شرح مبسط لجائزة نوبل في الفيزياء 2022 وسبب الفوز بها

باستخدام التجارب الرائدة، أظهر كلا من آلان أسبكت وجون كلاوزر وأنتون زيلينجر، الحائزين على جائزة نوبل في الفيزياء 2022، إمكانية التحقيق والتحكم في الجسيمات الموجودة في حالات التشابك. حيث ما يحدث لجسيم واحد في زوج متشابك يحدد ما يحدث للآخر حتى لو كان أحدهما بعيدًا عن الآخر على نحو كبير جدًا. فما طوره العلماء الحائزين على نوبل في الفيزياء 2022 للأدوات التجريبية بمثابة الأساس لعصر جديد من تكنولوجيا الكم.

قوة التشابك الكمي هو سر نوبل في الفيزياء 2022

لا تمثل ميكانيكا الكم مجرد نظرية أو قضية فلسفية! بل هناك بحث وتطوير مكثف للاستفادة من الخصائص الخاصة بأنظمة الجسيمات الفردية. كل ذلك يصب في مصلحة بناء حواسيب كمية وتحسين القياسات وبناء شبكات كمية وإنشاء اتصال آمن مُشفر كميًا. وتعتمد الكثير من التطبيقات على تقنية الكم، إذ تسمح لجسيمين أو أكثر بالوجود في حالة متشابكة وذلك بغض النظر عن مدى تباعد كلا منهما عن الآخر. يُعرف ذلك باسم «التشابك-Entanglement» والذي أثار جدل واسع في ميكانيكا الكم منذ أن صيغت النظرية.

تحدث ألبرت أينشتاين عن تلك الحركة الخفية عن بُعد. كما قال إروين شرودنجر إنها أهم سمة لميكانيكا الكم. وهذا العام استكشف الفائزون بجائزة نوبل في الفيزياء 2022 هذه الحالات الكمية المتشابكة. ووضعت تجاربهم الأساس للثورة القائمة حاليًا في تكنولوجيا الكم.

ما هو التشابك الكمي؟

حين يتشابك جسيمان كميًا، يمكن للشخص الذي يقيس خاصية لجسيم واحد أن يحدد على الفور نتيجة قياس مكافئ للجسيم الآخر. يحدث الأمر دون الحاجة إلى التحقق، فهو مضمون. وقد يكون ذلك عجيب على مسامعك بالبداية! لكن إذا فكرنا في الكرات بدلاً من الجسيمات. فيمكننا تخيل تجربة يتم فيها إرسال كرة سوداء في اتجاه ما وكرة بيضاء في الاتجاه المعاكس. ويمكن للمراقب الذي يمسك كرة ويرى أنها بيضاء أن يعرف على الفور أن الكرة التي تحركت في الاتجاه الآخر سوداء.

فما يجعل ميكانيكا الكم مميزة هو أن مكافئتها للكرات ليس لها حالات محددة حتى يتم قياسها. قد يبدو الأمر كما لو أن كلتا الكرتين ذو لون رمادي، حتى ينظر شخص ما إلى أخر. بعد ذلك، يمكن أن يأخذ بشكل عشوائي كل الأسود الذي يمكن لزوج الكرات الوصول إليه أو يمكن أن يظهر أنه أبيض. فتتحول الكرة الأخرى على الفور إلى اللون المعاكس.

ولكن كيف يمكن معرفة أن الكرات لم يكن لها لون محدد من البداية؟ حتى لو بدت رمادية اللون، فربما كانت تحتوي على ملصق مخفي بالداخل. يشير إلى اللون الذي يجب أن تصبح عليه عندما ينظر إليها شخص ما.

هل هناك لون ما من الأساس في حالة غياب المراقبة؟

كي نفهم الأمر، يمكن مقارنة الأزواج المتشابكة لميكانيكا الكم بآلة ترمي كرات ذات ألوان متناقضة في اتجاهات متعاكسة نحو طفلين وهما بوب وأليس. وعندما يمسك “بوب” الكرة ويرى أنها سوداء، يعرف على الفور أن “أليس” قد التقطت كرة بيضاء.

نظريًا، عند استخدام المتغيرات الخفية بدلًا من الألوان المحددة من البداية، بدا أن الكرات تحتوي دائمًا على معلومات خفية حول اللون الذي يجب إظهاره لبوب أو أليس. وعلى الرغم من ذلك، تقول ميكانيكا الكم أن الكرات كانت رمادية اللون بشكل ما، إلى أن نظر إليها أحدهما. وعندما تحولت إحداهما إلى اللون الأبيض بنظر أليس إليها، أصبحت الأخرى سوداء. وتفترض مبرهنة بيل لعدم التساوي أن هناك تجارب يمكن أن تفرق بين هذه الحالات. ولكن ما سنراه لاحقًا، أن تلك التجارب أثبتت أن وصف ميكانيكا الكم هو الصحيح وليس مبرهنة بيل.

