته يعتبر دليلًا على الانتقال التدريجي للحياة من اليابسة إلى الماء مرة أخرى. [9]

الأطراف الخلفية للحيتانيات

ذكرنا في أول المقال وجود أطراف خلفية ضامرة في أجسام الحيتانيات. يرى الخلقيون أن هذه ليست سوى بقايا عظام حوض لتدعيم الأعضاء التناسلية فقط.

بالفعل تمتلك معظم الحيتانيات عظمتي حوض فقط. ولكن ما يجهله الخلقيون هو امتلاك «الحوت مقوس الرأس-Bowhead whale» لعظام ورك وساق بالإضافة إلى عظام الحوض. بل أن عظام الورك والحوض تتمفصلان كما في الثدييات البرية، ويوجد في المفصل أحيانًا «سائل زلالي-Synovial fluid» وهو سائل يعمل كزيت لتشحيم العظام في المفاصل المتحركة. وهذا يعد دليلًا على كونها عظام أطراف خلفية ضامرة، وليست مجرد دعامات للأعضاء التناسلية. [16]


بالإضافة إلى السجل الأحفوري الذي يدعم فكرة كونها أطرافًا خلفية، فعند التقدم بالزمن في السجل الأحفوري باتجاه الحيتانيات الحديثة، نلاحظ فقدانها التدريجي لأطرافها الخلفية، كما في الصورة التالية.

حقوق الصورة: researchgate


وكما ذكرنا أعلاه، تنمو لأجنة الحيتان براعم أطراف خلفية ولكنها سرعان ما تتوقف عن النمو. فإذا كانت مجرد دعامات للأعضاء التناسلية، فلماذا نرى التدرج في فقدانها في السجل الأحفوري؟ ولماذا يمتلك الحوت مقوس الرأس عظام ورك وساق ضامرتين؟ ولم يحتوي مفصل ورك الحوت مقوس الرأس على سائل زلالي؟ ولماذا تمتلك أجنة الحيتان براعم أطراف خلفية؟

سقنا في هذا المقال أدلتنا على تطور الحيتانيات وقمنا بتفنيد ادعاءات الخلقيين بشأن هذا الأمر، وفي المقال القادم نستعرض أقوى أدلة التطور، أدلة التطور من الجينوم.

المصادر

[1] britannica
[2] scienceline
[3] whales
[4] britannica
[5] pnas
[6] pandasthumb
[7] Highlights of Cetacean Embryology, J. G. M. Thewissen
[8] ncbi
[9] berkeley
[10] britannica
[11] stated clearly
[12] AMNH
[13] sciencedaily
[14] sciencemag
[15] UPI
[16] The Walking Whales: From Land to Water in Eight Million Years, by J. G. M. “Hans” Thewissen, p.30

أيهما جاء أولًا: الدجاجة أم البيضة؟


من أكثر الأسئلة الجدلية، والقديمة قدم الحضارة الإغريقية نفسها. من قديم الأزل والإنسان يسأل عن أصل الأشياء. أرسطو نفسه سأل عن أصل الدجاجة، وقال إن الدجاجة والبيضة كليهما أزلي

. أما عن سؤالنا، فليس بالجديد أيضًا؛ فالفيلسوف اليوناني بلوتارخ طرح هذه المعضلة في وقت كان الفلاسفة فيه مشغولين بأصل الكون. تكمن المعضلة في أن البيضة تأتي من الدجاجة، والدجاجة تأتي من البيضة! كأننا في دائرة مفرغة، ولكن بالطبع أحدهما جاء أولًا، صحيح؟

من أين أتى الدجاج؟

علميًا، تطور الدجاج من الديناصورات. بداية من نوع من الديناصورات يسمى Proceratosaurus ووصولًا إلى دجاج الأدغال الأحمر Gallus gallus (Red jungle fowl)، ثم الدجاج المنزلي والمعروف باسم gallus gallus domestics (Chicken).

كان يعتقد أن تدجين الدجاج بدأ في حضارة وادي السند من 2000 سنة قبل الميلاد [1]، إلى أن ظهرت دراسة تعيد تدجين الدجاج إلى 6000 سنة قبل الميلاد. اعتمدت الدراسة على أدلة أثرية وُجدت في الصين، وجنوب آسيا، وأوروبا، وكذلك أدلة لها علاقة بالمناخ القديم في الصين. [2]

مع تطور العلم، وبالتحديد علم الأحياء الجزيئية، تأكد العلماء ممن انحدار الدجاج المنزلي gallus gallus domestics من دجاج الأدغال الأحمر [3].

انتشر الدجاج من موطنه الأصلي، وهو حضارة وادي السند في جنوب آسيا، إلى غرب وشرق القارة الآسيوية في الألفية الثالثة والثانية قبل الميلاد. وبحلول القرن الثامن الميلادي، وصل الدجاج إلى أوروبا عن طريق الفينيقيين.

كان الدجاج يستخدم قديمًا في الكثير من الاحتفالات والشعائر مثل وضعه في المدافن والتماثيل الطينية كما استخدمه الصينيون. أما الآن فالدجاج مختلف تمامًا؛ حيث يوجد بأشكال وأحجام مختلفة، وألوان جذابة ومتنوعة، كما أن صفاته تتناسب مع إنتاجه للبيض واللحوم. [4]

هل السؤال صحيح؟

“من أتى أولًا: الدجاجة أم البيضة؟” لا أريد أن أخيب آمالك، ولكن لا حاجة إلى أن تكلف نفسك عناء قراءة هذا المقال لكي تجيب على هذا السؤال! فأنت بالفعل من المفترض أن تكون استنتجت الجواب من الفقرة الأولى. فالديناصورات ما هي إلا أسلافًا للدجاج كما ذكرنا.

الطيور الحديثة مثل الدجاج تطورت من ديناصورات آكلة لحوم، والحلقة الوسيطة بينهما، مثل الآركيوبتركس، عاشت في العصر الجوراسي. وتخبرنا الحفريات أن أسلاف الطيور الحديثة عاشت في العصر الطباشيري. ما يعني أن الطيور جاءت بعد الديناصورات بفترة طويلة جدًا. [6]

الحفريات الأقدم لبيض الديناصورات تعود إلى 190 مليون سنة مضت، وحفريات الآركيوبتركس والتي تعتبر حفريات أقدم طائر معروف ومعترف به في الوسط العلمي، تعود إلى 150 مليون سنة مضت. [5]

بالعودة إلى السؤال العام: البيضة أم الدجاجة؟ نجد أن البيض في العموم ظهر قبل حوالي 340 مليون سنة مضت، وأول سلالة من الدجاج المعروف حاليًا ظهرت من حوالي 58 ألف سنة مضت.[3]

وبناءً على ما سبق، فالبيضة جاءت أولًا، ولكن هذه الإجابة ليست عن سؤالنا المقصود، بل هي مجرد إجابة على السؤال العام: البيضة أم الدجاج أولًا؟ بالتأكيد البيضة. فالديناصورات كانت تبيض، مثلها مثل الزواحف حاليًا. السؤال الصحيح يجب أن يُعنى ببيض الدجاج.

أيهما جاء أولًا: الدجاجة أم بيضة الدجاجة؟

بعدما طرح الفيلسوف اليوناني بلوتارخ هذا السؤال، حاول القساوسة مثل أوغسطينوس الإجابة عليه من خلال الكتاب المقدس. ووفقًا لسفر التكوين، فإن الدجاجة جاءت أولًا.

ومع تطور العلم ظهر فريقان، كل منهما بأدلة مختلفة. الفريق الأول سنسميه “فريق البيضة”، والثاني “فريق الدجاجة”:

فريق البيضة جاءت أولًا:

هذا الفريق يعتمد بشكل أساسي على نظرية التطور، فتطوريًا البيضة جاءت أولًا. وكما نشر الكاتب العلمي لدى هيئة الإذاعة البريطانية BBC، لويس فيلازون، مقالًا يستند فيه إلى أدلة تطورية لتدعيم موقفه، يوضح فيها قصة السلف المشترك وأن التغيرات الجينية التي تحدث في الحمض النووي لأجيال اللاحقة تؤدي في الغالب إلى بعض الخصائص المفيدة للكائن ليتكيف مع بيئته، وهذا ما يسمى بالانتخاب الطبيعي Natural Selection. [7]

من حوالي 10 آلاف سنة مضت كان يعيش سلف الدجاج الحالي، وهو دجاج الأدغال الأحمر Red Jungle Fowl، الذي ذكرناه سابقًا، في إندونيسيا. ومع تزاوج ذكر هذا السلف بالأنثى تنتج البويضة المخصبة أو الزيجوت ومع حدوث الطفرات التي تحدثنا عنها نتج الجيل الجديد وهي الدجاج الأبيض الذي نعرفه اليوم. [7]

فريق الدجاجة جاءت أولًا:

أما عن هذا الفريق، فيرى أن الدجاجة جاءت أولًا، وبالطبع يدعم موقفه بالأدلة العلمية. فبعد مقال لويس فيلازون، قام باحثون من جامعتي شيفلد و ورويك برفض تفسير الكاتب العلمي؛ حيث استخدموا حاسوباً خارقاً وقاموا بتطبيق آلية تسمى بال metadynamics ليروا مكونات البيضة، فاكتشفوا وجود بروتين يسمى ovocledidin-17 (OV-17) ويعمل هذا البروتين على تسريع عملية تكوين قشرة البيضة. وعلى هذا الأساس استنتجوا أن الدجاجة جاءت أولًا، لأن هذا البروتين مصدره الدجاج. [7]

وضح العلماء أن الطيور التي تبيض لا تستخدم بالضرورة نفس البروتين وهذا سبب سرعة تكون قشرة البيض عند الدجاج بنسبة أعلى من الطيور.

هذا ملخص القصة، فلا يوجد جواب نهائي على هذا السؤال الذي حير العلماء من أيام أرسطو. مجرد عرض وجهات النظر وعليك أنت أن تقرر عزيزي القارئ، ولن تلام إذا رجحت فريق على الآخر، فكلاهما تحدث بالعلم.

المصادر

  1. Google Scholar
  2. Food and Agriculture Organization. The State of the World’s Animal Genetic Resources for Food and Agriculture. (Rome, 2007)
  3. Australian Academy of Science
  4. Nature
  5. TIME
  6. BIGTHINK
  7. The University of Melbourne

ما هو الغشاء الحيوي الرقيق «البيوفيلم»؟

         يُقال أن الإنسان كائنٌ اجتماعي، وأن العيش في مجموعات عموماً يصب في صالح الحيوانات، ويساعدها على استغلالٍ أعلى للموارد وتقليل المخاطر. لكن تُرى كيف هو الحال مع الكائنات وحيدة الخلية كالبكتيريا والفطريات؟ هل تعيش هي الأخرى بمجموعات وتكوّن مجتمعاتها الخاصة بها؟ هل يوجد ما يسمى بالمجتمع الميكروبي؟ في ثمان نقاط عن الغشاء الحيوي الرقيق البيوفيلم دعنا نجيب عن تلك الأسئلة.

وجد العلماء أن الميكروبات تعيش في مجتمعات في الغالبية العظمى من مراحل حياتها، بل إن الشذوذ هو عيشها منفردة. وقد وجدوا أن هذا النظام يمكنها من الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، والحماية من الظروف البيئية القاسية التي قد تتعرض لها، من جفاف ومضاداتٍ حيوية ونقصٍ في الغذاء، بل وحتى من هجوم جهاز المناعة. نتج عن ذلك أن غدت هذه الظاهرة محط عددٍ كبير من الدراسات، لكونها مرتبطةً أيضا بالعدوى البكتيرية المزمنة. وللمفاجأة؛ لاحظ العلماء أن الميكروبات في هذا المجتمع تتواصل فيما بينها بلغتها الخاصة المميزة.

