الإنسان الأخير .. كيف انقرض إنسان النياندرتال؟

إنها الشمس في أفق السماء، ترسل ما تبقى من أشعتها في نهاية هذا اليوم الحزين. في اللحظات العادية للبشرية، فإن هذا الأمر لا يعدو مشهدًا رومنسيًا جميلًا، أو على الأقل نهايةً عاديةً ليوم عادي. لكن، إذا كانت هذه اللحظة هي لحظة نهاية العالم، حرفيًا، ومجازيًا، فلا أعتقد أن الأمرَ سيكون مريحًا. يطل إنسان النياندرتال من فتحة كهفه على ذلك الغروب الكئيب للشمس. أمام عينيه، السماء، التي بدأت تتلون باللون الرمادي، وتنخر أذنيه نقاط المياه التي نخرت أيضًا طبقات الزمن. تصدر صوتًا اشبه بحازوقة الأطفال، لكن وللأسف، لم يعد هنالك أطفال، ولا أثر لإنسان أخر، قد يشارك هذا البائس غروبه الأخير. انقرض إنسان النياندرتال .

لكن وبعد ألاف السنين، عاد الصوت ليصدح من جديد في هذا الكهف القديم. صوت المعدات الأثرية لعلماء الأثار، وصوتٌ أخر لأغنية الإنسان الأخير.

أحد عشر سنًا

لم يرحل إنسان النياندرتال عن هذه الأرض بدون أن يخلف لنا شيئًا لنتذكره. بل شاءت الصدفة أيضًا أن يكون أثرًا ربما يدل على قاتله. إحدى عشر سنًا وجدوا سنة 1910 في كهف 《La Cotte de St. Brelade》 على جزيرة 《جرسي – Jersey》 قرب السواحل الشمالية الغربية لفرنسا. اعتبرت هذه الأسنان لفترة طويلة لعدة أفراد من النياندرتال. لكن دراسةً حديثة أجريت عليها أثبتت أنها تعود لنوع هجين من الإنسان. لنوع يتداخل فيه النياندرتال مع الإنسان العاقل في مرحلة عاش فيها النوعان معًا.

أظهرت الدراسة أن إثنين على الأقل من الأسنان المدروسة تحمل خصائص تعود للنياندرتال و للإنسان العاقل على حد السواء. الدراسة المنشورة في مجلة  Journal of Human Evolution  والتي قام بها باحثون من 《متحف التاريخ الطبيعي – Natural History Museum》 مع فريق من 《معهد الاثار -institute of archaeology》 وفريق من 《جامعة كنت- university of kent》 أكدت أن جذور الأسنان (Root) تشبه كثيرًا جذور أسنان النياندرتال، لكن 《العنق -Neck》 《والتاج- Crown》 في السن فهي تشبه أسنان الإنسان الحديث اليوم.

 استعمل الباحثون 《التصوير المقطعي المحوسب – Computed tomography 》كتقنية لمسح الأسنان من أجل دراستهم وهذه التقنية أدت إلى اظهار تفاصيل دقيقة لم تكن متاحة من قبل.

إن أهمية هذه الدراسة تكمن في أن عمر هذه الأسنان يعود لأقل من 48 ألف سنة. أي بذات الفترة التي عاش فيها الإنسان العاقل مع إنسان النياندرتال. هذه المرحلة الانتقالية كانت مجهولة سابقا وربما نكون الأن قد أزحنا الستار عن السبب الحقيقي لانقراض إنسان النياندرتال.

سنان للنياندرتال وجدوا في جزيرة جيرسي. الصورة لمتحف التاريخ الطبيعي.

أشباه البشر

إن هذا الكهف على جزيرة جيرسي قد سكن من 200 ألف سنة. وبالإضافة إلى الأسنان فقد كشفت الحفريات التي أجريت فيه في أوائل القرن العشرين عن 20 ألف أداة حجرية بالإضافة لعظام ماموث ووحيد القرن الصوفي. هذا الكهف كان بحجمه الكبير نادرًا جدًا وقد سكن لألاف السنين.

أما النياندرتال الذي ظهر من 400 ألف سنة تقريبًا فقد سكن هذا الكهف من 200 ألف سنة. وانتشر في منطقة كبيرة من أوروبا الغربية إلى سيبيريا. كان النياندرتاليون أقصر وجسمهم أضخم من جسم الإنسان العاقل. وهؤلاء البشر كانوا أقوى عضليًا من العقلاء وأدمغتهم أكبر وكانوا أكثر تكيفا مع المناخات الباردة. استخدموا النار والأدوات وكانوا صيادين جيدين ويبدوا أنهم اعتنوا بمرضاهم وعجزتهم. (اكتشف علماء الأثار عظاما لنياندرتال عاشوا عدة سنين مع إعاقات جسدية حادة مما يدل على أن أقاربهم كانوا يعتنون بهم.) كانت الفكرة السائدة عن أن النياندرتال كانوا سكان كهوف همجيين وأغبياء لكنها تغيرت اليوم.

التواصل بين الإنسان العاقل والنياندرتال قد حصل تقريبا من 45 ألف سنة. هذه المجتمعات التي وجدت خلال العصر الحجري القديم الأوسط هي دليل محتمل على أن الانقراض ربما ليس أفضل كلمة لوصف مصير إنسان النياندرتال.

نرشح لك أيضًا: كيف يمكن لإبهامٍ صغير أن يحمل حضارةً بأكملها؟

علاقة حميمية قاتلة

لم يصل الإنسان العاقل إلى أوروبا الا قبل 70 ألف سنة تقريبا. فقد انتقل أولًا إلى الجزيرة العربية ومنها إلى أوراسيا. وعندما وصل الإنسان العاقل إلى الجزيرة العربية كان معظم أوراسيا مستوطنًا حينها من قبل أنواع بشرية أخرى. وبالفعل مع استقرار الإنسان العاقل في مناطقه الجديدة بدأت أعداد هذه المجموعات البشرية الأصلية تتناقص حتى انقرضت نهائيا.

فما الذي حدث لهم؟

علميًا هنالك عدة نظريات لكن معظمها يدور حول نظريتين أساسيتين: 《نظرية التهجين – Interbreeding Theory》. والتي تخبرنا عن انجذاب وعلاقات جنسية وامتزاج بين الأنواع. وحسب هذه النظرية تزاوج المهاجرون الأفارقة الذين انتشروا حول العالم مع مجموعات بشرية أخرى وبشر اليوم هم نتاج هذا التهجين.

على سبيل المثال عندما وصل العقلاء الى أوروبا التقوا بالنياندرتال وعاشوا معًا لمدة 5000 سنة قبل أن يختفي الأخير. وفقًا لنظرية التهجين عندما انتشر العقلاء في أراضي مجموعة النياندرتال فإن المجموعتين تزاوجتا معًا حتى اندمجتا. فإذا كان هذا هو ما حدث فإن الأوراسيين اليوم ليسوا عقلاء أنقياء فهم خليط من العقلاء والنياندرتال.

تسرد النظرية المضادة والتي تسمى《 نظرية الإحلال Replacement- Theory》 قصة مختلفة محورها الإختلاف والنفور وربما الإبادة الجماعية. وفقًا لهذه النظرية فإن العقلاء وبقية الأنواع البشرية كانت لديهم اختلافات تشريحية وعادات تزاوج مختلفة بل وحتى روائح أجسام مختلفة. وإن الاهتمام الجنسي لأحد النوعين بالأخر كان ضعيفًا. فحتى لو وقع روميو نياندرتال في حب جوليت الإنسان العاقل فلن يمكنهما إنجاب أبناء يتمتعون بالخصوبة. فالفجوة الجينية الفاصلة بين المجموعتين لا يمكن تجاوزها اصلًا.

 بقت المجموعتان متمايزتان تمامًا. وعندما مات النياندرتال أو قُتل ماتت جيناته معه. فوفقًا لهذا الرأي فان العقلاء حلوا محل كل المجموعات البشرية السابقة دون أن يندمجوا معًا. فإذا كان هذا ما حدث فإن أنساب جميع البشر المعاصرين يمكن ارجاعها حصريا إلى شرق أفريقيا قبل 70 ألف سنة. إن كل واحد منا اليوم هو عاقل نقي.

لكن وعلى العكس فإذا كانت نظرية التهجين صحيحة فستكون هناك اختلافات جينية بين الأفارقة والأوروبيين والأسيويين تعود لمئات ألاف السنين.

خريطة توضح مناطق بعض الأنواع البشرية وإنتشار الإنسان العاقل (مواقع التواصل)

البقاء للأصلح

كانت نظرية الإحلال هي الرائجة سابقًا وقد سندتها أدلة أثرية وكانت أصح من الناحية السياسية. لكن ذلك انتهى عام 2010 عندما نشرت نتائج جهود أربع سنوات لتحديد جينوم النياندرتال.

كانت الجهود كلها مركزة لعقد مقارنة بين جينوم النياندرتال وجينوم الإنسان الحديث. حيث اتضح أنه ما بين 1-4 بالمئة من جينوم البشر المميز للمجموعات المعاصرة في الشرق الأوسط وأوروبا هو جينوم نياندرتال. أيضًا بعدها بعدة أشهر عثر على أحفورة عظمة إصبع تعود إلى فرد من نوع دينوسوفا. أظهرت أن نسبة 6 % من جينوم سكان أستراليا الأصليين المعاصرين هو جينوم دينوسوفا.

لكن بما أن النسبة هذه قليلة، صعب الحديث عن اندماج تام بين الأنواع. يبدو أنه من 50 ألف سنة كان العقلاء والنياندرتال والدينوسوفا قادرين على التزاوج وإنتاج ذرية. يمكن أن نفكر الأن في أننا كبشر عقلاء عاشرنا نوعًا مختلفًا وأنجبنا منه أولاد!

يمكن للدراسة المنشورة حديثًا في مجلة تطور الإنسان أن تكون من أبرز الأدلة التي تدعم نظرية التهجين. فهي قد سلطت الضوء على المرحلة الانتقالية التي تزاوج فيها النياندرتال مع الإنسان العاقل. وامتص فيها الإنسان العاقل جينات النياندرتال ومع مرور الوقت لم يعد هنالك وجود للنياندرتال. 

لكن هل يوجد تفسير أخر؟

إن التفسير الآخر الوحيد لظهور هذا النوع الجديد المهجن من الإنسان هو أن هذه المجموعة قد طورت في بيئة مغلقة مزيجا غير عادي من السمات بمعزل عن غيرها. لكن في هذا الوقت في العصر الجليدي الأخير وبسبب انخفاض مستوى سطح البحر، كانت جيرسي مرتبطة بالتأكيد بفرنسا المجاورة. لذا فإن مستوى العزلة طويل الأمد أمر غير مرجح.

لا تزال الصورة غير واضحة كليًا سيعمل الفريق الآن على تحليل DNA لعظام هذا النوع الهجين من أجل تأكيد وجود هذه المرحلة الانتقالية. عندها ستميل الكفة إلى الفرضية القائلة بأن الإنسان العاقل استطاع أن يمتص جينات النياندرتال ويدفع به إلى الانقراض.

عاش الإنسان العاقل خلال العشرة ألاف سنة الماضية وهو يألف كثيرًا أنه النوع البشري الوحيد لدرجة أنه من الصعب علينا تصور احتمال أخر. سهل عدم وجود إخوة وأخوات لنا أن نعتبر أنفسنا صفوة الخلق، لكن ماذا لو بقي النياندرتال والدينوسوفا جنبًا إلى جنب مع الإنسان العاقل؟ أي نوع من المجتمعات والسياسات والبنى الثقافية كانت ستنشأ؟ للأسف لن نجد الجواب فهذه الأنواع قد انقرضت للأبد.

*ملاحظة: استعان الكاتب إلى جانب البحث المنشور في مجلة Journal of Human Evolution بكتاب العاقل تاريخ مختصر للجنس البشري للكاتب يوفال نوح هَراري وبكتاب أقارب Kindred للعالمة ريبيكا راغ سايكس.

المصادر:

كيف يمكن لإبهامٍ صغير أن يحمل حضارةً بأكملها؟

كم مرة في اليوم نحمل القلم لنكتب أو نفرقع اصابعنا للفت الانتباه؟ نمسك هاتفنا الذكي لنتصفح بعض المواقع، أو حتى نفتح كيسًا من البطاطس المقرمشة للتسلية؟ كم من مرة نستخدم أصابع أيدينا لنمسك او نصنع الأشياء؟ يقولون إننا لا نعرف قيمة الأشياء إلا بعد أن نفقدها. لكن في بعض الأحيان تكون هذه الأشياء هي من أعطت قيمة لحضارتنا بأكملها. تطور الإبهام عند البشر منذ ما يقارب مليوني سنة وبعدها غير التاريخ البشري بدون رجعة. فكيف يمكن لإبهامٍ صغير أن يحمل حضارةً بأكملها؟

الإبهام في أيدينا وعلى الرغم من صغر حجمه (مقارنةً بباقي الجسد) ارتكزت عليه حضارتنا الإنسانية بأكملها. هذه المعجزة التطورية سمحت لأسلافنا الأوائل بصناعة الأدوات وزيادة خيارات غذائهم. تقترح دراسة حديثة منشورة في مجلة Current Biology أن الإبهام كما نعرفه اليوم ربما يكون قد ظهر من حوالي مليوني سنة. وفي الغالب قد ظهر مع جنس الإنسان.

مهارة يدوية قديمة

منذ مليوني سنة كان البشر الأوائل يعيشون في شرق أفريقيا. كان يمكن أن نجد بعض الشخصيات التي تشبه الشخصيات البشرية اليوم، عدة أطفال يلعبون بالطين، وبعض الشباب المشغولين في بعض الأعمال، وعدة عجائز كانوا قد شاهدوا هذا كله.  لعب هؤلاء البشر وكونوا صداقات وعملوا وتنافسوا عل السلطة. لكن هذا أيضا ما فعلته حيوانات أخرى كالشنابز والفيلة.. لم يكن هنالك ما يميز البشر بل كانوا حيوانات عديمة الأهمية لا يتجاوز تأثيرهم على بيئتهم تأثير الغوريلات أو قنادل البحر.

تمتلك العديد من الرئيسيات إصبع الابهام لكن القليل منها يشبه إبهام الإنسان. فإبهام الإنسان مواجه ومناسب بشكل دقيق لكف اليد مما يسمح له بالقيام بالعديد من الأعمال الدقيقة. ويرى العلماء أنه من أهم هذه الأعمال التي ساعد فيها الإبهام البشر الأوائل كانت صناعة الأدوات.

تشير 《كاتارينا هارفاتي – Katerina Havarti》  المشاركة في الدراسة، أن المهارة اليدوية المرتبطة مباشرة بصناعة الأدوات كانت تحددها الأبحاث سابقًا فقط من خلال المقارنة التشريحية لعظام يدي الإنسان المعاصر مع أحافير متحجرة لأيدي بشر قدماء. ومدى التشابه بين العظام كان يحدد قدرة البشر القدماء في صنع الأدوات. هذه المهارة اليدوية والتي ربطت سابقًا بتطور يد الإنسان كانت تؤرخ لحوالي 2.5 مليون سنة.

كانت الأبحاث في السابق تنظر إلى 《الأسترالوبثقس – Australopithecus》 بأنهم يمتلكون إبهاما متطورًا بسبب قدرتهم على صنع بعض الأدوات. والأسترالوبثقس ربما كانوا السلف المباشر الذي تطور منه الإنسان.