المتغيرات الخفية وميكانيكا الكم

سبب منح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2022

يُعدّ جزء مهم مما تمت مكافأة العلماء الثلاثة عليه بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2022 هو الإطاحة بمبرهنة عدم التساوي لبيل. إذ تسمح مبرهنة عدم التساوي لبيل بإمكانية التفريق بين “اللا تحديد المسبق للجسيمات في ميكانيكا الكم” من جهة و”الوصف البديل باستخدام تعليمات سرية أو متغيرات خفية” من جهة أخرى. حيث أظهرت التجارب أن الطبيعة تتصرف كما تنبأت ميكانيكا الكم وليس كما توضح المبرهنة. فالكرات رمادية اللون، وبدون معلومات سرية، والمصادفة وحدها هي التي تحدد اللون الأسود والأبيض في التجربة. أي أنه لا توجد حالة أساسية محددة للون الكرات قبل إطلاقها!

طرق جديدة من خلال الحالات الكمية

يمكننا من خلال الحالات الكمية المتشابكة إيجاد طرق جديدة لتخزين المعلومات ونقلها ومعالجتها. وتحدث أشياء مثيرة للاهتمام إذا كانت الجسيمات في زوج متشابك وتتحرك في اتجاهين متعاكسين. فإذا التقى أحدهما بجسيم ثالث بطريقه تصبح متشابكة معهم. ثم يدخلون مع بعضهم في حالة مشتركة جديدة. فيفقد الجسيم الثالث هويته، لكن خصائصه الأصلية انتقلت الآن إلى الجسيم المنفرد من الزوج الأصلي.

هذه الطريقة لنقل حالة كمية غير معروفة من جسيم إلى آخر تسمى النقل الآني الكمي. كان هذا النوع من التجارب أجراه أنتون زيلينجر وزملاؤه في عام 1997. ومن اللافت للنظر أن النقل الآني الكمي هو الطريقة الوحيدة لنقل المعلومات الكمية من نظام لآخر دون أن يفقد أي جزء منها. حيث من المستحيل تمامًا قياس جميع خصائص النظام الكمي ثم إرسال المعلومات إلى المستلم الذي يريد إعادة بناء النظام. وذلك لأن النظام الكمي يمكن أن يحتوي على عدة نسخ من كل خاصية في وقت واحد، حيث يكون لكل نسخة احتمالية معينة للظهور أثناء القياس. وبمجرد إجراء القياس، تبقى نسخة واحدة فقط، وهي النسخة الذي قرأتها أداة قياس. لقد اختفى الآخرون ومن المستحيل معرفة أي شيء عنهم. وعلى الرغم من ذلك، يمكن نقل الخصائص الكمية غير المعروفة تمامًا باستخدام النقل الآني الكمي وتظهر سليمة وكاملة دون فقدان في جسيم آخر، مع ملاحظة أنها تُدمر في الجسيم الأصلي.

هل أمكننا تطبيق الانتقال الآني عمليًا؟

بمجرد عرض الانتقال الآني بشكل تجريبي، كانت الخطوة التالية هي استخدام زوجين من الجسيمات المتشابكة. فإذا تم تجميع جسيم واحد من كل زوج معًا بطريقة معينة، فيمكن للجسيمات غير المضطربة في كل زوج أن تتشابك على الرغم من عدم ملامستها أبدًا لبعضها البعض. تم توضيح تبادل التشابك هذا لأول مرة في عام 1998 من قبل مجموعة أنتون زيلينجر البحثية.

تمكن الفريق من إرسال أزواج الفوتونات المتشابكة وجزيئات الضوء في اتجاهين متعاكسين من خلال الألياف الضوئية لتعمل كإشارات في شبكة كمية. ويتيح التشابك بين الزوج من تمديد المسافات في مثل هذه الشبكة. فهناك حد للمسافة التي يمكن أن ترسل فيها الفوتونات عبر الألياف الضوئية قبل امتصاصها أو فقدان خصائصها. كما يمكن تضخيم الإشارات الضوئية العادية. لكن هذا لم يحدث مع الأزواج المتشابكة. إذ يجب على المضخم أن يلتقط ويقيس الضوء الذي يكسر التشابك. ومع ذلك، فإن تبادل التشابك يعني أنه من الممكن إرسال الحالة الأصلية إلى أبعد من ذلك، وبالتالي نقلها عبر مسافات أطول مما كان ممكنًا.

أجسام تتشابك دون اتصال!

