ما نعرفه عن الزمن، أعظم ألغاز الفيزياء

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

في كلّ مرة تنظر فيها إلى ساعتك أو تشاهد غروب الشمس؛ تستشعر مرور ذلك الكيان الغريب الذي يحكم عالمنا. وعلى الرغم من إدراك البشر وجوده منذ الأزل، ورغم كونه أساسًا لحياتنا اليومية؛ إلا أنه وفي كل محاولة منك لكشف سره؛ ستجد نفسك تائهًا لا محالة. إنه الزمن! الزمن الذي نقيس عليه أحداث الكون وتاريخ الأرض متيقنين أنه الأساس الثابت، ولكن هل الزمن ثابت حقاً؟ أو هل يمر ببساطة كالانتقال من ثانية لأخرى؟

تطور مفهوم الزمن

الزمن عند إسحق نيوتن

بدايةً من القرن السابع عشر؛ رأى إسحق نيوتن أن الزمن أشبه بسهم أطلق من قوس ما، ينطلق بمسار مباشر مستقيم دون أن ينحرف أبدًا. اعتقد نيوتن أن الزمن مطلق؛ أي أن ثانية واحدة على الأرض تعادل نفس المدة على المريخ أو حتى في أعماق الفضاء. فقد رأى أن الحركة ليست مطلقة، ولا شيء في الكون له سرعة ثابتة بما في ذلك الضوء، انطلاقًا من هذا المبدأ افترض نيوتن أن الزمن ثابت؛ فبما أن سرعة الضوء متغيرة؛ لا بد من وجود ثابت ما.

الزمن عند ألبرت أينشتاين

ثم في عام 1905؛ أكد الألماني ألبرت أينشتاين أن سرعة الضوء ثابتة وتساوي حوالي 299,792 كيلومترًا في الثانية، وافترض أن الزمن أشبه بنهر ينحسر ويتدفق حسب تأثّره بالجاذبية ونسيج الزمان-المكان. بحسب أينشتاين؛ يمكن للزمن أن يصبح أبطأ أو أسرع قرب أجسام ذات سرعات أو كتل هائلة، وبالتالي ثانية واحدة على الأرض لا تساوي ثانية في كل مكان من الكون!

إثبات النظرية

بالعودة إلى عام 1971؛ قام الفيزيائيان «ج.ك.هافيل-J.C. Hafele» و «ريتشارد كيتينغ-Richard Keating»  بإثبات نظرية أينشتاين عن طريق أربع ساعات ذرية؛ وضعت إحداها A على متن طائرة متجهة للشرق وأخرى B متجهة للغرب، ووضعت ساعتان C وD في مرصد «نافال-Naval» في واشنطن.

بحسب نظرية أينشتاين؛ يجب أن تسجل الساعة A حوالي 40 نانو ثانية أقل من الساعة الأرضية، وتسجل B  275 نانو ثانية أكثر بسبب تأثير الجاذبية على سرعة الطائرات. وفي تجربتنا سجلت الساعات فرقًا يعادل 59 نانو ثانية في A و273 نانو ثانية في B، مثبتةً بذلك نظرية أينشتاين عن «تمدد الوقت-Time dilation».

مفهوم سهم الزمن

إلا أن نيوتن وأينشتاين اتفقا على مفهوم واحد وهو أن الزمن يتجه للأمام (نحو المستقبل). وحتى الآن لم نجد أي شيء قادر على العودة بالزمن للوراء. ولكن هل نعلم لماذا يتجه الزمن للأمام؟ لا نعلم حقًا، لكننا نعرف عدة نظرية تشرح ذلك.

يعتمد أحدها على القانون الثاني من الديناميك الحراري، والذي ينص على أن كل شيء في الكون ينتقل إلى حالة أعلى من «الانتروبي-Entropy»، أي ينتقل من النظام إلى الفوضى. فالكون بدأ من درجة عالية من النظام والاتساق في «الانفجار العظيم-Big bang» وصولًا إلى الانتشار العشوائي للمجرات وما فيها في وقتنا الحالي. كما يعرف المفهوم السابق باسم «سهم الزمن-Arrow of time» بحسب الفلكي البريطاني «أرثر إدينغتن-Arthur Eddington» عام 1928.

أما النظرية الأخرى فتعتمد على توسع الكون، وتفترض أن الكون يسحب معه الزمن عندما يتوسع لاسيما أن الزمان والمكان مرتبطين. يقدم التفسير السابق مفارقة للعلماء، فإذا وصل الكون لأخر حد من التوسع ثم بدأ بالانكماش؛ هل سينعكس الزمن للوراء؟

الزمن- البُعد الرابع للكون

اعتقد العلماء سابقًا أن الزمان والمكان كيانين منفصلين تمامًا، وأن الكون عبارة عن أجرام فلكية تتوضّع في فضاء ثلاثي الأبعاد. إلى أن قدم أينشتاين نظريته النسبية العامة والتي اقترح فيها أن الزمان والمكان مرتبطين؛ حيث يشكل الزمن البعد الرابع للفضاء. كما اقترحت نظريته أن نسيج المكان-الزمان يتأثر بكتل أو سرعة الأجسام القريبة.

إثبات النظرية

أثبت مسبار ناسا «غرافيتي ب-Gravity probe B» النظرية السابقة؛ حيث وضعت عليه أربعة جيروسكوبات ووجهت نحو نجم بعيد. والآن إن لم يكن للجاذبية تأثير على الزمان والمكان ستبقى موجهة لنفس الاتجاه. وكما كان متوقع؛ انحرفت الجيروسكوبات قليلاً بسبب الجاذبية الأرضية، مما أثبت أن المكان قد يتغير بسبب الجاذبية.

كم طول الثانية الواحدة؟

يمكن قياس الوقت بطريقتين أساسيتين: ديناميكيًا وعن طريق الساعات الذرية. يعتمد التوقيت الديناميكي على حركة الأجرام السماوية لقياس الوقت مثل دوران الأرض وما يسببه من حركة الشمس والنجوم في سمائنا.

اعتمد التعريف القديم للثانية على دوران الأرض، فالوقت بين كل غروبين وشروقين للشمس شكل يومًا كاملاً. وقسم اليوم ل24 ساعة والساعة ل60 دقيقة والدقيقة ل60 ثانية. إلا أن الأرض لا تدور بشكل منتظم تماماً، ومعدل دورانها يتناقص 30 ثانية كل 10,000 سنة نتيجة عوامل عدة كوجود القمر، فلا نحصل على الدقة المطلوبة.

أما التوقيت الذري فيعتمد على انتقالات الطاقة في ذرة عنصر ما ( امتصاص الالكترون أو إصداره طاقة نتيجة انتقاله إلى مستوى طاقة مختلف)، وغالباً ما تستعمل ذرات «السيزيوم-Caesium» في ذلك. فتعرف الثانية بأنها الوقت اللازم لحدوث 9,192,631,770  انتقال في ذرة سيزيوم. تتميز هذه الطريقة بدقتها؛ فلا نخسر سوى جزء صغير من الثانية كل مليون سنة.

الساعة الذرية

قد لا تكون الساعات الذرية أدقّ طريقة لقياس الوقت في الكون، إلا أنها أفضل ما توصلنا إليه على الأرض. تعتمد غالبية الساعات الذرية  على قياس انتقالات الطاقة عن طريق الحقول المغناطيسية، مع وجود بعض الساعات الحديثة التي تستخدم أشعة الليزر في ذلك. غالبًا ما تعتمد الساعات الذرية على عنصر السيزيوم، إلا أن ساعات «السترونتيوم Strontium» قد تقيس الوقت بدقة مضاعفة. بالإضافة إلى وجود تصميمات تجريبية لساعات تعتمد على ذرات الزئبق المشحونة، والتي قد تقلل الخطأ إلى ثانية واحدة كل 400 مليون سنة!

قد نتمكن من قياس الوقت بدقة متناهية، لكن ذلك لن يلغي أننا -وحتى الآن- لا نفهم ما الذي نقيسه.

المصادر:

space
journal science
Séminaire Poincaré
live science
live science
NASA
scientific american
live science

ماذا تعرف عن الطاقة النووية؟

أثارت هذه الطاقة عبر تاريخها المخاوف والشكوك، وكثرت عنها الإشاعات. يعود اكتشاف الطاقة الإشعاعية إلى وليام رونتجن عام 1895م، وقصة اكتشاف «الأشعة السينية-X rays» المشهورة، ولكن ما أثار المخاوف وزاد من الشكوك هو قصف ناغازاكي وهيروشيما بقنبلتين ذريتين كان أينشتاين ومعادلته الشهيرة “E=mc²” سببًا في تصنيعهما.

ما هي الطاقة النووية؟

الطاقة النووية هي الطاقة المنبعثة نتيجة انشطار نووي، أو اندماج نووي، ففي التفاعل النووي تنقسم نواة الذرة إلى عدة أجزاء، وتطلق كمية هائلة من الطاقة، وفي معظم المفاعلات النووية النواة المشطورة هي نواة ذرة اليورانيوم 235 (يرمز الرقم إلى مجموع البروتونات والنيوترونات) لأن ذرة اليورانيوم 235 عند انشطارها تعطي نيوترونين قادرين على شطر ذرتي يورانيوم أخريتين، فيصبح هذا التفاعل تفاعلًا متسلسلًا لا نهائيًا. [3] [5]

سلبيات الطاقة النووية

تعد الطاقة النووية سهلة فيزيائيًا، فمعادلاتها وإن طالت تكون أسهل وأبسط في التطبيق العملي، ولكن أي خطأ قد يكلفنا حياتنا.

من المعروف أن اليورانيوم هو ونظائره الوقود الأساسي والأكثر استعمالًا وشيوعًا، فهو موجود في بعض الصخور في مختلف أنحاء العالم، ولكن نقل هذه المادة يمثل خطرًا كبيرًا على الإنسان لأنها تعد مصدرًا للتلوث، وقد تصيب الإنسان والحيوان والنباتات والماء بالإشعاع.

يمتص الإنسان هذه الإشعاعات فتصيبه بمختلف أنواع السرطان، كما يمتصها الحيوان والنبات والماء، وتصل إلى الإنسان عبرهم لأنهم يشكلون مصدر غذائه. [5]

مميزات الطاقة النووية

مع مرور الزمن وتوالي السنين بدأ النفط بالانتهاء. يعتبر النفط عنصرًا أساسيًا لإنتاج الطاقة، فبدأ العالم بالتفكير بمورد جديد للطاقة مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، لكنهما محدودتان، فبعض الدول لا تزورها رياح قوية طوال العام، ولا كل أيامها مشمسة وصافية.

لذلك كانت الطاقة النووية خيارًا جيدًا ورخيصًا ولا نهائيًا، فهي تمثل 16% من الكهرباء حول العالم عوضًا عن أنها أكثر أمانًا على ظاهرة الاحتباس الحراري، فالطاقة النووية لا تنتج انبعاثات للكربون أو أي ملوثات غازية كالوقود الأحفوري، ويمكن توليد كمية هائلة منها بأقل التكاليف، كما يمكن استخدامها في تحلية ماء البحر واستكشاف الفضاء، نظرًا لاستخدامها كوقود.

فقد استخدمت تقنية الطاقة النووية لاستكشاف النظام الشمسي من قبل 27 بعثة، وتوفر هذه التقنية فرص عملٍ وتُزيد من النمو الاقتصادي. [4] [5]

الطب النووي

يستخدم الطب النووي المواد المشعة من خلال الحقن أو الاستنشاق، ثم يستخدم أدوات التتبع المشعّة لتقييم وظائف الجسم وتشخيص الأمراض وعلاجها.

ويلعب الطب النووي في الوقت الحالي دورًا محددًا في الممارسات السريرية، نظرًا لفائدته في التخصصات الطبية، فهو يوفر خياراتٍ تشخيصية وعلاجية ذات صلة، تؤدي إلى تقديم رعاية أفضل للمرضى وتحسين جودة حياتهم.

يُستخدم الطب النووي في فحص العظام، خاصًة في حالات الكسور والأورام، ومسح نضح عضلة القلب للتفريق بين الاحتشاء أو نقص التروية، ومسح الغدة الدرقية لتقييم المظهر ووظيفة الغدة، كما يُستخدم التصوير المقطعي البوزيتروني PET لاكتشاف السرطان ومراقبة تقدمه ومدى الاستجابة للعلاج، فأداة التصوير هذه تعتمد على الخصائص الفيزيائية للنظائر، والأشكال المشعة للذرات البسيطة كالهيدروجين، والأكسجين، والفلور.[2] [1]

توالت السنوات، وقصفت نجازاكي وهيروشيما عام 1945، ومات الكثير من الناس، فخاف الرأي العام من هذه الطاقة.

وقد كانوا على حق، لما لهذه الطاقة من أثرٍ قاتلٍ على الإنسان إذا تسربت وامتصها جسمه.

ولكن لا يمكننا نكران أن جزءًا من كهربائنا الحالية يعود الفضل فيه إلى الطاقة النووية، كما ساهمت في شفاء مرضانا. فكل شيٍء ضار إذا أسأنا استخدامه، وكل شيٍء مفيد إذا أخذنا كل الحيطة والحذر منه.

