أدلة تطور الحيتانيات

هذه المقالة هي الجزء 9 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

لم نخصص مقالًا في هذه السلسلة للحديث عن الحيتانيات إلا لأنها تمتلك صرحًا ضخمًا من أدلة التطور التي تتشابك مع بعضها البعض من مختلف فروع العلم. كما أنها من أعظم أمثلة قدرة نظرية التطور التنبؤية. وهذا المقال يرصد أدلة تطور الحيتانيات، فتعالوا معنا نتعرف عليها.

وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، فإن «الحيتانيات-Cetaceans» لفظ يطلق على الثدييات البحرية التي تشمل الحيتان والدلافين وخنازير البحر بمختلف أنواعها. [1]

لماذا لا تعد الحيتانيات من الأسماك؟

على الرغم من التشابه الكبير في الهيئة الخارجية بين الحيتانيات والأسماك إلا أنها لا تعتبر من الأسماك. إذ تمتاز الحيتانيات بصفات غير سمكية، فهي على سبيل المثال من الثدييات التي تلد وترضع أطفالها – تمامًا مثل الثدييات البرية -. كما أنها ذات دم حار (بينما الأسماك ذوات دم بارد). الحيتانيات على عكس الأسماك، لا تمتلك خياشيم تساعدها على التنفس وإنما تتنفس عن طريق رئتين. لهذا قد تلقى الحيتانيات مصرعها إن لم تصعد لسطح الماء للحصول على الأوكسجين في الوقت المناسب. [2]

وعلى ذكر التنفس، تمتلك الحيتانيات ثقوبًا أعلى الرأس لتساعدها على التنفس. وتمتلك بعض الحيتان فتحتين مشابهتين لأنوف الثدييات البرية. رغم امتلاك الدلافين وخنازير البحر فتحة واحدة، إلا أنه يتكشّف لنا شيء غريب عند تشريح جماجم الدلافين وخنازير البحر. إذ نجد أن هذا الثقب الواحد ينقسم إلى فتحتين أنفيتين [3]. فهل يُعد وجود فتحتين ذو دلالة على علاقتها بالثدييات الأرضية؟ سنعرف هذا بعد قليل.

حقوق الصورة: kythera-family.net

الأدلة من التشريح المقارن

وعلى الرغم من امتلاك كل من الحيتانيات والأسماك للزعانف إلا أنهما بعيدان كل البعد عن التشابه التشريحي. فعند النظر إلى زعانف الحيتانيات نجد أنها تتبع نمطًا مشابهًا للنمط الموجود في «رباعيات الأطراف-Tetrapods». تتكون زعانف الحيتانيات من عظمة كبيرة وهي عظمة «العضد-Humerus» (باللون البرتقالي)، ثم عظمتين وهما عظام «الساعد والزند-Radius and Ulna» (باللونين الأحمر والأبيض)، ثم عدد من العظام وهي عظام «الرسغ-Carpals» (باللون الأصفر)، ثم تنتهي ب «مشط اليد والأصابع-Metacarpals and Phalanges» (باللون البني). يدل هذا على انتماء الحيتانيات إلى رباعيات الأطراف. [4]

حقوق الصورة: Labster theory


ولكن إذا كانت الحيتانيات من رباعيات الأطراف، فأين أطرافها الخلفية؟ في الواقع تمتلك الحيتانيات أطرافًا خلفية ضامرة كثيرًا ما يثير الخلقيون بشأنها بعض التساؤلات، وسنجيب عن هذه التساؤلات في نهاية هذا المقال.

ويمكننا من كل ما سبق استنتاج العلاقة الوثيقة بين الحيتانيات والثدييات البرية وهو ما يمكن تفسيره بتطور الحيتانيات من ثدييات برية. ولكن هل هناك خط آخر من خطوط الأدلة ليدعم هذا الاستنتاج؟ لنرَ ما عند علم الأجنة ليقوله.

الأدلة من علم الأجنة

إذا ما تتبعنا مراحل تكون أجنة الحيتانيات وجدناها (مثل رباعيات الأطراف) تتكون لديها براعم أطراف أمامية وخلفية. إلا أن الأطراف الأمامية تُكمل نموها لتصير زعانف الحوت، بينما تتوقف براعم الأطراف الخلفية عن النمو. [5]

حقوق الصورة: evolution for skeptics

ليس هذا وحسب، ولكنها أيضًا تبدأ بتكوين فتحتي أنف في مقدمة الرأس (كالتي عند الثدييات البرية). ولكن تهاجر هاتين الفتحتين تدريجيًا إلى أعلى الرأس ليلتحما في حالة الدلافين. [6]


كما أن معظم الحيتانيات تفتقر إلى وجود شعر يكسو أجسادها كما الثدييات. ولكن تمتلك أجنة الدلافين شعر شارب مثل الذي نراه في القطط، ولكنه يختفي قبل الولادة أو بعد الولادة بفترة قصيرة. [7]

شوارب الدلافين. حقوق الصورة: whyevolutionistrue


«الحيتان البالينية-Baleen whales» هي حيتان لا تمتلك أسنانًا، ولكن تمتلك تراكيبًا تُدعى البالينات. يستخدم الحوت البالينات في تناول طعامه عن طريق فتح فمه وسحب الماء المحمّل بالعوالق، ثم يدفع الماء خارج فمه وتقوم البالينات بفلترة العوالق لتبقى داخل فمه ليتغذى عليها.

