عجائب مصر القديمة: الهيروغليفية

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

تُعد الكتابة ثورة في تاريخ الإنسان، حيث مثّل اختراع الكتابة نقطة محورية في تاريخنا، فعندنا كتبنا وثّقنا الأحداث التاريخية، وقُمنا بالعمليات الحسابية، وغُصنا في بحار العلوم، وحملنا ما تعلمناه إلى الأجيال القادمة، ولا يجوز الحديث عن بداية الكتابة إلا بالحديث عن الهيروغليفية في مصر القديمة.

الكتابة في أساطير مصر القديمة

وفقًا لإحدى الأساطير المصرية: في البدء، خلق تحوت (إله الحكمة والمعرفة) نفسه على هيئة طائر أبو منجل، ثم وضع البيضة الكونية التي كانت تحمل بداخلها الكون كله.

وفي قصة أخرى: خُلق تحوت من شفتي إله الشمس رع في بداية الزمان، وتختلف الأساطير، إلا أن الثابت الوحيد هو أن تحوت خُلق بمعرفة كبيرة وعلم واسع، ثم وهب تحوت الكتابة للمصريين القدماء، والكلمات هي ما تحمل معرفة تحوت المقدسة، لأنه بمقدور الكلمات أن تؤجج الحروب وأن ترسي السلام، وأن تدمّر وتعمّر، وتُحيي وتُميت.

تحوت

اختراع الهيروغليفية

كان السومريون هم أول من استخدم الحروف في الكتابة، وهي الطريقة المستخدمة في يومنا هذا، إلا أن المصريين القدماء استخدموا طريقة أخرى، فبدلًا من الأحرف استخدموا الرسومات والرموز التعبيرية، قد يكون أقرب شيء لهذا في يومنا هو الرسوم التعبيرية المستخدمة في المحادثات النصية (emojis)، فبدلًا من أن نقول مثلًا “أنا أحب المدرسة”، قد نضع قلبًا بجوار مبنى يمثّل المدرسة للتعبير عن الحب لهذا المكان، وهذه كانت طريقة الكتابة الهيروغليفية.

تطور الكتابة في مصر القديمة

مرّت الكتابة في مصر القديمة بأربعة مراحل أساسية:

1- الهيروغليفية

2- الهيراطيقية

3- الديموطيقية

4- القبطية

والآن لنأخذ لمحة عن كل مرحلة منهم:

1- الهيروغليفية

كما ذكرنا مسبقًا، فقد استخدم المصريون الرموز التعبيرية في اللغة الهيروغليفية، وكانت الرموز من وحي بيئتهم كالحيوانات والأدوات المختلفة، كما لم يكن للكتابة الهيروغليفية اتجاهًا محددًا في الكتابة، فكانت تُكتب من اليمين إلى اليسار، أو من اليسار إلى اليمين، أو من الأعلى إلى الأسفل، أو من الأسفل إلى الأعلى، ولكن اتجاه الكتابة كان يُعرف من وجوه الشخصيات المرسومة، حيث كانت وجوه الحيوانات والشخصيات معاكسة لاتجاه الكتابة، فإذا كانت الكتابة من اليمين إلى اليسار، تُرسم الأوجه ناظرة نحو اليمين.

2- الهيراطيقية

ظهرت الهيراطيقية بعد الهيروغليفية، حيث أصبحت الهيروغليفية تُستخدم في المعابد. وكانت الهيراطيقية تُستخدم من أجل كتابة النصوص الدينية في بادئ الأمر، إلا أنها تطورت لتشمل الحسابات وإدارة الأعمال والوثائق القانونية، بل وحتى النصوص والتعاويذ التي كانت تستخدم في السحر.

3- الديموطيقية

ظهرت الكتابة الديموطيقية من دلتا النيل، وانتشرت نحو جنوب مصر في عام 700 ق.م، واستمرت الديموطيقية لمدة ألف عام من تاريخ مصر القديمة، حيث صمدت خلال الفترة البطلمية وحتى الفترة الرومانية، حيث استُبدلت بالكتابة القبطية.

