كيف تحفز طلابك داخل الصف؟ إليكم 5 استراتيجيات

هذه المقالة هي الجزء 17 من 18 في سلسلة مقدمة في التدريس للبالغين

يمثل التحفيز الدافع الأهم في العملية التعليمية، إذ أنه ما يدفع الطلاب للمشاركة الفعالة في العملية التعليمية بالأساس. إضافةً لكونه عنصر أساسي في بيئة التعلم لدوره في التأثير على التقدم الأكاديمي وصحة الطلاب العقلية والنفسية. وينقسم التحفيز لنوعين: محفزات داخلية، ومحفزات خارجية. [1]

وتعد المحفزات الداخلية طويلة الأمد ومجزية للغاية، ويغذيه اهتمام الطالب الحقيقي بالموضوع. أما عن المحفزات الخارجية فإن لها تأثير أسرع، ولكنه غالبًا ما يكون قصير الأمد، ويكون مدفوعًا بمكافآت خارجية مثل عبارات التشجيع والثناء أو الفوز في المسابقات. [1]

كذلك يختلف نوع المحفزات بين الأطفال والبالغين، فيكون لدى البالغين محفزات داخلية أكثر منها خارجية، وذلك لوعيهم الشديد بأنفسهم وبأهدافهم. كما يميل البالغين لتحمل مسؤولية تقرير مصيرهم[2] . أما عن الأطفال، فالمحفزات عندهم خارجية أكثر، ويتحفزون بعبارات التشجيع أكثر من البالغين. ولكن السؤال هنا، إذا كان التحفيز بكل هذه الأهمية، فكيف تحفز طلابك داخل الصف؟ إليكم 5 استراتيجيات

أهمية التحفيز

تظهر الأبحاث أن الطلاب المتحفزين ينجزون أكتر من أقرانهم، فلديهم مستوى أعلى في المشاركة في الصف، وإنجاز المهام، والحصول على درجات أعلى.

كيف للمعلم أن يعزز من المشاركة والتحفيز في الصف؟

تتعدد استراتيجيات تحفيز الطلاب في إيجابياتها وسلبياتها، فثمة معلمين يوزعون الهدايا العينية منها والكبيرة، ومنهم من يستخدم درجات الطلاب في صالحهم أو لعقابهم، ومنهم من يستخدم لوحات الشرف والمسابقات. ولكن أسرد هنا بعضًا من الاستراتيجيات التي تدمج استخدام المحفزات الداخلية والخارجية، والتي بشأنها أن تجعل من الطلاب أسياد موقفهم في العملية التعليمية لضمان تحفيز حقيقي وواقعي.

حدد الأهداف والـWIFIM

تختصر كلمة WIFIM جملة “?What’s in it for me”، وتترجم: كيف يمكن لهذا أن يفيدني؟ وبمجرد إجابة هذا السؤال، يتزود الطلاب بسبب كافٍ للإنصات في الصف وأداء المهام. كما أن تحديد أهداف الصف يحدد من رؤية الطلاب لأهمية الصف ويتحفزون لإنجاز هذا الهدف. على المعلم كذلك وضع وقتًا لإنجاز الهدف، مثل أن يضع وقتًا لإنهاء مهمة ما. وعليه أن يذكرهم بموعد تسليم هذه المهمة باستمرار. [4] [3] [2]

دعهم يتحملون مسؤولية تعلمهم

يتحفز الطلاب أكثر عند إدراكهم حقيقة أن نتائجهم تعتمد عليهم أكثر من اعتمادها على مجهود المعلم. ويمكن للمعلم مساعدتهم في تحمّل هذه المسؤولية بإفساح المجال لهم في اختيار نوع المهام التي قد يفضلون القيام بها. ومنها، يستطيع المُعلم فهم طلابه بشكل أعمق، إذ يبرز نوع المهام سواء أكانت بصرية، أم سمعية، أم حركية نوع أسلوب التعلم الحسي الذي يميل إليه الطالب، ومن ثم؛ يتثنى للمعلم استخدام نقاط قوة الطلاب في معالجة مواطن الضعف. [3]

أعطِ تغذية راجعة بناءة

على المعلم أن يتوخى الحذر عند إعطاء التعليقات السلبية للطلاب، وبالأخص التعليقات على المهام والاختبارات، إذ يعاني الكثير من الطلاب من الهشاشة النفسية، وتتجلى هذه الهشاشة جليًا عند الإشارة لأي من مواطن الضعف في الطالب. ولذلك فإن السيناريو المُقترح في إعطاء التغذية الراجعة هو عملية الـSandwiching ، موطن قوة + موطن ضعف + موطن قوة. بمعنى أن يقول المعلم النقاط/المهام التي أبلى فيها الطالب بلاءً حسنًا، ثم يذكر مواطن الضعف مصحوبة بآلية العمل عليها ومُذكّرًا إياه بهدفه ونتائجه التي يرغب فيها الطالب، ثم يذكّره مرة أخرى بمهاراته وقدراته. على المعلم كذلك تشجيع الطالب على تقييم أدائه وتحديد أهدافه في التحسين[5] [3].

التغذية الراجعة بطريقة الـ Sandwiching

تواصل وابن بيئة تعلّم إيجابية

بالحديث عن أنماط التفاعل في الصف، يعد التواصل الفعال بين المعلم والطلاب، وبين الطلاب وبعضهم أمرًا في غاية الأهمية. إذ يكسر التواصل الفعال شعور الخوف والقلق من المعلم، وكما ذكرنا في النقطة السابقة، فإن تواصلك مع الطلاب بشأن مجهوداتهم وإنجازاتهم وتقديرك لها يطمئنهم ويشعرون بالتعاطف والتفهم لشعورهم واحتياجاتهم من جانبك. كذلك يتضمن التواصل عمل قناة حوار بين المعلم والطلاب لمعرفة إن كانت هناك مشكلات يواجهونها أو تعرقل تقدمهم؛ ومساعدتهم في وضع حلول لها.

ويعزز التواصل بين الطلاب وبعضهم من المنافسة الشريفة بين الطلاب، ويجعل منهم لبعض دافعًا قويًا للتحسن. وعليه، فمن المهم أن يكون هناك بعضًا من المسابقات والتحديات والألعاب بين الطلاب وبعضهم. إذ أن ذلك يعزز ثقتهم بأنفسهم وبزملائهم، كما ويشجع مفهوم التضامن بين الطلاب وبعضهم لما تتضمنه الألعاب والمسابقات من مهارات بناء الفرق والتعاون لتقليل الفجوات بين أعضاء الفريق وبعضهم.

استخدم مواد تفاعلية

من المفهوم أن هناك موادًا تطبيقية وغيرها جامدة، ولكننا لا نتحدث هنا عن نوع المواد بقدر ما نتحدث عن طريقة تدريس هذه المواد. فاستخدام طرق تدريس إبداعية وتفاعلية مثل الألعاب وتمثيل الأدوار وإثراء المواد بالصور ومقاطع الفيديو التي تغمس الطلاب في المادة أمرًا ضروريًا. كما يُفضّل تجنّب أسلوب المحاضرة، والاتسعاضة عنه والاعتماد بشكل أساسي على المناقشات والمناظرات؛ وذلك لأن هذا الأساليب تعطي للطلاب فرصة التعبير عن أنفسهم بشكل أكثر فصاحة ويعمّق فهمهم للدروس. [4]

ونهايةً، يعتبر التحفيز فنًا معقدًا يتطلب الكثير من الإبداع، والتعاطف، والتفهم لاحتياجات الطلاب واهتماماتهم. ويستطيع المعلم غرس هذا الشعور بتحضير دروس تشجّع الطلاب على المشاركة، بالإضافة إلى استخدام الحكي والقصص والألعاب لجعل الموضوع الذين هم بصدد دراسته شيقًا ومفهومًا. وتذكّر أن لكل طالب شخصية فريدة بمتطلبات وميول مختلفة، ولذلك؛ فمن المهم مراعاة ذلك أثناء تحضير الدرس. وقد يتطلب الأمر بعضًا من التجربة والخطأ، ولكن مع الصبر والمثابرة ستتمكن من بناء بيئة تشاركية فعالة ومحفزة.

المراجع

  1. Unlocking Classroom Motivation: A Comprehensive Guide to Understanding and Nurturing Student Engagement with Peps McCrea
  2. selfdeterminationtheory.org
  3. Tips On How To Motivate Your Students
  4. Motivating Students
  5. The power of feedback
  6. Motivating Students
  7. Classrooms: Goals, structures, and student motivation

وكأنك قرأت: الأزمنة السائلة لزيجمونت باومان

وكأنك قرأت: الأزمنة السائلة لزيجمونت باومان

في كتابه الأزمنة السائلة، يقوم زيغمونت باومان بإثارة قضايا جديدة تخص اللايقين الذي يغزو الوجود الإنساني. فوفقًا لباومان فأن حياة الفرد في العالم المتقدم تواجه تحديات كثيرة، ذلك بسبب سلسلة من التحولات الجوهرية والمتداخلة في صلب الحياة نفسها. وهذه التحولات هي:

  • تحول الحداثة من مرحلة الصلابة إلى مرحلة السيولة. حيث أن الأشكال الاجتماعية والمؤسسات غير قادرة على الصمود أمام إرادة الزمن في التغيير.
  • الانفصال بين السلطة والسياسة: فأن الفضاء العولمي قد استحوذ على جزء كبير من سلطة الدولة. أما بالنسبة للسياسة، فهي تخلت عن السرديات العالمية لصالح الحاجة المحلية.
  • أفول معنى المجتمع لصالح شبكات الاتصال والانفصال: ما عادت الدولة تعبر عن هوية اجتماعية، وغابت فيها كل أشكال التعاون الجماعي، وصار الفرد يعاني وحده داخل مصفوفة من تغيرات لا نهائية.
  • انهيار التفكير والتخطيط والفعل طويل الأجل.
  • فردنة المسؤولية الأخلاقية ومسؤولية اتخاذ القرارات وحل المشكلات.

مجتمع مفتوح وبائس:

الفيلسوف النمساوي كارل بوبر كان قد سك مفهوم (المجتمع المفتوح) كنموذح للمجتمع المستقبلي الذي تسود فيه قيم الديمقراطية والتسامح وتقبل المختلف. يقابله (المجتمع المغلق) الذي يتميز بالتخلف والتعصب والعنصرية وعدم تقبل ما هو مغاير. يرى زيجمونت باومان أن المجتمعات صارت مفتوحة ماديًا وفكريًا بفعل العولمة السلبية. بوبر الليبرالي كان ينظر إلى الانفتاح كنوع من التقدم الذاتي للمجتمع من خلال مراجعات نقدية إرادية للموروث الثقافي وأشكال العيش والوجود. بيد أن باومان ينظر إلى الانفتاح الذي صار واقعًا على المجتمعات كانفتاح قسري بسبب الانتقال السريع للمعلومات والانتقال الحر للسلع ورأس المال. فالمجتمعات المختلفة في أفريقيا والعالم الثالث لم تختار انفتاحها، بل وجدت نفسها تحت رحمة قوة السلعة ورأس المال. فهي مجتمعات تعاني من التبعية والبؤس وتواجه قوى لا يمكنها السيطرة عليها ولا حتى فهمها. لذلك، فأن اختراق الع

ولمة السلبية  للحدود الثقافية والسيادية للدول/المجتمعات أدى إلى آثار جانبية خطيرة كالقوموية، والتعصب الديني، والفاشية والإرهاب. فالظلم حسب رأي باومان يأتي من السوق الحر وباقي أفرازات الرأسمالية.

سلعنة القلق الوجودي:

إن القلق هو سمة أصيلة لكينونة الإنسان، فوفقًا لهايدغر فأن هذا القلق يجعل من كينونة الإنسان ذات طابع متميز. أما علم النفس التطوري يؤكد وجود هذا القلق كشعور مكتسب من الأسلاف البعيدين. هذا القلق الوجودي أو التطوري، صار فضاءًا للسلعة وسوقًا مريحًا لرأس المال. فهذا الخوف صار يكتسب طاقته من الداخل وينمو ويتوالد ومن ثم يدفع بالإنسان للقيام بفعل دفاعي حتى يتسرب إلى أنشطته اليومية. فالتقدم الذي كان أملا عظيمًا بالمستقبل صار وحشًا. فمن مظاهر الحياة المتقدمة الآن هي العيش خلف الأسوار، استئجار الحراس، سيارات مصفحة، التدرب على فنون القتال. حيث أن مقاومة الخوف هذه تعد مولدًا للخوف.

لا تكل العولمة السلبية من تصدير مولدات الخوف، سواء من خلال صنع المزيد من الأسلحة ومن خلال خطابات صنع الخوف. فأحداث 11 سبتمبر على سبيل المثال، تم الترويج لها لبناء خطاب محاربة الإرهاب. ويقول باومان بأن الخطابات وكذلك ممارسات الدولة في محاربة الإرهاب تعد المولد الرئيسي لكل من الخوف الداخلي للفرد وتطور الإرهاب نفسه. “كان الساسة قد احتاجوا إلى إعادة إنتاج صدمة الأبراج المتساقطة بالتصوير البطيء لشهور حتى يتمكن الناس من فهم تلك الأخبار ومن تم استغلال قلق الناس الوجودي في خدمة الديباجات السياسية الجديدة”.

الدولة وإدارة الخوف:

وفقًا لفرويد فأن مصدر خوفنا يأتي من الطبيعة العليا التي لا يمكن السيطرة عليها نظرًا لضعفنا. أما الهوس الحالي بالأمن يعطي دلالات جديدة لذلك الشعور الأزلي، فصرنا نخاف من بعضنا البعض. يرجع باومان سبب هذه المخاوف السائلة إلى كل من التقدير المفرط للقيود المفروض من قبل الشبكة الاجتماعية ومن ثم إلى حرماننا من خدمات وحماية تلك الشبكة. الحداثة في مرحلة الصلابة كانت تقدم الأمن بطرق واضحة ومفهومة من خلال مؤسسات الرفاه (التعليم المدرسي، الإسكان، قوانين وواجبات الجميع…إلخ) فكان الخوف لا يأتي إلا من ضربات القدر كالحوادث.

بعد الحرب العالمية الثانية صارت الدولة تهتم بالسلامة والأمن الشخصيين لا أمن الجماعة. ففي عصر الاقطاعيات والملوك لم تكن قواعد الخوف والأمن مفهومة. فكان الملك هو ظل الله وهو من يقرر مسير الفرد دون وجود أسس موضوعية، إذ كان عصر اللايقين. ومن ثم ظهرت الاهتمامات العامة بالحقوق السياسية والملكية، وهذه الحقوق كانت تعطى للنخبة وكانت حجتهم في ذلك بأن الذي ليس له ملكية ليس له الحق في سن القوانين والتشريعات، فمن لا يملك شيئا ليس له الحق في الحريات السياسية.

بعد ذلك جاء نموذج دولة الرفاه ليؤكد على أن الحقوق السياسية هي شرط  شعور الفرد بأمنه الشخصي وأن الحقوق الإجتماعية تعطي المعنى للحقوق السياسية وتفعلها. حدث تحول خطير بعد ذلك، فالديمقراطية الحديثة انتقلت من تكييف المؤسسات والاجراءات السياسية مع الواقع الاجتماعي إلى توظيفها في إصلاح وتعديل الواقع الاجتماعي، ومن حفظ توازن القوى الاجتماعية إلى تغييره. نتيجة لهذا التحول ولدت المخاوف من تحرير السوق وسيرورة النزعة الفردية. وتفككت الروابط التي كانت تبدو ثابتة وأبدية لصالح روابط مصنوعة (كالاتحادات والنقابات والكيانات المؤقتة. في هذا العالم الجديد بدأ اللايقين يسيطر على الإنسان، فبدلا من التضامن الجماعي حل التنافس بين الأفراد. هكذا تحول المجتماعات إلى مجموعة من الأفراد، يتنافسون ويتعاملون مع بعضهم البعض كآخرين لا يربط بينهم أي رابط طبيعي.

المدينة والحضر:

سابقًا كان الحضر يعني مناطق مأهولة، في حين عُرفت المدينة بأنها مناطق ذات كثافة عالية تتميز بالتواصل والتفاعل. بدأت المدينة للفصل بين (نحن) و (الآخرين)، لذا تميزت أولى المدن بوجود أسوار عالية تفصل بين (نحن) و (هم)، بين النظام والفوضى، بين المدني والبربري. بيد أنه في يومنا هذا، صارت المدينة هي قلب الفوضى والأخطار ومكان الغرباء (الآخرين). ففي داخل المدن هناك أسوار جديدة، تفصل بين الطبقتي الدنيا والعليا، تعيش النخبة في مناطق ملائمة بينما باقي الناس يتم حشرهم في أحياء متواضعة وهم يمثلون رعبًا للنخبة. فضاء النخبة ينعم بالاتصال العولمي وبشبكة واسعة من التبادل والتعامل أما الفضاء المقابل فتسكنه شبكات محلية مقطوعة وفق الخلفية العرقية.

الهوية وهندسة الأسوار

كان السكان في المدن القديمة يحملون الهوية نفسها بقطع النظر عن الطبقات المتفاوتة، يقاتلون من أجل مدينتهم ويجدون فيها رمزًا لكرامتهم. المدن الحديثة تقسم بين فضائين، فضاء النخبة وفضاء البؤساء، كما أن لا تفصل بين هوية وأخرى إنما بين الهوية واللاهوية. ففي حين أن الأشخاص من الطبقات الدنيا لديهم حس هووي ومشاعر قوية تجاه الأرض/الوطن. فأن أبناء النخبة يقتصر وجودهم في المدينة في الجانب الفيزيائي وحسب، بالنسبة لهم تعد المدينة مجرد مكان، يمكنهم الانتقال إلى غيره، فكل مكان بالنسبة لهم هو مكان للاستراحة.