حقوق الصورة: hakai magazine

والمثير للدهشة هنا هو أنه على الرغم من عدم امتلاك الحيتان البالينية للأسنان. إلا أن أجنتها تبدأ بتكوين أسنان في الفكين العلوي والسفلي أثناء وجودها في أرحام أمهاتها، ولكنها تختفي قبل الولادة ولا يبقى لها أي أثر. [8]

حقوق الصورة: evolution for skeptics

وكما ذكرنا في الجزء الخاص بعلم الأجنة من هذه السلسلة فإن وجود تراكيب جنينية مثل هذه في الحيتانيات تدل على حملها لجينات تكوين هذه التراكيب من أسلافها. فهل يأتي السجل الأحفوري مصدقًا على استنتاجاتنا ويخبرنا كيف كانت أسلاف الحيتانيات الحديثة؟

السجل الأحفوري وتطور الحيتانيات

يُعد السجل الأحفوري للحيتانيات واحدًا من أغنى السجلات الأحفورية بالحفريات الانتقالية. ذلك لأنه مليء بالحفريات التي توثق تطور الحيتانيات من ثدييات برية إلى ثدييات مائية، دعونا نناقش بعضها على سبيل المثال لا الحصر.

«بازيلوسورد-Basilosaurid»

وجدت حفريات حوت البازيلوسورد بين 23 إلى 41 مليون سنة ماضية، ويمتلك بعض الصفات المثيرة. عند النظر إلى جمجمة البازيلوسورد، لا نجد فتحات الأنف أعلى الرأس كما الحيتان الحديثة، ولا في مقدمة الرأس كما الثدييات البرية، ولكنها تقع تمامًا في المنتصف. وهذا يوثق الانتقال التدريجي لمكان فتحات الأنف أثناء تطور الحيتانيات من ثدييات برية. [9] بالإضافة إلى أرجل صغيرة، تحتوي على «عظمة ورك-Femur»، و«قصبة ساق-Tibia»، و«قصبة صغرى-Fibula»، و«غطاء ركبة-Patella»، وعظام كاحل، بل وحتى أصابع قدم.

هذه الأرجل أكبر من بقايا الأطراف الخلفية الضامرة الموجودة لدى الحيتان الحديثة، ولكنها أصغر من أن تستخدم في المشي على اليابسة. بالإضافة إلى عدم اتصالها بالعمود الفقري، فلم تكن لتستخدم في الحركة، لذلك فهي على الأرجح كانت تستخدم أثناء التزاوج أو لحك الجلد. [10]

حقوق الصورة: earth archives

وفي هذا السياق، يمكننا استنتاج أنه بالرجوع في الزمن إلى الوراء، سنجد الحيتانيات أقرب إلى الثدييات البرية.

«ماياسيتوس-Maiacetus»

عاش الماياسيتوس منذ حوالي 47.5 مليون سنة، وكان هذا هو شكل الهيكل العظمي المتحجر الذي عُثر عليه للماياسيتوس.

حقوق الصورة: artstation

ويمكننا ملاحظة امتلاكه عظام أطراف خلفية أقوى، مما يرجح أنه كان يستطيع السير على اليابسة، ولكن لماذا يعتبره العلماء من الحيتانيات؟

يعتبر العلماء ماياسيتوس من الحيتانيات لعدة أسباب هي:

1. جميع حفريات ماياسيتوس وُجدت بين حفريات لكائنات بحرية مما يرجح معيشته في البحر.
2. عظام وركه كانت قوية لكن أرجله كانت قصيرة، بالإضافة إلى أصابعه الطويلة. مما يخبرنا بأنه على الأرجح كان يواجه صعوبة في المشي.
3. التركيبة الفريدة لعظام الأذن الوسطى، والتي تطابق تلك الموجودة لدى حيتان البازيلوسورد والحيتانيات الحديثة.
4. امتلك ماياسيتوس أصابع وأصابع قدم مسطحة بنتوءات على جوانب تلك الأصابع، مما يرجح باحتمالية كبيرة امتلاكه لغشاء يمتد بين تلك الأصابع ليساعده على السباحة.
5. امتلاك أسنان مشابهة لأسنان البازيلوسورد.
6. «الخطم المطوّل-Elongated snout»، وهي خاصية موجودة في كل الحيتانيات الحديثة وكل الحفريات الانتقالية للحيتانيات التي تأتي في السجل الأحفوري بعد الماياسيتوس.
7. امتلاك قواطع وأسنان أمامية مخروطية الشكل، وهذه الخاصية ليست عادية في الثدييات، ولكنها موجودة في الحيتانيات الحديثة ذات الأسنان (حيتان الأوركا، والدلافين، وحيتان العنبر).
8. امتلاك تركيبة كاحل فريدة تربطه ب «شفعيات الأصابع-Artiodactyls»، مثل أفراس النهر والخنازير والغزلان. تركيبة الكاحل تلك مثيرة للاهتمام، إذ أن الحمض النووي للحيتان يخبرنا بأنها شفعيات أصابع معدلة. [11]

«باكيسيتوس-Pakicetus»

عاش الباكيسيتوس منذ حوالي 50 مليون سنة، وكان هذا هو شكله.

حقوق الصورة: britannica


وقد تتساءل عن علاقة هذا الكائن بالحيتانيات، وهو سؤال مشروع، إذ أنه لا يشبه الحيتانيات ظاهريًا، ولكنه على علاقة بالحيتانيات، ويمكننا معرفة هذا من شكل جمجمته الطويلة بشكل مميز، ولكن هذا ليس كافيًا لوضعه في السجل الأحفوري الذي يوثق تطور الحيتانيات من ثدييات برية، فماذا عن امتلاكه لصفة مميِّزة للحيتانيات؟

امتلك باكيسيتوس تركيبة فريدة للأذن، وهذه التركيبة لا توجد إلا في الحيتانيات الحديثة.

