هل يوجد نمط ما في الكون أم أنه عشوائي تمامًا؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تساءل علماء الكونيات لعقود من الزمن عما إذا كانت بنية كوننا كسوريّة – «الكسوريات-Fractals» – على المقياس الكبير. أي ما إذا كانت بنية الكون تبدو ذاتها مهما كبر مقياسنا؟ وبعد إتمام العلماء مسح شامل للمجرات توصلوا أخيرًا لما يبدو أنه إجابة: لا، ولكن بدرجة ما. ففي مطلع القرن العشرين؛ لاحظ الفلكيون أن كوننا واسع بشكل لا يصدق. وقد بدأ ذلك الفلكي الشهير «إدوين هابل-Edwin Hubble» عند اكتشافه المسافة الشاسعة التي تفصلنا عن مجرة «المرأة المتسلسلة-Andromeda»، أقرب المجرات إلى درب التبانة. كما رأى الفلكيون أن المجرات متناثرة قرب بعضها وبعيدة عن بعضها الآخر. لذلك ظهر السؤال التالي: هل يوجد نمط معين في توزيع تلك المجرات أم أن الكون عشوائي تمامًا؟

في البداية بدا التوزيع عشوائي كليًا. فقد رأى الفلكيون عناقيد مجرية عملاقة، يحتوي كل منها على آلاف المجرات. كذلك رأوا مجموعات أصغر من المجرات، ومجرات وحيدة أيضًا. واعتمادًا على عمليات الرصد هذه؛ جزم العلماء بغياب نمط شامل وأن الكون عشوائي.

تقبل الفلكيون ذلك بصدر رحب، فقد سبق وافترضوا فكرة تعرف باسم «المبدأ الكوني-The Cosmological Principle»، والتي تفترض أن الكون «متجانس-Homogeneous» تقريبًا (أي متماثل في جميع الأماكن)، وأنه «متماثل-Isotropic» (أي هو ذاته أينما نظرت من أي اتجاه). وحزمة من المجرات والعناقيد العشوائية تناسب ذلك المبدأ.

ولكن في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أصبحت الدراسات الاستقصائية للمجرات معقدةً بما يكفي لتكشف عن بدايات نمط في توزيع المجرات في الكون. فإلى جانب العناقيد المجرية، وجدوا أيضًا خيوط رفيعة من المجرات، بالإضافة إلى فراغات شاسعة من اللا شيء. وقد سمى الفلكيون ذلك «الشبكة الكونية-The cosmic web». حيث يخالف هذا النمط المبدأ الكوني، لأنه يعني أن المناطق الواسعة من الكون لا تبدو مثل المناطق الأخرى منه. [1] ربما هناك المزيد لنعرفه!

كون داخل كون آخر

اقترح عالم الرياضيات «بينويت ماندلبروت-Benoit Mandelbrot» وأب «الكسوريات-Fractals» فرضية لحل مشكلة الكون العشوائي. بدايةً، غالبًا ما تكون الكسوريات عصية على التعريف الدقيق، ولكنها بسيطة بما يكفي على الحدس. فهي ببساطة أنماط تتكرر مهما كبّر أو صغّر مقياسك.

يجدر بالذكر أن ماندلبروت لم يبتكر مبدأ الكسوريات، فقد درسها علماء الرياضيات لعصور سبقته. لكنه هو من صاغ كلمة “كسوري” وأدخلها في دراساتنا الحديثة عن المبدأ. [2]

تحيط بنا الكسوريات في كل مكان، ويمكننا رؤيتها في الطبيعة. فإذا كبّرت ندفة ثلج ترى ندفات ثلج مصغّرة. وإذا كبّرت أغصان شجرة ما سترى أغصان أخرى مصغرة. أما رياضيات الكسوريات فمكنتنا من فهم بنى كثيرة متشابهة في الكون.