المصادر

who[1]
[2] NIH
[3] harvard
[4] scientificsaudi
[5] edx

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

الأنظمة البيولوجية ديناميكية، وتتبادل باستمرار الطاقة والمادة مع البيئة من أجل الحفاظ على حالة من عدم التوازن وهي الحالة المرادفة للحياة.

سمحت لنا التطورات في تقنيات الملاحظة العلمية وأدوات الفحص بدراسة الديناميكيات البيولوجية على نطاقات صغيرة بشكل متزايد. كشفت مثل هذه الدراسات عن أدلة على تأثيرات ميكانيكا الكم -والتي لا يمكن تفسيرها بالفيزياء الكلاسيكية- في مجموعة من العمليات البيولوجية.

علم الأحياء الكمي هو دراسة مثل هذه العمليات، وهنا سنقدم تعريفًا للحالة الحالية للمجال، بالإضافة إلى رؤى حول الاتجاهات المستقبلية.

ما هي ميكانيكا الكم؟

ميكانيكا الكم هي النظرية الأساسية التي تصف خصائص الجسيمات دون الذرية والذرات والجزيئات والتجمعات الجزيئية وربما أصغر من ذلك. تعمل ميكانيكا الكم على مقاييس نانومترية وشبه نانومترية وهي أساس عمليات الحياة الأساسية مثل البناء الضوئي والتنفس والرؤية.

في ميكانيكا الكم، كل الكائنات لها خصائص تشبه الموجة، وعندما تتفاعل، يصف التماسك الكمي الارتباطات بين الكميات الفيزيائية التي تصف مثل هذه الأشياء بسبب هذه الطبيعة الشبيهة بالموجة.

تظهر ميكانيكا الكم في ظواهر بيولوجية عديدة مثل البناء الضوئي والتنفس والرؤية. كلها أحداث يحدث فيها نقل طاقة ونقل إلكترون في إطار يعتمد على القفز على السطح.

في مراكز التفاعل الضوئي ومجمعات حصاد الضوء في النباتات، لوحظت الظواهر المتذبذبة في العديد من الدراسات التي أجريت في التسعينيات وكانت تُنسب عادةً إلى تكوين حزم موجية اهتزازية أو إلكترونية مختلطة.

أدى الكشف عن التماسك الكمي الإلكتروني طويل العمر (660 قدمًا وأطول) أثناء نقل طاقة الإثارة في نظام التمثيل الضوئي إلى إحياء الاهتمام بدور ميكانيكا الكم لشرح عمليات الحياة الأساسية للكائنات الحية [3].

ومع ذلك، فإن فكرة لعب الظواهر الكمومية – مثل التماسك – دورًا وظيفيًا في الأنظمة الحية العيانية ليست مستحدثة في التسعينات، ولكن للأمر تاريخ يعود لمؤسسي ميكانيكا الكم.

تاريخ البيولوجيا الكمية

في عام 1932، أي بعد 10 سنوات من حصول عالم الفيزياء الكمومية نيلز بور على جائزة نوبل عن عمله في التركيب الذري، ألقى محاضرة بعنوان “الضوء والحياة” في المؤتمر الدولي للعلاج بالضوء في كوبنهاغن [4].

أثار هذا السؤال حول ما إذا كانت نظرية الكم يمكن أن تسهم في الفهم العلمي للأنظمة الحية أم لا. كان من بين الحضور ماكس ديلبروك، وهو فيزيائي شاب ساعد لاحقًا في تأسيس مجال البيولوجيا الجزيئية وفاز بجائزة نوبل عام 1969 لاكتشافاته في علم الوراثة [5].

تتكون جميع الأنظمة الحية من جزيئات، وتوصف جميع الجزيئات بشكل أساسي بواسطة ميكانيكا الكم. ومع ذلك، فإن الفصل الواسع للمقاييس بين الأنظمة الموصوفة بواسطة ميكانيكا الكم وتلك التي تدرس في علم الأحياء، وكذلك الخصائص التي تبدو مختلفة للمادة غير الحية والحية، قد حافظت على بعض الفصل بين مجموعتي المعرفة (الفيزياء والأحياء).

في الآونة الأخيرة، مكنتنا التطورات التقنية مثل التحليل الطيفي فائق السرعة [6]، والتحليل الطيفي للجزيء الفردي [7-11]، والفحص المجهري [12-14] والتصوير الجسيمي الفردي [15-18] ، من دراسة الديناميكيات البيولوجية على نحو متزايد. إذ تكشف مقاييس الطول والوقت متناهية الصغر تلك عن مجموعة متنوعة من العمليات الضرورية لوظيفة النظام الحي التي تعتمد على تفاعل دقيق بين التأثيرات الفيزيائية الكمومية والكلاسيكية.

تعريف البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”

يمكننا تعريف علم الأحياء الكمي أو البيولوجيا الكمية بأنها تطبيق نظرية الكم على جوانب من علم الأحياء حيث فشلت الفيزياء الكلاسيكية في إعطاء وصف دقيق لها.

على الرغم من هذا التعريف البسيط، لا يزال الجدل حول أهداف ودور المجال في المجتمع العلمي قائمًا.

سنستعرض معًا وجهة النظر لمكانة بيولوجيا الكم اليوم، ونقرأ سويًا بعض السبل المحتملة لمزيد من التقدم في هذا المجال.

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

حقق علم الأحياء -في نموذجه الحالي- نجاحًا كبيرًا في تطبيق النماذج الكلاسيكية على الأنظمة الحية. في معظم الحالات، لا تلعب التأثيرات الكمومية الدقيقة على المقاييس الجزيئية (البينية) دورًا محددًا في الوظيفة البيولوجية الكلية، لكن لكلمة “الوظيفة” مفهوم واسع!

على سبيل المثال: كيف تعمل الرؤية والتمثيل الضوئي على المستوى الجزيئي وعلى نطاق زمني فائق السرعة؟ كيف يتعامل الحمض النووي مع النيوكليوتيدات المكدسة المفصولة بنحو 0.3 نانومتر، مع فوتونات الأشعة فوق البنفسجية؟ كيف يحفّز الإنزيم تفاعل كيميائي حيوي أساسي؟ كيف يتعامل دماغنا مع الخلايا العصبية المنظمة على مقياس تحت نانومتري مع مثل هذا الكم الهائل من المعلومات؟ كيف يعمل استنساخ الحمض النووي والتعبير الجيني؟

يُعتقد عمومًا أن الاختلافات بين التقريب الكلاسيكي ونموذج ميكانيكا الكم لا تكاد تُذكر في هذه الحالات، على الرغم من أن كل عملية تحكمها قوانين ميكانيكا الكم بالكامل.

ولكن دعونا نطرح سؤالنا الأساسي هنا، ماذا يحدث عندما تتلاشى الحدود بين الأنظمة الكمومية والأنظمة الكلاسيكية؟ أو في صياغة أخرى، هل هناك وظائف بيولوجية أساسية تبدو وكأنها كلاسيكية ولكنها ليست كذلك في الواقع؟

إن دور علم الأحياء الكمومي هو تحديدًا إيجاد هذا الارتباط وكشفه. في الأساس، كل المادة – الحية أو غير الحية – خاضعة لميكانيكا الكم، وتتكون من أيونات أو ذرات أو جزيئات، وتُحدد نظرية الكم خصائص توازن تلك الذرات أو الجزيئات بدقة.

نتيجة لذلك، يمكن الادعاء بأن البيولوجيا كلها ميكانيكية كمومية. ومع ذلك، فإن هذا التعريف لا يعالج الطبيعة الديناميكية للعمليات البيولوجية، أو حقيقة أن الوصف الكلاسيكي للديناميكيات بين الجزيئات يبدو غالبًا كافيًا.

لذلك، يجب تعريف علم الأحياء الكمومي من حيث الاتساق في القدرات التفسيرية للنماذج الميكانيكية الكلاسيكية مقابل النماذج الميكانيكية الكمومية لعملية بيولوجية معينة.

البيولوجيا الكمية، ضرورة أم رفاهية!

أثناء دراستنا للأنظمة البيولوجية على المقاييس النانوية، نجد أن هناك عمليات موجودة في الكائنات الحية، سنستعرضها تفصيليًا، يُعتقد حاليًا أن الصيغة الكمومية ضرورية لتوصيفها.

بينما نواجه صعوبة حقيقية في ملاحظة التأثيرات الكمومية على مقاييس الوقت والطول التي نختبرها في حياتنا اليومية والأحداث التي نعايشها ونراها بالعين المجردة، يظهر لنا اعتماد العمليات الضرورية للوظائف وبقاء الكائن الحي على التأثيرات الميكانيكية الكمومية الديناميكية على نطاق الجزيئات.

إن التفاعل بين هذه المقاييس الزمنية والمكانية بالتحديد هو ما تبحثه البيولوجيا الكمومية بهدف بناء صورة فيزيائية متسقة.

قد تتضمن الآمال الكبيرة لبيولوجيا الكم مساهمة في تعريف وفهم الحياة، أو في فهم الدماغ والوعي. ومع ذلك، فإن هذه المشاكل قديمة قدم العلم نفسه، ومن الأفضل أن نسأل عما إذا كان علم الأحياء الكمومي يمكن أن يساهم في إطار قادر من خلاله على طرح هذه الأسئلة بطريقة تقبل الوصول إلى إجابات جديدة.

تعمل دراسة العمليات البيولوجية بكفاءة على الحدود بين عوالم الفيزياء الكمومية والفيزياء الكلاسيكية. ويعد علم الأحياء الكمومي باستحداث مبادئ تصميم لتقنيات النانو الكمومية مستوحاة بيولوجيًا، مع القدرة على الأداء بكفاءة على مستوى أساسي في البيئات الصاخبة في درجة حرارة الغرفة وحتى الاستفادة من هذه “البيئات الصاخبة” للحفاظ على أو حتى تعزيز الخصائص الكمومية [19 ، 20].

من خلال هندسة مثل هذه الأنظمة، قد نتمكن من اختبار وتحديد المدى الذي يمكن أن تؤدي إليه التأثيرات الكمية في تعزيز العمليات والوظائف الموجودة في علم الأحياء، والإجابة في النهاية عما إذا كانت هذه التأثيرات الكمية قد تطورت لتحقيق أهدافها في تصميم الأنظمة.

الأهم من ذلك هو أن التقنيات المستوحاة من الأحياء الكمومية يمكن أن تكون مفيدة جوهريًا بشكل مستقل عن الكائنات الحية التي ألهمتها، وقد تلهمنا وتفتح الباب أمام مستقبل بيولوجي مختلف تمامًا عما نعرفه اليوم.

اقرأ أيضًا: 10 معلومات يجب أن تعرفها عن ميكانيكا الكم

مصادر
1. F’orster T. 1946Energiewanderung und Fluoreszenz. Naturwissenschaften,6, 166-175. (doi:10.1007/BF00585226) Crossref, ISIGoogle Scholar

2. Marcus RA. 1956On the theory of oxidation-reduction reactions involving electron transfer. I. J. Chem. Phys.24, 966-978. (doi:10.1063/1.1742723) Crossref, ISIGoogle Scholar

3.Engel GS, Calhoun TR, Read EL, Ahn T-K, Mančal T, Cheng Y-C, Blankenship RE, Fleming GR. 2007Evidence for wavelike energy transfer through quantum coherence in photosynthetic systems. Nature446, 782-786. (doi:10.1038/nature05678) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

4. Bohr N. 1933Light and life. Nature131, 421-423. (doi:10.1038/131421a0) CrossrefGoogle Scholar

5. McKaughan DJ. 2005The influence of Niels Bohr on Max Delbrück. Isis96, 507-529. (doi:10.1086/498591) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

6. Jonas DM. 2003Two-dimensional femtosecond spectroscopy. Ann. Rev. Phys. Chem.54, 425-463. (doi:10.1146/annurev.physchem.54.011002.103907) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

7. Moerner WE, Shechtman Y, Wang Q. 2015Single-molecule spectroscopy and imaging over the decades. Faraday Discuss.184, 9-36. (doi:10.1039/C5FD00149H) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

8. Gruber JM, Malý P, Krüger TPJ, van Grondelle R. 2017From isolated light-harvesting complexes to the thylakoid membrane: a single-molecule perspective. Nanophotonics7, 81-92. (doi:10.1515/nanoph-2017-0014) Crossref, ISIGoogle Scholar

9. Kondo T, Chen WJ, Schlau-Cohen GS. 2017Single-molecule fluorescence spectroscopy of photosynthetic systems. Chem. Rev.117, 860-898. (doi:10.1021/acs.chemrev.6b00195) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

10. Liebel M, Toninelli C, van Hulst NF. 2018Room-temperature ultrafast nonlinear spectroscopy of a single molecule. Nat. Photonics12, 45-49. (doi:10.1038/s41566-017-0056-5) Crossref, ISIGoogle Scholar

11. Malý P, Gruber JM, Cogdel RJ, Mančal T, van Grondelle R. 2016Ultrafast energy relaxation in single light-harvesting complexes. Proc. Natl Acad. Sci. USA113, 2934-2939. (doi:10.1073/pnas.1522265113) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