تذكير

تطور البشر لأول مرة في شرق أفريقيا منذ حوالي 2.8 مليون سنة من جنس أسترالوبثقس والتي تعني الإنسان الجنوبي. وقبل حوالي مليوني سنة ترك بعض هؤلاء الرجال والنساء موطنهم ورحلوا إلى المناطق الشاسعة في شمال أفريقيا وأوروبا وآسيا واستوطنوها. ولأن البقاء في الغابات الثلجية في شمال أوروبا تطلب سمات تختلف عن تلك المطلوبة للبقاء في أدغال أندونيسيا الحارة، فإن المجموعات البشرية تطورت في اتجاهات مختلفة.

في أوروبا وغرب آسيا تطور البشر إلى نوعان: Homo Neanderthalensis والمعروف شعبيًا بالنياندرتال وهو أضخم من الإنسان العاقل وله عضلات أكبر تمكن من التكيف مع مناخ العصر الجليدي البارد. أما في شرق آسيا فسكن نوع بشري يدعى 《الإنسان المنتصب- Homo Erectus》 وبقي هنالك لمدة مليوني سنة. في المناطق الاستوائية عاش 《إنسان سولو- Homo Soloensis》. وبقي البشر يتطورون في شرق أفريقيا أيضًا، وصولًا إلى 300 ألف سنة من يومنا حيث ظهر 《الإنسان العاقل- Homo Sapiens》.

 ميزة تطورية

بالعودة إلى الدراسة فإن المهارة اليدوية لجميع أنواع الإنسان الذي سكن العالم القديم وصولًا لنوعنا اليوم كانت أكثر تطورًا من باقي أنواع الرئيسيات مثل الشمبانزي. فقد اعتمدت هذه المهارة على حركة إبهام فعالة ودقيقة مكنت الإنسان من صناعة واستخدام أدوات أكثر تعقيدًا.

من أجل التوصل إلى هذه النتيجة درس الباحثون أيادٍ بشرية حديثة مع أيادٍ لشمبانزي وعدد كبير من أحافير نوع الإنسان منهم هومو نياندرتالينسيس وهومو ناليدي وثلاث أنواع من الأسترالوبثقس وقد اعتمد الباحثون على عنصرين لتحليل هذه العظام هما تشريح عظام الكف والأنسجة الهشة.

صورة تبين شكل العضلات المستعملة لاحتساب فعالية حركة الإبهام
Image: Katerina Harvati, Alexandros Karakostis, Daniel Haeufle

ولأن العضلات تتحلل في الأحافير بشكل طبيعي، فقد ركز الباحثون مجهودهم على تحديد المكان الذي كان مهيئ لها على سطح الطبقة العظمية. هذه العضلة كانت مسؤولة عن حركة الإبهام. وقد تم احتساب نسبة المهارة اليدوية التي امتلكها كل نوع عبر المقارنة التشريحية لعظام اليد بالإضافة إلى انشاء تمثيل افتراضي ثلاثي الأبعاد لليد البشرية .

بينت النتائج أن جميع أنواع الجنس البشري ومن مليوني سنة قد أظهروا تطور بحركة الإبهام بشكل فعال. وهذا الأمر يدل على الأهمية العظيمة لهذه الميزة التطورية في التطور الثقافي الحيوي لجنسنا. فقد ظهرت هذه الميزة في ذات الفترة تقريبًا التي ازداد فيها مستوى صنع واستعمال الأدوات الحجرية في أفريقيا. وفي ذات الفترة التي تميزت بزيادة مستوى التعقيد الثقافي في العالم القديم. ومع أن نوع 《الهومو ناليدي- Homo naledi》 الذي كان يعيش في ذات الفترة تقريبًا في جنوب أفريقيا امتلك دماغًا صغيرًا نسبيًا إلا أن هذه الميزة التطورية قد وجدت في أحافير تعود له أيضًا.

نرشح لك أيضا: الفينيقيون الجدد .. كيف ترسم السياسة حدود الحضارات؟

ثقافة مبنية على حركة إصبع

هذا التطور في صناعة واستعمال الأدوات الحجرية أدى إلى استغلال متزايد وتدريجي للموارد الغذائية الحيوانية. فقد تمكن الإنسان عبر أدوات أفضل من صيد حيوانات أضخم ومن محاربة الحيوانات الأشرس. وبعد أن كان الإنسان ينتظر دوره ليأكل ما تبقى من الفريسة بعد الأسود والضباع أصبح على رأس الطابور. فقد ظهر الإنسان المنتصب وهو من اشباه البشر ذوي الأدمغة الكبيرة والأجساد الضخمة وقد سكن في أفريقيا وأوراسيا.

بالطبع لم يكن من الممكن أن تبنى هذه الثقافة على حركة الإبهام فقط. فهي كانت بحاجة لتفكير أكبر ولحجم دماغ يساعد على ذلك. وهذا ما حصل بعد أن ازدادت الخيارات الغذائية للإنسان عبر تناول لحوم أكثر.

بعد هذا البحث يسعى الفريق اليوم للنظرعن كثب إلى مجموعات أخرى محددة منها النياندرتال. ليرسم صورة أكبر لمدى تطور المهارة اليدوية للبشر القدماء. ومدى اختلاف مهارتهم عن المهارة التي نمتلكها اليوم. ويأمل الفريق أن التحقيقات الأبعد ستظهر نتائج جديدة لانتشار الاستعمال المنظم للأدوات بين اقاربنا القدماء. أما أنت وفي المرة القادمة التي تمسك فيها هاتفك لتصفح موقع الأكاديمية أو لطلب ديلفري للغداء تذكر أن إبهامك قد ساعدك على ذلك.

ملاحظة:

استعان الكاتب الى جانب البحث المنشور في مجلة  Current Biology  عل كتاب “العاقل تاريخ مختصر للنوع البشري” للكاتب يوفال نوح هراري.

المصادر

  1. الدراسة المنشورة في مجلة Current Biology

العصر البرونزي الحديث .. كيف تصبح العولمة سببًا لانهيار الحضارات ؟

لا بد أن اللحظات الأخيرة للسفينة كانت مرعبة. ربما غرقت بعد اصطدامها بشيء مغمور في الماء، أو أنها غرقت بسبب عاصفة قوية أو ربما يكون طاقمها قد أغرقها عن عمد ليتجنب سقوطها بيد القراصنة. لا يمكن الجزم في سبب غرقها، لكن علماء الأثار قد انتشلوا حمولتها، وعلموا أن السفينة كانت مبحرة من منطقة شرق المتوسط إلى منطقة إيجة حاملة معها الدليل الأكبر على العولمة والسبب الأساسي لانهيار الحضارات القديمة. لكن، كيف تصبح العولمة سببًا لانهيار الحضارات ؟

عام 1982 وأثناء قيام غطاس تركي شاب من صائدي الإسفنج البحري بأولى غطاساته قبالة الساحل الجنوبي الغربي لتركيا وفي منطقة 《أولوبورون – Uluburun》 تحديدًا، يكتشف عن طريق الصدفة ما يدعوه بقطع البسكويت المعدنية. أدرك قائده مباشرةً أن الشاب كان جائعًا وأنها ليست قطع بسكويت بل سبائك جلد الثور النحاسية التي تعود للعصر البرونزي الحديث. لم يكتشف الشاب مجرد سبائك نحاسية بل حطام سفينة قد غرقت سنة 1200 ق.م. في عصر بدأت فيه العولمة وكانت سببًا في انهيار حضاراته.(1)

استلم عالم الأثار البحرية 《جورج باس- George Bass》 مهمة التنقيب عن السفينة. وأثناء تنقيبه اكتشف زجاجًا خامًا وجرار تخزين مملوءة بالشعير والتوابل وربما الخمر. أما أثمن ما في الحمولة فهوا حوالي طن من القصدير الخام وعشرة أطنان من النحاس الخام الذين كانوا سيمزجون معا لتشكيل معدن البرونز الرائع.(1)

رسم تخيلي لسفينة أولوبورون (مواقع التواصل )

 في الواقع إن اكتشاف باس مدهش. ولكن قيمته حقًا لم تكن في هذه الحمولة الهائلة، بل بأنه أزاح الستار عن عصر أممي تربطه طرق تجارية وعلاقات دبلوماسية واسعة. كان هذا العصر يعتمد على معدن البرونز كما النفط في يومنا هذا.

علاقات دولية

كان عصر البرونز الحديث (1550-1200) عصر أممي بامتياز. قامت فيه امبراطوريات عظيمة سيطرت على العالم القديم وارتبطت ببعضها عبر التجارة والحروب والعلاقات الدبلوماسية. بحيث كان يمكن لشخص من مصر مثلا أن يقوم برحلة إلى اليونان للتسوق مارًا بجزيرة كريت ثم إلى مدن البر اليوناني ثم يعود إلى مصر. (2)

لم تكن سفينة أولوبورون الدليل الأول أو الوحيد على أممية هذا العصر. بل إن عالم الأثار نفسه قد اكتشف سفينة أخرى كانت قد غرقت قبلها بمئة سنة. ولم تكن هذه السفن سوى واحدة من مئات السفن التي كانت تجوب المتوسط عبر طرق بحرية أساسية كانت تربط العالم القديم ببعضه.

العولمة القديمة

وفي قصة مثيرة تعود لبداية هذا العصر حوالي عام 1477 ق.م. في مدينة بيرو نيفر في دلتا النيل والتي تعرف حاليًا بتل الضبعة. يأمر الفرعون المصري تحتمس الثالث ببناء قصر كبير له، بزخارف ورسومات جصية مذهلة لم يكن لها مثيل في مصر.

استأجر الفرعون لهذه المهمة حرفيون من جزيرة كريت البعيدة، والتي تقع في أقصى الغرب في الجانب الأخر من الأبيض المتوسط. رسم هؤلاء الحرفيون صورًا لم يراها أحد في مصر قبلًا، مشاهد غريبة لرجال يثبون فوق ثيران. وكانوا يستعملون الطلاء فوق الجص قبل أن يجف بحيث يمتص الألوان ويصبح جزئًا من الجدار نفسه. وهذا ما يسمى بأسلوب الفريسكو.

كانت هذه المشاهد والتقنية المستخدمة في الرسم المستوحاة من جزيرة كريت، موجودة أيضًا في مناطق كنعانية ساحلية وفي تركيا وقطنة في سوريا. (2) وتشكل هذه الرسوم مثالًا أخر على العولمة التي تعود لأكثر من 3400 سنة من يومنا هذا.

إن العلاقات بين جزيرة كريت والشرق الأدنى كانت أقدم من ذلك. فعلى جزيرة كريت نفسها عُثر عى العديد من الأغراض المصرية والكنعانية وأغراض تعود لبلاد الرافدين.  وكما تقول مؤرخة الفن هيلين كانتور لا تشكل الأدلة التي حفظها لنا مرور الزمن سوى نسبة ضئيلة مما لا بد وأنه كان موجودا يوما ما. كل وعاء استورد يمثل عشرات من الأوعية الأخرى التي اندثرت.

ربما ينبغي أن نفهم أن التجارة بين منطقة إيجة ومصر والشرق الأدنى كانت أكبر بكثير مما نظنه اليوم.

أرشيفات ملكية

عام 1887 ميلاديًا وفيما كانت امرأة قروية من مصر تبحث عن بعض الأخشاب للتدفئة في منطقة تل العمارنة. عثرت على واحد من أهم الأرشيفات التي دونت العلاقات الدبلوماسية والتجارية في العالم القديم. عثرت على أرشيف تل العمارنة.

بنى هذا الأرشيف الفرعون المصري أمنحتب الثالث خلال القرن الرابع عشر ق.م. واحتفظ فيه بجميع المراسلات الدبلوماسية والتجارية التي كانت تجري بين مصر ودول البحر المتوسط. مات أمنحتب الثالث وخلفه ابنه أخناتون أو كما نعرفه اليوم بفرعون النبي يوسف الذي قام بثورة التوحيد في مصر. ربما تخلى أخناتون عن كل موروث والده الديني وأغلق معابد أمون. لكنه فهم أهمية الحفاظ على العلاقات الدولية فاحتفظ بهذا الأرشيف وأضاف عليه.

كان أرشيف تل العمارنة كنزًا دفينًا يعج بالرسائل بين ملوك وحكام مناطق الشرق الأدنى. كان موضوع هذه الرسائل في العادة طلبًا للمساعدة من حكام مناطق تابعة لمصر. لكن رسائل القوى الكبرى كانت على مستوى دبلوماسي أعلى بكثير. (2)

نرشح لك: الفينيقيون الجدد .. كيف ترسم السياسة حدود الحضارات؟

عقوبات تجارية

قصة أخرى مثيرة للاهتمام، عثر المنقبون في مختلف المناطق الحيثية (تركيا حاليًا) على العديد من الأغراض والبضائع من مختلف البلدان في الشرق الأدنى. وأيضا عثروا على بضائع حيثية في جميع تلك البلدان. لكن الاستثناء الوحيد كان في منطقة اليونان فلم يتم إيجاد أي أغراض حيثية في البر الرئيسي لليونان خلال العصر البرونزي الحديث. وكذلك في الأراضي الحيثية لم يجد العلماء أي دلائل على استيراد أي أغراض من المملكة المسينية التي حكمت اليونان خلال الألفية الثانية. (2)

قد يكون الأمر أن أي من الطرفين لم ينتج اغراضًا احتاجها الأخر أو أن الأغراض المتبادلة كانت عرضة للتلف. لكن الأثرين قد عثروا على معاهدة دبلوماسية حيثية تنص عل حظر اقتصادي متعمد على الميسينيين ويبدوا أنه من المرجح أننا نطالع هنا أحد اقدم الأمثلة على ما ندعوه اليوم بالعقوبات اقتصادية.

ربما الدافع لإنشاء هذا الحظر هو قيام الميسينيين بدعم أنشطة معادية للحيثيين في غرب الاناضول. أو ربما هذا الحظر كان نتيجة لاتفاقية معادية للحيثيين وقعت بين مصر وميسينيا أثناء عصر الفرعون أمنتحتب الثالث. خلاصة القول يبدوا أن التجارة والدبلوماسية منذ 3500 عام مضت لم تكن تختلف اختلًافا كبيرًا عن ما يمارس في عالمنا المعولم اليوم من إجراءات حظر اقتصادي  وبعثات دبلوماسية وغيرها.

لقد كان العصر البرونزي الحديث عصرًا ذهبيًا في التاريخ لكن لكل شي نهاية ونهاية هذا العصر كانت مأساوية.

نهاية عصر

انهار العالم في نهاية عصر البرونز الحديث وانهارت معه الحضارة ورغم الكارثة التي أحلها هذا الانهيار إلا أنه لم يحدث فجأة ولا بسبب كارثة نووية بل حدث على مرحلة زمنية طويلة وبسبب عدة أزمات. سنة 1177 ليست السنة التي حدث فيها الانهيار بل السنة التي بدأ فيها كل شيء.  (2)

تشير أخر الأبحاث الأثرية والأدلة النصية المستخرجة من مدينة أوغاريت (رأس شمرا حاليًا على الساحل السوري) أن العلاقات والصلات الدولية بقيت قائمة حتى أخر لحظة من الانهيار، تدمرت أوغاريت نهائيا بين سنة 1190-1192 ق.م. ويورد المنقبون في تقاريرهم أدلة على دمار ونيران في سائر أنحاء المدينة. مع وجود العديد من رؤوس السهام منتشرة في أطلال المدينة. وهذا ما يدل على أن التدمير الذي حصل للمدينة هو نتيجة غزو خارجي.