كما أن تركيبة كاحله تربطه بشفعيات الأصابع التي تحدثنا عنها منذ قليل، والتي تشمل الحيتانيات. [12]

«إيتيوسيتوس-Aetiocetus»

ذكرنا منذ قليل امتلاك أجنة الحيتان البالينية لبراعم أسنان، وهذا يدل على امتلاكها لجينات تكوين الأسنان من أسلافها. يعني هذا بدوره وجود سلف مشترك بين الحيتانيات ذات الأسنان والحيتان البالينية، فماذا لدى السجل الأحفوري ليقوله بهذا الشأن؟

امتلك إيتيوسيتوس أسنانًا صغيرة جدًا بمسافات كبيرة بينها، بالإضافة إلى وجود فتحات للتغذية تُدعى “foramina”. يعد هذا مؤشرًا على امتلاكه للبالينات، وبهذا نستنتج أن الإيتيوسيتوس امتلك أسنانًا جنبًا إلى جنب مع البالينات في فمه. مما يعني أن الإيتيوسيتوس يعد شكلًا انتقاليًا يوثق انحدار الحيتان البالينية من الحيتانيات ذات الأسنان. [13]

ليست هذه هي الحفريات الوحيدة في السجل الأحفوري للحيتانيات، فهناك حفريات لحيوانات أخرى سنذكر بعضها بعد قليل.

تفنيد اعتراضات الخلقيين

على الرغم من الأدلة الكثيرة على تطور الحيتانيات من شتى فروع العلم المذكورة أعلاه، إلا أن الخلقيين يرمون بكل هذا عرض الحائط ويتمسكون بحجج وأطروحات واهية مستوردة من أطروحات الخلقيين الأجانب. ولكننا رأينا أن نقف نطرح هذه الحجج في مقالنا هذا لمناقشتها.

زعنفة ذيل «رودوسيتوس-Rodhocetus»

يرى الخلقيون أن العلماء يقومون بتزييف البيانات لوضع الحفريات ضمن السياقات التطورية للحيوانات. وفي هذا المثال يحتجون بما حدث مع حفرية الرودوسيتوس، حيث يعتبر الرودوسيتوس واحدًا من الكائنات الانتقالية في السجل الأحفوري للحيتانيات، فأين هي المشكلة بالتحديد؟ تقع المشكلة من وجهة نظر الخلقيين في أن مكتشف هذه الأحفورة أضاف إليها زعانفًا وزعنفة ذيل لوضعها في السياق التطوري للحيتان.

حقيقة ما حدث مع حفرية الرودوسيتوس هو أنه عندما اكتشفها «فيليب جينجريتش-Philip Gingerich» لم تكن تمتلك ذيلًا أو أطرافًا مكتملة، فكانت بهذا الشكل.

حقوق الصورة: bensozia


ولكن عندما احتاج جينجريتش إلى تمثيل هذا الكائن لعرضه في المتاحف لجأ إلى افتراض بقية الأجزاء لتكون معروضة على العامة. افترض جينجريتش وجود زعانف وزعنفة ذيل، نظرًا لخصائص أخرى امتلكها رودوسيتوس تضعه ضمن السياق التطوري للحيتانيات، مثل موقع الفتحات الأنفية التي تقع أعلى الخطم مثل البازيلوسورد (في طريقها التدريجي إلى أعلى الرأس كما في الحيتانيات الحديثة). بالإضافة إلى موقع أذنه الداخلية التي كانت إلى أسفل (في طريقها إلى قاع الجمجمة كما في الحيتانيات الحديثة).

إذًا لم يضع جينجريتش الرودوسيتوس في السياق التطوري للحيتانيات بناء على تخمينات، وإنما على صفات مميزة للحيوانات الانتقالية في السجل الأحفوري للحيتانيات.

أما عن الزعانف وزعنفة الذيل فهذا النموذج لم يكن إلا للعرض في المتحف على العامة. حيث أن هذا النموذج لم يخضع لمراجعة علمية ولم يعتمده المجتمع العلمي، وإنما كان للتبسيط على العامة فقط. لا داعي للقول بأن “العلماء يخدعون الناس”، ولكن لاحقًا اكتشف جينجريتش حفرية رودوسيتوس أخرى، وهذه المرة بأطراف أمامية وخلفية ذات أصابع طويلة [14] كما توقع بالفعل. أما عن زعنفة الذيل فلا يمكننا معرفة ما إذا كان يمتلك زعنفة ذيل بالفعل أم لا، إذ أنه حتى الحيتانيات الحديثة لا تُظهر امتلاكها لزعنفة ذيل عند تحولها لحفريات على الرغم من امتلاكها لواحدة.

حقوق الصورة: researchgate


الأمر إذًا كان مجرد نموذج تخيلي (غير معتمد علميًا) تم تعديله بعد الاكتشافات العلمية الأحدث، وهذا ما يحدث مع النماذج التخيلية للحفريات. فجميع نماذج الديناصورات التي نمتلكها في المتاحف غير دقيقة. إذ أن الأدلة الأحدث تشير إلى امتلاك بعض الديناصورات للريش، وليس كما تظهر في المتاحف.

النماذج المعروضة في المتاحف يكون غرضها التبسيط للعامة فقط وليس الدراسة العلمية. علميًا، تدرس الحفريات بما وُجد في مواقع الحفر، وليس بالنماذج الممثلة في المتاحف. وحتى في حالة عدم امتلاك رودوسيتوس للزعانف فهذا لا يؤثر على كونه ضمن السجل الأحفوري لتطور الحيتانيات بالمرة، نظرًا لامتلاكه صفات حيتانية مميزة كما رأينا أعلاه. لا يمكن للخلقيين مثلًا امتلاك دليل على تصنيف الرودوسيتوس بشكل مختلف عما صنفه جينجريتش.

هل يعارض «إندوهاياس-Indohyus» الخط الزمني لتطور الحيتانيات؟

يقول الخلقيون أن باكيسيتوس عاش منذ 50 مليون سنة، بينما إندوهاياس (حيوان ضمن السياق التطوري للحيتانيات) عاش منذ 48 مليون سنة. أي أن الإندوهاياس يفترض أن يكون أقرب تشريحيًا إلى الحيتان من باكيسيتوس (لكونه أحدث)، ولكن باكيسيتوس أقرب تشريحيًا إلى الحيتان من إندوهاياس. يعتقد الخلقيون أن العلماء يتلاعبون بترتيب الحفريات في السجل الأحفوري لإجبار البيانات على دعم التطور.