12. Šrajer V, Schmidt M. 2017Watching proteins function with time-resolved x-ray crystallography. J. Phys. D: Appl. Phys.50, 373001. (doi:10.1088/1361-6463/aa7d32) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

13. Young Let al.2018Roadmap of ultrafast x-ray atomic and molecular physics. J. Phys. B: At. Mole. Opt. Phys.5, 032003. (doi:10.1088/1361-6455/aa9735) Crossref, ISIGoogle Scholar

14. Borst JW, Visser AJWG. 2010Fluorescence lifetime imaging microscopy in life sciences. Meas. Sci. Technol.21, 102002. (doi:10.1088/0957-0233/21/10/102002) Crossref, ISIGoogle Scholar

15. Tsuji Y, Yamamoto K, Yamauchi K, Sakai K. 2018Single-particle reconstruction of biological molecules—story in a sample (Nobel Lecture). Angew. Chem. Int. Ed.57, 2-18. (doi:10.1002/anie.201712504) Crossref, ISIGoogle Scholar

16. K’uhlbrandt W, Wang DN, Fujiyoshi Y. 1994Atomic model of plant light-harvesting complex by electron crystallography. Nature367, 614-621. (doi:10.1038/367614a0) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

17. Hell SWet al.2015The 2015 super-resolution microscopy roadmap. J. Phys. D: Appl. Phys.48, 443001. (doi:10.1088/0022-3727/48/44/443001) Crossref, ISIGoogle Scholar

18. Shashkova S, Leake MC. 2017Single-molecule fluorescence microscopy review: shedding new light on old problems. Biosci. Rep.37, BSR20170031. (doi:10.1042/BSR20170031) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

19. Mohseni M, Rebentrost P, Lloyd S, Aspuru-Guzik A. 2008Environment-assisted quantum walks in photosynthetic energy transfer. J. Chem. Phys.129, 174106. (doi:10.1063/1.3002335) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

20. Plenio M, Huelga S. 2008Dephasing-assisted transport: quantum networks and biomolecules. New J. Phys.10, 113019. (doi:10.1088/1367-2630/10/11/113019) Crossref, ISIGoogle Scholar

10 معلومات يجب أن تعرفها عن ميكانيكا الكم

أحدثت نظرية الكم ثورة حقيقية في العلم، فأزاحت الستار عن العالم الغريب القابع خلف أبسط ظواهر حياتنا اليومية وصولاً لنشأة الكون، وبين كل ذلك؛ كانت عصب الثورة الرقمية في القرن العشرين. تدرس «ميكانيكا الكم-Quantum mechanics» سلوك المادة في المستوى دون الذري. وتهدف لتحديد خصائص الذرات ومكوناتها مثل الإلكترونات والبروتونات، بالإضافة إلى تفاعلات هذه الجسيمات مع الطيف الكهرومغناطيسي. [1] إليك أهم 10 معلومات عن ميكانيكا الكم والمبادئ التي تحكم هذا العالم الغريب.

1.تكميم الطاقة

أولى المعلومات عن ميكانيكا الكم تتلخص في وجود قواسماً مشتركةً بين ميكانيك الكم وحذائك، فكما تحتاج لمقاس يناسبك، كذلك الطاقة تكون في كميات محددة أو «quantas». أصغر الكميات «ثابت بلانك-Planck constant» وما تبقى مضاعفاته.

لفهم المبدأ السابق يمكننا تطبيقه على الضوء، فالضوء يُصدر بشكل قطع منفصلة محددة تدعى «الفوتونات-Photons». وبحسب المبدأ؛ لا يمكنك صنع نصف فوتون أو 64.4 فوتونات، يمكنك فقط صناعة أعداد صحيحة منه.

إلا أن الطاقة أهم بقليل من حذائك، فقد أحدث هذا الاكتشاف ثورة في الفيزياء الحديثة على يد «ماكس بلانك-Max Planck». كما حاز ألبرت أينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء لإثباته ذلك عام 1921. [2]

2. الطبيعة المثنوية

في عام 1906؛ حاز «ج.ج تومسون-J.J Thomson» جائزة نوبل لاكتشافه أن الالكترونات عبارة عن جسيمات، ثم جاء ابنه جورج عام 1937 ليثبت أن الالكترونات موجات. فأيهما صحيح؟

في عالم الكم كلاهما على حق، حيث يدعى هذا المبدأ «ازدواجية موجة-جسيم-wave-particle duality» ويعد حجر الزاوية في فيزياء الكم.

كما ينطبق على الالكترونات والضوء، فأحياناً نحتاج لاعتبار الضوء طيف كهرومغناطيسي، وفي أحيان أخرى يستحسن تصوره بشكل جسيمات الفوتونات. [3]

3. يمكن للأشياء أن تكون في مكانين في الوقت ذاته

تعد ازدواجية الموجة-الجسيم مثالاً على مبدأ «التراكب-superposition»، وهو تواجد الكم أو الشيء في مكانين أو حالتين في نفس اللحظة.

مثلاً؛ يتواجد الالكترون هنا وهناك في ذات الوقت، ولكننا عندما نرصده نجبره على اختيار مكان منها.

يمكننا تخيل الالكترون كمجموعة من الاحتمالات، يمكننا تلخيصها رياضياً ب«تابع الموجة-wave function». وقيامنا بالرصد ييدمر التابع وحالة التراكب ويجبر الالكترون على اختيار حالة من ضمن الاحتمالات الممكنة.

يمهد هذا المبدأ لتجربة «قطة شرودينغر-Schrödinger’s cat»، وهي قطة محبوسة في صندوق مغلق حيث مصيرها محكوم بأداة كمية ما. وبما أن الأداة توجد بحالتين مختلفتين لحين القيام بالرصد؛ فإن القطة حية وميتة في الوقت ذاته لحين قيامنا بذلك. [4]

4. قد تقودنا ميكانيكا الكم لأكوان متعددة

تتبع الفكرة السابقة (أن عملية الرصد تهدم التابع وتجبر الكم على اختيار حالة معينة) لتفسير «كوبنهاغن-Copenhagen» لفيزياء الكم، لكن ذلك ليس التفسير الوحيد، حيث يعتقد مؤيدو فكرة العوالم المتعددة أنه لا حاجة للاختيار!

بل أنه في لحظة القيام بعملية الرصد والقياس؛ ينقسم الواقع إلى نسختين: واحدة نرصد فيها الكم وقد اختار الحالة a، والثاني حيث يختار الحالة b.

وبالتالي يتكون الواقع من العديد من الطبقات المتشابكة، وعند رؤيته على المستويات الأكبر؛ تتفكك هذه الطبقات ويبدو كل منها عالماً يشكل كوناً من الأكوان المتعددة.[5]

5. تساعدنا في تحديد صفات النجوم

بيّن الفيزيائي الدنماركي «نيلز بور-Niels Bohr» أن مدارات الالكترونات داخل الذرات مكممة أيضاً، حيث تأتي في قياسات محددة تدعى مستويات الطاقة.

عندما ينتقل إلكترون من مستوى أعلى إلى أخفض؛ يطلق فوتوناً له طاقة مساوية لفرق الطاقة بين المدارين الذين انتقلهما الإلكترون، والعكس صحيح؛ يمتص الإلكترون فوتوناً ويستعمل طاقته ليقفز إلى مستوى طاقة أعلى.

يستعمل الفلكيون هذا التأثير دائماً، فيتمكنون من معرفة مكونات النجوم عن طريق تحليل ضوئهم إلى طيف يشبه قوس قزح وتحديد الألوان المفقودة.

وبما أن المواد الكيميائية المختلفة تمتلك مستويات طاقة متباعدة بشكل مختلف؛ يمكنهم تحديد مكونات الشمس والنجوم الأخرى بناءً على الألوان غير الموجودة. [5]

6. بدون ميكانيكا الكم لما سطعت الشمس!

تصنع الشمس طاقتها خلال عملية تدعى «الاندماج النووي-Nuclear fusion»، والتي تتم باندماج بروتونين معاً – الجسيم موجب الشحنة في الذرة-.

الآن قد تتساءل كيف لهما أن يلتصقا ببعضهما ولهما الشحنة نفسها، ألن يتنافرا؟

إذا ما درسناهما كجسيمين سيتنافران تماماً كما يتنافر قطبي المغناطيس المتشابهين. يسمي الفيزيائيون ذلك ب«حاجز كولوم-Coulomb barrier» وهو كالحائط الذي يحول بين البروتونين.

وعندها ستصطدم البروتونات في الحائط وتبتعد: لن يوجد اندماج نووي ولن يوجد ضوء شمس!

والآن لنعتبرهم موجات.

عندما تصل قمة الموجة للحائط تكون مقدمة الموجة قد عبرته بالفعل.

علم أن ارتفاع الموجة يمثل المكان المحتمل وجود البروتون فيه، وعلى رغم أن احتمالية وجوده في مقدمة الموجة ضئيلة؛ إلا أنها تتحقق أحياناً، وعندها يكون وكأن البروتون عبر خلال الحاجز وبالتالي يحدث الاندماج النووي. أما هذا التأثير فيعرف باسم «النفق الكمومي-Quantum tunneling».
[6]

7. توقف ميكانيكا الكم انهيار النجوم الميتة

خلال حياة النجم؛ يَبقى في حالة من «التوازن الهيدروستاتيكي-hydrostatic equilibrium»، وهو توازن بين الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي والتي تتجه للخارج وطاقة الجاذبية المتجهة للداخل؛ مما يحافظ على شكل النجم ويمنعه من الانهيار.

إلا أنه في نهاية حياة النجم ينفذ وقوده ويتوقف الاندماج؛ فتربح الجاذبية جاعلةً النجم ينهار على نفسه.[7]

وكلما أصبح أصغر كلما انضغطت المادة أكثر، وهنا يأتي دور «مبدأ باولي في الاستبعاد-Pauli exclusion principle»؛ أحد مبادئ ميكانيكا الكم الذي يمنع بعض الجسيمات كالإلكترونات من التواجد في نفس الحالة الكمية.

وبينما تحاول الجاذبية القيام بذلك، تواجه مقاومة يدعوها الفلكيون «ضغط تنكس الإلكترون-Electron degeneracy pressure»، فيتوقف الانهيار ويتشكل جسم جديد بحجم الأرض يدعى «قزم أبيض-White dwarf».
[8] 

8. تسبب تبخر الثقوب السوداء

يعد «مبدأ الريبة لهايزنبيرغ-Heisenberg uncertainty principle» أحد أهم مبادئ ميكانيك الكم، وينص على استحالة تحديد خاصّيتين لنظام ما بشكل دقيق بنفس الوقت: كلما عرفنا أحدها بدقة أكبر، كلما كان من الأصعب تحديد الخاصية الثانية.

ينطبق ذلك على سرعة الجسيم وموقعه، أو طاقته والزمن.

الأمر أشبه بأخذ قرض مالي، يمكنك اقتراض مبلغ كبير من المال لفترة زمنية قصيرة، أو اقتراض مبلغ صغير لمدة أطول، وليس الاثنين معاً!

يقودنا ذلك إلى فكرة الجسيمات الافتراضية، إذا اقتُرٍضت طاقة كافية من الطبيعة؛ يمكن لها أن تولد زوجين من الجسيمات الافتراضية في الفراغ بشكل (جسيم-مضاد جسيم)، ثم يختفيان بسرعة حتى لا يتخلفان عن سداد القرض؛ في عملية تسمى «الإفناء-Annihilation».

نعم، الفراغ الكمي ليس فارغاً تماماً!

افترض «ستيفن هوكينج-Stephen Hawking» حدوث هذه التذبذبات قرب حدود ثقب أسود ما: سيبتلع الثقب الأسود أحد الجسيمين، بينما سيستطيع الآخر الهرب من الثقب على شكل «إشعاع هوكينج-Hawking Radiation».

وبمرور الوقت، يتقلص الثقب الأسود وكأنه يتبخر! لأنه لا يسدد القرض كاملاً. [9]

9. تفسر ميكانيكا الكم بنية الكون على النطاق الكبير

إن «الانفجار العظيم-Big bang» أحد أفضل نظرياتنا عن نشأة الكون، وقد عُدل في الثمانينات ليتضمن نظرية أخرى تدعى «التضخم-Inflation».

تنص نظرية التضخم على انتفاخ الكون وصولاً لحجم حبة عنب؛ ذلك بعد ما كان أصغر من ذرة، وذلك في أول تريليون من تريليون تريليون جزء من الثانية، أي أن حجمه تضاعف حوالي 1078 مرة.

لاستيعاب ذلك؛ تخيل تكبير خلية دم حمراء بنفس المقدار، سيتجاوز حجمها الكون المنظور بأكمله!

وبما أنه كان أصغر من ذرة؛ فمن المرجح أن تذبذبات كمية مرتبطة بمبدأ هايزنبيرغ للريبة قد حكمت الكون في ذلك الوقت. والتضخم سبب نمو الكون بسرعة كبيرة؛ فلم يتثن لهذه التذبذبات الكمية أن تختفي، مما أدى لتركيز الطاقة أ:ثير في بعض الأماكن.

يعتقد الفلكيون أن ذلك كان بمثابة بذور تجمعت حولها المادة مشكلةً المجرات والعناقيد المجرية التي نرصدها اليوم. [5]

10. عالم من الأشباح!

