أعمدة هايدا الطوطمية، مقابر العظماء

هذه المقالة هي الجزء 6 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

تكريم موتى شعب الهايدا كان متميزًا عن غيره. فالأعمدة تشكل تحفًا معمارية وتبرز مهارات الشعب في النحت، غير أنها خدمت عدة غايات مجتمعية، أهمها كونها ضريحًا لكبار القوم.

شعب الهايدا

تعد قبائل الهايدا من السكان الأصلية للساحل الغربي لأمريكا الشمالية، وهي من القبائل الأصلية التي عاشت في كندا. وتعد لغتهم الأصلية من اللغات المهددة بالانقراض. تمركزوا أساسًا في الخلجان الساحلية ومداخل “هايدا غواي” في كولومبيا البريطانية. عددهم الحالي يقارب 500 نسمة.
الهايدا حرفيون ومشهورون في صناعات الخشب والنحاس، وتعتبر أعمدة الطوطم التي تصور كائنات أسطورية مقدسة رموزًا شائعة بتراثهم وأبرزها النسر والغراب. لدى هذه القبائل معتقدات راسخة في كونهم أوصياء على أرضهم وأنها نعمة من الخالق ويتوجب عليهم صونها ورعايتها، وتركز الثقافة الشعبية والميثولوجيا حول هذه العلاقة بين الشعب والأرض؛ فالعديد من أغانيهم وقصصهم الشعبية ورقصاتهم تعبر عن انتمائهم للأرض. وتتنوع أعمالهم ما بين الحرف الخشبية والنحاسية والصيد والتجارة. [1]

التركيب الاجتماعي للقبيلة:

تنقسم بنيبته الاجتماعية إلى قسمين، وتبنى نظرية التركيب الاجتماعي لهذه القبيلة على أساس انشطارهم. ويسمى الشق الأول “الغراب” أما الشق الثاني من القبيلة يدعى “النسر”. وهناك تشكيلة من المجموعات الفرعية subgroups التي توجد في كلا القسمين من القبيلة، وكل من القسمين لديه مجموعته القريدة من الرموز والمعتقدات الفكرية المختلفة مثل الأغاني والأساطير الشعبية. ويحظ أن يتزوج الفرد من مجموعته نفسها. [2]

العادات والتقاليد:

تقوم هذه القبائل باحتفالات القدر ، وهذه الاحتفالات هي أساسًا لإظهار القوة والنفوذ أو لكسب مكانة في المجتمع، وهي مرتبطة بشكل رئيسي بفرع قبيلة الرجل. يسمى هذا الاحتفال “بوتلاتش” ويستضيفه عضو من أثرياء القبيلة ويدعدو عددًا كبيرًا من الناس الذين يأتون في أفضل حللهم احتفالًا. ويكون الاحتفال على مدى عشرة أيام توزع فيها الولائم، وفي نهايته توزع ممتلكات المضيف على الزوار، وبالرغم من هذا فإن هذا التوزيع لن يفلس صاحب الاحتفال فغالبًا ما يمد له الجيران العون. [2]

الدين والمعتقدات السائدة

تتركز معتقداتهم حول قدسية الأرض والطبيعة ومهمتم في الحفاظ عليها، كما يؤمنون بدور الأسرة القوي وأهميته ومكانته العالية. ويؤمنون بفكرة التقمص والانتقال من جسد إلى آخر بشدة. [3]

المعتقدات الدينية

يتم تصنيف الحيوانات ككائنات مقدسة وعلى أنها أنواع متميزة كالبشر. وتمتلك القدرة لتحول نفسها على هيئة الإنسان، واعتقدوا أن الحيوانات تعيش على الأرض وفي البحر والسماء ولديها نظام اجتماعي يعكس نظام الهايدا. تم استبدال العديد من معتقدات الهايدا وتحويرها مع الزمن خصوصًا بعد استعمار مناطقهم وانتشار الدين المسيحي، فتأثرت هذه المعتقدات كثيرًا بها. بلارغم من ذلك، فإن العديد من أفراد قبائل الهايدا ما زالوا يؤمنون بفكرة التقمص، أي الولادة في جسد جديد بعد الموت. [3]

النظرة للموت عند شعوب الهايدا

تختلف الطقوس للموتى بحسب المكانة الاجتماعية للمتوفي، نبلاء الشعب كانت تقام لهم أعمدة طوطمية تكريمًا لذكراهم واحترامًا لهم. أما عامة الشعب فكانوا يدفنون بعيدً عن النبلاء ولم ينصب لهم أعمدة أبدًا، والعبيد كانوا يلقون في البحر بعد وفاتهم. يؤمنون بفكرة التقمص، وأحيانًا قبل الموت يختار الإنسان الوالدين الذين سيولد عندهم من جديد، حتى تنتقل الروح بوساطة زورق إلى أرض الأرواح لتنتظر التناسخ وانبعاثها في جسد جديد. [3]

أعمدة الرسم الطوطمي

يشير مصطلح أعمدة الرسم الطوطمي إلى الأعمدة الخشبية الطويلة ذات الأشكال المختلفة التي قم بصنعها شعوب الهايدا. منحوتة غالبًا من خشب الأرز الأحمر، وتملك رموزًا وأشكالًا تحدد أصحاب العمود وتاريخ أسرتهم.وهناك عدة أنواع من هذه الأعمدة منها:
أعمدة جنائزية صنعت في القرن التاسع عشر تحتوي توابيتًا لأشخاصٍ ذوي مكانة عالية في القبيلة في أعلى العمود.أو أعمدة تذكارية قائمة بذاتها، توضع مقابل واجهة المنزل تمامًا، تكون بمثابة مدخل للمنزل، وأعمدة منزلية داخلية، تخدم كدعامة لسقف المنزل. [4]


ما هو الطوطم

الطوطم كائن روحي أو كائن مقدس أو رمز، غالبًا ما يكون رمزًا لمجموعة من الناس، مثل عائلة أوعشيرة أو سلالة أو قبيلة.

اسم الطوطم مشتق من لغة أمريكا الشمالية الأصلية “Ojibwe doodem” لكن مصطلح الطوطم لا يقتصر عليهم فقط فالإيمان بالأرواح الوصية على البشر شائع في كافة أنحاء العالم.
درس عالم الاجتماع إيميل دوركهايم الطوطمية من وجهة نظر اجتماعية ولاهوتية، وحاول اكتشاف دين نقي في أشكال قديمة جدًا وأدعى أنه يرى الطوطمي أصل لمفهوم الدين. من جهة أخرى فإن عالم الأنثروبولوجيا رادكليف براون أتخذ وجهة نظر مختلفة شكك في إمكانية وصف الطوطمية بطريقة موحدة. فرأى الطوطمية مكونة من عناصر مأخوذة من مناطق ومؤسسات مختلفة، وما تشترك فيها ميلها العام لتمييز شرائح المجتمع من خلال الارتباط بجزء من الطبيعة. عارض نظرية دوركهايم في التقديس هذا ورأى أن الطبيعة تدخل في النظام الاجتماعي بدلًا من كونها ثانوية. [5]

مراسم الدفن وإعداد العمود الطوطمي

تنحت أعمدة الطوطم من خشب الأرز على شكل كائنات تشير لنسب كل عائلة والامتيازات القوية التي تملكها. وتوثق التاريخ المألوف لهذه العائلة أو العشيرة. يتميز عمود الطوطم بأشكال رمزية بشرية وحيوانية وخارقة للطبيعة أيضًا. كما تعد في الأساس تمثيلات مرئية للقرابة، وتصور رموز العائلة وعضوية العشيرة. وتحمل كل عشيرة حيوانًا أو كائنًا مقدسًا يكون طوطمها مثل النسر والغراب والذئب والحوت القاتل والضفادع والدب الأشيب.
والطوطم ليس جنائزيًا بالضرورة قد يكون تكريمًا لحدث مهم أو شخص ذو قيمة عالية. يبلغ طول كل طوطم بين 3 إلى 18 ممتر، وبعضها قد يصل ارتفاعه إلى 20 متر. تنشأ هذه لخدمة الأغراض الاحتفالية والمعمارية المختلفة. حيث تحوي معظم البيوت الطويلة على أعمدة طوطمية منحوتة بأشكال بشرية وحيوانية لتعد العوارض الأساسية للمبنى.
تُطحن الجثة باستخدام المطارق ويتم وضعها في صناديق محفور عليها رموز العائلة أو العشيرة، ويتم بعدها دفنها أمام المنزل. ثم ينصب العمود الطوطمي فوقها تمامًا.
الأعمدة الجنائزية التي احتوت على رفات الموتى في صناديق القبور هي بمثابة ضريح، ويتم إنشاء نصب تذكاري أو عمود تذكاري لتكريم شخص متوفي مهم. تم ذلك من قبل خليفته وغالبًا ما تكون هذه الأعمدة أكثر طولاً. [5]

دراسة الوحش، تجربة التلعثم التي استغلت الأيتام كفئران للتجارب!

يقال ان الطريق لجهنم مرصوف بالنوايا الحسنة. وهذا يبدو بوضوح في تجربة وندل جونسون التي بدأت بنوايا سليمة لإثبات منشأ التلعثم عند الطفل. وانتهت بنتائج شنيعة كان ضحيتها 22 طفل يتيم. كنيت التجربة باسم “دراسة الوحش” لتدل على وحشية هذه التجربة.

أطفال الميتم الذين أجريت عليهم التجربة، حقوق الصورة: factrepublic

دراسة الوحش: تجربة بنوايا سليمة

عام 1939 شرع وندل جونسون وطالبته ماري تيودور، في مركز أبحاث التلعثم في جامعة آيوا بإجراء دراسة على مجموعة من الأطفال في ميتم. هدفها الأساسي كان إثبات أن منشأ التلعثم من الوصم وليس بالضرورة بيولوجيًا. أي التلعثم قد يكون ناجمًا عن وصم الطفل بأنه متلعثم، وإظهار أثر التحفيز السلبي والإيجابي على نطق الطفل.
جونسون نفسه كان طفلًا متلعثمًا، وعانى خلال طفولته وشبابه من ذلك، الأمر الذي شجعه ليصبح أخصائي أمراض نطق. إذ أنه أراد أن يعرف أكثر عن أسباب التي تسبب التلعثم للأطفال. [1]


الأطروحة التي مهدت للتجربة

جادل جونسون أن التلعثم ليس ذو منشأ بيولوجي بالضرورة؛ أي أن الطفل ممكن ألا يكون متلعثماً ويكتسب ذلك بسبب التنشئة. والتلعثم قد يكون سلوكًا مكتسبًا.
أراد جونسون معارضة الأراء السائدة حول منشأ التلعثم، فكانت فكرة المنشأ البيولوجي من المسلمات في وقته ذاك، وأراد أن يبرهن على صحة أفكاره بالتجربة العملية لإثبات أن الشخص لا يولد متلعثمًا بالضرورة. [2]