ما هو البيوفيلم (الغشاء الحيوي الرقيق)؟

هو مجتمع تعيش فيه خلايا كائنات ميكروبية (بكتيريا أو فطريات أو غيرهما) معاً. محاطة بتركيب يشبه الهلام (الجل). يتكون هذ الهلام من سكريات متعددة (أفرزتها الكائنات المجهرية نفسها). وهو يمكنها من الالتصاق بالأسطح الحية وغير الحية، والتواصل مع بعضها، وتبادل الموارد، وحماية نفسها من الأخطار التي قد تتواجد في البيئة المحيطة.
[1، 2]

اكتشاف البيوفيلم (الغشاء الحيوي الرقيق):

يوجد البيوفيلم في سجلات أحفورية يعود تاريخها إلى 3,3-3,4 مليار سنة، بيد أن اكتشاف البيوفيلم الميكروبي كان في عام 1943م. عند ملاحظة العلماء أن البكتيريا التي تعيش في المياه تفضل العيش في تجمعات ملتصقة بالأسطح الصلبة. [2]

تركيب الغشاء الحيوي الرقيق:

  1. سكريات متعددة تشكل هيكل الغشاء الحيوي الرقيق. تتخللها قنوات تمثل مسارات لتبادل المواد المختلفة بين خلايا مجتمع البيوفيلم وبعضها وبينها وبين الوسط المحيط. تشبه هذه القنوات الأوعية الدموية التي تغذي أنسجة جسمنا المختلفة وتساعدها على التواصل فيما بينها.
  2. خلايا مجتمع البيوفيلم نفسها، تكون من نفس الجنس، أو من أجناس مختلفة من البكتيريا، أو من حتى بكتيريا وفطريات، وتشكل كتلة الخلايا تلك فقط 5-35% من تكوين البيوفيلم.
  3. جزيئات حمض نووي ريبوزي RNA وجزيئات حمض نووي منقوص الأكسجين DNA.
  4. بروتينات.
  5. ماء يشكل 97% من تركيب البيوفيلم (الغشاء الحيوي الرقيق).
  6. معادن ومواد أخرى. [3، 4، 5]

مراحل تكوين الغشاء الحيوي الرقيق:

  1.  التلامس والالتصاق Attachment and adhesion: تقترب الخلية الميكروبية من سطح صلب، وتلتصق به، عن طريق أسواط أو تركيبات أخرى بجسم الخلية، أو عن طريق قوى تجاذب فيزيائية مثل: قوى فاندرفال Van der Waal’s forces.
  2.  النمو وتكوين المستعمرات الدقيقة Growth and micro-colonies formation: في هذه المرحلة تقوم الخلية الملتصقة بالتكاثر والانقسام لتكوين مجتمع الغشاء الحيوي الرقيق، وتقوم بإفراز السكريات المتعددة، وتصنيع مكونات الغشاء الحيوي الرقيق المختلفة.
  3.  النضج Maturation: تتواصل الخلايا في البيوفيلم مع بعضها، وتحث بعضها على إنتاج المواد المختلفة، وخاصة السكريات المتعددة التي تكون بناء البيوفيلم. في هذه المرحلة يكتمل بناء البيوفيلم.
  4.  الانفصال Detachment: في هذه المرحلة تنفصل بعض خلايا المجتمع البكتيري عن البيوفيلم، لتنطلق بشكل فردي، وتسبح في الوسط المحيط، وقد تكوّن بيوفيلم في مكان آخر. [3، 5]

فائدة البيوفيلم للميكروب:

  1. الحماية من تأثير العوامل الخارجية الضارة مثل: الأشعة فوق البنفسجية ودرجات الحرارة شديدة الارتفاع وشديدة الانخفاض ونقص الموارد.
  2. مقاومة المضادات الميكروبية.
  3. الحماية من هجوم جهاز المناعة الخاص بالعائل.
  4. يجعل الغشاء الحيوي الرقيق الميكروبات قادرة على تبادل جينات تساعدها في الضراوة (إحداث العدوى) أو مقاومة المضادات الميكروبية.
  5. يمكّن البيوفيلم الميكروبات من تشارك الموارد والتعاون في التخلص من الفضلات. [2]

آليات مقاومة البيوفيلم للمضادات الميكروبية:

تعتبر الميكروبات التي تعيش في البيوفيلم شديدة المقاومة للمضادات الحيوية، تبلغ مثلاً مقاومة البكتيريا في البيوفيلم للمضادات الحيوية 10 آلاف ضعف مقاومة البكتيريا التي تعيش منفردة.

تعتمد البكتيريا في الغشاء الحيوي الرقيق عدّة آليات لمقاومة المضادات الحيوية:

  1. الحاجز الفيزيائي: إن البيوفيلم كما ذكرنا سابقاً عبارة عن بناء من السكريات المتعددة (وغيرها من المواد الأخرى بنسب أقل) يتخلله قنوات يتم خلالها تبادل المواد بين الخلايا وبعضها وبين الخلايا والوسط المحيط. إن فتحات هذه الممرات تحول دون دخول بعض المضادات الحيوية ذات الجزيئات كبيرة الحجم، بعض هذه المضادات الميكروبية شديد الفاعلية (الفانكومايسين ذو الفعالية الفائقة ضد سلالات خطرة تدعى الميرسا [المكورة العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيللين] MRSA {Methicillin-Resistant Staphylococcus aureus} مثلاً). جدير بالذكر أن هذه الآلية تحول أيضًا دون تفاعل الخلايا المناعية البلعمية (التي تبتلع الأجسام الغريبة) وكذلك الأجسام المضادة (التي ينتجها جهازنا المناعي ضد الأجسام الغريبة لتحييد أثرها على الجسم) مع الميكروبات في البيوفيلم.
  2. الروابط الكيميائية: بعض من مكونات الغشاء الحيوي الرقيق ترتبط بالمضادات الحيوية بروابط كيميائية وبالتالي تمنعها من قتل البكتيريا؛ مثلاً: مضاد حيوي يحمل شحنة موجبة قد يرتبط بجزيئات حمض نووي ريبوزي سالبة الشحنة.
  3. التدفق النشط Efflux pump: حيث يقوم الميكروب بإخراج المضاد الميكروبي وطرده خارج خلاياه، وقد وُجِدَ أن الخلايا الميكروبية في الغشاء الحيوي الرقيق يزيد تصنيعها للبروتينات المسئولة عن تلك المهمة.
  4. جينات المقاومة: إن تعايش الميكروبات بالقرب من بعضها داخل الغشاء الحيوي الرقيق يساعد على تبادل الجينات المسؤولة عن مقاومة المضادات الميكروبية، وانتقالها من سلالات مقاومة إلى أخرى غير مقاومة وذلك بين أفراد الجنس الواحد بل وحتى أفراد أجناس مختلفة مما يساهم في انتشار مقاومة المضادات الميكروبية عموماً.
  5. النشاط الأيضي: تكون الخلايا الميكروبية في سطح البيوفيلم نشطة وتتكاثر، بينما الخلايا في مركزه خاملة وشبه ميتة. تعتمد كثير من المضادات الميكروبية في قتلها للميكروبات على أن يكون الميكروب نشط ويتكاثر، ومن ثم فإنها قد تقضي على الميكروبات على سطح الغشاء الحيوي الرقيق، وبالتالي تقلل من الالتهاب الناتج عن العدوى، لكنها تفشل في القضاء على الميكروبات بداخله، والتي تكون مصدر جديد لانتشار الميكروبات على السطح وعودة الالتهاب، وهذا أحد أسباب كون معظم عدوى البيوفيلم مزمنة. [5]

أمراض تسببها الميكروبات في البيوفيلم:

حسب تقديرات المعهد الوطني للصحة بأمريكا؛ فإن الميكروبات بالغشاء الحيوي الرقيق مسئولة عن ما يقرب من 65%من العدوى الميكروبية و80% من العدوى الميكروبية المزمنة (أي التي تستمر أكثر من 3 أشهر). [1، 3]

  1.  العدوى المرتبطة بالأجهزة:

ترتبط عدوى الغشاء الحيوي الرقيق بشكل كبير بالأجهزة الطبية التي تزرع داخل جسم الإنسان مثل المفاصل والصمامات والعدسات الداخلية الصناعية وكذلك العدسات اللاصقة والقساطر.

عندما تتمكن الميكروبات من تكوين بيوفيلم على أسطح هذه الأجهزة؛ تصبح مصدرًا للعدوى. وفي بعض الحالات يكون من الصعب إزالة البيوفيلم من أسطح هذه الاجهزة، وقد يتطلب الأمر إزالة الجهاز من الجسم واستبداله بآخر جديد معقم، تفادياً لانتشار الميكروب بالجسم وتدميره للأعضاء القريبة من الجهاز أو تدمير أعضاء بعيدة عنه بالوصول لها عبر الدم.
[1، 3]

لا يتمكن الأخصائيون أحيانًا من معرفة البكتيريا المسببة لعدوى الغشاء الحيوي الرقيق إلا متأخراً، بسبب صعوبة زراعة البكتيريا التي تعيش في البيوفيلم. [7]

ويجدر الإشارة أيضًا إلى أن العدوى في كثير من الأحيان قد لا تسببها فقط ميكروبات خارجية ممرضة، بل على العكس قد تسببها ميكروبات تعيش محايدة على أسطح جلدنا وتشكل في الوضع الطبيعي جزء من جهازنا المناعي. [1، 3]

أمثلة على هذا النوع من العدوى:

  1. عدوى التهاب شغاف القلب Endocarditis infection، الناتج عن صمامات قلب ملوثة ببيوفيلم، وهي عدوى خطيرة قد تودي بحياة المريض حال لم تتم معالجتها بشكل فعال. [1، 3]
  2. عدوى التهاب القرنية keratitis infection، الناتجة عن ارتداء عدسات لاصقة ملوثة ببيوفيلم. [6]
  3. عدوى السائل داخل العين Intraocular fluid infection، الناتج عن أجهزة ملوثة ببيوفيلم، تمت زراعتها داخل العين، لتساعد على علاج مشاكل بالنظر أو تحسين وظيفة العين عمومًا.
    قد يتسبب كلا هذين النوعين من العدوى في فقدان المريض لبصره تمامًا. [6]
  4. عدوى الجهاز البولي المزمنة، التي قد تنتج عن تكون بيوفيلم على قسطرة البول. [3]

2– العدوى غير المرتبطة بالأجهزة:
هي العدوى التي لا تنتج عن وجود جهاز تم توصيله أو تركيبه بالجسم.

من أمثلة هذه العدوى:

  1. عدوى تسوس الأسنان Dental caries (الأشهر والأكثر+ شيوعاً)، وعدوى التهاب دواعم الأسنان Periodontitis infection، والتي تنتج عن تكوين بيوفيلم على سطح الأسنان أو الأنسجة المخاطية بالفم.
  2. بعض عدوى التهاب العظام Osteomyelitis infections تسببه الميكروبات التي انتقلت عن طريق الدم، أو جرح، أو خلافه إلى العظام، وكونت عليها بيوفيلم.  [1، 3]

أضرار البيوفيلم على الصناعة:

تتسبب الميكروبات في البيوفيلم بأضرار كثيرة في الصناعات، كتلوث المنتجات أو تلفها، أو تآكل الأجزاء المعدنية للآلات والأجهزة، الأمر الذي يؤثر على أدائها في العملية الصناعية. [8]

في صناعة الغذاء كالألبان واللحوم وخلافه: وجِد أن العديد من الميكروبات تستطيع تكوين غشاء حيوي رقيق على أسطح الأجهزة والآلات المستخدمة بالتصنيع، كما أنها تكوّن أيضًا بيوفيلم بداخل الأغذية نفسها، وهذه الميكروبات تتسبب في تسمم وتلف هذه المواد الغذائية وحتى في تلف الآلات المستخدمة في الصناعة. [8، 9]

الصناعات الطبية والدوائية: قد تلتصق الميكروبات على جدران أنابيب المياه وأسطح الأجهزة، وبالتالي تنتقل بسهولة وتلوث المستحضرات الدوائية، وقد تسممها. أو تلتصق بأسطح الأجهزة التعويضية، والمستلزمات الطبية، وتكون مصدراً للإصابة بالعدوى. [8، 10]

صناعة البناء: كذلك لم تسلم من مشاكل الميكروبات في الغشاء الحيوي الرقيق، حيث تتسبب في تآكل الخرسانة وتصدعها.

محطات توليد الطاقة: أيضاً تتأثر بالميكروبات في البيوفيلم والتي تلتصق بالمكثفات وتنموا عليها وبالتالي تؤثر على كفاءتها.

تكرير البترول والغاز الطبيعي: يتسبب تكوّن البيوفيلم على أسطح أنابيب التكرير بتآكلها، وبالتالي إنتاج غاز أو بترول ذو درجة نقاء منخفضة.

أجسام السفن: تنمو عليها الطحالب والميكروبات في البيوفيلم وتؤثر على سرعتها.