في ذات الفترة تقريبا دمر عدد من المدن والبلدات في جنوب سوريا وكنعان، المشكلة أنه لم يتمكن العلماء لحد الأن من تحديد سبب الدمار أو هوية الفاعل.

خريطة المواقع المدمرة في نهاية عصر البرونز (مواقع التواصل )

فاعل مجهول

كان سائدًا ولفترة طويلة أن شعوب البحر هي المسؤولة عن الدمار الحاصل في نهاية عصر البرونز في كل المدن. وأن هذه الشعوب قد غزت معظم العالم القديم، ففي هذه الفترة في القرن الثاني عشر تعرضت معظم المدن للدمار مما كان يعزز هذه الفرضية. وذلك يعود بطريقة أو بأخرى للنص الذي كتبه رمسيس الثالث والذي ذكرناه في المقال الأول.

هذا النص يتحدث عن تدمير هذه الشعوب لعواصم الدول الكبرى لكن الأدلة الأثرية اليوم ربما تشير إلى غير ذلك.

يتحدث الكتاب المقدس ومصادر أخرى عن خمس مدن في جنوب كنعان احتلتها شعوب البحر وهي عسقلان وأشدود وعقرون وجت وغزة. التنقيبات الأثرية في مدينة عقرون وأشدود تشير إلى تدمير كبير في المدينتان يعود لنهاية عصر البرونز الحديث. وقد تم استبدال الثقافة المحلية للمدينتين بثقافة أجنبية (أحواض الاستحمام والمواقد والأدوات الفخارية …) وهذا ما يشير إلى تدفق أشخاص جدد في أعقاب انهيار كنعان وانسحاب القوات المصرية من المنطقة.

الأمر نفسه قد حدث في مدينة عسقلان ربما كانت شعوب البحر مسؤولة فعليًا عن دمار هذه المدن لكن ماذا عن باقي الممالك الكبرى؟

حروب محلية

في بلاد الرافدين وجد علماء الأثار أدلة تدمير في مواقع متعددة تشمل بابل، لكن من الواضح الأن أن المتسبب في ذلك كان قوى أخرى غير شعوب البحر فالجيش العيلامي الذي زحف من جنوب غرب إيران كان متسببًا في جزء من هذا الدمار.

وفي الأناضول (تركيا حاليًا) وفي نفس الفترة، نرى تدمير للعديد من المدن الكبرى منها حاتوسا عاصمة الحيثيين التي أظهرت الدراسات الأثرية تدمير القصر والمعبد فيها بنيران كبيرة. لا يمكن الجزم بأن شعوب البحر قد فعلوا ذلك وخصوصًا أن للحيثيين أعداء يسمون بالكاشكا ربما استغلوا فرصة ضعف الإمبراطورية الحيثية وهاجموها.

عمليات التدمير حصلت في ذات الفترة تقريبًا في المملكة الميسينية في اليونان. فمن المتفق عليه بشكل عام أن ميسيناي، عاصمة المملكة الميسينية، وعدة مدن كبيرة أخرى في اليونان قد لحقت بهم عملية التدمير في القرن الثالث والثاني عشر ق.م. ومجددًا لا يمكن تحديد هوية الفاعل لكن هذه المرة ربما كانت الطبيعة مسؤولة عن جزء من هذا الدمار، حيث تظهر بعض الأدلة أن زلزالًا أو سلسلة من الزلازل دمرت ميسيناي ومدن أخرى في اليونان. 

الأم الطبيعة

في الواقع عندما تقرر الطبيعة أن تدمر قطعة منها فيمكنها أن تفعل ذلك بعدة أشكال.

بفضل الأبحاث التي أجراها مؤخرًا علماء الزلازل الأثرية بات من الواضح أن اليونان ومساحة كبيرة من منطقة إيجة وشرق المتوسط كانت قد ضربتها سلسلة من الزلازل بدأت من سنة 1225 ق.م. استمرت طيلة خمسين عامًا يدعوها علماء الأثار اليوم بعاصفة الزلازل وقد ضربت في هذه الفترة الزمنية ميسيناي والعديد من المدن الميسينية الأخرى. ويمكن رؤية ضرر الزلازل في مواقع عديدة أخرى تشمل طروادة في تركيا حاليًا وحاتوسا في الأناضول وأوغاريت ومجدو وعكا وأشدود في المشرق. (3)

تغير مناخي

يعتقد بعض الباحثين اليوم أن المشكلة ليست فقط في الزلازل فالطبيعة تحمل في جعبتها الكثير. نشر فريق دولي من الباحثين يضم 《ديفيد كينوسكي – David Kaniewski》 بحثًا يتضمن عدة أدلة علمية على التغير المناخي والجفاف في إقليم البحر المتوسط في نهاية القرن الثالث عشر ق.م.

اعتمد الباحثون على بيانات استمدوها من تل تويني في شمال سوريا. وعبر دراسة حبوب لقاح مأخوذة من رواسب طمي بالقرب من الموقع استنتجوا وجود فترة جفاف شديدة في المنطقة (4). استمرت هذه الفترة ما يقارب 300 عام وتسببت في تلف المحاصيل ونقص الغذاء والمجاعة مما سرع الأزمات وفرض نزوحًا بشريًا إقليميًا في شرق المتوسط وغرب آسيا.

لاحقًا نشر براندون دريك من جامعة نيو مكسيكو عدة أدلة اضافية من مناطق في فلسطين وغرب اليونان، تشير إلى حصول جفاف في هذه المناطق وفي ذات الفترة تقريبا.. (2)

أحجار الدومينو

من شأن الجفاف والزلازل أن تحدث أزمات داخل الدول، وربما تؤدي إلى الهجرة. لكن هذه الكوارث قد حصلت في عصور سابقة ولم تؤدي لانهيار حضاري كامل فما هو السبب إذًا؟

هذه العوامل مجتمعة أسهمت في انهيار ممالك وامبراطوريات العصر البرونزي المتأخر وهذا هو الاحتمال المرجح حاليًا. فانهيار الأنظمة على هذا النحو لا يمكن أن يسببه زلزال أو مجاعة أو حرب لكن اجتماعها معًا يمكن أن يسبب أزمة كبيرة. وفي ظل تعقيد العلاقات بين الامبراطوريات واعتمادها على العولمة والأممية يمكن لكل هذا أن يؤدي إلى ما يسميه العلماء بالتأثير المضاعف حيث تتضخم تأثيرات تلك العوامل وتؤدي إلى الانهيار الكامل. (2)

كان معدن البرونز لذلك العصر كما النفط في يومنا وكانت السفن تعود الى ميسينيا محملة بالمواد الأولية لصناعة هذا المعدن . اعتمد الاقتصاد الميسيني بشكل أساسي على هذا المعدن، ومع انهيار التجارة الدولية لم تعد المواد الخام تصل الي ميسينيا الأمر الذي أدى إلى انهيارها. وكأحجار الدومينو تساقطت الحضارات الواحدة تلوى الأخرى مخلفةً عصورًا مظلمة استمرت لمئات السنين اللاحقة وهكذا تصبح العولمة سببًا للانهيار الحضاري الأكبر على الإطلاق.

لكن ماذا لو أن هذا العالم القديم لم ينهار كيف كان سيبدو عالمنا اليوم؟

نرشح لك: الانهيار الحضاري الكبير .. هل احتلت شعوب البحر العالم؟

المصادر:

  1. PULAK C. The Uluburun shipwreck. The oxford handbook of the Bronze Age Aegean. 2012 :1305-1327.
  2. Cline E. 1177 BC. Princeton University Press; 2015.
  3. Nur A, Cline E. Poseidon’s Horses: Plate Tectonics and Earthquake Storms in the Late Bronze Age Aegean and Eastern Mediterranean. Journal of Archaeological Science [Internet]. 2000;27(1):43-63. Available from here.
  4. Kaniewski D, Van Campo E, Weiss H. Drought is a recurring challenge in the Middle East. Proceedings of the National Academy of Sciences. 2012;109(10):3862-3867.

تاريخ الكتابة

ما الذي له اليد الطولى في وصول العالم إلى ما هو عليه الآن؟ بالطبع، ليس هناك سبب واحد للتطور الحضاري. لكن ثمة أسباب معينة كانت وراء انتقال البشرية من استخدام العصا إلى استخدام الأجهزة الذكية. قد يقول البعض بأن النار هي مفتاح الحضارة، وهم محقون في ذلك. وقد يعول البعض على الخيال الأسطوري الذي مهد إلى معرفتنا الحالية بالعالم والكون، وهم بدورهم على الصواب. بيد أن الكتابة هي العنصر الأكثر فاعلية في رحلة الإنسان الشاقة نحو المزيد من المعرفة. هذه الأداة التي أُستخدمت قبل آلاف الأعوام في بلاد ما بين النهرين لأغراض تجارية هي الحارس الوحيد لاقتصادنا المعرفي. فتاريخ التقدم البشري هو على الأغلب تاريخ الكتابة، أو على الأقل لما كان هناك أي نقاش دون وجود هذه العلامات ذات البعدين. فسنخصص هذا المقال في البحث عن تاريخ الكتابة.

ما قبل الكتابة

إذا كانت اللغة المنطوقة هي أساس بناء علاقة أفقية مع الآخر في حدود زمانية ومكانية محددة، فالكتابة هي دعوة للحوار العمودي بين الأسلاف والاخلاف. تسعى اللغة المنطوقة إلى أهداف آنية وتواصل آني سرعان ما يُنسى. في حين، الكتابة هي مقاومة الزمن في سعي مستمر نحو أهداف طويلة المدى.

مع أن الكتابة لعبت دورًا مشابهًا للدور الذي لعبته النار في الحضارة البشرية، إلا أن تاريخ الكتابة فتي وقصير جدًا. اللغة المنطوقة سبقت المكتوبة بآلاف السنين ولا نعرف لماذا تكاسل البشر في هذا الاكتشاف. لكن، الكتابة ما هي إلا شكلٌ من أشكال التواصل الحر العمودي؛ ترك البشر الكثير من الرموز الأخرى لإقامة علاقة معنا. فالرسومات الفنية على جدران الكهوف تمثل بدورها نوعًا من اللغة المكتوبة ومع تفسير تلك الرسومات يمكن فهم الكثير عن الحالة البشرية قبل عشرات الآلاف من الأعوام.

الكتابة هي المظهر المادي للغة المنطوقة. ويُعتقد بأن البشر قد طوروا هذا المظهر المادي حوالي (50000 إلى 35000 ق.م) كما هو واضح من الرسوم الكهفية في عصر إنسان كرو-ماجنون. فتلك الرسومات كانت تعبر عن مفاهيم من الحياة اليومية، كرحلة صيد وما وقع فيها من الأحداث على سبيل المثال(1).

تاريخ الكتابة

الرموز الممهدة للكتابة

كان السلف المباشر لخط بلاد ما بين النهرين عبارة عن جهاز تسجيل (Recording Device) يتكون من قطع طينية ذات أشكال متعددة. تم العثور على الكثير من تلك الاشكال الطينية الهندسية مثل المخاريط والأسطوانات والأقراص والاشكال البيضوية  وهي تعود إلى 8000 إلى 3000 ق.م. هذه الاشكال تجسدت رموز دلالية ونظام من الإشارات لنقل المعلومات. على سبيل المثال، كان المخروط والكرة يمثلان على التوالي مقدارًا صغيرًا أو كبيرًا من الحبوب(2). بيد أن هذه الاشكال لم يكن لها سياق قواعدي. قثلاثة مخاريط وثلاث بيضات متناثرة بأي شكل من الأشكال كان من المقرر ترجمتها “ثلاث سلال من الحبوب، وثلاث أوعية زيت”(2).

الكتابة التصويرية

بعد أربعة آلاف عام، أدى النظام الرمزي (Token System) إلى الكتابة. حيث حل الخط (Script) محل العدادات (Counters) في كل من بلاد السومر وعيلام عندما كانت الأخيرة تحت الحكم السومري في فترة 3500 ق.م. كان يتم تخزين الرموز (Tokens) في مظاريف طينية مسدودة، من المرجح كانت تمثل الديون، ويقوم المحاسبين بوضع علامة خطية على تلك المظاريف. وتلك العلامات كانت أولى علامات الكتابة(2). بيد أن التحول هذا لم يكن كبيرًا ولم تتحرر الكتابة بعد من نظام الرمز سوى في تحويل الرموز من ثلاثية الأبعاد إلى ثنائية الأبعاد. كان الخروج الرئيسي الوحيد من نظام الرمز يتمثل في إنشاء نوعين متميزين من العلامات(signs): الرسوم التصويرية المحفورة(incised pictographs) والأرقام المؤثرة (impressed numerals). بدأ هذا المزيج من العلامات في التقسيم الدلالي بين العنصر المحسوب والرقم(2).

اقرأ أيضًا: ملخص كتاب دروس من التاريخ لويل ديورانت

اللوغرام

المرحلة الثانية في تطور الكتابة تبدأ من حوالي 3000 ق.م. وذلك عند إنشاء علامات صوتية، بحيث تحولت العلامة الكتابية من عالم البصر إلى عالم السمع.

مع بناء الدولة، تطلبت اللوائح الجديدة تسجيل أسماء الأفراد الذين استلموا البضائع المسجلة على الألواح الطينية. وكانت العلامة الكتابية تكون بمثابة صورة ومحاكاة للعلامة المنطوقة، على سبيل المثال، يمكن كتابة اسم ربيع بعلامة دالة لفصل الربيع. وفي حال العبارات كان يتم استخدام رموز دالة وحسب لا الأفعال. هذه المرحلة من تطور خط بلاد ما بين النهرين والتي تميزت بإنشاء العلامات الصوتية، لم تؤدي فقط إلى فصل الكتابة عن المحاسبة ، بل أدت أيضًا إلى انتشارها من سومر إلى المناطق المجاورة، الحضارة المصرية على سبيل المثال(2).

ظهور الأبجدية

بدأت المرحلة الثالثة من تطور الكتابة حوالي 1500 ق.م مع اختراع الأبجدية. الأبجدية الأولى والتي تسمى بالسينائية (Porto-Sinaitic) والتي نشأت في أرض لبنان الحالية تأسست على حقيقية أن كل لغة تتألف من عدد محدد من الحروف وكل حرف يمثل صوتًا(2).

وكان قد حدث الانتقال من الكتابة المسمارية إلى الأبجدية في الشرق الأدنى القديم على مدى قرون. هذه الثورة المعرفية العظمى صدرها الشرق إلى بلاد الأغريق من خلال التجار الفينيقيين أبان القرن الثامن قبل الميلاد.

الجدير بالإشارة هو أن الفيضانات التي كانت تحدث في بلاد ما بين النهرين كان لها دور في ابتكار الأبجدية. حيث وجدت المجتمعات التي بنت المدن المبكرة أنها بحاجة إلى الاحتفاظ بسجلات لمخزوناتها وممتلكاتها وتجارتها(3).

الكتابة في مصر

منذ عام 3200 ق.م فصاعدًا، ظهرت الكتابة المصرية الهيروغليفية على ألواح عاجية صغيرة تُستخدم كملصقات للبضائع الجنائزية في المقابر. و تم العثور على الكتابة بالحبر باستخدام فرش وأقلام القصب لأول مرة في مصر. عُرفت هذه الكتابة بالحبر في اليونانية بالهيراتيكية (النص الكهنوتي) ، في حين أن الأحرف المنحوتة والمرسومة التي نراها على الآثار تسمى الهيروغليفية (المنحوتات المقدسة).