تجربة تيودور وجونسون

بدأت التجربة باختيار 22 طفل من الميتم كعينة. وإجراء الاختبارات التي تقيم معدل ذكاء كل طفل، ومهارات التحدث، وهيمنة اليد اليسرى أو اليمنى. أظهر 10% من الأطفال علامات التلعثم وإعاقة الكلام. ثم تم اختيار 12 طفل من بين الأطفال الطليقين في الكلام بشكل عشوائي من العينة، وحددت مهارات الكلام لديهم على مقياس من 1 إلى 5.
قُسم الأطفال بعدها إلى مجموعة ضابطة وجموعة تجريبية. تلقى نصف هؤلاء الأطفال علاجًا للنطق، تمثل ذلك في:
-لتعزيزات الإيجابية للطفل و
-الثناء عليه عند الكلام وغرس الثقة عنده
-استخدام عبارات مثل: “لا تهتم بما يقوله الآخرون، نطقك سيتحسن مع التدريب”.
بينما تعرضت المجموعة الثانية للتالي:
-التعنيف اللفظي والجسدي أحيانًا
-استخدام العبارات السلبية وتعنيف الطفل عند ارتكابه لأبسط خطأ
-إخبارهم بشكل متكرر بأنهم متلعثمين ولن يتحسنوا في حديثهم مطلقًا. [3]


نتائج التجربة

استمرت التجربة لمدة 5 أشهر ولوحظ أن الأطفال في مجموعة العلاج السلبي بدأوا يعانون من مشاكل كبيرة في النطق والثقة بالنفس، فمن بين الأطفال الستة الطبيعيين، بدأ خمسة منهم بالتلعثم بعد العلاج السلبي. ومن بين خمسة من الأطفال المتلعثمين أساسًا تفاقمت حالة ثلاثة. فيما كان واحد من الأطفال في المجموعة المصنفة “طبيعي” يعاني من مشاكل أكبر في الكلام بعد التجربة. [2]

إخفاء النتائج عن الناس

أدرك الباحثون قوة تجربتهم وخطر آثارها، وحاولوا التراجع عن الضرر الذي تسببوا به للأطفال ولكن دون جدوى، كانت آثار وصف الأطفال المتلعثمين دائمة وكان على هؤلاء الأطفال التعايش مع هذه المشكلة طوال حياتهم .
بعد أن انتهاء التجربة لم ينشر جونسون هذه الأبحاث عكس ما فعله مع معظم أبحاثه، حيث كانت التجارب النازية على البشر في أوجها حينها وخشي جونسون من ربط تجاربه بهذه التجارب فتلحق ضررًا بسمعته. وتم إخفاء التجربة والنتائج عن الناس إلى عام 2001 حيث تم نشرها في سلسلة من المقالات في سان خوسيه نيوز. كانت هذه الأطروحة متوفرة في مكتبة الجامعة لكنها كانت مجهولة ومنسية إلى نشرها بعد عقود من إجراءها.

النقد ولا أخلاقية التجربة

الجوانب التي ظهرت فيها لا أخلاقية التجربة عديدة، فوجود نوايا جيدة عند البدء في التجربة لن يخفف من وقع الآثار السلبية للتجربة. كما وأن وندل الذي كان نفسه طفلًا متلعثمًا، كان يجري التجارب على نفسه وعلى زملاءه خلال دراستهم للتلعثم، وهذا أيضًا لن يتشفع له في جرمه بتجربته.
من جهة إجراء التجارب على الأطفال غير أخلاقي، وفكرة اختيار الطفل اليتيم الذي لا يرعاه أحد، ولن يهتم أحد إن أجرى تجربته عليه فكرة مؤلمة إنسانيًا. الجانب الآخر في لا أخلاقية التجربة كان في الإخفاء والكذب؛ القائمين بلغوا السلطات بأنهم كانوا “يعطون الأطفال بعض النصائح”. والأطفال لم يكن لديهم أي علم بكونهم جزء من تجربة حتى.
تجنبوا نشر النتائج خوفًا على سمعتهم، وكانوا على علم بأن ما يفعلونه غير أخلاقي ولكنهم استمروا في فعله وبرروه بالنوايا الحسنة. [4]

المصادر:

1- gvsu
2- uh.edu
3-pubsasha
4- nytimes

الضريح العائم، كيف دفن الجرمانيون موتاهم في عصر الفايكنج؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ
حقوق الصورة https://www.google.com/url?sa=i&url=https%3A%2F%2Fchaosgatebook.wordpress.com%2F2015%2F02%2F16%2F630%2F&psig=AOvVaw2mRa5e5QzjbRdV1FED04_n&ust=1624855002020000&source=images&cd=vfe&ved=0CAoQjRxqFwoTCIj2tJvIuPECFQAAAAAdAAAAABAJ

من هم الجرمانيون؟

الجرمانيون هم مجموعة إثنية تضم قبائل عدة. تم التعرف عليهم من خلال استخدامهم اللغات الجرمانية غالبًا، ويطلع عليهم اسم القبائل القوطية أحيانًا. نشأ مصطلح “جرماني في العصور الكلاسيكية فكان الرومان أول من وصفهم. تمركز أغلب الجرمانيون في شمال أوروبا في شبه الجزيرة الاسكندنافية، وفي بلاد الغال وفي ألمانيا عمومًا. واعتمدوا بشكل رئيسي على الزراعة وتدجين الحيوانات في حياتهم. توجد العديد من الأدلة الأركيولوجية على أن هذه القبائل كانت تتنقل بسبب نقص الموارد ولكن الجرمانيون الغربيون كانوا أكثر استقرارًا. [1]

الفايكنج، مجموعة قبائل أم حقبة زمنية؟

على عكس المفهوم الشائع بأن الفايكنج شعب أو مجموعة إثنية واحدة، إلا أن هذا غير صحيح. فالفايكنج لا يشكلون شعبًا واحدًا وإنما انحدروا من القبائل الجرمانية وكانوا حقبة زمنية امتدت ما بين القرن التاسع ميلادي والقرن الحادي عشر ميلادي. حيث غادر العديد من الإسكندنافيين بلدانهم الأصلية والتي تعرف الآن بالسويد والدنمارك والنرويج بحثًا عن الثروات في أماكن أخرى. وكانوا بحارين مهرة ومحاربون أشداء لا يهابون الموت. غزوا الجزر البريطانية وسيطروا على أجزاء منها وعرفوا كقراصنة وغزاة وتجار ومستوطنين.
ما يعطي الفايكنج وحدتهم هو أنهم كانوا غزاة من أرض أجنبية، وأنهم كانوا ما زالوا وثنيين، أو غير متحضرين بنظر البلدان التي غزوها. وكلمة “فايكنج” أصلها من كلمة vikingur في اللغات الاسكندنافية القديمة التي تعني قرصان.
لا يوجد سبب واضح لمغادرتهم لبلدانهم الأصلية، لكن الأغلب هو البحث عن الثروات الجديدة، وكان لاحتكاكهم مع العناصر الأوروبية الأخرى دور كبير في ازدهار تجارتهم وثقافتهم وتأثرهم بهذه البلدان. [2]

المعتقدات والنظرة للموت:

الديانة الجرمانية الوثنية “ديانة الفايكنج” أكثر تعقيدًا مما نتصور، فالمعروف أن لدى الجرمانيون أن المحاربون العظماء يذهبون إلى “فالهالا” أو نعيم المحاربين ليقضوا حياتهم مع أودين كبير الآلهة الاسكندنافية. المكان الثاني هو فولكفاغنر وهو مملكة الإلهة فريا زوجة أودين التي يذهب إليها المحاربون الذين لم يكن من نصيبهم الدخول لفالهالا.
وهناك مملكة هيل أو هيلهايم، الإلهة ابنة لوكي وأخت فينرير الذئب، وهي مملكة مظلمة ومرعبة وهي أقرب ما تكون للعالم السفلي. بالإضافة لمملكة ران التي تأخذ البحارين القتلى، والأموات الذين تبقى أرواحهم ملازمة لقبورهم ولا تصل للعالم الآخر وهي الأرواح التي تتحول لأشباح في القصص النوردية أو الموتى الأحياء أو ما يدعى بالدراوغر draugr الموتى السائرين الذين يهاجمون الأحياء. [3]

طرق الدفن الشائعة:

أهم المصادر التي وثقت حياة القبائل الجرمانية يعود الفضل فيها للرحالة المسلم أحمد بن فضلان الذي أُرسل كسفير للدولة العباسية التي حكمها أنذاك الخليفة العباسي المقتدر بالله وذلك عام 921 بعد الميلاد، وساهم ابن فضلان في توثيق حياة القبائل الجرمانية بالتفصيل بالإضافة إلى توثيق عادات الدفن عندهم ويعد هذا أول احتكاك بين الشعوب العربية الاسلامية والقبائل الجرمانية. [4]

الحرق:

كان الحرق من أكثر الطرق شيوعًا خصوصًا لدى الجرمانييين القدماء. ولكن اختلفت طرق الدفن حسب الطبقة والمكانة الاجتماعية للمتوفي. كان يتم الحرق في محارق كبيرة وساد الاعتقاد بأن النار الكبيرة ستساعد الروح للوصول للفالهالا التي تساعدها ال”فالكيري” المخلوقات الميثولوجية التي تشبه بمفهومها مفهوم الملائكة، وهن كائنات تساعدن الأرواح للوصول إلى الحياة الأخرة.
بعد الحرق كانت تجمع رفاة الميت وتحفظ في جرار أو تدفن في مقابر كبيرة. [5]

دفن السارقين والخونة:

حقوق الصورة https://www.google.com/url?sa=i&url=https%3A%2F%2Ftheheart756621753.wordpress.com%2F2019%2F06%2F12%2Fblood-eagle%2F&psig=AOvVaw2ljp9SAlj42pbjs7RgkMV1&ust=1624855311527000&source=images&cd=vfe&ved=0CAoQjRxqFwoTCKi52LLJuPECFQAAAAAdAAAAABAD

كان نصيب السارقين الشنق، وتركوا معلقين دون الالتفات لجثثهم. أما الخونة فكان نصيبهم أشد صعوبة، فلم تكن القبائل الجرمانية رحيمة في عقابها. أشهر طرق الإعدام وأكثرها دموية هي “النسر الدموي”. وهي طريقة تعذيب تتمثل في إبقاء الضحية على الحياة قدر المستطاع، تُربط يدا المحكوم بالإعدام إلى الأعلى في وضعية تشبه وضعية الصلب ثم يتم سلخ جلد الظهر وفرده فوق اليدين مشكلًا مظهرًا أشبه بجناحي النسر. تُكسر الأضلاع وذلك مع المحافظة على حياة الضحية لضمان عذابها. في النهاية تفرد الرئتين فوق الجلد المسلوخ ويترك المحكوم معلقًا حتى يموت. ويكون ذلك طقس يشاهده الجميع للتأكيد على أن مصير الخونة مرعب ومؤلم. [6]

الضريح العائم:

بنى الأثرياء محارقهم بشكل سفن غالبًا ولكن تم حرقها بالشكل التقليدي ودفنهم مع ممتلكاتهم. ولكن الحكام والأثرياء جدًا هم الوحيدون الذين حصلوا على ضريح عائم فعليًا وليس مجرد قبر على شكل سفينة. بنيت سفن صغيرة كقارب شخصي، معد لشخص واحد بالإضافة لممتلكاته وثروته معه. [5]

مراسم الدفن:

قام الرحالة ابن فضلان بتوثيق مراسم دفن أحد الملوك خلال بعثته، ووصف فيها بدقة مراسم الدفن. هناك بعض التشكيك بمصداقية الوصف، ولكن اجمع معظم المؤرخين أن هذا الوصف صحيح.
وفقًا لابن فضلان فإن الحاكم المتوفي يوضع في قبر مؤقت مع عصير العنب ليختمر. ريثما تتم حياكة جديدة له وذلك لمدة عشرة أيام، ويتم اختيار فتاة من العبيد لترافق سيدها إلى العالم الآخر.
عندما يحين وقت الدفن يوضع الزعيم في القارب بثيابه الجديدة مع ممتلكاته والطعام والشراب. ويضحى ببقرتين وحصانين وكلب ودجاجة وديك، تقطع أجسادهم وتنثر ضمن القارب لترافق الزعيم في رحلته للعالم الآخر.
في هذه الأثناء تكون الفتاة المختارة تشرب السم ليخفف عليها ألمها، وتذهب من خيمة لأخرى لتجامع الأسياد الآخرين. وفي النهاية يتم مجامعتها بشكل جماعي قبل خنقها وطعنها حتى الموت. بينما كان باقي الرجال يطرقون على سيوفهم ودروعهم في الخارج، لتغطي على صوت صراخ الفتاة كي لا تخاف بقية الفتيات من الطقس لاحقًا، ثم تمدد بجانب سيدها ويطلق القارب ويحرق. [5]

رمزية المراسم:

القارب كان يمثل رحلة الشخص للعالم الآخر، وبني الضريح بشكل قارب ولو لم يكن قاربًا فعليًا، فهو سيوصل الميت إلى العالم الآخر سواء كان فالهالا أو غيره.
أما الجنس الجماعي مع الفتاة فيتمثل في أن الفتاة هي الوعاء الذي سينقل جوهر الحياة. وفي كل مرة يجامعها أحد الأسياد يردد جملة “قولي لسيدك إنني فعلت هذا تقديرًا له” وساد الاعتقاد بأن السائل المنوي يمثل جوهر الحياة.
أما موضوع القتل العنيف للفتاة فذلك للاعتقاد بأن القتل العنيف والدموي هو ما يساعد الشخص إلى دخول فالهالا. [5]

هذه الشعائر جميعها اندثرت مع اندثار الوثنية في شبه الجزيرة الاسكندنافية، فمع الزمن والاحتكاك مع البلدان الأوروبية الأخرى شاعت المسيحية وبدأ من كانوا يدعون بالفايكنج باعتناق المسيحية، وبذلك انتهى عصر الفايكنج.
بالرغم من اعتناقهم المسيحية والتنكيل الذي صار بمن بقوا على دينهم الأصلي بعد أن أصبحت الديانة المسيحية سائدة والوثنية مرفوضة، فإن العديد من الناس في عصرنا الحالي ما زالوا بعتنقون دين أجدادهم القديم ويقدسون أودن، ولكن مع مراسم وشعائر أقل دموية.

المصادر:

1- lumenlearning
2- history
3- choicemutual
4- muslimheritage
5- lifeinnorway
6- allthatsinteresting

نظرية البجعة السوداء، كيف يكون المستحيل ممكنًا؟

أحيانًا ما لا نعرفه أهم بكثير مما نعرفه. يتعلم البشر بطبيعتهم من التجارب السابقة ويبنون سلوكهم على أساسها، ويتصرفون وفقًا لخبرتهم. ومع تطور العلم، تطورت قدرات البشر على توقع الأحداث وفقًا للمعطيات. ولكن بالرغم من ذلك، يأتي حدث غير متوقع ذو تأثير مدوي لينسف كل خبراتنا القديمة وتوقعاتنا، وهذا ما وصفه نسيم طالب في نظرية البجعة السوداء.

ما هي نظرية البجعة السوداء؟

المفهوم تاريخيًا

يرجع أصول مصطلح البجعة السوداء لوصف شيء مستحيل الحدوث إلى القرن الثاني، وذلك عندما وصف الشاعر الروماني جوفينال شيء بأنه “طير غريب في الأراضي، كأنه بجعة سوداء”، ولم يكن هناك أي مشاهدة لها حين صياغة هذا المفهوم. وبقي هذا المفهوم مثلًا شائعًا في لندن للتعبير عن استحالة وجود الشيء حتى مشاهدة البجع الأسود عام 1697 في قارة استراليا. وعندها تحول هذا المفهوم من الاستحالة إلى إمكانية دحض فكرة استحالة أي شيء لاحقًا.

نظرية البجعة السوداء

وهو مفهوم طرحه البروفسور والباحث الاقتصادي نسيم نيكولاس طالب لوصف حدث شبه مستحيل الحدوث، وله تأثير قوي جدًا. في البداية صيغ المفهوم لشرح الأحداث نادرة الحدوث في مجال الاقتصاد ولكنه وسع المفهوم عام 2007 ليشمل أحداث أخرى مثل الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية.

صفات الحدث

وصف نسيم طالب هذا الحدث بأنه:
1- الحدث مفاجئ جدًا بالنسبة للمراقب.
2- الحدث له تأثير هائل.
3- بعد تسجيل الحدث المفاجئ، يتم تبرير عدم التنبؤ به وبعواقبه بأنه “إدراك متأخر”، وأنه كان من الممكن توقعه.

أمثلة عن أحداث البجعة السوداء

هناك أمثلة عديدة عن أحداث البجعة السوداء المشهور عالميًا على مر التاريخ، أبرزها الحرب العالمية الأولى، وتفكك الاتحاد السوفييتي، هجوم 11 أيلول في أميركا، الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.

الانهيار الاقتصادي عام 2008

استخدم طالب الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت بعد إصداره لكتابه عام 2007 كمثال واضح على نظرية البجعة السوداء، وجادل بأنه إذا سُمح لنظام معطل بالفشل، فإن هذا الفشل سيقويه حكمًا في مواجهة هذه الكوارث لاحقًا، وسيمنحه مناعة في مواجهة حوادث مشابهة.

أما النظام المدعوم والمعزول عن الكوارث بشكل تام فهو معرض أكثر للخسائر ضمن كوارث البجعة السوداء، وكان الانهيار الاقتصادي العالمي وصف مثالي عن النظرية، فكان شبه مستحيل الحدوث، وذو تأثير كارثي عالمي، وتم تبرير عدم ملاحظته مسبقًا بالإدراك المتأخر.

هل يعتبر الوباء العالمي مثالًا عن أحداث البجعة السوداء؟

هناك جدل واسع حول كون الوباء الحالي حدث “بجعة سوداء” فهو كان نادر الحدوث، وذو أثر مدوي على جميع الأصعدة. وهو يفي بالمعايير، لكنه سابق الحدوث فهناك انتشارات للأوبئة عديدة على مر التاريخ، ما قد يجعله بجعة بيضاء، أي حدث طبيعي. ولكن استعداد الحكومات لمواجهة الوباء هو ما جعل هذا الحدث غريبًا، وذو تأثير كارثي.

التكيف مع حدث البجعة السوداء

يؤكد طالب أن حدث البجعة السوداء سيبقى شبه مستحيل التنبؤ، ولم يكن هدفه بناء قدرة على توقع الحدث الغير متوقع. وإنما الهدف هو بناء مناعة ضد الأحداث السلبية مع استمرار استغلال الأحداث الإيجابية.

وضح أن البنوك والشركات التجارية معرضة بشدة لأحداث مشابهة وقد تتعرض لخسائر لا يمكن التنبؤ بها. وفي الطبعة الثانية من كتابه قدم عشرة مبادئ لمجتمع مقاوم للبجعة السوداء.

بالنسبة للتنبؤ بالأحداث نادرة الحدوث يجادل طالب أن الأدوات القياسية للإحصاء والتنبؤ مثل التوزيع الطبيعي، لا تنطبق لأنها تعتمد على عينات كبيرة من السكان وأحجام للعينات قد لا تتوافر لتوقع حدث نادر الحدوث. أي أن الاستقراء عن طريق الإحصائيات السابقة لتجنب الكارثة قد يجعلنا أكثر عرضة لها.

المصادر:

nytimes
ig.com
investopedia
wikipedia

مدخل إلى الأنثروبولوجيا، ما هو علم الإنسان؟

الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان علم برزت أهميته خلال القرن الماضي بشدة، وهو فرع من العلوم الاجتماعية التي تبلورت من قرون ولكنها لم تصبح علمًا ممنهجًا إلا في القرن الماضي

تعريف الأنثروبولوجيا

الأنثروبولوجيا هي الدراسة المنهجية لحياة البشر، وتعني حرفيًا “علم الإنسانية”. فهي مشتق من كلمتين من الإغريقية وهما  anthrops أنثروبوس وتعني الانسان، و logos وتعني الدراسة العلمية. وبهذا تكونان كلمة انثروبولوجيا أو علم الإنسان.

وتدرس الأنثروبولوجيا البشرية بهدف الوصول لفهم لأصولنا التطورية، وتميز البشر كنوع، والتنوع الكبير في أشكال الوجود الاجتماعي للبشر حول العالم، وتطور الأنواع البشرية عبر التاريخ. أي ينصب تركيزها على فهم التنوع البشري وفهم تطورنا كنوع على الأرض.

نشأة الأنثروبولوجيا وتطورها

مرحلة ما قبل المنهجية العلمية

يرجع بعض المؤرخين أصول دراسة علم الانسان إلى الإغريق، حيث قام المؤرخ هيرودوتس بكتابة أفكار أصبحت لاحقًا جوهرية في علم الإنسان. فقام بوصف عادات وشعوب مختلفة عن الإغريق، ولكنه صنف اليونان كبلد مهيمن وبقية الحضارات أدنى مستوى منها، وهو ما عمل به العديد من الأنثروبولوجيين الأوروبيين لاحقًا بوضعهم أوروبا بالدرجة الأولى.

كما قام العلامة ابن خلدون بإضافات عديدة من ضمن أفكاره في علم الاجتماع ونشوء الدول وانهيارها، ما أسهم في تبلور علم الانسان لاحقًا. خلال العصور الوسطى تساءل بعض المفكرين عن أصول الانسان ولكن تم التعامل مع هذه الشؤون كأفكار دينية بحتة.

الأنثروبولوجيا خلال عصر التنوير

في بداية القرن الخامس عشر السابق لحقبة التنوير بدأت الاستكشافات العالمية وبدأ الأوروبيون باكتشاف حضارات غريبة عنهم مع اكتشاف قارة أميركا، وكتب الرحالة الذين وصلوا لهذه البلدان ملاحظات بسيطة ولكنها غير دقيقة ومشتتة وغير واضحة، ولكنها مهدت الطريق لنشوء علم لدراسة الانسان.
وفي عصر التنوير شهدت الأنثروبولوجيا تقدمًا ملحوظًا، حيث بنى المفكرون حينها أفكارهم على المنهج العلمي والمنطقي والعقلاني لا على التفكير الديني أو الغيبي. فكتب جان جاك روسو على سبيل المثال عن الصفات الأخلاقية لبعض الجماعات “البدائية”  وعن عدم المساواة بين البشر، ولكن ما زالت هذه الكتابات نظرية بحتة وتفتقر إلى الاحتكاك المباشر والتجربة.

