إدراك الزمن: كيف يخدعنا دماغنا في إدراك الوقت؟

هل تساءلت يومًا لماذا يمر وقت العطلة سريعًا، فيما تشعر في دوام العمل أن الوقت يمر بطيئًا؟ إذا كنت تشاهد التلفاز لمدة دقيقتين، فغالبًا ستعتبر أنها فترة قصيرة للغاية. لكن هل حاولت الوقوف على قدم واحدة لمدة دقيقتين؟ ستشعر حينها أن الدقيقتين هي مدّة زمنية طويلة ولا تمر بسهولة، رغم أن في كلي الحالتين الدقيقتان تتألفان من 120 ثانية. إذًا فإن إدراكنا للوقت هو في الحقيقة نسبي وغير موضوعي، وغالبًا ما يختلف عن المرور الفعلي والواقعي للوقت. فلماذا يُخدع دماغنا في إدراك الزمن؟ وما هي أكثر أوهام إدراك الزمن شيوعًا؟

ضابط الوقت في دماغنا

إن قدرة إدراك الوقت وفهمه واحدة من أهم الوظائف الأساسية لجميع نشاطات الحياة. لذلك، فقد درس علماء النفس هذه الوظيفة منذ بدايات علم النفس التجريبي. لكن الدماغ لا يشبه أجهزة قياس الوقت المادية التي نستخدمها، من هنا صعوبة دراسة كيفية فهم الدماغ للوقت. كما أنه لا يوجد أي عضو مخصص للإشارة إلى الوقت، ولا منطقة دماغية واحدة مخصصة لفهم الزمن.

كذلك لاحظ علماء النفس الفجوة بين مرور الوقت الفعلي وادراكنا النفسي للوقت، لذلك بدأوا بدراستها منذ أكثر من 150 سنة. في القرن التاسع عشر، عمل العالمان “غوستاف ثيودور فشنر” و”إيرنست هينريش ويبير” على موضوع الإدراك الحسي، ممّا فتح المجال لدراسة إدراك الوقت أيضًا. أما في القرن الواحد والعشرين، أصبح هذا المفهوم موضوع دراسة العديد من المجالات العلمية كعلم النفس المعرفي والانتباه واللغويات وعلوم الدماغ والعلوم العصبية وغيرها.

عمد الباحثون على مدى العقود الأخيرة دراسة إدراك الوقت على شكل ضابط للوقت داخلي في الدماغ، وهو يبطؤ ويتسارع بحسب الانتباه والمتعة. كما حاولوا تحديد مناطق الدماغ المسؤولة عن الشعور بالوقت، فوجدوا أن شبكة واسعة من المناطق العصبية في الدماغ تتداخل في هذه الوظيفة.

كيف تؤثر المشاعر الإيجابية على إدراكنا للزمن؟

يختلف إدراك الزمن بحسب المشاعر التي نعايشها كالفرح والمتعة والخوف والحزن والملل وغيرها. وقد برهن العلماء هذا الاختلاف من خلال تجارب عديدة.

تترافق غالبًا المشاعر الإيجابية والمتعة والانشغال بشعور أن الزمن يمر بشكل أسرع، وقد سمّي هذا الشعور بـ”تدفق الوقت” (Flow). في إحدى التجارب، عرض الباحثون عددًا من الصور على المشاركين، وكان على المشاركين معرفة أي من الصور عُرضت لوقت أطول. شملت الصور صورًا حيادية غير ملفتة (أشكال هندسية) وصورًا “أيجابية وملفتة” (كالورود مثلًا) وصورًا إيجابية أكثر إلفاتًا كالحلويات. تمامًا كما توقع الباحثون، شعر المشاركون أن صور الحلويات ظهرت لمدة أقصر (أي ان الوقت مرّ أسرع) مقارنةّ بالصور الأخرى، علمًا أن جميع الصور ظهرت بنفس المدة.

في المقابل، وجد العلماء أن بعض المشاعر الإيجابية تترافق على العكس بالشعور ببطء الزمن. حيث أظهرت دراسات سلوكية في جامعتي مينيسوتا وستانفورد في العام 2012، أن المشاركين في مشاهدة قصص ملهمة أو عميقة أو روحية شعروا ببطء الوقت. كذلك بيّنت سلسلة دراسات في جامعة كارلتون الكندية أن النشاطات في الطبيعة (وهي مرتبطة غالبًا بالشعور بالراحة وخفض التوتر) تُشعر المشاركين فيها ببطء الزمن.

كيف يؤثر الخوف على إدراكنا للزمن؟

عمل الباحث في العلوم العصبية “دايفيد إيغلمان” على تأثير الخوف في إدراك الوقت. وقد بيّن أن الأشخاص الذين يشعرون بالخوف يحسون أن الوقت يمر بوتيرة أبطأ.

