نظرية الأوتار الفائقة نظرية تفسر كل شيء!

ما هي نظرية الأوتار الفائقة؟

هي نظرية ظهرت نتيجة بحث العلماء عن نظرية واحدة تعمل على تفسير الأجسام دون الذرية والتي تمثل وحدات البناء الأولية في المواد. كما تهتم بشرح القوى الأربعة الأساسية في الطبيعة. وهي القوى التي لا يمكن تحليلها إلى مكونات أصغر. وهذه القوى تشكل أساس الكون والمكونات الأولية له. وهي قوى الجاذبية والكهرومغناطيسية والتي يمكن ملاحظة آثارها بشكل واضح ومباشر في حياتنا اليومية. والقوة النووية الكبرى والقوة النووية الصغرى والتي تظهر آثارها في الذرات والتفاعلات النووية بغض النظر عن حجمها.

كانت مسألة توحيد قوى الطبيعة الأربعة تشكل الكثير والكثير من الأرق لعلماء الفيزياء. وذلك لتنافر أهم نظريتين في الفيزياء الحديثة. وهما نظرية النسبية لألبرت آينشتاين، والكم لماكس بلانك. [1]

بداية العقدة والحل المجنون!

بدأت المشكلة التي شكلت كابوساً لعلماء الفيزياء النظرية من تنافر نظرية النسبية ونظرية الكم. حيث فسرت نظرية النسبية قوى الجاذبية وأثرها وتطبيقاتها على الأجسام والعناصر العملاقة في الفضاء، مثل النجوم والمجرات. بينما شرحت نظرية الكم باقي القوى الأساسية الأربعة (وهي الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الكبرى، والقوة النووية الصغرى). والتي كانت تطبق على الجسيمات الذرية ودون الذرية. لكن لم تنجح الكم حينها في تقديم تفسير مقبول للجاذبية مما أحدث أزمة حقيقية في الوسط العلمي.

حاول العلماء القضاء على ذلك التنافر القائم على رفض آينشتاين لقبول نظرية الكم كنظرية أساسية. بالرغم من تقديم نظرية الكم تفسيراً مقبولاً إلى حد كبير في تفسير القوى الأساسية الأخرى وثبت صحتها بعد اختبارها بدقة لم يسبق لها مثيل في وقتها. فحاول آينشتاين في آخر حياته أن يجمع بين النظريتين بتفسير الجاذبية بواسطة الكم، ولكنه مات قبل أن يصل إلى حلمه. وجاء بعده الكثير من العلماء ليكملوا ما لم ينتهى منه آينشتاين. وبعد الكثير من المحاولات والجهد، نجح العلماء أخيراً بالجمع بين النظريتين. كما نجحوا في جمع تفسير قوى الطبيعة الأساسية الأربعة أخيرًا، وذلك بنظرية جديدة أقرب إلى الخيال تسمى نظرية الأوتار الفائقة.[2]

نظرية الأوتار الفائقة

ما جعل هذه النظرية غريبة إلى حد كبير هو تخطيها لحدود التفكير البشري المنطقي إلى حد ما. حيث تنص هذه النظرية على أن للكون عشرة أبعاد. ونحن لا نعرف منها إلا أربعة أبعاد وهي أبعاد المكان الثلاثة والبعد الرابع وهو الزمان.

في نظرية الأوتار الفائقة لا وجود للجسيمات الأولية (كالإلكترون والكوارك)، والتي تمثل وحدات البناء للعناصر في الكون. وإنما كل ما هو موجود مجموعة من الأوتار المهتزة، والتي تهتز بترددات مختلفة. ومع كل تردد ينتج نوع من أنواع الطاقة أو نوع من أنواع الجسيمات الأولية. وبذلك تكون تلك الجسيمات الأولية ما هي إلا مجرد انعكاس لتلك الاهتزازات. وتحدد هذه الاهتزازات خصائص الجسيم الناتج عنها على سبيل المثال شحنته وكتلته.

