أدلة المادة المظلمة، أعظم ألغاز علم الكونيات

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

افترض العلماء منذ عشرينيات القرن الماضي وجود مادة تختلف عن تلك التي نراها بالعين المجردة، وقد بينت الأبحاث الفلكية الأخيرة وجود مادة غريبة تسيطر على 80% من الكون. أطلق عليها اسم «المادة المظلمة-Dark matter»، فما هي؟ وما الذي يدفعنا للاعتقاد بوجودها؟

ما هي المادة المظلمة؟

لا نعلم الكثير حتى الآن، ولكننا نعلم أنها لا تصدر أو تمتص أي ضوء لأننا لا نراها. وبما أنها لا تحجب عنا أي جسم آخر فلا بد أن تكون شفافة. نعلم أيضاً أنها موزعة على أطراف جميع المجرات في الكون، بينما يقل تركيزها في وسطها.

في الحقيقة، يمكننا معرفة القليل عما في الكون الآن عن طريق العودة بالزمن للمراحل الأولى من عمر الكون، عندما كان مفاعلاً نووياً كبيراً بعد دقيقة واحدة من الانفجار العظيم. ويمكننا أن نحسب بدقة عدد الذرات في ذلك الوقت أو كما تسمى بالمادة الباريونية (مثل البروتونات والنيوترونات).

وعند القيام بهذه القياسات نجد أن الكون احتوى في ذلك الوقت على سُبع المادة والجاذبية الموجودة في وقتنا الحالي. لذلك فإن بعض المادة المظلمة مكون من الذرات العادية أي البروتونات والنيوترونات، إلا أن الغالبية العظمى منها شيء مختلف لا يتفاعل نووياً؛ سمي ب«المادة المظلمة غير الباريونية-Non-baryonic dark matter».

من الممكن أن تكون هذه المادة كتلاً تعرف باسم «أجسام الهالة المضغوطة العملاقة-MACHOs»، وقد تكون ثقوباً سوداء تدور حول أطراف المجرة بأعداد كبيرة. كما أن المقترحات الممكنة تتضمن الأقزام البنية الخافتة والأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية.

أدلة المادة المظلمة

تخيل أنه طلب منك حساب وزن مجرة ما، ولتكن مجرة قريبة بما يكفي لتسطيع دراستها عن كثب كمجرة المثلث (M33) مثلاً، وبما أنها واحدة من أقرب المجرات إلى درب التبانة يمكنك تمييز كل نجم فيها. والآن قد يخطر لك طريقتان؛ الأولى إحصاء عدد النجوم وكمية الغاز والغبار فيها ثم تقدير كتلتها بناءً على ذلك.

مجرة المثلث M 33
حقوق الصورة: https://stsci-opo.org/STScI-01EVSXBKFSDW3V458533P4SV7A.png

أما الطريقة الثانية فتعتمد على الجاذبية؛ كل ما عليك هو إيجاد جسم قريب من المجرة وتحديد قوة السحب التي تطبقها عليه، ثم يمكنك حساب الكتلة من قانون نيوتن للجاذبية. بالضبط!

ذلك ما فعله العلماء؛ لكن النتائج كانت صادمة.

توصل العلماء لنتيجتين مختلفتين تماماً باستخدام الطريقتين السابقتين، فالكتلة المحسوبة من قانون الجاذبية كانت أضعاف تلك المقدرة بناءً على الرصد.

ولفهم النتيجة السابقة لا بد من تحليل الطريقتين. الأولى تعتمد على الرصد المباشر لما نراه في المجرة، والثانية تعتمد على تأثير محتويات المجرة على الأجسام المحيطة بها، أي أن التأثير كان أكبر من الكتلة المرصودة. فما السبب؟

وليزداد الغموض أكثر؛ تكررت النتيجة السابقة عند دراسة أية مجرة في كوننا، كأن ما سبق مرتبط ببنية المجرات بشكل خاص. وبعد دراسات عدة لهذا التناقض بين الكتلة المرصودة وتأثيرها؛ تبين أنه ليس بكبير في المناطق الداخلية للمجرة، وإنما يزداد بشكل هائل على أطرافها! وكأنّه هنالك مادة مظلمة ما متناثرة على أطراف المجرة تزيد من كتلتها.