حسب باومان قأن فقدان النخبة شعورهم تجاه مدينتهم يعد من أهم سمات تحول المدينة الصلبة إلى السائلة. يشير باومان إلى العقارات المشتركة التي تبنيها النخبة في المدن ويشرح دلالاتها الهندسية. فمقابل أحياء ومناطق تعج بالفقر وشوار يعيش فيها المدمنين والمتسولين، ثمة عقارات مشيدة بالأسوار وأبراج مراقبلة وبوابات ذات حراسة تدقيقية عالية فضلا عن الخدمات الخيالية فيها، فكل ما في تلك العوالم الصغيرة تفصل بين سكانها وبين باقي الناس فيزيائيًا ووجوديًا.

غيبة اليوتوبيا:

في القرن السادس عشر، كتب الإنكليزي توماس مور كتاب يوتوبيا (Utopia) هذا المصطلح يشير ضمنيًا إلى كلمتين يونانيتين (eutopia= المكان السعيد) و (outopia= اللامكان). مع هذا القرن فقد الإنسان ثقته بالعالم بعد أن رأى فيه أشكال الفساد كلها. يأتي باومان بثلاثة أمثلة لتفسير حالة اليقين عند الإنسان في عصور مختلفة. فإنسان قبل القرن السادس عشر كان (حارس السيد). ذلك لأن حارس الصيد يحافظ على الأرض ويثق فيها بإعتبرها هبة من الله أو الطلبيعة. البستاني، يمثل إنسان ما بعد القرن السادس عشر. فهو لا يثق إلا بقدرته وعمله، يعتقد بأنه عليه أن يتدخل في شأن الطبيعة لجعلها أفضل. إنسان اليوم هو مثله مثل الصياد، يبحث هنا عن السمك، لا يهمه إذا ما افسد المكان فهو سيجد غيره

وفقًا لبومان فأن إنسان اليوم، كائن خائف، فريسة أخطار تأتي مثل صاعقة، لا يمكنه أن يتوقع أو حمي نفسه وما عليه إلا أن يعيش الخوف. هذا الإنسان يبحث دومًا عن يوتوبيا في خياله، أي عالم يمكنه الوثوق فيه. لا يتفق باومان مع اوسكار وايلد وآناتول فرانس، فالأول كانا يعتقدان بأن فكرة اليوتوبيا تحفز الإنسان للتقدم. بينما باومان يجد في هذه الفكرة كحيلة دفاعية، كما يربط بين اليوتوبيا والحداثة. كلاهما إشارة إلى أن العالم فيه خطأ ما وأن للإنسان قدرة تصحيحه.

أما إنسان ما بعد الحداثي، يأخذ فكرة يوتوبيا كمجرد طرفة خالية من أي معنى ذلك بسبب عجزه وكونه صياد محض. التحول الآخر الذي حدث في فكرة اليوتوبيا هي أن التقدم الذي يحلم به البشر لم يعد غايته بناء عالم آمن للجماعة، بل مجرد عالم يخدم طموح الفرد في البقاء. فعالم متقدم لا يعني أفضل مكان للعيش بل هو مهرب وحسب. إذا كانت اليوتوبيا تعني نهاية تاريخ الشقاء فالتقدم الرأسمالي هو كمثل الصياد الذي عليه أن يكدح إلى الأبد.

إقرأ أيضًا وكأنك قرأت: خلاصة القرن لكارل بوبر

المصدر:

زيجمونت باومان, الأزمنة السائلة العيش في زمن اللايقين, ترجمة حجاج أبو جبر, الطبعة الثانية, الشبكة العربية للأبحاث, بيروت 2019

ما هو التلاعب العقلي أو Gaslighting وكيفية التعرف عليه؟

التلاعب العقلي، المعروف أيضًا باسم التلاعب النفسي، هو شكل من أشكال التلاعب الذي يتضمن استخدام التكتيكات النفسية للتأثير أو التحكم في أفكار ومشاعر وسلوكيات شخص ما. غالبًا ما يتم استخدامه في محاولة لكسب السلطة أو السيطرة على شخص آخر، ويمكن أن يكون ضارًا ومسيئًا.

لماذا أطلق على التلاعب العقلي اسم Gaslighting؟

يأتي مصطلح “gaslighting” من مسرحية “Gas Light” عام 1938. تدور القصة حول زوج متلاعب يحاول إقناع زوجته بأنها ستصاب بالجنون من خلال التلاعب سرا بأضواء الغاز في منزلهم. أصبح مصطلح الإنارة بالغاز منذ ذلك الحين وسيلة شائعة لوصف شكل معين من أشكال التلاعب العقلي حيث يسعى المتلاعب إلى جعل ضحيته تشك في تصوراته وعقله.

كيفية التعرف على التلاعب العقلي ؟

فيما يلي بعض الأمثلة عن كيفية التعرف على التلاعب العقلي:

 1. التشكيك: قد يحاول المتلاعب جعل الضحية تشك في تصوراتها أو ذكرياتها أو عقلها. قد ينكرون الأحداث التي حدثت أو يحرفون الحقيقة لجعل الضحية تتشكك في واقعها.

 2. الشعور بالذنب: قد يستخدم المتلاعب الشعور بالذنب والعار لجعل الضحية يشعر بالمسؤولية عن مشاعره السلبية، أو عن المواقف الخارجة عن إرادته. قد يستخدمون عبارات مثل “إذا كنت تحبني، ستفعل …” أو “أنت تجعلني أشعر …”

 3. التقليل: قد يستخدم المتلاعب النقد والإذلال لجعل الضحية تشعر بالدونية أو أنها لا تستحق. قد يقللون من إنجازات أو اهتمامات الضحية، أو يسخرون من مظهرهم أو سلوكهم.

 4. حجب المعلومات: قد يحتفظ المتلاعب بمعلومات مهمة عن الضحية من أجل الحفاظ على السيطرة أو منعهم من اتخاذ قرارات مستنيرة. قد يقولون أنصاف الحقائق أو أكاذيب صريحة، أو يرفضون الإجابة على الأسئلة.

 5. العزلة: قد يحاول المتلاعب عزل الضحية عن شبكة دعمها، مثل العائلة والأصدقاء. قد يبعد الضحية عن قضاء الوقت مع الآخرين، أو يجعل من الصعب عليها الحفاظ على علاقات خارج العلاقة مع المتلاعب.

 6. إعلان الحب: قد يستخدم المتلاعب الهدايا والإيماءات الرومانسية ليجعل الضحية تشعر بالخصوصية والحب، فقط لسحب المودة أو الاهتمام عندما لا تمتثل الضحية لرغبته.

ما هى الآثار السلبية للتلاعب العقلي على الضحية؟

يمكن أن يكون للتلاعب العقلي مجموعة متنوعة من الآثار السلبية على الضحية ، بما في ذلك:

 1. فقدان احترام الذات والثقة بالنفس: يمكن للتلاعب أن يجعل الضحية تشك في نفسها وقدراتها، مما يؤدي إلى انخفاض احترام الذات والثقة بالنفس.

 2. القلق والاكتئاب: قد يصاب الضحية بالقلق والاكتئاب نتيجة التوتر المستمر والاضطراب العاطفي الناجم عن التلاعب.

 3. الخوف: قد يصاب الضحية بالخوف من نوايا المتلاعب وأفعاله.

 4. العزلة: غالبًا ما يحاول المتلاعبون عزل ضحاياهم عن الأصدقاء والعائلة، مما يؤدي إلى الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية.

 5. الأعراض الجسدية: الإجهاد الناجم عن التلاعب يمكن أن يؤدي إلى أعراض جسدية مثل الصداع والأرق ومشاكل في الجهاز الهضمي.

 6. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): في بعض الحالات، يمكن أن يتسبب التلاعب في إصابة الضحية باضطراب ما بعد الصدمة، خاصة إذا كان التلاعب شديدًا أو طويل الأمد.

 بشكل عام، يمكن أن يكون للتلاعب العقلي تأثير عميق ودائم على الصحة العقلية للضحية ورفاهيتها.

كيف تحمي نفسك من التلاعب العقلي ؟

قد تكون حماية نفسك من التلاعب العقلي أمرًا صعبًا، ولكن هناك بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتقليل خطر التلاعب بك.  هنا بعض النصائح:

 1. ثق في غرائزك: إذا شعرت أن هناك شيئًا ما على ما يرام أو لا يبدو على ما يرام، فثق في حدسك. غالبًا ما يستخدم المتلاعبون تكتيكات خفية، لذلك من المهم الانتباه إلى حدسك.

 2. ضع حدودًا: ضع حدودًا واضحة مع الأشخاص في حياتك، وتواصل معهم بحزم. دع الآخرين يعرفون ما هي السلوكيات غير المقبولة، وكن على استعداد لفرض حدودك إذا تم تجاوزها.

 3. مارس الرعاية الذاتية: اعتني بصحتك الجسدية والعاطفية، ومارس أنشطة الرعاية الذاتية التي تساعدك على الشعور بالقوة والتمكين.

 4. طلب ​​الدعم: تواصل مع الأصدقاء الموثوق بهم أو أفراد الأسرة أو أخصائيي الصحة العقلية للحصول على الدعم والتوجيه. قد يكون من المفيد التحدث إلى شخص يمكنه تقديم منظور خارجي ومساعدتك في التعرف على السلوك المتلاعب.

 5. ثقف نفسك: تعرف على التكتيكات التي يستخدمها المتلاعبون، وتعرف على علامات التلاعب العقلي. يمكن أن يساعدك هذا في معرفة متى يتم التلاعب بك واتخاذ خطوات لحماية نفسك.

 تذكر أن التلاعب العقلي هو شكل من أشكال الإساءة، ومن المهم التعامل معه بجدية. إذا كنت تشك في أنه يتم التلاعب بك أو بأي شخص تعرفه، فاطلب المساعدة من مصدر موثوق. مع الدعم والإرشاد، يمكنك حماية نفسك والحفاظ على علاقات صحية.

المصادر

https://www.verywellmind.com/is-someone-gaslighting-you-4147470

الديمقراطيّة عند المفكّر جورج طرابيشي

يُعتَبر الكاتب والمفكّر جورج طرابيشي من أهمّ المفكّرين والناقدين في العصر الحديث. حيث اشتُهِرَ بترجماته الغزيرة لفرويد وهيغل وسارتر وغيرهم. كما اشتهر بمشروعه الفكري الضخم «نقد نقد العقل العربي» الذي جاء ردّاً على مشروع محمد عابد الجابري «نقد العقل العربي». وعمل أيضاً على تحديد الإشكاليّات التي تعيق تطوّر المجتمعات العربيّة. وفي مقدمتها إشكاليّة الديمقراطيّة الأكثر إلحاحاً على الساحة العربيّة. فالإشكاليّة، على عكس المشكلة التي يتم حلّها بطريقةٍ علميّةٍ برهانيّة، هي طرحٌ يتناول مسألةً تخضع لأجوبةٍ متعددةٍ متناقضةٍ أحياناً. تختلف هذه الإجابات باختلاف أدوات المعرفة وبتطور النظرة التاريخيّة. فهي لا تتحرّى عن جوابٍ بقدر ما تحاول إعادة صياغة السؤال. من هنا تناول طرابيشي الإشكاليّة الديمقراطيّة في عدّة مستويات ومحاور في محاولة تصويب المفاهيم. فكيف حلّل جورج طرابيشي الإشكاليّة الديمقراطيّة في العالم العربي؟

الديمقراطيّة في العالم العربي

يتبنى المثقّف العربيّ اليوم تحت ضغط التأخر الفكريّ والسياسيّ والعسكريّ في مواجهة الغرب، وفي محاولة اللحاق بالمجتمعات المنتجة للحداثة، الديمقراطيّة كأيديولوجيا خلاصيّةٍ تمتلك الحلّ السحريّ لجميع القضايا بعد فشل المشاريع القوميّة والاشتراكيّة التي عوّل عليها سابقاً. لكنّ الديمقراطيّة، كما يراها جورج طرابيشي، هي نتاج تطوّر المجتمع وتقدمه وليست مفتاح هذا التطوّر. حيث يحتاج ترسيخها إلى جهدٍ مضاعفٍ في فكر الفرد وبنية المجتمع. فهي وإن كانت شرطاً أساسياً لا يحدث الإقلاع دونه، لن تعطي الهدف منها دون توافر كافة العوامل الأخرى. وإذا تمّت ممارسة الديمقراطيّة في مجتمعاتٍ غير مؤهّلةٍ أو تمّ فرضها بطريقةٍ ميكانيكيّةٍ أدّت إلى نتائج كارثيّةٍ. وهو ما يظهر في التجارب التاريخيّة في أمريكا المكارثيّة والجمهوريّة الفرنسيّة الرابعة وغيرها من الأمثلة.

والديمقراطيّة التمثيليّة وعلى الرغم من أصولها اليونانيّة هي اختراع الطبقة البرجوازيّة التي صنعت الحداثة. تظهر لظهورها وتغيب لغيابها. لذلك لا تظهر الديمقراطيّة في المجتمعات الاشتراكية والشيوعيّة ولا في دول العالم الثالث. فالثورات الوطنيّة اليساريّة والانقلابات العسكريّة التي اجتاحت الوطن العربي قضت على الطبقة البرجوازيّة المترهّلة أساساً والمنحدرة من صلب الإقطاع وبالتالي على الديمقراطيّة في سبيل ترسيخ سلطتها المطلقة. لذلك تدفع المجتمعات العربيّة اليوم ثمن تغييب البرجوازيّة من خلال ضغط السلطات الفوقيّة السّاعية لترسيخ دكتاتوريّتها، وضغط الحركات الشعبيّة الأصوليّة والمنذرة بقطعٍ أكبر مع قيم الحداثة والديمقراطيّة.

الديمقراطيّة بين قمع السلطة والتشدّد الدينيّ

« الأنظمة العربيّة لا تتحمّل انتخاباً حراً، والمجتمعات العربيّة لا تتحمّل رأياً حراً »

جورج طرابيشي

تصوّر التحليلات الشعبويّة المأزق الديمقراطيّ في العالم العربيّ على أنّه نتيجةٌ منطقيّةٌ لانفراد الدولة في التحكّم في مصائر الشعب دون أن يكون للمجتمع المدنيّ دورٌ في الحكم. أمّا جورج طرابيشي فيرى أنّ ضعف الدولة وقلّة حضورها هو السبب في هذا المأزق دون إغفال دور ضعف المجتمع المدنيّ ومحدوديّة فعاليته في هذا الإشكال. فالدولة واقعةٌ تحت عدوان السلطة الدكتاتوريّة التي كسرت احتكار الدولة للتنظيم وللعنف الشرعيّ ومارست العنف ضد الدولة والمجتمع على السواء. لذلك لابدّ من إعادة الاعتبار إلى الدولة وسلطة القانون من أجل حلّ الإشكاليّة الديمقراطيّة.

تقدّم الديمقراطيّة عن طريق مبادئ فصل السلطات وحقوق الإنسان علاجاتٍ ناجعةً لمحاولات مراكمة المزيد من السلطة في يد الدولة. لكّن انتشار الطائفيّة والتقوقع الدينيّ في المجتمعات العربيّة تقوّض الديمقراطيّة. فالأكثريّة داخل البرلمان ليست أكثريّةً حزبيةً وإنّما أكثريّةٌ دينيّةٌ طائفيّة والتصويت لا يكون إلّا في خدمة المصالح الدينيّة أو الإثنيّة. كما يدخل التشدد الدينيّ في صدامٍ عنيفٍ مع مبادئ حريّة الفكر والاعتقاد الأساسيّة في كلّ نظامٍ ديمقراطي باستخدام سلاح التكفير الذي يتراوح تأثيره بين العنف المعنوي والسجن وحتّى القتل. لذلك فإّن المبادئ الديمقراطيّة واقعةٌ بين ضغط الرِّقابة السياسيّة للسلطة وضغط الرِّقابة الشعبيّة الدينيّة.

يرى جورج طرابيشي أنّ تحديث النظام الاجتماعي والتعليمي وبالتالي تحرير العقل العربيّ من الجهل من شأنه ترسيخ الظاهرة الديمقراطيّة على أساسٍ اجتماعي. لذلك لن يتمّ ترسيخ الديمقراطيّة ولن تكون حريّة صندوق الاقتراع واقعاً ما لم يتم تحرير الفكر في المجتمعات العربيّة. فمجتمعٌ يريد الديمقراطيّة في السّياسة لا بد أن يقبلها في الفكر والدين.

المصادر: كتاب هرطقات للكاتب جورج طرابيشي

4 فوائد للعزوبية تعرف عليها في هذا المقال

غالبًا ما يتم تصوير العزوبية على أنها خيار حياة غير مرغوب فيه. حيث يشعر الكثير من الناس بالضغط والوحدة للعثور على شريك رومانسي والاستقرار معه. ومع ذلك، فقد أظهرت الكثير من الأبحاث أن العزوبية قد يكون لها في الواقع العديد من الفوائد، للأفراد والمجتمع على حدٍ سواء. وسوف نستكشف في هذه المقالة، فوائد أن تكون عازبًا من جوانب مختلفة.

1. الصحة النفسية

رغم اهتمام الناس بالصحة الجسدية بالدرجة الأولى، إلّا أنّه قد لا يتراءى لهم مقدار أهمية الصحة النفسية وانعكاسها على حياتهم وإنتاجيتهم. كما قد لا يظهر لهم مقدار التأثير السلبي للشريك الخاطئ على صحتهم النفسية وسلامهم الداخلي ورضاهم الذاتي.