إلى جانب إثباته تكميم الضوء؛ كذلك اعتقد أينشتاين بوجود تأثير ” شبحي عن بعد”. وهذا التأثير الشبحي هو آخر العشر معلومات عن ميكانيكا الكم في هذا الموضوع. نعرف اليوم ذلك ب«التشابك الكمي-Quantum entanglement»، ولكننا حتى الآن نجهل حقيقة ما يحدث فيه!

لنقل أننا أحضرنا زوجاً من الجسيمات بحيث تكون حالتها الكمية مرتبطة  أو “متشابكة”، أحدها في الحالة a والآخر في الحالة b: متعاكسين تماماً. فإذا كان أحدهما أزرق، يكون الثاني أحمر وهكذا.

وبحسب مبدأ باولي بالاستبعاد؛ يستحيل أن يكون لهما نفس الحالة الكمية، وعندها إذا قمنا بتغيير الجسيم الأزرق وجعلناه أحمراً مثلاً، سيتغير الآخر فوراً ليصبح معاكسه الأزرق من جديد.

في التشابك الكمي سيحدث ذلك حتى ولو وضعنا كل جسيم في جانب من الكون، وكأن معلومات التغيير الذي قمنا به قد سافرت أسرع من الضوء! [10]

قد لا نفهم ميكانيكا الكم بشكل كامل، ولكننا متيقنون من غرابتها أولاً وعظمتها ثانياً. شاركنا معلومات أخرى عن ميكانيكا الكم في التعليقات.

المصادر

[1] Britannica
[2] space
[3] Cornell university
[4] joint quantum institute
[5] space
[6] Harvard
[7] science direct
[8] university of Chicago
[9] nature
[10] nature

7 محطات مهمة عن تاريخ القنبلة النووية

7 محطات مهمة عن تاريخ القنبلة النووية

تعتبر الأسلحة النووية أكثر الاختراعات البشرية فتكًا في التاريخ، وأخطرها على الإطلاق. فبالرغم من استخدامها مرتين فقط من قبل الولايات المتحدة إلا أنها تسببت في مقتل ما يزيد عن 150 ألف شخص. ناهيك عن العواقب الناتجة من الإشعاعات الصادرة. وفي هذا المقال سنستعرض الفكرة العامة للقنابل الذرية بالإضافة إلى أهم الأحداث المؤثرة في المسار النووي.

عناصر البلوتونيوم والراديوم

منذ اكتشاف النشاط الإشعاعي لليورانيوم عام 1896 على يد عالم الفيزياء الفرنسي (هنري بيكريل)، والعلماء في سباق للاستفادة من هذا الاكتشاف. وكان أبرز هؤلاء العلماء (ماري كوري) وزوجها (بيار كوري). وكانا من رواد هذا المجال وساهما بأبحاثهما في اكتشاف أحد أهم العناصر في المجال النووي وهما البلوتونيوم والراديوم عام 1898 وبفضل هذا الاكتشاف حازا على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903 بالمشاركة مع (هنري بيكريل). (1)

معادلة آينشتاين

في عام 1905 وبالتحديد في 27 سبتمبر، أعطانا (آينشتاين) أشهر معادلة في تاريخ الفيزياء E=mc2 إن لم تكن في التاريخ. المعادلة ببساطة تقول بأن الطاقة والكتلة ليستا مستقلتين عن بعضها. بل في الواقع يمكن تحويل أحدهما للآخر مما فتح الباب على مصرعيه للتفكير في الكتلة والطاقة بطريقة مختلفة، فأخذ العلماء يفكرون في كمية الطاقة الهائلة التي يمكننا الحصول عليها فقط بانشطار نووي لأحد الذرات المشعة مثل اليورانيوم والبلوتونيوم والراديوم (المذكورين بالأعلى). (1).

ومع تقدم العلم، وثبنا بعيدًا في المجال النووي حيث قام العالم الإنجليزي (جيمس تشاوديك) باكتشاف النيوترون عام 1932. النيوترون هو أحد مكونات النواة وهو الذي يلعب الدور الرئيسي في انشطار النواة (فكرة العمل) فتنتج كمية الطاقة الهائلة المعروفة عن القنابل الذرية. ثم بعد هذا الاكتشاف ظهر العالم الإيطالي (انريكو فيرمي) ليكتشف ان النيوترونات المقذوفة ببطء تُستقبل من النواة أفضل من السريعة. ليأتي بعدها الاكتشاف الذي غير المسار النووي وهو اكتشاف الانشطار النووي بفضل ثلاث علماء وهم (ليز ميتنر)، و(أوتو هان)، و(فريتز ستراسمان)(2). ومن ثم اكتشاف تفاعل السلسلة النووية علي يد العالم النمساوي (أوتو روبرت فريش) وفي هذا التفاعل يتم قذف النواة بنيوترون ليتم شطرها إلى نواتين كل منهما يتم قذفه مجددًا لينشطر وهكذا ومع كل انشطار تخرج كمية هائلة من الطاقة. (1)

الانشطار النووي لذرات اليورانيوم 235. Credits: https://energyeducation.ca/encyclopedia/Nuclear_chain_reaction

مشروع مانهاتن

كان هذا المشروع نتاج مجهود الولايات المتحدة في تطوير القنابل الذرية. السبب الرئيسي وراءه كان خوف الولايات المتحدة من أن تسبقهم ألمانيا في سباق التسليح النووي حيث إنه كان من المعرف أن ألمانيا تعمل على مشروعها النووي الخاص من ثلاثينيات القرن الماضي. (3)

بعد اكتشاف الانشطار النووي، أرادت الولايات المتحدة أن تنظم مشروع لتختبر فيه القنبلة الذرية فقام عالم الفيزياء الأمريكي (جورج بيغرام) بتنسيق لقاء بين (انريكو فيرمي) والبحرية الأمريكية في مارس 1939 وكان هذا بداية المشروع ثم بعدها في صيف 1939. قام آينشتاين بالانضمام إلى المشروع آخذًا بنصيحة زميله (ليو سيزلرد) وقام بكتابة خطاب لرئيس الولايات المتحدة آنذاك (فرانكلين دي روزفلت) يحذره فيه من الألمان ومن عملهم على القنبلة الذرية. فقام الرئيس (روزفلت) بالأخذ بنصيحة آينشتاين ومول أبحاث للمشروع بقيمة 6 آلاف دولار أمريكي. (3)

أبو القنبلة الذرية

وفي عام 1945 تولى (روبرت أوبنهايمر)، والذي يلقب بأبو القنبلة الذرية، الإشراف على المشروع وكانت معظم الاختبارات تقام في مدينة لوس آلاموس في ولاية نيو ميكسيكو وفي يوم 16 يوليو 1945. نجح المشروع بإطلاق اول قنبلة ذرية على مدينة ألاموغوردو بعد أن تم إخلائها من السكان. فيما عرف باختبار ترينتي وأدت القنبلة إلى انفجار هائل مسببًا سحابة ترابية وصل ارتفاعها إلى 40 ألف قدم. وبذلك أصبحت الولايات المتحدة رائدة هذا المجال وعلى أتم الاستعداد لقصف هيروشيما ونجازاكي. (4)

هيروشيما ونجازاكي

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية طلبت دول الحلفاء من اليابان أن تستسلم قبل يوم 28 يوليو، ولكن اليابان لم ترد وانتهى الموعد فكان هذا أكبر خطأ فعلته اليابان. وبهذا الخطأ قامت الولايات المتحدة في اليوم السادس من أغسطس عام 1945 في تمام الساعة الثامنة و15 دقيقة بتوقيت اليابان بإرسال طائرة (Enola Gay) إلى اليابان. لتلقي أول قنبلة نووية في التاريخ بهدف إبادة هيروشيما وكان اسم هذه القنبلة “Little boy” بسبب حجمها الصغير نوعًا ما ولكن لا تجعل الحجم يخدعك، فهذه القنبلة تسببت بمقتل 80 ألف شخص واحتوت على 12 ألف – 15 ألف طن TNT وابادت 13 كيلومتر مربع. (5)

لم تكتف الولايات المتحدة بهذه القنبلة فقط بل قامت بإسقاط القنبلة الثانية “”Fat Man على نجازاكي. أدى هذا إلى مقتل 40 ألف شخص. نجازاكي لم تكن الهدف بل كانت Kokura وهي المدينة التي كانت تحتوي على أكبر مخازن الذخيرة في اليابان وبسبب الدخان الناتج. أدى ذلك إلى انحراف مسار الطائرة إلى الهدف الثاني، ناجازاكي. (4)

خطاب أينشتاين

ولن أجد أفضل من خطاب آينشتاين لأختم به هذا المقال. فبعد حدوث فاجعة هيروشيما ونجازاكي ألقى آينشتاين الخطاب التالي، ” لقد حان الوقت، يجب أن نتخلى عن الحرب. لم يعد من المنطقي حل المشاكل الدولية باللجوء إلى الحروب. وبعد أن رأينا ما فعلته القنابل الذرية وقدرتها على محو مدن كاملة مثل هيروشيما ونجازاكي. يجب علينا أن نحكم المنطق لكي نحل الصراعات بين الدول”.

المصادر
(1) researchgate
(2) aps
(3) britannica
(4) history
(5).bbc

السوائل غير النيوتونية، خالفت قانون نيوتن، وتمكننا من المشي عليها!


جميعنا أردنا المشي على الماء، ومنّا من حاول وفشل، وخاب ظنه بقدرته بالمشي على السوائل. في هذا المقال، ستتغير وجهة نظرك ورأيك بقدرتك على المشي على السوائل.

السوائل النيوتونية وغير النيوتونية:

لنعد قليلًا إلى القرن الثامن عشر، حيث تعود قصتنا إلى إسحاق نيوتن الذي وضع قانون اللزوجة، وهو الذي أسس لمصطلح «السوائل النيوتونية». حيث عرّفها بأنها السوائل التي تكون لزوجتها ومقدار تدفقها ثابتين إلا بتغير درجة الحرارة والضغط.


خضعت السوائل لقانون نيوتن في اللزوجة، ولكن المفارقة هي أن هناك موائع لم تخضع لهذا القانون، وخالفت سلوك السوائل النيوتونية فسميت بـ«السوائل غير النيوتونية-Non-Newtonian fluid». تتغير هذه الموائع تبعًا لتغير القوة الخارجية، أو لتغير القص؛ والقص هو الحركة النسبية بين الطبقات المتجاورة لمائع متحرك.[3]

أنواع السوائل غير النيوتونية:

من المعروف أن ازدياد درجة الحرارة وقلة كثافة السائل تؤدي إلى لزوجة أقل، كما يؤدي انخفاض درجة الحرارة وزيادة كثافة السائل إلى زيادة اللزوجة. ولكن القاعدة هنا قد تغيرت قليلًا، فلزوجة السوائل غير النيوتونية تتغير حسب القص وتتصرف بطرق متنوعة عند تعرضها لمعدلات قص مختلفة.

وهناك أربعة أنواع منها:


1- «ترقق القص-Shear thinning »

تقل لزوجة هذا النوع من السوائل بوجود معدل قص أعلى، فالكاتشب مثلاً سائل لا نيوتوني. فلنفترض بأننا نريد استخدام علبة كاتشب، ونحن نعلم بوجود كمية منه في هذه العلبة. وعند قلبها رأسًا على عقب لاشيء يحدث! ولا نحصل على كمية الكاتشب التي نريدها إلا برجّ العلبة. أي أننا طبقنا قوة قص أعلى فأصبحت لزوجة الكاتشب أٌقل، وحصلنا على كمية الكاتشب التي نريدها. وقس على ذلك باقي السوائل من هذا النوع.

2- «تثخن القص-Shear thickening »

أما هذا النوع من السوائل تزداد لزوجته بوجود معدل قص أعلى. وعلى سبيل المثال يتكون «الأوبليك-Oobleck» من مزيج من دقيق الذرة والقليل من الماء. فتخيل معي أنك إذا طبقت قوة كبيرة على هذا السائل سيقوم بالمقاومة وسيصبح قاسيًا، ولكن إذا عاملته بلطف سيعود سائلًا كما كان.

تخيل معي أنه يمكنك السير على هذا السائل دون الغرق فيه، فإذا سألك أحدهم عن قدرتك على المشي على هذا السائل، فقل له نعم وبكل ثقة! ولكن انتبه بأنه عند توقفك سيسحبك السائل نحوه.
[2]

3- «المتغيرة الانسيابية-Thixotropic»

لهذا النوع من السوائل لزوجة تعتمد على الوقت ومعدل القص، فكلما زاد معدل القص مع الوقت قلت اللزوجة، ولكن عند التوقف تعود اللزوجة لتزداد تدريجيًا.
على سبيل المثال عندما نحرك الزبادي الذي تكون لزوجته مرتفعة تنخفض هذه اللزوجة مع الوقت، ولكن مع إيقاف التحريك تزداد اللزوجة تدريجيًا لتعود إلى ما كانت عليه.

4- «متغيرة السيولة مع الزمن-Rheopectic»

هذا النوع من السوائل معاكس تمامًا للسوائل المتغيرة الانسيابية، فاللزوجة تزداد بازدياد معدل القص مع مرور الوقت. والمثال على هذا «الكريمة المخفوقة-Wipped cream».