ينبعث زوجان من الجسيمات المتشابكة من مصادر مختلفة. حيث يتم تجميع جسيم واحد من كل زوج معًا بطريقة خاصة تجعلهم متشابكين مع بعضهم البعض، ثم يتشابك الجسيمان الآخران (مثل 1 و 4 في الرسم التخطيطي) أيضًا. على هذا النحو، يمكن أن يتشابك جسيمان لم يكونا على اتصال مطلقًا.

من التناقض إلى اللا مساواة

أينشتاين أخطأ

نحن نسلم بأنه لا يمكن أن يتأثر شيء ما بحدث يقع في مكان آخر دون أن تصل إليه أي إشارة أولًا؟ كما لا يمكن للإشارة أن تنتقل أسرع من الضوء. هذا المبدأ، الذي يسميه الفيزيائيون بالمحلية، كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه افتراض أساسي حول قوانين الفيزياء. لكن ميكانيكا الكم دائمًا مبهرة وعجيبة! فقال ألبرت أينشتاين أن ميكانيكا الكم تسمح “بعمل مخيف عن بعد” -وهو التشابك الكمي-، على حد تعبير أينشتاين. في ميكانيكا الكم، لا يبدو أن هناك حاجة لإشارة لتوصيل الأجزاء المختلفة لنظام ما. حيث أن التشابك الكمي كسر تصور لازمية وجود إشارة وأن تكون أسرع من الضوء، لإنه بالفعل يحدث بسرعة كبيرة. وهذا التناقض مع المحلية محير بالنسبة لإينشتاين وغيره، نظرًا لعدم معرفة ماهية هذا التشابك.

قدم أينشتاين وزملائه منطقهم في عام 1935، بأنه لا يبدو أن ميكانيكا الكم تقدم وصفًا كاملاً للواقع. وذلك أصبح يسمى بمفارقة EPR -الاسم من عدد الأحرف الأولى من أسماء الباحثين-. كما وضحوا أن هناك «متغيرات خفية محلية-local hidden variables».

ما هي المتغييرات الخفية؟

لنفرض أن لديك زوج من الإلكترونات والذي إجمالي دورانهما يساوي صفر وذلك يعني أنه عند قياس دوران أي منهم على طول محور معين سيؤول لنتائج معاكسه للآخر، نظرًا لدورانهما عكس بعضهم البعض. وعلى الرغم من أن الدوران الكلي له قيمة محددة لكن الدوران الفردي لكل إلكترون غير محدد.

الآن لنفرض أنك فصلت هذه الإلكترونات المتشابكة ونقلتها إلى مختبرات بعيدة عن بعضها وأن فرقًا من العلماء في هذه المختبرات يمكنها إجراء قياسات الدوران. فعندما يقيس كلا الفريقين على طول نفس المحور، فإنهما يحصلان على نتائج معاكسة بنسبة 100٪ أيضًا.

يقترح أينشتاين أنه يمكن أن يأتي كل زوج من الإلكترونات مع مجموعة مرتبطة من “المتغيرات الخفية” -كما وضحنا- التي تحدد دوران الجسيمات على طول جميع المحاور في وقت واحد. لكن هذه المتغيرات الخفية غائبة عن الوصف الكمي للحالة المتشابكة، حيث يمكن للمتغيرات الخفية أن تفسر لماذا تؤدي قياسات المحور نفسه دائمًا إلى نتائج معاكسة دون أي انتهاك للمحلية -والمحلية توضح أنه لا يوجد شيء أسرع من الضوء-، قياس إلكترون واحد لا يؤثر على الآخر ولكنه يكشف فقط عن القيمة الموجودة مسبقًا لمتغير خفي.

بيل يستبعد المتغييرات الخفية

أثبت الفيزيائي جون بيل أنه يمكن استبعاد المتغيرات الخفية المحلية أي استبعاد الموقع تمامًا، عن طريق قياس دوران الجسيمات المتشابكة على طول محاور مختلفة. إذ أنه أليس من الممكن أن يكون السبب في النتائج المعاكسة دائمًا هم الأشخاص ذاتهم، ففي المثال السابق علماء المختبر هم المتحكمين في الدوران وقد يتفقوا على قياسات معينة. كما وضح اختلاف عالم الكم عن العالم الكلاسيكي، وأن ميكانيكا الكم غير متوافقة مع المتغييرات الخفية المحلية، لإن التشابك الكمي كسر مبدأ المحلية في العالم الكلاسيكي. ووضح كل ما ذكرناه من خلال مبرهنته عدم التساوي أو عدم المساواة والتي تبيّن أن جميع النظريات ذات المتغيرات الخفية، يكون الارتباط بين نتائج القياسات أقل من قيمة معينة أو مساوي لها على الأكثر. وهذا ما يسمى عدم التساوي لبيل. وعلى الرغم من ذلك، يمكن لميكانيكا الكم أن تنتهك المبرهنة والتنبؤ بقيم أعلى للارتباط بين النتائج مما هو ممكن من خلال المتغيرات الخفية.