وواحدة من أهم فوائد العزوبية هي التأثير الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه على الصحة العقلية والنفسية. فقد وجد الباحثون أن العزّاب لديهم مستويات أعلى من تقدير الذات، والرضا عن الحياة مقارنةً بالمتزوجين [1]. ويعزوا الباحثون هذا إلى تمتع العزّاب بمزيد من الاستقلالية والسيطرة على حياتهم، مما قد يؤدي إلى زيادة الشعور بتقدير وقيمة الذات والسعادة.

ومن الفوائد المهمة لكونك عازبًا، هي أنه يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب. حيث وجد الباحثون أن الأفراد المتزوجين كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة بغير المتزوجين [2]. وقد يرجع هذا إلى أن وجودك في علاقة قد ينطوي في بعض الأحيان على المساومة على احتياجات المرء ورغباته. مما قد يؤدي إلى زيادة الشعور بالإحباط وخيبة الأمل. وإضافة إلى تأثيرها الإيجابي على الصحة النفسية، تتمتع العزوبية بفوائد جمّة على الصحة الجسدية.

2. الصحة الجسدية

أظهرت الأبحاث أنه يمكن أن يكون للعزوبية آثار إيجابية على الصحة البدنية. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أنّ الأشخاص غير المتزوجين يتمتعون بصحة أفضل للقلب والأوعية الدموية من المتزوجين [4]. حيث يمتلك الأشخاص العزاب غالبًا المزيد من الوقت للتركيز على الرعاية الذاتية بأنفسهم وتحديد أولويات الأنشطة مثل التمارين الرياضية وتناول الأطعمة الصحية.

كما يمكن أن يقلل كونك أعزبًا من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان. حيث وجدت دراسة أن المتزوجين أكثر عرضة للإصابة بأنواع معينة من السرطان. مثل سرطان الثدي وسرطان البروستات، مقارنة بمن كانوا غير متزوجين [4]. وقد يكون هذا ناتجًا عن أنّ المتزوجين أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات غير صحية، مثل التدخين وسوء التغذية، نتيجة ضغوط الحفاظ على العلاقة وقد تكون هذه فائدة مهمة للغاية لكونك أعزبًا.

وإضافة إلى ما ذكر سابقًا من فوائد العزوبية على الصحة بشقيها النفسي والجسدي، فقد لا يخفى على أصدقاء الشخص العازب مقدار ما يتمتع به من روابط اجتماعية أيضًا.

3. الروابط الاجتماعية

يمكن أن يكون لكونك أعزب أيضًا تأثيرات إيجابية على الروابط الاجتماعية وشبكات الدعم. فقد وجدت دراسة أن الأشخاص العزاب لديهم شبكات اجتماعية أكبر وتفاعلات اجتماعية أكثر مقارنة بالمتزوجين [5]. قد يكون هذا بسبب تمتع العزاب بالمزيد من الوقت والطاقة لتكريسها لبناء والحفاظ على العلاقات مع الأصدقاء والعائلة.

كما تسمح لك حياة العزوبية بمرونة أكبر في التفاعلات الاجتماعية، بدون قيود العلاقة الرومانسية. لذا يتمتع الأشخاص العزاب بحرية متابعة الأنشطة الاجتماعية وتكوين روابط مع نطاق أوسع من الناس. مما قد يؤدي هذا إلى حياة اجتماعية أكثر تنوعًا وإشباعًا وزخمًا.

4. الاستقرار المالي

أخيرًا، يمكن أن يكون لكونك أعزبًا أيضًا فوائد عندما يتعلق الأمر بالاستقرار المالي. إذ وجدت دراسة نشرت في مجلة Family Relations أن الأفراد العزاب يتمتعون بمستويات أعلى من الاستقلال المالي مقارنة بأولئك الذين في علاقة عاطفية. [6] هذا لأن العزوبية تسمح للأفراد بالتركيز على أهدافهم المالية وأولوياتهم، بدلاً من الاضطرار إلى التفكير في الاحتياجات المالية للشريك الرومانسي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد العزوبية الأفراد أيضًا على تجنب النزاعات المالية والأعباء التي يمكن أن تحدث في علاقة رومانسية، مثل تقاسم النفقات أو إدارة الشؤون المالية المشتركة.

في الختام، كونك أعزب له عدد من الفوائد من حيث الصحة العقلية والصحة البدنية والصلات الاجتماعية وله فائدة مالية أيضًا. ورغم أن العلاقات الرومانسية يمكن أن تجلب الفرح والغبطة، لكن من المهم أن ندرك أن العزوبية يمكن أن تكون أيضًا خيارًا إيجابيًا ومفيدًا للحياة.

المصادر:

  1. (PDF) Self-Esteem and the Quality of Romantic Relationships (researchgate.net)
  2. Associations between relationship status and mental well-being in different life phases from young to middle adulthood – ScienceDirect
  3. Social Relationships and Health: A Flashpoint for Health Policy – PMC (nih.gov)
  4. Family history of breast or prostate cancer and prostate cancer risk – PMC (nih.gov)
  5. The Social Lives of Single People | Psychology Today
  6. Financial Arrangements and Relationship Quality in Low-Income Couples – PMC (nih.gov)

أي أنواع المتعلمين أنت بحسب نموذج مالكوم نولز؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 18 في سلسلة مقدمة في التدريس للبالغين

لماذا قد نهتم بمعرفة أي أنواع المتعلمين نحن؟ لماذا نهتم طالما أننا نحصّل المعلومات على أي حال؟ هل هناك علاقة بين ذكاءاتنا وأساليب تعلمنا؟ وإن كان كذلك، فما هي أساليب التعلم التي تناسبنا يا تُرَى؟

وفقًا لشتيرنبرغ وجريجورينكو، هناك ثلاثة دوافع رئيسية للاهتمام بدراسة أساليب التعلم، أولًا: لفهم العلاقة بين الإدراك والشخصية، ثانيًا: لفهم مستوى التحصيل التعليمي والتنبؤ به وتحسينه، وثالثُا وأخيرًا: لرفع مهارة تحديد المجال العملي الشخصي وطريقه ووظيفته. [1]

تحدثنا في المقال السابق عن أساليب التعلم الإدراكية الحسية، ونتناول في هذا الموضوع أساليب التعلم المعرفية وعلاقتها بأساليب التفاعل الاجتماعي. وهي تأتي بعد أساليب التعلم الحسية في التطور، فهي أكثر مرونة وقابلية للتغيير تبعًا للبيئة، والظروف المحيطة، والتطور العمري والعقلي. وتُعرف أساليب التعلم المعرفية بأنها الطريقة التي نحصّل بها المعلومات بفاعلية وننظمها. ويقترح نموذج مالكوم نولز (1982) أربعة أنواع، نشرحها في السطور التالية. [1]

أنواع المتعلمين وفقًا لنموذج مالكوم نولز

1. متواصل (بالإنجليزية: Communicative)

كما يقترح الاسم، يتسم هذا النوع بالاجتماعية. فإذا كان يتعلم لغة جديدة مثلًا، فإنه يميل لسماع أصحاب اللغة الأم، وينخرط في ثقافتهم، ويشاهد ما يشاهدون باللغة الأصلية. بالإضافة إلى استخدامه لهذه اللغة في مناحي حياته بشكل عام: في المواصلات، والمقاهي، والأماكن العامة. ويحب أن يسمع المفردات الجديدة من أصحاب اللغة عوضًا عن سماعها آليًّا من القاموس. كما يفضّل هذا النوع الحصول على تقييمات وتعقيبات شخصية من المعلم. لذا، فهو غالبًا ما يكون متعلم بصري و/أو سمعي. [2][5]

2. سلطوي (بالإنجليزية: Authority-oriented)

على عكس سابقه، لا يتسم هذا النوع بالاجتماعية. يميل هذا النوع للوثوق بأي سلطة مؤكدة، فيثق في رأي معلمه فقط أو رأي الكتب المختصة في هذا المجال، ولا يستمع لزملائه على اعتبار أنهم لا يعرفون بالقدر الكافي. لذا؛ وعلى الرغم من أنه نوع مسؤول كمتعلم، إلا أنه يكون اعتمادي، وذلك لأنه يريد معلمه أن يشرح له كل شيء. فيتعلم هذا النوع بالطريقة التقليدية، إذ تتسلسل المعلومات بتتابع ووضوح وتكون ذات نتائج محددة صرح بها وأكدها المعلم. ولا يفضل المتعلم السلطوي الصف التعاوني؛ وبالتالي فهو لا ينخرط كثيرًا في المناقشات التي تحدث في الصف، ويأخذ قول المعلم أخيرًا كإجابة على سؤال المناقشة. وهو على عكس نظيره من المتعلم المتواصل. كما يثق هذا المتعلم فيما يقرأ ويدوّن، لذلك فهو يميل إلى تحصيل المعلومات بالقراءة والكتابة. [5]

3. تحليلي (بالإنجليزية: Analytical)

هو ذلك النوع الذي تمكنه مهارته المعرفية ليس فقط من التحليل التفصيلي الدقيق للمفاهيم، بل وكذلك يقدر قيمة الاستقلال بعمل الأشياء وحده. وبسبب هذه المهارة التحليلية، فالمتعلمين التحليليين يميلون لفهم الأشياء من المفصّل للمجمل، وليس العكس، إذ إن التفاصيل تساعدهم في تكوين الصورة الكلية للمفهوم. ويبرع هذا النوع في اكتشاف أخطائه ومعالجتها، كما يبرع في حل المشكلات التي يقدمها له المعلم. [3][5]

4. حسي (بالإنجليزية: Concrete)

يتميز هذا النوع من المتعلمين بكونهم مبدعين، ومغامرين، وفضولين بالفطرة، فيحبون استكشاف العالم من حولهم. ويرتبط هذا النوع بالتعلم الحركي الذي تناولناه سابقًا، إذ يحب هذا النوع من المتعلمين التجربة. ولكن مثلًا في تعلم اللغات، يقول ويلنج في كتابه «أساليب التعلم في تعليم الكبار للمهاجرين» أن الصفة الشائعة بين هذا النوع هو شعور عدم الكفاية، وعقدة النقص. لذا فهم يرغبون في التعلم بمزج المرح في عملية التعلم من خلال الألعاب والأنشطة الجسدية عوضًا عن التعلم وحدهم. [4] [5]

كيف للمعلم تدريس هذه الأنواع من المتعلمين جملة واحدة في صف واحد؟

بالطبع سيكون هناك اختلاف كبير بين قدرات المتعلمين وأساليب التعلم، ويعتبر هذا الأمر صحي للصف الدراسي. ويجدر بالذكر أن يستخدم المتعلمون هذه الأساليب دون وعي منهم، ولكن دور المعلم يكمن في:

  1.  توظيف نقاط قوة كل نوع بما يلائم الصف الدراسي والمادة التي يدرسها.
  2. تشجيع الطلاب بأنواع تعلمهم المختلفة على استخدام نقاط قوتهم، فيعطيهم المعلم فرصة التواصل والتحليل، كما عليه أن يشجعهم على مساعدة بعضهم البعض.
  3. توظيف نموذج أنواع المتعلمين المختلفة أثناء تحضيره للدروس، فيجهّز المحتوى بناءً على أسئلة تشجع المتعلم المتواصل على المشاركة في المناقشات، والسلطوي على الاندماج في الفريق، والمحلل على التفكير، والحسي على الاستكشاف.
  4. وفي حالة المتعلم السلطوي بشكل خاص، على المعلم أن يبني ثقة بين هذا النوع وأقرانه، ويشجع إجاباتهم التي توصلوا إليها عن طريق التعلم التعاوني.
  • المصادر:
  1. Learning styles | ELT Journal | Oxford Academic (oup.com)
  2. Learning Styles & Strategies – elttguide.com
  3. Learning Styles (semanticscholar.org)
  4. Learning Style Preferences by Iranian EFL Freshman University Students – ScienceDirect

ما هي الذاكرة الثقافية وكيف تؤثر علي العمران؟

تتكون المناظر الطبيعية الحضرية والتاريخية من طبقات من السمات الملموسة وغير الملموسة مثل الذكريات الثقافية، كذكريات جماعية لسكان المدينة. إذ يمكن للذكريات الثقافية أن تؤثر علي تشكيل هوية المكان، ونوعية الحياة الاجتماعية مثل الصحة والرفاهية، وهوية المجتمع، وإدراك المكان، والمشاركة الاجتماعية. ويشير هذا المقال إلى قيمة استدعاء ميزات الذاكرة الثقافية التي يمكن استخدامها لتحقيق التنمية الاجتماعية.

ما هي الذاكرة الثقافية بتعريف الباحثين؟

الذاكرة الثقافية هي عملية تذكر الأحداث التي تتعلق بالأشياء والأماكن والتي يصادفها الأشخاص في إطار اجتماعي. ويُنظر إلى الذاكرة الجماعية على أنها مستودع للثقافة، وأحيانًا تؤدي هذه النظرة إلى استخدام مصطلح “الذاكرة الثقافية” [1]. ظهر مصطلح الذاكرة الثقافية لأول مرة في الأدب على يد «موريس هالبواكس-Maurice Halbwachs» في كتابيه “الأطر الاجتماعية للذاكرة” وكتاب “الذاكرة الجماعية”.

تأسس فهم هالبواكس للذاكرة الثقافية على التمييز بين الذاكرة الفردية والجماعية. فوصف الذاكرة الفردية بأنها “شخصية” و”سيرة ذاتية” للفرد. في حين أن الذاكرة الجماعية “اجتماعية” و”تاريخية” [2]. وبعد تقديم هالبواكس للمفهوم، درس «بيير نورا-Pierre Nora»الذاكرة الجماعية المكانية. وكان نورا مهتمًا بشكل خاص بالبيئة الجغرافية والعمرانية.  وناقش نورا كيف يمكن لأماكن معينة التقاط مشاعر مختلفة وتجسيد الذكريات الوطنية [3].

وبناءًا على مساهمات هالبواكس، أسس «الدو روسي-Aldo Rossi» مفهوم “الذاكرة الحضرية” في كتابه “هندسة المدينة”. وقد سمح روسي بإدخال مفهوم الذاكرة الجماعية في الهندسة المعمارية والتصميم الحضري. ويجادل ألدو روسي في هذا الكتاب بأن الحفاظ على المواقع التراثية يعادل الاحتفاظ بالذكريات الثقافية للناس وحماية هوياتهم الوطنية [4].

أضافت «كريستين بوير-Christine Boyer» إلى هذه المناقشة في كتابها “مدينة الذاكرة الجماعية” أن الهندسة المعمارية للمدينة تعبر عن الذاكرة الثقافية، وهي تحمل آثار الأشكال المعمارية السابقة، إلى جانب التخطيط والمعالم الأثرية للمدينة. وتوضح كريستين أنه على الرغم من أن أسماء المدن قد لا تتغير، فإن عناصرها المادية قابلة للتغيير دائمًا، ويتم نسيانها وتعديلها لتلائم المتطلبات الجديدة، أو حتى قد تختفي في السعي وراء أغراض مختلفة.

“إن مطالب وضغوط الواقع الاجتماعي تؤثر دائمًا على النظام المادي للمدينة”. 

كريستين بوير

ومع ذلك يمكن لذكرياتنا الجماعية والفردية أن تخبرنا بالتغييرات التي تحدث، وتساعدنا على تمييز مدينتنا عن مدن الآخرين من خلال التعرف على شوارعها ومعالمها وأشكالها المعمارية وآثارها [5].

يشير كل هؤلاء المنظرين إلى الصلة المهمة بين الذاكرة الثقافية والأماكن التي لا تُنسى في المدن، والتي تستحضر صورًا وتصورات جماعية.

مثال يوضح أثر التقدم الحضاري والصناعي على الذاكرة الثقافية

شهدت الإسكندرية “الميناء الرئيسي لمصر” مؤخرًا معدلًا متسارعًا من التحضر والتصنيع لتلبية احتياجات سكانها المتزايدين. وقد أدى ذلك إلى ظهور تهديدات حضرية واجتماعية وبيئية للمناظر الطبيعية الحضرية التاريخية للمدينة. ويعد سوق الشارع التاريخي “زنقة الستات” (المعروف أيضًا باسم “زنة الستات”) أحد أهم الأماكن التي لا تنسى في الإسكندرية، وهي تواجه حاليًا التدهور المادي والتلوث البيئي، وهي قضايا تهدد ارتباط المكان، والذكريات، وصورة المكان، والاستخدام، والتفاعل الاجتماعي لمستخدميه  [6].

زنقة الستات بمنطقة المنشية، المصدر: F. Hussei

كيف تحافظ الذاكرة الثقافية على الهوية؟

 تساهم الذاكرة الثقافية في تحديد الهوية من خلال حماية مواقع الأحداث المهمة (مثل المعالم أو المباني الأثرية). وتعزز تلك المواقع مشاعر الاستمرارية والتميز. وأظهرت تعليقات المشاركين في الدراسة أن تفرد هذا الموقع واستمراريته باعتباره “فريدًا من نوعه” في الإسكندرية، وحقيقة أنه لم يشهد أي تحول تخطيطي كبير، أوجد مشاعر اليقين والمتعة التي حمت هوية المكان وخبرته.  ويدعم هذا فهم «أنطون ولورانس-Anton and Lawrence» للمواقع التي تمتلك هوية مكان، ويقترحا أن الأماكن التي من المرجح أن يتم استيعابها في بنية الهوية هي تلك التي يمكن أن تجعلنا نشعر بأننا فريدون، ومسؤولون، وراضون عن أنفسنا، وتتوافق مع إدراكنا الذاتي لمن نحن [7].