هناك سوء فهم لعملية التطور في هذا الطرح، فالتطور ليس عملية تقدم خطّي إلى الأمام و إذ أن الصورة النمطية التي نراها في الرسومات التعبيرية مثل هذه ليست دقيقة.

بالإضافة إلى كون كل حفرية من المذكورة في المثال لها مدى زمني لأعمارها وليس مجرد أرقام صماء، فعلى سبيل المثال وجدت حفريات باكيسيتوس بين ما يعود من 52 إلى 48 مليون سنة مضت، وإندوهاياس بين ما يعود من 50 إلى 48 مليون سنة مضت، فهي نطاقات زمنية متداخلة وليست مجرد أرقام.

وفضلًا عن أن هذه الأرقام لا تعبر بالضرورة عن الفترة التي عاش خلالها الحيوان، إذ يمكن أن يكون عاش قبلها وبعدها، إلا أن هذا حتى لا يمنع من وجود هذه الكائنات في نفس الفترة الزمنية.

مثال

على سبيل المثال، نحن البشر نعيش في نفس الفترة التي يعيش فيها الشيمبانزي، وبعد ملايين السنين عند النظر إلى صور الشيمبانزي وصور البشر الحاليين، قد يستنتج شخص ما بطريقة خاطئة أننا منحدرون من الشيمبانزي، وقد يتعجب من كون البشر يعيشون في نفس الفترة التي يعيش فيها الشيمبانزي (نفس المغالطة التي وقع فيها الخلقيون في هذا المثال) ولكن هذا ليس صحيحًا على الرغم من امتلاك الشيمبانزي لخصائص بدائية أكثر من البشر، ولهذا فلا يدعي العلماء أن إندوهاياس انحدر من باكيسيتوس أو العكس، في الواقع لا يعتقدون أن أيًا من الحفريات المكتشفة تمثل أسلاف الكائنات الحديثة، ولهذا يتم التعبير عن الأسلاف في الرسومات بنقاط مجردة، مثل هذه الصورة.

حقوق الصورة: understanding evolution


بالإضافة إلى أنه إن كان العلماء ينوون التلاعب بالبيانات لموافقة التطور، فلم يكونوا ليجعلوا هذه الأرقام معلنة للعامة، فهم بالتأكيد يعلمون أن 48 أقل من 50، فلماذا لم يتلاعبوا بالأرقام؟

هذا لأن الحجة أصلًا مبنية على فهم خاطئ لعملية التطور، لا أكثر.

هل انتقلت الحياة من الماء إلى اليابسة أم العكس؟

يرى الخلقيون أن ادعاء تطور الحيتانيات من ثدييات برية يعارض باقي الأدلة التطورية التي تخبرنا بانتقال الحياة من الماء إلى اليابسة.

قلنا: لا يوجد هدف مسبق للتطور ليحدد مسارًا واحدًا للحياة لتسلكه، فالحياة بالفعل انتقلت من الماء إلى اليابسة ولكن بعض الكائنات انتقلت مجددًا إلى الماء وهو ما تظهره الأدلة التشريحية والأحفورية كما رأينا أعلاه، كما أن «تحليل نظائر الأوكسجين-Oxygen isotope analysis» يمكننا من التعرف على نوع المياه التي كان يشربها الحيوان أثناء حياته عند العثور على حفرية له، وأظهرت النتائج أن باكيسيتوس شرب مياهًا عذبة [15]، بينما شرب «أمبيولوسيتوس-Ambulocetus» (حيوان انتقالي في السجل الأحفوري للحيتانيات) مياهًا عذبة ومياهًا مالحة، وهذا بحد ذاته يعتبر دليلًا على الانتقال التدريجي للحياة من اليابسة إلى الماء مرة أخرى. [9]

الأطراف الخلفية للحيتانيات

ذكرنا في أول المقال وجود أطراف خلفية ضامرة في أجسام الحيتانيات. يرى الخلقيون أن هذه ليست سوى بقايا عظام حوض لتدعيم الأعضاء التناسلية فقط.

بالفعل تمتلك معظم الحيتانيات عظمتي حوض فقط. ولكن ما يجهله الخلقيون هو امتلاك «الحوت مقوس الرأس-Bowhead whale» لعظام ورك وساق بالإضافة إلى عظام الحوض. بل أن عظام الورك والحوض تتمفصلان كما في الثدييات البرية، ويوجد في المفصل أحيانًا «سائل زلالي-Synovial fluid» وهو سائل يعمل كزيت لتشحيم العظام في المفاصل المتحركة. وهذا يعد دليلًا على كونها عظام أطراف خلفية ضامرة، وليست مجرد دعامات للأعضاء التناسلية. [16]


بالإضافة إلى السجل الأحفوري الذي يدعم فكرة كونها أطرافًا خلفية، فعند التقدم بالزمن في السجل الأحفوري باتجاه الحيتانيات الحديثة، نلاحظ فقدانها التدريجي لأطرافها الخلفية، كما في الصورة التالية.

حقوق الصورة: researchgate


وكما ذكرنا أعلاه، تنمو لأجنة الحيتان براعم أطراف خلفية ولكنها سرعان ما تتوقف عن النمو. فإذا كانت مجرد دعامات للأعضاء التناسلية، فلماذا نرى التدرج في فقدانها في السجل الأحفوري؟ ولماذا يمتلك الحوت مقوس الرأس عظام ورك وساق ضامرتين؟ ولم يحتوي مفصل ورك الحوت مقوس الرأس على سائل زلالي؟ ولماذا تمتلك أجنة الحيتان براعم أطراف خلفية؟

سقنا في هذا المقال أدلتنا على تطور الحيتانيات وقمنا بتفنيد ادعاءات الخلقيين بشأن هذا الأمر، وفي المقال القادم نستعرض أقوى أدلة التطور، أدلة التطور من الجينوم.