وضع ماندلبروت فرضية تنص على:

إذا كانت الكسوريات في كل مكان؛ فلربما يكون الكون بأكمله كسوري. ولربما ما رأيناه من بدايات نمط في توزع المجرات يكون بداية أعظم كسوري ممكن. وربما إن استطعنا القيام بدراسات استقصائية أكثر تعقيدًا؛ قد نجد شبكات كونية داخل شبكات كونية، تملأ كوننا إلى ما لا نهاية. [3]

كون متجانس

اكتشف الفلكيون المزيد عن الشبكة الكونية، وعرفوا المزيد حول تاريخ الانفجار العظيم، ثم أتوا بعدة طرق لشرح وجود أنماط على النطاق الواسع من الكون. توقعت هذه النظريات أن الكون لا يزال متجانسًا على المقاييس الكبيرة للكون، مقاييس أكبر بكثير مما رصده العلماء من قبل.

لم نتوصل إلى الاختبار النهائي لفكرة الكون التجزيئي من قبل، ولكن تقنيات هذا القرن مكنتنا من ذلك. حيث استطاعت عمليات المسح والاستقصاء الهائلة مسح مواقع ملايين المجرات، ورسم صورة للشبكة الكونية على مقاييس كبيرة لم تُرصد من قبل، مثل «مسح سلووان الرقمي للسماء-Sloan Digital Sky Survey».

إذا كانت فكرة الكون الكسوري صحيحة؛ لتمكننا من رؤية شبكتنا الكونية متضمّنة داخل شبكة كونية أكبر. أما إذا كانت خاطئة؛ ستتوقف الشبكة الكونية عن كونها كذلك عند نقطة ما، وسيبدو أي جزء عشوائي من الكون كأي جزء عشوائي آخر (إحصائيًا).

النتيجة أن الكون متجانس، ولكن على مقياس هائل. عليك أن تقطع 300 مليون سنة ضوئية قبل أن يبدو الكون متجانسًا. وبكل تأكيد؛ الكون ليس كسوري، لكن بعض أجزاء الشبكة الكونية لها صفات كسورية. مثلًا؛ تضم كتل المادة المظلمة المسماة «الهالات-Halos» بنىً متداخلة وفرعية، تحتوي فيها الهالات على هالات ثانوية، والثانوية على ثالثية وهكذا، والعكس صحيح.

الفراغات في كوننا ليست فارغة تمامًا، بل تحتوي على بعض المجرات القزمة الباهتة، والتي تتوزع بشكل مماثل للشبكة الكونية. ووفقًا للمحاكاة الحاسوبية؛ للفراغات الثانوية فهي شبكة كونية أيضًا. [4]

ومع أن كوننا ليس كسوري بحد ذاته، حيث لم تصمد فكرة ماندلبروت طويلًا، لكننا لا نزال قادرين على إيجاد الكسوريات أينما نظرنا!

المصادر

[1] Space
[2] Live Science
[3] Live Science2
[4] Space2

أدلة المادة المظلمة، أعظم ألغاز علم الكونيات

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

افترض العلماء منذ عشرينيات القرن الماضي وجود مادة تختلف عن تلك التي نراها بالعين المجردة، وقد بينت الأبحاث الفلكية الأخيرة وجود مادة غريبة تسيطر على 80% من الكون. أطلق عليها اسم «المادة المظلمة-Dark matter»، فما هي؟ وما الذي يدفعنا للاعتقاد بوجودها؟

ما هي المادة المظلمة؟

لا نعلم الكثير حتى الآن، ولكننا نعلم أنها لا تصدر أو تمتص أي ضوء لأننا لا نراها. وبما أنها لا تحجب عنا أي جسم آخر فلا بد أن تكون شفافة. نعلم أيضاً أنها موزعة على أطراف جميع المجرات في الكون، بينما يقل تركيزها في وسطها.

في الحقيقة، يمكننا معرفة القليل عما في الكون الآن عن طريق العودة بالزمن للمراحل الأولى من عمر الكون، عندما كان مفاعلاً نووياً كبيراً بعد دقيقة واحدة من الانفجار العظيم. ويمكننا أن نحسب بدقة عدد الذرات في ذلك الوقت أو كما تسمى بالمادة الباريونية (مثل البروتونات والنيوترونات).

وعند القيام بهذه القياسات نجد أن الكون احتوى في ذلك الوقت على سُبع المادة والجاذبية الموجودة في وقتنا الحالي. لذلك فإن بعض المادة المظلمة مكون من الذرات العادية أي البروتونات والنيوترونات، إلا أن الغالبية العظمى منها شيء مختلف لا يتفاعل نووياً؛ سمي ب«المادة المظلمة غير الباريونية-Non-baryonic dark matter».