تجارب لاختبار عدم التساوي لبيل

أصبح جون كلاوزر مهتمًا بأساسيات ميكانيكا الكم عندما كان طالبًا في الستينيات، ولم يستطع التخلص من فكرة جون بيل بمجرد أن قرأ عنها. في نهاية المطاف، تمكن هو وباحثين آخرين من تقديم اقتراح لنوع واقعي من التجارب يمكن استخدامه لاختبار عدم التساوي لبيل.

تتضمن التجربة إرسال زوج من الجسيمات المتشابكة في اتجاهين متعاكسين. في الممارسة العملية، يتم استخدام الفوتونات التي لها خاصية تسمى الاستقطاب. فعندما تنبعث الجسيمات، يكون اتجاه الاستقطاب غير محدد، وكل ما هو مؤكد هو أن للجسيمات استقطاب متوازي.

يمكن التحقق من ذلك باستخدام مرشح يسمح بالاستقطاب الموجه في اتجاه معين. هذا هو التأثير المستخدم في العديد من النظارات الشمسية، والذي يحجب الضوء الذي تم استقطابه في مستوى معين.

إذا تم إرسال كلا الجسيمين في التجربة نحو المرشحات التي يتم توجيهها في نفس المستوى على نحو عمودي، وانزلق أحدهما عندئذٍ سيمر الآخر أيضًا. إذا كانوا في زوايا قائمة لبعضهم البعض، فسيتم إيقاف أحدهم بينما يمر الآخر. الحيلة هي القياس باستخدام المرشحات الموضوعة في اتجاهات مختلفة بزوايا منحرفة، إذ يمكن أن تختلف النتائج بعد ذلك. فمثلًا، أحيانًا ينزلق كلاهما وأحيانًا واحدًا فقط وأحيانًا لا شيء. يعتمد عدد المرات التي يمر فيها كلا الجسيمين عبر المرشح على الزاوية بين المرشحات.

فتؤدي ميكانيكا الكم إلى ارتباط بين القياسات. تعتمد احتمالية الحصول على جسيم واحد على زاوية المرشح، التي اختبرت استقطاب شريكه على الجانب الآخر من الإعداد التجريبي. هذا يعني أن نتائج كلا القياسين في بعض الزوايا، تنتهك تساوي بيل ولها ارتباط أقوى مما لو كانت النتائج محكومة بمتغيرات خفية وتم تحديدها مسبقًا عند انبعاث الجسيمات.

انتهاك عدم التساوي

بدأ جون كلاوزر على الفور العمل على إجراء هذه التجربة. قام ببناء جهاز يُصدر فوتونين متشابكين في وقت واحد، وكل منهما باتجاه مرشح يختبر استقطابهما. في عام 1972، مع طالب الدكتوراه ستيوارت فريدمان (1944-2012)، كان قادرًا على إظهار نتيجة تمثل انتهاكًا واضحًا لعدم التساوي لبيل واتفق مع تنبؤات ميكانيكا الكم.

في السنوات اللاحقة، واصل جون كلاوزر وغيره من الفيزيائيين مناقشة التجربة وحدودها. كان أحدها أن التجربة كانت عمومًا غير صحيحة. حيث تم أيضًا ضبط القياس مسبقًا مع وجود المرشحات عند زوايا ثابتة. لذلك كانت هناك ثغرات، حيث يمكن للمراقب أن يشكك في النتائج وأنه ماذا لو الإعداد التجريبي بطريقة ما اختار الجسيمات التي تصادف أن يكون لها ارتباط قوي ولم تكتشف الجسيمات الأخرى؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد لا تزال الجسيمات تحمل معلومات خفية.

كان القضاء على هذه الثغرة بالذات أمرًا غاية في الصعوبة. لأن الحالات الكمية المتشابكة هشة للغاية ويصعب إدارتها، ومن الضروري التعامل مع الفوتونات الفردية. بعدها قام طالب الدكتوراه الفرنسي آلان أسبكت ببناء نسخة جديدة من الإعداد قام بتحريرها على عدة تكرارات. في تجربته، تمكن من تسجيل الفوتونات التي مرت عبر المرشح وتلك التي لم تمر. هذا يعني أنه تم اكتشاف المزيد من الفوتونات وكانت القياسات أفضل.