المصادر

[1] britannica
[2] scienceline
[3] whales
[4] britannica
[5] pnas
[6] pandasthumb
[7] Highlights of Cetacean Embryology, J. G. M. Thewissen
[8] ncbi
[9] berkeley
[10] britannica
[11] stated clearly
[12] AMNH
[13] sciencedaily
[14] sciencemag
[15] UPI
[16] The Walking Whales: From Land to Water in Eight Million Years, by J. G. M. “Hans” Thewissen, p.30

أدلة التطور: التطور السريع

هذه المقالة هي الجزء 8 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

عندما يجد معارضو التطور أنفسهم محاصرين بأدلة دامغة على التطور، يلوحون بورقتهم الأخيرة، قائلين بأن التطور غير قابل للرصد أو التجربة. ويستنتجون من إدعائهم أن التطور لا يصمد أمام منهج العلم التجريبي. وعلى الرغم من أن هذا القول هو سوء فهم لآلية عمل العلم التجريبي، فعملية الرصد لا تعني بالضرورة أن نشهد كل شيء ونراه بأعيننا، ولكننا سنتغاضى عن هذا ونقدم لهم ما يبحثون عنه. نستعرض في مقال اليوم أمثلة من التطور السريع الذي لا يتطلب ملايين الأعوام لكي نرصده، فهل سيقرّون بحقيقة التطور؟

صراصير جزيرة كاواي

على جزيرة «كاواي-Kauai» (إحدى جزر هاواي)، اعتاد أن يعيش نوع من الصراصير يعتمد ذكوره على إصدار الضجيج كنداء للإناث باستخدام أجنحته. ولكن هناك مشكلة في ذلك السلوك، إذ أن هذا الضجيج لا يجذب الإناث وحسب، ولكنه يجذب أيضًا نوعًا من الذباب، الذي يصيب الصرصور بالطفيليات الآكلة للحم، والتي بدورها تتسبب في مقتل الصرصور بعد أسبوع.

حقوق الصورة: berkeley

ولكن قلب التطور موازين هذه المعادلة، حيث ظهر نوع جديد من ذكور تلك الصراصير بأجنحة مشابهة لأجنحة الإناث التي لا تصدر ضجيجًا. فأجنحة الذكور التي تصدر ضجيجًا تحتوي على أجزاء تشبه المكشطة والأسنان، وهذا هو ما يتسبب بالضجيج. ولكن النوع الجديد يمتلك أجنحة صامتة كتلك التي تمتلكها الإناث.

ونرى هنا أن الذكور من التي تصدر ضجيجًا ستحصل على فرصة أعلى في التزاوج والتكاثر من النوع الجديد، حيث ستستطيع أن تجذب الإناث بضجيجها. ولكن هذا سيكون صحيحًا فقط في حالة عدم وجود الذباب. فالصراصير ذات الأجنحة الصامتة لن تجذب انتباه الذباب وستتكاثر في مأمن من الطفيليات الآكلة للحم.

هذا ما حدث بالفعل، ففي عام 2003، أصبحت جزيرة كاواي تعج بالصراصير الصامتة. وعلى مدى 20 جيلًا فقط، أصبحت صراصير جزيرة كاواي كلها من النوع الصامت، وهذا يعد واحدًا من أقوى أمثلة التطور السريع. [1]

«العث المفلفل-Peppered moth»

في عام 1848، تم تسجيل اكتشاف أول عثة مفلفلة سوداء، حيث كان العث الفلفل أبيض اللون. إلا أن ما كان نادرًا في عام 1848 أصبح شائعًا على مدى ال 50 سنة التالية، حيث أصبح العث الأسود يشكل نسبة 98% من العث الموجود في مدن إنجلترا، فما السبب؟

كانت إنجلترا في ذلك الوقت تمر بما يعرف ب «الثورة الصناعية-Industrial revolution»، فكانت تبني المزيد من المصانع. واستخدمت المصانع الفحم كوقود لها، وهو ما تسبب بتصاعد كميات كبيرة من الدخان الأسود. وتسبب الدخان في كسوة الأشجار باللون الأسود، وهو ما أثّر على لون العث.

اعتقد العلماء في بادئ الأمر أن العث يغير لونه ليلائم لون الأشجار، أو أن لون العث قد تغير تأثرًا بالكيماويات الموجودة في الدخان. ولكن الأبحاث تظهر أن السبب كان جينيًا، فاللون الأسود كان نتيجة لطفرة في الحمض النووي لحشرة عث واحدة. مررت تلك الحشرة الطفرة لباقي نسل هذه العثة، ولكن لماذا انتشر العث الأسود على حساب العث الأبيض؟

العث الأسود. حقوق الصورة: the university of liverpool


يرجع تفسير هذا إلى الانتخاب الطبيعي، حيث أن اللون الأبيض لم يعد يوفر التمويه الكافي للنجاة بعد تغير لون الأشجار. حصل العث الأسود على فرصة أكبر في البقاء وبالتالي التكاثر.

ويستمر تطور العث حتى اليوم، ففي آخر 50 عامًا، قل التلوث في معظم الدول الصناعية بشكل كبير. وكما تتنبأ نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي لداروين، أصبحت أعداد العث الأسود في تناقص مع نقص التلوث في الغابات. [2] ولأن قوة النظريات العلمية تكمن في قدرتها على التنبؤ، تزداد قوة نظرية التطور مع كل حالة تنبؤية ناجحة.

سحالي بود مركارو

في عام 1971، نقل بعض العلماء 5 أزواج من «سحالي الحائط الإيطالية-Italian wall lizards» من جزيرة Pod kopiste إلى جزيرة Pod Mrcaru، علمًا بأن جزيرة Pod Mrcaru كانت تحتوي على مجتمعها الخاص من السحالي. وبعد 36 عام (أي ما يُعادل 30 جيلًا من السحالي)، عاد العلماء إلى الجزيرة ليجدوها ممتلئة بالسحالي.

