كيف تعمل قنابل الاندماج النووي؟ وما هي آثارها؟

تعمل قنابل الاندماج النووي أو ما اصطلح عليه بالقنبلة الهيدروجينية بشكل مختلف عن القنابل الذرية. وتفوق قوتها آلاف المرات القنبلة الذرية بفضل الطاقة الذي يحررها الوقود النووي أثناء عملية الاندماج النووي. ورغم أن هذا النوع من القنابل لم يستخدم في أي حرب حقيقية، إلا أن الاختبارات التي تم إجراؤها في عدة مواقع من العالم تبين هول الخسائر التي قد يسببها انفجار قنبلة اندماجية. فكيف تعمل قنبلة الاندماج النووي؟ وما هي ظاهرة الاندماج النووي التي تقوم عليها القنبلة الاندماجية؟ وما هي الآثار التي تخلفها هذه القنابل؟

الاندماج النووي

في ظاهرة الاندماج النووي، تندمج نواتان خفيفتان لتشكلا معًا نواة واحدة أثقل. ولحصول هذه الظاهرة، يجب أن تتغلب قوى التجاذب النووية على التنافر الذي يحدث بين شحن النواتين. ويتم تحقيق هذا الشرط إما برفع كثافة الوقود النووي -حيث يؤدي الضغط الهائل إلى تجاوز عتبة التنافر- أو من خلال رفع درجة الحرارة إلى ما يقارب مئة مليون درجة مئوية (حوالي سبعة أضعاف درجة حرارة مركز الشمس). وكلما كبُر حجم النواة، زادت معه الطاقة اللازمة لإحداث الاندماج النووي. لهذا، تعتبر نواة الهيدروجين الأنسب لهذا الغرض (باعتبارها أخف ذرة في الطبيعة)[1].

ويتوفر الهيدروجين على ثلاثة نظائر طبيعية. أولها، الهيدروجين العادي (1H) الذي يتكون من بروتون واحد، وتشكل نسبته %99.985 من الهيدروجين الموجود في الطبيعة. وثانيهما، الديوتيريوم (ويرمز له ب D أو 2H) الذي يتشكل من بروتون ونيوترون. ويشكل ما نسبته %0.015 من الهيدروجين الطبيعي. وأخيرًا، التريتيوم (ويرمز له ب T أو 3H). ويتكون من بروتون ونيوترونين، ولا يتواجد في الطبيعة إلا بمقدار ضئيل لا يذكر. وتقوم قنبلة الاندماج النووي بشكل أساسي على اندماج الديوتيريوم 2H والتريتيوم 3H، حيث يندمجان فيُشكلان نواة الهليوم 4He مع تحرير نيوترون وطاقة تقدر ب 17.588 MeV (الشكل 1) [2].

الشكل 1: الاندماج النووي لنظيري الهيدروجين الديوتيريوم 2H والتريتيوم 3H

الاندماج النووي للديوتيريوم

 يمثل اندماج نواتين من الديوتيريوم D مثالا آخر للاندماج النووي الذي يستخدم في الأسلحة النووية، حيث ينتهي التفاعل بإنتاج نواة الهيليوم ونيوترون مع انبعاث MeV3.268 من الطاقة (الشكل 2) [3].

الشكل 2: الاندماج النووي لنواتين من الديوتيريوم D

استخدام الليثيوم كوقود نووي

يمكن أيضًا أن نستخدم الليثيوم (6Li) في الاندماج النووي. حيث تنشطر نواة الليثيوم بعد امتصاص نيوترون إلى نواتي الهليوم (4He) والتريتيوم (3H). فيدخل هذا الأخير في تفاعل كالذي في الشكل 1 من أجل تحرير طاقة الانفجار (الشكل 3). ويتم استعمال الليثيوم كوقود نووي بدل التريتيوم لأن هذا الأخير عنصر مشع غير مستقر يتحلل إلى الهيليوم (3He) بعمر نصف (المدة الزمنية اللازمة لتحلل نصف الكمية) يقدر بـ12 سنة. وبالتالي، فإن استعمال التريتيوم بشكل مباشر يتطلب إعادة تعبئته كل مدة معينة لتعويض الكمية المتحللة [3].