 كان من الملاحظ أن جميع المشاركين كانوا على دراية كاملة بالخلفية التاريخية للسوق، بدءًا من حملة نابليون الفرنسية. حيث أعطت اسطبلات الخيول الخاصة بالجنود اسم السوق الرئيسي (شارع فرانساه). وكان الوجود اللاحق للمدينة التركية منعكس في النسيج العمراني (الأزقة الضيقة). بينما تم استحضار القصص عن جرائم ريا وسكينه. أدى هذا الوعي بتاريخ الموقع إلى تكرار الذكريات الثقافية، وخلق مشاعر جماعية بالمسؤولية والفخر المدني. وتتفق هذه العلاقة بين القيمة التاريخية والذاكرة الثقافية.

“الذاكرة الثقافية تتكون من المعالم القيمة في تاريخ الأمة، فهذه المعالم هي القادرة على تعزيز الشعور بالانتماء على المستوى الوطني، وكذلك التأثير على الحاضر والمستقبل. “[8].

كاريس أنطون وكارمن لورانس

تشير النتائج إلى أن الذاكرة الثقافية، والتعلق بالمكان، والقيمة التاريخية له، جميعها تضيف إلى الإحساس بالمكان من خلال تكوين علاقة تجاهه والارتباط المجتمعي به.

كيف نحافظ على الذاكرة الثقافية؟

نأمل أن تقوم سلطات التخطيط العمراني الوطنية ومصممي ومخططي المدن في العموم بالتعرف على المناظر الطبيعية الحضرية التاريخية كمستودعات للذكريات الثقافية. كما أن التأكد من تطوير تلك الأماكن وإدارتها يعكسان القيم التاريخية من خلال تذكر الأنشطة والأحداث التي حدثت هناك وإحياء ذكراها. ويوصى بشدة بأن تشتمل هذه الأعمال على تمثيل للذكريات الثقافية جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على النسيج المادي التاريخي. ويمكن أن يحدث هذا من خلال التخطيط التشاركي، حيث ستحتاج الحكومات إلى الانخراط مع المجتمع، وتخصيص وقت كافٍ لجمع البيانات الواقعية، مما يجعل من الممكن مراعاة الذكريات والعواطف والآراء الثقافية. كما يمكن أن تشارك المجموعات الاجتماعية بشكل أكبر في التخطيط التشاركي من خلال إجراء مقابلات شخصية مع المستخدمين للموقع. وسيعمل هذا النهج على تحديد الذكريات التي يريدون الحفاظ عليها لهم وللأجيال القادمة، من أجل خلق التماسك الاجتماعي الضروري وحماية هوية الموقع والتجربة والشعور بالمكان.

يمكن للذاكرة الثقافية أن تربط الأجيال بأماكن الأحداث المهمة، بحيث تظل هذه الأحداث في ذهن الأشخاص المرتبطين بالمناظر الطبيعية الحضرية التاريخية. ويعد الحفاظ على التراث الثقافي والمادي للأجيال القادمة أمرًا مهمًا، ويجب التعامل معه بنفس الاعتراف الذي تتمتع به الأجيال الحالية لتعميم الاستدامة والتنمية االاجتماعية.

المصادر

  1. Kate Darian-Smith & Paula Hamilton, Memory and History in Twentieth-Century Australia – PhilPapers
  2. On Collective Memory, Halbwachs, Coser (uchicago.edu)
  3. Between Memory and History: Les Lieux de Mémoire | Representations | University of California Press (ucpress.edu
  4. Methods and Techniques in Using Collective Memory in Urban Design: Achieving Social Sustainability in Urban Environments | Semantic Scholar
  5. The City of Collective Memory: Its Historical Imagery and Architectural … – M. Christine Boyer – كتب Google
  6. Urban Science | Free Full-Text | Cultural Memories for Better Place Experience: The Case of Orabi Square in Alexandria, Egypt | HTML (mdpi.com)
  7. The Image of the City (mit.edu)
  8. (1) (PDF) Home Is Where the Heart Is: The Effect of Place of Residence on Place Attachment and Community Participation (researchgate.net)

ما هو الاقتصاد السياسي وما هي الرأسمالية؟

عرِّف الاقتصاد السياسي بأنه أساس تطور المجتمع. وهذا الأساس معني بإنتاج الخيرات المادية وأسلوب الإنتاج بالإضافة إلى دراسة العلاقات بين الناس في سياق الإنتاج ودراسة البناء التحتي في المجتمع. ولقد استخدم «آدم سميث-Adam Smith» مصطلح الاقتصاد السياسي للدلالة على ما يدعى اليوم “علم الاقتصاد”. [1] وهناك نوعان من القوانين الاقتصادية لتطور المجتمع.

1. القوانين الاقتصادية الموضوعية

هي أساس تطور النظام الاقتصادي للمجتمع، وهي التي تحدد العلاقات في ميدان الإنتاج، والتوزيع، والتبادل، والاستهلاك. وتختص في كونها قصيرة الأمد نسبياً، وتفعل فعلها في سياق مرحلة تاريخية معينة على عكس قوانين الطبيعة. ومع الانتقال من تشكيل اجتماعي إلى آخر، يتوقف فعل علاقات الإنتاج القديمة، وتنبثق علاقات جديدة. وهذا ما يفسر زوال تلك القوانين الاقتصادية من المسرح التاريخي، وظهور قوانين اقتصادية جديدة مكانها.

2. قوانين الطبيعة والمجتمع

تتسم هذه القوانين بسمة مشتركة، فهي ذات طابع موضوعي؛ أي انها تنشأ وتعمل بصورة مستقلة عن معرفتنا لها وعن رغبتنا في أن يعمل هذا القانون أو ذاك. هذا يعني أن الناس لا يستطيعون تعديل هذه القوانين أو إبطالها أو صنع قوانين جديدة، إنما يستطيعون فقط اكتشافها والتصرف انطلاقاً من فهمها واستخدامها في صالح المجتمع. إن البلدان الاشتراكية مثلاً، بمعرفتها لقانون التطابق بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة، أطاحت بسلطة المستثمرين واخذت تبني مجتمعاً جديداً بقيادة الأحزاب الشيوعية والعمالية بالتحالف مع الفلاحين.

نشأة النظرية الرأسمالية

حلّت الرأسمالية محل الإقطاعية كنظام اقتصادي ونمط إنتاج في بعض أنحاء أوربا الغربية بين عامي 1400-1900. وتطورت الرأسمالية عبر ثلاث مراحل كبرى، هي الرأسمالية التجارية، والرأسمالية الصناعية، والرأسمالية المالية.

الرأسمالية التجارية

ارتبط ظهور الرأسمالية بحركة الاكتشافات الجغرافية في القرن ال16، التي فتحت طرقاً تجارية جديدة أمام التجار الأوروبيين، وفرصاً لتحقيق الأرباح من خلال استقدام السلع المتنوعة ومراكمة الثروات.

الرأسمالية الصناعية

المحطة الثانية لتطور الرأسمالية في القرن ال18 اندلعت بظهور المصانع نتيجة للثورة الصناعية التي بدأت في إنجلترا. حيث اكتشفت تقنيات جديدة للإنتاج (كالمحرك البخاري وآلة الغزل)، وانتشرت هذه التقنيات في بقية أرجاء أوروبا.

وأدى ظهور المصانع في أوروبا إلى بروز طبقة جديدة في المجتمع هي البورجوازية، وقد لعبت دوراً هاماً في تطوير الإنتاج الصناعي والترويج للأفكار الرأسمالية وإحداث قطيعة مع النظام الإقطاعي السائد من قبل.

الرأسمالية المالية

دخلت الرأسمالية مرحلتها الثالثة مع نهاية القرن ال19، وتوصف هذه المرحلة بأنها مرحلة الرأسمالية المالية. وقد عرفت هذه المرحلة ظهور المؤسسات المصرفية العالمية الكبرى، والشركات القابضة. وانتعشت أسواق الأوراق المالية، ووقعت الشركات الصناعية تحت هيمنة القطاع المصرفي.[2]

أساليب الإنتاج قبل الرأسمالية

أسلوب الإنتاج المشاعي البدائي

 عرفت عملية الإنتاج البدائي بتدني و انخفاض مستوى قوى الإنتاج و كذلك أدوات العمل. و كانت تلك هي السمة الغالبة لعملية الإنتاج البدائي، و لهذا السبب؛ سعى الإنسان في صراعه المستمر مع الطبيعة إلى تطوير وسائل العمل. و قد استلزمت هده العملية آلاف السنين، وكانت الخطوة التالية في تطور القوى المنتجة نشوء الزراعة.[3]

أسلوب الإنتاج القائم على الرق

الرق هو أول أشكال الاستثمار في التاريخ وأشدها قسوة، فنظام العبودية أو الرق؛ هو امتلاك الإنسان للإنسان، فيكون الرقيق مملوكًا لسيده. وكانوا يباعون في أسواق النخاسة أو يشتَرون في تجارة الرقيق بعد اختطافهم من مواطنهم. ومن الجدير ذكره أن ممارسة العبودية ترجع لأزمان ما قبل التاريخ، حين تطورت الزراعة؛ فكانت الحاجة ماسة لأيدٍ عاملة. لجأت المجتمعات البدائية للعبيد لتأدية أعمال تخصصية. وكان العبيد يؤسرون خلال الغارات على مواطنهم أو تسديداً لدين. [4]

أسلوب الإنتاج الإقطاعي

وجد النظام الإقطاعي في جميع البلدان تقريباً ولكن بخصائص مختلفة. فاتسع الإنتاج البسيط في عهد الإقطاعية، ولكن هذا الانتاج في البداية كان يرتكز على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وعلى العمل الفردي. حيث احتدمت المنافسة بين منتجي البضائع، وأخذت تقسمهم إلى فقراء وأغنياء سواء في المدينة أو في القرية. ومع اتساع السوق، شرع منتج البضائع بأن يستأجر الفلاحين والحرفيين ممن حل بهم الخراب.

المراجع:

  1. political-encyclopedia.org
  2. www.aljazeera.net
  3. www.syr-res.com
  4. www.hindawi.org

النيكروفيليا ولماذا يُجامع بعض البشر الموتى؟

تُعرف النيكروفيليا أو مجامعة الموتى بالحصول على المتعة عند ممارسة الجنس مع الموتى. إلا أن هذا التعريف لازال غير متفق عليه تمامًا.

يضع الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الإصدار الخامس (DSM5)، النيكروفيليا جنبًا إلى جنب مع العديد من الأشكال غير الشائعة الأخرى (للانحرافات الجنسية-paraphilia).[1] ويُعرّفها على أنها “اضطراب مجازف يتضمن اهتمامًا جنسيًا متكررًا ومكثفًا بالجثث”.[2]

يمكن أن تأتي النيكروفيليا بمفردها، أو بالاشتراك مع عدد من الانحرافات الجنسية الأخرى. مثل السادية، وأكل لحوم البشر، والرغبة في شرب دم البشر أو الحيوانات، و الانجذاب الجنسي لجثث الأطفال، والانجذاب الجنسي إلى جثث الحيوانات أو قتلها والمعروف أيضًا باسم النخرية. [1]

غالبًا ما تكون الجثث المستخدمة للحصول على المتعة الجنسية غير طازجة. بل مستخرجة من القبور في حالة متعفنة، أو محنطة. ويفضل البعض العظام فقط.

هل تظهر النيكروفيليا وحدها أم تصاحبها حالات أخرى؟

قد تأتي النيكروفيليا مصاحبة لأكل (لحوم البشر- cannibalism) أو أكل (لحوم الموتى-necrophagia). حيث يتغذى القائمون على الجثث المتحللة للحصول على المتعة الجنسية. عكس أكلة لحوم البشر الذين يفضلون اللحوم الطازجة، أو الذين يأكلون أحبائهم الموتى لأغراض روحية.[1]
في الحقيقة هناك طيف واسع من السلوك للنيكروفيليا والنيكروفاجيا من أولئك الذين يريدون فقط لعق الأعضاء التناسلية أو الثديين لشخص ميت، إلى الأشخاص الذين يريدون التهام أجزاء معينة فقط وصولًا إلى أكل الجسم كله.

تصنيف سلوكيات مجامعي الموتى

كما ذكرنا سابقًا، يوجد تنوع كبير في سلوكيات مجامعة الموتى. وهذا ما جعل العلماء يحاولون وضع تصنيف متماسك له، ولكن غالبية التصنيفات الحديثة تُركز على وصف نوع السلوك بدون محاولة لفهم الدوافع وراء ذلك. بل ويفسر البعض بأنه لا تختلف الدوافع كثيرًا عن محاولة مجامعة الأحياء، حتى وإن كانت مجامعة الميت تبدو نوعًا محددًا جدًا من التفاعل الجنسي الذي تقوم به أقلية من الناس.

هناك عدة محاولات لتصنيف مجامعة الموتى. على سبيل المثال، هناك مراجعة أدبية لمجموعة من الدراسات نُشرت عام 1989 صنفت النيكروفيليا إلى ثلاثة أنواع: قتل الموتى ومجامعتهم، ومجامعة الميت “العادية”، والخيال المتضخم.[3]

ولكن أكثر محاولات التصنيف شمولًا وفائدة كانت نظام أجراوال الذي اقترح عام 2009 تصنيفا يضم 10 أنواع مختلفة النيكروفيليا آخذًا بعين الاعتبار نوايا ودوافع هذا السلوك. والذي تراوح بين أولئك الذين يستمتعون بقربهم من الموتى (ليس بالضرورة جنسيًا، على سبيل المثال: تحنيط أو الحفاظ على شخص عزيز متوفى)، إلى أولئك الذين يثيرهم لمس الموتى، لأولئك الذين يجامعون الموتى.

ومع ذلك حتى نظام التصنيف هذا يأتي مع قيود. لا يمكن النظر إلى كل فئة من هذه الفئات إلا على أنها مؤقتة في أحسن الأحوال. لأنه يمكن أن تتطور احتياجات الشخص ورغباته على مدار حياته وتتقلب، أو حتى تصبح كامنة، أو تختفي تمامًا. لهذا السبب من السهل أن نرى أن النيكروفيلي يمكن أن يلائم أكثر من فئة من هذه الفئات عند فحص تاريخه، ولا يمكن للمرء أن يتنبأ بكيفية تصاعد سلوكه.[2]

اقرأ أيضًا عن القتل المتسلسل

لماذا يُجامع بعض البشر الموتى؟

لقد طرح العديد من الباحثين والمؤلفين أفكارهم وراء الدوافع، ولخصوا إلى أن أحد الأسباب الرئيسية المقدمة هو الحاجة إلى شريك لا يقاوم أو لا يرفض الجماع.[2]
يدعم هذا الطرح عدة دراسات إحداها الدراسة المنشورة عام 1989، والتي راجع وحلل فيها الباحثون 122 حالة نُشرت بياناتهم في دراسات سابقة.[3]

هذا السبب يستحق الدراسة. فهو يشير ظاهريا إلى مجرم عنيف يؤكد إرادته على ضحيته، ويلغي إرادة ضحيته تمامًا. ولا شك أن هذا ينطبق على أولئك الذين يرتكبون جرائم القتل الجنسي. ولكن ماذا عن الذين يجدون طرقًا أخرى للتلامس مع الجثة من دون القتل؟

في الحقيقة تُعد الحاجة إلى شريك غير رافض والشعور بالقبول أمرًا عالميًا بالنسبة لمعظم البشر الذين يرغبون في علاقة حميمة مع إنسان حي آخر، ينطبق هذا أيضًا مع مجامعة الميت.

وبالتالي سيكون من المفيد تقييم جميع الصفات التي يبحث عنها الناس لمجامعة شخص حي. ومعرفة ما إذا كان يمكن تلبية هذه الاحتياجات مع شريك متوفى. الشريك الميت لا يصدر أحكامًا، ولا يوجد خوف من الحاجة إلى إنتاج هزة الجماع المتبادلة أثناء ممارسة الجنس، ويمكن الوثوق به، ولا يوجد قلق بشأن النسل، ويمكنه تلبية الحاجة المؤقتة للحميمية الجنسية. يتمتع المجرم أيضًا برفاهية تخيل وجعل الجثة تكون أي شيء يريده. (من الجدير بالذكر أن دمية الجنس تلبي أيضًا هذه الاحتياجات، وبالتالي يدعم بعض الباحثين دراسة واستكشاف تاريخ استخدام دمية الجنس في حياة المدافعين عن النيكروفيليا).[2]

هناك أسباب ودوافع أخرى وضعها العلماء في عين الاعتبار. مثل الإحساس بالتواصل مع شريك سابق، ومواجهة الشعور بالعزلة، والتحكم بالضحايا، ومساعدة الممارس في الرفع من تقدير ذاته. إلا أن كل هذه الدراسات لازالت في البداية فهم دوافع ممارسة النيكروفيليا.[3]

القتل الجنسي المتسلسل

ليش شرطًا أن تكون النيكروفيليا مصحوبة بشيء آخر مثل القتل. بل حتى دوافع مجامعة الموتى قد تكون معتمدة على حاجات طبيعية أكثر مما كنا نعتقد. ولكن قتل الأشخاص لغرض مجامعتهم موضوع آخر يأتي تحت اسم القتل الجنسي المتسلسل.

يشار إلى فئة القتل المتسلسل التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام، وتشمل نسبة كبيرة من جرائم القتل المتسلسلة بالقتل الجنسي. تمت دراسة القتل بدوافع جنسية على نطاق واسع من قبل الأكاديميين والمتخصصين في الصحة العقلية وغيرهم من الباحثين.