ليس هذا ما يثير الدهشة، وإنما التحليل الجيني لهذه السحالي الذي أظهر أنها تنحدر من ال 10 سحالي التي تركها العلماء سابقًا. حيث اختفى السحالي الأصلية الساكنة للجزيرة. وهنا تأتي المفاجأة، حيث استطاعت السحالي التي تركها العلماء تطوير صفات يتطلب تطويرها ملايين السنين في 36 عامًا فقط.

أصبحت السحالي الجديدة تتغذى على النباتات (بعد أن كان مصدر الغذاء الرئيسي لها هو الحشرات). كما امتلكت عضة أقوى، ورؤوسًا أطول وأعرض. ليس هذا وحسب، بل طوّرت ما يُعرف ب «الصمام اللفائفي الأعوري-Ileocecal valve»، وهي عضلة تفصل بين الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة لتساعد السحالي على إبطاء عملية الهضم لتحويل السليلوز الموجود في النباتات إلى أحماض دهنية متطايرة.

حقوق الصورة: google sites

كل هذا في 36 عامًا فقط! لقد كانت هذه النتائج صادمة، فهي تُبرز قوة التطور وقدرته على إحداث تغيرات كبيرة في فترات زمنية قصيرة. كما أنها من أقوى أمثلة التطور السريع. [3]

ذكرنا في هذا المقال بعض الأمثلة على التطور السريع، ونقول “بعض” لأن هذه الأمثلة ليست الوحيدة. هناك الكثير والكثير من المرات التي حدث فيها التطور في مدى زمني قصير. كتبنا مقالًا سابقًا عن أمثلة للتطور في المعامل، فأدلة التطور أكثر بكثير من أن تُحصى في مقال أو حتى كتاب. اخترنا هنا فقط أبرز الأدلة وأكثرها انتشارًا وأسهلها شرحًا وقابلية للتوضيح.

المصادر

[1] berkeley
[2] ask a biologist
[3] national geographic

تحديات النموذج الديكارتي

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

صراع ويليام هارفي والديكارتية، وتحديات النموذج الديكارتي

وفقًا للديكارتيين، نتجت الأجسام عن حركة الجسيمات وتصادمها. عندما تصطدم الجسيمات، تلتصق بعضها ببعض لتشكيل هياكل أكثر أو أقل تعقيدًا، والهياكل هي الأجسام التي نراها من حولنا. ولكن فيم اختلف ويليام هارفي مع ديكارت؟ ولماذا احتدم صراع بين عالم مثل ويليام هارفي والديكارتية؟ وكيف للجسيمية والآلية ألا تقنع عالم مخضرم مثل ويليام هارفي؟

لم يخل النموذج الجديد الجامع بين الجسيمية والآلية من الألغاز. لكشف تلك الألغاز، ضع في اعتبارك الفرق بين بنية بسيطة نسبيًا مثل الحجر أو المعدن، والبنية الأكثر تعقيدًا لكائن حي مثل الدجاج. ربما يكون الحجر أو المعدن ناتجًا عن حركة وتصادم الجسيمات. لكن هل ينطبق الأمر ذاته على كائن حي كالدجاج؟

وجد بعض المفكرين أن هذا النموذج يمثّل مشكلة في حالة التوالد الحيواني. على سبيل المثال، شكك عالم الأحياء الإنجليزي ويليام هارفي (1578-1657م) في إمكانية تفسير الكائنات الحية بهذه الطريقة، أي عن طريق حركة جسيمات وتصادم أجزاء من المادة. [1]

لماذا شكك ويليام هارفي في إمكانية تطبيق أفكار ديكارت على الكائنات الحية؟

السبب الذي جعل العديد من المفكرين المعاصرين يشككون فيما إذا كانت الكائنات الحية يمكن أن تنتج من مجرد حركة وتصادم الأجزاء، هو أن الطريقة التي تتحرك بها الجسيمات وتصطدم ببعضها البعض هي -إلى حد ما- عشوائية.

لا تتحرك الجزيئات وتتصادم وفقًا لخطة، وقد تؤدي الحركة العشوائية وتصادم الجسيمات إلى بنية خشنة للحجر أو المعدن. لكن وفقًا للعديد من المفكرين، فإن بنية الأجسام العضوية أكثر تعقيدًا بشكل كبير من بنية الأحجار أو المعادن.

تُظهر الكائنات الحية بنية متطورة ودقيقة للغاية، تسمح لها بالحركة والهضم والإنجاب. ووجد الكثيرون صعوبة في تخيل إمكانية أن تتكون هذه الهياكل وحركاتها نتيجة للحركة العشوائية وتصادم أجزاء من المادة.

قد يتطلب أصل الهياكل العضوية نوعًا مختلفًا من التحليل عن الأجسام الأبسط، مثل الأحجار والمعادن. ذلك تحديدًا ما دفع كثيرون إلى التشكيك في إمكانية تعميم وصف ديكارت العام لكيفية تكوين الأجسام بحيث ينطبق على حالة الكائنات الحية أيضًا. [2]

مالبرانش في مواجهة ويليام هارفي

وجد نيكولاس مالبرانش -أحد الديكارتيين- أن هناك فرقًا مهمًا بين الطريقة التي تتشكل بها الأجسام غير الحية مثل المعادن من جهة، وتوليد الكائنات الحية من جهة أخرى. ففي حالة الأجسام غير الحية مثل المعادن، يمكننا أن نرى كيفية تكونها بشكل مجزأ عندما تصطدم الجسيمات وتلتصق ببعضها البعض.

المرحلة الأولى تبدأ بالتصاق جسيمان معًا لتشكيل اتحاد. وفي المرحلة التالية، تتحد المزيد من الجسيمات مع هذا الاتحاد المتشكل حديثًا، وهذه العملية هي التي تؤدي بالتدريج إلى معدن ذي شكل وبنية معينة.