الشكل 3: استخدام الليثيوم من أجل إنتاج الاندماج النووي

تصميمات قنابل الاندماج النووي

تعتبر تصميمات قنابل الاندماج النووي من الأسرار العسكرية للدول النووية. وما يتوافر لدينا من معلومات لا يتعلق إلا بأولى القنابل التي صُنّعت في القرن الماضي، كالقنبلة المعَزَّزة التي تعتمد بشكل جزئي على الاندماج النووي وقنبلة المرحلتين.

القنبلة المعززة

يُستخدم الاندماج النووي في «القنبلة المعَزَّزة-boosted weapon» من أجل تعزيز كفاءة القنبلة التي تعتمد أساسًا على طاقة الانشطار النووي. إذ يساهم الاندماج النووي لكمية صغيرة من (بضعة غرامات) الديوتيريوم D والتريتيوم T في خلق المزيد من الانشطارات النووية قبل أن تدمر القنبلة ذاتها. ويحدث ذلك عندما يمتص الوقود الانشطاري النيوترونات المنبعثة من اندماج D و Tفينشطر محَرِّرًا معه طاقة الانفجار [3].

قنبلة المرحلتين

تعتمد «قنبلة المرحلتين-two stage bomb» أو ما يعرف بـ «تصميم تيلر-أولام-Teller-Ulam design» بشكل أساسي على طاقة الاندماج النووي.  وكما هو بيِّن من الاسم، فإن هذه القنبلة تنفجر على مرحلتين. في المرحلة الأولى -التي تدعى الانفجار الأولي- تنفجر قنبلة انشطارية من نوع الانضغاط الداخلي (الجزء الدائري من الشكل 4) لتُؤمِّن الضغط اللازم لتوليد الاندماج النووي. بعدها، يَظَّل الوقود النووي الاندماجي -المعبأ في أسطوانة أسفل القنبلة الانشطارية- ينضغط إلى مركز الأسطوانة ضاغطًا معه أنبوبًا من المادة الانشطارية الذي يخترق أسطوانة الوقود النووي الاندماجي من مركزها. ويتجلى دور الأنبوب في كونه الفتيل الذي يشعل الانفجار الاندماجي. ذاك أن انضغاط الأنبوب يُوصل المادة الانشطارية داخله إلى الكتلة الحرجة، التي يمكن معها بدء الانفجار الانشطاري بعد امتصاص أحد النيوترونات، فينفجر الأنبوب مولدًا معه الحرارة اللازمة لبدء الانفجار الاندماجي. وهذا ما يعرف بالانفجار الثانوي [3].

الشكل 4: مراحل انفجار قنبلة المرحلتين

ويعتبر التحدي الأكبر في هذا التصميم هو الوصول إلى الانفجار الاندماجي قبل أن يدمر الانفجار الأولي القنبلة. مع العلم أن هذا الانفجار الأولي قادر على تدمير مدينة بأكملها. ويكمن سر نجاح هذا التصميم في كون معظم الطاقة المحررة من الانفجار الأولي عبارة عن أشعة إكس التي تسمح بنقل الطاقة إلى المادة الاندماجية قبل أن ينفجر السلاح كله مدمرا نفسه [3].

آثار قنابل الاندماج النووي

تتغير شدة الآثار التي تخلفها قنابل الاندماج النووي حسب قوة الانفجار. ويتم تحديد هذه القوة بحساب عدد الأطنان اللازمة لخلق نفس الانفجار باستعمال «ثلاثي نيتروتولوين-(Trinitrotoluene (TNT» (متفجرات تي إن تي التقليدية). وقد تصل قوة انفجار قنابل الاندماج النووي إلى عشرات ملايين الأطنان [1].

الكرة النارية النووية

لا تقتصر آثار قنابل الاندماج النووي على قوة الانفجار وحدها، بل إن أغلب الأضرار تنتج عن نواتج الانفجار. وأولها، كرة نارية قد يصل قطرها إلى أكثر من 1000 متر. تتشكل من كمية هائلة من أشعة إكس التي تقوم بتسخين الهواء إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية (درجة حرارة الشمس). وفي هذه الظروف فإن ذرات وجزيئات المادة تتحلل [4].