يُعرَّف القتل الجنسي المتسلسل بأنه قتل ضحيتين أو أكثر يرتكبهما نفس الفرد، أو الأفراد في أحداث منفصلة، بدافع جنسي. يمكن أن تختلف أنواع الأفعال الجنسية التي يرتكبها هؤلاء الجناة ضد ضحاياهم اختلافًا كبيرًا بسبب الطبيعة غير العادية لهذه الجريمة. ويمكن أن تشمل الأفعال الجنسية الأنواع التي تعتبر تقليدية مثل الجنس المهبلي والشرجي والفموي. ولكن هناك أيضًا عدد من الأفعال الجنسية غير التقليدية مثل إدخال جسم غريب، والسادية الجنسية، ومجازر الموتى، وأكل لحوم البشر، ومص الدماء.

الغالبية العظمى من جرائم القتل الجنسي المتسلسلة يرتكبها مجرمون ذكور. وعلى عكس الجرائم المتسلسلة الأخرى فإن القتلة المتسلسلين بدوافع جنسية يستهدفون بأغلبية ساحقة الضحايا الذين ليس لديهم صلة واضحة بهم، أو الغرباء عنهم.

كيف يتطور الخيال الجنسي العنيف؟

جرائم القتل الجنسي المتسلسلة متجذرة في الأوهام التي تنطوي على مواضيع جنسية عنيفة. الجناة الذين يرتكبون هذه الجرائم لديهم تخيلات جنسية حية ومتكررة وعنيفة تتطور بمرور الوقت. نشأت هذه الأوهام من الطفولة، وهي نتاج ربط مواضيع العنف والجنس معًا. مع مرور الوقت تتطور موضوعات العنف المثيرة وتصبح أكثر تعقيدًا وتفصيلاً حتى يتصرف الجاني بخياله الجنسي العنيف. ثم يلتقي الخيال الجنسي العنيف للجاني بواقع أفعاله. من ثم إذا كان جزء من هذا الفعل مقيتًا بالنسبة له، فسوف يتجنب جزء الفعل هذا. أما إذا اكتشف جزءًا من الفعل الخيالي يكون ممتعًا بالنسبة له، فإنه سوف يقضي المزيد من الوقت في استكشاف هذا الفعل.

يتطور الخيال عندما يرتكب الجاني المزيد من الجرائم المفترسة. هذا هو السبب في أن السلوك الجنسي يمكن أن يبدو أكثر غرابة بشكل متزايد خلال سلسلة من جرائم القتل الجنسي المرتبطة.[1]

حيوية الخيال الجنسي العنيف

من العوامل المهمة في فهم عمق واتساع التخيلات الجنسية العنيفة، إدراك مدى تفصيل وحيوية هذه التركيبات الخيالية. يفكر الجناة باستمرار في تخيلاتهم لاستكشافها، وإعادة إحيائها. من أفضل الأمثلة على حيوية الخيال الجنسي العنيف، حالة تم فيها اكتشاف صور ضحية تتعرض للتعذيب والاعتداء الجنسي بعد اعتقال القاتل الجنسي وسجنه لعدة أشهر. وبعد العثور على الصور قام الجاني أثناء وجوده في زنزانته ببناء سلسلة من الرسومات لشرح طبيعة الصور دون أن تكون لديه الصور الأصلية أو يطلع عليها. أظهرت مقارنة الرسومات بالصور أن التفاصيل متطابقة تقريبًا. كان هذا أمرًا استثنائيًا نظرًا لأن الجاني لم يرى الصور الفوتوغرافية لعدة أشهر.[1]

القتلة الجنسيون المتسلسلون لديهم تخيلات جنسية عنيفة. ويرتكبون أعمالًا جنسية عنيفة ومتوحشة لتحقيق تلك التخيلات. وعلى غرار عامة الناس يحتفظ القتلة بخيالاتهم الجنسية، ولا يسمحون لأي شخص عادة بمعرفة عمق ميولهم. هذا ما يجعل تحديد سمات القاتل المتسلسل صعبا. بالإضافة لهويته التي تكون غالبًا غير معروفة.[1]

ختاما، من الممكن أن لا نصل إلى تعريف واضح لمجامعة الموتى، ولكن العلماء يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى وضع تصنيف شامل. ومحاولة فهم الدوافع وراء ذلك. لأنه بمجرد أن نبدأ في وضع اللبنات الأساسية يمكن أن يصبح تطبيق القانون على دراية أفضل. وبالتالي يمكنه اتخاذ خطوات أكبر في معرفة عوامل الخطر التي تؤدي إلى مجامعة الميت.

مصادر

1. Science direct
2. Psychologytoday.com
3. Pubmed

لم يدرس المعماريون التعلق المكاني وما أثر التعلق بالأماكن علينا؟

هذه المقالة هي الجزء 9 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

يتعلّق البشر بطبيعتهم بالأماكن. وفي إطار علم النفس البيئي، فإن «التعلق المكاني – Place Attachment»، هو الروابط الشعورية التي يشعر بها البشر تجاه الأماكن المختلفة. وتختلف الأماكن ومعانيها التي يتعلق بها البشر. فقد تكون بالغة الصغر كشجرة في حديقة اعتاد أحدهم أن يلعب حولها وهو طفل. أو حتى فكرة مجردة مثل مفهوم الوطن بالنسبة للاجئين أو المغتربين.

يهتم باحثو علم النفس البيئي بهذا التعلق، لأهميته تجاه جودة الحياة السكانية وصحتها. فالتعلق المكاني يتراوح بين المشاعر الإيجابية كالألفة والطمأنينة في حالة البيت، والمشاعر السلبية كالحزن أو الفقد في حال خسارة البيت. وقد تتسبب خسارة مكانٍ ما إلى إصابة المتعلّقين به بالجزع.

وقد ركزت نظريات التعلق المكاني على ما يكوّن ويحجّم من مشاعر التعلق المكاني، وكيف تتداخل مع مفاهيم كالانتماء والهوية المكانية. فمثلا، يدرس بعض الباحثين العلاقة بين شعور الناس بالانتماء إلى مكانٍ ما، ومدة بقائهم فيه.

نظريات التعلق المكاني

تحاول عدة نظريات تحديد مكونات التعلق المكاني. وإحدى هذه النظريات تحددها بثلاثية المكان-الشخص-العملية؛ أي أن المشاعر تجاه مكانٍ ما تتأثر بتجارب وتاريخ الأفراد والجماعات. وتعتمد على سمات المكان المحسوسة والرمزية، والسلوكيات التي حدثت فيه. في حين أن بعض النظريات الأخرى تضيف أبعادًا مختلفة، منها الروابط الأسرية والصداقات.

على أي حال، فإن مفهوم التعلق المكاني يشتمل على عدة مفاهيم أخرى تحته. مثل “الشعور بالمكان” أي تجربة المرء الشعورية في مكانٍ ما بناءً على رمزياته، و”الهوية المكانية” أي تضمين المكان في هوية الفرد أو الجماعة.

ويعتمد الباحثون حول مفهوم التعلّق المكاني أيضًا على مجالات فلسفية أخرى، مثل الفينومينولوجيا أو الظاهراتية. والفينومينولوجيا هي المجال الذي يحاول سبر أغوار التجربة البشرية، وفهم المعاني والرموز التي يتبنّاها البشر. ومن المعماريين المشهورين في هذا المجال، والذي له كتابات خاصة بمفهوم التعلق المكاني، المعماري الفنلندي “يوهاني بالازما”. ويرى يوهاني أن مفهوم البيت مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمشاعر الألفة والطمأنينة والأمان التي نشعر بها ونحن أطفال. وتتكون تلك المشاعر بدورها من خلال شعورنا وإحساسنا بلحظات معينة، مثل لحظة وصولنا للبيت بعد يومٍ طويل.

تنويعات التعلق المكاني

يمكن للتعلق بالأماكن أيضًا أن يشتمل على مشاعر سلبية كما أسلفنا، وقد يحدث هذا لأسباب مختلفة. فربما يُدمّر مكان عزيز على الفرد، أو يتغير بشكل دائم. أو قد يكون مكان مهم ما مصدرًا لتجارب سعيدة ومريرة للفرد في الآن نفسه. وفي إحدى الدراسات على سكانِ قريةٍ تم تهجيرهم لبناء بحيرة صناعية، وجد الباحثون أن السكان لا زالوا يشعرون بالفقد بعد 40 عامًا من تهجيرهم.

التعلق المكاني منتجٌ اجتماعي بشكل كبير. فشعور المرء بالتعلق بحديقة أو ميدانٍ ما، قد يكون سببه فعاليات أو حوادث معينة مرتبطة بالثقافة الموجودة. كما أن مشاعره تجاه الأماكن المختلفة تعتمد على البنى الاجتماعية والثقافية التي يجدها فيه. فإذا تمكن فرد أو جماعة ما من تكوين شبكة علاقات قوية ومستقرة في مدينة جديدة، فغالبًا سيؤدي ذلك إلى إضفاء معانٍ حسنة على تلك المدينة. في حين أنه إذا تعرض للمضايقات أو العنصرية أو لم يتمكن من تكوين شبكة معارف، فغالبًا سيكوّن انطباعًا سلبيًا عنها.

اللامكانية

ومن تفرّعات دراسة التعلق المكاني أيضًا ما يسمى باللا-مكانية، أو غياب الانتماء المكاني «Placelessness». ويحمل هذا المصطلح معنيين؛ فقد يعني افتقار الأماكن المختلفة لهوية خاصة بها. قد يجعل هذا الافتقار من أماكن متباعدة متشابهة في الشكل والطبيعة، مما قد يفقد سكانها بأي شعور بتميزها. وهذا ينطبق مثلًا على المناطق “الحديثة” من المدن، والتي لا يبدو فيها أي أثر للطابع المحلّي. إذ يمكن لبعض الأحياء السكنية أو التجارية أن توجد في دبي، أو إسطنبول، أو لندن دون أن يشعر ساكنوها بأي فرق. كما قد يحمل هذا المصطلح معنى فقدان الأفراد لمشاعر التعلق بالأماكن بسبب كثرة التنقل. أو بسبب تجارب سلبية مرّوا بها تجاه الأماكن التي عاشوا فيها. ويرتبط هذا المفهوم الأخير بإشكاليات مثل: اندماج المهاجرين في بلدانهم الجديدة. أو شعور أبناء المهاجرين أو الأبناء مزدوجي الجنسيات بعدم الانتماء لبلدهم الأم، أو لبلدهم الذي هاجر أهلهم إليه. ولذلك، قد يفيد البحث في مثل هذه المجالات في تحديد سياسات الهجرة، والاندماج والعدالة الاجتماعية، ضمن عدة تطبيقات أخرى.

تطبيقات نظرية التعلق المكاني

في عالم متسارع الحركة والهجرة والتنقل، يصبح فهم تعقيدات تعلقنا بالأماكن المختلفة أكثر أهمية. وتشمل تطبيقات البحث حول التعلق المكانيّ دراسة التنقل والهجرة، والأزمات البيئية، والمشادّات بين الفئات المجتمعية المختلفة في بيئة واحدة، والتحديات التي تواجه التخطيط العمراني.

ففي مجال التنقل والحركة والعولمة، يساعدنا البحث حول مشاعر التعلق بالنتائج المترتبة عن كثرة التنقل أو التهجير. كما يمكّننا من تحليل الكيفية التي يتأقلم بها المهاجرون في بيئاتهم الجديدة. وكيف يمكن توفير بيئة آمنة وصحية لأقليات وأعراق مختلفة، لتتعايش فيما بينها وتشعر بالانتماء والتعلق بالأحياء التي يسكنونها. كل ذلك دون أن تفقد هوياتها أو تشعر بأنها في غيتو أو منفى.

كما يمكن للسياسيين ومسؤولي السياسات الوطنية أن يستفيدوا من نظريات التعلق المكاني، لفهم الاضطرابات التي تحدث عند وفود جماعةٍ ما إلى منطقة معينة. مثل وفود السكان السود إلى الأحياء البيضاء في جنوب إفريقيا. ففي مثل هذه الحالة، تلعب التغطية الإعلامية، والسرديات الوطنية دورًا في تأجيج أو تخفيف حدة الشعور بفقدان هوية الأماكن المختلفة.

أما في مجال التخطيط العمراني، فيتيح البحث في التعلق المكاني للسكان أدوات للتفاعل المجتمعي مع خطط التطوير والتخطيط. حيث يصبح للسكان رأيٌ في الخطط الحضرية يحفظ هوية الأماكن ورمزيتها. كما يمكن للإدارات الحضرية أن تستغل تلك الدراسات للحفاظ على منشآت أو أماكن معينة، كرموز ومعالم لها رمزيتها ومعانيها التي يتعلق الناس بها. كما يساعدنا البحث عن علاقة البشر ببيئتهم وتقييمهم لها على فهم ظواهر كشعور الناس بخطر الجرائم حتى لو انخفضت معدلاتها. شاركنا تجربتك في التعلق بالأماكن في التعليقات.

ما هي الفلسفة اللا إنجابية ومبرراتها؟

الفلسفة اللا إنجابية ومبرراتها

يمكن تعريف الفلسفة اللا إنجابية على أنها الفكرة التي تنادي بوجوب عدم ولادة الكائنات البشرية والكائنات الحية. وهذا المذهب الفلسفي يقوم على أسسٍ ومبادئ وأفكار تبرر الدعوة إلى عدم إنجاب الأطفال وتصنيفه على أنه فعل لا أخلاقي. وتختلف عن عدم الإنجاب الطوعي لأنه عبارة نمط حياة يختاره المرء لأسباب تكون في غالب الأحيان شخصية، وليس دعوة عامة [1].

تعود أفكار رفض الولادة إلى زمن بعيد، ويمكن إيجاد بذورها عند الإغريق القدماء. كما أثرت تلك الأفكار على الأدب والفلسفة الأوروبية حتى يومنا هذا. سنستعرض في هذا المقال الأسباب المختلفة لدعاة اللا إنجابية ومبادئهم، كما سنطرح وجهات نظر جدلية لهذه الفلسفة [pdf].

مبررات اللا إنجابية

يمكن تصنيف مبررات مناهضي الإنجاب حسب موقفين اثنين، أولهما خيري للبشر والثاني كاره للبشر [2].

الموقف الخيري للبشر

يؤكد الموقف الخيري للبشر (Philanthropic) على محبة البشر والثقة بهم، ويركز على فكرة الأذى الواقع على أولئك الذين يأتون إلى الوجود. وينادي هؤلاء بأن الإنجاب يجب أن يكون غير مسموح في كل الحالات ومع كل الاعتبارات. يستند هذا الموقف على أكثر من حجة وجدلية طرحها عدد من الفلاسفة [2].

عدم التماثل

تحدث الفيلسوف ديفيد بيناتار (David Benatar) حول فكرة عدم التماثل (asymmetry) بين المتعة والألم، والتي شرحها في كتابه من الأفضل ألا تكون موجودًا: ضرر الوجود (Better Never to Have Been: The Harm of Coming into Existence) (2006). في هذا الكتاب، يؤكد بيناتار أن عملية الإنجاب دائماً ما تنطوي على ضرر أو أذى يلحق بمن يأتي إلى الوجود. ويوسّع نقاشه إلى أبعد من دائرة البشر، فيرى أن كافة المخلوقات التي تشعر أو تدرك بما حولها تعيش حالة من الأذى عندما تأتي إلى الوجود. وبما أن هذا الأذى أمر محتم، من الأفضل ألا يأتي أحد إلى هذا الوجود منعاً للضرر، خاصة وأن عدم إنجابهم لن يتسبب بضرر لأيّ كان. وقد دعم بيناتار طرحه هذا بحجة عدم التماثل بين فكرتي الوجود وعدم الوجود، وكل من الألم والمتعة المنطويان عليهما.

ويمكن تلخيص فكرته بأن غياب الألم هو أمر جيد، حتى وإن لم يشعر أحدٌ بهذا الأمر الجيد، ولكن غياب المتعة هو ليس أمراً سيئاً طالما أنها لا تُسلب من أحد. ويشرح بيناتار هذه الفكرة وفق الجدولين التاليين:

العلاقة الأولى تمثل فكرة الوجود وتبعاتها من ألم ومتعة:

سيناريو الإنجاب

العلاقة الثانية تمثل فكرة عدم الوجود وتبعاتها من ألم ومتعة:

سيناريو اللا إنجاب

وما يصل إليه بيناتار هنا أن فكرة حصول الإنسان على المتعة من حياته لا تعني أن الوجود هو أفضل من عدمه. وعند عدم قدوم الإنسان إلى الوجود، لن يكون هنالك من يفتقد هذه المتعة، وبالتالي فإن غيابها ليس أمراً سيئاً. كما يعتبر بيناتار أن من يرى نفسه سعيداً في الوجود ولا يعتبر نفسه ضحية أذى أو ضرر هو واهم. ويفسر تقييم الناس الإيجابي لحياتهم على أنه ناتج عن مظاهر نفسية معينة لا عن نوعية الحياة الحقيقية [2].

فرض الوجود على البشر

من الطروحات الأخرى التي قدمها اللا إنجابيون المؤمنون بخيرية البشر أنه يستحيل الحصول على موافقة أحد على خلقه. وبالتالي فإن الإنجاب ينطوي بالضرورة على خلق ضحايا واستغلال الأطفال الرضع للحصول في النهاية على أشخاص بالغين راشدين. أي أن الأذى الواقع على الفرد القادم إلى الوجود هو أذى كبير ولم تتم الموافقة عليه، وبالتالي من يود الإنجاب لن يكون قد حصل على موافقة مفترضة من صاحب الشأن في هذا الفعل. بالمقابل، عند عدم إحضار شخص إلى الوجود، لن يكون هناك من يتعرض للأذى؛ لن يكون هناك أي شيء [2].