وكان للكتابة في مصر وظيفتان: الأولى كانت احتفالية وكانت كتابة منحوتة، والأخرى كانت في خدمة الإدارات الملكية والمعابد وكانت مكتوبة(4).

الكتابة في الصين

تطورت الكتابة في الصين من طقوس العرافة باستخدام عظام أوراكل عام 1200 قبل الميلاد. يبدو أن الكتابة الصينية نشأت بشكل مستقل، حيث لا يوجد دليل على انتقال ثقافي في هذا الوقت بين الصين وبلاد ما بين النهرين. تضمنت ممارسة العرافة الصينية القديمة نقوشًا على العظام أو الأصداف التي تم تسخينها بعد ذلك حتى تشققها. ومن ثم يتم تفسير الشقوق بواسطة العراف (Diviner) إذا كان هذا العراف قد حفر “الثلاثاء القادم سوف تمطر” و “الثلاثاء القادم لن تمطر” فإن نمط الشقوق على العظم أو الصدفة سيخبره ما هو الحال. بمرور الوقت ، تطورت هذه النقوش إلى النص الصيني(1).

تسجل عظام أوراكل هذه (شفرات كتف الثيران والسلاحف) الاسئلة التي طُرحت على النسب الملكي حول مواضيع متنوعة مثل تناوب المحاصيل والحرب والولادة وحتى وجع الأسنان. حتى الآن، تم العثور على ما يقرب من 150000 نموذج لمثل هذه العظام، تحتوي على أكثر من 4500 رمز مختلف، يمكن تحديد العديد منها على أنها أسلاف الأحرف الصينية التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم(4).

الخلاصة

منذ اختراع الكتابة في بلاد ما بين النهرين بدأت الحضارة ترتقي أكثر فأكثر. فاللغة قديمة جدًا، لكنها لم تكن قادرة على القيام بوظيفتها الكاملة دون وجود الكتابة. العالم نفسه لما كان سيكون بهذا الشكل لولا الهبة التي قدمتها لنا الكتابة. لما كنا سنعرف ملحمة جلجامش ولا الفلسفة اليونانية ولا كتاب مبادئ الرياضيات ولا حتى النصوص الدينية. ثمة أمر مثير للإهتمام في تاريخ الكتابة ألا وهو حدوثها الحتمي. إذ أن الكتابة كانت ستكون حتى دون أن يجازف السومريون؛ فحسب الأدلة التاريخية تمكن الصينيون من اختراع نظام للكتابة خاص بهم بمنأى عن السومريين. والكتابة لم تأتي فجأة بشكلها الحالي إنما تطورت بما يخدم الحاجات البشرية.

المصادر:

  1. ancient.eu
  2. sites.utexas.edu
  3. sciencedirect
  4. bl.uk

الانهيار الحضاري الكبير .. هل احتلت شعوب البحر العالم؟

يرزح الاقتصاد العالمي تحت ضغط كبير، وتجتاح الأزمات دول الشرق الأوسط. انهيار اقتصادي في لبنان وسوريا وحرب في اليمن، تدخلات تركية وإيرانية تأجج نيران الصراع في المنطقة. العراق يعيش حالة من الاضطراب واقتصاد اليونان في حالة يرثى لها. أليس هذا هو الحال في سنة 2021 ميلاديًّا؟ بلى، ولكن الوضع أيضا كان هكذا في سنة 1177 ق.م. منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة وفي عصر يدعى بالعصر البرونزي، حلَّ الانهيار الحضاري الكبير ، فانهارت حضارات منطقة البحر المتوسط الواحدة تلو الأخرى. وبانهيارها غيرت مسار ومستقبل العالم إلى الأبد.

استمر العصر البرونزي في منطقة الشرق الأدنى، ومصر وبحر إيجة ما يقرب من ألفَي عام. من سنة 3200 ق.م تقريبًا إلى بُعَيْد سنة 1200 ق.م. قامت في هذه الفترة العديد من الممالك الصغيرة والإمبراطوريات الكبيرة التي سيطرت على منطقة الشرق الأوسط. أسست نظمها وسياساتها الخاصة، وتشابكت العلاقات فيما بينها عبر طرق تجارية دولية واسعة حتى دعيت تلك الفترة بأول فترة أممية. إن أول ظهور للعولمة كما نعرفها اليوم قد بدأ منذ ذلك الحين. لكن وبعد قرون من التطور الثقافي والتكنولوجي، انتهى الحال بغالبية أقاليم البحر المتوسط إلى نهاية مأساوية. فسرعان ما انهارت الامبراطوريات الكبيرة والممالك الصغيرة، وانهار معها النظام العالمي. مخلفًا سنوات من الظلام قبل أن تظهر نهضة ثقافية جديدة في المناطق المتضرِّرة، ممهدة الطريق لتطور المجتمع الغربي على الصورة التي نعرفه عليها في وقتنا الحاضر.(1)

لسنوات عديدة وجهت معظم الأبحاث الأثرية التي درست هذا الانهيار وأسبابه أصابع الاتهام نحو شعوب البحر، اتهموا بأنهم قد اجتاحوا هذا العالم القديم ودمروه، فمن هم هؤلاء الشعوب؟

البداية والنهاية

في العام 1177 ق.م. وفي السنة الثامنة لحكم الفرعون المصري رمسيس الثالث وفي وقت واحد تقريبا بدأت عدة معارك برية وبحرية في دلتا مصر أو بالقرب منها. هاجمت قوات شعوب البحر الجيش المصري الذي كان في انتظارها. يوجد احتمال أن هذه المعارك كانت تمثل كمائن أخذ فيها المصريون أعدائهم على حين غرة أو أنها معركة واحدة طويلة، لكن ما هو مؤكد أن المصريين قد انتصروا فيها.

في معبده الجنائزي في مدينة هابو بالقرب من مدينة الأقصر حاليًا يمثل رمسيس الثالث معركته مع شعوب البحر بعدة جداريات ونقوش، وقد كتب بإيجاز في أحد هذه النصوص:

أعدَّت البلاد الأجنبية مؤامَرةً في جُزرها. وفجأة ودونما إنذار انتزعوا البلدان ودمَّروها في خضمِّ المعارك الحامية الوطيس. ولم يستطع أي بلد أن يَصمد في مواجهة جيوشهم، فاغتُصِبت البلدان بدءًا من خاتي، وكودي، وكركميش، وأرزاوا، وألشية وما بعدها دُفعةً واحدة. [لقد أقاموا] معسكرهم في مكان واحد في عمورو، والتي قتلوا شعبها، وكان حال أرضها كحال أرضٍ خَرِبة لم يكن ثمَّة وجودٌ لبشرٍ عليها من قبل. كانوا آخذين في التقدُّم صوب مصر، بينما كانت النارُ مُعدةً لهم. كان تحالفُهم يتكوَّن من الفلستيين، والتجيكر، والشيكليش، والدانونا، والويشيش، والتي كانت بلدانهم متحدة. لقد احتلوا بلدانًا بقدر ما وصلت إليه أيديهم، وكانت قلوبهم واثقةً وموقنةً بالنصر.(1)

يعطي هذا النقش العديد من المعلومات عن شعوب البحر. وكان يعتبر بالإضافة لباقي النقوش المصرية الدليل الأساسي لاجتياح شعوب البحر للعالم القديم وتدميره في أواخر عصر البرونز.

شعوب البحر

شعوب البحر، هو الاسم الذي أطلقه الباحثون عليهم اليوم، لكن المصريين القدماء لم يستخدموا هذا المصطلح أبدًا. عوضًا عن ذلك ححدوا هويتهم باعتبارهم مجموعات منفصلة تعمل معًا: الفلستيون، والتجيكر، والشيكليش، والشاردانا، والدانونا، والويشيش. وهي أسماء أجنبية الوقع لأناس بملامح أجنبية.

أسماء هؤلاء الشعوب ووجوههم محفورة على جدران معبد رمسيس الثالث الجنائزي في مدينة هابو. على هذه الجدران تظهر دروع الغزاة المستديرة، وأسلحتهم، وملابسهم، وقواربهم بوضوح تام، وبتفصيل كبير لدرجة أن الباحثين قد قارنوا بين الدروع والسفن في هذه الرسوم مع ما يشبهها في حضارات العالم القديم بحثًا عن أصل هذه الشعوب.

نقش يمثل معركة رمسيس الثالث مع شعوب البحر (مواقع التواصل )

على رؤوسهم ريش

بالنسبة لأشكالهم يظهرون في الرسوم وهم يرتدون قبعات من ريش على رؤوسهم، أو بأغطية رأس على شكل جماجم أو ذات قرون، كما يظهر بعضهم بلحية قصيرة مدببة وبإيزار قصير، وبعضهم الأخر بملابس طويلة تكاد تشبه التنانير. يشير هذا الاختلاف في الشكل واللباس إلى أن هذه الشعوب كانت من مناطق جغرافية وثقافات مختلفة.

لقد استعمل الغزاة القوارب التي تشبه مقدماتها رؤوس الأحصنة وهذا النمط كان منتشرا في حضارة بحر إيجة، كما استعملوا مركبات تجرها الثيران. قاتلوا بسيوف برونزية حادة واستعملوا رماح برؤوس معدنية وأقواس وسهام. أما دروعهم فكانت دائرية الشكل وهذا النمط كان منتشرًا أيضا في حضارة بحر إيجة. لقد جاء الغزاة في موجات وعلى مدى فترة طويلة من الزمن فهل أتوا من الفراغ؟

نقش يظهر أشكال شعوب البحر (مواقع التواصل )

أراضي خلف البحار

لم تترك المجموعات الست المنفصلة التي كوَّنت شعوب البحر أثناء هذه الموجة من الغزو أي نقوش تدل على أصلها. كان الدانونا معروفين منذ زمن بعيد على أنهم الدانانيون الذين أتى هوميروس على ذكرهم، والذين كانوا يعيشون في منطقة إيجة في العصر البرونزي. أما الشيكليش فقد أتوا من جزيرة صقلية الحالية. والشاردانا أتوا من جزيرة سردينيا، استنادًا إلى أوجه التشابه بين الحروف الساكنة في كلٍّ من الحالتَين. ومع ذلك لا يقبل كل الباحثين هذه الاقتراحات. توجد مدرسة فكرية بكاملها تقترح أن شعبي الشيكليش والشاردانا لم يأتيا من غرب المتوسط، وإنما كانا من مناطق في شرق المتوسط وأنهما فرَّا فحسب إلى منطقتَي صقلية وسردينيا، ومنَحا اسمَيهما لهاتَين المنطقتَين، بعد هزيمتهم على يد المصريين.

ما علاقة فلسطين بكل هذا؟

من بين كل المجموعات الأجنبية النشطة في هذه الساحة في ذلك الوقت، لم يحدد الباحثون على نحو مؤكَّد سوى مجموعة واحدة فقط. اعتبر الباحثون أن الفلستيون من شعوب البحر ليسوا سوى الفِلَسْطِينِيِّينَ، الذين حدِّد الكتاب المقدس أنهم أتوا من جزيرة كريت. يبدو هذا واضحا من تشابه الاسماء وبالإضافة إلى هذا التحديد  نشر فريق من العلماء سنة 2019 ورقة بحثية في مجلة ساينس ادفانس اعتمدوا فيها على تحليلات الحمض النووي لتحديد أصول الفلستيين. اختاروا للبحث أكثر من مئة رفات من مدينة عسقلان تعود للفترة الانتقالية بين عصر البرونز والحديد. 10 عينات فقط أعطت كميات كافية للتحليل. وقد بينت النتائج أنه في أوائل العصر الحديدي أو نهاية العصر البرونزي حصل تغيير في التركيب الجيني لسكان المنطقة في فلسطين مع وجود جينات من أصل أوروبي في رفات بعض العينات، وهذا ما يتناسب مع الوقت الذي كان مقترحًا لوصول الفلستيين إلى الساحل المشرقي.(2)

نرشح لك: التضحية بالأطفال .. قصة فينيقيو قرطاجة

غزو عالمي

يعتقد الباحثون اليوم أن شعوب البحر كانوا يتنقَّلون باستمرار من موقع إلى آخر، آخذين في اجتياح البلاد والممالك أثناء مرورهم بها. وحسب النصوص المصرية، فأنهم أقاموا معسكرًا في سوريا قبل الاستمرار بحذاء ساحل منطقة كنعان (التي تتضمَّن أجزاءً من سوريا الحالية، ولبنان، وفلسطين) وإلى دلتا نيل مصر.

هاجمت هذه الشعوب دول العالم القديم في فترات زمنية مختلفة انتقلوا برًا من يونان إلى تركيا اما بحرًا فقد هاجموا الحضارة الميسينية حوالي سنة 1210-1200 ق.م. ثم انتقلوا إلى جزيرة كريت ومنها هاجموا قبرص ثم السواحل المشرقية سنة 1192-1190 ق.م. ثم انتقلوا إلى ديلتا مصر سنة 1177 ق.م.

في مدينة أوغاريت في سوريا عثر العلماء على لوح طيني منقوش عليه رسالة من ملك أوغاريت في شمال سوريا إلى ملك جزيرة قبرص:

  أبي الأن وصلت سفن العدو. إنهم يضرمون النار في  مدني وألحقوا بالبلد الأذى. ألا يعرف أبي أن كل الرجال المشاة خاصتي ومركباتي الحربية متمركزون في خاتي، وأن كل سفني متمركز في أرض اللكا؟ أنهم لم يعودو بعد، لذا فالبلد ليس له حماية. فليكن أبي لى علم بها الأمر. الأن سفن العدو التي كانت اتية  قد ألحقت بنا الكثير من الضرر. وإذا كانت سفن أخرى ستظهر. فإعلمني بطريقة ما.

لا  نعلم اذا كانت هذه الرسالة قد وصلت  إلى وجهتها او لا لكن أوغاريت قد تدمرت كليا سنة 1190 – 1192 ق.م وهذا ما أظهرته دراسة حديثة.(3)

أما على ساحل المشرق الجنوبي فقد أسست هذه الشعوب ثلاثة مدن هي 《غزة – Gaza》و《 أشدود – Ashdod》و 《عسقلان – Ashkelon》و 《جاث – Gath》و《 عقرون – Ekron》

المناطق التي هاجمها شعوب البحر (مواقع التواصل )

غزاة أم لاجئون؟

نسب الباحثون السابقون كل الدمار الذي وقع في هذه الفترة إلى شعوب البحر. لكن قد يكون من المبالغة أن يلقوا بلائمة نهاية العصر البرونزي برمتها عليهم. فهم بذلك يمنحون تلك الشعوب قدرًا لا تستحقُّه من الأهمية، إذ إننا لا نَملك أدلة واضحة، باستثناء النصوص والنقوش المصرية، التي تُعطي انطباعات متضاربة. هل توجَّهت شعوب البحر إلى منطقة شرق المتوسط على هيئة جيش منظم نسبيًّا؟ هل كانت تلك الشعوب على هيئة مجموعة من المُغيرين المنظَّمين تنظيمًا ضعيفًا، مثل الفايكينج الذين ظهروا في عصر لاحق؟ أم كانوا لاجئين يفرُّون هربًا من كارثة؟

لم يعد هناك يقين أن كل المواقع التي يوجد دليل على تدميرها قد دُمِّرَت على يد شعوب البحر. فيمكن للباحثين مثلا أن يستنتجوا من الأدلة الأثرية أن موقعًا ما قد تعرَّض للتدمير، ولكن لا يستطيعوا دومًا أن يستنتجوا السبب أو الفاعل. علاوة على ذلك، فإن المواقع لم تُدمَّر كلها على نحو مُتزامِن، ولا حتى بالضرورة في خلال نفس العقد من الزمن.