وتحتوي الأوتار الفائقة على الأبعاد العشرة، أربعة منها تحدد الموقع في المكان والزمان والأبعاد الإضافية هي ما تحدد خصائص الكون الذي نعيش فيه. وتكون بعض تلك الأوتار متكورة أو مغلقة. وتتميز الأوتار بإطلاقها لجزيئات الجرافيتون وهي الجسيمات المسؤولة عن الجاذبية كواحد من التفاعلات الأساسية. [1] [2]

كوننا ذو الأبعاد العشرة

تنص نظرية الأوتار الفائقة على أن الكون يحكم بواسطة مجموعة من الأوتار المهتزة ذات الأبعاد العشرة. ونحن لا نعرف من هذه الأبعاد إلا أبعاد الزمكان الأربعة. وبذلك فإنه يوجد ست أبعاد أخرى مجهولة. وما زلنا بحاجة إلى معرفة هذه الأبعاد الستة وربطها بطريقة ما مع الأبعاد المعروفة لدينا حتى نستطيع أن نصف ونفهم الكون بشكل واضح.

ولفعل ذلك يجب علينا تكوير تلك الأبعاد الستة الإضافية، وحصرها في حيّز صغير في الفضاء. فعلى سبيل المثال، لتخيل مدى الصغر المطلوب. إذا كان حجم ذلك الحيز 10^-33 سم³ فإننا لن نتمكن من رصد تلك الأبعاد لأنها صغيرة جداً. وبالتالي فإن النتيجة ستكون العودة إلى الاكتفاء بكوننا ذي الأبعاد الأربعة. ولكن ذلك لا ينفي وجود كرة ضئيلة الحجم مكونة من الأبعاد الستة الأخرى متصلة بكل نقطة في كوننا رباعي الأبعاد.

ويفضل العلماء التخلي عن فكرة فردية الزمان والمكان والاعتراف بعالم من عشرة أبعاد. ذلك لأن نظرية الأوتار الفائقة (كنظرية موحدة) تحاول شرح جميع القوى الأربعة الأساسية في الطبيعة. وبالفعل فإن أحد حلول معادلات الأوتار الفائقة هو قوة تشبه قوة الجاذبية. وبذلك فإنها أعطت تفسيراً مقبولاً لتوحيد تلك القوى الأربعة.[3]

الأبعاد الأربعة المعروفة حاليا

  1. تم بالفعل اكتشاف ورصد الأبعاد الأربعة الأولى. فالبعد الأول هو العرض أو المحور س “x-axis”. ويصف العناصر ذات البعد الواحد كخط مستقيم. ولا يوجد أي صفات مميزة لهذا البعد غير أنه يصف العرض.
  2. البعد الثاني وهو الطول، أو المحور ص “y-axis”. وبتطبيق البعد الأول والبعد الثاني على عنصر ما فإننا سنحصل على عنصر ثنائي الأبعاد. كمربع على سبيل المثال.
  3. البعد الثالث وهو العمق أو المحور ع “z-axis”. وبتطبيق المحاور الثلاثة على عنصر فإننا سنحصل على عنصر ثلالثي الأبعاد. وأبس مثال على ذلك هو المكعب. ويوجد في هذه العناصر الثلاث أبعاد المكانية وهي الطول والعرض والعمق. وهذه هي الأبعاد التي يمكن ملاحظتها بواسطة حاسة اللمس والنظر لدينا. وذلك على خلاف الأبعاد السبعة الباقية.
  4. البعد الرابع وهو الزمن. وهو البعد الذي ينظم خصائص كل العناصر المعروفة لدينا وعند أي نقطة. وبالإضافة إلى أبعاد المكان الثلاثة الأخرى فإن معرفة البعد الزماني لعنصر ما أمر أساسي لتحديد موقعه الزماني في الكون.