والخلاصة أن الجدلية التي تحمل راية خير البشر تقوم على مبدأ أنه بسبب الأذى الواقع على الفرد عند إحضاره للوجود، يعتبر الأنجاب تصرفاً خاطئاً بكل الأحوال وفي كل الظروف.

الموقف الكاره للبشر

يتمثل الموقف الثاني المناصر للإنجابية بجدلية كارهة للبشر (Misanthropic). وعلى عكس الآراء الخيرة للبشر، تركز هذه الفكرة على الأذى الذي يسببه البشر عند خلقهم. وترى أنه من غير المسموح، في أغلب الحالات، إنجاب البشر. أو على الأقل يجب أن يكون هذا غير مسموح في ظل الوضع الحالي الذي يتم فيه الإنجاب. مجدداً، يظهر اسم الفيلسوف ديفيد بيناتار في هذا النقاش. ويطرح فكرته في إطار النقاش التالي:

الجدلية الكارهة للبشر

ويعدد هذا المبدأ أنواع الأذى الذي يتسبب به البشر بعد إنجابهم. فمنه ما يتمثل بأذى للبشر الآخرين، ويأتي بالمرتبة الأولى بقتل البشر لبعضهم. كما يمكن أن يأتي على هيئة اغتصاب واعتداء واستعباد وتعذيب. ولا يتوقف على هذا، بل يمتد ليشمل الكذب والسرقة والغش والخيانة، وغير ذلك. ومن النادر تحقيق العدالة حتى عند السعي وراءها، والأمثلة على هذا كثيرة [2].

يتسبب البشر أيضاً بأذى للحيوانات بأنواع وأشكال متعددة ولا يمكن حصرها. فمعظم البشر ليسوا بنباتيين (vegetarian) أو خضريين (vegan)، وهذا ما يجعلهم شركاء ضمنيين للعذاب الذي يقع على الحيوانات بسبب البشر. يضاف إلى هذا التجارب التي تقع على الحيوانات لأغراض العلم، والأذى المتعمد لمجرد التسلية، وغير ذلك. وبنفس السياق، لا يمكن تجاهل الأذى الذي يحدثه البشر للبيئة، والأمثلة عديدة من التلوث والمشاكل المناخية التي تتسبب بها المصانع والنشاطات البشرية. ومع التضخم السكاني على مستوى العالم، من المستحيل خفض حدة الأثر السلبي الناتج على البيئة.

وبهذا يتلخص نقاش كارهي البشر حول عدم الإنجاب بأهميته لتفادي الضرر الذي يسببه البشر عند وجودهم على عدة أصعدة.

وجهات نظر مختلفة عن الفلسفة اللا إنجابية

تختلف الآراء من هذه الفلسفة باختلاف العقائد والمبادئ. وقد تكون المجموعات المتدينة من أكثر الرافضين لها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالديانات التوحيدية. حيث يحمل المؤمنون بها فكرة أن الوجود بطبيعته هو أمر جيد. ولا يخلو رد اللا إنجابيين هنا من الإشارة إلى العذاب الذي تنطوي عليه حياة البشر بالمجمل. كما يطرحون التساؤل التالي: إذا كان الوجود أمراً جيداً بحد ذاته، لماذا لا يسعى من يؤمن بهذه الفكرة إلى إنجاب أكبر عدد من الأطفال إذاً؟ [2]

بالطبع لا تخلو الفلسفة من الجدل والنقاش، وأحياناً تنبع التساؤلات من قلب الفكرة الأساسية. فهنا مثلاً، إذا تبنى البشر فلسفة اللا إنجابية، ستكون النتيجة انقراض الجنس البشري طوعاً. وهذا يعني أن البشر الموجودون حالياً – أي من يفترض أنهم سيطبقون عدم الإنجاب – سيكونون الجيل الأخير. سيتناقص عدد من تبقى موجوداً بالتدريج، وتزداد الصعوبة على القلة التي ستبقى حتى النهاية. وتتمثل المشكلة هنا في النظر إلى الأذى الذي سيقع على آخر أفراد الجنس البشري – في حال تطبيق اللا إنجابية – وهل هذا الأذى هو فعلاً أقل من الأذى الناتج عن الوجود؟ بالنسبة للفيلسوف بيناتار ومن يتفق معه، يبدو أنهم يؤمنون بأن عذاب الوجود يفوق بشدة العذاب الذي سيتحمله آخر البشر في مسيرة اللا إنجاب. وعليه، يتمسكون بتوصياتهم بالانقراض الطوعي للجنس البشري [2].

المصادر

What is anti-natalism

Anit-Natalism – Internet Encyclopedia of Philosophy

ما هو القانون الدولي وكيف بدأت العلاقات الدبلوماسية؟

القانون الدولي

عرف القانون الدولي على أنه وسيلة لربط البلدان وحل النزاعات عن طريق الحوار والتفاوض بدلًا من الحرب. ولضمان حماية وسير المصالح بين الدول. وللقانون الدولي نوعان من المصادر؛ أصلية وثانوية. المصادر الأصلية هي التي يرجع إليها لاكتشاف القواعد القانونية وتحديد مضمونها. على عكس المصادر الثانوية التي لا تنشئ قوانين دولية بل يستعان بها للدلالة على وجود إحدى قواعد القانون الدولي ولمعرفة طريقة تطبيقها.

المصادر الأصلية

  • الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحةً من جانب الدول المتنازعة.
  • العرف الدولي المعتبربمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.[1]
  • التشريعات الداخلية والمقصود منها هو المبادئ العامة للقانون الداخلي التي يمكن تطبيقها على النطاق الدولي عند عدم وجود مصدر قانوني آخر.

المصادر الثانوية أو الاستدلالية

  • اجتهاد المحاكم مثل محكمة العدل الدولية ومحكمة التحكيم الدولية الدائمة وهي المصدر الاستدلالي الأول للقانون الدولي.
  • الاتفاقيات الثنائية التي تبرم بين دولتين لا أثر لها في خلق قواعد عامة تحكم العلاقات الدبلوماسية. وسبب ذلك راجع إلى نوع هذه الاتفاقيات والغرض الذي تقوم من أجله كتقرير تبادل التمثيل الدبلوماسي بين دولتين. وعلى هذا، فإن الاتفاقيات الثنائية لا ترسم إلا البنود العريضة للعلاقات الدبلوماسية بين دولتين. ولا يجوز التمسك بها في العلاقات مع الدول الأخرى التي ليس طرفاً فيها.

المعاهدات الدولية

أدت النزاعات الطائفية على مدى التاريخ إلى الحروب. وإحدى أشرس هذه الحروب هي حرب الثلاثين عاماً. حيث كانت الإمبراطورية الرومانية أهم أطرافها، وبين الدول الأوربية نتيجة للخلافات الدينية بين مؤيدي الكنيسة ومناهضيها ولأسباب سياسية أخرى. واستخدمت فيها جيوشاً من المرتزقة أدت الى جرائم حرب فادحة.

تعتبر «معاهدة وستفالية-«Treaty of Westphalia الموقعة عام 1648 نقطة الانطلاق في تاريخ القانون الدولي بالنسبة لموضعه الحالي. فقد اختتمت بها حرب الثلاثين عاماً. وكان الهدف منها تسوية النزاعات بشكل عام والنزاعات الدينية بشكل خاص. وقد تعهد ملوك السويد وفرنسا بضمان شروط هذه المعاهدة. [2]

غير أن هذا لا يعني أن الاتفاقات الدولية لم يكن لها وجود قبل ذلك التاريخ. فبعضها ذات صفة عارضة، لا يحكمها سوى بضعة قواعد عرفية نتيجة التقاليد. والبعض الآخر لاعتبارات دينية أو فلسفية، مما يجعلها تختلف في أسسها عن مبادئ القانون الدولي المعروف حالياً.

أقدم سوابق الحد من استخدام أسلحة الدمار الشامل

كان استخدام الفيلة في الجيوش الرومانية إما ممنوعاً أو غير مشجع عليه. ولذلك عقدت «معاهدة أفاميا-Treaty of Apamea» عام 188 ق.م التي أنهت الحرب بين روما والمملكة السلوقية في سورية. وأجبر الرومان الملك السلوقي (أنطيوخوس الثالث) على تدمير قوته الأساسية وهي الفيلة. ويمكن اعتبار هذا الشرط من أقدم المحاولات القانونية للحد من استعمال أسلحة الدمار الشامل في الحروب. حيث كان استخدمت الفيلة في الحروب كسلاح تدميري فتاك. [3]

العلاقات الدبلوماسية في عهدها الأول

كانت العلاقات الدولية في العصور القديمة ضيقة ومحدودة لا تتعدى الشعوب المتجاورة. وكان موضوعها في أغلب الأحيان عن الحروب التي شنتها هذه الشعوب على بعضها، وما تتضمنه من تحالف سابق أو صلح لاحق.

الشعوب الآسيوية والإفريقية

وجدت في العصور القديمة علاقات دولية قوية بين الشعوب الآسيوية والإفريقية كشفت عنها آثار بابل وآشور ومصر والصين والهند. فلقد أبرم حاكم مصر رمسيس الثاني معاهدة مع خاتوسل ملك الحيثين عام 1278ق.م من أجل إقامة سلام وتحالف دائم بينهما.[4]

اليونان

كانت مدن اليونان القديمة الوحدات السياسية المتعاملة مع بعضها، وشهدت هذه المدن أنظمة حكم وفلسفات مختلفة. ومرت بثلاثة مراحل، تمثلت المرحلة الأولى في حملة الأعلام البيضاء حيث أصبغت على هؤلاء سلطة شبه دينية. ووضعوا تحت حماية الإله هرمس. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الخطباء وهي مستوى أعلى من مستوى الأعلام البيضاء. وكان اختيار المبعوثين يتم من بين الحكماء والفلاسفة. أما المرحلة الثالثة فكانت مرحلة ازدهار نظام الدولة المدنية. [5]

الرومان

اعتمدت الإمبراطورية الرومانية على مبدأ السيطرة واخضاع شعوب المناطق الأخرى وفرض سلطانها عليهم. وبالرغم من ذلك، ظهر بها مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم العلاقات التي تنشأ بين الرعايا الرومان وبين رعايا الشعوب التابعة لروما لضمان حمايتهم ومنع استرقاقهم على عكس الشعوب والقبائل الأخرى.

المراجع

  1. المركز الديمقراطي العربي 2016
  2. شبكة الجزيرة الإعلامية 2017
  3. History world
  4. Oxford University press
  5. المركز الديمقراطي العربي

مدخل إلى الأخلاقيات في العمل

ما هي الأخلاقيات؟

تشكّل الأخلاقيات أساساً لعمليات اتّخاذ القرار سواءاً في الحياة اليومية أو في الأعمال. فسيرة الإنسان تحددها مجموعة قراراته، الصغير منها والكبير. وتأخذ عملية اتخاذ القرار شكل السلسلة -كما في لعبة كانسة الألغام-، حيث يفتح كل قرار الباب لمجموعة أخرى من القرارات، وهذا يعني أن قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات الصحيحة بشأن ما هو صائب وما هو خاطئ هي الحد الفاصل بين حياة ناجحة وحياة أقل نجاحاً.

وتوفّر الأخلاق مجموعة من معايير السلوك التي تساعدنا على تحديد التصرّف المناسب للمواقف وأبعاد تصرّفاتنا على حيوات الآخرين. فالأخلاق على اختلاف مناهجها هي الأساس الذي نأخذ به في عملية صنع القرار، وهي التي توفّر لنا الأسباب والحجّة لاتّخاذ أحد القرارات دون غيره [1].

يتقاطع هدف الأخلاق مع هدف القانون، وأيضاً مع هدف الدين بشكل جزئي في أن الثلاثة يوفّرون إجابات عن أسئلة كيفية العيش مع الآخرين. لكن بالرغم من أن العديد من الأديان تشجّع اتخاذ القرارات الأخلاقية إلا أنها لا تعالج النطاق الكامل للخيارات الأخلاقية التي نواجهها. وقد يخيّل لنا أن القانون بدوره أيضاً يوفّر أرضية مرجعية للأخلاق إلا أن القانون يُبنى بمبادئ توجيهية عالمية، وغير قادر على الاستجابة للسياقات الفردية -جميع المواقف التي نجد أنفسنا إزائها في حياتنا الفردية-. فضلاً عن أن القانون بطيء في معالجة المشاكل. ويواجه صعوبة في تصميم وتطبيق المعايير الأخلاقية في بعض المجالات الهامة [1].

كما أن الإنسان في سياق حياته اليومية قد يقع في فخ اعتبار أن الأخلاق واحدة. فيخلط الأخلاق بعضها ببعض، كما قد يخلط بين الطرق والأساليب لتنفيذ القرارات الأخلاقية والقرارات الأخلاقية ذاتها. ويمكن أن يفيد الوعي بالمغالطات المنطقية في الحد من هذا الخلط. حيث يعتمد القرار الأخلاقي على قيم معينة تتعلق بالجدارة والثقة، والاحترام، والمسؤولية، والإنصاف، والرعاية والمواطنة الصالحة. وتولّد القرارات الأخلاقية سلوكيات أخلاقية بدورها، وتوفّر أساساً نظرياً للأخلاقيات في العمل [2].

أهمية أخلاقيات العمل

تأتي أهمية الأخلاق في العمل على أساس المسؤولية المشتركة للعاملين، وذلك في ثلاثة مواضيع [2]:

  • الحفاظ على ثقة الجمهور.
  • إنفاق واستخدام الموارد بالطريقة المُثلى.
  • المسؤولية أمام أصحاب المصلحة من مانحين ووكالات تمويل وطلاب وأولياء أمور.. الخ.

ومن الممكن توزيع القيم الأخلاقية الأساسية في عالم الأعمال إلى مجموعة القيم التالية [2]:

  1. الجدارة بالثقة: افعل ماستقول أنك ستفعله. تصرّف بنزاهة، واوف بالوعود، واجعل أفعالك تتسق مع أقوالك. كن مخلصاً لمن لم يكن حاضراً، وحافظ على السمعة الطيّبة.
  2. الاحترام: معاملة الآخرين بأفضل مما يعاملوك. كُن منفتحاً ومتسامحاً مع الخلافات، وراعِ الآخرين وهذّب تدخّلاتك، وتعامل بسلام، وعامل الآخرين بالطريقة التي يريدون أن يُعاملوا بها.
  3. المسؤولية والإنصاف: افعل ما هو متوقّع منك فعله وتحرّى العدالة في سلوكك وأحكامك. وحافظ على الانضباط الذاتي، وفكر مليّاً قبل الفعل، وتحمّل مسؤولية أفعالك، ولا تتحيّز، واسمع للآخرين.
  4. الرعاية: أظهر اهتمامك وعبّر عن امتنانك، واغفر للآخرين، وساعد من يحتاجك.
  5. المواطنة: لتكن عضواً فاعلاً، تعاون مع زملائك في العمل، وشارك معلوماتك، وابق على اطلاع، وأحسن للجوار. التزم بالقانون، واسعى للصالح العام.

وتقوم الكثير من المؤسسات والشركات بصناعة مدوّنة سلوك يوقّع عليها الموظف حال التحاقه بالوظيفة. ومدونة السلوك هي إحدى طرق التحدث بوضوح ومشاركة الأخلاقيات المهنية. تشمل أيضاً مشاركة العواقب التأديبية التي تلزم خرق مدوّنة السلوك هذه، غير أنه ثمة مدوّنات أخلاقية أخرى تتعلّق بحساسية وطبيعة مهن معيّنة مثل قسم أبقراط في المجال الطبّي. والمدوّنة الأخلاقية أو ما تسمّى بمدوّنة السلوك تهدف بشكل عام إلى منع الفساد، والحفاظ على أداء صحيح، ومشرّف، ولائق ويمنع تضارب المصالح [3].

بحث في أساس أخلاقيات العمل

إذا ما وضعنا الأخلاق تحت المجهر سنجد أنه لا وجود لنهج أخلاقي واحد مثالي وكافي. وإنما هناك مناهج أخلاقية متنوّعة قد تشترك في نواحي وتتباين من نواحي أخرى. وهي تعمل إلى جانب بعضها البعض بحسب إملاءات سياق اتخاذ القرار، وبحسب ميولات المشاركين في عملية صنع القرار. ومعرفتنا لهذه الأنواع الأخلاقية تزيد من قدرتنا -كصنّاع قرار- على الحوار مع الآخر، و تحسّن من القدرة على تفّهم منطلقاته النظرية. مما يجعلنا نهتدي إلى القرارات الصائبة دون إلحاق الضرر بعملية التواصل والحفاظ على بيئة عمل تعاونية.

أولاً) منهج الصالح العام وتاريخه

من الممكن أن يكون الكذب فعل أخلاقي عند التركيز على العواقب.

أصل هذه النهج الفيلسوف اليوناني أبيقور «270-347 D.C» مؤسس الفلسفة الأبيقورية. والتي ذهبت إلى أن المتعة هي القيمة الجوهرية للإنسان، أما باقي الأمور هي مجرد طرق لتأمين هذه المتعة.