من الممكن أن تكون هذه المادة كتلاً تعرف باسم «أجسام الهالة المضغوطة العملاقة-MACHOs»، وقد تكون ثقوباً سوداء تدور حول أطراف المجرة بأعداد كبيرة. كما أن المقترحات الممكنة تتضمن الأقزام البنية الخافتة والأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية.

أدلة المادة المظلمة

تخيل أنه طلب منك حساب وزن مجرة ما، ولتكن مجرة قريبة بما يكفي لتسطيع دراستها عن كثب كمجرة المثلث (M33) مثلاً، وبما أنها واحدة من أقرب المجرات إلى درب التبانة يمكنك تمييز كل نجم فيها. والآن قد يخطر لك طريقتان؛ الأولى إحصاء عدد النجوم وكمية الغاز والغبار فيها ثم تقدير كتلتها بناءً على ذلك.

مجرة المثلث M 33
حقوق الصورة: https://stsci-opo.org/STScI-01EVSXBKFSDW3V458533P4SV7A.png

أما الطريقة الثانية فتعتمد على الجاذبية؛ كل ما عليك هو إيجاد جسم قريب من المجرة وتحديد قوة السحب التي تطبقها عليه، ثم يمكنك حساب الكتلة من قانون نيوتن للجاذبية. بالضبط!

ذلك ما فعله العلماء؛ لكن النتائج كانت صادمة.

توصل العلماء لنتيجتين مختلفتين تماماً باستخدام الطريقتين السابقتين، فالكتلة المحسوبة من قانون الجاذبية كانت أضعاف تلك المقدرة بناءً على الرصد.

ولفهم النتيجة السابقة لا بد من تحليل الطريقتين. الأولى تعتمد على الرصد المباشر لما نراه في المجرة، والثانية تعتمد على تأثير محتويات المجرة على الأجسام المحيطة بها، أي أن التأثير كان أكبر من الكتلة المرصودة. فما السبب؟

وليزداد الغموض أكثر؛ تكررت النتيجة السابقة عند دراسة أية مجرة في كوننا، كأن ما سبق مرتبط ببنية المجرات بشكل خاص. وبعد دراسات عدة لهذا التناقض بين الكتلة المرصودة وتأثيرها؛ تبين أنه ليس بكبير في المناطق الداخلية للمجرة، وإنما يزداد بشكل هائل على أطرافها! وكأنّه هنالك مادة مظلمة ما متناثرة على أطراف المجرة تزيد من كتلتها.

دلائل أخرى

ولم يكن ما سبق الدليل الوحيد على وجودها، من الدلائل الأخرى:

التعدس الثقالي

نصّت نظرية النسبية العامة لأينشتاين أن الجاذبية تسبب انحناء الزمكان، وبالتالي تنبأت بانحراف الضوء عن مروره قرب الأجسام الثقيلة في الفضاء. و«التعدس الثقالي-Gravitational lensing»هو انحراف الضوء بتأثير الجاذبية الهائلة مشكلاً ما يشبه العدسة.

والآن إذا طبقنا ذلك على المجرات سنجد مجرة تحني الفضاء بما يكفي لنرى الضوء آتياً من ورائها كالعدسة، ثم يمكننا حساب كتلة المجرة من معادلات حقل أينشتاين.

وكما هو متوقع، توقعت الحسابات كتلة أكبر بكثير مما هو مرصود في المجرة.

حرارة الغاز

عند تشكل المجرات يبدو الغاز وكأنه يتساقط فيها ليتجمع في وسطها ويبدأ تشكل النجوم. أما ما تبقى من الغاز فينضغط باستمرار وترتفع درجة حرارته بشكل كبير حتى يبدأ بإصدار «الأشعة السينية-X rays» مما يمكننا من تصويره في تلك الأطوال الموجية.

يمكننا الاستدلال على أن الغاز هذا في حالة توازن مع الجاذبية، لأنه إن لم يكن سينفجر بشكل كرة كبيرة بسبب الضغط. والآن لحساب كتلة المجرة؛ كل ما علينا هو معرفة درجة حرارة الغاز وضغطه عن طريق صورة الأشعة السينية وموازنته مع كمية الجاذبية اللازمة لحصول التوازن السابق.