وجد مالبرانش أن ما يجعل حالة تكوين الحيوانات صعبة للغاية هو أن الأجسام العضوية لها نوع خاص من الوحدة. كل عضو في جسم الحيوان يعتمد على الآخر. لا يوجد قلب بدون شرايين، ولا شرايين بدون دماء، ولا دماء بدون نخاع عظم، وهكذا. لكن إذا كانت الأجسام العضوية تتمتع بهذا النوع الفريد من الوحدة حيث تعتمد جميع الأجزاء بعضها على بعض، فمن الصعب أن نرى ظهور أعضائها تدريجياً، الواحد تلو الآخر. من الصعب أن نرى ظهور الشرايين قبل القلب، بالنظر إلى الطريقة التي يعتمد بها القلب والجهاز الشرياني على بعضهما البعض.

لا يمكن للقلب أن ينبض ويضخ الدم عبر الشرايين إلا إذا اكتملت الأوردة التي تعيد الدم إليه مرة أخرى. باختصار، من الواضح أن الآلة لا يمكنها العمل إلا عندما تكتمل، وبالتالي لا يمكن للقلب أن يعيش بمفرده. … سيكون من الخطأ إذن التظاهر بشرح تكوين الحيوانات والنباتات وأجزائها، على أساس القوانين البسيطة والعامة التي تحكم الحركة.

(مالبرانش، البحث بعد الحقيقة، ص 465. ترجمة لينون وأولسكامب) Malebranche, The Search after Truth, 465. Translation Lennon and Olscamp

ولكن إذا لم تنطبق الطريقة القياسية الديكارتية على الكائنات الحية، فكيف تنشأ؟ حول هذا السؤال سوف ننتقل للجزء التالي.

معضلة الكائن الحي

قد تساعدنا المقارنة في فهم الأمر، لنفترض أننا نمسك بعدد من الأحرف البلاستيكية، ثم أسقطناها على الأرض مرة تلو الأخرى. من الصعب جدًا أن نتخيل كيف يمكن لتلك الحروف أن تسترشد بالجاذبية وقوانين الحركة لإنتاج أبيات شعر منظومة ومرتبة للمتنبي ولو مرة واحدة من عدد هائل من المرات.

المطلوب أعقد من ذلك، تخيل أن نفس الأبيات ستظهر مرارًا وتكرارًا بينما نكرر التجربة – وهو ما يبدو حقًا غير ممكن!

قدمت حالة تكوين الحيوانات، نقد خاص للتصور الديكارتي لميكنة الطبيعة. فكيف تعامل العلماء والفلاسفة مع هذه المعضلة؟

كيف تعامل الفلاسفة مع معضلة الكائن الحي؟

قدّم علماء ومفكرون تصورين للتغلب على المعضلة. التصور الأول هو العودة إلى مجموعة أدوات الفلسفة الطبيعية الأرسطية مرة أخرى، وعلى رأسهم ويليام هارفي.

صراع ويليام هارفي والديكارتية وعودته إلى الشكل الجوهري

وفقًا لعالم الأحياء الإنجليزي ويليام هارفي، فعندما تنمو دجاجة في بيضة، فإن هذه العملية تسترشد بما أسماه “القوة التكوينية”. نظمت هذه القوة التكوينية مادة البيضة بطريقة تظهر في النهاية بنية الدجاجة. تفاصيل هذه العملية لا تهمنا هنا، لكن النقطة المهمة في الوقت الحالي هي أن المادة في هذا التصور ليست غير فاعلة تمامًا كما تصور ديكارت.

على الأقل في حالة التوليد الحيواني، فالمادة تظهر القدرة على التنظيم الذاتي أفضل بكثير في الفلسفة الطبيعية الأرسطية عنها في النظرة الآلية الديكارتية للعالم من وجهة نظر ويليام هارفي.

الدمية الروسية والتشكل المسبق لمالبرانش

الدمية الروسية
حقوق الصورة: https://pixabay.com/photos/matryoshka-russian-dolls-nesting-970943/

كان التصور الثاني هو التفكير في توليد الحيوانات على غرار ما يمكن أن نطلق عليه نموذج “الدمية الروسية”. تحتوي كل دمية روسية على نسخة مصغرة من نفسها، تمامًا كما يحتوي كل والد على نسخة مصغرة من نفسه (الإبن).

انقسم مؤيدو هذا الرأي حول مسألة ما إذا كانت هذه النسخة المصغرة موجودة في البيضة أم في بذرة الأب.

وفقًا لأتباع ديكارت، اعتقد نيكولاس مالبرانش أن نسل الحيوان موجودًا في بيضة الأم. وقد خلق الله الجيل الأول من كل نوع حيواني كأنه دمية روسية كبيرة، وتحتوي تلك الدمية على جميع الأجيال القادمة بالفعل بداخلها.

قد تبدو فكرة التكون المسبق تلك غريبة بالنسبة لك، وهي بالفعل تتمتع بسمعة سيئة بين العديد من المؤرخين والعلماء، ومع ذلك، من المهم أن ندرك أنها ظهرت كإجابة على معضلة حقيقية في القرن السابع عشر وطريقة للخروج من معضلة إنتاج الهياكل العضوية المعقدة عن مجرد حركة وتصادم جسيمات.

وفقًا للبعض، كشفت حالة التوالد الحيواني عن بعض تحديات ميكنة الطبيعة الديكارتية، وكان التشكل المسبق مهمًا تاريخيًا كطريقة للتعامل مع هذه التحديات.

يشير أنصار فكرة “التشكل المسبق” أو “الدمية الروسية” لتوليد الحيوانات، أحيانًا إلى النتائج التي توصل إليها علماء الميكروسكوب الأوائل لدعم نظريتهم.

ميكروسكوب سوامردام كدليل على ادعاءات مالبرانش

عند أخذ النتائج التي توصل إليها علماء الميكروسكوب الأوائل مثل “ملبيجي – Malpighi” و”سوامردام –Swammerdam” لدعم نظريات التشكل المسبق لمالبرانش سنجد استنتاجات مالبرانش منطقية أيضًا. فما رآه علماء الأحياء مثل سوامردام تحت مجاهرهم هو أن التركيب العضوي المعقد للعديد من الحيوانات كان موجودًا قبل أن يمكن تمييزه بالعين المجردة.