وباختصار فإن السوائل غير النيوتونية هي سوائل معاكسة للسوائل النيوتونية بمخالفتها لقانون اللزوجة لنيوتن. ولنتذكر دائمًا أن معظم سوائل جسمنا هي سوائل غير نيوتونية، كالدم وغيره.

للتوضيح يمكنك مشاهدة الفيديو الموجود أدناه:

المصادر:

[1] nature
[2] pubmed
[3] csidesigns

أدلة المادة المظلمة، أعظم ألغاز علم الكونيات

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

افترض العلماء منذ عشرينيات القرن الماضي وجود مادة تختلف عن تلك التي نراها بالعين المجردة، وقد بينت الأبحاث الفلكية الأخيرة وجود مادة غريبة تسيطر على 80% من الكون. أطلق عليها اسم «المادة المظلمة-Dark matter»، فما هي؟ وما الذي يدفعنا للاعتقاد بوجودها؟

ما هي المادة المظلمة؟

لا نعلم الكثير حتى الآن، ولكننا نعلم أنها لا تصدر أو تمتص أي ضوء لأننا لا نراها. وبما أنها لا تحجب عنا أي جسم آخر فلا بد أن تكون شفافة. نعلم أيضاً أنها موزعة على أطراف جميع المجرات في الكون، بينما يقل تركيزها في وسطها.

في الحقيقة، يمكننا معرفة القليل عما في الكون الآن عن طريق العودة بالزمن للمراحل الأولى من عمر الكون، عندما كان مفاعلاً نووياً كبيراً بعد دقيقة واحدة من الانفجار العظيم. ويمكننا أن نحسب بدقة عدد الذرات في ذلك الوقت أو كما تسمى بالمادة الباريونية (مثل البروتونات والنيوترونات).

وعند القيام بهذه القياسات نجد أن الكون احتوى في ذلك الوقت على سُبع المادة والجاذبية الموجودة في وقتنا الحالي. لذلك فإن بعض المادة المظلمة مكون من الذرات العادية أي البروتونات والنيوترونات، إلا أن الغالبية العظمى منها شيء مختلف لا يتفاعل نووياً؛ سمي ب«المادة المظلمة غير الباريونية-Non-baryonic dark matter».

من الممكن أن تكون هذه المادة كتلاً تعرف باسم «أجسام الهالة المضغوطة العملاقة-MACHOs»، وقد تكون ثقوباً سوداء تدور حول أطراف المجرة بأعداد كبيرة. كما أن المقترحات الممكنة تتضمن الأقزام البنية الخافتة والأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية.

أدلة المادة المظلمة

تخيل أنه طلب منك حساب وزن مجرة ما، ولتكن مجرة قريبة بما يكفي لتسطيع دراستها عن كثب كمجرة المثلث (M33) مثلاً، وبما أنها واحدة من أقرب المجرات إلى درب التبانة يمكنك تمييز كل نجم فيها. والآن قد يخطر لك طريقتان؛ الأولى إحصاء عدد النجوم وكمية الغاز والغبار فيها ثم تقدير كتلتها بناءً على ذلك.

مجرة المثلث M 33
حقوق الصورة: https://stsci-opo.org/STScI-01EVSXBKFSDW3V458533P4SV7A.png

أما الطريقة الثانية فتعتمد على الجاذبية؛ كل ما عليك هو إيجاد جسم قريب من المجرة وتحديد قوة السحب التي تطبقها عليه، ثم يمكنك حساب الكتلة من قانون نيوتن للجاذبية. بالضبط!

ذلك ما فعله العلماء؛ لكن النتائج كانت صادمة.

توصل العلماء لنتيجتين مختلفتين تماماً باستخدام الطريقتين السابقتين، فالكتلة المحسوبة من قانون الجاذبية كانت أضعاف تلك المقدرة بناءً على الرصد.

ولفهم النتيجة السابقة لا بد من تحليل الطريقتين. الأولى تعتمد على الرصد المباشر لما نراه في المجرة، والثانية تعتمد على تأثير محتويات المجرة على الأجسام المحيطة بها، أي أن التأثير كان أكبر من الكتلة المرصودة. فما السبب؟

وليزداد الغموض أكثر؛ تكررت النتيجة السابقة عند دراسة أية مجرة في كوننا، كأن ما سبق مرتبط ببنية المجرات بشكل خاص. وبعد دراسات عدة لهذا التناقض بين الكتلة المرصودة وتأثيرها؛ تبين أنه ليس بكبير في المناطق الداخلية للمجرة، وإنما يزداد بشكل هائل على أطرافها! وكأنّه هنالك مادة مظلمة ما متناثرة على أطراف المجرة تزيد من كتلتها.

دلائل أخرى

ولم يكن ما سبق الدليل الوحيد على وجودها، من الدلائل الأخرى:

التعدس الثقالي

نصّت نظرية النسبية العامة لأينشتاين أن الجاذبية تسبب انحناء الزمكان، وبالتالي تنبأت بانحراف الضوء عن مروره قرب الأجسام الثقيلة في الفضاء. و«التعدس الثقالي-Gravitational lensing»هو انحراف الضوء بتأثير الجاذبية الهائلة مشكلاً ما يشبه العدسة.

والآن إذا طبقنا ذلك على المجرات سنجد مجرة تحني الفضاء بما يكفي لنرى الضوء آتياً من ورائها كالعدسة، ثم يمكننا حساب كتلة المجرة من معادلات حقل أينشتاين.

وكما هو متوقع، توقعت الحسابات كتلة أكبر بكثير مما هو مرصود في المجرة.

حرارة الغاز

عند تشكل المجرات يبدو الغاز وكأنه يتساقط فيها ليتجمع في وسطها ويبدأ تشكل النجوم. أما ما تبقى من الغاز فينضغط باستمرار وترتفع درجة حرارته بشكل كبير حتى يبدأ بإصدار «الأشعة السينية-X rays» مما يمكننا من تصويره في تلك الأطوال الموجية.

يمكننا الاستدلال على أن الغاز هذا في حالة توازن مع الجاذبية، لأنه إن لم يكن سينفجر بشكل كرة كبيرة بسبب الضغط. والآن لحساب كتلة المجرة؛ كل ما علينا هو معرفة درجة حرارة الغاز وضغطه عن طريق صورة الأشعة السينية وموازنته مع كمية الجاذبية اللازمة لحصول التوازن السابق.

وقد تبين أن هذه الطريقة تعطي نتيجة مماثلة للنتائج السابقة.

قد لا نتمكن من معرفة ماهية هذه المادة يوماً، ولكننا متأكدين أنها تسيطر على كوننا…

المصادر:
Space
Nature

انفجارات أشعة غاما، أعنف انفجارات الكون

هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تعد «انفجارات أشعة غاما-Gamma rays burst» أعنف وأقوى الانفجارات في الكون، كما شكل رصدها ثورة علمية حقيقية وفتح آفاق واسعة أمام العلماء لحل غموضها. فما هذه الانفجارات؟ كيف تحدث؟ وكيف كاد اكتشافها أن يسبب حرباً عالمية ثالثة؟

اكتشاف انفجارات أشعة غاما

كان اكتشاف انفجارات أشعة غاما مفاجأة حقيقية للعلماء؛ فعلى عكس الكثير من الاكتشافات العلمية لم يسبق وأن توقع وجودها في الكون. أما قصة ذلك فتعود لأيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد توقيع الطرفين على معاهدة حظرت إجراء التجارب النووية، فقد تخوف كل منهما من إجراء الآخر تجارباً لقنابل نووية في الغلاف الجوي؛ مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق أقمار صناعية للتأكد من ذلك. سميت تلك الأقمار ب «أقمار فيلا الصناعية-vela satellites» وقد اعتمدت في عملها على كواشف لرصد أشعة غاما التي تنتج بشكل رئيسي عن الانفجارات النووية.

حدثت المفاجأة عام 1967 حيث استشعرت الأقمار موجة قوية من الإشعاع، أوه لا بد أنهم السوفييت!

ولكن لحسن الحظ أننا نفهم الفيزياء بشكل كافي لنعرف أن مصدر الإشعاع ليس أرضياً وأنه ليس صادراً عن انفجار نووي؛ وإلا لكان العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة!

لكن ما هي أشعة غاما؟

يتدرج «الطيف الكهرومغناطيسي-Electromagnetic spectrum» بدءاً من أمواج الراديو ذات الأطوال الموجية الكبيرة جداً؛ والتي قد تصل لكيلومترات عدة، نزولاً إلى أمواج تبلغ سنتيمترات معدودة والتي تعرف باسم الأمواج الميكروية، والأشعة تحت الحمراء بطول يتراوح بين 5 إلى 10 ميكرون، والضوء المرئي عند نصف ميكرون، ثم الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وصولاً لأقصرها وهي أشعة غاما؛ مع طول موجي أقل من نصف قطر الذرة!

الطيف الكهرومغناطيسي

وبما أن أمواجها قصيرة فإن طاقتها عالية جداً وبالتالي ليس من السهل إنتاجها، قد تظن أنه من الممكن ذلك بتسخين جسم ما؛ نعم ذلك صحيح! ولكن ذلك الجسم لن يشع غاما قبل أن يبلغ مئات الملايين من درجات كلفن! ذلك أكثر حرارة من مركز الشمس وأعلى من أي شيء سبق اكتشافه في الكون. لذلك لم يتوقع العلماء رصد أشعة غاما من الفضاء. والآن عن لم يكن السوفييت؛ فمن إذاً؟

دراسات

أجريت دراسات عديدة لحل هذا الغموض، كما اقترحت عدة فرضيات لتفسير هذا القدر الكبير من الطاقة. إلا أن محدودية البيانات شكلت عائقاً في طريق اختيار التفسير الأنسب. كنا قد عرفنا بعض المعلومات فقط، مثل وجود نوعين من هذه الأمواج؛ قصيرة المدة وقوية وأخرى طويلة المدة وضعيفة، وأنها غير موزعة بشكل منتظم في الكون بل وتأتي من كل مكان.

الأمواج الضعيفة طويلة المدة

تتميز هذه الانفجارات بأن جميعها يتبع بانفجار «مستعر أعظم-Supernova» قوي مصحوب بشعاع من الضوء المرئي. يجدر الذكر أن كلمة ضعيفة تعني ضعيفة مقارنة بأمواج غاما الأخرى. أما مقارنة بأي شيء أخر لا تزال قوية جداً، فقد أطلق أحد هذه الانفجارات طاقة هائلة خلال دقائق تعادل ما تطلقه الشمس خلال ثلاثة مليارات سنة!

ومع تطور التلسكوبات، تمكن العلماء من تقدير الكتلة التي تحولت لطاقة لإنتاج هكذا أمواج قوية. بلغت تلك الكتلة حوالي 2.7 كتلة شمسية. والآن، بعدما أصبحنا نعرف هذا القدر من المعلومات؛ بات من الممكن أن نختار النموذج المناسب لتفسير تشكل الأمواج الضعيفة طويلة المدة والذي تبين أنها تشّكل ثقب أسود في المراحل المتقدمة من حياة نجم ثقيل جداً.

الأمواج القوية قصيرة المدة

لعل أكثر ما يميزها عن النوع الآخر أنها لا تتبع بأي انفجار مستعر أعظم. معظمها يحدث في مجرات بيضاوية، ولفهم ذلك تجدر الإشارة إلى أن المجرات البيضاوية عجوزة أي لا تحتوي أية نجوم عملاقة باقية لتشكل ثقوباً سوداء. وهو ما يتعارض مع النموذج المطروح لتفسير الظاهرة.

والتفسير في هذه الحالة أن الانفجار نتج عن اندماج نجمين نيوترونيين تشكلا بانفجار مستعر أعظم عندما كانت المجرة شابة. وفي عام 2020 تم رصد أمواج ثقالية ناتجة عن اندماج مشابه تبين أنه انفجار غاما قوي وقصير المدة.

وما يميز نموذج الاندماج النيوتروني أنه يقدم إجابة لسؤالين مهمين:

أولهما التساؤل عن السبب وراء عدم رؤية ضوء مرئي يتبع الانفجار. وللإجابة عن ذلك، تخيل اندماج نجمين نيوترونيين وتناثر محتوياتهما من مواد ثقيلة ونيوترونات. عند تصادم النيوترونات بذرات العناصر سيتشكل عنصر أقل ثباتاً والذي بدوره سيضمحل. ولكن تتبقى الكثير من النيوترونات بعد؛ بالتالي ستستمر هذه العملية بالتكرر وقد تتمكن من إنتاج أي عنصر تريد مثل اليورانيوم. هذه العناصر الثقيلة المشعة ستستمر بامتصاص الطاقة الناتجة عن الانفجار فلن تر أي ضوء مرئي.

ثانيهما كيفية تشكل المواد الثقيلة، لتلك اللحظة توصل العلماء لطريقة تكون العناصر حتى الحديد في أنوية النجوم الثقيلة. ولكن بقي التساؤل عن تشكل العناصر الأثقل كالذهب مثلاً قائماً. يرجح أنها تشكلت بالطريقة السابقة، حيث استمرت عملية الاضمحلال واصطدام النيوترونات وصولاً للعناصر الأثقل.