في النهاية، كان قادرًا أيضًا على توجيه الفوتونات نحو مرشحين مختلفين تم ضبطهما في زوايا مختلفة. تمثلت البراعة في الآلية التي غيرت اتجاه الفوتونات المتشابكة بعد تكوينها وانبعاثها من مصدرها. كانت المرشحات على بعد ستة أمتار فقط، لذا يجب أن يحدث التبديل في بضعة أجزاء من المليار من الثانية. إذا كانت المعلومات حول أي فوتون سيصل إليه، أثرت في كيفية انبعاثه من المصدر، فلن تصل إلى هذا المرشح. ولا يمكن أن تصل المعلومات المتعلقة بالمرشحات الموجودة على جانب واحد من التجربة إلى الجانب الآخر وتؤثر على نتيجة القياس هناك.

بهذه الطريقة، أغلق آلان أسبكت ثغرة مهمة وقدم نتيجة واضحة جدًا، وهي أن ميكانيكا الكم صحيحة ولا توجد متغيرات خفية.

شرح لتجارب كلا من جون كلوزر وآلان أسبكت وأنتون زيلينجر بالرسوم

  • استخدم جون كلاوزر ذرات الكالسيوم التي يمكن أن تصدر فوتونات متشابكة بعد أن أضاءها بضوء خاص. أقام مرشحًا على كلا الجانبين لقياس استقطاب الفوتونات، وبعد سلسلة من القياسات، كان قادرًا على إظهار أنها انتهكت عدم التساوي لبيل.
تجربة جون كلاوزر
  • طور آلان أسبكت هذه التجربة، باستخدام طريقة جديدة لإثارة الذرات بحيث تنبعث منها فوتونات متشابكة بمعدل أعلى. يمكنه أيضًا التبديل بين الإعدادات المختلفة، لذلك لن يحتوي النظام على أي معلومات مسبقة يمكن أن تؤثر على النتائج.
تجربة آلان أسبكت
  • أجرى أنتون زيلينجر في وقت لاحق المزيد من الاختبارات حول عدم التساوي لبيل. حيث قام بإنشاء أزواج متشابكة من الفوتونات عن طريق تسليط ليزر على بلورة خاصة. واستخدم أرقامًا عشوائية للتبديل بين إعدادات القياس. استخدمت إحدى التجارب إشارات من مجرات بعيدة للتحكم في المرشحات والتأكد من أن الإشارات لا يمكن أن تؤثر على بعضها البعض.
تجربة أنتون زيلينجر

في النهاية

وضعت هذه التجارب والتجارب المماثلة التي سبقتها الأساس للبحث المكثف الحالي في علم المعلومات الكمي. حيث تتيح لنا القدرة على معالجة الحالات الكمية وإدارتها والوصول إلى أدوات ذات إمكانات غير متوقعة. هذا هو أساس الحساب الكمي ونقل وتخزين المعلومات الكمية وخوارزميات التشفير الكمي. الأنظمة التي تحتوي على أكثر من جسيمين وكلها متشابكة وقيد الاستخدام الآن، وكان أنتون زيلينجر وزملاؤه أول من استكشفها.

فتعمل هذه الأدوات المحسنة بشكل متزايد على تقريب التطبيقات الواقعية من أي وقت مضى. حيث تم الآن إظهار حالات الكم المتشابكة بين الفوتونات التي تم إرسالها عبر عشرات الكيلومترات من الألياف الضوئية وبين قمر صناعي ومحطة على الأرض.

يمكنك أيضًا قراءة: ما هو الانتقال الآني الكمي؟

المصدر: موقع جائزة نوبل.

ما الذي يميز البت الكمي عن البت الكلاسيكي؟

هزم حاسوب «IMB Deep Blue» بطل الشطرنج «غاري كاسباروف» في عام 1997، إذ حسب 200 مليون حركة في الثانية، وكان ذلك بسبب خطأ في برمجيه الجهاز، ومن المثير أن الحاسوب الكمي سيكون قادرًا على حساب تريليون حركة في الثانية! في عام 2019، حقق فريق من جوجل إنجازًا ببناء حاسوب كمي باستخدام كيوبتات فائقة التوصيل، فحاسوب «Sycamore» حل مشكلة تستغرق 10 آلاف سنة بالحواسيب التقليدية في 200 ثانية فقط… في عام 2020، بنى فريق صيني حاسوب كمي باستخدام كيوبتات ضوئية، إذ تعتمد على الضوء وتجعل الحاسوب أسرع. [7،8]