تشير الأدلة المتوفرة حاليًا إلى أنه من المرجح أن شعوب البحر ليسوا الفئة الوحيدة التي تقع عليها اللائمة في ذلك. يبدو مرجحًا الآن أن تلك الشعوب كانت الضحيةَ بقدر ما كانت المُعتدية في مسألة انهيار الحضارات. تقترح إحدى الفرضيات أن تلك الشعوب أُجبِرَت على الخروج من أوطانها جراء سلسلة من الأحداث المأساوية وارتحلت شرقًا حيث صادفت مَمالك وإمبراطوريات كانت بالفعل آخذةً في الانحسار. من المحتمَل جدًّا أيضًا أن السبب تحديدًا في قدرتها على مهاجمة الكثير من ممالك المنطقة والقضاء عليها في نهاية الأمر هو أن تلك الأنظمة الملَكية كانت بالفعل آخذةً في الانحسار وفي حالة ضعف لسبب أو لعدة أسباب أخرى سنتكلم عنها في المقال القادم.

اقرأ أيضًا: الفينيقيون الجدد .. كيف ترسم السياسة حدود الحضارات؟

المصادر

  1. https://press.princeton.edu/books/paperback/9780691168388/1177-bc
  2. https://advances.sciencemag.org/content/5/7/eaax0061
  3. https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0020232

التضحية بالأطفال .. قصة فينيقيو قرطاجة

المكان 《منطقة تانيت – The Precinct of Tanit》 في قرطاجة (تونس حاليًا) أما الزمان فبين القرنين السابع والثاني قبل الميلاد. يتقدم رجل بقدمه اليمنى إلى الأمام، مرتديًا زيه الكهنوتي، يحمل بيده اليسرى ما يبدو وكأنه طفل صغير بدون ملامح، يرفع يده ليطلب من الآلهة تقبل قربانه ويحرق الطفل. فما الدافع وراء التضحية بالأطفال حرقًا؟

توفيت قرطاجة

يقع توفيت قرطاجة خارج المدينة وما نسميه اليوم توفيت كان مدفن كبير لجثث الأطفال المحترقة. هذا ما توصل له 《لورنس ستاجر –LAWRENCE STAGER》 الذي كان مسؤول الحفريات في مدينة تونس من سنة 1975 إلى سنة 1980. (1) لقد استخدم الفينيقيون التوفيت كمدفن للجثث المحترقة من القرن الثامن قبل الميلاد حتى القرن الثاني ق.م. حيث تدمرت قرطاجة على يد الرومان. (2) وجد ستاجر في الموقع بقايا جثث محترقة لآلاف الأطفال الرضع مدفونة مع بقايا عظمية تعود لحيوانات كالخراف والماعز والطيور في جرار تعلوها علامات حجرية منحوتة (مسلات)، وغالبًا ما تحمل نقوشًا أيقونية فسرها بعض الباحثين على أنها تدل على التضحية بالأطفال.

تضحية أم بروباغاندا؟

بالعودة إلى الماضي، إلى الزمن الذي ازدهرت فيه قرطاجة، كان الإغريق والرومان في كتاباتهم الأدبية يتهمون الفينيقيين في قرطاجة بالتضحية بأطفالهم للإله 《كرونوس – kronos》 من أجل كسب المعارك، وجاءت الأدلة الأثرية المتمثلة بعظام الأطفال الكثيرة المحترقة في منطقة توفيت لتدعم كتاباتهم، لكن العداوة بين الرومان والفينيقيين في قرطاجة كانت معروفة، لذلك بقيت هذه الكتابات محط جدل كبير وغير موثوقة في الأوساط العلمية كونها يمكن أن تكون بروباغاندا مغرضة ضد القرطاجيين. سنة 2010 قام عالم الأحياء والأنثروبولوجيا 《جيفري إتش شوارتز – Jeffrey H. Schwartz》 من جامعة بيتسبرغ بأول دراسة على عينات من بقايا الهياكل العظمية البشرية المحترقة (348 جرة دفن، العدد = 540 فردًا) التي استخرجها من التوفيت القرطاجي(1)

جرى هذا البحث بناءًا على دراسة تكوين الأسنان وأنسجة المينا وعلى عظام من الجمجمة 《العظم الصدغي- Temporal bone》 مع الأخذ بالحسبان الآثار المحتملة لانكماش العظام الناجم عن الحرارة. الهدف الأساسي من الدراسة كان معرفة ما إذا كان البشر المدفونين في التوفيت أضحيات محروقة حية أم أحرقوا بعد الموت كما كان شائعًا في العالم القديم. لكن دراسة شوارتز وعلى عكس المتوقع أظهرت أن معظم العينات تعود لأجنة ماتت قبل فترة الولادة، أو ما بين 5-6 أشهر بعد الولادة، وبدلا من الحديث عن التضحية كسبب للوفاة يقول شوارتز أن هذه النسبة من الأعمار تتوافق مع البيانات الحديثة حول وفيات الفترة المحيطة بالولادة، أي أن هذه الوفيات طبيعية. وفي قرطاج تفاقمت نسبة الوفيات بسبب العديد من الأمراض التي كانت شائعة في العالم القديم كما في المدن الكبرى الأخرى، مثل روما وبومبي. إذن كان توفيت قرطاجة مدفن للأطفال أو الأجنة الذين ماتوا قبل الولادة أو بعدها بفترة وجيزة، بغض النظر عن سبب الوفاة. يبقى أن الأمر لم ينتهي هنا فكل فرضية علمية تحمل هامشها من الخطأ.

تأريخ الأعمار دليل على التضحية

إن إثبات التضحية بالبشر من عدمه عموما يعتمد بشكل كبير على القدرة على تحديد أعمار العظام المدروسة، والعمر ليس من السهل تحديده. في السنة التالية لنشر شوارتز لبحثه قامت 《باتريشيا سميث – Patricia Smith》 المتخصصة في البيولوجيا والأنثروبولوجيا وفريق من المتخصصين، بنشر ورقة بحثية اعتمدت فيها على مجموعة من التقنيات الجديدة لتأريخ الأعمار، وقد بينت الدراسة أن معظم الأطفال في قرطاجة قد ماتوا بين شهر وشهر ونصف بعد الولادة، لذلك اعتبرت سميث أن التضحية بالأطفال كانت محتملة جدا. (2)

إقرأ أيضًا: ما هو التحنيط الذاتي ؟

تقول سميث في دراستها أنه من أكثر القضايا المحورية في النقاش عن كيفية تقدير أعمار الرضع هو كيفية تأثير حرق الجثث على العظام المستخدمة في التأريخ. وتقول سميث أن هذه الدراسة اعتمدت على مجموعة من التقنيات منها 《القياس الحيوي- biometry》،《والمجهر الضوئي-light microscopy》 لتحديد عمر العظام للأطفال.

طول الأسنان يحدد عمر الميت

باستخدام طول الاسنان، وبعد تصحيح الانكماش، وجدت سميث وفريقها أن عمر الاطفال الرضع في توفيت بلغ ذروته بين الشهر والشهر والنصف مع بعض العينات التي وصل عمرها لأربع سنوات، وهذا التوزيع العمري يختلف عما هو موجود في مدافن الرضع في المواقع الأثرية الأخرى الذين ماتوا بشكل طبيعي. هذا التوزيع العمري، وكذلك المعاملة الجنائزية الخاصة للأطفال الرضع، يدعم الأدلة النصية والأيقونية التي تقول: إن الفينيقيين مارسوا التضحية بأطفالهم. وهذا ما عارض دراسة شوارتز الذي قال إن توفيت قرطاجة قد استخدم كمقبرة لدفن الرضع المجهضين أو الذين ماتوا قبل الولادة.

من ناحية أخرى حسب سميث فإن حرق الجثث على نار مكشوفة هو طقس أكثر تكلفة ويستغرق وقتًا طويلاً من الدفن وفي معظم المجتمعات عادة ما يتم هذا الطقس لكبار السن أو للنخبة في المجتمع. وقد توصلت سميث إلى قناعة بأن الفينيقيين أحرقوا الجثث في أماكن مفتوحة وليس في أفران مغلقة بعد أن وجدت اختلافات في نسبة الحرق على العينات التي درستها وأرجعت ذلك إلى تساقط بعض العظام وعدم تعرضها لنار كافية أثناء عملية الحرق. أمر أخر يدعم فرضية سميث، في مدينة قرطاجة بأكملها كان نمو الأشجار نادرًا إن لم يكن غائبًا. (3)

إذا فندرة الأشجار جعلت عملية الحرق مكلفة جدا، فلم قد يلجأ الفينيقيون إلى حرق جثث أطفالهم المتوفين وتحمل كل هذه التكلفة بدل دفنهم بطريقة اعتيادية؟ لذلك وكما تفترض سميث فقد ضحى الفينيقيون بأطفالهم كنوع من الطقوس الدينية التي تقربهم من الآلهة.

آلة الزمن هي الحل

بالنسبة للفريقين فكلاهما على حق، ومع أن الإثنين اعتمدوا على تقنيات علمية دقيقة في تحليل العظام إلا ان نتائجهم أتت مختلفة والسبب في ذلك يعود للتفسير العلمي للفرضيات المطروحة، وهذا ما يميز العلوم الإنسانية بشكل عام عن غيرها، فالتفسير والتحليل فيها لا ينتهي. بعد البحث الذي نشر سنة 2011 عن سميث وفريقها والذي ناقض بحث شوارتز عاد الأخير في السنة التالية إلى نشر ورقة بحثية ليرد على نقد سميث لبحثه. (4) وبناءًا على خبرة شوارتز الطويلة في دراسة العظام يؤكد أن معظم العينات من التوفيت التي درساها كانت تعود لأجنة قد ماتوا قبل الولادة. كما أن شوارتز قد اعترض على بحث سميث واعتبر أن الأخيرة قد أخطأت في حساب انكماش العظام بسبب الحرق ومن هنا فقد أخطأت بتأريخ عمر العظام وبسبب هذا الخطأ توصلت لنتيجة أن التضحية بالأطفال كانت محتملة. إن قضية التضحية بأطفال قرطاجة لم تحسم بعد، بانتظار اكتشافات أثرية جديدة في المستقبل لتحل المشكلة، أو ربما إذا حصلنا على ألة زمن سنعرف الحقيقة.

المصادر

  1. Schwartz J, Houghton F, Macchiarelli R, Bondioli L. Skeletal Remains from Punic Carthage Do Not Support Systematic Sacrifice of Infants. PLoS ONE. 2010;5(2):e9177.
  2. Smith P, Avishai G, Greene J, Stager L. Aging cremated infants: the problem of sacrifice at the Tophet of Carthage. Antiquity. 2011;85(329):859-874.
  3. Zeist W, Veen M, DIET AND VEGETATION AT ANCIENT CARTHAGE THE ARCHAEOBOTANICAL EVIDENCE. Groningen Institute of Archaeology University of Groningen. 2001
  4. Schwartz J, Houghton F, Bondioli L, Macchiarelli R. Bones, teeth, and estimating the age of perinates: Carthaginian infant sacrifice revisited. here.

تاريخ مصارعة الديكة

تاريخ مصارعة الديكة

التاريخ مليء بالعنف الذي ينطوي على إيذاء الحيوانات وتعريضها للخطر والإصابات التي تؤدي إلى موتها في كثير من الأحيان. وذلك من قبيل التسلية والترفيه مثل: مصارعة الديكة، والثيران.

وعلى الرغم من أن هذه الممارسات تمت إدانتها بموجب القانون إلى أنها لم تختفي للابد ومازالت مستمرة حتى الآن.

متى بدأت مصارعة الديكة ؟


نشأت مصارعة الديكة منذ أكثر من 2500 عام، ويرجح المؤرخون أنها نشأت في جنوب آسيا وتعتبر من أقدم الرياضات الموثقة في التاريخ.

فسيفساء رومانية لمصارعة الديكة موجودة في المتحف الوطني للآثار في نابولي

وعلى الرغم من الحظر المفروض عليها في العديد من البلدان إلا أنها استمرت بالازدهار ويعود تاريخ مصارعة الديكة إلى العصور الكلاسيكية حيث مارسها الإغريق لتحفيز جنودهم للقتال قبل المعارك.

انتقلت من بلاد فارس إلى اليونان، وبحلول العصور الوسطى كانت منتشرة في أوروبا وفي آسيا الصغرى وصقلية. وعلى الرغم من معارضة رجال الدين لهذة الرياضة ومحاولة السلطات لقمعها، إلا أنها بقيت الرياضة المفضلة قديماً لدى الملوك والنبلاء الإنجليز من أوائل القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر.

كانت الحكومة في كوبا تشرف على المصارعة، ولكن تم تقليص هذا النشاط في عام 1959م. بالإضافة لانتشارها في الهند والصين .

لماذا تتصارع الديكة من الأساس ؟


تتقاتل الديكة في البرية على الموائل وحتى من أجل فرص التزاوج، ولكن نادراً ما ينتج عن هذا القتال إصابات خطيرة وتنتهي هذه النزعات البسيطة بانسحاب الطرف المهزوم.

ولكن الأمر مختلف بالنسبة لتلك التي تساهم في المباريات، حيث يتم وضع نظام خاص بها فيتم تربيتها وتكييفها لزيادة القدرة على التحمل كما أن القائمين على هذه الصناعة يحقنون الديكة بالمنشطات والأدوية التي تساهم في إثارتها.

مباراة لا يفوز بها أحد

مسامير تثبت في أقدام الديكة في المصارعة


تدور المباراة بين مجموعة من الديكة وسط تشجيعات وهتاف الجمهور الذي يضع مراهنات كبيرة. وتستمر من عدة دقائق إلى حوالي نصف ساعة في حفرة دائرية يبلغ قطرها حوالي 6 أمتار محاطة بحواجز معدنية.
تُسلح الديكة بشفرات فولاذية ومسامير مثبتة في أقدامها وتحقن بالمنشطات قبل صعود المباراة. في العصور القديمة كانت تنتهي المباراة بموت أحد الديكة ولكن فيما بعد عدّلت قوانين اللعبة حيث يتم سحب الديك الأكثر تضرراً، وفي النهاية الطرف الرابح ليس هو الطرف المحظوظ فغالباً ما يعاني من إصابات حادة كالكسور البالغة في العظام وثقوب في الرئتين والعيون.

ممارسات متعلقة بـمصارعة الديكة

هناك أيضاً ممارسات غير قانونية تصاحب هذه الرياضة، كتداول المخدرات وتخريب الممتلكات العامة والعنف بين المتقامرين إلى حد الوصول لجرائم القتل.

رياضة للرجال فقط


تعتبر هذه الرياضة موجهة للرجال أكثر منها للنساء وقد يرجع ذلك للاجواء المرتبطة بها من عنف ودموية. وبرغم من مشاركة أعداد قليلة من النساء في هذه الرياضة إلا أن هذه الرياضة لطالما ارتبطت بالتعبير عن الذكورة في عدة ثقافات، فمثلا كلمة «ديك-sabung» و التي تترجم حرفيا في الثقافة البالية بمعنى البطل أو الرجل القوي ، والتي تستخدم أيضا للتعبيرعن الأعضاء الجنسية.
وتعتبر مصارعة الديكة جزء من الثقافة البالية بالإضافة إلى أن بعض الدول تجعل المباراة محاكية لانتصارات قومية. فمن الواضح أن هذه الرياضة ذات تأثيرات نفسية عميقة لدى مشجعيها، وربما يكون هذا سبب عدم توقف هذه الرياضة الدموية حتى الآن.