يتم اللجوء لاستراتيجيات كمحاولة لمنع نمو الميكروبات في البوفيلم على الأسطح في الصناعة؛ كطلاء الأسطح أو تغطيتها بمواد تحول دون التصاق الميكروبات أو تكون سامة لها. [8]

المراجع:

  1. Biofilms by bacterial human pathogens: Clinical relevance – development, composition and regulation – therapeutical strategies (nih.gov)
  2. Bacterial biofilms: from the Natural environment to infectious diseases | Nature Reviews Microbiology
  3. Bacterial biofilm and associated infections – ScienceDirect
  4. Fungal-bacterial biofilms: their development for novel biotechnological applications 
  5. Mechanisms of Biofilm Development, Antibiotic Resistance and Tolerance and Their Role in Persistent Infections
  6. Biofilms in Infections of the Eye
  7. Towards diagnostic guidelines for biofilm-associated infections | Pathogens and Disease | Oxford Academic 
  1. Impact of environmental biofilms: Industrial components and its remediation
  2. Biofilms in the Food Industry: Health Aspects and Control Methods
  3. The Risk of Biofilm  
  4. Image source: Biofilm-coated bacteria could help to treat gastrointestinal infections

أدلة التطور: التطور السريع

هذه المقالة هي الجزء 8 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

عندما يجد معارضو التطور أنفسهم محاصرين بأدلة دامغة على التطور، يلوحون بورقتهم الأخيرة، قائلين بأن التطور غير قابل للرصد أو التجربة. ويستنتجون من إدعائهم أن التطور لا يصمد أمام منهج العلم التجريبي. وعلى الرغم من أن هذا القول هو سوء فهم لآلية عمل العلم التجريبي، فعملية الرصد لا تعني بالضرورة أن نشهد كل شيء ونراه بأعيننا، ولكننا سنتغاضى عن هذا ونقدم لهم ما يبحثون عنه. نستعرض في مقال اليوم أمثلة من التطور السريع الذي لا يتطلب ملايين الأعوام لكي نرصده، فهل سيقرّون بحقيقة التطور؟

صراصير جزيرة كاواي

على جزيرة «كاواي-Kauai» (إحدى جزر هاواي)، اعتاد أن يعيش نوع من الصراصير يعتمد ذكوره على إصدار الضجيج كنداء للإناث باستخدام أجنحته. ولكن هناك مشكلة في ذلك السلوك، إذ أن هذا الضجيج لا يجذب الإناث وحسب، ولكنه يجذب أيضًا نوعًا من الذباب، الذي يصيب الصرصور بالطفيليات الآكلة للحم، والتي بدورها تتسبب في مقتل الصرصور بعد أسبوع.

حقوق الصورة: berkeley

ولكن قلب التطور موازين هذه المعادلة، حيث ظهر نوع جديد من ذكور تلك الصراصير بأجنحة مشابهة لأجنحة الإناث التي لا تصدر ضجيجًا. فأجنحة الذكور التي تصدر ضجيجًا تحتوي على أجزاء تشبه المكشطة والأسنان، وهذا هو ما يتسبب بالضجيج. ولكن النوع الجديد يمتلك أجنحة صامتة كتلك التي تمتلكها الإناث.

ونرى هنا أن الذكور من التي تصدر ضجيجًا ستحصل على فرصة أعلى في التزاوج والتكاثر من النوع الجديد، حيث ستستطيع أن تجذب الإناث بضجيجها. ولكن هذا سيكون صحيحًا فقط في حالة عدم وجود الذباب. فالصراصير ذات الأجنحة الصامتة لن تجذب انتباه الذباب وستتكاثر في مأمن من الطفيليات الآكلة للحم.

هذا ما حدث بالفعل، ففي عام 2003، أصبحت جزيرة كاواي تعج بالصراصير الصامتة. وعلى مدى 20 جيلًا فقط، أصبحت صراصير جزيرة كاواي كلها من النوع الصامت، وهذا يعد واحدًا من أقوى أمثلة التطور السريع. [1]

«العث المفلفل-Peppered moth»

في عام 1848، تم تسجيل اكتشاف أول عثة مفلفلة سوداء، حيث كان العث الفلفل أبيض اللون. إلا أن ما كان نادرًا في عام 1848 أصبح شائعًا على مدى ال 50 سنة التالية، حيث أصبح العث الأسود يشكل نسبة 98% من العث الموجود في مدن إنجلترا، فما السبب؟

كانت إنجلترا في ذلك الوقت تمر بما يعرف ب «الثورة الصناعية-Industrial revolution»، فكانت تبني المزيد من المصانع. واستخدمت المصانع الفحم كوقود لها، وهو ما تسبب بتصاعد كميات كبيرة من الدخان الأسود. وتسبب الدخان في كسوة الأشجار باللون الأسود، وهو ما أثّر على لون العث.

اعتقد العلماء في بادئ الأمر أن العث يغير لونه ليلائم لون الأشجار، أو أن لون العث قد تغير تأثرًا بالكيماويات الموجودة في الدخان. ولكن الأبحاث تظهر أن السبب كان جينيًا، فاللون الأسود كان نتيجة لطفرة في الحمض النووي لحشرة عث واحدة. مررت تلك الحشرة الطفرة لباقي نسل هذه العثة، ولكن لماذا انتشر العث الأسود على حساب العث الأبيض؟

العث الأسود. حقوق الصورة: the university of liverpool


يرجع تفسير هذا إلى الانتخاب الطبيعي، حيث أن اللون الأبيض لم يعد يوفر التمويه الكافي للنجاة بعد تغير لون الأشجار. حصل العث الأسود على فرصة أكبر في البقاء وبالتالي التكاثر.

ويستمر تطور العث حتى اليوم، ففي آخر 50 عامًا، قل التلوث في معظم الدول الصناعية بشكل كبير. وكما تتنبأ نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي لداروين، أصبحت أعداد العث الأسود في تناقص مع نقص التلوث في الغابات. [2] ولأن قوة النظريات العلمية تكمن في قدرتها على التنبؤ، تزداد قوة نظرية التطور مع كل حالة تنبؤية ناجحة.

سحالي بود مركارو

في عام 1971، نقل بعض العلماء 5 أزواج من «سحالي الحائط الإيطالية-Italian wall lizards» من جزيرة Pod kopiste إلى جزيرة Pod Mrcaru، علمًا بأن جزيرة Pod Mrcaru كانت تحتوي على مجتمعها الخاص من السحالي. وبعد 36 عام (أي ما يُعادل 30 جيلًا من السحالي)، عاد العلماء إلى الجزيرة ليجدوها ممتلئة بالسحالي.

ليس هذا ما يثير الدهشة، وإنما التحليل الجيني لهذه السحالي الذي أظهر أنها تنحدر من ال 10 سحالي التي تركها العلماء سابقًا. حيث اختفى السحالي الأصلية الساكنة للجزيرة. وهنا تأتي المفاجأة، حيث استطاعت السحالي التي تركها العلماء تطوير صفات يتطلب تطويرها ملايين السنين في 36 عامًا فقط.

أصبحت السحالي الجديدة تتغذى على النباتات (بعد أن كان مصدر الغذاء الرئيسي لها هو الحشرات). كما امتلكت عضة أقوى، ورؤوسًا أطول وأعرض. ليس هذا وحسب، بل طوّرت ما يُعرف ب «الصمام اللفائفي الأعوري-Ileocecal valve»، وهي عضلة تفصل بين الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة لتساعد السحالي على إبطاء عملية الهضم لتحويل السليلوز الموجود في النباتات إلى أحماض دهنية متطايرة.

حقوق الصورة: google sites

كل هذا في 36 عامًا فقط! لقد كانت هذه النتائج صادمة، فهي تُبرز قوة التطور وقدرته على إحداث تغيرات كبيرة في فترات زمنية قصيرة. كما أنها من أقوى أمثلة التطور السريع. [3]

ذكرنا في هذا المقال بعض الأمثلة على التطور السريع، ونقول “بعض” لأن هذه الأمثلة ليست الوحيدة. هناك الكثير والكثير من المرات التي حدث فيها التطور في مدى زمني قصير. كتبنا مقالًا سابقًا عن أمثلة للتطور في المعامل، فأدلة التطور أكثر بكثير من أن تُحصى في مقال أو حتى كتاب. اخترنا هنا فقط أبرز الأدلة وأكثرها انتشارًا وأسهلها شرحًا وقابلية للتوضيح.

المصادر

[1] berkeley
[2] ask a biologist
[3] national geographic

الشتاء قادم، كيف نجا الإنسان العاقل من جليد الشمال القارص

قبل 40 ألف سنة في أوروبا لاحق الإنسان العاقل الحيوانات واصطادها، واستكشف غابات أوروبا ومراعيها لأول مرة. لكن مع تقدم الزمن بدأ كل شيء يتغير. فبحلول عام 28 ألف ق.م بدأت الطبقات الجليدية تتقدم وتنهي كل شيء في طريقها. معظم أوروبا الشمالية أصبحت تحت الجليد ولكن على عكس المتوقع بقي الإنسان العاقل في أوروبا، اصطاد وعاش في المناطق الجليدية. طور عادات وسلوكيات خاصة كانت أساسًا لحضارتنا اليوم. وتمكن من النجاة من أخر عصر جليدي مدمر ضرب الأرض.

صيادو الشمال المتجمد

ظهرت الحضارة <<الكرافيتية-Gravettian culture>> في أوروبا بدايتًا من سنة 28 ألف قبل الميلاد. و  الكرافيتيين هم مجموعة من الصيادين الذين تمكنوا من الصمود والاصطياد في الظروف الجليدية الصعبة. فأوروبا بين 28 و20 ألف ق.م كانت ترزح تحت طبقات الجليد السميكة حتى عدة كيلومترات. دول مثل إنجلترا والدنمارك والنرويج اليوم كانت وقتها عبارة عن طبقات من الجليد السميك.

لا نعلم بالضبط اليوم ماذا نادى الكرافيتيون بعضهم. لكن اليوم أعطاهم علماء الآثار هذا الإسم نسبة للمواقع الأثرية التي وجدو أثرًا لهم فيها. لقد سكنوا بشكل عام على طول طريق تنقل الحيوانات الكبيرة. ففي تلك الفترة كانت أوروبا تعج بحيوان الماموث مثلًا. ومع أن فروه كثيف إلا انه كان يكره البرد. لذلك كان عندما تشتد برودة الطقس ينتقل نحو جنوب القارة الأوروبية وعلى طول مسار تنقله وجدت آثار الكرافيتيين. (1)

أول معطف في التاريخ

رسم تخيلي يظهر معطف من الثقافة الكرافيتية(مواقع التواصل)

بشكل أو بأخر يمكننا اعتبار أن صناعة الملابس للتدفئة هي اختراع يعود للثقافة الكرافيتية. فمع ازدياد البرودة أخذ الكرافيتيان الفرو والجلد وصنعوا ملابسًا اهم. يعتبر العلماء اليوم أن أول من بدأ الخياطة بإبر مصنوعة من العظام مع نوع من الخيوط هم الكرافيتين. بالإضافة إلى الملابس صنع الكرافيتيان الأحذية. لكن الخياطة كانت عمل نسائي ولم تكن بالشيء السهل. فكان على النساء اختيار أنواع الجلد ثم مضغها لتنعيمها ثم ثقبها ، بالأسنان على الأرجح، من أجل خياطتها في النهاية.

لكن ما يلفت نظر العلماء اليوم ليس فكرة اختراع الملابس بالتحديد. فالكرافيتيين لم يرتدوا الملابس بغرض التدفئة فقط وعلى الأرجح كان لها بعدٌ أخر عندهم. ففي أحد الكهوف وجد هيكل عظمي مدفون بجانبه صخرة المغرة. في الغالب كان لرجل وكان يرتدي رداء مميز من الجلد. مزين بكريات صغيرة من عظام الماموث مثقوبة في المنتصف. وووجدت أربطة على الرأس لم نعلم بالتحديد إذا كان لشاب أو عجوز. لكن من الواضح ان الرداء هذا ليس مجرد لباس اعتيادي للتدفئة. فصنعه استغرق عملًا لأكثر من سنة. لذلك يعتقد العلماء أنه يرمز لشيء أخر.

في مجتمع صيادين وفي هذه الظروف الجليدية كان الانضمام للمجموعات مهمًا للغاية. فالأمر ليس كما في الجنوب الدافئ تأتي الفريسة اليك. في التندرا الباردة تكون المعركة أكثر شراسة والمخاطر أعلى. لذلك نرى من الواضح ظهور نوع من المركزية في البنى الاجتماعية شيء قريب من فكرة زعيم القبيلة كما نعرفها اليوم.(2)

فينوس العصر الحجري

لم تقتصر الرمزية عند صيادي أوروبا الأوائل على السلطة. بل ظهر في هذه الفترة واحد من أكثر الرموز المثيرة للاهتمام وقد أشتهر وانتشر بشكل كبير وهو تمثال فينوس. المرأة العارية بالطبع ليس له علاقة بإلهة الحب في اثينا بل كان مرتبطًا أكثر بالخصوبة والحماية. لا نعلم تحديدا هدفه، هذا النوع من التماثيل لنساء أكثر ما يبرز فيها هو صدرها الكبير وحوضها وبطنها الكبير. وكانت هذه التماثيل صغيرة الحجم. نعلم انها كانت تدفن بجانب النار في الرمل ربما كان الهدف منها اعطاء القوة والحماية للكوخ. وجد الكثير منها بمختلف الاشكال والاحجام فقد تم صناعتها بأعداد كبيرة نوعًا ما.

وهذه التماثيل مع اختلافها تظهر نوعًا من الجمالية. فالأمر ليس فقط بأنهم يخيطون ملابسهم او يصنعون تماثيل بل يحاولون في الواقع خلق نوع من الموضة. نوع من التمثيل لفكرة الأنثى البشرية المجردة وفكرة الخصوبة بشكل عام.