الأبعاد المجهولة

عندما يأتي الأمر لباقي الأبعاد المجهولة فإن الإحتمالات العميقة تأتي لتلعب دورها. ويعد تفسير تفاعل تلك الأبعاد مع الأبعاد المعروفة أمراً مخادعاً إلى حد ما بالنسبة لعلماء الفيزياء. وهنا تبدأ نظرية الأوتار الفائقة بلعب دورها المدهش.

  • فبحسب نظرية الأوتار الفائقة، فعند البعدين الخامس والسادس يظهر مفهوم العوالم المحتملة (أو العوالم الموازية). فإذا استطعنا تتبع البعد الخامس فسنرى عالماً مختلف إلى حد ما عن عالمنا الذي نعرفه. وذلك سيعطينا وسيلة لمعرفة أوجه التشابه والاختلاف بين عالمنا المعتاد والعوالم الأخرى.
  • إذا وجدنا البعد السادس فسنكون قادرين على رصد العوالم الموازية لعالمنا. وسيكون بإمكاننا تحديد الأكوان الأخرى التي يعد وجودها ممكناً. والمقارنة بين الأكوان التي تتشارك في ظروف الخلق الأولية ( في حالتنا ستكون الظروف الأولية هي الانفجار العظيم). وإذا تمكنا من التحكم بالبعدين الخامس والسادس فسنتمكن من السفر عبر الزمن!
  • وفي البعد السابع سيمكننا رصد العوالم الأخرى ذات الظروف الأولية المختلفة. فقد كان بإمكاننا في البعدين الخامس والسادس رصد العوالم ذات الظروف الأولية المتشابهة. ولكن الأحداث اللاحقة كانت مختلفة، أما في البعد السابع فكل شيء مختلف منذ بداية تكون تلك الأكوان.
  • وفي البعد الثامن يمكننا رصد تاريخ العوالم الأخرى والتي تملك ظروف أولية مختلفة أيضًا والتي تتفرع إلى ما لا نهاية. ويعتقد العلماء بأن البعد الثامن يشمل جميع الأبعاد السابقة له.
  • وفي البعد التاسع سنستطيع أن نقارن بين تواريخ الأكوان المختلفة بدءاً بقوانين الفيزياء المختلفة والظروف الأولية.
  • وفي البعد العاشر والأخير نصل إلى النقطة التي يكون عندها كل شيء ممكن ويمكننا تخيله قد تم تغطيته. ووراء ذلك البعد لن نكون نحن البشر قادرين على تخيل أي شيء. وذلك ما يجعل البعد العاشر هو الحد لما يمكن تخيله.[3]

المصادر

1. Wikipedia
2. NASA
3. phys.org

الأكوان المتعددة: لماذا يعتقد البعض بوجودها؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تقترح فرضية «الأكوان المتعددة-Multiverse Hypothesis» أن كوننا –بما فيه من مجرات ونجوم- ليس الكون الوحيد. وتطرح احتمالية وجود أكوان أخرى مختلفة ومنفصلة تمامًا عن كوننا.  وبحسب هذه الفرضية؛ من الممكن وجود عدد لا نهائي من الأكوان، لكل منها قوانينه الفيزيائية الخاصة، ومجموعته من المجرات والنجوم (إن سمحت قوانينه بوجودها)، وحتى حضارته الذكية الخاصة التي اكتشفت -أو لم تكتشف بعد- وجود أكوان أخرى غير كونها. قد تبدو هذه الفرضية جامحة بشكل لا يصدق؛ فلماذا إذًا يعتقد بعض العلماء بها؟ [1]

الأدلة النظرية على الأكوان المتعددة

نظرية التضخم

يجد مفهوم الأكوان المتوازية مكانةً له في عدة مجالات فيزيائية وفلسفية أيضًا. لكن من المؤكد أن أبرز مثال يأتينا من «نظرية التضخم-Inflation Theory». تعنى نظرية التضخم بحال الكون بعد أقل من ثانية من تشكله. وبالتحديد؛ تصف حدثًا توسع فيه الكون جدًا في وقت ضئيل، “متضخمًا” ليصبح أضعاف حجمه السابق. ويعتقد العلماء أن حدث التضخم هذا انتهى منذ حوالي 14 مليار سنة. لكنه لم ينته في كل مكان في الوقت ذاته، فمن الممكن أنه انتهى في منطقة ما واستمر في الأخرى. [2]