خضعت هذه الأخلاق إلى تطوير على يد الفيلسوف البريطاني جيريمي بينثام «1748-1832». حيث صنّف في نظامه الأخلاقي الأفعال الجيدة تبعاً لمقدار ما تجلبه من متعة، وتحجبه من ألم، وذلك لمجموعات من الناس وليس للفرد الواحد نفسه. وذهب بعدها جون ستيورات ميل «1806-1873» إلى أن الأمر ليس حكراً على المتعة المادية فقط، بل بمقدار ما يجلب سلوكنا من سعادة للكم الأكبر من الناس. ومنهج “الصالح العام في الأخلاق” مستمد من هذا النوع، وتبلور بشكل خاص مع أفلاطون «347-427 ق.م» وأرسطو «322-384 ق.م». ودعمه فلسفة جان جاك روسو «1712-1778»، حيث يتحدد الفعل الجيد بحسب هؤلاء الفلاسفة بقدر ما يساهم في الحياة المجتمعية الأخلاقية، ويؤكد هذا النهج على الاحترام والتعاطف مع الآخرين ويأخذ ويسترشد بالإرادة العامة. [2]

ثانياً) منهج الواجب وتاريخه: التركيز على الواجبات والالتزامات

الكذب غير أخلاقي، بغض النظر عن العواقب.

يعود أصل المنهج الفعلي إلى كانط «1724-1804»، إلا أن بعض الفلسفات الدينية تعرّضت له بشكل غير مباشر، مثل أعمال القديس أوغسطين «350-430». ويشدد هذا النهج على أهمية الإرادة الشخصية والنية في اتخاذ القرار الأخلاقي. وعند كانط لا يتعلق فعل الصواب بعواقب أفعالنا، فهي أشياء لا سيطرة لنا عليها في النهاية. بل الصواب متعلق بالنوايا السليمة، والنابعة من حتمية الواجب الإنساني الذي يتلخّص بالتالي: “تصرف بطريقة تعامل الإنسانية، سواء في شخصك، أو في شخص آخر. ودائما كغاية لا كوسيلة حتى النهاية”.

ويندرج قانون حامورابي الذي ينص على وجوب معاملة الأحرار على حد سواء، والعبيد على حد سواء، وبدون الاهتمام بالعواقب ضمن هذا النهج. كما تندرج الأخلاقيات الدينية المستمدة من الأمر الإلهي ضمن هذا النهج أيضاً. فالمعيار الأخلاقي بحسب الأخلاقيات الدينية هو ما يقرّه الله في شرعه وما يلزم أتباعه به، دون أن يلزَم الله بمعيار معين للصواب والخطأ [2].

ثالثاً) منهج الفضيلة وتاريخه: التركيز على الشخصية التي يجب أن نكونها

من يكذب، يمكن أن يقوم بأي فعل آخر غير أخلاقي، وهذا الشخص ليس فاضلاً.

ليس لهذا المنهج أصل معيّن إلا أن له شعبية في حضارات شرق آسيا، ويظهر في تعاليم كونفوشيوس «551-479 ق.م». حيث يؤكد كونفوشيوس على أن الخلوق هو الذي يتصرف بذكاء وبطريقة مناسبة في مجموعة متنوعة من المواقف. والأخلاق حسب منهج الفضيلة لا ترتبط بسلوك معين يقوم به الشخص في موقف معين، بل هي سمت لهذا الشخص. ويجب أن تتجسّد الفضائل الإنسانية المُثلى في حياته ككل، ووفق هذا الإطار يعمل منهج الفضيلة. وحسب أفكار كونفوشيوس؛ فإن أخلاق الفضيلة تُعلّم بالقدوة، وعملية التدريب والتعليم الأخلاقي هي أمر جاد وملزَم [2].

ثلاثة أطر لأخلاقيات العمل

تتطلب عملية اتخاذ قرارات أخلاقية جيّدة حساسية مدرّبة، وطريقة في موازنة الاعتبارات التي يجب أن تؤثر على اختيارنا لمسار العمل. حيث تشكّل عملية اتخاذ القرار بطريقة أخلاقية منتظمة “حدساً أخلاقياً”. هذا الحدس سيمكّننا من التقرير الأخلاقي التلقائي. ويشبه هذا الأمر العزف على البيانو و قيادة السيّارة. وبما أنه لا يوجد نظرية أخلاقية مثالية تصح في كافة السياقات، فمن الضروري التفكير وفق ثلاثة أطر:

مصدر: https://www.brown.edu/academics/science-and-technology-studies/framework-making-ethical-decisions

والملاحظ أن الأسئلة الأخلاقية في كل إطار غير متعارضة، إلا أنه يمكن استخدام كل إطار بهدف تحقيق بعض التقدم في تقديم إجابات لأنفسنا وللآخرين. ففي كثير من الحالات، قد تؤدي الأطر الثلاثة إلى استنتاجات متشابهة حول ما يجب فعله. إلا أن الأطر المختلفة قد تعطي أسباب مختلفة للوصول إلى هذه الاستنتاجات.
ومن الخطوات التي تمر بها عملية التقرير هي [1]:

  • تحديد الجوانب الأخلاقية للمسألة المطروحة.
  • الأخذ بالاعتبار جميع مصالح الأطراف المعنية.
  • جمع كل المعلومات ذات الصلة.
  • صياغة الإجراءات والنظر في البدائل عن طريق الأسئلة التالية:
    • نفعي أوّلي: ما الإجراء الذي سينتج أكثر فائدة وأقل ضرراً؟
    • واجبي حقوقي: ما الإجراء الذي يحترم حقوق كل من له مصلحة؟
    • واجبي تحرّي العدالة: ما الإجراء الذي يعامل الناس على قدم المساواة؟
    • نفعي ثانوي: ما الإجراء الذي يخدم المجتمع ككل، لا بعض الأعضاء فقط؟
    • فضائلي: ما الإجراء الذي يقودني إلى التصرف كنوع الشخص الذي يجب أن أكونه؟
  • بعد صياغة الإجراءات يتم اتخاذ القرار.
  • معاينة النتائج وتقييمها والتفكّر فيما إذا كان من الممكن تغيير شيء ما لتحسين النتيجة.

الأخلاقيات الشخصية في مقابل الأدوار في العمل

ترتكز مرجعياتنا الأخلاقية على أحد المناهج الأخلاقية السابقة (منهج النفعية والصالح العام، أو منهج الواجب، أو منهج الفضيلة). إلا أننا قد نشهد تعارضاً بين أدوارنا في العمل وبين ما تمليه عليه أخلاقياتنا الشخصية. فكل مهنة تلعب دوراً في المجتمع وتتطلب ممارسات متخصصة للوصول إلى الأهداف المهنية. لكن في الوقت ذاته، قد نكون أمام مواقف مثيرة للجدل، وإليكم مثالاً عن هذه المواقف [3].

توصيف الحالة: لدى منظّمة خيريّة هدف الحصول على طعام لمنطقة تعاني من مجاعة، وتعيّن عليها اختيار أشخاص لتلبية أدوار مختلفة في توصيل الطعام. من هؤلاء المختارين موظّف لديه شاحنات لنقل الطعام من المخزن إلى الأشخاص المحتاجين. ويتّضح أن هذا الشخص منخرط في أنواع غير قانونية من الأنشطة مثل الابتزاز. وله سوابق في استخدام المال الذي يوفّره له صاحب المصلحة (المنظمة في حالتنا هذه)، وذلك في أغراض غير قانونية. وهذه الممارسات تتسبب في حصول تهديدات وأضرار فعلية لأشخاص آخرين. غير أن ثمة حاجة لهذه الشاحنات ولا توجد وسيلة نقل أخرى متاحة.

التعارض الأخلاقي: إعطاء الأعمال إلى مجرم هو دعم غير مباشر للأنشطة الإجرامية.
كيفية الحل: يمكن للموظف حل المأزق عن طريق استراتيجية لوبان المؤلفة من أربع خطوات [4]:

  1. أن يكون الفرد قادراً على تبرير المؤسسة الاجتماعية ذات الصلة بناء على الصالح الأخلاقي الذي تقوم به.
  2. تبرير دوره المهني بناءاً على هيكل المؤسسة.
  3. تبرير الالتزام بدور خاص -والذي يعتبر قيد البحث- من خلال توضيح أن السلوك المطلوب ضروري لذلك الدور.
  4. تبرير الفعل الذي يتطلّبه الدور من خلال توضيح أن الالتزامات بالدور تتطلّب هذا الفعل.

وإذ كان هناك ترابطاً في الإجابات؛ يكون من الواجب القيام بالفعل، وإن تعارض مع الأخلاقيات الشخصية. وهذه الخطوات عبارة عن إطار إرشادي فقط يوفر مساءلة نقدية لدورنا المهني. وعليه؛ قد يجد الموظّف المسؤول عن التعاقد مع موظف الشاحنات؛ أنه لا ينبغي أداء المتطلّب المهني هذا.

مثلاً: إذا توفّرت شاحنات أخرى لكن الحصول عليها يستلزم جهد إضافي، فلا يوجد حينها خطأ في اتباع الخطوتين 1و 3. لكن الخطوة 4 ستكون غير ممكنة حيث التزامات الدور تفترض هذه المهمة. وهنا نجد أن التعارض بين الأخلاقيات المهنية والشخصية تعارض وهمي.

مغالطات أخلاقية

تؤدي اللامبالاة بعملية اتخاذ القرار، أو عدم توافر الوعي الأخلاقي عند من يقوم باتخاذ القرار إلى مجموعة من المغالطات، نذكر منها [2]:

  1. هذا ضروري إذن هو أخلاقي: حيث ليس كل ما هو ضروري هو أخلاقي.
  2. فخ الضرورة الزائف: قد نبالغ في تقدير تكلفة القيام بالشيء الصحيح، ونصوّب تفكيرنا تجاه تنفيذ الأمر بأي وسيلة ممكنة. وعلينا أن نستحضر هنا أن الضرورة تفسير وليست حقيقة.
  3. إذا كان الأمر قانونياً وجائزاً، إذن هو مناسب: ليس كل ما هو قانوني أخلاقي بالضرورة. حيث أن ما هو متاح فعله حسب اللوائح القانونية، لا يعفينا من مهمة أن تكون لنا أخلاق شخصية.
  4. إنها مجرد جزء من الوظيفة: كون الفعل جزء من الوظيفة لا يعني أن الفعل أخلاقي بالضرورة أو يصح في كافة السياقات. فالأشخاص الواعون يشعرون أنهم مبررون للقيام بأشياء في العمل يعرفون أنها خاطئة في سياقات أخرى.
  5. كنت أفعل ذلك من أجلك فقط: هذا التبرير يضع قيمتي الصدق والاحترام مقابل قيمة الاهتمام. كما يبالغ في تقدير رغبة الآخرين في الحماية من الحقيقة، وهو التبرير الأساسي للكذبة البيضاء.
  6. الجميع يفعل ذلك: لا يمكن أن نأمن لأرقام الجموع التي تفعل أمر ما للتدليل على صحّته أخلاقيًا. وتنطوي هذه المغالطة على خلط بين السلوكيات، والعادات الثقافية، والتنظيمية، والمهنية والمعايير الأخلاقية.
  7. حان الوقت: حيث يشعر من هو مرهق أو يتقاضى راتب منخفض أن الوقت حان لبعض الامتيازات البسيطة. ويعتبرها تعويض عادل لقاء خدماته المقدّمة. ومنها قبول الإكراميات، واساءة استخدام الإجازة المرضية، والاستخدام الشخصي للوازم المكتبية، إلخ.
  8. أنا فقط أحارب النار بالنار: وهذا افتراض خاطئ. يُبنى على أساس ردة الفعل، فلا أخلاقية الشخص الآخر معي يعني أن سلوكي غير الأخلاقي معه مبرر بدوره. وهذا الأمر يعرّض نزاهتك للخطر.

في الوقت الذي نلعن به الظلام، لابد أن نشعل شمعة. وكما تعج أعمالنا اليومية بمواقف تتطلّب منا اتخاذ قرارات صائبة، من المفيد أن نشعل الشموع عوضاً عن تحطيم ما تبّقى منها. ومن المهم التفكير بإنسانية ومسؤولية حول مواقفنا وأفعالنا، وآثار هذه الأفعال ليس فقط على الآخرين، بل على أنفسنا أيضاًَ كأثر رجعي. لعلّ هذا التفكير يكون معدياً ويمكّننا من العيش السعيد.

المصادر

[1] Brown University
[2] UC SanDiego
[3] UNODC
[4] .Lawyers and Justice: An Ethical Study, Luban David

مبدأ عدم الضرر في التدخّلات الإنسانية

مبدأ «عدم الضرر – Do Not Harm»

اشتهر في الأوساط الطبية قَسَم سمّي «قسم أبقراط – Hippocratic Oath». ويعتمد هذا القسم على نص أصلي تم تكييفه بحسب الثقافات، إلا أنه حافظ على قوامه المعنوي وأصل فكرته. وتدور فكرة القَسَم حول القول الأشهر المنسوب إلى أبقراط بترجمة لاتينية ” primum non nocere”  ومعناها بالعربية “أولاً، لا تؤذي” وذلك كأساس للتدخّلات الطبّية [1].

وقد ورد في السياق نفسه لدى أبقراط في أعماله عن الأوبئة؛ عبارة يونانية ترجمت إلى التالي:

“في حالة المرض، يجب على المرء أن يضع في اعتباره شيئين، ليكون مفيدًا لا يسبب ضررًا” [1].

أبقراط

ولا تنحصر الإشارة إلى تجنب الضرر عند أبقراط، فالمفهوم بدوره تناوله التراث الإنساني العقائدي والديني. حيث عرّجت بعض الديانات والأيديولوجيات على أهمية عدم الضرر بالآخر كناموس أخلاقي. فنجد في الإسلام -نموذجاً- حديث نبوي مروي عن أبي سعيد الخدري: “لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضارّه الله، ومن شاقَّ شقَّ الله عليه” [3]. ومعنى هذا أن الإنسان لا يجوز أن يضر بنفسه ولا بغيره، وفي هذا توسعة لمفهوم الضرر يشمل الضرر بالذات أيضاً.

تعريف الضرر

يرتبط مفهوم الضرر بالحرية وحدودها في القول المشهور الذي نُسب لأكثر من قائل: “ينتهي الحق في تأرجح ذراعي في أي اتجاه حيث يبدأ أنفك” [4]. ويشيع في الأوساط الشعبية قول مجهول المصدر “أنت حر ما لم تضر”. كما نجد فيما كتب «ستيورات ميل – John Stuart Mill» في كتابه “الحرية” عن دور السلطة في منع الضرر يقول:

“أن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بشكل صحيح على أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر، رغماً عنه، هو منع إلحاق الأذى بالآخرين” [5]

جون ستيوارت ميل

ويشمل الضرر أي إصابة جسدية أو عقلية، وهو شيء يتسبب في إصابة شخص أو شيء ما أو كسره أو جعله أقل قيمة أو نجاحًا. كما يمكن إطلاقه على كل فعل يشوّه أمراً أو يسبّب له التدهور والنقصان. ” [6] [7].

قد يبدو للوهلة الأولى أن التفريق بين الممارسات المضرّة وغير المضرّة بالآخر سهل، إلا أنه إذا أمعنا النظر في السلوكيات التي تصب في مصالحنا بعمومها، نجد أنها قد تتعارض مع مصالح الآخرين [8]. لذلك من اللازم أن نقوم بتحديد معنى الضرر الذي يجب تجنّبه كي لا يختلط الأمر علينا، أو نقع في فخ الأسئلة الخاطئة في مواجهة أنفسنا ومحاسبتها. مثلاً: إذا استفدنا من الفوز بترقية في العمل بينما يخسر المتقدمون الآخرون، فهل يعد ذلك ضاراً بهم؟

في الحقيقة سيناريوهات من هذا النوع قد تبدو مضللة، إلا أن الضرر الذي يجب تجنّبه هو ما يُعرف بوصفه؛ انتكاسة لمصالح مهمة تعود بالنفع على الآخرين. وفي السيناريو السابق ليس الترقي حكر على شخص معين، فالفوز هنا ما دام على أساس الجدارة فهو عادل. كما يروج في أحاديثنا اليومية إلقاء اللوم على الآخرين تحت تأثير من مغالطة السيناريو، كما في المثال التالي:

لو أن صاحب سيارة تركها في مكان عمومي مفتوحة الأبواب، فقادها اللص. وأثناء رؤيته لرجال الشرطة غير الاتجاه فجأة، وضاعف سرعته، الأمر الذي تسبب في وقوع حادثة سير؟ هل صاحب السيارة له دور في الضرر؟

الجواب هو لا. لأن السببية المباشرة هنا هي التي يتعين أخذها بعين الاعتبار في حدوث الضرر.

أهمية مبدأ عدم الضرر في العمل الإنساني والإنمائي

العمل الإنساني والإنمائي هو عمل ممنهج، وله ضوابط وقواعد تهدف إلى حشد القدرات والمعارف وتوجييها بطريقة واعية. وهذا من أجل تحقيق أثر إيجابي في المجتمع، وهذا النوع من الأعمال ينطوي على مخاطر مخفيّة يعايشها عاملو الميدان بشكل مباشر. حيث يوجد خيط رفيع بين إيذاء المجتمع وإفادته. وأساس التخطيط للتدخلات الناجحة المفيدة هي أن نسأل:

من؟ أين؟ ماذا؟ متى؟ لماذا؟ كيف؟ [9]

6 أسئلة رئيسية

ولهذا وجد نهج عدم الضرر DNH والذي يقوم على عدة خطوات [9]. وهي:

  1. تحليل السياق؛ وتحديد المنطقة، والسكان المعنيين، وأطراف النزاع (حكومة، ومجموعات عرقية، ومجموعات دينية). وتحديد الأسباب الجذرية للنزاع، والتدخلات المعمولة من قبل الفاعلين المجتمعيين الآخرين، وأيضاً من قبل الجهة نفسها.
  2. ما هي الأمور التي تساهم في تكريس النزاع وتعميقه (Dividers)؟ وما هو أكثرها تأثيراً؟ أيضاً ما هي الأمور التي تربط بين الناس (Connectors)، وما هو أكثرها تأثيراً؟ ومراعاة هذه العوامل أثناء العمل.
  3. قياس آثار التدخلات على عوامل الارتباط والانفصال (Dividers and connectors).
  4. كيف أثر تدّخلنا على المجتمع المضيف، وما هي خياراتنا الأخرى المتوافرة وكيف تؤثر على عوامل الارتباط والانفصال.