وقد تبين أن هذه الطريقة تعطي نتيجة مماثلة للنتائج السابقة.

قد لا نتمكن من معرفة ماهية هذه المادة يوماً، ولكننا متأكدين أنها تسيطر على كوننا…

المصادر:
Space
Nature

كيف غير جايمس بيبلز الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رؤيتنا للكون ؟

كيف غير جايمس بيبلز الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رؤيتنا للكون ؟

تكافئ جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2019 المفاهيم الجديدة لبنية الكون وتاريخه. إذ ساهم الفائزون هذا العام في الإجابة على أسئلة جوهرية حول وجودنا. تعالوا معنا في هذا المقال لنعرف كيف غير جايمس بيبلز الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رؤيتنا للكون ؟ وماذا حدث في مرحلة طفولة الكون المبكرة؟

فوز العالم جيمس بيبلز بجائزة نوبل في الفيزياء 2019

جايمس بيبلز

تحدى جايمس بيبلز-James Peebles الكون ببلايين مجراته و عناقيده. حيث طور إطار نظري منذ منتصف الستينات ليصبح حجر الأساس لأفكارنا المعاصرة حول تاريخ الكون، أي منذ الإنفجار العظيم حتى يومنا هذا. وقد أدت اكتشافات بيبلز إلى تغيير رؤيتنا لمحيطنا الكوني والذي تُمثل فيه المادة المعروفة خمسة في المائة فقط من كل المادة والطاقة الموجودة في الكون! أما الـ95 في المائة المتبقية فهي مخفية عنا. وتعتبر لغزا وتحديا حقيقيا للفيزياء الحديثة!

الانفجار الكبير وبداية الكون

كانت العقود الخمسة الماضية عصراً ذهبياً لعلم الكونيات ودراسة أصل الكون وتطوره. في ستينيات القرن العشرين، أقر تحويل علم الكونيات من مجرد تخمينات إلى العلم. وكان الشخص الرئيسي في هذا التحول هو جيمس بيبلز الذي ساعدت اكتشافاته الحاسمة في وضع علم الكونيات على الخريطة العلمية بشكل ثابت، وهو الأمر الذي أدى إلى إثراء ميدان البحوث العلمية في هذا المجال. لقد ألهم كتابه الأول، علم الكونيات الفيزيائي (1971)، جيلًا جديدًا من علماء الفيزياء للمساهمة في تطور الموضوع، ليس فقط من خلال الاعتبارات النظرية بل أيضا من خلال الملاحظات والقياسات.

إنه العلم وحده القادر على الإجابة عن الأسئلة الأبدية حول المكان الذي أتينا منه و إلى أين نحن ذاهبون. وبهذا تحرر علم الكونيات من مفاهيم بشرية مثل الإيمان والمعنى. وقد نتذكر في هذا السياق كلمات ألبرت أينشتاين التي تقول أن سر العالم هو إمكانية فهمه. إن قصة الكون، أي الرواية العلمية لتطور الكون، لم تكن معروفة إلا في المائة عام الماضية فقط. قبل ذلك، اعتُبر الكون ثابتاً وأبدياً، ولكن في عشرينات القرن الماضي اكتشف علماء الفلك أن كل المجرات تبتعد عن بعضها البعض وتبتعد عنا أيضا. فالكون ينمو، ونعلم الآن أن كون اليوم يختلف عن كون الأمس وكون الغد سيكون مختلفا بدوره.

الثابت الكوني بين جيمس بيبلز وأينشتاين!

إن ما رصده الفلكيون في السماوات سبق أن تنبأت به نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين منذ سنة 1916، النظرية التي تعتبر اليوم أساس كل الحسابات للكون. وعندما اكتشف آينشتاين أن النظرية تؤدي الى إستنتاج مفاده أن الكون يتمدد، أضاف ثابتة إلى معادلاته (الثابتة الكونية) ليوازن تأثيرات الجاذبية ويجعل الكون ثابتا بالرغم من ذلك. وبعد أكثر من عقد، أصبحت الثابتة غير ضرورية بعد ملاحظة تمدد الكون. اعتبر أينشتاين هذا أكبر خطأ في حياته ولم يكن يعلم أن الثابتة الكونية ستشكل عودة رائعة إلى علم الكونيات في الثمانينات، على الأقل من خلال مساهمات جيمس بيبلز.