وبالتالي؛ بينما انتهى التضخم في كوننا؛ من الممكن أنه استمر في مناطق بعيدة جدًا منه. بحيث ينتؤ كون مستقل من كل تضخم مستمر، وهكذا دواليك. ولفهم ذلك؛ تخيل أنك تنفخ بالونًا، وبسبب خطأ ما في تصنيعه كانت بعض المناطق منه أرقّ من غيرها. بينما توقف بالونك عن الانتفاخ بعد أن امتلأ هواءً؛ استمرت هذه المناطق الرقيقة منه بالانتفاخ، وبرزت كأنها بالون جديد ناتئ من بالونك الأساسي. والفرق هنا أن العملية لا نهائية في الأكوان المتعددة، فكل “نتوء” جديد سيحوي مناطق يستمر فيها الانتفاخ بعد ان يتوقف في غيرها، لنحصل على انتفاخات لا نهائية داخل انتفاخات أخرى.   

صورة توضح نشوء الأكوان المتعددة بالتضخم
حقوق الصورة: Express

وفي هذا السناريو من التضخم اللانهائي؛ كل كون جديد سيكون مستقلًا عن الكون الذي نشأ منه. ويكون له قوانينه الفيزيائية الخاصة، مجموعته من الجسيمات، ترتيبه من قوى الطبيعة، وقيمه وثوابته الخاصة. ربما يفسر ذلك لما لكوننا خواصه الحالية، وخاصةً تلك التي يصعب على الفيزياء النظرية شرحها، كالمادة المظلمة و«الثابت الكوني-Cosmological constant». فإذا كان هناك أكوان متعددة؛ سيكون هناك ثابت كوني مختلف لكل كون منها، وسيكون توزيع الثوابت عشوائيًا. ويكون ثابت كوننا ليس مميزًا ومحض صدفة لا أكثر. [1]

وجود حياة ذكية في الكون

يعتقد بعض العلماء أن أحد أهم الأدلة على الأكوان المتعددة هو وجودنا وتمكننا من طرح سؤال كهذا. فلطالما شعرنا وكأن كوننا معد مسبقًا ليحضن حياةً ذكية. وكأن كل القوانين والقوى مضبوطةٌ لتلائم وجودنا وتدعمه. وتبدو هذه السمات مميزة جدًا، من استقرار نواة الذرة وتوافر الكربون في الكون، إلى وجود الضوء وحياة النجوم الطويلة.  

ولكن كل ذلك يصبح “طبيعيًا” إذا ما افترضنا وجود عدد لانهائي من الكون. حيث تخبرنا الاحتمالات أنه لا بد من وجود كون من هذه الأكوان تجتمع فيه كل الشروط المناسبة لنشأة الحياة. وبالتالي هناك أيضًا عدد هائل من الأكوان التي لا تدعم الحياة، فلماذا وجدنا في هذا الكون بالتحديد؟ لأنه الوحيد الذي يسمح بذلك.

  ولا بد أن نذكر أن علماء الإحصاء اختلفوا معهم في ذلك، ولم يعتبروا وجود الأكوان المتعددة ضرورة لوجودنا.[3]

ميكانيك الكم

يعد «مبدأ التراكب-superposition» حجر الزاوية في ميكانيكا الكم. وينص أن الجسيم أو الكم يتواجد في حالتين و مكانين مختلفين في الوقت ذاته. ومثالًا على ذلك نرى الطبيعة المثنوية للضوء، فالضوء جسيم يدعى الفوتون وموجة كهرومغناطيسية في آن واحد. وأيضًا؛ يوجد الإلكترون هنا وهناك في الوقت ذاته، ولكننا عندما نرصده نجبره على اختيار مكان منهما. [4]