الإمبريالية تمهد لنشوء علم الانسان الحديث

مع تزايد الاحتكاك مع الثقافات غير الأوروبية، وصعود الإمبريالية (السيطرة السياسية والاقتصادية على البلدان الأجنبية) في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بدأ الأوروبيون بملاحظة سلوك الشعوب الأخرى واختلافهم ثقافيًا ولكن هذه المرة مع احتكاك مباشر مع الشعوب، فحصلوا على فيض هائل من المعلومات عن هذه الشعوب بسبب استعمارهم لها، الأمر الذي ساعد بتشكيل انثروبولوجيا مهنية.

وفي نهاية القرن التاسع عشر أصبحت الانثروبولوجيا علمًا معروفًا لدراسة البشر والإنسانية وبدأت بتشكيل تفرعات عنها.

الفروع الأساسية للأنثروبولوجيا

الأركيولوجيا “علم الآثار”

تعد من الفروع الأساسية لعلم الإنسان، وتدرس الأركيولوجيا البشرية من خلال تحليل الآثار الباقية عن الحضارات القديمة، بالإضافة لتحليل العظام والبقايا البشرية لمعرفة تطور البشر.

يبدأ النطاق الزمني للدراسات الأركيولوجية بدراسة أسلاف البشر منذ ملايين السنين ويمتد حتى التاريخ المعاصر.

الأنثروبولوجيا البيولوجية

وتسعى لفهم كيفية تكيف البشر مع ظروفهم المحيطة والبيئات المختلفة. الذي قد يسبب لهم المرض أو الموت المبكر وما الذي يساعدهم على التكيف. بالإضافة لفهم كيف تطور البشر من أسلاف أخرى، فيدرس العلماء البشر بالإضافة للرئيسيات الأخرى مثل القرود، والحفريات والمستحاثات. ويركزون على فهم عمل علم الأحياء والثقافة معًا لتشكيل الحياة الإنسانية التي نعرفها الآن.

الأنثروبولوجيا الثقافية

يستكشف علماء الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية كيف يعيش الناس ويفهمون العالم المحيط بهم. ويحاولون فهم ما يعتقده الناس أنه مهم والقواعد التي يضعونها والعادات والتقاليد حول العالم وتطورها وتغيرها عبر الزمن. مثل عادات الدفن وطقوس الزواج والاحتفالات الدينية والمناسبات الثقافية والعادات المختلفة للمجتمعات البشرية.

الأنثروبولوجيا اللغوية

يدرس علماء الأنثروبولوجيا اللغوية الطرق التي يتواصل بها الناس حول العالم. ويهتمون بكيفية ارتباط اللغة برؤية البشر لعالمهم، ودراسة اللغة وتطورها بمرور الزمن. وكيف يستخدم البشر اللغة في حياتهم للتواصل والتعبير وإنشاء العلاقات، فاللغة هي المفتاح الرئيسي للتواصل الاجتماعي وأول درب لفهم المجتمعات البشرية.

المدارس الرئيسية في علم الانسان

الأنثروبولوجيا الوظيفية

يعتقد الوظيفيون أن المؤسسات الاجتماعية كالمدرسة والأقران والأسرة، تعمل جميعها بشكل متكامل لتوفير بيئة مستقرة ليعيش الناس فيها. يدرس الوظيفيون كيفية عمل هذه المؤسسات الاجتماعية عن طريق طرح أسئلة مثل: ما هو الغرض من هذه المؤسسة؟ كيف يتم تشغيلها؟ كيف يتم اتخاذ القرارات فيها؟

قد تبدو الثقافات مختلفة لمن يراقبها، ولكن برأي الوظيفيين المجتمعات البشرية مجتمعات طبيعية لأنها تتكون من مؤسسات اجتماعية مختلفة تعمل لتأمين احتياجات الناس.

الأنثروبولوجيا البنيوية

ترى البنيوية، وقد طورها العالم الفرنسي ليفي شتراوس، أن المجتمعات هي عبارة عن أنساق اجتماعية تشكل أنماطًا ثقافية. أي أنماط متكررة في عادات الدينية والثقافية والفن.

الأنثروبولوجيا المادية الثقافية

ترى المادية الثقافية التي طورها مارفن هاريس في ستينات القرن الماضي، أن البنية التحتية للمجتمع مثل التكنولوجيا والإنتاج الاقتصادي والمؤسسات الاجتماعية تؤثر في بنية المجتمع (أي العلاقات والتنظيم الاجتماعي)، وبينتها الفوقية أي الأفكار والمعتقدات والقيم.

في النهاية تنبع أهمية دراسة الانثروبولوجيا لفهم التنوع البشري وختلاف العادات والتقاليد، كلما عرفنا أكثر كلما أدركنا أن البشر برغم اختلافهم الشديد عن بعضهم يتشابهون بأمور عديدة، وهذا ما علينا تذكره عند استهجان العادات الغريبة أو الجديدة علينا، أن التشابه بين البشر باختلاف أعراقهم أكبر من اختلافاتهم.


يوتوبيا الجرذان، التجربة المرعبة التي تنبأت بانقراض البشرية!

حديقة المسرّات الأرضية للفنان هيرونيموس بوش.
حقوق الصورة: https://en.wikipedia.org/wiki/The_Garden_of_Earthly_Delights

اليوتوبيا، أو العالم الفاضل، مفهوم شغل بال المفكرين والفلاسفة لقرون عديدة. وهي كما وصفها أفلاطون مدينة فاضلة خالية من العيوب، وهي مدينة مثالية بكامل نواحيها المادية والروحيّة. ولكن هل هي النعيم الذي نتمناه حقًا؟ وما هي يوتوبيا الجرذان؟

حاول عالِم السلوك الحيواني جون كالهون تطبيق مفهوم اليوتوبيا على الجرذان، ولكن جاءت النتائج عكس ما تخيله تمامًا.

تجربة يوتوبيا الجرذان أو “الكون 25”

حاول كالهون دراسة سلوك الجرذان في بيئة مثالية، وفهم نتائج وجود بيئة مثالية للفئران وما نجم عنها من اكتظاظ سكاني. عمل كالهون على خلق بيئة مثالية بين عامي 1954 و1972. عمل مع المعهد الوطني للصحة العقلية، وأمضى زمنًا يحاول تحسين وتطوير تجربته، وأعادها 25 مرة وفي كل مرة حصل على نتائج متقاربة، ومن عدد التكرارات، جاء اسم “الكون 25”.

خلق الكون 25

كان تصميم البيئة بسيطًا. مستطيل بقياس أربعة عشر قدمًا مقسم إلى أربعة أقسام متساوية مفصولة بأسلاكٍ كهربائية. يجهز كل قسم فيها بمكان للطعام والماء وأماكن خاصة للتزاوج والعيش. بيئة تغيب فيها أخطار أي عدو طبيعي، بالإضافة لكمية غير محدودة من الموارد الغذائية والمائية، وهو العالم المثالي.

من النعيم إلى الفوضى

بغياب أي تهديد لحياة الجرذان بدأت أعدادهم بالتزايد بشكل مضطرد، الأمر الذي أدى للوصول إلى الاكتظاظ السكاني، ومعه بدأ سلوك الجرذان بالتغير بشكل سلبي.

تحول سلوك الجرذان إلى سلوك عدواني شديد وأطلق كالهون على هذا التحول اسم “الحوض السلوكي” وهو زيادة في الأنشطة الباثولوجية “المرضية” بسبب التوتر الناجم عن الاكتظاظ السكاني.

غالبًا ما كان الذكر المهيمن يهاجم الأعضاء الآخرين حتى الأطفال، وكان هناك حالات انحراف سلوكي وافتراس لباقي الجرذان. أما الإناث فقد ابتعدن عن الغريزة الطبيعية لرعاية الصغار، وكان معدل وفيات الصغار يتجاوز 90%.

مرحلة الفناء والانقراض

وضّح كالهون أن مرحلة الانقراض تألفت من جزئين:

الموت الأول

وتميزت هذه المرحلة بغياب الهدف في الحياة بالإضافة لفقدان الرغبة في التزاوج وتربية حديثي الولادة ورعايتهم.

الموت الثاني

وهو الانتهاء الحرفي للحياة في هذه البيئة متمثلًا بموت الجرذان جميعًا وانقراضها. قام كالهون في بعض التجارب بأخذ أربعة أفراد أصحاء للتزاوج ولكن باءت تجربة إعادة التوالد بالفشل بسبب التغير الشديد الذي طرأ على سلوكهم.

التأثر الثقافي وتطبيق النتائج على المجتمعات البشرية

نشر كالهون نتائج أبحاثه عام 1962. تميزت تلك الفترة باهتمام متزايد بمخاطر الاكتظاظ السكاني، وكان للتجربة تأثيرًا ثقافيًا مهمًا. ولاقت اهتمامًا جماهيريًا ممن يعايشون رعبًا من مخاطر الاكتظاظ السكاني في المناطق الحضرية، مثل الانحلال الأخلاقي والتفكك المجتمعي.

قابلية التطبيق على المجتمعات البشرية

هناك جدل واسع حول إمكانية تطبيق التجربة على المجتمعات البشرية. قام عالم النفس جوناثان فريدمان بعدة تجارب لقياس تأثير الاكتظاظ السكاني على سلوك الأفراد، فقاس ارتياحهم وتوترهم حسب الأعداد الموجودة، وأضاف أنه لم يحصل على نتائج سلبية ملحوظة.

نقد النظرية

كانت التجربة ونتائجها مثيرة للجدل لعدة أسباب وأولها أنه من الصعب الاعتماد على سلوك الجرذان وحدها لفهم سلوك البشر، فبالرغم من أن الاكتظاظ السكاني مشكلة حقيقية وواقعية لكنها تظهر بشكل آخر في السلوك البشري، ففي تجارب فريدمان في مراقبة الطلاب ضمن الاكتظاظ السكاني لاحظ وجود تزايد في التفاعل الاجتماعي الإيجابي.

لاحظ أن الجرذان ستعاني من الاكتظاظ السكاني وسيكون مصيرها الانقراض، لكن البشر يتمكنون من التكيف مع هذا التزايد.

إضافة لذلك، لا يمكن خلق بيئة مثالية للبشر لدراسة لسوكهم، فبدلًا من موارد غير محدودة، فموارد البشر الغذائية والمائية محدودة، وغياب الخطر الطبيعي كالأمراض والأوبئة والحروب أمر غير قابل للتطبيق. وفي هذا ما زالت البشرية تواجه خطرًا ولكنه معاكس لمفهوم كالهون، وهو ما طرحه مالتوس في توضيحه ونقده وهو أن التزايد السكاني يتناسب عكسيًا مع التزايد في الموارد.

بالرغم من إثبات شبه استحالة تطبيق النظرية على البشر، وأنه لا خطر علينا من الاكتظاظ السكاني بهذا الشكل، إلا أن النظرية تطرح أفكارًا جديدة، فأثبتت لنا أن النعيم ليس بالضرورة رائعًا، بل من الممكن أن يصبح كابوسًا.

المصادر:
historyofyesterday
smithsonian
borgenprojects
wikipedia

طقس “ساتي”، ما هو مصير الأرامل في الهند؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

تختلف طقوس الدفن على اختلاف العقائد والمجتمعات، في الهند حيث تنتشر الديانة الهندوسية شاع الحرق كطقس لدفن الموتى. ولكن لم يكن فقط للموتى، فركز الهندوس على وضع زوجة المتوفي وما مصيرها بعد وفاة زوجها وهو طقس ال”ساتي”.