إقرأ أيضًا: البشر الأوائل، معجزة إفريقيا إلى كل العالم

الشامان، ساحر الشمال الأول

جلست عائلة من الكرافيتيين في وسط كوخهم المصنوع من الاخشاب والجلود وعظام الماموث. يتسع الكوخ ل 12 إلى 15 شخص وهم متحلقين حول النار التي تشتعل في وسطه. تروي لهم الجدة والجد حكايات عن أسلافهم واساطيرهم القديمة عن الماموث العملاق والروح المقدسة والدب العظيم لمئات المرات قبل أن ينتهي الشتاء. وكانت هذه القصص تنقل عبر الأجيال مما جعل هذه الاكواخ ليست فقط للاحتماء بل لها دور  احتفالي مقدس أيضًا. فعند سرد تقاليد العشيرة مرارًا وتكرارًا ينتج نوع من التماسك. فتصبح هذه الاكواخ اماكن شبه مقدسة.

جزء من العالم الخارجي الذي يحتمي منه الكرافيتيين هو عالم مليء بالحيوانات القوية الشرسة. وبما أن عبادة الأسلاف صفة مشتركة مع شعوب السافانا فإن لها دورًا حقيقيًا في الصيد. المشكلة في الأراضي الجدليدية المفتوحة لن تأتي الفريسة إلى الصياد أبدًا. لذلك كان عليه أن يطور فكرة أخرى عن عبادة الأسلاف. لذلك طوروا علاقة خاصة مع الحيوانات التي تبنى بعض الصيادين شخصياتها.

فإذا أخذنا الدببة كمثال عند سلخه يبدو كالإنسان. جلد أبيض لديه يدين وقدمين يشبه الانسان فاعتبره الكرافيتيون انه انسان ضخم. وعندما ترتدي جلد الدب ستصبح أنت أيضًا دب. لذلك وجدت علاقة بين الدب والانسان الذي يخرج مع الانسان ويتشارك معنا ذات انواع الطعام. لذلك كان هنالك نوع من الطقوس تحدث من اجل اصطياد الدب فكانت العلاقة والطقوس كنوع من طلب الانسان من الدب ان يضحي بنفسه لأجل حياة الانسان. فبمخيلة الكرافيتيين ربما كان هذا الدب روح احد الأسلاف.

من هنا ظهرت الحاجة لوجود الشامان. وهو ساحر قادر على التواصل مع عالم الأرواح. انتشر بشكل واسع في معظم المجتمعات الشمالية. وساعد الانسان بالتواصل مع عالم الارواح التي كانت تنتشر في كل مكان حسب ظنهم. وكانوا غالبًا يحملون معه أدوات كالطبول لتساعدهم في مهمتهم.

هناك رسم يظهر العالمين عالم البشر وعالم الارواح مفصولين يمكن للشامان ايضا ان يشفوا فهم يعرفون الكثير عن النبات

مهد الحضارة

بحلول سنة 10 الاف قبل الميلاد كانت الأراضي المفتوحة الجليدية في أوروبا قد اختفت وحلت مكانها الأعشاب والأشجار والمراعي مرة أخرى. اختفت ثقافة الكرافيتية معها وحلت مكانها ثقافة أخرى تسمى بالمجدلية. أعادت الحياة إلى الكهوف في أوروبا وجعلتها من أجمل الأعمال الفنية التي مرت على التاريخ البشري. لم ينتهي العصر الجليدي كما بدأ بل خلاله تعلم البشر وطوروا سلوكياتهم وقدراتهم العقلية وتمكنوا من الصمود. أن حصيلة معارفنا او تطورنا الفكري والاجتماعي ليس كما هو شائع قد حدث عندما خرج البشر من الكهوف وبنوا أولى القرى. بل إن جذورها أقدم من ذلك بكثير فهي تعود إلى أخر عصر جليدي مر علينا. (3)

المصادر

  1. The Gravettian on the Middle Danube
  2. The Eastern Gravettian “Kostenki Culture” as an Arctic adaptation
  3. Climate Change in Prehistory: The End of the Reign of Chaos

أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

ما بعد ٥ انقراضات كبرى: هل نحن على أعتاب انقراض سادس؟

يسكن كوكب الأرض ملايين الأنواع من الكائنات الحية، ولا نعرف حتى الآن عدد هذه الأنواع بالضبط. ولكن الأكثر تقديرًا أن العدد يتراوح بين ٥ – ١٠ مليون، وتعرفنا إلى الآن فقط على ٢ مليون نوع منهم، وبالطبع ليسوا في مكان واحد بل في أماكن متفرقة من العالم.  بالإضافة إلى أن أغلب المشاريع العلمية التي تعمل على رصد الكائنات الحية من الممكن أن تتضمن في دراستها كحد أقصى ٢٠٠٠٠ نوع من حول العالم. وفي هذا المقال نتعرف على ما بعد ٥ انقراضات كبرى: هل نحن على أعتاب انقراض سادس؟

ما هي أهمية المشاريع البحثية لرصد وتصنيف الكائنات الحية؟

يعمل العلماء على العديد من المشاريع البحثية في رصد وتصنيف الكائنات الحية على كوكب الأرض لإلقاء الضوء على العناصر الأكثر تهديدًا والعناصر التي على وشك الانقراض. ويساعدنا ايضًا على التعرف على إمكانية تجنب فقدان الأنواع وإلقاء الضوء على العناصر التي تزداد ونفهم كيفية حدوث هذا. 

نظرة عامة على الإنسان وباقي الكائنات على كوكب الأرض

وإذا ألقينا نظرة عامة على الكائنات على كوكب الأرض نلاحظ أن أغلبها يزداد نصف أنواعها ويقل نصف أنواعها، على سبيل المثال تقل ٤٤٪ من الثدييات وتزداد ٤٩٪ منها بينما لا تتغير ٧٪ من هذه الأنواع. وأغلب الكائنات الأخرى تقترب من هذه النسب في الزيادة والنقصان والثبات. [1]

معظم الأنواع التي وُجدت على سطح الأرض انقرض منها ٩٩٪ تقريبًا، ولكن ليس لدينا أدلة قوية على هذه الأنواع. ومنذ عام ١٥٠٠م، انقرض حوالي ٩٠٠ نوع منهم ٨٥ نوع من  الثدييات و١٥٩ نوع من الطيور و٣٥ نوع من البرمائيات و٨٠ نوع من الأسماك. 

الانقراضات ال ٥ الكبرى

الانقراض هو جزء طبيعي من التطور، حيث نفقد ١٠٪ من الأنواع كل مليون سنة و٣٠٪ كل ١٠ مليون سنة و٦٥٪  كل ١٠٠ مليون سنة. وبانقراض أنواع، تتطور أنواع أخرى. وتعرف الانقراضات باختفاء الكائنات بمعدل أكبر من الطبيعي وقد حدثت ٥ انقراضات في تاريخ البشرية.

١. الانقراض الأوردوفيشي:

منذ ٤٣٣ مليون سنة، حيث عصر جليدي قاسي أدى إلى هبوط مستوى البحر ١٠٠ متر مما أدى إلى انقراض ٦٠ – ٧٠ ٪ من كل الأنواع ساكني المحيطات. وبعدها بوقت قريب تسبب تبخر الجليد في نقص الأكسجين وانقراض أنواع أخرى. 

٢. الانقراض الديفوني المتأخر:

منذ ٣٦٠ مليون سنة قبل الميلاد، تغير مناخي قوي ومستمر أضر بالحياة في قاع البحار مما أدى إلى قتل ٧٠٪ من الأنواع وتضمن تقريبًا كل أنواع المرجان. 

٣. انقراض العصر البرمي:

منذ ٢٥٠ مليون سنة قبل الميلاد حيث يعرف بالانقراض الأكبر، هلك ٩٥٪ من الكائنات وارتبط بقوة بالبراكين الضخمة في سيبيريا والانغماس في فترة قاسية من الاحتباس الحراري. 

٤. انقراض العصر الجوراسي:

منذ ٢٠٠ مليون سنة قبل الميلاد، فقدت الحياة ٧٥٪ من الأنواع الغريبة بسبب انفجار بركان آخر قوي، والذي بدوره ترك الأرض خالية للديناصورات لتمتد ومن هنا بدأ عصر الديناصورات. 

٥.انقراض العصر الطباشيري الثلاثي:

منذ ٦٥ مليون سنة قبل الميلاد، اصطدم كويكب عملاق بالمكسيك بعد انفجار بركاني قوي في المكان الذي يعرف الآن بالهند. شهد هذا نهاية عصر الديناصورات وفتح الطريق أمام الثدييات في الظهور وفي النهاية البشر. [3]

تأثير الإنسان على الانقراض

يُمثل الإنسان ١.,٪ من الحياة على كوكب الأرض و ٢,٥٪  من مملكة الحيوان. في حين تمثل النباتات وخصوصًا الأشجار ٨٢٪  من الكائنات. ونحن نحتاج إلى ٧٠ تريليون مننا لكي نماثل باقي الكائنات الحية. وتعيش ٨٦٪ من الكائنات على سطح الأرض و ١٣٪ من هذه الكائنات في باطن الأرض و١٪ فقط  في المحيطات. [2]

قلت الثدييات بنسبة ٨٥٪ منذ انطلاق حياة الإنسان على الكوكب. وأكثر من ١٧٨ نوع من الأنواع المشهورة انقرضت بسبب الصيد الجائر وسلوكيات الإنسان. 

بالعودة ١٠٠٠٠٠ سنة إلى الوراء، كانت الحياة زاخرة بالحيوانات البرية؛ كان الماموث يدور في أمريكا الشمالية والأسود في أوروبا وغيرها من الكائنات. 

وبظهور طريقة أخرى يحصل بها الإنسان على الطعام وهي الزراعة  بدأ باستصلاح أراضي كبيرة ونزع العشب منها. حيث من ١٠٠٠٠٠ سنة كان كل شخص يقطع ٠,١ هكتار،  وسنة ١٩٠٠م كان كل شخص يقطع ١,٥ هكتار. 

لم يعد التأثير على الحياة البرية الصيد فقط ولكن أيضًا استخدام الإنسان للموارد التي كانت تعتمد عليها الحيوانات. فيمكن تقسيم الحياة إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الزراعة (الصيد) ومرحلة الزراعة.

منذ عام ١٩٧٠م، قتل الإنسان ٦٠٪ من الحيوانات وهذا يشبه تقريبًا تفريغ أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأفريقيا  وأوروبا والصين.

في عام ٢٠١٥، أصبح الإنسان يمثل ٣٥٪ من الثدييات بعدد ٧,٤ مليار. والحيوانات التي يستخدمها الإنسان في الطعام مثل البقر والخروف أصبحت تمثل ٦٣٪ من الثدييات وباقي الثدييات تمثل ٢٪. 

في عام ٢٠١٨م استهلك العالم ٢١٠ مليون طن من اللحوم من الثدييات باستثناء الفراخ والتركي والبط وهذا يساوي ٣١ مليون طن كربون، ولو استمرت البشرية على نفس النمط بصيد الحيوانات من الممكن أن تفنى الحياة البرية في شهر واحد فقط. 

هل نحن على أعتاب انقراض سادس كبير؟

أولًا نحن في حاجة لمعرفة معنى انقراض كبير وهو عدد الأنواع التي تنقرض والوقت اللازم لذلك الانقراض. بمعنى أننا عندما نفقد أكثر من ٧٥٪ من الأنواع في وقت تقريبًا ٢ مليون سنة  يعتبر ذلك انقراضًا كبيرًا. 

منذ عام ١٥٠٠م، فقدنا ١٪ من الكائنات وهذا الرقم صغير وإن كنا فقدنا ٢٥٪ فقط فهو صغير أيضًا. 

ولكن فقد ١٪  خلال ٥٠٠ سنة فقط يعني أننا أمامنا  ٣٧٥٠٠ سنة لنصل إلى فقد ٧٥٪، وهذا أسرع بكثير من الانقراضات السابقة. 

الانقراض بهذا الشكل يكون من ١٠٠ – ١٠٠٠ مرة أسرع من السابق.

كم من الوقت اللازم لحدوث الانقراض السادس الكبير؟

في خلال ال ٥٠٠ سنة السابقة  فقدنا ١٪ من الأنواع وسنأخذ من الوقت ٣٧٥٠٠ سنة حتى نفقد ٧٥٪ من الأنواع. وأصبح الانقراض الآن أسرع بكثير في خلال ال ٥٠ سنة الماضية، وإذا أخذنا في الاعتبار معدل الانقراض منذ سنة ١٩٨٠م سندخل الانقراض السادس  في خلال ١٨٠٠٠ سنة فقط.