موجة الهواء المضغوط

وتتسبب الكرية النارية في تشكيل موجة من الهواء المضغوط الذي ينتشر بسرعة تفوق سرعة الصوت وذلك بدفع الهواء بعيدا عن مركز الانفجار. يسبب الضغط الهائل سحق كل  شيء بالقرب من مركز الانفجار بما في ذلك أجسام البشر التي تموت بشكل فوري عند التعرض لهذا الضغط. بالنسبة للمناطق الأبعد، حيث ينخفض الضغط نسبيًا، فإن الضغط قد يتسبب في تمزيق الرئتين أو على أقل تقدير في تمزيق طبلة الأذن. بالإضافة إلى هذا، تصاحب موجة الضغط هذه رياح عاتية قادرة على اقتلاع مباني على بعد عدة أميال من أساساتها. وفي حال بقي شيء من البنيان، فإن ما يسمى بتأثير الفراغ كفيل بتدميره. ذاك أن الأماكن التي تجتاحها موجة الضغط تفقد الكثير من الهواء، وبالتالي ينخفض الضغط في محيط البنايات هناك، فتنفجر هذه الأخيرة بسبب فرق الضغط بين الداخل والخارج [4].

الإشعاعات الحرارية

وأخيرًا وليس آخرًا، يأتي دور الإشعاعات الحرارية التي تكون على شكل ضوء أو حرارة، والتي تصل درجة حرارتها إلى 6000 درجة مئوية. وتتسبب هذه الإشعاعات في إحراق أي شيء قابل للاحتراق داخل مدى انتشارها من خشب أو ملابس أو حتى جلد الإنسان. مما يؤدي إلى انتشار موجة من الحرائق يصل مداها إلى بضعة كيلومترات. وقد يؤدي الوميض الضوئي لهذه الإشعاعات الذي قد يدوم 30 دقيقة ويتخطى 10 أميال إلى الإصابة الدائمة بالعمى. وبسبب قدرة هذه الإشعاعات على الانعكاس في الهواء، فإن أثرها لا ينحصر فقط على من ينظر مباشرة إلى الانفجار بل إلى أي شخص في دائرة الانفجار [4].

المصادر

[1] Nuclear energy: An introduction to the concepts, systems, and applications of nuclear processes

[2] Nuclear Weapons, Risk and Hope -Handout#2

[3] Introduction to Nuclear Weapon Physics and Design 

[4] Basic Nuclear Physics and Weapons Effects 

كيف تتفاعل الإشعاعات المؤينة مع المادة ؟ وما هي أنواع التفاعلات النووية؟

تتميز الإشعاعات بكونها تتفاعل معنا دون أن نشعر بوجودها. وتعد الإشعاعات المؤينة أخطر من باقي الإشعاعات، وذلك نظرًا لقدرتها على خلق سلسلة كبيرة من التفاعلات. في هذا المقال، سنتم ما بدأناه سابقًا حول تفاعل الإشعاع مع المادة. وستكون الإشعاعات المؤينة مدار حديثنا فيه. تعالوا لنعرف كيف تتفاعل الإشعاعات المؤينة مع المادة ؟

تختلف طريقة التفاعل بين الإشعاعات والمادة حسب كونها مشحونة أم حيادية. فـ«الجسيمات المشحونة-Charged particles» تتفاعل مع الذرات بواسطة شحنتها، حيث تتجاذب الجسيمات التي تملك شحنات متقابلة، بينما تتنافر الجسيمات التي لها نفس الشحنة. أما «الجسيمات غير المشحونة-Uncharged particles»  فإنها تخترق المادة دون أن تخضع لهذه القوى، وهذا ما يجعل قوة نفاذيتها للمادة كبيرة مقارنة بالجسيمات المشحونة [1].

كيف تتفاعل الإشعاعات المؤينة مع المادة؟

تفاعل الإلكترونات مع المادة

عندما نقذف إلكترونًا (جسيم مشحون) نحو مادة ما، فإنه يظل يتباطأ أثناء اختراقه للمادة، إلى أن يتوقف كليًا بعد أن يفقد كل طاقته. ويتميز هذا التفاعل بـ«قدرة الإيقاف-Stopping power» أي قدرة المادة على إيقاف الإلكترون المقذوف. أو بتعريف أدق هو مقدارالطاقة التي يفقدها الإلكترون خلال متر واحد من مسيره.