لمحة عن الهندوسية

تعد من أقدم الأديان حيث يعود تاريخها إلى أكثر من 4000 عام، وهي ثالث أكبر الأديان عالميًا.

لا تملك الهندوسية مؤسسًا معروفًا، وما يميزها أنها خليط من الفلسفات والطقوس. معظم فروع الهندوسية تركز على عبادة إله واحد بشكل تام، مع الاعتراف بباقي الآلهة. كما هناك تقارب شديد بين الهندوسية والأديان المنتشرة في المناطق المجاورة لانتشارها مثل البوذية والسيخية واليانية.

نظرة الهندوسية للموت

تتمحور العقائد الهندوسية حول موضوع الانبعاث بعد الموت في جسد جديدٍ. فبالرغم من فناء الجسد الروح ستبقى وتعاد إلى جسد جديد وقد يستمر ذلك لحيوات عديدة. ومع كل حياة جديدة وموت جديد يأملون للوصول للبراهما، أو الإله الأعلى. مشابهةً لمبدأ السامسارا الذي أخذتها البوذية عن الهندوسية.

كما يؤمن الهندوس بأن أفعال الشخص هي ما يحدد حياته الجديدة بعد بعثه في جسد جديد، فيكافئ إن كانت جيدة ويعاقب إن كانت سيئة.

طقوس الدفن الهندوسية

بعد الوفاة ينشد الكاهن أو الابن الأكبر للمتوفي الصلوات أو المانترا ويلي ذلك العديد من الطقوس منها غسل المتوفي بالحليب والعسل، ووضع زيوت معينة على رأس الميت. وتُوضع  راحة اليدين في وضعية الصلاة، بينما تُربط إبهامي القدمين مع بعضها، ثم يُلف الميت بقماش أبيض وتنثر الورود حوله.

ما هو طقس “ساتي” تاريخيًا؟

يشاع أن هذا الطقس بدأ بين 320 إلى 550 بعد الميلاد خلال فترة حكم إمبراطورية غوبتا في نيبال، وانتشر الطقس إلى راجاستان. في البداية كان الطقس حكرًا على الطبقات العليا أو ” الكاشتريا” لكنه سرعان ما انتشر في الطبقات الأدنى أيضًا.

“ساتي” في الميثولوجيا الهندوسية

في الميثولوجيا ساتي هي زوجة الإله الأعظم شيفا، وعرف عن أبيها كرهه الشديد لشيفا واحتقاره له، واعتراضًا على ذلك قامت ساتي بحرق نفسها، وصلت لأن تعود بهيئة جديدة كزوجة لشيفا، وهذا ما حدث حسب الأسطورة. وسميت بعد انبعاثها بجسدٍ جديد باسم بارفاتي.

اعتاد الناس تبرير طقس ال”ساتي” بهذه الأسطورة، ولكن المفارقة تكمن في أن ساتي لم تكن أرملة في هذه القصة بينما الطقس مخصص للأرامل.

مراسم طقس ساتي

طقس ساتي هو عملية حرق أرملة المتوفي حية. وتعود أسباب هذا الطقس إلى أن الزوجة كانت تعتبر ملكية تامة للزوج وعند وفاته لا يحق لها الزواج ويرثها أحد الورثة الذكور، ولكونها غير قادرة على الزواج شاع موت الزوجة مع زوجها حفاظًا على طهارتها. فكلمة ساتي في السنسكريتية هي بمعنى الطهارة أو العفة.

من التطوع إلى الإكراه

وفقًا للعادات الهندوسية فإن الساتي هو نهاية الزواج، وتطبيقه يدل على مدى إخلاص المرأة لزوجها. وكان ينظر لهذا الطقس باحترام شديد لمن تنفذه واعتُبِرعملًا شجاعًا وبطوليًا. ولكن مع مرور الزمن تحول العمل البطولي إلى واجب يقتضي على الأرملة تنفيذه وفُرض عليها حتى لو لم تكن ترغب ب”التضحية” بنفسها بعد وفاة زوجها. كما أن الأرامل لم يمتلكن دورًا مهمًا في المجتمع وكانت تعتبر عبئًا إن لم تكن تملك أطفالًا يعيلوها.

طرق التنفيذ والاستثناءات

الحرق هو طريقة الدفن المتبعة عند الهندوس، غالبًا ما تجلس المرأة على كرسي فوق الحطب الذي سيحرق جثة زوجها، في طرق أخرى كانت المرأة تقفز إلى النار وفي أماكن أخرى يبنى كوخ وتدخل فيه المرأة مع جثة زوجها.

في بعض المناطق كانت تحفر حفرة وتوضع فيها الجثة مع الممتلكات الثمينة ثم تقفز المرأة إلى داخلها، وفي بعض الأحيان تشعل النار بنفسها.

هناك طرق أقل وحشية كانت تُعطى فيها المرأة سمًا ليخفف من آلام الحرق، أو تقوم أفعى شديدة السمية بعضها لتخفيف الألم. وفي بعض الأحيان كانت تعطى سكين لتذبح نفسها. الاستثناءات كانت النساء الحوامل والتي يمتلكن أطفالًا صغارًا جدًا.

هذا الطقس ما زال يمارس في بعض الأماكن النائية في الهند بالرغم من إصدار قوانين منعته وجرمته، لكن احترام الهندوس لعاداتهم وتقاليدهم دفعهم لمتابعته في الأماكن البعيدة عن قوانين الدولة.

المصادر







مفارقة إيكاروس، كيف يقتلك ما كان السبب في نجاحك؟

بالتأكيد العمل الدؤوب والاجتهاد هو الطريق للنجاح، ولكن ماذا لو كانت مسببات النجاح هي التي ستؤدي للفشل الذريع؟  هذا ما طرحه داني ميلر في كتابه مفارقة إيكاروس، ليوضح سبب سقوط الشركات الناشئة بعد فترة من النجاح والازدهار.

إيكاروس في الميثولوجيا الإغريقية:

تروي الأسطورة أن إيكاروس هو ابن ديدالوس، المعماري الذي بنى المتاهة التي احتوت وحش المينوتور “نصف انسان ونصف ثور” . وكان في جزيرة كريت التي حكمها الملك مينوس، وحُكِم على ديدالوس وابنه بالسجن في برجٍ في جزيرة كريت.

حاول إيكاروس وأبيه الهروب وذلك بصناعة أجنحة وتشكيلها من الشمع والريش. ولكن نبه ديدالوس ابنه بألا يطير عاليًا فيقترب من الشمس ويذوب الشمع في أجنحته، وألا يطير منخفضًا فيبتل الريش بالماء ويغرقه.

ولكن إيكاروس كان مزهوًا بأجنحته وفخورًا بحريته، فحلق عاليًا إلى أن اقترب من الشمس فأذابت الشمع وحرقت أجنحته، وهوى إلى البحر ومات غرقًا فيه.

مفارقة إيكاروس:

طرح داني ميلر في عام 1990 مفهوم مفارقة إيكاروس؛ موضحًا أن الشركات الناشئة التي تبالغ في ثقتها بقدراتها بعد نجاح مزدهر وسريع سيكون مصيرها مماثلًا لمصير إيكاروس، الفشل بسبب نفس العوامل التي أدت لنجاحها الباهر.

تؤدي العوامل المسببة في النجاح السابق؛ مثل استراتيجيات متبعة سابقًا عند استخدامها بشكل زائد عن حده إلى انخفاض المبيعات والأرباح إلى أن تصل للإفلاس.
ويحدث هذا عندما يتخذ المدراء نفس الأساليب أملًا في الحصول على نتائج مشابهة للنجاح القديم. وذلك لثقتهم العمياء فيها، وأحيانًا بسبب الغطرسة والثقة الزائدة بنجاحها.

عوامل فشل الشركات:

يقول ميلر إن انتصارات الماضي هي التي تخدع صناع القرار في الشركات وتدفعهم للإيمان بأنهم وصلوا لبر الأمان وحققوا النصر في مبيعاتهم، ويدفعهم ذلك إلى اتباع طرقهم التقليدية ذاتها، بسبب إيمانهم بأنها الطرق الناجحة كونها طرق مجربة.

عند توقع نتائج المشاريع المحفوفة بالمخاطر يقع المدراء في ما يسميه علماء النفس “مغالطة التخطيط”، ويتخذون قراراتهم بناءً على تفاؤل وهمي بدلًا من الحساب العقلاني للمخاطر والمكاسب المحتملة. ويسعون وراء أهداف غالبًا ما تفشل.

عبر الزمن، تركز الشركات على العامل الوحيد الذي ساعد في نجاحها، ولكن على حساب عوامل أخرى تهملها الشركات ولا تتكيف مع التطورات مثل وجود منافسين جدد، تغير الطلب المحلي، وجود تكنولوجيا جديدة.

أمثلة على مفارقة إيكاروس:

هناك أمثلة على ذلك أهمها شركة تيسكو بمحاولتها دخول السوق الأمريكية عام 2007. بالرغم من نجاحها البالغ في المملكة المتحدة، فشلت في دخول السوق الأمريكية وذلك لتطبيقها نفس الاستراتيجية المتبعة في المملكة المتحدة بدون مراعاة فروق العادات الاستهلاكية للمواطن الأمريكي. ما أدى لخسارات بالغة تقارب 1.8 مليار دولار وانخفاض أرباحها بمعدل 96%.

مقترحات ميلر:

يرى ميلر بضرورة تطوير المديرين لما يسميه “المرايا” أو القدرة على الوعي بالسلوك والتفكير الذاتي. ويؤكد على أهمية التطوير ومراجعة الاستراتيجيات خصيصًا التي مرّ زمن على العمل بها. بالإضافة لضرورة استخدام عدة مصادر من المعلومات عن المنافسين ومتطلبات السوق المحليّ، ومتابعة المنتجات المنافسة. حتى تتمكن الشركة من الصمود أمام تغيرات السوق يتوجب التغيير المستمر في الاستراتيجيات المتبعة للنجاح، حتى لا ينتهي بها الأمر مثل إيكاروس.

المصادر:






طقس”فاماديهانا”، لماذا يرقص شعب مدغشقر مع موتاهم؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

طقس “فاماديهانا”، لماذا يرقص شعب مدغشقر مع موتاهم؟

مراسم تقليب العظام


مفهوم “ليرقد بسلام” ليس شائعًا بالضرورة في جزيرة مدغشقر الأفريقية، ولا الحزن والبكاء عند تذكر الفقيد. ولتكريم موتاهم أقاموا ال”فاماديهانا” أو ما يعرف ب “تقليب العظام” لإبقاء ذكر الأموات حيًا. ولكن، بمشاركة الأموات في هذا الكرنفال، فكيف كان هذا؟


الدين والمجموعات الإثنية في مدغشقر:


القبائل والمجموعات الإثنية:


تحتوي مدغشقر، وهي دولة جزرية أفريقية في المحيط الهندي، خليطاً إثنيًا متنوعًا. أكثر هذه المجموعات سيادة هي قبيلة الميرينا أو”إمرينا” الموزعين في أنحاء الجزيرة. ثاني مجموعة هي قبيلة “بيتسيمي ساراكا” الذين يعيشون في شرقي مدغشقر، وثالث مجموعة من حيث العدد هي قبيلة “بيتسيليو”. بالإضافة لوجود قبائل أخرى أقل عددًا.
هذه المجموعات الإثنية لا تشكل بالضرورة حدودًا ثقافية واضحة المعالم، وغالبًا ما تتداخل ثقافة القبيلة بأخرى ولا تنفصل عنها بشكل كامل. أي تتشابه العادات والتقاليد بين معظم القبائل بالرغم من انفصالها شكليًا.