كما بيّن باحثون آخرون في دراسة أجروها عام 2011 أن الأشخاص الذين يشاهدون مقاطع من أفلام الرعب يشعرون أن هذه المقاطع ذات مدة زمنية أطول من مقاطع الأفلام الأخرى.

ينطبق ذلك أيضًا على الأشخاص الذين عايشوا أحداثًا مصحوبة بالخوف كحوادث السير أو المعارك العسكرية، وغالبًا ما يصفون بدقة فترات الخوف ويحسون كأنها مرت بشكل بطيء حتى لو كانت مقتصرة على ثوانٍ أو دقائق معدودة.

إذًا فما يمكن استنتاجه هنا هو أن دماغنا يخدعنا في إدراك الزمن ونقع ضحية أوهام هذا الإدراك.

اقرأ أيضا ما نعرفه عن الزمن، أعظم ألغاز الكون

المصادر:

Psychologicalscience.org
NCBI
Stanford.edu

ما نعرفه عن الزمن، أعظم ألغاز الفيزياء

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

في كلّ مرة تنظر فيها إلى ساعتك أو تشاهد غروب الشمس؛ تستشعر مرور ذلك الكيان الغريب الذي يحكم عالمنا. وعلى الرغم من إدراك البشر وجوده منذ الأزل، ورغم كونه أساسًا لحياتنا اليومية؛ إلا أنه وفي كل محاولة منك لكشف سره؛ ستجد نفسك تائهًا لا محالة. إنه الزمن! الزمن الذي نقيس عليه أحداث الكون وتاريخ الأرض متيقنين أنه الأساس الثابت، ولكن هل الزمن ثابت حقاً؟ أو هل يمر ببساطة كالانتقال من ثانية لأخرى؟

تطور مفهوم الزمن

الزمن عند إسحق نيوتن

بدايةً من القرن السابع عشر؛ رأى إسحق نيوتن أن الزمن أشبه بسهم أطلق من قوس ما، ينطلق بمسار مباشر مستقيم دون أن ينحرف أبدًا. اعتقد نيوتن أن الزمن مطلق؛ أي أن ثانية واحدة على الأرض تعادل نفس المدة على المريخ أو حتى في أعماق الفضاء. فقد رأى أن الحركة ليست مطلقة، ولا شيء في الكون له سرعة ثابتة بما في ذلك الضوء، انطلاقًا من هذا المبدأ افترض نيوتن أن الزمن ثابت؛ فبما أن سرعة الضوء متغيرة؛ لا بد من وجود ثابت ما.

الزمن عند ألبرت أينشتاين

ثم في عام 1905؛ أكد الألماني ألبرت أينشتاين أن سرعة الضوء ثابتة وتساوي حوالي 299,792 كيلومترًا في الثانية، وافترض أن الزمن أشبه بنهر ينحسر ويتدفق حسب تأثّره بالجاذبية ونسيج الزمان-المكان. بحسب أينشتاين؛ يمكن للزمن أن يصبح أبطأ أو أسرع قرب أجسام ذات سرعات أو كتل هائلة، وبالتالي ثانية واحدة على الأرض لا تساوي ثانية في كل مكان من الكون!

إثبات النظرية

بالعودة إلى عام 1971؛ قام الفيزيائيان «ج.ك.هافيل-J.C. Hafele» و «ريتشارد كيتينغ-Richard Keating»  بإثبات نظرية أينشتاين عن طريق أربع ساعات ذرية؛ وضعت إحداها A على متن طائرة متجهة للشرق وأخرى B متجهة للغرب، ووضعت ساعتان C وD في مرصد «نافال-Naval» في واشنطن.

بحسب نظرية أينشتاين؛ يجب أن تسجل الساعة A حوالي 40 نانو ثانية أقل من الساعة الأرضية، وتسجل B  275 نانو ثانية أكثر بسبب تأثير الجاذبية على سرعة الطائرات. وفي تجربتنا سجلت الساعات فرقًا يعادل 59 نانو ثانية في A و273 نانو ثانية في B، مثبتةً بذلك نظرية أينشتاين عن «تمدد الوقت-Time dilation».

مفهوم سهم الزمن

إلا أن نيوتن وأينشتاين اتفقا على مفهوم واحد وهو أن الزمن يتجه للأمام (نحو المستقبل). وحتى الآن لم نجد أي شيء قادر على العودة بالزمن للوراء. ولكن هل نعلم لماذا يتجه الزمن للأمام؟ لا نعلم حقًا، لكننا نعرف عدة نظرية تشرح ذلك.