ويمهد هذا المبدأ لتجربة «قطة شرودينغر-Schrödinger’s cat»، وهي قطة محبوسة في صندوق مغلق، ومصيرها محكوم بأداة كمية قاتلة. وبما أن الأداة توجد في حالتين مختلفتين إلى أن نفتح الصندوق ونقوم بالرصد؛ فالقطة حية وميتة في آن واحد. [5]

وعوضًا عن افتراض أننا “نجبر” الكم على اختيار حالة أو مكان واحد عند رصدنا، يميل مؤيدو فرضية الأكوان المتعددة لتفسير أخر. حيث يعتقدون أنه لا حاجة للاختيار أصلًا! ففي اللحظة التي نرصد فيها الكم، ينقسم الواقع إلى نسختين: واحدة نرصده وقد اختار الحالة 1، وآخر نرصده وقد اختار 2. وكان الواقع يتكون من عدة طبقات متفرعة، كل منها يشكل كونًا من الأكوان المتعددة.  [6]

ولكن لا يزال العلماء متحفظين ومشككين في هذه الفرضية، فالأدلة حتى الآن غير مقنعة كفاية.

الأدلة المادية على الأكوان المتعددة

حاول عدة علماء إيجاد أدلة مادية رصينة تثبت وجود الأكوان المتعددة. مثلًا؛ لو حدث وكان كون ما قريب من كوننا بشكل كافي لالتحم معه مخلفًا أثرًا ما. قد يكون ذلك الأثر تشوهات في «إشعاع الخلفية الكونية الميكروي-cosmic microwave background radiation»* ، أو تصرفات غريبة للمجرات.  

في حين يبحث علماء أخرون في أنواع خاصة من الثقوب السوداء، والتي قد تكون آثارًا لقطع من كوننا انفصلت إلى داخل الكون الآخر في عملية تعرف ب«النفق الكمومي-Quantum tunneling». فإذا انفصلت مناطق من كوننا بهذه الطريقة؛ ستخلف وراءها “فقاعات” في كوننا والتي قد تتحول إلى ثقوب سوداء. [7]

*إشعاع الخلفية الكونية الميكروي: الإشعاع الذي أصدره كوننا عندما كان شديد الكثافة وأصغر بمليون مرة مما هو عليه الآن.

ولكن بحثهم هذا لم يثمر حتى الآن، ولا تزال فكرة الأكوان المتعددة افتراضًا فقط.

المصادر

[1] Nature

[2] NASA

[3] Scientific American

[4] Cornell University

[5] joint quantum institute

[6] space

[7] university College London

10 معلومات يجب أن تعرفها عن ميكانيكا الكم

أحدثت نظرية الكم ثورة حقيقية في العلم، فأزاحت الستار عن العالم الغريب القابع خلف أبسط ظواهر حياتنا اليومية وصولاً لنشأة الكون، وبين كل ذلك؛ كانت عصب الثورة الرقمية في القرن العشرين. تدرس «ميكانيكا الكم-Quantum mechanics» سلوك المادة في المستوى دون الذري. وتهدف لتحديد خصائص الذرات ومكوناتها مثل الإلكترونات والبروتونات، بالإضافة إلى تفاعلات هذه الجسيمات مع الطيف الكهرومغناطيسي. [1] إليك أهم 10 معلومات عن ميكانيكا الكم والمبادئ التي تحكم هذا العالم الغريب.

1.تكميم الطاقة

أولى المعلومات عن ميكانيكا الكم تتلخص في وجود قواسماً مشتركةً بين ميكانيك الكم وحذائك، فكما تحتاج لمقاس يناسبك، كذلك الطاقة تكون في كميات محددة أو «quantas». أصغر الكميات «ثابت بلانك-Planck constant» وما تبقى مضاعفاته.