الإنفجار الكبير وتمدد الكون اللانهائي

الأشعة الأولية للكون تكشف عن كل شيء

إن توسع الكون يعني أنه كان يوماً ما أكثر كثافة و سخونة. في أواسط القرن العشرين، سُميت ولادة الكون بالإنفجار العظيم. لا أحد يعرف حقيقة ما حدث في البداية، لكن الكون الباكر كان مليئاً بحساء من جسيمات مضغوطة وحارة ومبهمة. ارتدت في ذلك الحساء الجزيئات الضوئية والفتونات.

استغرق التمدد ما يقارب 400 ألف سنة لتبريد هذا الحساء البدائي ببضعة آلاف من درجات الحرارة. وكانت الجسيمات الأصلية قادرة على الاندماج، مكونة غازاً شفافاً يتألف في الأساس من ذرات الهيدروجين والهليوم. وبدأت الفوتونات تتحرك بحرية وأصبح الضوء قادرا على الإنتقال عبر الفضاء. وهذه الأشعة الأولية ما زالت تملأ الكون. أما تمدّد الكون، فقد أدى إلى إمتداد الموجات الضوئيّة المرئيّة. لذا انتهى بها المطاف في نطاق الموجات الصغيرة غير المرئيّة بطول موجيّ يبلغ بضعة مليمترات.

توهج ميلاد الكون

في عام 1964، التقط اثنان من علماء الفلك الراديوي الفائزين بجائزة نوبل في عام 1978-أرنو بنزياس وروبرت ويلسون- التوهج الناجم عن ميلاد الكون. لم يتمكنا من التخلص من الضجيج المستمر الذي يلتقطه جهاز الاستشعار من كل مكان في الفضاء. لذا بحثا عن تفسير في عمل باحثين آخرين بما في ذلك جيمس بيبلز، الذي أجرى حسابات نظرية لهذا الإشعاع الأساسي السائد في كل مكان. وبعد ما يقرب من 14 مليار عام، انخفضت درجة حرارته إلى ما يقارب الصفر المطلق (273- درجة مئوية). وحدث تقدم مفاجئ كبير عندما أدرك بيبلز أنه بإمكان درجة حرارة الإشعاع توفير معلومات عن كمية المادة التي تكونت في الإنفجار العظيم. وأدرك بيبلز أن إطلاق هذا الضوء قد لعب دورًا حاسمًا في كيفية تكتل المادة لاحقًا لتشكل المجرات والعناقيد مجرية التي نراها الآن في الفضاء.

عصر جديد من الفيزياء الكونية

كان اكتشاف إشعاعات الموجات الدقيقة بشرى لقدوم عصر جديد من علم الكونيات الحديث. فالإشعاع القديم من المرحلة المبكرة للكون أصبح منجم ذهب لعلماء الكون، حيث يحتوي على إجابات لكل شيء يرغبون بمعرفته. إذ أمكنهم طرح أسئلة ما كان لهم القدرة على طرحها مسبقًا مثل: كم عمر الكون؟ ما هو مصيره؟ كم من المادة و الطاقة موجودة؟

أصبح بإمكان العلماء العثور على آثار اللحظات الأولى للكون في هذا التوهج حيث تنتشر أشكال صغيرة مثل الموجات الصوتية من خلال هذا الحساء البدائي المبكر Early Primordial Soup. بدون هذه الاختلافات الصغيرة لكان الكون قد برد من كرة نار ساخنة إلى فراغ بارد وموحد. نحن نعرف أن هذا لم يحدث، لأن الفضاء مليئ بالمجرات التي تتجمع غالبا وتشكل عناقيد مجرية. أما الإشعاع الخلفي فهو سلس كسطح المحيط الناعم والأمواج مرئية عن قرب، كما أن التموجات تكشف الاختلافات في الكون المبكر.