وتشكل هذه الميزة عاملًا مهمًا في تحديد خطورة الإشعاع. فكلما زادت قدرة الإيقاف، قلّت قدرة الإلكترون على اختراق المادة، وبالتالي، قلّت معه خطورة تفاعله مع المادة. ويفقد الإلكترون طاقته إما من خلال تفاعله مع النواة مباشرة أو مع الإلكترونات المكونة للذرة. في الحالة الأولى، ينحرف الإلكترون إثر مروره بالمجال المغناطيسي للنواة وتتباطأ حركته، فتتحول الطاقة الحركية -الناتجة عن التباطؤ- إلى إشعاع يدعى «إشعاع الانكباح-Bremsstrahlung radiation».

أما في الحالة الثانية، فإن الإلكترون المقذوف يمنح طاقته لإلكترونات الذرات التي يقتحمها عن طريق سلسلة من التصادمات. فيبدو ككرة تتجاذبها أرجل اللاعبين إلى أن يتوقف نهائيًا بعد أن يفقد كل طاقته [1].

ظاهرة إشعاع الانكباح

تفاعل الفوتونات مع المادة

تتفاعل الفوتونات (جسيم غير مشحون) مع المادة بشكل مختلف عن الإلكترونات. فعند إرسال حزمة من الفوتونات إلى مادة ما، تتفاعل بعضها مع ذرات المادة، بينما تنجح أخرى في تجاوزها دون تفاعل. ويتحدد عدد الفوتونات المتفاعلة عن الأخرى، من خلال معامل يدعى «معامل التوهين-Attenuation coefficient»، والذي يمثل احتمالية تفاعل الفوتون مع المادة. ويتغير هذا المعامل حسب طاقة الفوتون وكثافة المادة. فكلما زادت طاقة الفوتون، زادت معه فرص النفاذ من المادة دون تفاعل.

وفي المقابل: كلما كانت المادة أكثر كثافة، زادت احتمالية لقاء مزيد من الذرات، وبالتالي احتمالية حدوث تفاعل. ويحدث التفاعل ب3 طرق رئيسية وهي التأثير الكهرضوئي، وتأثير كومبتون، والإنتاج الزوجي [1].

التأثير الكهرضوئي

في هذا التفاعل، يمتص أحد إلكترونات الذرات الفوتون القادم كله. أي أن الفوتون يختفي وتتحول كل طاقته إلى الإلكترون الذي ينطلق مبتعدًا عن مداره. ولحدوث هذا التفاعل، يجب أن تتجاوز طاقة الفوتون طاقة الربط التي تربط الإلكترون بالذرة. وهكذا، فإن الإلكترون ينطلق بطاقة تعادل الفرق بين طاقة الفوتون وطاقة الربط لدى الإلكترون. وحسب التجربة، فإن احتمالية هذا الحدث ترتفع كلما اقتربت طاقة الفوتون من طاقة الربط هذه [2].

ظاهرة التأثير الكهرضوئي

تأثير كومبتون

على عكس «التأثير الكهروضوئي-Photoelectric effect»، فإن الفوتون في «تأثير كومبتون-Compton effect» لا يخسر سوى جزء من طاقته أثناء تفاعله مع إلكترونات المادة التي يخترقها. وهكذا، فإن الفوتون لا يختفي كليًا، بل يغير اتجاهه منحرفًا بزاوية معينة عن اتجاهه الأصلي. أما الإلكترون، فينطلق في أحد الاتجاهات حاملًا معه الطاقة التي أخذها من الفوتون. وتزيد فرص حدوث هذا التفاعل حين تكون طاقة الفوتون أكبر بكثير من طاقة الربط لدى الإلكترون [2].

ظاهرة تأثير كومبتون

الإنتاج الزوجي

في ظاهرة «الإنتاج الزوجي-Pair creation»، يتفاعل الفوتون مع المجال الكهرمغناطيسي للذرة فينعدم ويُخلَق مكانه إلكترون وبوزترون (المادة المضادة للإلكترون). بالنسبة للإلكترون فإنه يتفاعل مع المادة كما ناقشنا ذلك سابقًا. أما البوزترون فيفنى مع أول إلكترون يلتقيه. وتتحرر طاقتهما على شكل فوتونين منبعثين بنفس الطاقة لكن باتجاهين متعاكسين. وهذا ما يدعى بظاهرة «التلاشي-Annihilation» التي يمكن اعتبارها الحالة المعاكسة للإنتاج الزوجي. أما عن احتمالية حدوث الإنتاج الزوجي، فإن الفوتون يحتاج على الأقل لطاقة تكافئ الطاقة التي يختزنها الجسيمان المتكوِّنان (الإلكترون والبوزترون). وبالتالي فإن هذه الظاهرة لا تحدث إلا عندما تحمل الفوتونات طاقات عالية [2].