أما في يوليو الماضي، قام فريق بحثي صيني أخر ببناء جهاز حاسوب كمي، إذ أكمل هذا الحاسوب عملية حسابية في ما يزيد قليلًا عن ساعة مقارنة بحاسوب تقليدي سيكملها في ثماني سنوات! إضافة إلى شركة IBM التي صرحت أنها بحلول 2023، ستبني حاسوبًا كميًا من 1000 كيوبت، حيث أنه كلما زاد عدد الكيوبتات زادت سرعة ومعالجة الحاسوب. أخيرًا، تأتي الإمارات بأنها ستدخل هذا السباق وتستعد ببناء حاسوب كمي. [6،9]

فوسط هذا الصراع الكمي، نقدم لكم سلسلة في الحوسبة الكمية وعملياتها…

ففي هذا المقال سنتحدث عن البنية الأساسية للحواسيب الكمية؛ لنخوض بعدها في تفاصيل العوامل التي نتلاعب فيها بتلك البنية، وتلك البنية الأساسية هي الكيوبت أو البت الكمي؟ فما هو البت الكمي وما الذي يميزه؟

وقبل الحديث عن ماهية الكيوبت، علينا معرفة بعض المصطلحات الهامة، ألا وهي: التراكب والتشابك والتداخل.

ما هو التشابك الكمي؟

هو أحد الظواهر الغريبة التي نراها داخل عالم الكم، عندما يرتبط جسيمان أو أكثر بطريقة معينة بغض النظر عن المسافة بينهما في الفضاء. ففي العقود الأولى من القرن العشرين، طور الفيزيائيون الأفكار الأساسية وراء التشابك أثناء دراستهم لميكانيكا الكم ووجدوا أنه لابد لوصف الأنظمة دون الذرية استخدام ما يسمى بالحالة الكمية.

التشابك

ما هي الحالة الكمية؟


لا يوجد شيء مؤكد في عالم الكم فمثلًا لا نعرف أبدًا مكان وجود الإلكترون في الذرة بالضبط، فتأتي الحالة الكمية هنا لتلخص احتمالية قياس خاصية معينة لجسم ما مثل موضعه… فتصف جميع الأماكن التي قد نجد فيها الإلكترون.

ميزة أخرى للحالات الكمية

صدرت ورقة بحثية في عام 1935، حيث قام إلبرت أينشتاين وبوريس بودولسكي وناثان روزن بفحص مدى قوة ارتباط الحالات الكمية مع بعضها. وجدوا حينها أنه عندما يرتبط جسيمان؛ فإنهما يفقدان حالتهما الكمية الفردية ويتشاركان في حالة واحدة. تلك الحالة الموحدة هي التشابك الكمي. إذ بسبب الترابط الشديد، فإن قياسات أحد الجسمان تؤثر تلقائيًا على الآخر بغض النظر عن بعدهما عن بعضهما.

كان إروين شرودنجر أول عالم فيزياء استخدم كلمة “تشابك” وهو أحد مؤسسي ميكانيكا الكم ووصف التشابك بأنه الجانب الأكثر أهمية في ميكانيكا.

طرق تشابك الجسميات

هناك العديد من الطرق إحداها تتمثل في تبريد الجسميات ووضعها بالقرب من بعضها بحيث تتداخل حالاتها الكمية مما يجعل من المستحيل تمييز جسيم عن الآخر.

تتمثل الطريقة الأخرى في اعتمادها على بعض العمليات دون الذرية مثل الاضمحلال النووي والذي ينتج عنه تلقائيًا جزيئات متشابكة. كذلك من الممكن إنشاء جزيئات متشابكة من الفوتونات أو جسيمات الضوء. يمكن استخدام التشابك الكمي في التشفير وكذلك في الحوسبة الكمية. [3]

ما هو التراكب الكمي؟

إحدى الخصائص التي يتميز بها الكيوبت هي حالة التراكب، فالتراكب أحد المبادئ الأساسية لميكانيكا الكم. يمكن رؤية الموجة التي تصف نغمة موسيقية على أنها عدة موجات بترددات مختلفة في الفيزياء الكلاسيكية. فالتراكب هو إضافة حالتين كميتين أو أكثر لخلق حالة كمية أخرى. [1]

التراكب

ما هو التداخل الكمي؟

استمر الجدل حول إذا ما كان الضوء جزيئات أم موجات إلى أكثر من ثلاثمائة عام. حتى أعلن إسحاق نيوتن في القرن السابع عشر أن الضوء يتكون من تيار من الجسميات. وابتكر توماس يونغ تجربة الشق المزدوج في أوائل القرن التاسع عشر؛ لإثبات أن الضوء عبارة عن موجات. على الرغم من صعوبة قبول نتائج التجربة إلا أنها قدمت دليلًا على التداخل الكمي. حينها صرح الفيزيائي ريتشارد فاينمان أنه يمكن استيعاب أساسيات ميكانيكا الكم من خلال تجربة الشق المزدوج. [4]