يشجع نهج عدم الضرر إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء، والتفكير مليّاً قبل التصرف. والهدف هو تعزيز تصميم المشروع وإدارته. أيضاً يفيد في منهجة طريقة عمل تسمح بفهم أفضل للآثار السلبية على المشاريع أو البرامج المستقبلية. وتعتبر الرغبة في علاقات جيدة مع المستفيدين هي جزء لا يتجزأ من التفكير بنهج عدم الإضرار [10].

والعمل على مبدأ عدم الإضرار في العمل الإنساني أساسي للعاملين الإنسانيين في مناطق النزاع. حيث يساعد على تحديد الأثار السلبية غير المقصودة للتدخلات الإنسانية والإنمائية في مناطق الصراع. ويمكن اعتماد هذا النهج في عملية التخطيط والمراقبة والتقييم للتأكد أن التدخل المعمول لا يؤدي إلى تفاقم الصراع بل يحسّنه [11].

محاذير العمل الإنساني والإنمائي

تفيد المنظمة السويدية “Swedish mission council” بأن هناك عدة أخطاء تتكرر بشكل كبير داخل العمل الإنساني وجب الإنتباه إليها وإلى أضرارها. فمن غير المعقول أن نساعد أحداً من ناحية ونضرّه من ناحية أخرى. وهي [12]:

  1. التناقض بين الأسلوب والفعل.

2. الإضرار بمصالح الناس.

3. التحيز في استهداف التوزيع لمجموعة من المجموعات المتنازعة دون الأطراف الآخرين.

4. التدخّل القاصر، الذي يقدم خدمة تساهم في تدمير نظام الخدمات الأخرى في المنطقة، ويؤثر على ما يربط الناس ويزيد من حدة العنف.

5. إعطاء أهلية وإضفاء صبغة شرعية للزعماء الذين نعمل معهم لتسهيل تقديم الخدمات الإنسانية.

وتفيد نتائج الاستطلاعات بأن اتّباع نهج عدم الإضرار في الأعمال الإنسانية يحسّن المساءلة تجاه المستفيدين، والعلاقات مع المستفيدين. كما يعزز فهم سياقات وديناميكيات المجتمع التي تتم فيها المشاريع. ويزيد أيضًا من درجة الثقة بالتدخّل المعمول من قبل الجهة في منطقة التدخل [10].

المصادر
[1] BMJ
[2] الطب ورائداته المسلمات، عبد الله عبد الرزاق مسعود السعيد.
[3] كنز العمال، الملتقي الهندي.
[4] Quoteinvestigator
[5] Stanford Encyclopedia of Philosophy Archive
[6] Britannica
[7] Merriam-Webster
[8] Ethics
[9] Oxfam
[10] Jean Charancle, Elena Lucchi, Incorporating the principle of “Do No Harm” How to take action without causing harm reflection on a review oh Humanity & inclusion’s practices.
[11] INEE
[12] Swedish mission council

عدم الإنجاب الطوعي واللا إنجابية والفرق بينهما

عدم الإنجاب الطوعي واللا إنجابية والفرق بينهما

يعد عدم الإنجاب الطوعي (voluntary childlessness) من المواضيع المثيرة للجدل في علم النفس وعلم الاجتماع والدراسات المتعلقة بالأسرة. وتكمن حساسية هذا الموضوع من النظرة السائدة في كثير من المجتمعات حول فكرة إنجاب الأطفال، حيث يعتبر هذا الأمر تتويجاً للعلاقة بين الرجل والمرأة. كما يمثل رمزاً للحب غير المشروط والتضحية اللذين يقدمهما الوالدان لأبنائهما كما حصلا عليهما من والديهما سابقاً.

أهمية الإنجاب عبر الزمن والوصمة المرتبطة بالعقم

ترجع المواقف السلبية تجاه عدم إنجاب الأطفال إلى حضارات إنسانية قديمة كالإغريق والرومان وأهل ما بين النهرين وغيرهم. وعادة ما كان ينظر إلى المرأة العاقر على أنها مسحورة أو ممسوسة من الشياطين، أو حلت عليها لعنة من نوع ما حرمتها من نعمة الأطفال. بالمقابل، لا يعتبر الرجل الطرف الملام في حالة العقم، وكان من الشائع لدى الكثير من الشعوب أن تقدم المرأة العاقر لزوجها إحدى الجواري أو الخادمات كي ينجب منها أطفالاً [1].

ويعد وجود آلهة للخصوبة لدى الكثير من الشعوب – إن لم يكن لديها جميعها – دليلاً قاطعاً على مدى اهتمامهم بهذه الفكرة، وحرصهم على تقديم الصلوات والقرابين للآلهة كي تذهب عنهم “لعنة” العقم. مثلاً، يذكر التاريخ أنه عند شعب ليتوانيا القديم، كانت المرأة العاقر تقدم لإلهة الخصوبة دجاجة بيضاء كذبيحة في سبيل أن تحمل وتلد. وحتى بعد انتشار الديانة المسيحية، كانت النسوة يلجأن إلى تكريس القداديس والصلوات كي ينعم عليهن الله بنعمة الإنجاب [1].

كما أن بعض القوانين القديمة تدخلت في حل مشكلة العقم، ونجد هذا لدى الباليين والآشوريين والمصريين مثلاً. فقد نصت بعض من قوانين هذه الحضارات على حق الرجل في طلاق زوجته إذا كانت عاقراً. كما ورد في شريعة حمورابي (1750 ق.م.) أنه على المرأة العاقر أن تقدم لزوجها إحدى خادماتها كي ينجب منها أطفالاً. وعندما يتم ذلك، تقوم الزوجة على رعاية الأطفال وتربيتهم كأنها أمهم، في حين تُعتق الخادمة مقابل هذه الخدمة التي قدمتها لسيدها [1].

حتى في العصر الحديث، لا يزال عدم الإنجاب من المسائل الإشكالية التي قد تؤرق الزوجين وتهز صورتهما الاجتماعية. ونرى بدائل عديدة عن الإنجاب الطبيعي قد يلجأ لها الزوجان اللذان منعتهما مشاكل صحية من هذا. فهناك من يقوم بالتبني، أو استخدام رحم بديل، وهناك من يلجأ إلى التلقيح الاصطناعي الذي يكون إما من الزوجين نفسهما أو من متبرعين [1].

تطور مفهوم عدم الإنجاب والانتقال إلى حالة عدم الإنجاب الطوعي

قد يكون عدم الإنجاب حالة مرضية ناتجة عن مشاكل صحية لدى المرأة أو الرجل. وكما ذكرنا في الفقرة السابقة، كانت تقدم القرابين والأضاحي للتخلص من هذا المرض أو اللعنة. في هذه الحالة يكون عدم الإنجاب إجبارياً ومفروضاً نتيجة ظروف معينة. ولكن ماذا إن لم يكن ناتجاً عن العقم؟ ماذا إن لم يكن هنالك عقم أصلاً؟

في الواقع، توجد حالة سائدة بين بعض الأشخاص يكون فيها عدم الإنجاب طوعياً أو اختيارياً. ومع أن دراسة هذه الفئة الديموغرافية لا تزال محدودة بعض الشيء، بدأ الاهتمام بها يتزايد، خصوصاً مع اتساع المجال لظهورها والتعريف بها، بل وتقديم الدعم لها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعن طريق الإنترنت عموماً [2].

 وقد وجدت إحصائيات في عدد من الدول المتقدمة أن نسبة حالة عدم الإنجاب هي في تزايد، ولكن يصعب التمييز في هذه الفئة من السكان بين الحالات الطوعية وتلك الإجبارية. بالمجمل، ورد في دراسة نشرت في مجلة (دراسات في مجال الأمومة – Studies in the Maternal) أن نسبة هذه الفئة من السكان تتراوح بين 15 و25 بالمئة في عدد من الدول المتقدمة. ومع تزايد الميل في هذا التوجه، بات الاهتمام الأكاديمي يتسع لتحليل البيانات المتعلقة بعدم الإنجاب الطوعي من جوانب اجتماعية ونفسية وطبية وشخصية وتاريخية، وحتى نسوية. ويتركز البحث هنا في نسبة السكان عديمي الأطفال، والأسباب الكامنة وراء هذه الحالة، إضافة إلى النتائج المترتبة عليها على الأصعدة الاجتماعية والنفسية [2].

الأسباب الكامنة وراء عدم الإنجاب الطوعي

حاولت بعض الدراسات الاستقصائية البحث في دوافع البالغين الذين لا يودون الإنجاب. وقد تعددت النتائج التي انتهوا لها، ويمكن تلخيصها كما يلي.

تمثل الرغبة بالحرية من تحمل مسؤولية الأطفال أحد أكثر الأسباب شيوعاً ويشترك فيها كل من الرجال والنساء. فهناك من يولي كثيراً من الاهتمام للسفر والتنقل دون روابط أو قيود، ويرى في وجود الأطفال حائلاً دون التمتع بهذه الحرية [2، 3].

ويفسر البعض عدم رغبتهم بأن يصبحوا آباءً بأنهم لا يرتاحون في التعامل مع الأطفال. ومع أن أصحاب هذا التفكير من الرجال هم أكثر من النساء، صرحت بعض النساء بشكل واضح أنهن لا يحببن الأطفال. من جهة أخرى، تميل النسبة لصالح النساء عند الحديث عن الأسباب المتعلقة بالتقدم المهني والتطور الشخصي. إذ ترى العديد من الشابات أن إنجاب الأطفال قد يكون سبباً في توقف حياتهن المهنية وعائقاً أمام إنجازاتهن. لذا يفضلن عدم الإنجاب والمضي قدماً في مسيرة التطوير الذاتي [2، 3].

ولدى التفكير بحياة الشريكين معاً، يرى بعض الأزواج أن عدم إنجاب الأطفال يبشر بعلاقة أكثر سعادة وراحة. كما يمكن لهذا أن يؤمن لهما راحة مادية ويوفر الكثير من المصاريف، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على حياتهما المشتركة [2، 3].

ويعزو البعض هذا الخيار إلى مشاكل نفسية كانوا قد عانوا منها في صغرهم. ويتمثل ذلك في تجارب سلبية مع الأهل، مما أثر على صاحب العلاقة وجعله غير قادر على تربية الأطفال بالطريقة الصحيحة التي لم يكن قد حظي بها أصلاً. أو قد يكون نتيجة تجارب اجتماعية غير ناجحة، ولّدت لدى الأشخاص البالغين شكوكاً حول مقدرتهم على أن يصبحوا آباءً [2، 3].

ثم توجد أسبابٌ أكبر من الأفراد المعنيين قد تلعب دوراً في قرارهم بعدم الإنجاب. حيث وجدت بعض الاستقصاءات أن هنالك من الأزواج من يبدي قلقاً حول موضوع التضخم السكاني. وهذا يدفعهم إلى عدم المشاركة في تفاقم هذه المشكلة. أو قد يكون السبب هو القلق من الظروف السيئة على مستوى العالم عموماً، والخوف من توريط الأطفال في الحياة على كوكب يعج بالمشاكل [2، 3].

الفرق بين عدم الإنجاب الطوعي واللا إنجابية

إذاً، يمثل عدم الإنجاب الطوعي نمط حياة يتبناه المرء بكامل إرادته، بناءً على أسباب متعددة.

ولكن يوجد توجه فلسفي يشرح سبب هذا النمط، أو على وجه الدقة، ينادي به ويدعمه. يسمى هذا المنحى “اللا إنجابية – anti-natalism”، وهو موقف فلسفي يصنف عملية الإنجاب على أنها خاطئة أخلاقياً، وعليه لا ينبغي للبشر أن يتكاثروا. كما يعمم بعض أنصار اللا إنجابية نظرتهم السلبية للإنجاب حتى على الأجناس غير البشرية [4].

تتعدد الأسباب وراء هذا الموقف السلبي من التكاثر، لكن تتفق جميعها على نظرتها السوداوية حيال استمرار الجنس البشري على الأرض. فمثلاً، يرى معظم أنصار اللا إنجابية أن انقراض البشر هو أمر محتوم، وأنه من الأفضل للبشرية أن تنقرض بأسرع وقت ممكن. كما ينطلق هؤلاء من فكرة أن الموت هو أمر محزن ولا مفر منه، فالمرء يحزن لدى فقد محبيه. لكن الطريقة الأمثل لوقف موت البشر هي ببساطة عدم إنجابهم. إضافة لهذا، يرى اللا إنجابيون أن الحياة البشرية هي حياة معاناة وتعاسة، ومن أضمن الطرق للقضاء على العذاب في الحياة هي ألّا نعمل على استمرارها بمزيد من الأفراد البشريين [4].

كما توجد بعض التساؤلات حول أخلاقية فعل الإنجاب فيما يتعلق بموافقة الطرفين المعنيين؛ أي الأهل والأطفال. فعندما يختار البالغون إنجاب الأطفال، يقومون بالحكم على مصير شخص آخر لا يد له في هذا القرار؛ أي الطفل. ويطرح الكثير من الأطفال، أو حتى البالغين، هذا السؤال على والديهم: “لماذا أنجبتموني؟ أنا لم أطلب أن أولد!” وهذا أمر صحيح فعلاً، ويتمسك به مناصرو اللا إنجابية كذريعة لانتقاد عملية الإنجاب بالمبدأ [4].

ردود الفعل تجاه عدم الإنجاب الطوعي

الردود الإيجابية

وضحت إحدى الدراسات ردود أفعال مختلفة تجاه موقف بعض البالغين بعدم إنجاب الأطفال. وقد تباين ذلك بين مواقف داعمة للفكرة وأخرى رافضة لها. حيث كان أغلب الداعمين من فئة الشباب الذين يظهرون فهماً لهذا الموقف الذي قد يختاره أقرانهم. بالمقابل، أظهر بعض الكبار في السن، وخاصة من أفراد عائلة الأشخاص المعنيين، مشاعر حزن أو قلق حيال هذا الخيار. فهو لا يتناسب مع العقلية والمبادئ التي تربوا عليها [2، 3].

أما عن رأي الشريك، فقد أظهرت المقابلات التي أجرتها هذه الدراسة أن عدم الرغبة بالإنجاب كانت في بعض الحالات سبباً بارتباط الشريكين. وفي حالات أخرى، كانت هذه الرغبة شرطاً للارتباط ولم تكن لتنجح العلاقة لولا تحققه [2، 3].

كما وجد باحثون في دراسة أخرى ارتفاع نسبة الرضا في العلاقة التي لا إنجاب فيها، وانخفاض نسبة الطلاق بين الأزواج ممن لم ينجبوا مقابل الأزواج الذين لديهم أطفال دون سن الـ 16 عاماً. ولدى المقارنة بين أزواج كبار في السن، تبين أن التوتر الذي يعانيه الآباء هو أكبر من الموجود لدى غير الآباء. أي يتميز نمط الحياة الذي يكون فيه عدم الإنجاب اختيارياً بانعكاسات إيجابية على الحياة المشتركة للطرفين [3].

الردود السلبية

بالمقابل، لا تخلو النتائج وردود الفعل من مظاهر سلبية. فقد صرح بعض الأزواج أنه رغم تلقيهم للدعم من عائلاتهم وأصدقائهم، واجهوا تعليقات وانتقادات من أشخاص غرباء كلياً أو تربطهم علاقة سطحية. ويميل توجيه الانتقاد أو التساؤلات عن عدم الإنجاب إلى النساء أكثر من الرجال. بل على العكس، صرح بعض الرجال الذين لم ينجبوا أنهم يلقون مديحاً من أقرانهم. حيث ينظر إليهم أنهم يعيشون حياة تتسم بالحرية وعدم الالتزام. وهذا ما يثبت أن النظرة القديمة التي تربط كينونة المرأة بالإنجاب لا تزال موجودة ولو على بشكل أقل انتشاراً. وترى النساء في هذا ظلماً وانتهاكاً لخصوصيتهن [، 3].

أما على الصعيد الصحي، فقد وجدت بعض الدراسات ارتفاع نسبة الوفيات بسرطان الثدي لدى النساء اللواتي لم يسبق لهن الإنجاب. ومع الأسف، تؤكد أبحاث طبية ارتفاع احتمال الإصابة بسرطان الثدي بالتزامن حالة عدم الإنجاب أو التأخر بذلك لما بعد سن الثلاثين. وتستخدم هذه الحجة من قبل المجتمع في إقناع النساء بالإنجاب، إضافة إلى تسليط الضوء على أهمية وجود الأبناء لتقديم المساعدة لوالديهم في شيخوختهم. وهذا يؤكد وجود بقايا العقليات القديمة التي تصم عدم الإنجاب على أنه فعل سلبي، خاصة عندما يتعلق بالمرأة [3].

اقرأ أيضاً: هل سيتمكن الأطفال من النمو في الرحم الاصطناعي؟

المصادر

  1. Childlessness: Concept Analysis
  2. Research Gate
  3. Voluntary Childlessness
  4. Anti-natalism
Exit mobile version