لا يعتبر هذا كلام نهائي، ولكنها توقعات تقترب من الصحة، وفي أسوأ الأحوال في حالة فقدنا كل الأنواع المهددة بالانقراض في ال ١٠٠ سنة القادمة سيكون الانقراض السادس في خلال ٢٥٠ – ٥٠٠ سنة. [4]

كيف نمنع الانقراض السادس الكبير؟

نحن الآن السبب الرئيسي لهذا الانقراض حيث نقوم بإزالة الغابات وتغير المناخ وإفساد المحيطات والصيد والتلوث البيئي. لكن سابقًا كانت البراكين والزلازل والتغيرات المناخية فقط، فمن الممكن أن نمنع إزالة الغابات مما يساعد على اعتدال المناخ والسماح للنظام البيئي بالالتئام. بالإضافة إلى منع وتحريم الصيد الجائر وإيقاف تلوث المياه. 

ما نعرفه الآن أننا على أعتاب الانقراض السادس ومن الواضح أن معدل الانقراض يزداد وقد يقل ولكن الهدف الرئيسي هو معرفة لماذا انقرض كل كائن حي ونحاول حل هذه المشكلة. 

مصادر:

[1] our world in data

[2] our world in data

[3] The guardin

[4] our world in data

لماذا نحب الاستماع إلى الموسيقى؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 11 في سلسلة أثر الموسيقى وتطورها

تتجذّر الموسيقى في السلوك البشري منذ القدم، وهي ترافق جميع الحضارات البشرية في مختلف بقاع الأرض. وتشكّل الموسيقى جزءًا من الطبيعة البشرية، إذ أن أغلب البشر يمتلكون بالفطرة القدرة على فهم الموسيقى والاستمتاع بها، وذلك من عمر صغير جدًا. ولكن لماذا نحب الاستماع إلى الموسيقى؟ غالبًا ما تكون السلوكيات المشتركة بين البشر هي سلوكيات ذات أصول تطورية، أي أنها ساهمت في التكاثر والبقاء على قيد الحياة. فما هي الوظائف التي لعبتها الموسيقى؟

الأصول التطورية للموسيقى

تعود علاقة الموسيقى بالإنسان إلى أكثر من أربعين ألف عام، وهي ليست اختراعًا نشأ عند عدد معيّن من الأفراد وانتشر فيما بعد بين البشر كالكتابة مثلًا، بل هي على العكس نشأت بشكل فطري في جميع الحضارات البشرية، حتى الأقدم منها. (1) (إقرأ أيضًا: تاريخ الموسيقى) إن قِدم الموسيقى وتجذّرها في التاريخ البشري دفع العديد من العلماء إلى البحث حول الوظائف التطوّرية للموسيقى.

تنتشر السلوكيات الموسيقية في الطبيعة عند مختلف الحيوانات من الطيور والحيتان وصولًا إلى الحيوانات الأقرب إلينا جينيًا وهي القردة العليا كالغوريلا والشيمبانزي، التي تصنع الموسيقى من خلال الضرب باليدين. تستخدم الحيوانات الموسيقى لتسهيل التزاوج أو التواصل فيما بينها. من هنا، يمكن ملاحظة أدوار الموسيقى التطورية عند الحيوانات.

الموسيقى عند دارون

كتب مؤسس نظرية التطور داروين عن احتمال وجود وظائف تطورية للموسيقى، واعتبر أن البشر استخدموا الموسيقى للتواصل فيما بينهم قبل تطوير اللغة المعقّدة، وتحديدًا للإثارة الجنسية. في عام 2000 م، اعتبر عالم النفس الأميركي جورج ميلر الموسيقى ذات دور أساسي في الجنس، إذ أن القدرات الموسيقية (الغناء والرقص والعزف وغيرها) يمكن أن تتقاطع مع الصفات الضرورية من أجل التكاثر ورعاية الأطفال، فجودة الأداء الموسيقي تعكس عوامل العمر والصحة والرشاقة والذكاء والتآزر اليدوي والانتباه وغيرها. وأضاف ميلر دور الموسيقى كعامل لجذب انتباه الشريك الجنسي وإثارته.

من ناحية أخرى، تحدّث عالم النفس “كولوين تريفارذن – Colwyn Trevarthen” عن دور الموسيقى في التواصل بين الأم وطفلها، بحيث تستخدم الدندنة والإيقاعات لخلق أنماط ثابتة من التفاعل تساهم بتعزيز علاقة تُشعر الطفل بالأمان. (2)

بالنسبة لعلماء آخرين كـ”بانكسيب-Panksepp” و”برناتزكي-Bernatzky”، لعبت الموسيقى وظيفة تطورية من خلال تسهيل التواصل الاجتماعي وبالتالي زيادة الإنتاجية في عمل المجموعات والقبائل.

من خلال الفرضيات المطروحة، يمكن استنتاج أن الموسيقى تملك عدة وظائف تطورية، قد تكون ساهمت في جعل خاصية خلق الموسيقى والاستمتاع بها خاصية بشرية عالمية وفطرية.

الموسيقى بحسب نظرية الاستخدامات والإشباعات

نظرية الاستخدامات والإشباعات هي مقاربة لتفسير سلوكيات الأفراد تجاه وسائل الإعلام والتواصل لتلبية حاجاتهم الفردية.

أثبتت الأبحاث أن الأشخاص يستمعون إلى الموسيقى لعدد كبير من الأسباب. فقد وجد الباحثون غانتز و بيرسون وشيللر في العام 1978 م أن المراهقين يستمعون إلى الموسيقى بهدف تخفيف التوتر و تمضية الوقت وتخفيف مشاعر الوحدة وإدارة مزاجهم.

في العام 1999 م، عمل الباحثان هارغريفز و نورث على البحث عن وظائف الموسيقى الاجتماعية، وقد وجدوا أنها تلعب ثلاث وظائف أساسية: إدارة المزاج وتحديد الهوية الفردية وتعزيز العلاقات الاجتماعية. وفي دراسة أجروها على عينة من المراهقين الذين يبلغون 13 و14 عامًا ، تبيّن أن وظيفة الموسيقى الأساسية هي رسم صورة اجتماعية للآخرين من جهة، وتلبية حاجاتهم العاطفية من جهة أخرى. (4)

ختامًا، تؤثر الموسيقى على أدمغتنا وتحفز شعور اللذة، مما يجعلنا نستمتع بالاستماع إليها. وهي تساهم في تخفيف التوتر والتعبير عن المشاعر من جهة، وفي صقل هويتنا الفردية وصورتنا الاجتماعية من جهة أخرى. وأنت عزيزي القارئ، ما هو السبب الذي يدفعك إلى حب الموسيقى؟

المصادر:

(1) Language, Brain, and Cognitive Development: Essays in Honor of Jacques Mehler
(2) Taylor & Francis online
(3) NCBI
(4) ACADEMIA

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تعكس حركة المحيط بمدها وجزرها جوهر الحياة ذاتها، حيث يمثل تدفق المياه فيها الطبيعة الدورية التي تحكم الكون، وكل ذلك تشهد عليه حتى أكثر الشواطئ انعزالاً، فهل تكون الحياة نفسها محض صدفة أنتجت المد والجزر؟ إذا كان ذلك صحيحاً؛ فهل يكون القمر مسؤولاً عن أصل الحياة على الأرض؟ وماذا سيحدث لو لم يكن موجوداً؟ أو بمعنى أدق ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تشكل القمر

بحسب النظرية، اصطدم كوكب بحجم المريخ بالأرض منذ حوالي 4.5 مليار سنة؛ مما أدى لتسريع دوران الأرض فأصبح طول اليوم 12 ساعة فقط. أما الحطام الناتج فنُثر في مدار الأرض القريب والتحم مشكلاً القمر. وبعد عدة ألاف من السنين؛ بدأت الأرض بالتبرد إلى أن ظهرت الحياة بعد حوالي 700 مليون سنة؛ أي منذ 3.8  مليار سنة.

المد والجزر

تقوم جاذبية القمر بشد الأرض، لاسيما قسمها الأقرب إليه. وترتفع القشرة الأرضية قليلاً (سنتيمترات معدودة) بسبب قوة الشد هذه مما يسبب حدوث ظاهرة «المد والجزر-Tides» في البحيرات والأنهار والمحيطات وغيرها.

يحدث «المد-High Tide» وهو ارتفاع مستوى مياه المحيط عندما يدور القمر حول الأرض ويسحب خلفه المياه، بينما على جانب الأرض المقابل له تكون الجاذبية أقل من أي جزء آخر من الأرض فتُترك مياه المحيطات وراءً ويحدث «الجزر-Low tide».

للقمر التأثير الأكبر على حركة المد والجزر بسبب قربه الشديد من الأرض. تؤثر الشمس أيضاً بقوة جذب كبيرة على الأرض تبقيها في مدار ثابت حولها، كما تسحب هذه القوة مياه المحيطات نحوها. لكن الفرق في الشد بين الجانب المقابل والمعاكس للشمس يكون ضئيلاً، حيث تساهم الشمس بحوالي ثلث ارتفاع المد فقط.

تأثيره في التنوع الحيوي

تشكلت المحيطات على الأرض منذ حوالي أربعة مليارات سنة، أي عندما كان القمر أقرب بمرتين مما هو عليه الآن، وبالتالي كانت قوة المد والجزر أكبر بكثير.

يعتقد العلماء أن تدفق المد والجزر ساهم في نقل الحرارة من المنطقة الاستوائية إلى القطبين، وأنه زاد حدة التقلبات المناخية في العصر الجليدي و«الفترات بين الجليدية-Interglacial». أثر ذلك في تشكل التكتلات الجليدية التي أدت لهجرة الأنواع النباتية والحيوانية وبالتالي إغناء التنوع الحيوي. كما نوه الباحثون أنه بدون المد والجزر القمري لكانت البيئة البحرية فقيرة جداً بالأنواع الحيوانية.

ولكن هل يكون القمر مسؤولاً عن الحياة ذاتها؟

دورالقمر في نشأة الحياة

من جهة، قد تكون الحياة تشكلت حول فوهات المياه الحارة في المحيطات، وعندها يكاد ينعدم دور المد والجزر في ذلك. أما إذا تشكلت ضمن مياه المد والجزر يكون لقمرنا دور رئيسي في ذلك.

تشكل الحموض النووية الريبية الDNA والRNA أساسيات الحياة التي نعرفها. وهي غالباً أخذت وتطورت من مجموعة كبيرة متنوعة من جزيئات «الحموض النووية الأولية-protonucleic acids»، ولكن لأجل أن تتطور منها يجب أولاً أن تكون قادرة على الاستنساخ. الأمر الذي يتضمن تنظيم عملية النسخ عن طريق تجمع الجزيئات وتفككها دورياً.

وبما أن اليوم الأرضي كان حوالي 12 ساعة في ذلك الوقت؛ وفر ذلك مد وجزر أسرع وذو نطاق أوسع، حيث غطت المياه الأرض الحارة فتبخرت وزاد تركيز الملوحة عند الجزر. أمنت هذه البيئة المالحة مكاناً مناسباً للحموض النووية الأولية لترتبط وتتجمع في جزيئات خيطية.

أما عند حدوث المد؛ فستتفكك هذه الجزيئات نتيجة انخفاض تركيز الملح، ويعتقد أن آلية الاستنساخ هذه أسهمت في تشكيل الDNA من الحموض النووية الأولية.

تأثيره على حياتنا اليوم

طول اليوم

دارت الأرض بشكل أسرع في المراحل الأولى من عمرها، ولكن بفضل جاذبية القمر؛ تباطأ دوران الأرض تدريجياً مع ابتعاده في مدارات أعلى وأعلى فحصلنا على يوم طوله 24 ساعة.

أما بدونه فستهب الرياح بسرعة 100 متر في الساعة، وسيصبح طول اليوم حوالي 8 ساعات، مما سيؤثر على أنماط نوم واستيقاظ وحياة الأحياء.

الفصول المستقرة

يعتقد أن الاصطدام العنيف الذي شكّل القمر أمال محور الأرض 23.5 درجة مما تسبب في حدوث ظاهرة الفصول الأربعة. كما أن وجود القمر يساعد في الحفاظ على استقرار هذا الميلان فيتغير بحوالي 3 درجات فقط كل 41000 سنة.

بدون وجوده؛ لاستمر محور الأرض بالتذبذب بين 0 و 80 درجة عبر العصور. وما كان للحياة أن تتكون تحت هذه الظروف المناخية القاسية إلا إن كانت بكتيريا وأشكال الحياة الأولية فقط.

ضوء القمر

يعكس القمر ضوء الشمس مثلما تفعل الكواكب. ورغم تبيان دراسات إحصائية دقيقة عدم وجود أية علاقة بين البدر والسلوكيات الغريبة، إلا أن ضوءه يسهل الرؤية على البشر والحيوانات، وقد سجلت الدراسات تغيرات في معدل نجاح عمليات الافتراس عند الحيوانات المفترسة بسبب الضوء المضاف.

أطوار القمر

لطالما ألهم القمر وأطواره المتغيرة القصص والأساطير والأغاني والقصائد وحتى الكلمات مثل كلمة «Month»  الانكليزية والتي تعني شهر. كما استعين به لتحديد الوقت في التقويم القمري.