يعتمد أحدها على القانون الثاني من الديناميك الحراري، والذي ينص على أن كل شيء في الكون ينتقل إلى حالة أعلى من «الانتروبي-Entropy»، أي ينتقل من النظام إلى الفوضى. فالكون بدأ من درجة عالية من النظام والاتساق في «الانفجار العظيم-Big bang» وصولًا إلى الانتشار العشوائي للمجرات وما فيها في وقتنا الحالي. كما يعرف المفهوم السابق باسم «سهم الزمن-Arrow of time» بحسب الفلكي البريطاني «أرثر إدينغتن-Arthur Eddington» عام 1928.

أما النظرية الأخرى فتعتمد على توسع الكون، وتفترض أن الكون يسحب معه الزمن عندما يتوسع لاسيما أن الزمان والمكان مرتبطين. يقدم التفسير السابق مفارقة للعلماء، فإذا وصل الكون لأخر حد من التوسع ثم بدأ بالانكماش؛ هل سينعكس الزمن للوراء؟

الزمن- البُعد الرابع للكون

اعتقد العلماء سابقًا أن الزمان والمكان كيانين منفصلين تمامًا، وأن الكون عبارة عن أجرام فلكية تتوضّع في فضاء ثلاثي الأبعاد. إلى أن قدم أينشتاين نظريته النسبية العامة والتي اقترح فيها أن الزمان والمكان مرتبطين؛ حيث يشكل الزمن البعد الرابع للفضاء. كما اقترحت نظريته أن نسيج المكان-الزمان يتأثر بكتل أو سرعة الأجسام القريبة.

إثبات النظرية

أثبت مسبار ناسا «غرافيتي ب-Gravity probe B» النظرية السابقة؛ حيث وضعت عليه أربعة جيروسكوبات ووجهت نحو نجم بعيد. والآن إن لم يكن للجاذبية تأثير على الزمان والمكان ستبقى موجهة لنفس الاتجاه. وكما كان متوقع؛ انحرفت الجيروسكوبات قليلاً بسبب الجاذبية الأرضية، مما أثبت أن المكان قد يتغير بسبب الجاذبية.

كم طول الثانية الواحدة؟

يمكن قياس الوقت بطريقتين أساسيتين: ديناميكيًا وعن طريق الساعات الذرية. يعتمد التوقيت الديناميكي على حركة الأجرام السماوية لقياس الوقت مثل دوران الأرض وما يسببه من حركة الشمس والنجوم في سمائنا.

اعتمد التعريف القديم للثانية على دوران الأرض، فالوقت بين كل غروبين وشروقين للشمس شكل يومًا كاملاً. وقسم اليوم ل24 ساعة والساعة ل60 دقيقة والدقيقة ل60 ثانية. إلا أن الأرض لا تدور بشكل منتظم تماماً، ومعدل دورانها يتناقص 30 ثانية كل 10,000 سنة نتيجة عوامل عدة كوجود القمر، فلا نحصل على الدقة المطلوبة.

أما التوقيت الذري فيعتمد على انتقالات الطاقة في ذرة عنصر ما ( امتصاص الالكترون أو إصداره طاقة نتيجة انتقاله إلى مستوى طاقة مختلف)، وغالباً ما تستعمل ذرات «السيزيوم-Caesium» في ذلك. فتعرف الثانية بأنها الوقت اللازم لحدوث 9,192,631,770  انتقال في ذرة سيزيوم. تتميز هذه الطريقة بدقتها؛ فلا نخسر سوى جزء صغير من الثانية كل مليون سنة.

الساعة الذرية

قد لا تكون الساعات الذرية أدقّ طريقة لقياس الوقت في الكون، إلا أنها أفضل ما توصلنا إليه على الأرض. تعتمد غالبية الساعات الذرية  على قياس انتقالات الطاقة عن طريق الحقول المغناطيسية، مع وجود بعض الساعات الحديثة التي تستخدم أشعة الليزر في ذلك. غالبًا ما تعتمد الساعات الذرية على عنصر السيزيوم، إلا أن ساعات «السترونتيوم Strontium» قد تقيس الوقت بدقة مضاعفة. بالإضافة إلى وجود تصميمات تجريبية لساعات تعتمد على ذرات الزئبق المشحونة، والتي قد تقلل الخطأ إلى ثانية واحدة كل 400 مليون سنة!

قد نتمكن من قياس الوقت بدقة متناهية، لكن ذلك لن يلغي أننا -وحتى الآن- لا نفهم ما الذي نقيسه.

المصادر:

space
journal science
Séminaire Poincaré
live science
live science
NASA
scientific american
live science

Exit mobile version