دلائل أخرى

ولم يكن ما سبق الدليل الوحيد على وجودها، من الدلائل الأخرى:

التعدس الثقالي

نصّت نظرية النسبية العامة لأينشتاين أن الجاذبية تسبب انحناء الزمكان، وبالتالي تنبأت بانحراف الضوء عن مروره قرب الأجسام الثقيلة في الفضاء. و«التعدس الثقالي-Gravitational lensing»هو انحراف الضوء بتأثير الجاذبية الهائلة مشكلاً ما يشبه العدسة.

والآن إذا طبقنا ذلك على المجرات سنجد مجرة تحني الفضاء بما يكفي لنرى الضوء آتياً من ورائها كالعدسة، ثم يمكننا حساب كتلة المجرة من معادلات حقل أينشتاين.

وكما هو متوقع، توقعت الحسابات كتلة أكبر بكثير مما هو مرصود في المجرة.

حرارة الغاز

عند تشكل المجرات يبدو الغاز وكأنه يتساقط فيها ليتجمع في وسطها ويبدأ تشكل النجوم. أما ما تبقى من الغاز فينضغط باستمرار وترتفع درجة حرارته بشكل كبير حتى يبدأ بإصدار «الأشعة السينية-X rays» مما يمكننا من تصويره في تلك الأطوال الموجية.

يمكننا الاستدلال على أن الغاز هذا في حالة توازن مع الجاذبية، لأنه إن لم يكن سينفجر بشكل كرة كبيرة بسبب الضغط. والآن لحساب كتلة المجرة؛ كل ما علينا هو معرفة درجة حرارة الغاز وضغطه عن طريق صورة الأشعة السينية وموازنته مع كمية الجاذبية اللازمة لحصول التوازن السابق.

وقد تبين أن هذه الطريقة تعطي نتيجة مماثلة للنتائج السابقة.

قد لا نتمكن من معرفة ماهية هذه المادة يوماً، ولكننا متأكدين أنها تسيطر على كوننا…

المصادر:
Space
Nature

كيف تُكتشف الكواكب الخارجية؟

كيف تُكتشف الكواكب الخارجية؟

ما هي الكواكب الخارجية؟

يطلق مصطلح «الكواكب الخارجية-Exoplanets» أو «الكواكب غير الشمسية-Extrasolar planets» على الكواكب المختلفة الموجودة خارج مجموعتنا الشمسية. يدور كل منها في نظامه النجمي الخاص باستثناء «الكواكب المشرّدة-Rogue planets»؛ التي تدور حول مركز المجرة دون أن تتبع نظاماً نجمياً محدداً.

تتنوع مكونات الكواكب الخارجية فتتدرج من كواكب صخرية كلياً تشبه الزهرة والأرض، وصولاً إلى كواكب غنية بالغاز أمثال المشتري وزحل، فلا يوجد تركيب محدد لها، رغم أن العناصر المكونة لها شبيهة جداً بتلك المكونة لمجموعتنا الشمسية؛ إلا أن طريقة تمازج هذه العناصر وتكوينها لمركبات متنوعة تختلف من كوكب لآخر. [1]

كيف تُكتشف الكواكب الخارجية؟

قام العلماء بتطوير طرق غير مباشرة لرصدها أهمّها:

 1. «السرعة القطرية-Radial velocity»

تؤثر قوة الجاذبية بين كل من النجم والكوكب؛ فيدور الكوكب حول نجمه لأنه أثقل منه وحقل جاذبيته أكبر، بينما يكون تأثير الكوكب على النجم ضئيل كَونَ حقل جاذبيته أضعف بكثير، ولكن إذا ما أخذنا هذا التأثير الضئيل بالحسبان نجد أنه يسبب تمايلاً في حركة النجم يتناسب طرداً مع كتلة الكوكب المؤثر؛ فالكواكب الصغيرة كالأرض مثلاً تملك تأثيراً ضئيلاً جداً يكاد لا يُلاحظ..

يتم الكشف عن تمايل النجم عن طريق رصد «تأثير دوبلر-Doppler effect»، الذي يعرف بأنه تمدد أو انضغاط الأمواج نتيجة حركة مصدرها؛ حيث تصبح الأمواج الضوئية أكثر تمدداً (تميل للأحمر) بابتعاد المصدر، وتنضغط (تميل للأزرق) باقتراب المصدر.

تعد هذه الطريقة إحدى أكثر طرق الكشف عن الكواكب الخارجية فعالية فهي تساعدنا في التعرف على كتلة الكوكب وخصائص مداره.