ظاهرة الإنتاج الزوجي

وهكذا، يمكننا القول أن التأثير الكهروضوئي يحدث حين تكون طاقة الفوتونات منخفضة نسبيًا. بينما يهيمن تأثير كومبتون عند الطاقات المتوسطة. وتسيطر ظاهرة الإنتاج الزوجي بالنسبة للطاقات العالية [2].

التفاعلات النووية

نقصد بالتفاعلات النووية تلك التي تحصل حين نقذف جسيم (a) إلى نواة ذرة ما (A)، فينتج عن هذا انبعاث جزيء آخر(b) ونواة أخرى (B).

وتتعدد طرق التفاعل حسب نوع الجسيمات والذرات المتفاعلة. فقد ينحرف الجسيم (a) حين يمر بجوار النواة دون أن يخسر شيئًا من طاقته. وفي هذه الحالة، تكون نواتج التفاعل هي المتفاعلات نفسها والشيء الوحيد الذي يطرأ هو انحراف الجسيم المقذوف عن مساره. في حالة أخرى، يفقد الجسيم المقذوف جزءًا من طاقته لصالح النواة فيجعلها في حالة إثارة، قبل أن تعود النواة لحالتها المستقرة باعثة فوتونًا ذا طاقة عالية. أما في العموم، فإن النواتج تكون مختلفة عن المتفاعلات. أي أن النواة المتفاعلة (A) تتحول لعنصر جديد. وهذا ما يحدث عادة في المفاعلات النووية ومسرعات الجسيمات [2].

المعادلة العامة للتفاعل النووي

الانشطار النووي

يندرج هذا التفاعل ضمن آخر حالة ذكرناها في الفقرة السابقة، حيث تنشطر نواة ثقيلة إلى نواتين خفيفتين بعد قذفها بجسيم. وتعد ذرة اليورانيوم أهم مثال على هذا. فبعد قذفها بنيوترون، تنقسم نواة اليورانيوم المشع إلى عناصر أخف محررة طاقة هائلة. وتستعمل هذه الطاقة عادة لإنتاج الكهرباء كما هو الحال في المفاعلات النووية. لكنها، أحيانًا، قد تبيد بلدانًا كما حدث في هيروشيما وناجازاكي باليابان [2].

الاندماج النووي

على عكس الانشطار النووي، تندمج نواتان خفيفتان، في الاندماج النووي، لتشكلا نواة أثقل. وتتغدى شمسنا على هذا النوع من التفاعلات، حيث تندمج ذرتا ديوتيريوم لتشكيل ذرة الهيليوم. وتكون الطاقة المحررة أثناء هذا التفاعل أكبر بكثير من الطاقة التي تُحرَّر أثناء الانشطار النووي. لهذا فإن هذه الظاهرة موضوع لأبحاث علمية مكثفة، إذ تتسابق القوى العظمى على إيجاد طريقة لاستغلال هذه الطاقة الهائلة [2].

الآن، صار بإمكاننا الانتقال إلى دراسة النشاط الإشعاعي ومصادره حتى نتمكن في النهاية من معرفة الطرق الصحيحة للوقاية من الأشعة النووية. وهذا سيكون موضوع المقالات القادمة في هذا المساق.

المصادر

[1] Nuclear Medicine Physics: A Handbook for Teachers and Students
[2] Interaction of Radiation with Matter

10 معلومات يجب أن تعرفها عن ميكانيكا الكم

أحدثت نظرية الكم ثورة حقيقية في العلم، فأزاحت الستار عن العالم الغريب القابع خلف أبسط ظواهر حياتنا اليومية وصولاً لنشأة الكون، وبين كل ذلك؛ كانت عصب الثورة الرقمية في القرن العشرين. تدرس «ميكانيكا الكم-Quantum mechanics» سلوك المادة في المستوى دون الذري. وتهدف لتحديد خصائص الذرات ومكوناتها مثل الإلكترونات والبروتونات، بالإضافة إلى تفاعلات هذه الجسيمات مع الطيف الكهرومغناطيسي. [1] إليك أهم 10 معلومات عن ميكانيكا الكم والمبادئ التي تحكم هذا العالم الغريب.