لفهم المبدأ السابق يمكننا تطبيقه على الضوء، فالضوء يُصدر بشكل قطع منفصلة محددة تدعى «الفوتونات-Photons». وبحسب المبدأ؛ لا يمكنك صنع نصف فوتون أو 64.4 فوتونات، يمكنك فقط صناعة أعداد صحيحة منه.

إلا أن الطاقة أهم بقليل من حذائك، فقد أحدث هذا الاكتشاف ثورة في الفيزياء الحديثة على يد «ماكس بلانك-Max Planck». كما حاز ألبرت أينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء لإثباته ذلك عام 1921. [2]

2. الطبيعة المثنوية

في عام 1906؛ حاز «ج.ج تومسون-J.J Thomson» جائزة نوبل لاكتشافه أن الالكترونات عبارة عن جسيمات، ثم جاء ابنه جورج عام 1937 ليثبت أن الالكترونات موجات. فأيهما صحيح؟

في عالم الكم كلاهما على حق، حيث يدعى هذا المبدأ «ازدواجية موجة-جسيم-wave-particle duality» ويعد حجر الزاوية في فيزياء الكم.

كما ينطبق على الالكترونات والضوء، فأحياناً نحتاج لاعتبار الضوء طيف كهرومغناطيسي، وفي أحيان أخرى يستحسن تصوره بشكل جسيمات الفوتونات. [3]

3. يمكن للأشياء أن تكون في مكانين في الوقت ذاته

تعد ازدواجية الموجة-الجسيم مثالاً على مبدأ «التراكب-superposition»، وهو تواجد الكم أو الشيء في مكانين أو حالتين في نفس اللحظة.

مثلاً؛ يتواجد الالكترون هنا وهناك في ذات الوقت، ولكننا عندما نرصده نجبره على اختيار مكان منها.

يمكننا تخيل الالكترون كمجموعة من الاحتمالات، يمكننا تلخيصها رياضياً ب«تابع الموجة-wave function». وقيامنا بالرصد ييدمر التابع وحالة التراكب ويجبر الالكترون على اختيار حالة من ضمن الاحتمالات الممكنة.

يمهد هذا المبدأ لتجربة «قطة شرودينغر-Schrödinger’s cat»، وهي قطة محبوسة في صندوق مغلق حيث مصيرها محكوم بأداة كمية ما. وبما أن الأداة توجد بحالتين مختلفتين لحين القيام بالرصد؛ فإن القطة حية وميتة في الوقت ذاته لحين قيامنا بذلك. [4]

4. قد تقودنا ميكانيكا الكم لأكوان متعددة

تتبع الفكرة السابقة (أن عملية الرصد تهدم التابع وتجبر الكم على اختيار حالة معينة) لتفسير «كوبنهاغن-Copenhagen» لفيزياء الكم، لكن ذلك ليس التفسير الوحيد، حيث يعتقد مؤيدو فكرة العوالم المتعددة أنه لا حاجة للاختيار!

بل أنه في لحظة القيام بعملية الرصد والقياس؛ ينقسم الواقع إلى نسختين: واحدة نرصد فيها الكم وقد اختار الحالة a، والثاني حيث يختار الحالة b.

وبالتالي يتكون الواقع من العديد من الطبقات المتشابكة، وعند رؤيته على المستويات الأكبر؛ تتفكك هذه الطبقات ويبدو كل منها عالماً يشكل كوناً من الأكوان المتعددة.[5]

5. تساعدنا في تحديد صفات النجوم

بيّن الفيزيائي الدنماركي «نيلز بور-Niels Bohr» أن مدارات الالكترونات داخل الذرات مكممة أيضاً، حيث تأتي في قياسات محددة تدعى مستويات الطاقة.

عندما ينتقل إلكترون من مستوى أعلى إلى أخفض؛ يطلق فوتوناً له طاقة مساوية لفرق الطاقة بين المدارين الذين انتقلهما الإلكترون، والعكس صحيح؛ يمتص الإلكترون فوتوناً ويستعمل طاقته ليقفز إلى مستوى طاقة أعلى.