يمكن أن تتداخل حالات الكيوبت مع بعضها لأن كل حالة تُوصف بسعة احتمالية مثل اتساع الموجات. يوجد نوعان من التداخل، فالتداخل البناء يعزز السعة والهدام يلغي السعة. تُستخدم تلك التأثيرات في خوارزميات الحوسبة الكمية مما يجعلها مختلفة عن الخوارزميات الكلاسكية. [3]

التداخل

ما هو الكيوبت؟

تتضمن جميع العمليات الحسابية إدخال للبيانات ومعالجتها وفقًا لقواعد معينة ومن ثم إخراج النتيجة النهائية لنا. والوحدة الأساسية للبيانات هي “البت” أما الوحدة الأساسية للحسابات الكمية هي “البت الكمي أو الكيوبت”.

فالكيوبت الكمي يشبه البت الكلاسيكي. إذ من حيث قدرة البت الكلاسيكي فله حالتين 1 أو 0 أما البت الكمي فله حالات متعددة مثل 1 أو 0 أو 2 أو تراكبًا للحالات. [5]

كيف تصنع الكيوبتات؟


يمكن تصنيع الكيوبتات من أيونات أو فوتونات أو ذرات اصطناعية أو حقيقة أو اشباه الجسيمات.

كيف يتم تمثيل الكيوبتات؟

تُمثل الكيوبتات من خلال تراكب حالات متعددة محتملة، إذ يستخدم الكيوبت ظواهر ميكانيكا الكم.

إذ يمنح التراكب الحواسيب الكمية قوة حوسبة فائقة، فيسمح للخوارزميات الكمية بمعالجة المعلومات في وقت أقل ويعمل كل من التراكب والتداخل والتشابك على إنشاء قوة حوسبة يمكنها حل المشكلات بشكل أسرع من الحواسيب الكلاسيكية. [2]

أهم ما يميز الكيوبت عن البت

المصادر

[1] Quantum-inspire
[2] Azure-Microsoft
[3] Livescience
[4] Whatis
[5] Jack D. Hidary, Quantum Computing: An Applied Approach, Springer, 2019, (page 17-18)

[6] Wired

Ibm [7]

bbc [8]

[9] Ibm

كيف تطور مفهومنا عن الذرة؟

فكرة الذرة فكرة قديمة قدم الفكر البشري، فلطالما تساءل الإنسان عن أصغر شيء ممكن، وعن مما تتكون المادة، واليوم سنقص عليكم قصة تطور المفهوم البشري عن الذرة، وكيف توصلنا إلى النموذج الحالي.

«ديموقريطوس-Democritus»

كان الفيلسوف اليوناني ديموقريطوس من أوائل الفلاسفة الذين قاموا بتقديم نموذج للذرة، حيث افترض ديموقريطوس أنك تستطيع تقسيم المادة إلى أجزاء صغيرة وتستمر في هذه العملية إلى أن تصل إلى جزء صغير جدا من المادة لا يمكن تقسيمه إلى أجزاء أصغر، وكانت هذه هي الذرة عند ديموقريطوس.

«أرسطو-Aristotle»

رفض أرسطو فكرة الذرة، ورأى أن كل المواد في الكون تتكون من عناصر الطبيعة الأربعة، وهي الهواء والماء والأرض والنار، إلا أن هذه الفكرة الغير علمية تسببت في تعطيل حركة البحث العلمي لما يزيد عن 1000 عام.

«روبرت بويل-Robert Boyle»

كان بويل هو أول من افترض فكرة العناصر، حيث قال أن هناك عناصر محددة في الطبيعة ولكل عنصر منها صفاته المميزة، ووضع تعريفًا للعنصر الكيميائى حيث قال أن المادة التي يمكن تقسيمها إلى مادتين أو أكثر لا تعتبر عنصرًا.

«جون دالتون-John Dalton»

أكمل دالتون على أفكار من سبقوه وصاغ نظريته عن الذرة، ونلخص لكم نظريته في الخمس نقاط التالية:

• كل المواد تتكون من جزيئات صغيرة محددة تُدعى الذرات.
• الذرة غير قابلة للرؤية أو التدمير والتفكيك.
• كل الذرات لنفس العنصر تتشارك صفات متطابقة، بما في ذلك الوزن.
• الذرات للعناصر المختلفة لها كُتل مختلفة وصفات مختلفة.
• تتكون المركبات من اتحاد ذرات العناصر المختلفة بنسب ثابتة بأرقام صحيحة.