المصادر:

1- onegreenplanet

2- ejop.psychopen

3- kplctv

4- peta

ما هو التحنيط الذاتي ؟

ما هو التحنيط الذاتي ؟

اشتُهر كاهن ياباني يُدعى كوكاي بممارسة كانت تهدف إلى إظهار الانضباط الديني والتفاني وهي “تحنيط الذات”. وذلك منذ أكثر من 1000عام، عُرفت هذه الممارسة باسم “سوكوشين بوتسو”، وتبلغ ذروتها في الموت والحفاظ الكامل على الجسم. وفي حال نجاح التحنيط الذاتي كانت مومياء الراهب توضع في معبد ليراه الآخرون ويكرموه.

كان كوكاي (774م – 835 م) راهبًا يابانيًا وباحثًا وشاعرًا وفنانًا ومؤسسًا لطائفة باطنية اسمها شينغون_Shingon، والتي جمعت عناصر من البوذية والشنتو القديمة والطاوية وديانات أخرى. مارس مع أتباعه الشوجيندو_ Shugendo. وهي فلسفة تقوم على تحقيق القوة الروحية من خلال الانضباط وإنكار الذات.

ذهب كوكاي في نهاية حياته إلى حالة من التأمل العميق وانقطع عن الطعام والماء، مما أدى في النهاية إلى وفاته الطوعية. ثم دفنه أتباعه على جبل كويا في محافظة واكاياما. وفيما بعد فُتِحَت المقبرة وعُثر على كوكاي، المعروف بعد وفاته باسم كوبو دايشي، وكأنه نائم، وبشرته لم تتغير وشعره سليم وقوي.

تطورت عملية التحنيط الذاتي منذ ذلك الوقت، حيث مارسها عدد من أتباع طائفة شينغون المتفانين. لم ينظروا إلى لتحنيط الذاتي على أنه عمل انتحاري، بل كشكل من أشكال التنوير.

مراحل التحنيط الذاتي:

التحنيط الذاتي هي عملية يقوم بها الرهبان خلال عدة سنوات من الطقوس القاسية لتحنيط أنفسهم حتى الموت. ويمر الراهب خلال تحنيط جسده بعدة مراحل هي:

المرحلة الأولى:

يتوقف الرهبان خلال الألف يوم الأولى عن تناول جميع أنواع الطعام باستثناء المكسرات والبذور والفاكهة والتوت، وينخرطون في نشاط بدني مكثف ليتخلصوا من جميع الدهون في الجسم.

كوكاي يتأمل حتى وفاته على جبل كويا

المرحلة الثانية:

في الألف يوم التالية يقتصر نظامهم الغذائي على اللحاء والجذور. وقبل نهاية هذه الفترة كانوا يشربون شايًا سامًا من شجرة الأوروشي؛ التي تسبب القيء وفقدانًا سريعًا لسوائل الجسم. كما أنها تعمل كمواد حافظة وتقتل اليرقات والبكتيريا التي تسبب تحلل الجسم بعد الموت.

المرحلة الثالثة:

يبقى الراهب في قبر حجري بالكاد يتسع لجسده بعد أكثر من ست سنوات من الإستعداد، ويتنفس مستخدماً أنبوباً صغيراً وجالساً في وضعية اللوتس، ويستمر في حالة التأمل حتى الموت.

راهب نجح بتحنيط نفسه

كان الراهب يقرع في كل يوم خلال عزلته في القبر جرسًا لينبه الأشخاص في الخارج أنه لايزال على قيد الحياة، وعندما يتوقف الجرس عن الرنين، يقوم الأتباع بإزالة الأنبوب، ويختمون القبر لمدة ألف يوم تمثل نهاية هذا الطقس.

راهب من معبد دينيتشي بو على جبل يودونو المقدس

في نهاية الفترة يتم فتح القبر لمعرفة إن كان الراهب قد نجح في تحنيط نفسه. إذا وجدت الجثة بحالة حفظ جيدة يتم رفع الراهب لمنزلة بوذا. ويوضع جثمانه في معبد، أما إذا كانت الجثة قد تحللت، يتم إقفال القبر على الراهب واحترامه لتحمله.

أهم النماذج عن التحنيط الذاتي:

  • مومياء محنطة ذاتياً داخل تمثال بوذا

كشفت دراسة لتمثال بوذا أنه يحتوي على بقايا محفوظة جيدًا لراهب بوذي توفي في حوالي عام 1100 بعد الميلاد. وقد أجريت هذه الدراسة في مركز Meander الطبي، تحت إشراف Erik Bruijin وهو خبير في الفن والثقافة البوذية، وساعده في الدراسة طبيب مختص بأمراض المعدة والأمعاء، وأخصائي أشعة قام بإجراء الأشعة المقطعية والتنظير.

تمثال بوذا خلال فحصه بالأشعة المقطعية

يعتقد الباحثون أن الراهب هو سيد صيني، من مدرسة التأمل الصينية، ولكن لم يتم العثور على أدلة تساعد في تحديد هويته. وقد تم استخدام منظار مصنوع خصيصاً لدراسة المومياء، وتم فحص البطن والصدر وعينات من العظم لاختبار الحمض النووي.

يقترح الباحثون أن هذه المومياء تقدم مثالاً عن “التحنيط الذاتي” حيث يقوم الرهبان خلال سنوات قاسية بتحنيط أنفسهم حتى الموت.

الباحثون يفحصون التمثال من الداخل
  • Shinnyokai Shonin من معبد Dainichi-Boo على جبل Yudono المقدس.
  • يتوجد مومياوات أخرى في معبد Nangakuji في ضواحي Tsuruoka ، وفي معبد Kaikokuji في في Sakata.

يعتقد الباحثون أن عدة مئات من الرهبان حاولوا ممارسة التحنيط الذاتي. ولكن من المعروف أن 28 منهم فقط قاموا بالتحنيط، ويمكن زيارة العديد منهم في معابد مختلفة في اليابان.

استمرت هذه الممارسة القديمة لتحنيط الذات حتى القرن التاسع عشر عندما تم حظرها من قبل الحكومة اليابانية. في وقتنا الحالي لا تمارس أي طائفة بوذية التحنيط الذاتي.

المصادر:

1- irisaharchaeology
2- Ancient Origins
3- Ancient Origins

“لوحات المومياوات” نموذج ثلاثي الأبعاد يكشف لنا مدى دقتها!

في مطلع الألفية الأولى بعد الميلاد، أصيب طفل كان يعيش في مصر بمرضٍ أدى لوفاته. تم تجهيز جسده الصغير للتحنيط والدفن، و أُزيلت بعض أعضائه، ولُفَّ رفاته بشرائط كتانية متقاطعة، وأُلصقت صورته على مقدمة المومياء.

كانت “لوحات المومياوات” جزءاً من تقليد شائع بين بعض المصريين في الفترة الرومانية، انتشرت من حوالي القرن الأول وحتى القرن الثالث بعد الميلاد. ولكن ما مدى دقة هذه اللوحات؟
لمعرفة ذلك، فحص فريق من العلماء في النمسا وألمانيا جسد الطفل الصغير، لإنشاء نموذج رقميا ثلاثي الأبعاد لوجهه.

المومياء وظروف اكتشافها

لوحات المومياوات

المومياء معروضة في متحف ميونخ، ومسجلة برقم ÄS 1307، وهي موجودة في المتحف منذ عام 1912م عندما تبرع بها عالم المصريات الشهير السير فلندرز بتري للمجموعة الملكية البافارية للآثار. تشير السجلات إلى أن السير قد اكتشفهافي ثمانينات القرن التاسع عشر في مقبرة قريبة من هرم هوارةفي الوجه البحري، بالقرب من منطقة الفيوم التي كانت مكانًا للعديد من المستوطنات في الفترة الرومانية.

يبلغ طول المومياء 78سم، وعرضها 26سم، الجسد مغطى بالكامل بشرائط الكتان المتقاطعة، وتعود إلى الفترة ما بين عام 50-100 قبل الميلاد. وتُظهر اللوحة طفلاً صغيرًا مجعد الشعر ومصفف بجديلتين صغيرتين تمتدان من قمة الرأس إلى الأذنين. عيناه كبيرتان وأنفه دقيق وطويل، فمه صغير وشفاهه ممتلئة، يحيط برقبته عقد بقلادة صغيرة.

الفحوصات والأشعة

عملية التصوير المقطعي للمومياء

درس الفريق صور الأشعة السينية المأخوذة لجسد المومياء بالكامل عام 1984م، بالإضافة لتصويرها مقطعيًا، لفحص الأعضاء الداخلية والأحشاء بدون الحاجة إلى فك شرائط الكتان وتشريح المومياء.

كشف التصوير المقطعي عن استئصال الدماغ، وبعض الأعضاء في البطن، وهي ممارسة شائعة عند المصريين القدماء خلال عملية التحنيط.
كما كشف نمو الأسنان والعظام عن عمر الصبي عند وفاته، ويرجح العلماء سبب الوفاة إلى التهاب رئوي، حيث تمت ملاحظته من خلال بقايا أنسجة الرئة في الأشعة المقطعية.

صورة مقطعية للرأس

إعادة بناء الوجه

أنشأ العلماء نموذجاً ثلاثي الأبعاد للجمجمة اعتماداً على الصور المأخوذة من التصوير المقطعي، اعتمد الباحثون لإعادة بناء الوجه على معايير مأخوذة من الأطفال المعاصرين الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 8 سنوات.
اعتمد تكوين النموذج ثلاثي الأبعاد على شكل الجمجمة والأسنان بشكل أساسي، بينما اعتمد على اللوحة لتحديد لون الشعر وطبيعته.


نتائج الفحوصات

إعادة بناء الوجه

وكانت النتيجة أن نموذج الوجه ثلاثي الأبعاد مشابه إلى حد كبير للوجه في اللوحة. فالبعد ما بين الجبهة وخط العين، والمسافة ما بين الأنف والفم متماثلة تماماً ما بين اللوحة والنموذج. مع ذلك كانت هناك بعض الاختلافات ما بين عرض جسر الأنف وحجم فتحة الفم، فكلاهما أكثر رشاقة وضيقاً في اللوحة عن إعادة البناء الإفتراضية. هناك اختلاف آخر وهو جعل الطفل يبدو أكبر من عمره بثلاث أو أربع سنوات.

النتيجة النهائية لإعادة إنشاء الوجه


ربما كان تصوير الأطفال على أنهم أكبر سناً؛ تقليداً فنياً في تلك الفترة، ومع ذلك فإنه من الصعب معرفة إذا ما كان هذا التقليد شائعاً عند المصريين القدماء من خلال صورة هذا الطفل فقط. لذلك ستكون مومياء هذا الصبي الأولى من ضمن مشروع لمقارنة المومياوات مع لوحاتها.

المصادر:
plos
Live science
Archaeology

الموت الأسود، كيف تتبعه علماء الآثار ؟

الموت الأسود، كيف تتبعه علماء الآثار ؟

كان الموت الأسود وباءًا عالميًا مدمرًا من الطاعون الدبلي، الذي ضرب أوروبا وآسيا الوسطى في منتصف القرن ال13، وصل الطاعون إلى أوروبا في 1347 عندما رست 12 سفينة في البحر الأسود في ميناء “ميسينا” الصقلي، فوجئ الناس المتجمعون على الأرصفة بموت معظم البحارة، وإصابة الأحياء بمرض خطير، أمرت سلطات “صقلية” على عجل بإخراج أسطول”سفن الموتى” من الميناء، لكن الأوان قد فات، فعلى مدى ال5 سنوات التالية قتل “الموت الأسود” أكثر من 20 مليون شخص في أوروبا -أي حوالي ثلث سكان القارة”-، فما هو الموت الأسود، وكيف تتبع علماء الآثار مخلفاته؟

كيف بدأ الطاعون ؟

حتى قبل وصول “سفن الموت” إلى ميناء “ميسينا”، كان العديد من الأوروبيين قد سمعوا شائعات عن وباء يشق طريقا مميتا عبر طرق التجارة في الشرقين الأدنى والأقصى، وفي أوائل أربعينيات القرن ال14 أصاب المرض الصين والهند وبلاد فارس وسوريا ومصر.

يُعتقد أن الطاعون قد نشأ في آسيا منذ أكثر من 2000 عام، ويرجح أنه إنتشر عن طريق السفن التجارية، على الرغم من أن الأبحاث الحديثة ذكرت أن العامل الممرض للموت الأسود، قد يكون موجودا في أوروبا منذ 3000 ق.م.

مصدر الموت الأسود

لمئات السنين ظل سبب تفشي الطاعون محاطا بالغموض والخرافات، لكن التطورات الدقيقة في المجاهر ساعدت أخيرا في الكشف عن العامل الحقيقي المسؤول عن المرض، إكتشف ألكسندر يرسين-alexanfre yersin البكتيريا المسؤولة عن الموت الأسود، وهي يرسينيا بيستيس-yersinia pestis.

يرسينيا بيستيس هي بكتيريا شديدة الخطورة تعمل على تعطيل الجهاز المناعي للمضيف عن طريق حقن السموم في الخلايا الدفاعية مثل الخلايا البلعمية- المكلفة باكتشاف العدوى- فبمجرد التخلص منها يمكن للبكتيريا أن تتكاثر دون معيقات.

تظهر صورة مجهرية لبكتيريا 
اليرسينيا الطاعونية المسببة للطاعون.

ما هي أعراض الموت الأسود ؟

تسبب بكتيريا يرسينا 3 أنواع من الطاعون في البشر:

– الطاعون الدبلي.
– الإلتهاب الرئوي.
– تسمم الدم.

بالرغم من غياب دليل الحمض النووي على وجود “يرسينا” كانت موجودة في ضحايا الموت الأسود، إلا أن شكل العدى غير مؤكد، ومن المحتمل أن الثلاثة أوبئة قد لعبت دورا سبب الطاعون الدبلي الحمى والتعب والرعشة والقيئ والصداع والدوار وعدم تحمل الضوء وآلام الظهر والأطراف، والقلق واللامبالات والهذيان، كما يسبب الدبل أيضا- تورم غدة أو أكثر من الغدد اللمفاوية، عادة في الفخذ أو الإبط-.

أما الطاعون الرئوي فيؤثر على الرئتين مسببا حمى وضعف وضيق التنفس وإمتلاء الرئتين بسوائل قد تؤدي للموت، أما طاعون تسمم الدم فتشمل أعراضه تعب وحمى ونزيف داخلي.

كيف تتبع العلماء الأثر المدمر للموت الأسود؟

تم الكشف عن الدمار الذي أحدثه الطاعون في إنجلترا، في العصور الوسطى، في دراسة أثرية مفصلة بمساعدة 10000 متطوع من علماء الآثار الهواة. شمل المتطوعون العائلات المحلية والطلاب ومالكي الأراضي، وأعضاء الجماعات المجتمعية، وحفروا أكثر من 2000 حفرة إختبار في 55 قرية في شرق إنجلترا، تحت إشراف علماء الآثار وقادة الفرق المحلية المدربين.

تم تجميع وتحليل البيانات حول القطع الفخارية المكسورة الموجودة في أكثر من 2000 حفرة، تبلغ مساحة كل منها 11 قدما ² (1 متر²) وعمقها يصل إلى 4 أقدام(1.2متر).