4- القبطية

كانت القبطية هي كتابة الأقباط، مسيحيو مصر القدامى، وهي كتابة استُخدمت فيها الحروف اليونانية لحفظ النصوص والوثائق المهمة بالنسبة للمصريين في ذلك الوقت، مثل العهد الجديد المسيحي، وكانت الكتابة القبطية هي المفتاح الذي ساعدنا في فهم الهيروغليفية عند فك رموز حجر رشيد.

حجر رشيد

لم نكن لنفهم رموز الكتابة الهيروغليفية لولا فك رموز حجر رشيد، فقد كان الحجر يحتوي على ثلاثة أجزاء مكتوبة بثلاث كتابات مختلفة من ضمنها الكتابة الهيروغليفية والكتابة القبطية، وكانت الأجزاء الثلاثة تُعبّر عن نفس النص، وعن طريق فهم الكتابة القبطية، استطعنا فهم الكتابة الهيروغليفية.

المصادر

coursera

ancient.eu

عجائب مصر القديمة: السحر

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

مما لا شك فيه أن حضارة مصر القديمة برعت في مختلف الفنون والعلوم، ولكن الغريب أن تعرف أن المصريين القدماء هم أول من مارسوا السحر، ليس هذا وحسب، وإنما كان السحر متوغلًا في كل جوانب حياتهم، فقد استخدموه لمباركة الملوك وحمايتهم، واستخدموه كذلك في العلاج، وهذا ما سنتحدث عنه اليوم في الجزء الثاني من سلسلة (عجائب مصر القديمة) بعد أن تحدثنا عن الفن في الجزء الأول.

السحر والسحرة

لعب مفهوم السحر دورًا محوريًا في إيمان المصري القديم، حيث اعتقد الناس في مصر القديمة أن الخالق قام بخلق العالم باستخدام قوة السخر، ورأوا أن السحر قوة كامنة بداخل كل إنسان، إلا أن الكهنة وحدهم القادرون على تسخير هذه القوة والتعامل معها، وكان الكهنة هم أول من مارسوا السحر في مصر القديمة، حيث يُحكى أنهم كانوا يمتلكون القدرة على تحريك الماء في البحيرات الراكدة، وإحياء تماثيل الحيوانات لتحويلها إلى حيوانات حقيقية.

حِكا إله السحر

ويأتي سحرة العقارب في مرتبة أقل من الكهنة، وقد أُطلق عليهم هذا الاسم لأنهم مارسوا السحر للتخلص من الحشرات السامة والأفاعي في منطقة ما.

ولم تقتصر ممارسة السحر على الكهنة ورجال الدين وحدهم، بل إن مهارة السحر كانت مهارة مطلوبة للممرضات في مصر القديمة، كما كان للكهنة دور في العلاج أيضًا، حيث مارس كهنة الإلهة «سخمت-Sekhmet» السحر لعلاج المرضى، ويرجع هذا للاعتقاد السائد في مصر القديمة بأن سخمت هي من تتسبب في الأمراض.

سِخمت

طريقة عمل السحر

كان وقت الفجر وقتًا مثاليًا لممارسة السحر في مصر القديمة، حيث كان يلقي السحرة تعاويذهم في هذا الوقت، وكان على الساحر أن يكون في حالة صفاء روحي، فكان السحرة يمارسون الجنس قبل القيام بالسحر، وهذا للمساعدة على التركيز ومنع تشتت الانتباه.

كما كان على الساحر أن يبتعد عن ما اعتُقد في ذلك الوقت دنسًا، مثل النساء خلال فترة دورتهم الشهرية، فكان الساحر يرتدي ملابس جديدة نظيفة قبل إلقاء تعويذته.

استخدم السحرة في مصر القديمة عصي مصنوعة من العاج، ونُقشت صور الآلهة وبعض الحيوانات على هذه العصي، وهذا كرمز لإعطاء الساحر القدرة على تسخير الكائنات القوية من العوالم الأخرى.

عصا سحرية من العاج

لم تكن الأغلبية في مصر القديمة تستطيع القراءة، مما أعطى للتعاويذ المكتوبة قيمة بالغة الأهمية، حيث كان السحرة يكتبون التعاويذ على ورق البردي، ويتوارثونها من جيل إلى جيل داخل العائلة الواحدة.