أجل؛ يمكن القول أن جرة الذهب لا تقبع أسفل نهاية قوس قزح؛ بل في نهاية انفجار غاما القوي قصير المدة!

المصادر:
annual review
iop science
iop science
oxford academic

كيف تطور مفهومنا عن الذرة؟

فكرة الذرة فكرة قديمة قدم الفكر البشري، فلطالما تساءل الإنسان عن أصغر شيء ممكن، وعن مما تتكون المادة، واليوم سنقص عليكم قصة تطور المفهوم البشري عن الذرة، وكيف توصلنا إلى النموذج الحالي.

«ديموقريطوس-Democritus»

كان الفيلسوف اليوناني ديموقريطوس من أوائل الفلاسفة الذين قاموا بتقديم نموذج للذرة، حيث افترض ديموقريطوس أنك تستطيع تقسيم المادة إلى أجزاء صغيرة وتستمر في هذه العملية إلى أن تصل إلى جزء صغير جدا من المادة لا يمكن تقسيمه إلى أجزاء أصغر، وكانت هذه هي الذرة عند ديموقريطوس.

«أرسطو-Aristotle»

رفض أرسطو فكرة الذرة، ورأى أن كل المواد في الكون تتكون من عناصر الطبيعة الأربعة، وهي الهواء والماء والأرض والنار، إلا أن هذه الفكرة الغير علمية تسببت في تعطيل حركة البحث العلمي لما يزيد عن 1000 عام.

«روبرت بويل-Robert Boyle»

كان بويل هو أول من افترض فكرة العناصر، حيث قال أن هناك عناصر محددة في الطبيعة ولكل عنصر منها صفاته المميزة، ووضع تعريفًا للعنصر الكيميائى حيث قال أن المادة التي يمكن تقسيمها إلى مادتين أو أكثر لا تعتبر عنصرًا.

«جون دالتون-John Dalton»

أكمل دالتون على أفكار من سبقوه وصاغ نظريته عن الذرة، ونلخص لكم نظريته في الخمس نقاط التالية:

• كل المواد تتكون من جزيئات صغيرة محددة تُدعى الذرات.
• الذرة غير قابلة للرؤية أو التدمير والتفكيك.
• كل الذرات لنفس العنصر تتشارك صفات متطابقة، بما في ذلك الوزن.
• الذرات للعناصر المختلفة لها كُتل مختلفة وصفات مختلفة.
• تتكون المركبات من اتحاد ذرات العناصر المختلفة بنسب ثابتة بأرقام صحيحة.

«جوزيف جون طومسون-Joseph John Thompson»

السير جوزيف جون طومسون، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وهو مكتشف الإلكترونات، ولكن كيف اكتشفها؟

اكتشف طومسون الإلكترونات عن طريق «تجربة أشعة الكاثود-Cathode rays experiment»، حيث قام بتفريغ أنبوب زجاجي من الهواء، ووضع قطبين كهربائيين على طرفي الأنبوب، ثم قام بشحن أحد القطبين ولاحظ انطلاق أشعة متوهجة من الكاثود (القطب سالب الشحنة) باتجاه القطب الآخر.

ولاختبار خصائص أشعة الكاثود تلك، قام طومسون بوضع صفيحتين حول الكاثود، واحدة ذات شحنة موجبة والأخرى سالبة، فانطلقت أشعة الكاثود باتجاه الصفيحة ذات الشحنة الموجبة.

فقام بوضع استنتاجات هي:

• أشعة الكاثود تتكون من جزيئات ذات شحنة سالبة.
• يجب أن تتواجد تلك الجزيئات كجزء من الذرة حيث أن كتلة الجزيء الواحد منها تساوي 1/2000 من كتلة ذرة الهيدروجين (أصغر الذرات).
• يمكن إيجاد هذه الجزيئات ما دون الذرية في أي ذرة من ذرات العناصر المختلفة.

وعُرفت هذه الجسيمات فيما بعد باسم الإلكترونات.

«إرنست رذرفورد-Ernest Rutherford»

قام رذرفورد بتجربة مدهشة نقلت مفهومنا عن الذرة نقلة كبيرة، حيث قام بإحضار مصدر لأشعة ألفا (أشعة موجبة الشحنة)، ووضعه أمام طبقة من الذهب، ثم قام بإطلاق أشعة ألفا باتجاه الذهب، فلاحظ ثلاث ملاحظات:

• جزء من أشعة ألفا انطلق في خط مستقيم وعبر حاجز الذهب بدون انحراف
• جزء آخر انعكس وعاد إلى الخلف.
• جزء صغير من الأشعة عبر إلى الاتجاه الآخر ولكن مع انحراف في مساره.

وكان تفسير الجزء الذي عبر بدون انحراف هو أن معظم الذرة عبارة عن فراغ، أما الجزء المنعكس فكان نتيجة لاصطدام أشعة ألفا الموجبة بأجسام موجبة داخل الذرة، وأما تفسير انحراف الجزء الضئيل من أشعة ألفا هو التنافر بين الأشعة وبين تلك الجسيمات الموجبة.

وهذه الجسيمات الموجبة عرفت فيما بعد باسم البروتونات.

«دي برولي-De Broglie»

قال دي برولي أن الجزيئات الصغيرة مثل الإلكترون يمكن معاملتها على أنها جزيء وموجة في آن واحد، حيث تمتلك خواص الاثنين، وهو ما يعرف ب«الطبيعة المزدوجة-Dual nature».

«ويرنر هايزنبيرج-Werner Heisenberg»

إحدى أسس ميكانيكا الكم هو مبدأ الريبة لهايزنبيرج، حيث قال هايزنبيرج بمحدودية المعلومات الممكن الحصول عليها حول أي نظام كمّي، فيستحيل معرفة موقع الإلكترون وسرعته في نفس الوقت، إما هذا أو ذاك، ولكن لا يمكن معرفة الاثنين معًا.

النموذج الحديث

قال «نيلز بور-Niels Bohr» بوجود 7 مستويات طاقة يمكن للإلكترونات التواجد فيها حسب طاقتها، وتأخذ في ترتيبها الحروف (K,L,M,N,O,P,Q)، وأن الإلكترون يمكنه أن ينتقل من مستوى إلى آخر عن طريق اكتسابه كمية من الطاقة تُدعى «الكم-quantum»، وهو شيء صحيح، لكنه افترض عدم إمكانية وجود الإلكترون بين هذه المستويات، إلا أن هذا الافتراض تمت تخطئته باكتشاف المستويات الفرعية (s,p,d,f)، وهذه المستويات الفرعية تحوي عددًا من «المداريات-orbitals» تختلف في أعدادها حسب طاقة كل مستوى فرعي، وهو ما دفع الفيزيائيين إلى القول بوجود ما يسمى ب«سحابة الإلكترونات-Electron cloud»، وهي عبارة عن عدد من المواقع التي تزداد فيها احتمالية تواجد الإلكترون حول الذرة.

في الختام

تطور التصور البشري عن الذرة على مدار فترة تزيد عن 2500 سنة، وكل خطوة يخطوها الإنسان في سبيل المعرفة تزيد من معرفته وتطورها، فنقف على أكتاف معرفة الماضي لنرى أبعد مما رأى من سبقونا، وتأتي الأجيال الجديدة لتقف على أكتاف الجيل الحالي، وهكذا تتطور المعرفة البشرية.

المصادر

britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica

كرة دايسون، مصدر طاقة لا تنتهي

يرتب «مقياس كارداشيف-Kardashev scale» الحضارات الفضائية الافتراضية إلى ثلاث أنواع رئيسية بناء على مقدار الطاقة التي يستخدمها كل منهم، على النحو التالي:
• النوع الأول، يستطيع هذا النوع السيطرة على كافة أشكال الطاقة المتاحة على كوكبه.


• النوع الثاني، يستطيع هذا النوع السيطرة على كل الطاقة القادمة من النجم الذي يدور حوله كوكبه.

• النوع الثالث، يستطيع هذا النوع السيطرة على كل الطاقة التي تحتويها مجرته.

ونحن كبشر لم نبلغ النوع الأول، ولكن كيف لنا أن نسيطر في يوم من الأيام على طاقة الشمس الكاملة؟
الحل في بناء كرة دايسون

ما هي كرة دايسون؟

كرة دايسون هي بناء تخيلي يُبنى في الفضاء، حيث يكون عبارة عن كرة تحيط بالنجم لاستخراج طاقة ذلك النجم الضوئية، تماما مثلما نفعل مع الخلايا الشمسية، ولكن بالطبع على مقياس أكبر.

تم تقديم نموذج كرة دايسون عام 1960 على يد الفيزيائي «فريمان دايسون-Freeman Dyson»، حيث افترض وجود حضارة فضائية تسعى لإيجاد طاقة تناسب معدلات استهلاكها المتزايدة، وكان الحل الذي اقترحه هو بناء كرة حول النجم الذي يدور حوله كوكبهم.

لماذا نحتاج إلى كرة دايسون؟

نحن في حاجة دائمة إلى الطاقة، فعدد البشر يتزايد بشكل مستمر، كما أن مخزون كوكبنا من الوقود الأحفوري على وشك الانتهاء، لذا فنحن نحتاج إلى مصدر طاقة نظيفة عظيمة.

ولك أن تفكر فيما يمكننا تحقيقه إذا وضعنا يدنا على هذه الكمية الكبيرة من الطاقة، فهذه الطاقة كافية لتنقلنا إلى حضارة من النوع الثاني، حيث سنمتلك وقتها الطاقة الكافية لتحويل المريخ، والسفر إلى النجوم الاخرى، وغيرها الكثير من الأمور التي نحلم بها.

كيف نقوم ببناء كرة دايسون؟

علينا أولًا أن نرى مدى صلاحية نموذجنا عنها، فهناك العديد من المشاكل في نموذج الكرة، حيث أنه سيكون مغلقًا ومتماسكًا، وهو ما يصعب بناءه ليحيط بنجم، بالإضافة إلى إمكانية تأثير جاذبية النجم عليه مما قد يؤدي إلى انهياره باتجاه النجم وهو ما سيسبب كافة أنواع المشاكل غير المرغوبة، بالإضافة إلى كمية الكويكبات الكبيرة التي تدور حول الشمس، حيث سيكون اصطدام كويكب بالكرة كافيًا لتفكيكها وانهيارها.

النموذج الغير مناسب


نحتاج إلى شيء أخف، ربما ليس كرة، ولكن سرب، نحتاج إلى سرب دايسون، وهو عبارة عن سرب كبير من الخلايا الشمسية التي تدور حول الشمس لاستخراج طاقتها الكبيرة، وتوجيه هذه الطاقة نحو نقطة مركزية لإعادة توجيهها نحو الأرض لاستخدامها في كافة أنواع الاستخدامات المختلفة.

النموذج المناسب


لنقوم بعملية البناء نحتاج إلى كميات كبيرة من الموارد والطاقة، وهو ما لا نجده على كوكبنا، لذا فالحل سيكون في اختيار أحد كواكب المجموعة الشمسية لتفكيكه واستخدام موارده لبناء كرة دايسون، ويبدو عطارد كاختيار مثالي، حيث أنه يحتوي على الكثير من المعادن، بالإضافة إلى قربه من الشمس وامتلاكه لجاذبية ضعيفة مقارنة بالأرض، مما سيتيح إطلاق الخلايا الشمسية إلى مدار الشمس بسهولة.

ولكننا نحتاج طاقة كبيرة كذلك لتفكيك كوكب عطارد، وهو ما سيجعل من بنائها مهمة صعبة، حيث أنها قد تتطلب عقودًا لإتمام عملية البناء التي ستتم على النحو التالي:

نقوم بوضع خلايا شمسية على سطح كوكب عطارد، وهو ما سيوفر الطاقة للبدء في عملية التعدين وإعادة تشكيل المعادن لصناعة الخلايا الشمسية الخاصة بكرة دايسون، ثم نقوم بإطلاق عدد صغير من الخلايا الشمسية التي صنعناها نحو مدار الشمس، ونستخدم الطاقة التي ستحصل عليها هذه الخلايا لصنع المزيد من الخلايا، حيث ستوفر خلية شمسية تدور حول الشمس الطاقة اللازمة لبناء واحدة مثلها، وستوفر اثنتان ما يكفي لبناء اثنتين مثلهم، وستوفر أربعة الطاقة اللازمة لصنع أربعة مثلهم، وهو ما يعرف ب«النمو الأسي-Exponential growth»، وعلى هذا النحو قد ننتهي من بناء كرة دايسون بعد 10 أعوام من البدء.

قد يبدو حلم كرة دايسون بعيد المنال في الوقت الحالي، لكنه لن يكون بذلك البعد على أحفادنا، فأجدادنا لم يكونوا قادرين على الحصول على المعلومات التي نستطيع الحصول عليها الآن بنقرة زر، وهي فكرة تدعو للتأمل.