قيادة جيمس بيبلز للعصر الجديد

قاد جيمس بيبلز تفسير هذه الآثار الأحفورية من عصور الكون المبكرة. فاستطاع علماء الكونيات أن يتنبأوا بالاختلافات في الإشعاعات الخلفية بدقة مذهلة. كما عرفوا كيفية تأثيرها في المادة والطاقة في الكون.

حدث أول تقدم رئيسي في مجال الرصد في أبريل من سنة 1992، عندما عرض المحققون الرئيسيون في مشروع الأقمار الصناعية الأمريكي COBE صورة لأول أشعة ضوئية في الكون. حازت أعمالهم على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2006 لجون ماثر وجورج سموت.

المادة المظلمة والطاقة المظلمة: أعظم أسرار علم الكونيات

منذ ثلاثينيات القرن العشرين، كنا ندرك أن كل ما نستطيع أن نراه ليس هو ذاته كل شيء في الكون. تشير قياسات سرعة دوران المجرات إلى أنها يجب أن تبقى متماسكة بواسطة الجاذبية من المادة الخفية، وإلا ستتمزق. كما أعتُقد أيضا أن هذه المادة المظلمة قد لعبت دورًا مهما في أصل المجرات قبل أن يخفف الحساء البدائي-Primordial Soup قبضته على الفوتونات بزمن طويل.

يبقى تركيب المادة المظلمة هو أحد أعظم الألغاز في علم الكونيات، ولطالما اعتقد العلماء أن النيوترينات المعروفة مسبقًا يمكن أن تُشكل هذه المادة المظلمة، ولكن العدد الهائل من النيوترينات ذات الكتل المنخفضة التي تمر عبر الفضاء بسرعة الضوء تقريبا هي سريعة جدًا لتساعد على مسك المادة معا. وبدلاً من ذلك، في عام 1982، اقترح بيبلز أن الجزيئات الثقيلة والبطيئة من المادة المظلمة الباردة قادرة على القيام بهذه المهمة. وما زلنا نبحث عن هذه الجسيمات المجهولة من المادة المظلمة الباردة، التي تتجنب التفاعل مع مادة معروفة بالفعل وتشكل 26 في المائة من الكون.

الطاقة المظلمة بين جيمس بيبلز وأينشتاين في جائزة نوبل 2019

وفقًا لأينشتاين

وفقاً لنظرية النسبية العامة لآينشتاين، فهندسة الفضاء ترتبط بالجاذبية. فكلما زادت الكتلة والطاقة التي يحتوي عليها الكون، كلما أصبح الفضاء أكثر انحناءً. عند القيمة الحاسمة للكتلة والطاقة فالكون لا ينحني. وهذا النوع الذي لا يمكن أبدا لخطين متوازيين أن يتقاطعا فيه ويدعى عادة مسطحًا. وهناك خياران آخران يتمثلان في كون ذي مادة ضئيلة للغاية. وهو ما يؤدي إلى كون مفتوح تتباعد فيه الخطوط المتوازية في نهاية المطاف. أو كون مغلق بمادة أكثر مما ينبغي أن تتقاطع فيه الخطوط المتوازية في نهاية المطاف.

إن المادة المظلمة والطاقة المظلمة هما الآن من أعظم الألغاز في علم الكونيات، فهي لا تكشف عن نفسها إلا من خلال التأثير الذي تحدثه على محيطها. تسحب إحداهما وتدفع الأخرى. وإلا فلا يُعرف عنهما الكثير. ما هي الأسرار المخفية في هذا الجانب المظلم من الكون؟ ما هي الفيزياء الجديدة المخفية خلف المجهول؟ ماذا سنكتشف أيضاً في محاولاتنا لحل ألغاز الفضاء؟ دعونا لا نستبق الأحداث، فالباحثون أمثال بيبلز وأينشتاين قد يغيروا من مفاهيمنا، بشرط أن نبقى على استعداد دائمًا لقلب تلك المفاهيم رأسًا على عقب. كل ما ننتظره هو الأدلة والتفسيرات المدعومة علميًا. أليس كذلك؟

شاهد أيضًا، كيف تم كشف فراغ ضخم داخل الهرم الأكبر باستخدام الآشعة الكونية!

المصدر
Noble Prize Website

Exit mobile version