الدين السائد في مدغشقر:


خمسيّ السكان ما زالوا يتبعون الدين التقليدي القائم على عبادة الأسلاف، حيث الاعتقاد السائد أن الأموات لهم قدرة على مكافئة أو معاقبة الأحياء، ويسمى الكائن الأعلى “زاناهاري” أو الخالق.
أكثر من نصف السكان يعتنقون المسيحية، ولكن هذا لم يؤثر على معتقداتهم المحلية أو العادات والتقاليد الخاصة بشعائر الدفن.

الموت في معتقدات شعب مدغشقر:


يؤمن شعب مدغشقر أن روح الإنسان لا تغادر الأرض فورًا بعد وفاة الفرد، وإنما تبقى الروح تهيم على وجه الأرض إلى أن يفنى الجسد تمامًا. أي إلى أن تتحلل العظام بشكل كليّ وتصبح جزءً من الأرض.
وريثما يحدث هذا، يتوجب على أهل الميت العناية بالجثة حتى تتمكن الروح لاحقًا من الصعود للسماء ومغادرة الأرض بشكل تام، وهذا الأمر يستغرق أعوامًا وحتى أجيالًا.

طقس “فاماديهانا” أو تقليب العظام:

أهمية الطقس ثقافيًا:


حتى بعد الموت بفترة طويلة، يرى سكان مدغشقر أنه من الواجب عليهم تذكر أسلافهم. وذلك لشيوع عبادة وتقديس الأسلاف بالإضافة للاعتقاد بأن الروح لن تغادر الأرض إن لم يتم الاعتناء بالجثة.
ويدفع هذا الطقس أفراد العائلة إلى السفر لمسافات بعيدة وأحيانًا سيرًا على الأقدام للوصول لقبر العائلة وذلك تقديرًا لأهمية الطقس في عاداتهم وتقاليدهم. وغالبًا ما تقوم كل قرية بطقس تقليب العظام بشكل جماعي.


ما الذي يحدث في “فاماديهانا”؟


خلال هذه المراسم يقوم أهل الميت باستخراج الجثة بعد مرور فترة من الزمن على الدفن. بين ال5 إلى 7 سنوات تقريبًا. ويتم الطقس خلال أشهر الصيف
تُلف الجثة بغطاء من القش وتُحمل إلى القرية أو مكان إتمام المراسم. توضع الجثث على الأرض وتنظف وتلف بأكفانٍ جديدة.
وتتضمن المراسم طلب المباركة من الأسلاف وإخبارهم بما حدث خلال غيابهم أو ذكر مآثر المتوفي. وبعد ذلك تقام مأدبة كبيرة على شرف الأسلاف. طعام ومشروبات واحتفالات تكريمًا للأموات. ويحمل أفراد العائلة الميت على رؤوسهم ويرقصون بهم.
قد تستمر الاحتفالات لليومين تقريبًا بعدها يعيدون الأموات للقبور مع هداية جديدة ومال وكحول، لتحفظ حتى طقس تقليب العظام القادم.

إن تقليب العظام يعد طقسًا يلم شمل الأسرة كل فترة من الزمن، وهو أشبه باحتفال عائلي، ولكن العديد من الناس بدأت بهجر هذا التقليد وذلك لمعارضة بعض الفئات المسيحية ذلك إضافةً لتكلفته العالية، فغالبًا ما تستهلك معظم مدخرات الأسرة على الطعام والمشروبات والكفن الجديد.
بالرغم من أن فكرة نبش القبور فكرة مرعبة لمعظم الناس في أنحاء العالم، إلا أن مبدأ شعب مدغشقر القائم على الاحتفال وتذكر الميت بسعادة يساعد على تقبل واقع الموت بأريحية.


اقرأ أيضًا: الدفن السماوي

المصادر:

نموذج العوالم الثلاثة، ما سر اختفاء العالم الثاني؟

نموذج العوالم الثلاثة، ما سر اختفاء العالم الثاني؟


العالم الثالث مصطلح شائع التداول للإشارة للبلدان النامية، أو البلدان الأقل تطور. بالرغم من أن هذه المفاهيم تندرج تحتها فئة كبيرة من البلدان معظمها غير متجانسة لا من ناحية الثقافة ولا الاقتصاد.

تُعد هذه البلدان متخلفة بالقياس ببلدان العالم الأول. أو البلدان التي تتضمن الدول المتطورة ثقافيًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا. وتتمثل في بلدان الغرب عمومًا، ولكن بالإضافة إلى إشكالات حصر عدد هائل من الدول تحت تصنيف واحد، نلاحظ غياب مفهوم “العالم الثاني”، فما سر اختفائه؟

نموذج العوالم الثلاثة:

أول من أشار لمفهوم العالم الثالث هو المؤرخ والديمغرافي الفرنسي “ألفريد سوفيه” في مقالٍ نشره عام 1952، وهي الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية وظهرت فيها الحرب الباردة وهي حرب جيوسياسية نشبت عقب الحرب العالمية الثانية بين القطبين الأقوى وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، أو ما يعرف بالمعسكر الغربي “الرأسمالي”، والمعسكر الشرقي “الاشتراكي“.

وضح سوفيه أن دول العالم يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات كل منها يتميز بخصائص معينة، وهذه المجموعات هي:

– العالم الأول:

وهي الدول الرأسمالية، أو ما يشار إليه بالمعسكر الغربي، وتشمل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وتتضمن دول أميركا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان واستراليا. وتتميز هذه الدول باقتصاد رأسمالي.

 – العالم الثاني:

وتضمن هذا العالم الدول الاشتراكية متمثلة بالاتحاد السوفيتي وحلفائه. وتميزت باقتصاد مسبق التخطيط، وهي القوة الثانية الجبارة في الاقتصاد العالمي في مواجهة دول العالم الأول.

– العالم الثالث:

أشار سوفيه إلى الدول التي لم تنطبق عليها صفات دول العالم الأول أو الثاني اسم دول العالم الثالث. وجمع بذلك جميع الدول التي لم تتحالف مع المعسكر الشرقي أو الغربي وبقيت على الحياد. ووصف حالة هذه الدول بأنها شبيهة بحالة عامة الشعب قبيل الثورة الفرنسية.

بين النموذج والنظرية:

طور ماو زيدونغ نظرية “العوالم الثلاثة” بشكل مخالف لنموذج سوفيه في سبعينيات القرن العشرين. فتصنيفه لم يقسم العالم لدول تتبع المعسكر الغربي أو الشرقي فقط وإنما نظريته اقتصادية-سياسية.

العالم الأول في نظرية العوالم الثلاثة:

تضمنت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، كونها حسب مفهومه الدول الأكثر ثراءً والدول التي تملك السلاح النووي، وهي الدول الإمبريالية، والإمبريالية-الاشتراكية.

العالم الثاني:

ويشمل اليابان، وكندا، وأستراليا، وأوروبا، وهي بلدان لا تملك أسلحة نووية، لكنها تبقى أثرى من دول العالم الثالث، أي هي في الوسط بين الدول الأقوى والأضعف.

العالم الثالث ” الماويّ”:

يتضمن بلدان قارة أفريقيا، وأميركا اللاتينية، ومعظم قارة آسيا، وهي بلدان فقيرة مُستعمرة من قبل البلدان الأكثر قوةً وثراءًا.

انهيار الاتحاد السوفيتي واندثار مفهوم “العالم الثاني”

مع انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي عام 1991 وانتهاء الحرب الباردة، أخذ مفهوم العالم الثاني بالتلاشي. بالرغم من أن مفهوم العالم الثاني يشير أحيانًا إلى بلدان مستقرة اقتصاديًا مقارنًة ببلدان العالم الثالث شديدة الفقر، وهنا نرى خلطًا في المفاهيم بين نظرية ماو زيدونغ ونموذج سوفيه. وفي الواقع ما زالت مصطلحات العالم الأول والثالث مستخدمة وشائعة جدًا بالرغم من اختفاء العالم الثاني.

ما وراء العالم الثالث:

لم ينتهِ العد عند العالم الثالث، إذ نشأت دول أكثر تخلفًا وشكلت هذه الدول العالم الرابع والخامس. وتشمل هاتين المجموعتين حسب الأمم المتحدة، البلدان الأقل تطورً والأشد فقرًا. وتتضمن المجتمعات البدائية أو القبائل التي تعيش بمعزل عن الحضر. بالإضافة إلى البلدان الأشد فقرًا والتي تتميز بنمو سكاني مرتفع وانخفاض في معدل الدخل القومي وارتفاع شديد في عدد الوفيات.

لنا أن نتساءل الآن، أين عالمنا العربي من هذه التصنيفات؟ في الوقع لا يوجد تصنيف واحد يوضح مجموعة غير متجانسة من البلدان، فكل بلد معين يتميز بخصائص جغرافية وسكانية واقتصادية واجتماعية وثقافية. وبالرغم من تشابه بلدين في جانب أو آخر إلا أنهما لا يتطابقان تمامًا. ونموذج العوالم أو حتى النظرية الماويّة تعجزان عن توضيح الفروقات بين بلدان العالم عن طريق حجزها في نطاقٍ ضيقٍ من الصفات والخصائص.

المصادر:

mometrix
tandfonline
investopedia
maoistwikia
investopedia
nationsonline
fifthworld

أبراج الصمت ” دخمه” كيف دفن الزرادشتيون موتاهم؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

أبراج الصمت ” دخمه” كيف دفن الزرادشتيون موتاهم؟

الطقوس الزرادشتية في الدفن تعد طقوس غريبة، ومميزة، دفعت قناعات الزرادشتيين بقدسية عناصر الطبيعة، لتفادي تلويث الجثث فيها. ورُفِع الموتى إلى أبراج الصمت في طقس دفنٍ سماويّ.


أحد أبراج الصمت ” دخمه” في مدينة يزد


لمحة عن الزرادشتية:


تعد الزرداشتية من أقدم الأديان التوحيدية القائمة حتى يومنا هذا. و هي من الأديان المجوسية، نشأت على يد زرادشت في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد فارس. وكانت الدين الرسمي للإمبراطوريات الأخمينية والباراثية والساسانية.
قام زرادشت بتبسيط مجمع الآلهة الفارسية القديم وتحويله إلى ثنائية كونية، وتتمثل بالحرب المستمرة بين الخير والشر، الخير متمثلًا بالإله الأعلى في الزرادشتية وهو “أهورا مازدا” أو سيد الحكمة، وهو الخالق ويمثل النور والحكمة.
والشر متمثلًا ب “أهريمان” الذي مثل الشر، والدمار، والظلام.
تركز الزرادشتية على تقديس عناصر الطبيعة. أي الماء والأرض والنار والهواء. ولكن النار كانت الأكثر تقديسًا، ودخلت كعامل رئيسي في طقوسهم، كما هو الحال في معابد النار. ومنه نشأ الاعتقاد الخاطئ أن الزرادشتيون يعبدون النار، وفي الواقع فإن تقديسهم للنار نابع من قدسية الإله الأعلى أهورا مازدا الذي يمثل النور، تُعتبر النار وسيطًا تُكتسَب من خلاله البصيرة الروحية والحكمة.