المصادر

space
earthsky
nerdist

كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

خطى الإنسان أولى خطواته على عالم غير عالمنا في أواخر ستينيات القرن الماضي، عندما خطى أول خطوة على القمر كنا ندرك أن هذه ليست سوى خطوة صغيرة في طريق طويل بانتظارنا، عوالم كثيرة بانتظار من يستكشفها ومن يخلّد التاريخ اسمه كأول من خطاها بقدميه، ولكن ماذا عن ما وراء مجموعتنا الشمسية؟ هل سنزور النجوم التي نراها في سماء الليل يومًا ما؟ أم أنها ستظل حلمًا بعيد المنال؟ وكيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

لماذا قد نذهب إلى النجوم؟

أولى الأسباب هي الفضول البشري، فما العلم بكل ما قدم لنا من اختراعات واكتشافات إلا نتيجة للفضول البشري، وهنا يجب أن نرد على ما يقوله البعض بشأن علم الفلك، فيقولون أن إنفاق الأموال على الأبحاث المتعلقة بعلم الفلك عديمة الجدوى فهو فرع من العلوم لا يمس حياتنا بأي شكل من الأشكال، إلا أن في هذا الطرح ضيق أفق، حيث لم يكن مايكل فاراداي يملك أدنى فكرة عما نفعله اليوم باستخدام الكهرباء عندما كان يجري تجاربه البسيطة، ولم يكن يدري نيوتن أن قوانين الحركة الخاصة به هي التي سنستخدمها لمغادرة كوكبنا والتطلع إلى العوالم الأخرى، فالسؤال عن الجدوى لا يجب أن يكون مطروحًا.

ثم أن موارد كوكبنا تنقص يومًا بعد يوم نتيجة لزيادة عدد البشر وزيادة معدلات الاستهلاك، فنحن في حاجة للسكن في عوالم أخرى، للبحث عن موارد جديدة

ولعلك تتساءل عن عنوان المقال “كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟” وهو ما سنشرحه بعد قليل.

كيف نذهب إلى النجوم؟

لسوء الحظ، لن تجدي الطريقة المعهودة نفعًا عند السفر إلى النجوم، فلا يمكننا الاعتماد على الوقود الأحفوري، حيث يُعد نجم «قنطور الأقرب-Proxima Centauri» أقرب النجوم إلى مجموعتنا الشمسية، حيث يبعد عنّا 4 سنوات ضوئية فقط، إلا أن أسرع صواريخنا (أبولو 10) – والذي كان يتحرك بسرعة تقارب 40,000 كم/ساعة – سيحتاج إلى 100,000 سنة للوصول إليه!

وهنا يحين الوقت للكشف عن سر عنوان مقالنا الغريب.

ندما أبحر كولومبوس نحو الأمريكيتين كان يبحر بالسفن الشراعية، استخدم كولومبوس الأشرعة الهوائية لتحريك سفينته وسط أمواج المحيط حتى وصل إلى العالم الجديد، ونحن أيضًا يمكننا الذهاب إلى عالمنا الجديد باستخدام الأشرعة، ولكنها لن تكون أشرعة هوائية، بل ستكون أشرعة ضوئية.

كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

يكمن السر في قانون نيوتن الثالث الذي ينص على أن لكل فعل رد فعل معاكس له في الاتجاه ومساوي له في مقدار القوة.

فكّر في الأمر، إذا قمت ببذل أي مقدار من الطاقة في أي اتجاه في الفضاء سيُدفع بك في الاتجاه المعاكس بنفس المقدار الذي بذلته، أي أنك إن أضأت مصباحًا في الفضاء الخارجي، فسيؤدي هذا إلى دفعك في الاتجاه المعاكس للاتجاه الذي توجه فيه المصباح، ولكن ببطئ شديد بالطبع.

إذا فنحن نحتاج إلى أشرعة ضخمة لتجميع أكبر قدر من الضوء لإعطائها أكبر دفعة ممكنة نحو النجم الذي نرجو الوصول إليه، ولكي تنطلق الأشرعة عليها أن تعكس الضوء، وهو ما سيتطلب أن تكون هذه الأشرعة ذات سطح ناعم يعكس الضوء بسهولة، كالمرايا، لذا سنقوم بكسوة هذه الأشرعة الخفيفة بطبقة عاكسة للضوء.

ولكن من أين نحصل على الضوء؟

تُعد هذه الخطوة هي الخطوة الأصعب، حيث سنحتاج إلى طاقة ضوئية كبيرة، قد نحتاج هنا إلى بناء جهاز ليزر ضخم على سطح القمر، وهذا الليزر سيُزوّد بالطاقة عن طريق مفاعلات نووية موجودة على القمر، حيث أن تربة القمر غنية بنظير الهيليوم «هيليوم 3-Helium 3» نتيجة لتعرض تربته لأشعة الشمس المباشرة على مدى ملايين السنين.

قد نستخدم الهيليوم 3 في المفاعلات النووية التي سنبنيها على سطح القمر لتزويد جهاز الليزر العملاق بالطاقة اللازمة لإطلاق كمية كبيرة من الضوء لتحريك الأشرعة باتجاه النجوم بسرعة كافية، وهذا قد يعني أننا علينا أن ننتظر استعمار القمر وبناء المستوطنات عليه حتى نفكّر في السفر إلى النجوم، وهو ما قد يبدو محبطًا، إلا أنه ليس بعيد المنال، فأولى خطوات بناء المستعمرات هي الهبوط والاستكشاف، وهي ما بدأنا فيها من القرن الماضي وما زلنا نفعلها إلى الآن.

لم يفكر أجدادنا عندما اكتشفوا إمكانية استخدام الأقمشة لصنع أشرعة تستغل حركة الهواء لتحريك سفنهم في البحار أن أحفادهم سيستخدمون نفس الطريقة، ولكن هذه المرة ليس للتنقل في مياه البحار، ولكن في ظلام الفضاء، وليست من يابسة إلى يابسة، ولكن من نجم إلى نجم آخر.

المصادر

esa
space
nasa
sciencedirect

5 تنبؤات صحيحة قام بها أينشتاين

إذا سألت الناس عن أذكى رجل في التاريخ، سيجيبك معظمهم عن أينشتاين، ذلك الرجل الذي غيّر مفاهيمنا عن الكون بطريقة ثورية.
ولا يمكن ذكاء أينشتاين في نظرياته واكتشافاته وحسب، بل أنه قد تنبأ بأشياء اكتُشفت بعد وفاته، وسنتعرف اليوم على أبرز 5 تنبؤات له.

«الطاقة المظلمة-Dark energy»

عندما صاغ أينشتاين معادلات نظرية النسبية العامة، اكتشف أن وجود الكُتل الكبيرة على نسيج الزمكان ستؤدي مع الوقت إلى سقوط بعضها نحو بعض، فافترض وجود طاقة تتسبب في تمدد الكون، لتؤدي إلى التوازن الذي يمنع الكون من الانهيار على نفسه، ولكن المجتمع العلمي رفض هذه الفرضية، إلا أنه في عام 1998 اكتُشفت الطاقة المظلمة، وهي الطاقة التي تتسبب في تسارع تمدد الكون، أي أن أينشتاين كان على صواب حتى عندما أخطأ!

تمدد الكون

«تمدد الزمن-Time dilation»

تنبأت نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين بأن الوقت يتحرك بشكل أبطأ عند التحرك بسرعة أكبر، فإذا كان الجسم أ يتحرك بسرعة أعلى من الجسم ب، فإن الوقت يمر بشكل أبطأ على الجسم أ من مروره على الجسم ب، كما كان في فيلم Interstellar، وهو ما أُثبت في تجربة العالمين «جوزيف هافل-Joseph Hafele» و«ريتشارد كيتينج-Richard Keating»، حيث قاما بوضع ساعة ذرية في طائرة، وساعة ذرية أخرى على الأرض، وعند هبوط الطائرة وُجد فرق في حساب الوقت بالفعل.

تمدد الزمن

«عدسة الجاذبية-Gravitational lensing»

عندما يأتينا الضوء من النجوم أو المجرات البعيدة فإننا نراها في مكانها (على افتراض أنها ثابتة)، ولكن ماذا يحدث إذا كان هناك جسم ذو كتلة كبيرة بيننا وبين الشيء الذي نرصده؟

سيجذب هذا الجسم أشعة الضوء القادمة من الجسم المرصود، وبالتالي انحناء أشعة الضوء وهذا يؤدي بدوره لتشوه الصورة القادمة إلينا، فنرى الجسم في غير مكانه، أو نحصل على صورة مشوّهة، كان هذا ما تنبأت به نظرية النسبية العامة لأينشتاين، وهو ما أثبتته المشاهدات مرارًا وتكرارًا.

شرح ظاهرة عدسة الجاذبية
صورة مشوهة لمجرة

«الثقوب السوداء-Black holes»

الثقوب السوداء هي أجسام ذات كتلة كبيرة وكثافة عالية وبالتالي قوة جاذبية كبيرة، تؤدي إلى تشوه نسيج الزمكان، ولا يستطيع أي شيء الهروب من جاذبيتها بما في ذلك الضوء.

كانت نظرية النسبية العامة لأينشتاين هي أول ما تنبأ بوجود مثل هذه الأجسام وتنبأت بتأثيراتها الغريبة على الضوء، ولا نحتاج إلى القول بوجود الثقوب السوداء، فقد التُقطت أول صورة لثقب أسود عام 2019، لتثبت وبدون شك صدق تنبؤات أينشتاين.

أول صورة لثقب أسود

«موجات الجاذبية-Gravitational waves»

افترض أينشتاين قبل 100 عام حدوث تموجات في نسيج الزمكان إثر تصادم أجسام ذات كتلة كبيرة، وهو ما أُثبت في عام 2016 في مرصد «ليجو-LIGO»، حيث رصد الباحثون أثر موجات جاذبية ظلت تُسافر في الفضاء لمدة 1.3 بليون سنة، نتيجة لتصادم اثنين من الثقوب السوداء في الماضي السحيق.

موجات الجاذبية

قوة العلم

لم تكن تنبؤات أينشتاين -والتي تزيد عن الخمسة المذكورة أعلاه- نتيجة لقدرات سحرية، وإنما هو سحر العلم والرياضيات، واللذان عن طريقهما ندرس ما كان، لنتنبأ بما هو آت.

المصادر

earthlymission
nasa
worldscientific

إشعاع هوكينج | تأثير الكم في الثقوب السوداء

هذه المقالة هي الجزء 9 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

إشعاع هوكينج | تأثير الكم في الثقوب السوداء

في عام 1975 نشر العالم ستيفن هوكينج دراسة صادمة: الثقوب السوداء ليست سوداء حقاً بل تصدر إشعاعاً حرارياً! فما علاقة الكمّ والنسبية وكيف جمعت هذه الدراسة بينهما؟ كيف يحدث الإشعاع؟ وما أهم المشكلات المتعلّقة به؟

النسبية وأفق الحدث

بشكل عام تبدو علاقة النسبية واضحة هنا، فالإشعاع صادر عن الثقوب السوداء التي تُعتَبر إحدى أهم تطبيقات النظرية النسبية، أما بشكل خاص فغالبية الأمر متعلق بأفق الحدث، الذي يعرف بأنه منطقة حول الثقب الأسود تشكل الحد الذي لا يمكن لأي شيء أن يفلت منه؛ حيث تتجاوز سرعة الإفلات سرعة الضوء التي لا يمكن تجاوزها بحسب النسبية الخاصة [3].

ولكن ما علاقة نظرية الكم؟

في الحقيقة إن ادعاء هوكينج يستند بشكل أساسي إلى ميكانيك الكم؛ حيث أثبتت نظرية الكم أن الفضاء الفارغ ليس فارغ حقاً في المستويات دون الذرية، فحتى أكثر المناطق فراغاً في الكون تتذبذب فيها حقول الطاقة مؤديةً لتشكل أزواج من الجسيمات الافتراضية بشكل مستمر، يتكون كل زوج منهما من جسيمين متكافئين في الكتلة ومتعاكسين في الطاقة يشكلان ما يعرف بزوج جسيم-مضاد جسيم؛ ونتيجة لطاقتهما المتعاكسة يُفنيان بعضهما فوراً في حادثة تعرف باسم «الفناء-annihilation»، حتى أن سبب تسميتهم بالجسيمات الافتراضية يعود لنفس السبب؛ فهذه الجسيمات تفنى قبل أن تصبح حقيقية [2].