ويجدر الذكر أن القمر ذاته لا يتغير، وإنما المقدار الذي نراه منه عند النظر من الأرض هو ما يتغير خلال دورة تتكرر كل شهر.

تأثير القمر في النهضة العلمية

أحدث القمر ثورة علمية حقيقية. فرؤية غاليليو لسطح القمر الخشن عن طريق تلسكوبه زعزع الإيمان السائد عن كمال السماء. كما أن الأحجار القمرية المجلوبة في مهمات «أبولو-Apollo» أزاحت الستار عن أصل الفوهات القمرية وكذلك الموجودة على عطارد والزهرة والمريخ. بالإضافة لأهمية ذلك في معرفة كيفية تشكله.

وأخيراً؛ إذا كان القمر جزءاً أساسياً من عملية تطور الأحياء على كوكبنا، ربما يجدر بنا الأخذ بوجود قمر مماثل كمعيار في بحثنا عن حياة أخرى في الكون…

المصادر:
ScientificAmerican
LPI

أدلة التطور: مشاهدة التطور في المعامل

هذه المقالة هي الجزء 3 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

كثيرًا ما يثير معارضو التطور تساؤل “لماذا لا نشاهد التطور يحدث الآن؟”، وغالبًا ما تكون الإجابة على هذا التساؤل هي أن التطور يحدث على مدى أجيال كثيرة وفترات زمنية طويلة. هذه إجابة صحيحة، إلا أنها غير مكتملة. فالتجارب المعملية أثبتت مرارًا وتكرارًا أن التطور قابل للرصد، وأصبح بمقدورنا مشاهدة التطور في المعامل. تعالوا معنا نستعرض بعضًا من هذه التجارب.

بكتيريا E.coli

في عام 1988، قام عدد من الباحثين من «جامعة ولاية ميتشيجن-Michigan state university» بعمل تجربة على 12 مجموعة من البكتيريا من نوع “Escherichia coli”. قاموا بوضع ال 12 مجموعة في بيئة تحتوي على القليل من ال «جلوكوز-Glucose» و«السترات-Citrate»، وهي مادة لا تستطيع بكتيريا ال E.coli الاستفادة منها غذائيًا في الظروف الطبيعية. وتكاثرت مجموعات البكتيريا في هذه البيئة لآلاف من الأجيال، إلى أن حدثت المفاجأة!

اكتسب الجيل رقم 31,500 قدرة على التمثيل الغذائي للسترات، وهو أمر يدعو للدهشة. إذ يتعرّف العلماء على بكتيريا E.coli عن طريق فشلها في التمثيل الغذائي للسترات، فهي صفة مميزة لها. إلا أن تلك الصفة تطورت لدى فرد واحد، خلية واحدة، من ال 12 مجموعة التي أُجريت عليها التجربة. نجح ذلك الفرد بسبب البيئة الغنية بالسترات في الانقسام الانتشار إلى أن أصبحت صفة لجماعة من البكتيريا. تعد هذه التجربة واحدة من المرات التي استطعنا فيها مشاهدة التطور بأنفسنا في المعامل واختباره. [1]

ذباب الفاكهة تحت تأثير الجفاف

في تجربة علمية، تعرضت 5 مجموعات من ذباب “Drosophila melanogaster” المعروف في اللغة الدارجة باسم «ذباب الفاكهة-Fruit flies» للجفاف لما يزيد عن 200 جيل. نتج ذلك الجفاف عن زيادة في قدرات الذباب على النجاة من تأثيرات الجفاف القاتلة. بالإضافة إلى تطور بعض الصفات الفسيولوجية، مثل تفضيلها لتخزين الكربوهيدرات، وقلة مخزونها الاحتياطي من الدهون، وزيادة ملحوظة في حجم الدم. أدت تلك التغيرات إلى زيادة محتوى الصوديوم والكلورين خارج خلاياها، وتُعد هذه الصفات مميزة إذا ما قورنت بباقي أفراد بني جنسها.

وها نحن ذا نشاهد مرة أخرى كيف أكسب التطور صفات جديدة لجنس محدد، ليتناسب مع بيئته. وأيضًا تمكنا من مشاهدة التطور في المعامل. [2]

ذباب الفاكهة في الظلام

في 11 نوفمبر لعام 1954، قام عالم البيئة الياباني “سيوتي موري -Syuiti Mori” بتغطية مستعمرة من ذباب الفاكهة بقطعة من القماش الداكن. أطلق موري بذلك واحدة من أطول تجارب علم الأحياء التطوري.

وبعد 61 عام (أي بعد 1,500 جيل)، تعرّف الباحثون على عدد كبير من التغيرات والتنوعات الجينية التي قد تساعد نسل الذباب (الذي أُجري عليه التجربة عام 1954) على مواكبة الحياة في الظلام.

طوّرت هذه المجموعة صفات جديدة لتساعدها على التعايش مع بيئتها المظلمة الجديدة. إذ أصبحت تمتلك شعيرات رأس أطول (مقارنة بذباب الفاكهة العاديّ)، علمًا بأن ذباب الفاكهة يستخدم هذه الشعيرات كحسّاسات لمصادر الضوء. كما امتلكت حاسة شم أقوى، وأظهرت تفوّقًا ملحوظًا في العثور على شريك جنسي في الظلام مقارنة بأنواع الذباب العاديّة.

إلا أنها احتفظت ببعض صفات أسلافها، فعلى الرغم من حياتها في الظلام إلا أنها ما زالت تنجذب ناحية الضوء. كما حافظت على «دورتها اليومية-Circadian cycle» وهي الدورة المسئولة عن تحديد مواعيد النوم والاستيقاظ.

وهذه الصفات المكتسبة لدى «ذباب الظلام-Dark flies» دليل على التطور، حيث ساقت الظروف البيئية الجديدة ذباب الفاكهة لتطوير صفات جديدة لتتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، وهذه التجربة توضح لنا كيف نستطيع مشاهدة التطور في المعامل. [3]

المصادر

[1] PNAS
[2] Oxford
[3] Nature

الأدلة على التطور من علم الأجنة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يهتم «علم الأجنة-Embryology» بدراسة مراحل تكوّن أجنة الكائنات الحية ودراسة تحولاتها أثناء تلك المراحل [1]. ويقدّم علم الأجنة أدلة قوية دامغة على التطور، ولعل من أوائل من حاولوا الربط بين فكرة التطور وعلم الأجنة هو العالم الألماني «إرنست هيكل-Ernst Heackel». رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه مشابهة لأسلافه في مرحلة البلوغ. عرف هذا ب«التلخيص-Recapitulation»، وهذا لأن الجنين – وفقًا لرأي هيكل – يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه [2]. إلا أن هذه الفكرة ليست صحيحة علميًا، فنحن لا نرى مثلًا أجنة الحيوانات البريّة تشابه الأسماك البالغة في أي من مراحل تكوّنها (علمًا بأن الحيوانات البرية تطورت من الأسماك). ولكن لا تؤثر فرضية هيكل لا على نظرية التطور ولا علم الأجنة، ويبقى علم الأجنة محافظًا على موقعه كأحد أقوى فروع العلوم الداعمة للتطور. يُدرس علم الأجنة لطلاب الطب والمتخصصين في النساء والتوليد في كل كليات الطب في العالم تمامًا كما هي نظرية التطور. فتعالوا معنا نتعرف على الأدلة على التطور من علم الأجنة.

كيف يدل علم الأجنة على التطور؟

هل تساءلت يومًا عن سر وحدة مراحل تكوّن الجنين البشري على سبيل المثال؟ فمراحل تكوّن الجنين واحدة لدى جميع الأجنة البشرية، ولكن ما السر وراء هذا؟

تكمن الإجابة في أننا لا نرث من آبائنا وأمهاتنا الصفات الوراثية فحسب، بل نرث منهم كذلك مراحل التكوين. فالجينات تحمل التعليمات والإرشادات التي تقود الجنين للتحول من مجرّد خلية حية إلى كائن مكتمل النمو [3]. وبناء على ذلك، إذا افترضنا تطوّر الكائنات الحية من أنواع أخرى، فيجب أن نرى تكوّن بِنىً جنينية مشتركة بين الكائنات وأسلافها. على سبيل المثال، إذا قلنا أن الحيوانات الأرضية تطورّت من الأسماك، فيجب أن نرى بِنىً جنينية سمكية تتكون لدى أجنة الحيوانات الأرضية (لأنها تحمل الجينات الحاملة لتعليمات تكوين أجنة الأسماك). قد تبدو فكرة غريبة، ولكن تعالوا لنرى الأدلة.

ذيل الإنسان

تمتلك معظم الثدييات ذيولًا تساعدها على التوازن أثناء الحركة، إلا أن البشر عندما اكتسبوا صفة المشي المنتصب فقدوا الحاجة إلى وجود ذيل. وها نحن ذا لا نرى ذيولًا في أجسامنا، ولكن هل نحن حقًا بلا ذيول؟

أثناء الأسبوعين الرابع والخامس من عمر الجنين البشري نلاحظ امتلاك الأجنة البشرية لذيول يبلغ طولها 1/6 طول جسم الجنين. كما نلاحظ أن هذه الذيول تحتوي على عدد من الفقرات يتراوح ما بين 10 و 12 فقرة. إلا أنه بحلول الأسبوع الثامن يبدأ الجنين في فقدان هذا الذيل تدريجيًا ليضمر ويتحول إلى «العصعص-Coccyx» وهو عبارة عن ذيل ضامر. [4]

فها نحن ذا نرى بِنية جنينية ورثنا تعليمات تكوينها من أقاربنا من الثدييات ذات الذيول.

حقوق الصورة: quizlet

«الشقوق الخيشومية-Gill slits»

تمتلك الأجنة البشرية وغيرها من أجنة الفقاريات التي لا تعيش في المياه في بداية مراحل تكوّنها بِنىً تُعرف ب «الشقوق الخيشومية-Gill slits». وهي البِنى التي تتطور وتنمو في أجنة الأسماك لتصبح خياشيمًا تساعدها على التنفس. وعلى الرغم من عدم تنفس الإنسان والحيوانات غير المائية بواسطة الخياشيم إلا أن أجنتها ما زالت تحمل هذه الشقوق الخيشومية كبصمة تدلنا على أسلافنا السمكية. [5]

ولكن هذه الشقوق الخيشومية لا تنمو لتصير خياشيمًا في الثدييات. فكما نرى، لا تستخدم الحيوانات غير المائية الخياشيم في التنفس، فإلى ماذا تتحول هذه الشقوق؟

تنشأ من الشقوق الخيشومية لدى الأجنة البشرية وغيرها من الثدييات تراكيبًا مختلفة كالفك، و«عظام الأذن الداخلية-Inner ear bones» التي تلعب دورًا حيويًا في قدرتنا على السمع. [6]

حقوق الصورة: anatomy book

أرجل الثعابين

على الرغم من كون الثعابين تزحف على بطنها للحركة، إلا أنها مُصنّفة ضمن «رباعيات الأطراف-Tetrapods». وهي الحيوانات التي تمتلك أربعة أطراف، ولكن كيف لنا أن نضعها في هذا التصنيف على الرغم من عدم امتلاك الثعابين لأية أطراف سواء أمامية أو خلفية؟

أحد الأسباب هو أن أجنة الثعابين تمتلك براعم أطراف في أول 24 ساعة من تكوّنها. فعلى سبيل المثال، تنمو لأجنة «الأصلات-Pythons» في ذلك الوقت القصير عظام أطراف خلفية مثل «عظمة الفخذ-Femur»، و«قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». لا تنمو عظام الأطراف بما يكفي لتصير أطرافًا مكتملة النمو، فسرعان ما تبدأ في التحلل. [7]

حقوق الصورة: livescience


وجدير بالذكر هنا أن الأصلات البالغة بالفعل تمتلك عظام أرجل ضامرة مدفونة في العضلات الموجودة بالقرب من نهاية ذيلها. فهي أحد الأعضاء الضامرة التي تدل هي أيضًا على التطور. [8]

وهو ما يشير إلى تطوّر الثعابين من رباعيات الأطراف، حيث أنها ما زالت تحمل تعليمات لتكوين الأطراف على الرغم من أنها تزحف على بطنها، وهذا يعد واحدًا من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة.

أصابع الأحصنة

تمتلك رباعيات الأطراف خمسة أصابع في أطرافها، ولكن إذا نظرنا إلى حيوان مثل الحصان (وهو رباعي الأطراف) وجدناه يمتلك إصبعًا واحدًا. فهل هو فعلا إصبع واحد؟ لنتتبع مسار نموه الجنيني لنرى!