الموت في الزرادشتية:


يؤمن الزرادشتيون بالحساب بعد الموت، فالجنة للزرادشتي الصالح والجحيم للأشرار منهم. كما تؤكد الزرادشتية على أهمية النقاء والطهارة في الحياة، وارتباط الطهارة الروحية بالطهارة الجسدية. وبالتالي فإن التلوث الجسدي يؤدي للتلوث الروحي. فعملية تحلل الجثث من أنواع التلوث الجسدي ولا يجب خلطها بعوامل الحياة الرئيسية بشكل مباشر وإلا لوثتها.
والروح تهيم لعدة أيام بعد الوفاة، وفي هذا الوقت تعرض الجثة لخطر سكنها من قبل شياطين الجثث ال”ناسو”  لذلك توجب تطهيرها قبل الدفن.
لذلك ابتعد الزرادشتيون عن الدفن الأرضي، والدفن النهري، والحرق.  وهذا ما دفعهم لاعتماد أبراج الصمت أو ما يعرف بالدخمه في اللغة الفارسية القديمة.


أبراج الصمت:


وهي المدافن الرسمية عند الزرادشتيين. تتمثل في برج دائري الشكل أطرافه أعلى من المنتصف. السطح مقسم لثلاثة دوائر، الدائرة الخارجية والأعلى مخصصة لجثث الرجال، وفي المنتصف جثث النساء، والدائرة الأقرب للمركز مخصصة للأطفال.
في منتصف البرج حفرة عميقة تجمع فيها العظام بعد أن تجف الجثث وتتفكك بالتدريج عن طريق عوامل الطبيعة، وتمر بطبقات من الفحم والرمل إلى أن تتحلل كليًا وتصرف إلى المياه.
تمدد الجثث على السطح وتقدم للطيور الجارحة لتأكلها، وهذا قريب من مبدأ الدفن السماوي عند البوذيين في التيبت. ولكن الاختلاف يكمن في المنطق الذي دفعهم للجوء للدفن السماوي. ركز المنطق الزرادشتي على عدم تلويث عناصر الحياة الأساسية بالجثة المتحللة. أما بوذيو التيبت ركزوا على أهمية عدم بقاء مخلفات من الجسد لأنه أداة أو مركبة للروح في رحلة الانبعاث “سامسارا” بالإضافة لرمزية النسور في الديانة البوذية.
ولكن كلا الديانتين ركزتا على أن الجسد هدية سخية للنسور وعلى أهمية السخاء في حياة الانسان.

مراسم الدفن:

تحضير الجثة للدفن:


تغسل جثة المتوفي بسائل الغوميز “مياه وبول الثور”. وتحضر الثياب التي سيدفن فيها الميت، وبالطبع هذه الثياب سيتم التخلص منها بعد احتكاكها بالميت لأن الجثة تلوثها.
تُوضع بعدها الجثة على غطاء أبيض ليلقي عليها أهل الميت الوداع الأخير، ولكن محظور عليهم لمسها. ولأن الجثة تستقطب الشياطين يحرس الجثة كلب لطرد الشياطين والأرواح الشريرة في طقس يدعى ” ساجديد”.
يسمح لغير الزرادشتيين بمشاهدة الجثة ووداع المتوفي، لكن يحظر عليهم مشاهدة باقي مراسم الدفن.

طقوس حفظ الجثة من التلوث:


بعد تحضير الجثة للدفن، تسلم لحاملي الجثث المختصين، وهم الوحيدون المخولون بالاقتراب من الجثة بعدها.
يقومون بغسل ثياب الميت في محاولة لإبعاد التلوث قدر المستطاع، ويلف القماش الأبيض الذي وضعت عليه الجثة حولها مثل الكفن.
تُرسم دوائر حول الجثة كحاجز روحي لمنع انتشار تلوث الجثة ولتحذير الزوار حتى يحافظوا على مسافة آمنة منها.

الطقوس الأخيرة في أبراج الصمت:

تُنقل الجثة إلى “الدخمه” أي برج الصمت، ودائمًا ما يتم النقل في النهار، ويكون عدد حاملي الجثة عدد زوجي دائمًا.
يتبعهم أهل الميت في ثنائيات، وكل ثنائي يحملون قطعة قماش تدعى ال”بايواند”.
يقرأ راهبان الصلوات ثم ينحنون أمام الجثة. ثم تُزال الثياب والكفن عن الجثة بأدوات لتجنب اللمس. تترك الجثة أمام الطيور لتأكلها وغالبًا تتم هذه العملية في ساعات، ثم ترمى العظام المتبقية في الحفرة الموجودة في منتصف البرج.

طقوس الحداد وتذكر المتوفي بعد الجنازة:

تتلى الصلوات على الميت لمدة ثلاثة أيام بعد الوفاة، ساد الاعتقاد أن روح الميت لا تغادر الأرض ضمن الأيام الثلاثة الأولى.
في اليوم الرابع تصعد الروح إلى جسر الحساب، أو ما يعرف باسم “شينفات”. في الأيام الثلاثة الأولى يتفادى أهل الميت أكل اللحم وحتى الطبخ في المنزل التي غُسِلت فيه الجثة. ويقوم الأقارب بمهمة تحضير الأكل في منازلهم.
يحرق البخور في منزل الميت في أيام الحداد الثلاثة، وفي الشتاء لا يقترب أحد من المنطقة التي غُسلت فيه الجثة لمدة عشر أيام. ويترك فيها مصباح مشتعل. أما في الصيف فيمنع الاقتراب منها لثلاثين يومًا.

إن هذه الطقوس ممنوعة في إيران من عام 1970، لكن ما تزال قائمة في مناطق من الهند، حيث يعيش قسم من الزرادشتيين، والجدير بالذكر أن النقص في أعداد  الطيور التي تأكل الجثث يهدد هذه الطقوس في مدينة مومباي في الهند.
أما الزرادشتيين الذين يعيشون في المناطق التي تمنع قوانين الدولة طقوسهم، قاموا بالتكيف مع بيئتهم المحيطة عملًا لتعاليم زرادشت التي تحتم على الفرد التكيف مع مجتمعه. فيقوم معظمهم بدفن الجثة في صفيح معدني أو محاطة بالإسمنت. فهم بذلك لا يلوثون الأرض ولا يخالفون تعاليمهم وفي نفس الوقت لا يخالفون القوانين السائدة في مجتمعهم. تبدو لنا هذه الطقوس غريبة، بل وحتى مرعبة. ولكن من المهم دائمًا معرفة ما الذي يدفع الناس للقيام بطقوس تختلف عما نعرفه، فالهدف الأسمى في نظر الزرادشتيين هو المحافظة على عدم التلوث وعلى طهارة الأرض ونقاوتها من تلويث الجثث.






متى بدأنا الاحتفال ب”عيد الحب”؟

روميو وجولييت، لوحة ل فرانك بيرنارد ديكسي

متى بدأنا الاحتفال بعيد الحب؟

في كل عام نرى الشوارع تمتلئ بالورود، والقلوب الحمراء، وأفواج العشاق يتبادلون الهدايا. ولكن لماذا هذا اليوم بالتحديد؟ هناك العديد من القصص التاريخية المرتبطة بيوم الحب هذا والتي حاولت تفسير ارتباط الحب بهذا اليوم، ولكن تاريخ عيد الحب ليس رومنسيًا وشاعريًا كما نتمنى.

لوبيركاليا

احتفل الرومان بطقس وثني  يدعى اللوبيركاليا lupercalia  في كل عام ما بين 11 و13 فبراير. وتضمن الاحتفال التضحية بالحيوانات وإراقة دمائها لإحياء الخصوبة.

يبدأ الطقس بذبح الكهنة للحيوانات، وبعد ذبح الحيوانات تقطع الجلود ويذهب الرجال لضرب النساء بجلود الحيوانات المذبوحة. حيث ساد الاعتقاد بأن هذه العملية تزيد من خصوبة المرأة.
وبعدها يتم جمع أزواج ويتم اختيار كل شاب وفتاة ليكونا سويًا حسب القرعة لينتهي الاحتفال أو أكثر إن كان الزوجين ملائمين لبعضهما.

قام البابا جيلاسيوس الأول لاحقًا بتحريم هذا الاحتفال في القرن الخامس ميلادي.
يربط العديد من المؤرخين هذا الطقس الدموي بما يعرف بعيد الحب حاليًا، حيث كان طقسًا للخصوبة ولتزويج الشبان والشابات.

القديس فالينتاين

ارتبط اسم القديس بيوم الحب، بعض المؤرخين يقول أن البابا جيلاسيوس الأول عندما حرّم طقس اللوبيركاليا استبدله بيوم تكريمًا للقديس فالينتاين.

هناك عدة قصص عن القديس فالينتاين، ويشاع أن هنالك أكثر من قديس حمل هذا الاسم. أول قصة عن قديس كان يزوج الأزواج المسيحين في روما سرًا في عهد الامبراطور كلاوديوس الثاني. في وقتها قرر الامبراطور أن الرجال العازبين أنسب للحرب ومنع زواج الشبان، وعصى بذلك القديس أوامر الامبراطور الأمر الذي أدى لإعدامه في 14 فبراير.

تحكي قصة ثانية عن قديس في مدينة تيرني الايطالية يدعى فالنتاين أيضًا. سُجن بسبب تبشيره بالدين المسيحي، وشفى ابنة سجانه من العمى. وأعدم أيضًا في 14 فبراير ولكن في عام آخر. يشاع أن هاتين الحاكيتين عن نفس القديس وليسا شخصين مختلفين. ولكن لا توجد معلومات واضحة تؤكد هذا الكلام.

عصر “الحب” الاستهلاكي

بدأ الترويج لهدايا عيد الحب وبطاقات التعبير عن المشاعر في نهاية القرن التاسع عشر تقريبًا. حيث بدأ الناس بطباعة كروت تملئ بالقلوب الحمراء والعبارات الشاعرية مرفقة بصورة “كيوبيد” إله الحب الروماني. وبدأ تصنيع الشوكولا الخاصة بعيد الحب، على شكل قلب أحمر طبعًا. وأضحت الهدية المثالية لعيد الحب هي الحلوى والورقة المليئة بالقلوب والكلمات التي تفيض إحساسًا، والأزهار. تحديدًا الورود الحمراء التي طالما ارتبطت بالحب والجمال.

وإلى يومنا هذا أصبح التقليد جزءً لا يتجزأ من حياة العشاق، هدية وقلوب حمراء وورود حمراء. سنويًا ينفق الناس أموالًا طائلة حول العالم لشراء هدايا عيد الحب.

رسائل إلى جولييت

جولييت العاشقة الأكثر شهرة هي وروميو. خلّد شكسبير قصة حبهما التراجيدية في مسرحيته الشهيرة. ما زال منزل جولييت كابوليتي قائمًا في مدينة فيرونا في إيطاليا وبإمكان أي شخص زيارته. ما يميز المنزل الآن هو الرسائل المتناثرة على جدرانه، يكتب العاشقون وجرحى الحب رسائلهم إلى جولييت على الجدران أو على قصاصات ورق تلصق على الجدار أو يقومون بإرسالها للعنوان نفسه.