اقرأ أيضًا عن أثر الطاعون الأنطوني على الامبراطورية الرومانية

الفخار وعدد السكان:

أدارت الدراسة “كارينا لويس”- عالمة آثار في جلمعة لينكولن في المملكة المتحدة-، وقارنت البيانات حول أعداد القطع الفخارية التي يعود تاريخها لما قبل الموت الأسود بالأرقام التي تم العثور عليها بعده، وقد كشفت التغييرات طويلة المدى التي أحدثها الطاعون في السكان.تمكنت الدراسة الجديدة من معرفة كيفية تأثر المجتمعات بالطاعون بشكل عام، فقد إنخفض عدد سكان القرى(التي أقميت فيها الدراسة) بمعدل 45% بعد الطاعون.

وتشير الدراسات المعاصرة، إلى تفاوت معدل الوفيات في المناطق المختلفة، بين ثمني وثلثي السكان، ولربما كانت إنجلترا عام 1400 نصف ما كانت عليه قبل 100 عام، فبالتأكيد تشبب الطاعون في هجرة السكان والإختفاء التام لحوالي 1000 قرية.

عامة لم يكن تأثير الوباء بالسهل أبدا، فقد عقب ذلك على الفور توقف الحروب وتراجع مفاجئ في التجارة لفترة قصيرة، أما النتيجة التي دامت لفترة أكثر هي الانخفاض الكبير في مساحة الأرض المزروعة، وذلك راجع لوفاة العديد من العمال كما رافق كل تلك المشاكل الآثار النفسية التي تنجحت عن الإنشغال بالموت وظهرت في الشعر والنحت والرسم.

اقرأ تجربة الإنسان في مواجهة الأوبئة، وكيف أسقط الطاعون عصر أثينا الذهبي؟

المصادر:

BRITANNICA
NATIONAL GEOGRAPHIC
LIVE SCIENCE

ايلون ماسك والأهرامات، هل الفضائيون بناة أهرامات الجيزة؟

ايلون ماسك و الأهرامات ، هل الفضائيون بناة أهرامات الجيزة ؟

غرد ايلون ماسك رائد الأعمال والمخترع مؤخرًا أن الفضائيين هم من بنى الأهرامات. وهي محض هراء أو دعابة عابرة لا تستحق أن يُكتَب عنها مقال. ولكنها فرصة قيِّمة لسرد الأدلة والبراهين على ما نعرفه حتى الآن عن هذه الأسطورة الخالدة التي أتت أولًا وأعيت الحضارات من بعدها وعن المصريين بناة الأهرامات الذين لا يصدق البعض أن ما أنجزوه من صنع البشر.

لمَ قد يبني البشر الأهرامات؟

اتفق معك من البداية أن هناك الكثير مما لا نعرفه بخصوص الأهرامات. ولكن بالنسبة للغرض من بنائها، فالأدلة واضحة وقاطعة. الهرم هو مدفن الملك وبوابة عبوره للحياة الأخرى نحو الخلود الأبدي. هو تجسيد للسيادة المطلقة للحاكم ورمز لقدسيتها. حسب الأسطورة المصرية القديمة، عندما يموت الملك يتحول إلى “أوزيريس” حاكم العالم السفلي بينما يمثل ابنه ولي العهد الإله “حورس” ويتولى حكم البلاد(1).

آمن المصريون بألوهية الملك، فكان حفظ مكانته واجبًا مقدسًا في حياته وبعد مماته، لذا بنوا الأهرامات لتساعد روحه في ترقِّيها نحو إله الشمس رع في رحلته اليومية، واختاروا لأبنائهم الشكل الهرمي يرمز إلى أشعة الشمس-وهو أمر متكرر لدى كل من قدس الشمس بالمناسبة، كما يرمز الهرم الصغير أعلى كل هرم أو مسلة إلى قصة إله الأرض “أتوم” الذي خرج من وسط الظلام الفوضوي ليخلق كل البشر والآلهة والوجود وفقا لقصة الخلق المكتوبة على جدران الأهرامات(2). داخل الأهرامات توجد حجرة الدفن والكثير من النصوص الدينية لحماية الملك ومساعدته عند البعث.

ليسوا فضائيين، وليسوا عبيدًا، بل عمالًا مصريين

قرية العمال بموقع الأهرامات

قرية منظمة متكاملة الخدمات والمرافق من مساكن، ومخابز، ومستشفى، ومصنع للنحاس، ومكان لحفظ الأسماك، وأماكن للماشية والأغنام القادمة باستمرار من مراعٍ مخصصة لها، وشون للغلال، ومقابر للموتى. إنهما قريتا العمال اللتان تم اكتشافهما على هضبة الجيزة حيث كانت إحداهما للعمالة الدائمة مكونة من بيوت توسعت عبر الزمن، والأخرى عبارة عن شبكة من المساكن محاطة بسورٍ ضخم. الشارع الرئيسي من الحجر الجيري المرصوف بالطين مع نظام صرف مبطن بالحصى يجري نحو المركز. كما تم اكتشاف كميات هائلة من عظام الماشية والأغنام، ما يكفي لإطعام الآلاف يوميًا.(3)

انقسم العمال وفقًا للنقوش المكتشفة إلى طواقم يحوي الواحد منها 2000 عامل تحمل أسماءً مثل “أصدقاء خفرع”، و”عمال منكاورع” ينقسمون إلى مجموعات أصغر حجمًا لكلٍ منها وظيفة محددة. وتظهر أسماؤهم المصرية على هذه النقوش.(4)

إذاً ما يعرفه علم الآثار الآن أن بناة الأهرام كانوا عمالًا مصريين متخصصين، أصحاء، ويحظون بتغذية جيدة. توافرت لهم كافة الإمكانات المتاحة بفضل السلطة المطلقة للملك في توجيه كافة الموارد لإنجاز المشروع، مما يجعله-إن جاز القول-مشروعًا قوميًا شاركت فيه جميع طبقات المجتمع المصري.

ليست معجزة فضائية بل نتاج محاولات عديدة

تنظر متشككًا إلى اللوحة فلا تصدٍّق مقدرة زميلك على رسم لوحة بهذه الدقة مقارنة بلوحتك التي تشبه نقر الدجاج. لابد أن رسامًا محترفًا قد رسمها له. يخيب ظنك عندما يُطلِعك زميلك على محاولاته السابقة التي بدأت بنفس السوء الذي أنت عليه وتطورت عبر الخطأ والتكرار. نفس الموقف ينطبق على الأهرامات.

تطورت الفكرة من حجرة دفن فوقها مصطبة إلى فكرة الست مصاطب التي ابتكرها العبقري “إيموحتب” لهرم ملكه “زوسر” بسقَّارة. بُنِيَت من بعد زوسر عدة أهرامات مدرَّجة حتى أتى “سنفرو”، وهنا أتت للمهندسين فكرة ملئ الفراغات بين مصاطب “هرم ميدوم” الثمانية ليصبح هرمًا حقيقيًا بعدما فشلوا في بناء “هرم دهشور” كهرمٍ أملس من البداية بسبب الانحدار الشديد الذي اضطروا لتخفيفه في الجزء العلوي من 60 درجة إلى 55 ثم إلى 44 ليصبح هرمًا منحنيًا في نهاية الأمر. انهارت الطبقة الملساء المغلفة لهرم ميدوم فلم ييأس سنفرو، وبنى هرمًا ثالثًا في ميدوم أيضًا تعلم فيه من أخطائه السابقة، وبهذا وصل المهندسون إلى أول نجاح في بناء هرمٍ مثالي.(5)

ورث “خوفو” خبرة المهندسين من محاولاتهم لبناء هرم أبيه “سنفرو”، فانتقل بمفهوم الهرم لمستوى أعجز من كان قبله ومن أتى بعده في الدقة والضخامة والإعجاز بارتفاع 147 متر، و2.3 مليون قطعة حجرية بما يزن 5.75 مليون طن. ثم تلاه ابنه “خفرع” بهرم يرتفع 143 مترًا على منطقة أكثر ارتفاعًا من هرم أبيه مما يوحي كذبًا بأنه أطول، إضافة إلى أبي الهول المنحوت من صخرة واحدة بوجه خفرع وجسد أسد. تلاهما هرم ابنه “منكاورع” الأصغر بين الأهرامات الثلاثة الكبرى.

ليس سحرًا بل علمًا

عثرنا على عمال البناء وأطلالهم، وقرأنا نصوص الأهرام وغرض بنائها، ولدينا السجل التطوري الكامل لفكرة بناء الهرم. إذن لما يتشكك البعض رغم كل هذه الحقائق الملموسة؟ نظرة واحدة على الهرم الأكبر بضخامته، ودقته، وصموده منذ خمسة آلاف سنة تجيب على هذا السؤال، وتفتح بحرًا من الأسئلة الأصعب في آنٍ واحد.

المصادر
1 History
2 History Museum
3 Harvard Magazine
4 Harvard X
5 Hope Channel

اقرأ أيضاً: ما الذي يربط أهرامات الجيزة وجزر النخيل بدبي بالفضاء؟




آيا صوفيا، رحلتها من كاتدرائية إلى مسجد

تُعتبر آيا صوفيا تحفة معمارية ضخمة في مدينة إسطنبول التركية. تم بناؤها في الأساس ككنيسة مسيحية منذ حوالي 1500عام. تضاهي في شهرتها برج إيفل في باريس أو البارثينون في أثينا. وكان لها دور مهم في تاريخ إسطنبول، حيث ارتبطت بالسياسة الدولية والدين والفن والعمارة.


تقع آيا صوفيا في المدينة القديمة بإسطنبول، وبقيت لقرون كمعلم هام للمسيحين الأرثوذوكس والمسلمين، وتحول دورها بتحول الأحوال السياسية والثقافية في تركيا.
تمتد إسطنبول على مضيق البوسفور، وهو ممر مائي يشكل حداً جغرافياً ما بين أوروبا وآسيا. يبلغ عدد سكان هذه المدينة التي تمتد على قارتين 15 مليون نسمة.

الجدل الحاصل بخصوص إعادة آيا صوفيا كمسجد


تعرضت آيا صوفيا منذ إنشائها إلى عدة تغيرات في دورها الوظيفي، فقد بدأت ككنيسة في الفترات البيزنطية، وتم تحويلها إلى جامع على يد العثمانيين، ثم تحولت لمتحف بعد تأسيس الجمهورية التركية، وتم إدراجها ضمن لائحة مواقع التراث العالمي. وفي يوليو عام 2020م، تمت إعادة تصنيفها كمسجد. مما أثار الكثير من الجدل في الأوساط الدينية والسياسية.


ليست آيا صوفيا هي المبنى الوحيد الذي تعرض لعدة تغيرات في أدوراه الوظيفية عبر تاريخه، حيث يُعتبر الجامع الأموي الكبير في دمشق من أشهر الأمثلة على تغير دوره الوظيفي خلال الزمن، فقد كان موقعه بالأساس معبداً للإله “حدد الآرامي” وهو إله للخصب والرعد والمطر، يعود تاريخ المعبد إلى 1200 قبل الميلاد، وقد بقي حجر واحد من المعبد الآرامي يعود لحكم الملك حازائيل، وهو موجود في متحف دمشق الوطني. وبعد غزو الرومان لدمشق عام 64م قاموا بتحويل معبد حدد إلى معبد للإله جوبيتر، وتم تحويله إلى كاتدرائية القديس يوحنا بأمر من الإمبراطور ثيودوسيوس الأول الذي حكم بين ( 379 _395)م. وأمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (705–715)م ببناء المسجد في موقع الكاتدرائية البيزنطية في عام 706 م.

ويعتبر مسجد قرطبة الكبير الذي تحول إلى كاتدرائية سيدة الانتقال، ومسجد قصر الحمراء في غرناطة الذي تحول إلى كنيسة سانتا ماريا بعد حروب الاسترداد من أبرز الأمثلة على تحول وظيفة الأبنية الدينية.

بقايا معبد جوبيتير في دمشق

تاريخ آيا صوفيا


كانت آيا صوفيا عند نشوئها كاتدرائية أرثوذكسية يونانية، وتغيرت وظيفتها عدّة مرات منذ ذلك الحين. كلف الإمبراطور البيزنطي قسطنطين ببناء آيا صوفيا للمرة الأولى في عام 360م، كانت تُعرف إسطنبول في تلك الفترة باسم القسطنطينية، حيث أخذت اسمها من والد قسطنطين، وهو قسطنطين الأول؛ أول حاكم للإمبراطورية البيزنطية.


تميزت أيا صوفيا الأولى بسقفها الخشبي. تم حرق البناء بالكامل في عام 404م خلال أعمال الشغب التي وقعت في القسطنطينية نتيجة للصراعات السياسية داخل عائلة الإمبراطور آركاديوس، الذي تميز عهده بالاضطرابات (395م-408م).


أعاد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني _ خليفة أركايوس _ بناء آيا صوفيا للمرة الثانية، وتم الانتهاء من البناء الجديد في عام 415م. كان لأيا صوفيا مدخل ضخم تمت تغطيته أيضاً بسقف خشبي.
ويُعتبر السقف الخشبي من العيوب القاتلة التي أدت لحرق الكنيسة للمرة الثانية بعد أكثر من قرن خلال ما يسمى بـ”ثورات نيكا” ضد الامبراطور جستنيان الذي حكم خلال (527م-565م).

مشهد داخلي للقبة


أمر جستنيان بهدم آيا صوفيا في عام 532م بسبب عدم إمكانية إصلاح الأضرار التي تسبب بها الحريق. كلف المهندسين المعماريين المشهورين أيسيدروس الميليتوس وأنتيميوس الترالليسي ببناء كاتدرائية جديدة.


اكتمل بناء آيا صوفيا للمرة الثالثة في عام 537م وأقيمت أولى الشعائر الدينية فيها في 27 ديسمبر من نفس العام والتي لاتزال قائمة حتى اليوم.
قام السلطان محمد الفاتح بتحويلها إلى مسجد بعد سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين عام 1453. تم تحويل المبنى لمتحف من قبل الحكومة الوطنية في عام 1935م، بعد تسع سنوات من تأسيس أتاتورك للجمهورية التركية. وتم إدراج المتحف لدى منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) في قائمة مواقع التراث العالمي.
في يوليو عام 2020، ألغى قرار المحكمة التركية وضع المبنى كمتحف، وأمر مرسوم لاحق من رئيس تركيا بإعادة تصنيف آيا صوفيا كمسجد.

تصميم آيا صوفيا


كانت آيا صوفيا عند افتتاحها للمرة الثالثة تحفة فنية رائعة. جمعت بين عناصر التصميم التقليدية للكنيسة الأرثوذوكسية مع قبة ضخمة، ومذبح نصف مقبب مع شرفتين. كانت الأقواس الداعمة للقبة مغطاة بفسيفساء لستة ملائكة مجنحة تسمى hexapterygon.


وفي محاولة من جستنيان لإنشاء كاتدرائية كبرى تمثل الإمبراطورية البيزنطية بالكامل، أصدر مرسوماً يطلب من جميع المقاطعات الواقعة تحت حكمه بإرسال قطع معمارية لاستخدامها في المبنى.
تم إنتاج الرخام المستخدم للأرضيات والسقف في الأناضول وسوريا، بينما أُحضر الطوب المستخدم في الجدران وأجزاء من الأرضيات من مناطق بعيدة مثل شمال أفريقيا، أما أعمدة آيا صوفيا الـ 104 فقد تم إحضارها من معبد الإلهة أرتميس في أفسس، وكذلك من مصر.