يبدأ الحصان بامتلاك خمسة أصابع في أطرافه، إلا أن الإصبع الأول يلتحم مع الإصبع الثاني. كما يلتحم الإصبع الرابع مع الخامس، ليكوّن كل زوج من هذه الأصابع الملتحمة «عظمة جبيرة-Splint bone». ثم يكمل الإصبع الثالث (الأوسط) نموه ليكون هو الحافر. وهنا يأتي السؤال المهم، لماذا يبدأ جنين الحصان بنمو خمسة أصابع إن كان سينتهي بإصبع واحد؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا في ضوء تطور الحصان من رباعيات أطراف كانت تمتلك خمسة أصابع. [9] وهذا ما يكسب نظرية التطور قوتها كأي نظرية علمية، وهو قدرتها التفسيرية والتنبؤية.

حقوق الصورة: whyevolutionistrue

جماجم الطيور والديناصورات

بتنا نعلم أن الطيور تطورت من ديناصورات، ولكن تقع هنا مشكلة، حيث أنه عند فحص أحافير الديناصورات، نجد امتلاك الديناصور لعظمتين في جمجمته هما «العظمة الأمامجَبهِية-Prefrontal bone»، و«العظمة الخلفمِحجَرية-Postorbital bone». هاتان العظمتان لا وجود لهما في جماجم الطيور الحديثة، فأين ذهبت هذه العظام؟

عند فحص أجنة الطيور سنجد هاتين العظمتين في جماجم أجنة الطيور، إلا أنهما تلتحمان مع عظام الجمجمة الأخرى لتكوين العظام الأنفية والجبهية. كما أن التحام هاتان العظمتان بعظام الجمجمة الأخرى سمح بزيادة حجم العينين وزيادة حجم أدمغة هذه الطيور. [10]

ويُعد نمو هاتين العظمتين لدى أجنة الطيور أثرًا يمكننا الاستدلال به على تطور الطيور من الديناصورات. إذ أن الديناصورات قد أورثت الطيور الجينات المسئولة عن تكوين هاتين العظمتين أثناء مرحلة النمو الجنيني.

أصابع الطيور

تختلف الطيور عن الفقاريات في عدد الأصابع حيث تمتلك الطيور في أجنحتها ثلاثة أصابع، إلا أنها كرباعيات أطراف (الفئة التي تنتمي الطيور إليها) هي امتلاك خمسة أصابع. فكيف هذا؟

عند فحص أجنة الطيور نجد أن أصابعها في بداية نموها تكون خمسة أصابع. ثم تبدأ هذه الأصابع في الالتحام مع بعضها البعض لتصير ثلاثة بدلًا من خمسة. فالثلاثة أصابع الموجودة في أجنحة الطيور هي عبارة عن خمسة أصابع ملتحمة مع بعضها البعض. هذا أيضًا واحد من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة [11]

عضلات الزواحف في جسم الإنسان

تمتلك الزواحف في أيديها عضلات تُدعى “Dorsometacarpales”. وقد اكتشف نمو هذه العضلة في أيادي الأجنة البشرية، ولكنها سرعان ما تختفي أو تلتحم مع عضلات أخرى. يدل هذا على انحدار الثدييات (ونحن منهم) من الزواحف، حيث ورثنا منهم الجينات التي تعطي الأوامر والتعليمات للسماح بنمو هذه العضلة في أيدي الأجنة البشرية على الرغم من عدم وجودها لدى البشر البالغين. [12]

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3] University of Leicester
[4] NCBI
[5] britannica
[6] Lumen learning
[7] Livescience
[8] American Museum Of Natural History
[9] Royal Society
[10] Nature
[11] Genome Biology
[12] Livescience

الأدلة السلوكية على التطور

هذه المقالة هي الجزء 1 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن ناقشنا في الجزء الأول الأدلة التشريحية على التطور، ثم انتقلنا إلى مناقشة الأعضاء الضامرة في الجزء الثاني، ورأينا من خلال هذين الجزئين كيف يمكننا أن نتتبع آثار التطور في أجسامنا، نحن اليوم على موعد مع مقال قصير نستعرض فيه بعض السلوكيات التي تسلكها أجسامنا والتي تدلنا على التطور، فما هي الأدلة السلوكية على التطور؟

«القشعريرة – Goosebumps»

عندما نشعر بالبرد ينتصب شعر أجسادنا (يكون ملحوظًا في شعر اليدين)، ونُصاب بالقشعريرة. تحدث القشعريرة بسبب انقباض «العضلات المُقِفّة للشعرة-Arrector pilli muscles»، الموجودة في بصيلات الشعر. يتسبب ذلك الانقباض في انتصاب شعر أجسادنا، ولكن ما هو التفسير التطوري للقشعريرة؟

يمكننا تتبع نفس السلوك (القشعريرة) في أقربائنا من الثدييات لمعرفة وظيفته. فمعظم الثدييات تمتلك الكثير من الشعر، ولذا فعندما تشعر بالبرد وتُصاب بالقشعريرة، ينتصب الشعر الذي يكسو أجسامهم. يتسبب انتصاب الشعر باحتباس الهواء لتشكيل طبقة عازلة للحد من تدفق الحرارة خارج أجسامهم، وهو ما يحميهم من البرد. ولهذا ما زلنا نصاب بالقشعريرة وقت شعورنا بالبرد على الرغم من عدم مساهمة ذلك في الحفاظ على دفء أجسامنا. فالبشر قد فقدوا الكثير من الشعر على أجسامهم عند تطورهم من سكن العراء إلى الكهوف والمنازل. [1]

«الحازوقة – Hiccups»

قد يكون موقفًا محرجًا عندما تصاب بالحازوقة في مكان عام أو وسط محادثة. ولكي نفهم سبب إصاباتنا بالحازوقة (التي لا يبدو أن لها أي وظيفة) علينا أولًا أن نفهم كيف تحدث؟

تحدث الحازوقة عند حدوث انقباض مفاجئ في الحجاب الحاجز، مصحوبًا بصعود الجزء الخلفي من اللسان مع سقف الفم للأعلى وانغلاق الأحبال الصوتية. تتسبب تلك الحركات في صوت الحازوقة المعروف، ولكن ما علاقة التطور بهذا؟

نتشارك آلية الحازوقة مع «البرمائيات-Amphibians»، لنأخذ «الشرغوف-Tadpole» على سبيل المثال. يتنفس الشرغوف في المياه عن طريق ملء فمه بالماء، ثم ينقبض «لسان المزمار-Glottis». يقوم الشرغوف بدفع المياه إلى الخارج عن طريق الخياشيم. ليست هذه الآلية حكرًا على الشرغوف فقط، وإنما يتشارك معه فيها أسماك «الغار-Gar»، و«السمكة الرئوية-Lungfish»، والعديد من البرمائيات ذات الخياشيم.

ومن العجيب أن تعلم أننا لا نتشارك الحازوقة مع البرمائيات في الآلية وحسب، بل حتى في الإشارات الكهربائية الدماغية. حيث أن انقباض الحجاب الحاجز والحازوقة يُستثاران بإشارات كهربائية تُوّلَد في «جذع الدماغ-Brain stem». إلا أن جذع الدماغ عند البرمائيات يوّلد إشارات كهربائية مشابهة لهذه التي تسبب الحازوقة عندنا، لتكون مسئولة عن حركة الخياشيم المنتظمة.

فقد ورثنا الحازوقة من أسلافنا من البرمائيات التي كانت تتنفس عن طريق خياشيمها. يعد هذا أحد الأدلة السلوكية على التطور. [2]

«منعكس القبض الراحي – Palmar grasp reflex»

تنقبض أيادي الرضع حول أي شيء يلامس أسطح أيديهم. وكغيره من السلوكيات المذكورة أعلاه، فله أصل تطوري، حيث أن رد الفعل هذا يكون مفيدًا في صغار القرود ليساعدهم على التشبث في شعر أجساد أمهاتهم. إلا أنه لم يعد يؤدي وظيفته الرئيسية الآن، فالجسم البشري لا يملك كمية الشعر الكافية التي تسمح بتشبث الأطفال فيه. كما أظهرت بعض الأبحاث قدرة قبضة الأطفال على حمل وزن أجسامهم لمدة 10 ثوانٍ إذا ما تعلق بقضيب أفقي، إلا أن الأطفال لا يحتاجون إلى قبضة بهذه القوة. لذلك يعد هذا من الأدلة السلوكية على التطور. [3]

المصادر

[1] NIH
[2] livescience
[3] britannica

أدلة التطور: الأعضاء الضامرة

هذه المقالة هي الجزء 6 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن تعرفنا في الجزء السابق من هذه السلسلة على بعض من أدلة التطور التشريحية، سنستعرض اليوم نوعًا آخر من أدلة التطور التي يمكننا أن نراها بأعيننا في أنفسنا، وهي الأعضاء الضامرة.

تعريف الأعضاء الضامرة

وفقًا لموقع (biologyonline)، فإن «الأعضاء الضامرة-Vestigial organs» هي أعضاء موجودة في جسم الكائن الحي فاقدة لوظيفتها أو تقوم بوظيفة أخرى غير وظيفتها الرئيسية [1]، ولكن من أين لنا أن نعرف الوظيفة الأصلية لهذه الأعضاء لكي نحدد أن وظيفتها قد تغيرت؟

نستطيع معرفة الوظيفة الأصلية للأعضاء الضامرة عن طريق مقارنتها تشريحيًا ووظيفيًا بالأعضاء المشابهة في الكائنات الأخرى، وبناء عليه يمكننا تحديد ما إذا كان العضو ضامرًا أم لا، لنستعرض أمثلة للتوضيح.

طيور لا تطير

جميعنا نعلم أن وظيفة الأجنحة عند الطيور هي الطيران، ولكن ماذا إن كان الطائر لا يطير؟ فما فائدة الأجنحة في هذه الحالة؟

ولكي نطبق ما ذكرناه سابقًا، سنقوم بالمقارنة بين وظائف هذه التراكيب والأعضاء وبين الأعضاء المشابهة لها في الكائنات الأخرى لنرى ما إذا كانت ضامرة أم لا، وما دلالة هذا الضمور؟

النعام

قد تنمو النعامة ليصل طولها إلى 2.5 متر، ويزيد وزنها عن 135 كيلوجرام، وتستطيع الجري بسرعة 72 كم/ساعة، إلا أنها لا تستطيع الطيران. فأجنحة النعامة صغيرة نسبيًا مقارنة بحجم جسدها [2]، كما أن تلك الأجنحة أضعف من أن ترفع النعامة ذات الوزن الثقيل عن الأرض. إلا أن النعامة قامت بتوظيف أجنحتها في أشياء أخرى، كاستخدامها للتظليل على بيضها الكبير نسبيًا. تبقى وظيفة الأجنحة في الطيور الأخرى الطيران، وليست التظليل على البيض أو الحفاظ على التوازن أثناء الجري.

البطريق

تُعد البطاريق من الطيور التي لا تطير، حيث تمتلك ريشًا ومناقيرًا وأجنحة كذلك. لكن لا تستخدم البطاريق أجنحتها في الطيران، وإنما تستخدمها في السباحة أثناء الصيد.

ونلاحظ من الصورة السابقة أنه على الرغم من التشابه الوظيفي بين أجنحة الطيور وزعانف الأسماك (كلاهما يُستخدم في السباحة) إلا أنها لا تتشارك نفس التشريح الداخلي مع الزعانف. ولكن تتبع النمط الذي ناقشناه في الجزء السابق المكون من عظمة، ثم عظمتين، ثم عدد من العظام، ثم الأصابع. يدل هذا على أن الأطراف الأمامية للبطاريق هي أجنحة ضامرة. [2] , [3]

«الإيمو-Emu»

قد تبلغ طيور الإيمو ارتفاع 1.8 متر، ووزنًا يقارب ال 50 كيلوجرام، إلا أنه أجنحتها صغيرة جدًا لتمكينها من الطيران. فأجنحة طائر الإيمو تبلغ من الطول 20 سم فقط، أي أن أجنحتها تكاد لا تكون ظاهرة من الأساس.

ويستخدم طائر الإيمو أجنحته هذه في الرفرفة أثناء الجري ليوازن جسده، ولكن كما ذكرنا مسبقًا أن الوظيفة الأصلية للأجنحة هي الطيران. وبالتالي فأجنحة الإيمو تُعد من الأعضاء الضامرة. [4]

«الكاكابو-Kakapo»

الكاكابو هو النوع الوحيد من الببغاوات غير القادرة على الطيران، فأجنحتها القصيرة لا تقدر على حملها، وإنما تستخدمها للتوازن. كما تمتلك الكاكابو ريشًا ناعمًا مقارنة بالطيور الأخرى، فهي لا تحتاج الريش القوي الذي يمكّن الطيور من الطيران.