يستعمل الفلكيون هذا التأثير دائماً، فيتمكنون من معرفة مكونات النجوم عن طريق تحليل ضوئهم إلى طيف يشبه قوس قزح وتحديد الألوان المفقودة.

وبما أن المواد الكيميائية المختلفة تمتلك مستويات طاقة متباعدة بشكل مختلف؛ يمكنهم تحديد مكونات الشمس والنجوم الأخرى بناءً على الألوان غير الموجودة. [5]

6. بدون ميكانيكا الكم لما سطعت الشمس!

تصنع الشمس طاقتها خلال عملية تدعى «الاندماج النووي-Nuclear fusion»، والتي تتم باندماج بروتونين معاً – الجسيم موجب الشحنة في الذرة-.

الآن قد تتساءل كيف لهما أن يلتصقا ببعضهما ولهما الشحنة نفسها، ألن يتنافرا؟

إذا ما درسناهما كجسيمين سيتنافران تماماً كما يتنافر قطبي المغناطيس المتشابهين. يسمي الفيزيائيون ذلك ب«حاجز كولوم-Coulomb barrier» وهو كالحائط الذي يحول بين البروتونين.

وعندها ستصطدم البروتونات في الحائط وتبتعد: لن يوجد اندماج نووي ولن يوجد ضوء شمس!

والآن لنعتبرهم موجات.

عندما تصل قمة الموجة للحائط تكون مقدمة الموجة قد عبرته بالفعل.

علم أن ارتفاع الموجة يمثل المكان المحتمل وجود البروتون فيه، وعلى رغم أن احتمالية وجوده في مقدمة الموجة ضئيلة؛ إلا أنها تتحقق أحياناً، وعندها يكون وكأن البروتون عبر خلال الحاجز وبالتالي يحدث الاندماج النووي. أما هذا التأثير فيعرف باسم «النفق الكمومي-Quantum tunneling».
[6]

7. توقف ميكانيكا الكم انهيار النجوم الميتة

خلال حياة النجم؛ يَبقى في حالة من «التوازن الهيدروستاتيكي-hydrostatic equilibrium»، وهو توازن بين الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي والتي تتجه للخارج وطاقة الجاذبية المتجهة للداخل؛ مما يحافظ على شكل النجم ويمنعه من الانهيار.

إلا أنه في نهاية حياة النجم ينفذ وقوده ويتوقف الاندماج؛ فتربح الجاذبية جاعلةً النجم ينهار على نفسه.[7]

وكلما أصبح أصغر كلما انضغطت المادة أكثر، وهنا يأتي دور «مبدأ باولي في الاستبعاد-Pauli exclusion principle»؛ أحد مبادئ ميكانيكا الكم الذي يمنع بعض الجسيمات كالإلكترونات من التواجد في نفس الحالة الكمية.

وبينما تحاول الجاذبية القيام بذلك، تواجه مقاومة يدعوها الفلكيون «ضغط تنكس الإلكترون-Electron degeneracy pressure»، فيتوقف الانهيار ويتشكل جسم جديد بحجم الأرض يدعى «قزم أبيض-White dwarf».
[8] 

8. تسبب تبخر الثقوب السوداء

يعد «مبدأ الريبة لهايزنبيرغ-Heisenberg uncertainty principle» أحد أهم مبادئ ميكانيك الكم، وينص على استحالة تحديد خاصّيتين لنظام ما بشكل دقيق بنفس الوقت: كلما عرفنا أحدها بدقة أكبر، كلما كان من الأصعب تحديد الخاصية الثانية.

ينطبق ذلك على سرعة الجسيم وموقعه، أو طاقته والزمن.

الأمر أشبه بأخذ قرض مالي، يمكنك اقتراض مبلغ كبير من المال لفترة زمنية قصيرة، أو اقتراض مبلغ صغير لمدة أطول، وليس الاثنين معاً!