1.تكميم الطاقة

أولى المعلومات عن ميكانيكا الكم تتلخص في وجود قواسماً مشتركةً بين ميكانيك الكم وحذائك، فكما تحتاج لمقاس يناسبك، كذلك الطاقة تكون في كميات محددة أو «quantas». أصغر الكميات «ثابت بلانك-Planck constant» وما تبقى مضاعفاته.

لفهم المبدأ السابق يمكننا تطبيقه على الضوء، فالضوء يُصدر بشكل قطع منفصلة محددة تدعى «الفوتونات-Photons». وبحسب المبدأ؛ لا يمكنك صنع نصف فوتون أو 64.4 فوتونات، يمكنك فقط صناعة أعداد صحيحة منه.

إلا أن الطاقة أهم بقليل من حذائك، فقد أحدث هذا الاكتشاف ثورة في الفيزياء الحديثة على يد «ماكس بلانك-Max Planck». كما حاز ألبرت أينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء لإثباته ذلك عام 1921. [2]

2. الطبيعة المثنوية

في عام 1906؛ حاز «ج.ج تومسون-J.J Thomson» جائزة نوبل لاكتشافه أن الالكترونات عبارة عن جسيمات، ثم جاء ابنه جورج عام 1937 ليثبت أن الالكترونات موجات. فأيهما صحيح؟

في عالم الكم كلاهما على حق، حيث يدعى هذا المبدأ «ازدواجية موجة-جسيم-wave-particle duality» ويعد حجر الزاوية في فيزياء الكم.

كما ينطبق على الالكترونات والضوء، فأحياناً نحتاج لاعتبار الضوء طيف كهرومغناطيسي، وفي أحيان أخرى يستحسن تصوره بشكل جسيمات الفوتونات. [3]

3. يمكن للأشياء أن تكون في مكانين في الوقت ذاته

تعد ازدواجية الموجة-الجسيم مثالاً على مبدأ «التراكب-superposition»، وهو تواجد الكم أو الشيء في مكانين أو حالتين في نفس اللحظة.

مثلاً؛ يتواجد الالكترون هنا وهناك في ذات الوقت، ولكننا عندما نرصده نجبره على اختيار مكان منها.

يمكننا تخيل الالكترون كمجموعة من الاحتمالات، يمكننا تلخيصها رياضياً ب«تابع الموجة-wave function». وقيامنا بالرصد ييدمر التابع وحالة التراكب ويجبر الالكترون على اختيار حالة من ضمن الاحتمالات الممكنة.

يمهد هذا المبدأ لتجربة «قطة شرودينغر-Schrödinger’s cat»، وهي قطة محبوسة في صندوق مغلق حيث مصيرها محكوم بأداة كمية ما. وبما أن الأداة توجد بحالتين مختلفتين لحين القيام بالرصد؛ فإن القطة حية وميتة في الوقت ذاته لحين قيامنا بذلك. [4]

4. قد تقودنا ميكانيكا الكم لأكوان متعددة

تتبع الفكرة السابقة (أن عملية الرصد تهدم التابع وتجبر الكم على اختيار حالة معينة) لتفسير «كوبنهاغن-Copenhagen» لفيزياء الكم، لكن ذلك ليس التفسير الوحيد، حيث يعتقد مؤيدو فكرة العوالم المتعددة أنه لا حاجة للاختيار!

بل أنه في لحظة القيام بعملية الرصد والقياس؛ ينقسم الواقع إلى نسختين: واحدة نرصد فيها الكم وقد اختار الحالة a، والثاني حيث يختار الحالة b.

وبالتالي يتكون الواقع من العديد من الطبقات المتشابكة، وعند رؤيته على المستويات الأكبر؛ تتفكك هذه الطبقات ويبدو كل منها عالماً يشكل كوناً من الأكوان المتعددة.[5]

5. تساعدنا في تحديد صفات النجوم

بيّن الفيزيائي الدنماركي «نيلز بور-Niels Bohr» أن مدارات الالكترونات داخل الذرات مكممة أيضاً، حيث تأتي في قياسات محددة تدعى مستويات الطاقة.