وفي فترة الحكم العثماني، عندما تحولت آيا صوفيا من كاتدرائية إلى مسجد، غطى العثمانيون العديد من الفسيفساء ذات الطابع الأرثودوكسي بالكتابات الإسلامية.
وعُلقت لوحات على الأعمدة في صحن الكنيسة؛ تحمل أسماء الله الحسنى، واسم النبي محمد والخلفاء الراشدين الأربعة، وحفيدي الرسول. وتمت إضافة محراب يشير للقبلة في مدينة مكة.


قام السلطان سليمان القانوي (1520م_1566م) بإضافة مصباحين برونزيين على جانبي المحراب، وأضاف السلطان مراد الثالث (1574م_1595م) مكعبين من الرخام من مدينة برغامون التركية، يعود تاريخهما إلى السنة الرابعة قبل الميلاد. وتمت إضافة أربعة مآذن على الطراز العثماني (بشكل أقلام رصاص).
خلال حكم السلطان عبد المجيد(1847م_1849م) تم تجديد آيا صوفيا بشكل كامل بإشراف المهندسين المعماريين السويسريين الإخوة فوساتي.

المصادر:

1- Ancient History Encyclopedia

2- History

3- BBC

4- CNN

5- UNESCO

حدائق أثرية..حديقة سانت أوغستين في كولومبيا

حدائق أثرية..حديقة سانت أوغستين في كولومبيا

تمتلك كولومبيا أكبر مجموعة من الآثار الدينية والمنحوتات الميغاليتة في أمريكا الجنوبية، ومن أشهرها حديقة سانت أوغستين الأثرية  (San Agustín Parque Arqueologico)، التي تُعد وجهة هامة للزائرين والسياح والعلماء من جميع أنحاء العالم.

تقع حديقة San Agustín الأثرية في جبال Massif الكولومبية جنوب غرب جبال الأنديز، في أراضي بلديات San Agustín و Isons في مقاطعة Huila. تم إنشاء الحديقة وإعلانها معلماً وطنياً ومنتزهاً أثرياً عام 1993م. وتم إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي عام 1995م. 

وصف حديقة سان أوغستين الأثرية:

تحتوي الحديقة على أكثر من 500 تمثال صخري وهياكل جنائزية من العصر ما قبل الكولومبي (الفترة التي سبقت رحلات كريستوفر كولومبوس عام 1492م)، بالإضافة إلى مدافن كبيرة متصلة ببعضها البعض من خلال مصاطب وممرات وطرق ترابية. هذه المقابر الحجرية هي لقادة وأفراد النخبة من المجتمعات القبلية التي تطورت في المنطقة منذ حوالي 1000 ق.م.

مدفن مع تماثيل جنائزية

عمارة المقابر ذات هندسة جنائزية متقنة للمرات الحجرية والأعمدة والتوابيت والتماثيل الكبيرة التي تجسد شخصيات بشرية وآلهة وحيوانات أسطورية، بأساليبٍ تتراوح من المجردة إلى الواقعية، يبلغ عددها أكثر من 500 تمثال، تختلف في الارتفاع حيث يبلغ أكثرها ارتفاعاً 4 أمتار وتزن عدة أطنان، وهي محفورة في كتلٍ من حجر التوف البركاني والصخور البركانية. تقوم مقام الحراس الكهنوتيين بحماية الغرف الجنائزية والتوابيت المتراصة ومواقع الدفن. فقد كانت هذه المنطقة أرضٌ مقدسة ومكانٌ للحج وعبادة الأجداد.

عليه تشهد هذه التحف الفنية على إبداع وخيال ثقافة شمال الأنديز التي ازدهرت من القرن الأول إلى القرن الثامن الميلادي.

أقسام حديقة سانت أوغستين الأثرية

تشمل حديقة سانت أوغستين على ثلاثة عقارات منفصلة، يبلغ مجموع مساحتها 116 هكتاراً وهي كالتالي:

  • San Agustín متمثلةً بمواقع: Mesita A, Mesita B, Mesita C, La Estación, Alto de Lavapatas  و مواقع Fuente de Lavapatas.
  • Alto de los Ídolos  (مرتفعات تماثيل الآلهة)، تقع على الضفة اليمنى لنهر Megdalena
  • Alto de los Piedras  (مرتفعات الأحجار)
تمثال من الفترة ماقبل الكولومبية

يعتقد علماء الآثار بأنهم اكتشفوا 10% فقط من التماثيل والآثار، وهناك نظريات بأن أهراماتٍ ضخمة كالمايا وغيرها من الهياكل لا تزال مدفونة في المنطقة.

يعتقد بأن المواقع في San Agustín قد تم هجرها حوالي عام 1350م. وتم إعادة اكتشافها خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر. أدى هذا إلى أعمال شغب ونهب للعديد من المقابر أثناء البحث عن الكنوز الجنائزية التي اتضح أنها قليلة للغاية.

أدت ظروف التعرية والزلازل والتدخل البشري إلى إزاحة الالواح الحجرية ومحتويات العديد من المقابر لكن هذا لم يدمر العمارة الجنائزية الأصلية. فلقد ساهمت إجراءات الصيانة في الحفاظ على سلامتها المادية. لكن لا تزال هناك تحديات في الحفاظ على سلامة المنطقة في ضوء ضغوط التوسع الزراعي ونمو المجتمعات المحلية.

المصادر:

unesco

medellinguru

إعداد: رنا قنواتي

ما هو أصغر ديناصور مُكتَشَفٍ حتى الآن؟

قبل مئة مليون سنة، في منتصف «حقبة الحياة الوسطى-Mesozoic era»، كانت الأرض موطن ديناصور متباين الحجم، مثل الصَرَاعِيد طويلة العنق، وحتى الطائر الطنان.

وبالرغم من غرابة الأمر، فإن علماء الحفريات يعتقدون الآن أن أصغر ديناصور في تلك الحقبة كان أصغر بكثيرٍ من أصغر طائرٍ على قيد الحياة اليوم، طائر النحلة الطنان.

وجدت الحفريات داخل قطعة من الكهرمان البالغ من العمر 99 مليون سنة من شمال ميانمار، ويبلغ طول جمجمة الديناصور الذي تم تعريفه حديثًا 7.1 ملم فقط.

تحدثت جينغماي أوكونور عن البحث في مقطع فيديو على يوتيوب:

“عندما رأيت هذه العينة لأول مرة، أصابتني الدهشة كليًا. بالنسبة لعالم الحفريات، هذا أمرٌ غريب. إذ لم نشهد شيئًا مثل هذا من قبل.”

قام الفريق بتسمية اكتشافهم «Oculudentavis khaungraae»، والذي يعني “طائر أسنان العين”. مظهر هذا الطائر غريبٌ تمامًا مثل اسمه.

يصطف هذا الديناصور الصغير بأسنان مدببة صغيرة، والمُستدل عليها بالمحاجر الّتي تشبه الملعقة. لهذا الحيوان عينان كبيرتان مقارنةً بالرأس.

يبدو هذا الحيوان غريبًا- إذ أنه ليس تمامًا مثل الطيور، ولا يشبه تمامًا الديناصورات. ولكن هناك بعض الملاحظات الّتي يمكن أن تخبرنا قليلاً عن أسلوب حياته.

الأسنان، على سبيل المثال، هي دليلٌ لا شك فيه على أن الديناصور الصغير مفترس. والفتحات الموجودة في تجويف العين ضيقة للغاية، مما يعني أن الضوء ربما كان محدودًا، مما يعني أن الحيوان نشطٌ في النهار.

بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن هذا الديناصور صغير جدًا، إلا أن عظامه قوية، بل وقوية بشكل مدهش!

يقول أوكونور:

“بالنسبة لنا، حقيقة أن أجزاء الجمجمة ملتحمة بقوة، وحقيقة أن لديها الكثير من الأسنان، وأنها تحتوي على محجري عينين كبيرين حقًا، كلها تشير إلى أنه على الرغم من حجمه الصغير للغاية، فقد كان مفترسًا وربما كان يتغذى على الحشرات الصغيرة.”

كل هذا يشير إلى انتماء هذا الحيوان إلى فئته الخاصة، بدلاً من كونه مرتبطًا بالطيور الطنانة الحديثة- لأن الطيور الطنانة الحالية تتغذى على الرحيق. وهكذا، يعتقد الباحثون أن مخلوقات مثل الطائر الطنان اتخذت مسارًا مختلفًا للتصغير.

يقدر الفريق وزن الطائر غرامين تقريبًا، ويلاحظ أن حجمه يبلغ سدس حجم أصغر الطيور الأحفورية القديمة المعروفة- كثيرٌ منها لديه أسنان، تمامًا مثل هذا الطائر الصغير.

يقول روجر بنسون، عالم الحفريات من جامعة أكسفورد:

“وهذا يشير إلى أنه بعد فترةٍ وجيزةٍ فقط من أصولها في العصر الجوراسي (والّذي استمر من حوالي 201 مليون إلى 145 مليون سنة مضت)، بلغت الطيور بالفعل الحد الأدنى من أحجام أجسامها. في حين أن أصغر الديناصورات وقتها كانت تزن مئات أضعاف هذا الوزن.”

يبدو أن هذا الطائر هو واحدًا من تلك الحيوانات الّتي تقف على النقطة الرابطة بين الديناصورات والطيور، ولكن المكان الذي يناسبها في الصورة الأكبر لا يزال غير واضح.

يمكن أن يك ن انتماء هذا المخلوق ذو الريش أقرؤ إلى سلالة الطيور أو، كما يوضح بنسون، يمكن أن ينتمي أكثر إلى الديناصورات:

“تقع في منتصف الطريق تقريبًا على الشجرة التطورية. بين الطيور الطباشيرية والأركيوبتركس (الديناصور المجنح الشهير من العصر الجوراسي).”

هناك أيضًا بعض الميزات الغريبة، مثل شكل وحجم الأسنان ومحجري العينين، الّتي لم نشهدها في أي من الديناصورات أو الطيور. في الواقع، هذه الصفة تميل إلى السحالي!

وكتب المؤلفون:

“يمكن تفسير كل هذه الأشكال غير العادية إذا صح التعبير على أنها آثار التصغير.”

خذ العينين المنتفختين على جانبي رأس على سبيل المثال. ربما يمثل موقعهما وحجمهما “استراتيجية بديلة لزيادة حجم العين دون زيادة حجم المحجر.”

لسوء الحظ، هذا يعني أن هذا الديناصور الصغير يفتقر إلى الرؤية الثنائية. وهي خاصية فريدة للمفترس. البوم والطيور الحية الأخرى الجارحة، على سبيل المثال، لديها عيون موجهة للأمام. ولكن ربما لا يوجد شيء مثل هذا الطائر اليوم

نُشرت الدراسة في مجلة Nature.

المصادر:

إقرأ أيضاً: الديناصورات كانت تصاب بسرطان العظام ايضا مثل البشر!

كيف تمكن الإغريق من بناء معابدهم الضخمة بوسائل بدائية ؟

 

كيف تمكن الإغريق من بناء معابدهم الضخمة بوسائل بدائية ؟

ظهرت الرافعات في اليونان لأول مرة منذ أكثر من 2500 عام، لكن يشيرُ بحثٌ جديد لوجود آلة رفعٍ بدائية (كنوع سابق من الرافعات) كانت قيد الاستخدام قبل حوالي 4 آلاف عام.

اشتهر الإغريق القدماء بضخامة عمارتهم الحجرية التي تمكنوا من بنائها دون مساعدة معدات حديثة، ويُذكر أنهم استفادوا من الرافعة التي ربما استخدمت لأول مرة في أواخر القرن 6 ق.م.

يُعتقد بأن الاغريق قاموا برفع الكتل الحجرية الثقيلة بواسطة منحدرات أرضية أو سلالم مصنوعة من الطوب على غرار ما فعله الآشوريون والمصريون القدماء منذ قرون.

وفقاً لبحثٍ جديد نُشر في المجلة السنوية للمدرسة البريطانية في أثينا، تبين أن بناة المعابد الحجرية الأولى في تاريخ اليونان بما فيها معابد Isthmia و Corinth، قد استخدموا رافعة بدائية في وقتٍ مبكر من منتصف القرن 7 ق.م. بناءً عليه يمكن اعتبار هذه الرافعة كآلة هامة سابقة للرافعة الحالية، كانت قادرة على رفع الكتل الحجرية المنحوتة في معابد Corinth التي يتراوح وزنها بين 200 و 400 كغ.

يشير Alessandro Pierattini (الكاتب الوحيد للدراسة الحديثة من جامعة نوتردام)، بأن آلة الرفع هذه قد تم اختراعها في الأصل من قبل الكورنثيين الذين استخدموها في بناء السفن وفي إنزال التوابيت الثقيلة Sacrophagi في حفرٍ ضيقة عميقة. من ناحيةٍ تقنية لم تكن رافعة (بالمعنى المعاصر الحالي) لعدم اعتمادها على السحب والرفع بأسلوب رافعات hoists وwinches، فعوضاً عن ذلك قام الإغريق بإعادة توجيه القوة باستخدام حبلٍ مارٍ عبر إطار.

الدليل الرئيسي لهذا الادعاء يأتي من وجود أخاديد محفورة في قاعدة الأحجار المستخدمة في بناء معابد Isthmia و Corinth. إن مؤرخي الآثار والباحثين على دراية بهذه الأخاديد وقد اقترحوا تفسيرات لها بأنه قد تم استخدامها إما لربط الكتل الحجرية بآلات الرفع أو لتحريك الكتل الحجرية ضمن مقالع الحجر.

يقوم بحث Pierattini على إعادة فحص الكتل الحجرية في معابد منتصف القرن 7 ق.م في Isthmia و Corinth بتقطيعاتها الفريدة (زوجٌ من الأخاديد المتوازية) على القاعدة السفلية للحجر التي تصل إلى الجزء الجانبي منه في نهاية واحدة. يخلص الفحص إلى أن الأخاديد قد استُخدمت في الرفع لتشهد على التجربة الأولى في رفع الكتل الحجرية المعمارية في تاريخ اليونان. أوضح Pierattini باستخدامه لأحجار وحبال فعلية، بأن الأخاديد قد تؤدي وظيفة مزدوجة مما يسمح للبناءين برفع الكتل الحجرية وتثبيتها بإحكام إلى جانب مجاورتها في الحائط.

تمثل هذه المرحلة من أعمال البناء خطوة مفصلية في تطور عمارة اليونان الحجرية الضخمة، متمثلةً بانتهاء البناء بالطوب في العمارة الطينية وبالتجارب الأولى في البناء بالحجارة.

قال Pierattini مع وجود كتل حجرية ثقيلة والاحتكاك الكبير بين أسطحها، كانت تشكل معضلة في عملية البناء تطلب في وقتٍ لاحق إحداث مجموعة من الثقوب المصممة خصيصاً لاستخدام الرافعات المعدنية.

الرافعة البدائية التي تم استخدامها للمباني الضخمة

يوضح البحث بأن بناة المعابد القديمة Isthmia و Corinth كانوا يستخدمون بالفعل الرافعات لعملية التموضع الأخير للكتل الحجرية وهذا يمثل أول استخدام موثق للرافعة في العمارة اليونانية في وقت مبكر من منتصف القرن 7 ق.م أي قبل حوالي 150 عام من بدء انتشار الرافعات المطورة بالكامل (للسحب) winch crane  و ( للرفع) hoist crane وهذا الاكتشاف هو دليل آخر على الابداع الفذ للاغريق القدماء.

 

المصادر:

لمعرفة المزيد عن فنون الحضارة اليونانية تابعوا مقالنا: الفن الهلنستي (اليوناني)
إعداد: رنا قنواتي
مراجعة: بتول سيريس
Exit mobile version