يقودنا ذلك إلى فكرة الجسيمات الافتراضية، إذا اقتُرٍضت طاقة كافية من الطبيعة؛ يمكن لها أن تولد زوجين من الجسيمات الافتراضية في الفراغ بشكل (جسيم-مضاد جسيم)، ثم يختفيان بسرعة حتى لا يتخلفان عن سداد القرض؛ في عملية تسمى «الإفناء-Annihilation».

نعم، الفراغ الكمي ليس فارغاً تماماً!

افترض «ستيفن هوكينج-Stephen Hawking» حدوث هذه التذبذبات قرب حدود ثقب أسود ما: سيبتلع الثقب الأسود أحد الجسيمين، بينما سيستطيع الآخر الهرب من الثقب على شكل «إشعاع هوكينج-Hawking Radiation».

وبمرور الوقت، يتقلص الثقب الأسود وكأنه يتبخر! لأنه لا يسدد القرض كاملاً. [9]

9. تفسر ميكانيكا الكم بنية الكون على النطاق الكبير

إن «الانفجار العظيم-Big bang» أحد أفضل نظرياتنا عن نشأة الكون، وقد عُدل في الثمانينات ليتضمن نظرية أخرى تدعى «التضخم-Inflation».

تنص نظرية التضخم على انتفاخ الكون وصولاً لحجم حبة عنب؛ ذلك بعد ما كان أصغر من ذرة، وذلك في أول تريليون من تريليون تريليون جزء من الثانية، أي أن حجمه تضاعف حوالي 1078 مرة.

لاستيعاب ذلك؛ تخيل تكبير خلية دم حمراء بنفس المقدار، سيتجاوز حجمها الكون المنظور بأكمله!

وبما أنه كان أصغر من ذرة؛ فمن المرجح أن تذبذبات كمية مرتبطة بمبدأ هايزنبيرغ للريبة قد حكمت الكون في ذلك الوقت. والتضخم سبب نمو الكون بسرعة كبيرة؛ فلم يتثن لهذه التذبذبات الكمية أن تختفي، مما أدى لتركيز الطاقة أ:ثير في بعض الأماكن.

يعتقد الفلكيون أن ذلك كان بمثابة بذور تجمعت حولها المادة مشكلةً المجرات والعناقيد المجرية التي نرصدها اليوم. [5]

10. عالم من الأشباح!

إلى جانب إثباته تكميم الضوء؛ كذلك اعتقد أينشتاين بوجود تأثير ” شبحي عن بعد”. وهذا التأثير الشبحي هو آخر العشر معلومات عن ميكانيكا الكم في هذا الموضوع. نعرف اليوم ذلك ب«التشابك الكمي-Quantum entanglement»، ولكننا حتى الآن نجهل حقيقة ما يحدث فيه!

لنقل أننا أحضرنا زوجاً من الجسيمات بحيث تكون حالتها الكمية مرتبطة  أو “متشابكة”، أحدها في الحالة a والآخر في الحالة b: متعاكسين تماماً. فإذا كان أحدهما أزرق، يكون الثاني أحمر وهكذا.

وبحسب مبدأ باولي بالاستبعاد؛ يستحيل أن يكون لهما نفس الحالة الكمية، وعندها إذا قمنا بتغيير الجسيم الأزرق وجعلناه أحمراً مثلاً، سيتغير الآخر فوراً ليصبح معاكسه الأزرق من جديد.

في التشابك الكمي سيحدث ذلك حتى ولو وضعنا كل جسيم في جانب من الكون، وكأن معلومات التغيير الذي قمنا به قد سافرت أسرع من الضوء! [10]

قد لا نفهم ميكانيكا الكم بشكل كامل، ولكننا متيقنون من غرابتها أولاً وعظمتها ثانياً. شاركنا معلومات أخرى عن ميكانيكا الكم في التعليقات.

المصادر

[1] Britannica
[2] space
[3] Cornell university
[4] joint quantum institute
[5] space
[6] Harvard
[7] science direct
[8] university of Chicago
[9] nature
[10] nature

Exit mobile version