عندما ينتقل إلكترون من مستوى أعلى إلى أخفض؛ يطلق فوتوناً له طاقة مساوية لفرق الطاقة بين المدارين الذين انتقلهما الإلكترون، والعكس صحيح؛ يمتص الإلكترون فوتوناً ويستعمل طاقته ليقفز إلى مستوى طاقة أعلى.

يستعمل الفلكيون هذا التأثير دائماً، فيتمكنون من معرفة مكونات النجوم عن طريق تحليل ضوئهم إلى طيف يشبه قوس قزح وتحديد الألوان المفقودة.

وبما أن المواد الكيميائية المختلفة تمتلك مستويات طاقة متباعدة بشكل مختلف؛ يمكنهم تحديد مكونات الشمس والنجوم الأخرى بناءً على الألوان غير الموجودة. [5]

6. بدون ميكانيكا الكم لما سطعت الشمس!

تصنع الشمس طاقتها خلال عملية تدعى «الاندماج النووي-Nuclear fusion»، والتي تتم باندماج بروتونين معاً – الجسيم موجب الشحنة في الذرة-.

الآن قد تتساءل كيف لهما أن يلتصقا ببعضهما ولهما الشحنة نفسها، ألن يتنافرا؟

إذا ما درسناهما كجسيمين سيتنافران تماماً كما يتنافر قطبي المغناطيس المتشابهين. يسمي الفيزيائيون ذلك ب«حاجز كولوم-Coulomb barrier» وهو كالحائط الذي يحول بين البروتونين.

وعندها ستصطدم البروتونات في الحائط وتبتعد: لن يوجد اندماج نووي ولن يوجد ضوء شمس!

والآن لنعتبرهم موجات.

عندما تصل قمة الموجة للحائط تكون مقدمة الموجة قد عبرته بالفعل.

علم أن ارتفاع الموجة يمثل المكان المحتمل وجود البروتون فيه، وعلى رغم أن احتمالية وجوده في مقدمة الموجة ضئيلة؛ إلا أنها تتحقق أحياناً، وعندها يكون وكأن البروتون عبر خلال الحاجز وبالتالي يحدث الاندماج النووي. أما هذا التأثير فيعرف باسم «النفق الكمومي-Quantum tunneling».
[6]

7. توقف ميكانيكا الكم انهيار النجوم الميتة

خلال حياة النجم؛ يَبقى في حالة من «التوازن الهيدروستاتيكي-hydrostatic equilibrium»، وهو توازن بين الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي والتي تتجه للخارج وطاقة الجاذبية المتجهة للداخل؛ مما يحافظ على شكل النجم ويمنعه من الانهيار.

إلا أنه في نهاية حياة النجم ينفذ وقوده ويتوقف الاندماج؛ فتربح الجاذبية جاعلةً النجم ينهار على نفسه.[7]

وكلما أصبح أصغر كلما انضغطت المادة أكثر، وهنا يأتي دور «مبدأ باولي في الاستبعاد-Pauli exclusion principle»؛ أحد مبادئ ميكانيكا الكم الذي يمنع بعض الجسيمات كالإلكترونات من التواجد في نفس الحالة الكمية.

وبينما تحاول الجاذبية القيام بذلك، تواجه مقاومة يدعوها الفلكيون «ضغط تنكس الإلكترون-Electron degeneracy pressure»، فيتوقف الانهيار ويتشكل جسم جديد بحجم الأرض يدعى «قزم أبيض-White dwarf».
[8] 

8. تسبب تبخر الثقوب السوداء

يعد «مبدأ الريبة لهايزنبيرغ-Heisenberg uncertainty principle» أحد أهم مبادئ ميكانيك الكم، وينص على استحالة تحديد خاصّيتين لنظام ما بشكل دقيق بنفس الوقت: كلما عرفنا أحدها بدقة أكبر، كلما كان من الأصعب تحديد الخاصية الثانية.

ينطبق ذلك على سرعة الجسيم وموقعه، أو طاقته والزمن.