«جوزيف جون طومسون-Joseph John Thompson»

السير جوزيف جون طومسون، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وهو مكتشف الإلكترونات، ولكن كيف اكتشفها؟

اكتشف طومسون الإلكترونات عن طريق «تجربة أشعة الكاثود-Cathode rays experiment»، حيث قام بتفريغ أنبوب زجاجي من الهواء، ووضع قطبين كهربائيين على طرفي الأنبوب، ثم قام بشحن أحد القطبين ولاحظ انطلاق أشعة متوهجة من الكاثود (القطب سالب الشحنة) باتجاه القطب الآخر.

ولاختبار خصائص أشعة الكاثود تلك، قام طومسون بوضع صفيحتين حول الكاثود، واحدة ذات شحنة موجبة والأخرى سالبة، فانطلقت أشعة الكاثود باتجاه الصفيحة ذات الشحنة الموجبة.

فقام بوضع استنتاجات هي:

• أشعة الكاثود تتكون من جزيئات ذات شحنة سالبة.
• يجب أن تتواجد تلك الجزيئات كجزء من الذرة حيث أن كتلة الجزيء الواحد منها تساوي 1/2000 من كتلة ذرة الهيدروجين (أصغر الذرات).
• يمكن إيجاد هذه الجزيئات ما دون الذرية في أي ذرة من ذرات العناصر المختلفة.

وعُرفت هذه الجسيمات فيما بعد باسم الإلكترونات.

«إرنست رذرفورد-Ernest Rutherford»

قام رذرفورد بتجربة مدهشة نقلت مفهومنا عن الذرة نقلة كبيرة، حيث قام بإحضار مصدر لأشعة ألفا (أشعة موجبة الشحنة)، ووضعه أمام طبقة من الذهب، ثم قام بإطلاق أشعة ألفا باتجاه الذهب، فلاحظ ثلاث ملاحظات:

• جزء من أشعة ألفا انطلق في خط مستقيم وعبر حاجز الذهب بدون انحراف
• جزء آخر انعكس وعاد إلى الخلف.
• جزء صغير من الأشعة عبر إلى الاتجاه الآخر ولكن مع انحراف في مساره.

وكان تفسير الجزء الذي عبر بدون انحراف هو أن معظم الذرة عبارة عن فراغ، أما الجزء المنعكس فكان نتيجة لاصطدام أشعة ألفا الموجبة بأجسام موجبة داخل الذرة، وأما تفسير انحراف الجزء الضئيل من أشعة ألفا هو التنافر بين الأشعة وبين تلك الجسيمات الموجبة.

وهذه الجسيمات الموجبة عرفت فيما بعد باسم البروتونات.

«دي برولي-De Broglie»

قال دي برولي أن الجزيئات الصغيرة مثل الإلكترون يمكن معاملتها على أنها جزيء وموجة في آن واحد، حيث تمتلك خواص الاثنين، وهو ما يعرف ب«الطبيعة المزدوجة-Dual nature».

«ويرنر هايزنبيرج-Werner Heisenberg»

إحدى أسس ميكانيكا الكم هو مبدأ الريبة لهايزنبيرج، حيث قال هايزنبيرج بمحدودية المعلومات الممكن الحصول عليها حول أي نظام كمّي، فيستحيل معرفة موقع الإلكترون وسرعته في نفس الوقت، إما هذا أو ذاك، ولكن لا يمكن معرفة الاثنين معًا.

النموذج الحديث

قال «نيلز بور-Niels Bohr» بوجود 7 مستويات طاقة يمكن للإلكترونات التواجد فيها حسب طاقتها، وتأخذ في ترتيبها الحروف (K,L,M,N,O,P,Q)، وأن الإلكترون يمكنه أن ينتقل من مستوى إلى آخر عن طريق اكتسابه كمية من الطاقة تُدعى «الكم-quantum»، وهو شيء صحيح، لكنه افترض عدم إمكانية وجود الإلكترون بين هذه المستويات، إلا أن هذا الافتراض تمت تخطئته باكتشاف المستويات الفرعية (s,p,d,f)، وهذه المستويات الفرعية تحوي عددًا من «المداريات-orbitals» تختلف في أعدادها حسب طاقة كل مستوى فرعي، وهو ما دفع الفيزيائيين إلى القول بوجود ما يسمى ب«سحابة الإلكترونات-Electron cloud»، وهي عبارة عن عدد من المواقع التي تزداد فيها احتمالية تواجد الإلكترون حول الذرة.

في الختام

تطور التصور البشري عن الذرة على مدار فترة تزيد عن 2500 سنة، وكل خطوة يخطوها الإنسان في سبيل المعرفة تزيد من معرفته وتطورها، فنقف على أكتاف معرفة الماضي لنرى أبعد مما رأى من سبقونا، وتأتي الأجيال الجديدة لتقف على أكتاف الجيل الحالي، وهكذا تتطور المعرفة البشرية.

المصادر

britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica

Exit mobile version