احتوت التعاويذ على الكلام والحركات، فكانت تُقرأ بعض الكلمات على جرعات من أشياء غريبة، كدم كلب أسود، أو لبن ثدي امرأة ولدت مولودًا ذكرًا، وكان يُعتقد أن الكلام مسئول عن تنشيط القوى السحرية لهذه الجرعات، كما شملت الحركات بعض الرقصات والإيماءات على ألحان الموسيقى وذلك لتحضير أرواح الآلهة والمعبودات.

السحر للحماية

اعتقد الناس في مصر القديمة أن الشياطين هي التي تتسبب في الأمراض، والحوادث، والفقر، والعقم، فاستخدم المصريون القدماء السحر كآلية دفاعية ضد الشياطين، فعلى سبيل المثال، كانت إذا أوشكت امرأة على وضع مولودها، قوم السحرة برسم دائرة حماية حولها، باستخدام عصي العاج السحرية، وكانوا ينقشون على هذه العصي صور الآلهة التي يستعينون بها وهي تطعن أو تعض الأفاعي (كرمز للشياطين).

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الأمر قد طال البيوت في مصر القديمة، حيث كانت تُنقش صورة الإله «بِس-Bes» والذي كان يرمز له بأسد قزم، وصورة الإله «تاورت-Taweret» والذي كان يرمز له بفرس النهر على أثاث البيوت والأدوات المنزلية، وهذا لطرد الأرواح الشريرة والتي كان يُعتقد أن قوتها تزداد أثناء الليل.

بِس
تاورت
كرسي مصري عليه رسومات سحرية

بالإضافة إلى التمائم التي استخدمها الناس في مصر القديمة لإعطاء صاحبها بعض الصفات المرغوبة مثل العمر الطويل والصحة الجيدة.

تميمة 1
تميمة 2

السحر للعلاج

اعتقد الأطباء في مصر القديمة أن الشياطين التي تتسبب في الأمراض كانت تنجذب للأشياء القذرة، فاستخدموا روث الحيوانات لإبعادها عن جسد المريض، أو يدهن الطبيب جسد المريض بالعسل لتنفير الشيطان من الجسد، وفي بعض الأحيان كان يرسم الطبيب صور كائنات اعتقد الناس في مصر القديمة أنها ذات قدرات علاجية على جسد المريض، ليقوم المريض بلعقها بدوره لامتصاص قواها السحرية العلاجية، بل إن الأطباء كانوا يستخدمون التعاويذ للتعريف بأنفسهم على أنهم الإله تحوت الذي عالج عين حورس المجروحة، ليُعطي نفسه القدرة على علاج المريض كما عالج تحوت عين حورس في الأسطورة المصرية.

تحوت
حورس

اللعنات

كان الكهنة في معابد مصر القديمة يقومون بنقش اسماء الأعداء والخونة على الأواني الفخارية، ثم يقومون بحرقها، لاعتقادهم بأن هذا يُضعف جيوش العدو، وكانت ترسم صور «أبوفيس-Apophis» في حرب مع الخالق على أوراق البردي، ثم يقومون بحرق هذه البرديات، ليقوموا بإذابة الرماد المتبقي في دلو يحتوي على البول.

حاول بعض الكهنة أن يلعنوا الملك رمسيس الثالث بعدما استولوا على كتاب سحر من المكتبة الملكية، إلا أنهم احتاجوا إلى شيء منه كالشعر أو الأظافر أو السوائل الجسدية، فاستعانوا بحريم الملك لمساعدتهم في الحصول على هذه الأشياء، إلا أن المؤامرة كُشفت وحُكم عليهم بالإعدام.

خاتمة

يتضح مما سبق هوس الإنسان في مصر القديمة بالسحر وخوفه من الشياطين والأرواح وما إلى ذلك، ولا عجب في ذلك إذ أن هذه هي عقلية الإنسان القديم، وفي الجزء القادم سنتحدث عن شيء آخر ميز حضارة مصر القديمة عن غيرها، اللغة الهيروغليفية.

المصادر

coursera
bbc
ancient.eu

Exit mobile version