الأمر أشبه بأخذ قرض مالي، يمكنك اقتراض مبلغ كبير من المال لفترة زمنية قصيرة، أو اقتراض مبلغ صغير لمدة أطول، وليس الاثنين معاً!

يقودنا ذلك إلى فكرة الجسيمات الافتراضية، إذا اقتُرٍضت طاقة كافية من الطبيعة؛ يمكن لها أن تولد زوجين من الجسيمات الافتراضية في الفراغ بشكل (جسيم-مضاد جسيم)، ثم يختفيان بسرعة حتى لا يتخلفان عن سداد القرض؛ في عملية تسمى «الإفناء-Annihilation».

نعم، الفراغ الكمي ليس فارغاً تماماً!

افترض «ستيفن هوكينج-Stephen Hawking» حدوث هذه التذبذبات قرب حدود ثقب أسود ما: سيبتلع الثقب الأسود أحد الجسيمين، بينما سيستطيع الآخر الهرب من الثقب على شكل «إشعاع هوكينج-Hawking Radiation».

وبمرور الوقت، يتقلص الثقب الأسود وكأنه يتبخر! لأنه لا يسدد القرض كاملاً. [9]

9. تفسر ميكانيكا الكم بنية الكون على النطاق الكبير

إن «الانفجار العظيم-Big bang» أحد أفضل نظرياتنا عن نشأة الكون، وقد عُدل في الثمانينات ليتضمن نظرية أخرى تدعى «التضخم-Inflation».

تنص نظرية التضخم على انتفاخ الكون وصولاً لحجم حبة عنب؛ ذلك بعد ما كان أصغر من ذرة، وذلك في أول تريليون من تريليون تريليون جزء من الثانية، أي أن حجمه تضاعف حوالي 1078 مرة.

لاستيعاب ذلك؛ تخيل تكبير خلية دم حمراء بنفس المقدار، سيتجاوز حجمها الكون المنظور بأكمله!

وبما أنه كان أصغر من ذرة؛ فمن المرجح أن تذبذبات كمية مرتبطة بمبدأ هايزنبيرغ للريبة قد حكمت الكون في ذلك الوقت. والتضخم سبب نمو الكون بسرعة كبيرة؛ فلم يتثن لهذه التذبذبات الكمية أن تختفي، مما أدى لتركيز الطاقة أ:ثير في بعض الأماكن.

يعتقد الفلكيون أن ذلك كان بمثابة بذور تجمعت حولها المادة مشكلةً المجرات والعناقيد المجرية التي نرصدها اليوم. [5]

10. عالم من الأشباح!

إلى جانب إثباته تكميم الضوء؛ كذلك اعتقد أينشتاين بوجود تأثير ” شبحي عن بعد”. وهذا التأثير الشبحي هو آخر العشر معلومات عن ميكانيكا الكم في هذا الموضوع. نعرف اليوم ذلك ب«التشابك الكمي-Quantum entanglement»، ولكننا حتى الآن نجهل حقيقة ما يحدث فيه!

لنقل أننا أحضرنا زوجاً من الجسيمات بحيث تكون حالتها الكمية مرتبطة  أو “متشابكة”، أحدها في الحالة a والآخر في الحالة b: متعاكسين تماماً. فإذا كان أحدهما أزرق، يكون الثاني أحمر وهكذا.

وبحسب مبدأ باولي بالاستبعاد؛ يستحيل أن يكون لهما نفس الحالة الكمية، وعندها إذا قمنا بتغيير الجسيم الأزرق وجعلناه أحمراً مثلاً، سيتغير الآخر فوراً ليصبح معاكسه الأزرق من جديد.

في التشابك الكمي سيحدث ذلك حتى ولو وضعنا كل جسيم في جانب من الكون، وكأن معلومات التغيير الذي قمنا به قد سافرت أسرع من الضوء! [10]

قد لا نفهم ميكانيكا الكم بشكل كامل، ولكننا متيقنون من غرابتها أولاً وعظمتها ثانياً. شاركنا معلومات أخرى عن ميكانيكا الكم في التعليقات.

المصادر

[1] Britannica
[2] space
[3] Cornell university
[4] joint quantum institute
[5] space
[6] Harvard
[7] science direct
[8] university of Chicago
[9] nature
[10] nature

Exit mobile version