كيفية حدوث إشعاع هوكينج

تتشكل الجسيمات الافتراضية السابقة قرب الثقوب السوداء كأي منطقة أخرى في الكون إلا أن الجاذبية الفائقة للثقب الأسود تحدث الفرق. فقد لاحظ هوكينج أنه عند تشكل زوج جسيم-مضاد جسيم قرب منطقة أفق الحدث تقوم قوى الجذب بفصل الجسيمين قبل أن يفنيان بعضهما. يسقط مضاد الجسيم (سالب الطاقة) في الثقب الأسود تاركاً قرينه الجسيم (موجب الطاقة) يغادر الثقب الأسود بشكل إشعاع هوكينج الذي يتكون من الفوتونات وجسيمات «النيوترينو- neutrino» وغيرها من الجسيمات الثقيلة. وتنص قوانين الكم على أن الجسيم الساقط في الثقب الأسود هو دوماً سالب الطاقة. وبالتالي سيقوم بإنقاص كتلة الثقب الأسود الذي سقط فيه فيبدو وكأنه ينكمش بمرور الزمن. [1] [2]

كيف يمكن لجسيم سالب الطاقة أن يكون حقيقاً ليؤثر في كتلة الثقب الأسود؟


رغم أن الجسيمات السالبة الطاقة لا يمكن لها التواجد بشكل حقيقي خارج منطقة أفق الحدث. إلا أنها تصبح حقيقية عندما تسقط في الثقب الأسود، بدايةً ليكون الجسيم حقيقياً يجب أن يملك طاقة موجبة بالنسبة إلى إحداثيات الزمن. أي أن يتحرك إلى الأمام من الحاضر إلى المستقبل لا العكس. وفي الثقب الأسود تجبر جاذبيته الجسيمات على ذلك بغض النظر عن طاقتها. [3]

لماذا الجسيم السالب هو من يسقط وليس الموجب؟

لا يمكن للجسيم الموجب أن يتجاوز أفق الحدث بينما يبقى الجسيم السالب خارجاً، لأن الجسيم السالب الطاقة لا يمكنه التواجد كجسيم حقيقي خارج منطقة أفق الحدث [3].

مفارقة معلومات الثقب الأسود:

وبالعودة إلى ميكانيكا الكم نجد أكبر المشكلات التي تحيط بفكرة إشعاع هوكينج وهي«مفارقة معلومات الثقب الأسود-black hole information paradox». فبحسب قوانين الكم لا يمكن أن تضيع المعلومات. ولا بد من وجود طريقة لاستعادة المعلومات، كمعرفة ما يدخله عبر قياس الحالة الكمية للإشعاع الصادر عنه. إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة؛ فقد أوضح هوكينج أن الإشعاع الصادر شديد العشوائية بحيث لا يمكننا استخلاص أي معلومات مفيدة منه حتى ولو راقبنا الثقب الأسود يتبخر كاملاً! وقد قسمت هذه المفارقة العلماء إلى مجموعتين. منهم يدعي أن المعلومات ستختفي بموت الثقب الأسود والذي يتعارض مع قوانين ميكانيكا الكم. وحينها على العلماء إيجاد قوانين جديدة أفضل! والمجموعة الأخرى تتمسك بقوانين الكم التقليدية. وما زلنا بانتظار الدراسات أو الاكتشافات الجديدة التي ستثبت خطأ أحدهما وتحدث ثورة في هذا المجال. [1]

المصادر:

[1] nature
[2] nature
[3] springer

نهاية الكون من منظور العلم

نظر الإنسان إلى السماء متأملًا إياها بنجومها وكواكبها، ناظرًا إليها برهبة تصحبها رغبة في استكشافها، ومنذ اللحظة الأولى اخترع الإنسان الأساطير والملحمات الشعرية ليفسر نشأة ما يراه من عجب، ويطلق العنان لخياله ليرى ما يمكن أن يصير إليه الكون في النهاية.
لكن من أعظم ما توصل إليه الإنسان هو المنهج العلمي المُتبع حاليًا، إذ استطاع من خلاله التوصل إلى حقيقة نشأة الكون، وافتراض سيناريوهات محتملة لنهايته وفق ما يراه من حقائق، وليس من وحي خياله المحض.

البداية

لا يجوز الحديث عن النهايات دون الحديث عن البدايات، تعالوا لنقصص عليكم قصة كوننا.

منذ ما يقرب من 13.8 مليار سنة، كان الكون كله محصورًا في نقطة صغيرة بلا أبعاد يدعوها الفيزيائيون «المفردة-singularity»، كانت هذه النقطة الصغيرة تحتوي الكون بأكمله، فكانت ذات كتلة وحرارة عظيمتين، ولأسباب مجهولة أخذ كوننا في التوسع بسرعة شديدة مقاومًا الجاذبية، وما زال مستمرًا في توسعه إلى الآن، ليس هذا وحسب، بل إن معدل توسعه في تزايد مستمر، لا نعلم إلى الآن القوى المسئولة عن هذا التوسع، فأطلقنا عليها اسم «الطاقة المظلمة-Dark Energy».

يمكننا تصور الصراع بين الجاذبية والطاقة المظلمة بلعبة شد الحبل، وفي هذا التصور سيكون الكون هو الحبل نفسه، حيث يحاول كل من الطرفين سحب الكون في اتجاه، تحاول الجاذبية سحق الكون على نفسه عن طريق التجاذب بين المجرات، بينما تحاول الطاقة المظلمة دفع المجرات بعيدًا عن بعضها البعض عن طريق خلق المزيد والمزيد من الفراغ بين المجرات.

والآن، دعونا نتناول ثلاثة سيناريوهات محتملة لنهاية الكون.

1- «التمزق الكبير-Big Rip»

كما قد ذكرنا، فإن الجاذبية في صراع مع الطاقة المظلمة، ولكن ماذا إن انتصرت الطاقة المظلمة؟

ستبتعد المجرات عن بعضها البعض، نتيجة لتوسع الكون، ليس هذا وحسب، بل إن النجوم ستتناثر خارج مجراتها، ويستمر مفعول الطاقة المظلمة في التزايد، إلى أن تخرج الكواكب من مداراتها، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن تأثير الطاقة المظلمة سيزيد إلى أن الذرات لن تقوى على مقاومته، فتخرج الالكترونات من مداراتها، وتتفكك نوى الذرات، ليتحول الكون إلى حساء من الجسيمات الأولية التي تسبح في كل اتجاه دون أن يمس بعضها بعضًا بسبب اتساع الكون الرهيب.

2- «الانسحاق الكبير-Big Crunch»

ماذا إن انتصرت الجاذبية؟
لنفترض تلاشي الطاقة المظلمة في وقت من الأوقات، الأمر أشبه بإلقاء كرة إلى الأعلى، ترتفع الكرة ولكنها ستهبط لا محالة، قد يحدث أمر مشابه مع كوننا، حيث ستنفذ الطاقة المظلمة بعد زمن طويل، سامحة للجاذبية بالانتصار، حيث ستدفع الجاذبية المجرات نحو بعضها البعض، مُعيدة الكون إلى سيرته الأولى عندما كان مفردة صغيرة، وهنا تقبع مفاجأة مذهلة، حيث يمكن للمفردة أن تتوسع من جديد لتُنشئ كونًا جديدًا وفقًا لظاهرة تُدعى «النفق الكمومي-Quantum tunneling»، مما يعني أنه من الممكن أن يكون كوننا مسبوقًا ومتبوعًا بأكوان أخرى.

3-«الموت الحراري-Heat death»

اختلف الفلاسفة في القديم على تصور نهاية الكون، هل سينتهي مُحترقًا أم متجمدًا؟
يخبرنا العلم أنه قد يموت متجمدًا(مع القليل من التحفظ).
عندما نشعر بالبرد في الشتاء نسارع بوضع أيادينا على شيء دافئ أو نجلس أمام المدفأة، وهكذا نقلل من شعورنا بالبرد، فالحرارة تنتقل من الجسم الأعلى حرارة للأقل، كما أن الأجسام الساخنة تفقد حرارتها مع الوقت، بفعل «الانتروبي-Entropy»، إذ أن كل شيء في الكون يميل إلى حالة السكون والهدوء، فإذا تركت كوبًا من الشاي الدافئ سيبرد مع الوقت، فالحرارة هي نتيجة تحرك الجزيئات بسرعة عالية لاكتسابها بعض الطاقة، وبما أن الجزيئات تميل إلى السكون، فستهدأ مع الوقت، ليبرد الشاي.

وهذا ما سيحدث مع الكون، إذ ستستمر المجرات في التباعد عن بعضها البعض، كما ستفقد النجوم حرارتها مع الوقت، ليموت الكون موتًا باردًا حيث تسكن جزيئاته في نهاية الأمر.

هل الأمر بهذه الأهمية؟

في الواقع لا، وهذا لسببين:
• قد يتضح أن كل هذا خاطئ، فهو مبني على معرفتنا العلمية الحالية القابلة للتغيير.
• هناك ما هو أجدر بالقلق، كالاحتباس الحراري وتناقص المساحات الخضراء على سبيل المثال لا الحصر.

الخاتمة

قد يتبين لنا أن تصوراتنا عن نهاية الكون خاطئة، وقد لا يعيش جنسنا ليشهد نهاية الكون من الأساس، ولكن تبقى هذه الفرضيات هي أفضل ما نملك، لأنها مبنية على المنهج العلمي، وهو المنهج الأفضل لتقصي حقائق الكون وأخبار ماضيه ومستقبله.

المصادر:

wired

astronomy.com

howstuffworks

اقرأ أيضًا الرد على أبرز ثلاث ادعاءات لأصحاب الأرض المسطحة

الرد على أبرز ثلاثة ادعاءات لأصحاب نظرية الأرض المسطحة

ها نحن ذا على مشارف عام 2021، وما زال البعض يعتقد أن الأرض مسطحة، وأنها محاطة بجدار جليدي بامتداد 65,000 ميل تحرسه وحوش عملاقة، وأن السماء قبة تحيط بأرضنا الجميلة، وأن الشمس والقمر يركضان خلف بعضهما البعض لسبب لا يعلمه أحد، وأن ناسا وكالة دجل مدعومة من الشيطان لطمس الحقائق.

لذا فقد قررنا الرد على ثلاثة ادعاءات لهم.

1. “لو كانت الأرض كروية وتدور بسرعة عالية في الفضاء، فإنه من المستحيل أن تبقى المياه في البحار والمحيطات ساكنة، بدلا من ذلك يجب عليها أن تكون في حركة مستمر، ولكننا نشاهد العكس.”

من منا لم يسأل نفسه هذا السؤال في الصف الأول الابتدائي عند معرفتنا بدوران الأرض حول محورها؟

لكن ما لم نفهمه في ذاك الوقت هو كيف تعمل الجاذبية، لنأخذ مثالًا عمليا للتوضيح، خذ كرة قدم عادية، ثم قم بتثبيت خرزة صغيرة عليها جيدًا باستخدام الصمغ، ثم قم بتدوير الكرة بأقصى سرعة ممكنة، هل طارت الخرزة؟

بالطبع لا، لأنها مثبتة على سطح الكرة بالصمغ، كذلك تعمل الجاذبية الأرضية، فالمحيطات والبحار مثبّتة في الأرض بفعل الجاذبية، كما أن الأرض تتحرك بسرعة ثابتة.

عندما تتحرك بسرعة ثابتة في السيارة، يمكنك سكب الماء من كوب لآخر بدون أن يتبلل قميصك، لأن الماء لن يتحرك للخلف، إذ أن سرعة السيارة ثابتة، إنها الفيزياء ببساطة.

2. “إذا كانت الأرض كروية وتدور بسرعة معينة، يمكن للمروحيات الارتفاع عن سطح الأرض والبقاء في المكان ذاته حتى تصل إلى المكان المطلوب.”

عادة ما يُساء فهم مسألة الدوران من قِبل أصحاب نظرية الأرض المسطحة، إذ أن الطائرات تبقى داخل الغلاف الجوي مهما طارت، فهي تحلق داخل مجال جاذبية الأرض، لذا فهي تدور مع الأرض بدورانها، كل شيء على الأرض يدور معها في الواقع بما فيهم أنت، إذ أنك تنطلق بسرعة رهيبة في الفضاء بينما تقرأ هذا المقال، لكنك لا تشعر بذلك لأن السرعة ثابتة كما بينّا في النقطة السابقة، فكذا الطائرات، إذا ظلت معلقة في الهواء بثبات فستدور مع الأرض، لذا فستبقى فوق النقطة التي طارت منها، فوجب عليها التحرك لبلوغ وجهتها.

3. “لو كانت الأرض حقا تدور، فإن الرصاص الذي تم إطلاقه بشكل عامودي إلى الأعلى، لسقط بمكان آخر بعيد عن المكان الذي تم الإطاق منه، وهذا لا يحدث.”

كما وضحنا في النقطة السابقة، فإن الرصاصة مهما انطلقت بشكل عامودي فهي بداخل مجال جاذبية الأرض، ما لم تبلغ سرعة الإفلات، فالرصاصات المُطلقة للأعلى تدور مع دوران الأرض أيضًا، كما أن حجم الأرض كبير للغاية مقارنة بالرصاصة، ولتوضيح هذه النقطة علينا القيام بتجربة أخرى.

خذ خيطًا، واربط طرفه بإصبعك، واربط الطرف الآخر بخرزة صغيرة، ثم قم بلف إصبعك، وبلا شك ستدور الخرزة مع دوران إصبعك، فإصبعك هنا يمثِّل الأرض، والخيط يمثّل الجاذبية، والخرزة تمثل أي جسم في مجال جاذبية الأرض.

الخلاصة:

تتعدد أسباب المؤمنين بتسطيح الأرض، كما تتعدد أسباب المؤمنين بالخرافة، فالأرض كروية، وستظل كروية للأبد، فالعلم لا يعبأ بمن لا يصدقونه.

المصادر:

physicsforum
scientificamerican
popsci.com

اقرأ أيضًا

هل حقًا سقطت نظرية التطور كما يزعمون؟

Exit mobile version