وكما لاحظت، فلم نذهب بعيدًا لمقارنة ببغاء الكاكابو بطيور أخرى، وإنما قمنا بمقارنته بأبناء نوعه من الببغاوات. وتبينّا من هذا أن أجنحة الكاكابو من الأعضاء الضامرة. [5]

«غاق الجالاباجوس-Flightless cormorant»

مقارنة بأنواع طيور الغاق الأخرى، يُعد غاق الجالاباجوس أثقلهم وزنًا، وكذلك النوع الوحيد الذي لا يطير من بين 29 نوع. وتمتلك أجنحة ضامرة بثلث حجم الجناح الذي يحتاجه غاق الجالاباجوس ليتمكن من الطيران. أدى الانتخاب الطبيعي لضمور هذه الأجنحة نظرًا لعدم وجود عدد كبير من المفترسات الأرضية في بيئته، فاختار الانتخاب الطبيعي الطيور السبّاحة لتمرير جيناتها. ولكن هل يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة؟

لا يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة حتى، وإنما يضمهم إلى جانبيه ويستخدم أرجله في الدفع تحت الماء.

في الطيور المائية، تُغطى الأجنحة بطبقة من الزيت لتشكل طبقة عازلة بين الريش وبين الماء. تعمل تلك الطبقة العازلة على الحفاظ على مرونة الريش وعدم انكساره. إلا أن أجنحة غاق الجالاباجوس لا تنتج ما يكفي من الزيت لحماية أجنحته من الماء، ولهذا يقوم بفرد أجنحته بعد السباحة للاعتماد على أشعة الشمس في تجفيف أجنحته. [6]

وكما نرى فأجنحة غاق الجالاباجوس ليس لها أي فائدة تُذكر، بل إنها حتى قد تشكل عائقًا له. مما يجعل من أجنحة غاق الجالاباجوس عضوًا ضامرًا بامتياز.

ذيل الإنسان

تستخدم معظم الثدييات ذيولها من أجل التوزان أثناء الحركة، ولكن بعد أن تعلمنا السير على قدمين فقد الذيل وظيفته، فضمر وأصبح ما يُعرف الآن ب «العصعص-Coccyx». مما يعني أن العصعص عبارة عن ذيل ضامر. [7]


وتتصل بعض «عضلات القاع الحوضي-Pelvic floor muscles» بالعصعص، إلا أن هذه العضلات تمتلك «نقاط اتصال-Attachement points» أقوى من نقطة اتصالها مع العصعص، وعلى أي حال فإن الوظيفة الأساسية للذيل هي التوازن، ولهذا يُعد العصعص من الأعضاء الضامرة.

الجفن الثالث

انظر إلى عينك في المرآة، هل ترى هذه النقطة الحمراء في الزاوية باتجاه أنفك؟

هذه هي بقايا ما يُعرف ب «الغشاء الناري-Nictitating membrane»، وهو شائع لدى الطيور وبعض الثدييات كجفن ثالث. يعمل الجفن الثالث عند الطيور كوسيلة حماية للعين ضد الرياح المحملة بالأتربة، لكنه لا يعمل لدى الإنسان. مما يعني أن الجفن الثالث عضو ضامر، حيث أنه لا يؤدي وظيفته الأصلية.

ولا يمكن تفسير وجود هذا الجزء في جسم الإنسان إلا في ضوء التطور من سلف مشترك بيننا وبين الكائنات التي ما زال الغشاء الناري محتفظًا فيها بوظيفته. [8]

«ضرس العقل-Wisdom tooth»

مع تطور الإنسان ونشوء الحضارة، تغير نظامه الغذائي، فاتجه إلى استهلاك الأطعمة الناعمة الطرية بدلًا من الأطعمة الصلبة والنيئة التي كان يأكلها أسلافنا. وهو ما أدى إلى انعدام الحاجة إلى فك كبير وقوي. فتضاءل حجم فك الإنسان تدريجيًا، مما يجعل من ضرس العقل عضوًا ضامرًا، حيث أننا لم نعد بحاجة إليه. ولهذا يتسبب نمو ضرس العقل بالآلام وكافة أنواع المشاكل لبعض البالغين. كما يعتبر درس العقل دليلًا قويًا على تطور فك الإنسان وتغيره على مر الزمن. [8]

«العضلات الأذنية-Auricular muscles»

العضلات الأذنية هي التي تتضمن «عضلة الأذن الأمامية-Anterior auricular muscle»، و«عضلة الأذن العلوية-Superior auricular muscle»، و«عضلة الأذن الخلفية-Posterior auricular muscle». وتتحكم هذه العضلات الثلاث بحركة «صيوان الأذن-Ear penna» (الجزء الظاهر من الأذن). وتستخدم الثدييات هذه العضلات في تحريك آذانها لتحديد مواقع الأصوات أو للتعبير عن المشاعر، ولكن هذه العضلات بلا وظيفة في جسم الإنسان. حيث يستطيع الإنسان التعرف على مصادر الأصوات عن طريق تحريك رأسه. إلا أن بعض الناس يمكنهم تحريك آذانهم، فإن كنت منهم، فاعلم أن هذه بقايا تطورية من أسلافك القدامى. [8]

المصادر

[1] biologyonline
[2] britannica
[3] allaboutbirds
[4] nationalgeographic
[5] wired
[6] galapagos
[7] livescience
[8] britannica

الأدلة التشريحية على التطور

هذه المقالة هي الجزء 5 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

ما لبث أن نُشر كتاب أصل الأنواع لعالم الأحياء البريطاني «تشارلز داروين-Charles Darwin» في 24 نوفمبر عام 1859 حتى أثير الجدل حول أطروحات داروين في هذا الكتاب. واليوم تعد نظرية التطور إحدى أساسيات علم الأحياء، فالتطور حقيقة لا جدال فيها. قد تتغير بعض تفاصيل هذه الحقيقة كأي نظرية علمية، لكن صورتها الكلية المُفسرة لتباين الأنواع والفصائل هي الصورة العلمية الوحيدة المقبولة اليوم في الوسط العلمي. ويتبين لنا هذا من مجموعة ضخمة من الأدلة من مختلف فروع العلوم، ولهذا قمنا بتخصيص هذه السلسلة لعرض أدلة التطور المختلفة، واليوم سنناقش بعضًا من الأدلة التشريحية على التطور.

ولكن لكي نرى هذه الأدلة التشريحية علينا أن نعرف ما هو العلم الذي يختص بهذا النوع من الأدلة.

«التشريح المقارن-Comparative anatomy»

وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، فإن التشريح المقارن هو دراسة البِنى الجسدية للحيوانات المختلفة في سبيل معرفة المسار التطوري الذي سلكته في انحدارها من الأسلاف المشتركة [1]. وبناء عليه قام العلماء بتقسيم البِنى التشريحية المشتركة بين الكائنات الحية إلى قسمين، وهما «البِنى المتناددة-Homologous structures»، وهي البِنى التي تؤدي وظائف مختلفة في كائنات حية مختلفة ولكنها تمتلك تركيبة متشابهة، والقسم الثاني هو «البِنى المتماثلة-Analogous structures» وهي البِنى التي تؤدي وظائف متشابهة بين الكائنات الحية ولكنها تمتلك تراكيبًا مختلفة نظرًا لاختلاف المسلك التطوري لدى الكائنات المختلفة. [2]

والآن بعد أن عرفنا ما هو التشريح المقارن، لنستعرض بعضًا من الأدلة التشريحية على التطور.

الأطراف الأمامية للفقاريات كأحد الأدلة التشريحية على التطور

تخيل معي عزيزي القارئ هذه البِنى المختلفة، زعنفة حوت، وجناح طائر، والأطراف الأمامية لكلب، وذراع إنسان.

تمتلك كل بنية من هذه البِنى وظائف هي أبعد ما تكون عن التشابه. فالحوت يستخدم زعانفه في السباحة، بينما تستخدم الطيور أجنحتها في الطيران، وتستخدم الكلاب أطرافها الأمامية في الحركة. بينما يستخدم الإنسان ذراعيه في الإمساك بالأشياء وحملها، إلا أن هذه البِنى المختلفة تمتلك نمطًا تشريحيًا متشابهًا!

أذرع كائنات حية مختلفة، كل لون يظهر عظمة معينة هي نفسها في كل الكائنات.

في الصورة المرفقة أعلاه يمكنك ملاحظة التشابه، حيث تتكون الأطراف الأمامية لهذه الكائنات الأربعة من عظمة كبيرة وهي عظمة «العضد-Humerus» (باللون البرتقالي)، ثم عظمتين وهما عظام «الساعد والزند-Radius and Ulna» (باللونين الأحمر والأبيض)، ثم عدد من العظام وهي عظام «الرسغ-Carpals» (باللون الأصفر)، ثم تنتهي ب «مشط اليد والأصابع-Metacarpals and Phalanges» (باللون البني)، وهو ما يدل على تطور هذه البِنى من بنية أبسط للأطراف الأمامية. [3]

ويمكنك ملاحظة أنه على الرغم من امتلاك وظائف مختلفة إلا أن هذه الأطراف الأمامية تمتلك نفس النمط التشريحي، وبالطبع هناك اختلافات لتساعد كل كائن على التكيف مع بيئته، فنرى أن عظام أصابع الحوت طويلة نسبيًا مقارنة بباقي الكائنات المذكورة لمساعدتها على السباحة.

الأطراف الخلفية للفقاريات كأحد الأدلة التشريحية على التطور

كما هو الحال مع الأطراف الأمامية للفقاريات، كذلك هي الأطراف الخلفية، فهي أيضًا تمتلك نمطًا تشريحيًا متشابهًا في كائنات مختلفة.

الأطراف الخلفية لكائنات حية مختلفة

وكما نلاحظ في الصورة أعلاه، فعلى الرغم من الاختلاف الظاهري لكل من الأطراف الخلفية للإنسان والشيمبانزي والكلاب والخِراف والأحصنة، إلا أنها تمتلك نمطًا يتكون من عظمة كبيرة وهي «عظمة الفخذ-Femur»، ثم عظمة في المنتصف وهي «الرضفة-Patella»، ثم عظمتين هما «قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». وكما قد تكون لاحظت فهي ليست متطابقة، إذ توجد اختلافات بينها لتناسب بيئتها، ولكنها في النهاية تتبع نمطًا موحدًا. [4]

«الفقرات العنقية – Cervical vertebrae» كأحد الأدلة التشريحية على التطور

أحد أكثر الأمور إثارة للدهشة هو عدد الفقرات العنقية في الثدييات، حيث تمتلك كل الثدييات نفس ال 7 فقرات عنقية مرتبة من الأعلى إلى الأسفل (C1, C2, C3, C4, C5, C6, C7)، وهذا الرقم ثابت سواء كان الحيوان الثديي حوتًا أو زرافة أو إنسانًا. فالزرافة البالغ طول عنقها 1.8 متر تمتلك نفس العدد من الفقرات في عنقها الذي يمتلكه الإنسان الذي يبلغ متوسط طول عنقه 12 سم. يشير هذا التشابه إلى وحدة الأصل الذي تتشاركه الثدييات، وما يمكننا اعتباره أحد الأدلة التشريحية على التطور. فالرقم ثابت مهما زاد طول العنق أو قصر. [5]

وتُعد كل من «حيوانات الكسلان-Sloths»، و«خِراف البحر-Mantees» هي الاستثناءات الوحيدة المعروفة لهذه القاعدة. فيمتلك حيوان الكسلان من 8 إلى 10 فقرات عنقية حسب النوع [6]، بينما لا يمتلك خروف البحر رقبة، حيث يمتلك 6 فقرات عنقية بدلًا من . ولهذا إن أراد أن يدير خروف البحر رأسه، عليه الدوران بجسده بأكمله. [7]

السلف المشترك للفقاريات

كما كنا قد ناقشنا في مقال سابق، فإن الخطوة الثانية من المنهج العلمي بعد المشاهدة هي وضع الفرضيات. ولأن الخطوة الثالثة هي التجربة لاختبار الفرضية، فهذا هو ما حدث مع نظرية التطور أيضًا.

كما نلاحظ من الأمثلة المذكورة أعلاه، هناك صفات تشريحية مشتركة بين الفقاريات (تحديدًا في الهيكل العظمي). تدفعنا تلك الصفات المشتركة لافتراض تطور هذه الفقاريات وانحدارها من سلف مشترك. فتقدم عالم الأحياء الإنجليزي «ريتشارد أوين-Richard Owen» برسم نموذج يوحّد هذه التراكيب المشتركة بين الفقاريات كنموذج أولي لها [8]. والجدير بالذكر أن ريتشارد أوين لم يكن من الداعمين لنظرية التطور، إلا أنه بهذا النموذج قدّم لنظرية التطور خدمة علمية مهمة. حيث اكتُشفت حفرية في الصين عام 1999 وهي حفرية «هايكوإكثيز-Haikouichthys» لسمكة عاشت من 530 مليون سنة في العصر الكامبري [9]. أظهرت الحفرية تشابهًا كبيرًا بينها وبين نموذج أوين، مما يجعلها أقدم الأسلاف المحتملة للفقاريات. [10]

نموذج أوين مقارنةً بالحفرية المكتشفة

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3]the bones of the human and digits of fingers: britannica
[4] britannica
[5] britannica
[6] cambridge
[7] oceantoday
[8] jstor
[9] bbc
[10] fandom

Exit mobile version