2. «القياسات الفلكية-Astrometry»

يمكن رصد التمايل النجمي السابق بطريقة أخرى تعرف باسم القياسات الفلكية؛ حيث يظهر التمايل بشكل تغيرات في موضع النجم الظاهري في السماء، تعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على تصوير النجم المراد دراسته ومقارنة الصور بشكل مستمر للكشف عن أي تغير في المسافات بينه وبين النجوم القريبة منه، ثم تحليل بيانات هذا التغير -إن وجد- في سبيل البحث عن الكواكب الخارجية التي سببته.  

تتميز هذه الطريقة بصعوبتها؛ فالنجوم تتمايل بمقادير صغيرة جداً صعبة الملاحظة خاصةً إذا كان الكوكب المؤثر على النجم صغير الكتلة، إضافة لأنها تتطلب عدسات فائقة الدقة عند التصوير. ويزداد الأمر صعوبة عند التنفيذ من الأرض؛ لأن الغلاف الجوي يقوم بتشويه الضوء وحنيه.

3. «التصوير المباشر-Direct imaging» 

تعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على التقاط صور النجوم، ثم إزالة الوهج الشديد المنبعث منها بحثاً عن الكواكب التي قد تكون بجوارها، فرغم أن الكواكب الخارجية البعيدة خافتة جداً مقارنة بنجومها الساطعة والتقاط صور لها شبه مستحيل؛ إلا أن التقنيات الحديثة جعلت ذلك ممكناً. حيث يستعمل الفلكيون تقنيتين رئيستين لتخفيف وهج النجوم المرصودة وهما:

1. «الكورونجراف-Coronagraph»:

جهاز يوضع داخل التليسكوب لحجب وهج النجم قبل وصوله إلى حساس التلسكوب. 

2.«ستارشيد-Starshade»:

جهاز يوضع بحيث يحجب وهج النجم قبل وصوله إلى التليسكوب. 

4. «ظاهرة العبور الفلكي-Transit»

يشبه العبور الفلكي إلى حد كبير ظاهرة الكسوف؛ حيث يمر القمر بين الأرض والشمس بشكل يحجب ضوء الشمس عن الأرض مؤقتاً، أما في العبور الفلكي يمر الكوكب أمام نجمه حاجباً ضوءه بمقدار ضئيل جداً يكون غير مرئي في حالة الكواكب الخارجية البعيدة، ولكن إذا ما قمنا بمراقبة كمية الإشعاع المنبعث من النجم بشكل مستمر نستطيع ملاحظة أي تناقص في كمية الإشعاع؛ والذي بدوره يدلنا على وجود كوكب ما يدور حول النجم.

تفيد هذه الطريقة في معرفة بعض خصائص الكوكب المكتشف عن طريق قياس مقدار تناقص الضوء ومدة استمرار الظاهرة للتوصل إلى معلومات متعلقة بحجم الكوكب ومداره وبعده عن نجمه. كما قد نتمكن من معرفة مكونات غلافه الجوي ودرجة حرارته من خلال تحليل «طيف الضوء-Spectrum of light» المنعكس من الكوكب.

5. «التعدس الثقالي الدقيق-Gravitational microlensing»

تتميز الجاذبية بقدرتها على حني نسيج الكون «الزمكان-Spacetime» وتسبب اعوجاجاً فيه، وعند مرور شعاع ضوئي قرب جسم ثقيل يتأثر بجاذبيته فينحرف ويغير اتجاههينتج عن هذا الانحراف تأثيرات عديدة منها التعدس الثقالي؛ حيث تتصرف جاذبية نجم أو كوكب ما كالعدسة المكبرة جاعلةً الضوء القادم من نجم أبعد يتركز ويبدو أكثر سطوعاً لفترة مؤقتة، أما بالنسبة للراصد فيبدو تأثير التعدس كنجمة بعيدة يزداد سطوعها تدريجياً ثم تتلاشى، وإذا ما أثّر التعدس على كوكب سيبدو كومضة سريعة للضوء تسطع ثم تخفت، كما أن غالبية الكواكب المرصودة بهذه الطريقة هي كواكب مشردة تُحدِث ومضات ثقالية سريعة. [2]

تستمر جهود العلماء في البحث وتطوير تقنيات جديدة سعياً وراء اكتشاف حياة فضائية قد تكون مختبئة في إحدى زوايا الكون المظلمة…

المصدر:

[1] NASA

[2] NASA

Exit mobile version