أسس متطوعون في مديمة فيرونا ناديًا للإجابة على رسائل العشاق الحزينين، أغلب الرسائل تبدأ ب”عزيزتي جولييت، أنت الوحيدة القادرة على تفهم مشاعري..” وهو أمر جميل ولطيف للوهلة الأولى؛ فجولييت هي من ماتت في سبيل الحب بالتأكيد ستفهم حزننا على الحب ومشاعرنا. ولكن الموضوع حزين في نفس الوقت فآلاف الرسائل من مكسوري القلوب تتوافت، وهؤلاء الأشخاص لا يجدون من يحدثونه عن حزنهم، ولا من يتفهم حرقتهم ووحدتهم، سوى جولييت.

جزء من جدران منزل جولييت، ورسائل الحب المعلقة على الجدار

تخصيص يوم للحب جميل، ولكن من يحب يرى عيدًا في كل يوم فلا يحتاج ليوم محدد، ولا لقلب ووردة حمراء ولا لصورة كيوبيد مرفقة مع كلمات فارغة كثُر تكرارها. تحول يوم “الفالنتاين” من يوم للحب، ليوم لتغذية المجتمع الاستهلاكي. اشترِ أكثر لتعبر عن حبك. يوم 14 فبراير عيد للتجارة أكثر من كونه عيدًا للحب. هنيئًا للعشاق الذين ما زالوا قادرين على الاحتفال بالحب من دون مناسبة.

المصادر:

1- NPR
2- Time
3- NPR
4- Britannica


تأثير بروتيوس.. كيف يؤثر الواقع الافتراضي على سلوكنا؟

تأثير بروتيوس.. كيف يؤثر الواقع الافتراضي على سلوكنا؟


إن أول ما يلفت نظرنا عند رؤية شخص ما، هو شكل واللباس الذي يرتديه وصفاته الجسمانية. ولكن اللباس والمظهر والصفات الجسدية تؤثر في سلوك الفرد. وفي توقعاتنا لسلوك الأفراد تختلف هذه التوقعات بحسب مظهر الشخص. فلا تتوقع ممن يرتدي لباس الرياضة نفس السلوك المتوقع ممن يرتدي لباسًا رسميًا، لأن الصورة النمطية لكل شخص مطبوعة في أذهاننا شئنا أم أبينا.
يحاول الناس تعديل مظهرهم بحسب ما يناسب البيئة المحيطة بهم، وفي أيامنا هذه تجاوزنا موضوع اللباس ودخلنا الواقع الافتراضي. تسمح لنا التكنولوجيا الحديثة بأن نصمم شكلًا لنا كما نريد، ونتحول إلى أي مظهر نريده.
إذًا كيف يؤثر الشكل الذي قمنا بصنعه على سلوكنا؟

 

ما هو الأفاتار ” avatar”


 الأفاتار، أو الصورة الرمزية هو تمثيل صوري لشخصية المستخدم، وقد يكون ثنائي الأبعاد كما هو الحال في الأفاتار الذي تصنعه على فيسبوك. أو ثلاثي الأبعاد كما هو الحال في الألعاب. وهذا الشكل تصممه كما تهوى وتتحكم في كل معاييره ومقاييسه.

تأثير بروتيوس


في التفاعلات الافتراضية يؤثر الأفاتار على إدراك وتصورات الناس وأفعالهم وسلوكهم الواعي أو غير الواعي وهذا ما يعرف بتأثير بروتيوس.
وبروتيوس إله إغريقي يعد حاميًا للبحار والأنهار والوحوش التي تعيش فيها. ومن أهم قدراته التحول لأي شكل وأي مخلوق يريده، ومنه جاء ربط التأثير باسم الإله.
 أول من وصف هذا التأثير هما الباحثان <nick yee, Jeremy bailenson > في جامعة ستانفورد عام 2007. واقترح الباحثان أن الناس يغيرون سلوكهم تبعًا للسلوك المتوقع من الشكل الذي اختاروه في البيئة الافتراضية.
أي أن السلوك المتوقع من الأشخاص حسب شكلهم يختلف باختلاف الشكل، بالتالي فإن الشكل الذي اخترناه سيؤدي لتغيير سلوكنا إلى ما نعتقد أنه يتناسب مع الشكل المعطى.
بينت تجارب يي وبايلنسون أن سلوك المبحوثين تغير بشكل ملحوظ عند تمثيلهم بأفاتار يملك شكلًا جذابًا مقارنة بشكل غير جذاب، فكان المبحوث ضمن البيئة الافتراضية يتصرف بشكل أكثر ثقة. كذلك الوضع عند تمثيل المبحوث بشكل أطول أو أقصر. أو باختلاف الجنس حيث أن المبحوثين حاولوا أن يتصرفوا بما يتوافق مع الصورة النمطية في أذهانهم عن كل الذكور والإناث. كما أن الشخص الذي يمثل بصورة بطل خارق حاول أن يساعد الناس أكثر من غيره في ضمن اللعبة أو الواقع الافتراضي المعطى.

نظريات دعمت فرضية تأثير بروتيوس


من النظريات المهمة التي اعتمدها الباحثان في تدعيم فرضيتهم هي نظرية التأكيد السلوكي Behavioral > confirmation> ،ونظرية الإدراك الذاتي< Self-perception theory> ، ونظرية التفرد < Deindividuation>


نظرية التأكيد السلوكي Behavioral confirmation theory



تشير نظرية التأكيد السلوكي إلى أن تفاعل الأفراد الذين يحملون صورة نمطية مسبقة في أذهانهم سيبحث هؤلاء بالتالي في سلوك الأفراد عما يؤكد توقعاتهم المسبقة عن هذا الشخص.


نظرية الإدراك الذاتي self perception theory


تشير نظرية الإدراك الذاتي أن الأفراد يحددون سلوكهم وأفعالهم بملاحظة الظروف التي أدت لهذا السلوك، وتأثير بروتيوس يطبق هذا المفهوم في المجتمعات الافتراضية.

نظرية التفرد Deindividuation


نظرية التفرد تشير إلى انخفاض في الوعي الذاتي نتيجة الانخراط في المجموعة، وفي البيئات الافتراضية يكون هذا ناجمًا عن مستوى إخفاء الهوية الذي توفره البيئات الافتراضية.



إن تأثير بروتيوس  يشير لمدى تأثرنا بعالمنا الافتراضي وإلى أي مدى قد يؤثر بنا ما صنعناه نحن. قد يخيل للمرء أن مسيطر ومدرك لكل مايفعله و خصيصًا إذا تعلق الأمر بشيء قام بخلقه هو. لكن واقع الحال يشير إلى أن ما صنعناه يصنع سلوكنا بدوره.



الدفن السماوي، كيف يدفن البوذيون موتاهم؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ


الدفن السماوي، كيف يدفن البوذيون موتاهم؟

شغلت قضية الموت العقل البشري منذ القدم، وجهد البشر في تفسيرها، وكرموا موتاهم بشتى الطرق. ومع تعدد الثقافات تعددت الطقوس الجنائزية؛ فمنهم من اختار الحرق، ومنهم من اختار دفن الموتى. أما البوذيون فقد اتخذوا اتجاهًا مغايرًا وقدموا موتاهم للنسور كطقس جنائزي لتكريم الموتى.

لمحة عن البوذية:

تعد البوذية فلسفة روحانية قديمة العهد. نشأت في الهند وانتشرت في معظم أنحاء شرق آسيا حتى وصلت لمنطقة التيبت.
يرى البوذيون الموت كتوقف لشيء وبداية لشيء آخر فهو من جهة الفناء التام وتوقف الحياة، ومن جهة أخرى بداية لرحلة روحانية جديدة. وبناءً على هذا التصور تبلورت طقوس الدفن السماوي.

البوذية بين الفلسفة والدين:

البوذية فلسفة في نظر البعض ودين في نظر من يمارسونها، والحقيقة أنها لا تندرج بشكل كلي تحت الفئتين، وقد يعتبرها البعض كطريقة في الحياة.
لا تعرف البوذية الألوهية ولا تتضمن أي عبادة للآلهة. مبدأ الروحانية بالنسبة للبوذية يرتبط ببث اليقظة والصحوة في داخل الفرد وليس بما هو خارجه.
و”البوذا” بالنسبة لأتباعه قديس، أو كائن أعظم روحياً؛ فالقديس في السياق البوذي شخص يقدم مثالاً للحقيقة التي أربكت الكائنات البشرية، وتدعوهم لليقظة أو ” الاستنارة”.

الحياة والموت في نظر البوذية:

تقوم البوذية على مبدأ التناسخ، أي ولادة الروح لعدة مرات في أجساد مختلفة، وتعرف دورة الحياة المتسلسلة هذه باسم “سامسارا” ولا ينظر للموت على أنه تهديد أو شيء محتوم، فهو بداية لحياة جديدة.


مراسم الدفن السماوي:

هو أكثر أنواع الدفن شيوعًا في منطقة التيبت لأتباع البوذية. تحتم هذه الديانة على أتباعها أن يتصفوا بالسخاء لذلك يقومون بتقديم أجساد الموتى للطيور الجارحة.

بعد الوفاة تترك الجثة دون أن تلمس لثلاثة أيام. ينشد الرهبان حول الجثة لتطهيرها من ذنوبها قبل يوم الدفن ثم تنظف الجثة وتُلف بقماش أبيض وتوضع بوضعية الجلوس، يبدأ الطقس قبل الفجر، يتصدر الرهبان الجنازة وينشدون الصلوات لإرشاد الأرواح حتى يصلون لمكان الدفن.

بعد الوصول يبدأ المختصون بتكسير وتقطيع الجثة لتستهلكها النسور، ثم يُحرق نوع من البخور لجذب النسور لأكل الجسد، وإن أكلت الجسد كاملًا فإن ذلك دليل على أن المتوفي طاهر من الذنوب. وإذا لم يؤكل تُجمع البقايا وتحرق مع إنشاد الصلوات للتطهير من الخطايا. و تعد النسور كائنات مقدسة في الديانة البوذية، فهي ترشد الأرواح للسماء حتى تُبعث من جديد.

طقوس دفن أخرى في التيبت

بجانب الدفن السماوي هناك الحرق والدفن النهري والدفن تحت الأرض وبالتسلسل فإن أعلى درجات الدفن قيمة بعد الدفن السماوي هو الحرق، يليه الدفن النهري، والدفن الأرضي.

يصعب على العقل البشري تقبل حقيقة أن الفناء قدره المحتوم، وجاءت الشعائر المختلفة لتبين لنا مدى اهتمام الناس بواقع الموت ورهبتهم منه.
إن التعرف على طقوس الشعوب في كافة المجالات، وخصيصًا طقوس الدفن يطلعنا على جوانب مهمة من حياتهم وفلسفتهم. فمن نظرتهم للموت نفهم منظورهم في الحياة.

اقرأ أيضًا: التحنيط الذاتي

أحد المدافن في منطقة التيبت

المصادر:

1-  bbc
2-   atlasobscura
3-  tibetpedia

Exit mobile version