اعتقد سوامردام بأن أطراف وأجنحة الفراشة كانت موجودة بالفعل، وإن كانت مطوية، تحت جلد اليرقة.

لم يكن بالإمكان تمييز هذه الأطراف والأجنحة بالعين المجردة، لكن ساعد المجهر في اكتشافها وهو ما كتبه في كتاب تاريخ الحشرات عام 1669.

“اليرقة هي الفراشة نفسها، لكنها كانت مغطاة برداء يمنع أجزائها من الكشف عن نفسها.”

سوامردام في كتاب (تاريخ الحشرات Historia insectorum، الجزء الثاني)

يُعتقد بأن فكرة التشكل المسبق التي اعتقد بها مالبرانش مبنية بالأساس على نتائج سوامردام الميكروسكوبية، فإذا كانت الفراشة موجودة بالفعل بكل أجزائها في اليرقة، فلم لا تكون موجودة بالفعل في البيضة أيضًا.

غالبًا يعود هذا الادعاء أيضًا إلى سوامردام نفسه. فهو من كتب أن البيضة “تحتوي على كل أجزاء” الفراشة، وأنها في الواقع كانت “الحيوان الصغير نفسه، مغطى بغشاء” (تاريخ الحشرات ، العدد 1: 64).

لكن نظرًا لأن البويضة نشأت من الأعضاء التناسلية لحيوان أنثى، فقد نرغب في العودة إلى فكرة الدمية الروسية الأنثوية التي تحتوي على نسخة مصغرة من نسلها.

بتتبع خيوط هذه الحجة، توصل مفكرون مثل مالبرانش إلى استنتاج مفاده أن أنثى الحيوان لا بد وأنها كانت نسخة مصغرة داخل أمها، وهكذا حتى أول أنثى من نوعها.

“يجب أن نقبل أن جسد كل إنسان وحيوان ولد وسيولد حتى نهاية الزمان ربما قد ظهر منذ بداية خلق العالم. أعتقد أن إناث الحيوانات الأصلية ربما تكون قد خُلقت من نفس النوع الذي أنجبته والذي ستنجبه في المستقبل.”

(البحث عن الحقيقة، لمالبرانش، 27. ترجمة لينون وأولسكامب)
Malebranche, The Search after Truth, 27. Translation Lennon and Olscamp

لم ينتهي حديثنا عن الأدوات كالمجهر والتليسكوب، لكنها البداية فقط، وسيكون لنا في الحديث عنها مقال تفصيلي.

هل ماتت الفيزياء الأرسطية بطرح ديكارت؟

زعم المؤرخ باترفيلد أن القرن السابع عشر شهد زوال الفلسفة الطبيعية الأرسطية. لكن يحتاج هذا الادعاء إلى بعض التوضيح.

باتترفيلد محق بالطبع، لقد تعرضت الفيزياء الأرسطية لهجوم شديد في القرن السابع عشر على يد ديكارت وأتباعه. وقفت هيمنة الفلسفة الطبيعية الأرسطية في جامعات العصور الوسطى في طريق التقدم العلمي الحقيقي طويلًا، لكن لا يدفعك هذا إلى تخيل موتها فور هجوم ديكارت، فقد رأينا تمسك عالم الأحياء ويليام هارفي بالعودة إلى مجموعة أدوات الفلسفة الأرسطية في تحدي الديكارتية عبر فكرة التوالد، واختلفا في تفسير عمل القلب أيضًا.

صراع ويليام هارفي والديكارتية على أنقاض جالينوس

هيمنت تعاليم الفيزيائي اليوناني القديم “جالينوس” على الفكر الطبي الغربي لما يقرب من 1400 عام، لذا فليس من المستغرب أن التفسيرات الفيزيولوجية المنطقية الجديدة للظواهر قوبلت بمقاومة. رفض ديكارت وهارفي وجهة نظر جالينوس القائلة بأن الدم يتحرك ببساطة للأمام والخلف من خلال نفس الوعاء.

قال هارفي أن القلب عبارة عن مضخة عضلية تضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم ثم تعود إلى القلب، وهو ما شكك فيه ديكارت. كما عارض تفسير هارفي لطبيعة الانقباض والانبساط، كل هذا دون مساعدة من أي أدوات دقيقة.

يعكس مفهوم علم وظائف الأعضاء عند ديكارت تفانيه في بناء نظام فلسفي موحد، يضم الفيزياء والرياضيات وعلم النفس وعلم الكونيات ونظرية المعرفة وجوانب معينة من الدين. لقد نظر ديكارت إلى الجسم بطريقة ميكانيكية، واعتبرها آلات، وأنه يمكن تحويل وظائفها المختلفة إلى نماذج ميكانيكية مماثلة للساعة والآلات التي تعتمد على الروافع والبكرات.

رغم اعتقاد ديكارت بآلية الجسم لكنه رفض فكرة المضخة الآلية القلبية

على الرغم من هذه الميول الآلية الدافعة لقبول ديكارت لأفكار هارفي، رفض ديكارت فكرة أن القلب هو مجرد مضخة تدفع الدم إلى الجسد. يعكس هذا جزئيًا اعتقاد ديكارت بأن الإرادة تتحكم في جميع العضلات. لم يعلم ديكارت بإمكانية وجود عضلات لاإرادية من الأساس.

على الرغم من اعتراف ديكارت بأن بعض الحركات العضلية، مثل رد فعل اليد التلقائي للوخز، يمكن أن ينتج عنه فعل انعكاسي، إلا أنه رفض فكرة الانقباض العضلي اللاإرادي.

اعتقد ديكارت أن القلب لا يمكن أن يكون مضخة، بل هو فرن. يسخّن الفرن القلبي جزيئات صغيرة في الدم، مما تسبب تمددها على الفور. هذا التمدد الديناميكي والمفاجئ للدم داخل القلب تسبب في تضخم العضو مما أجبر الصمامات الأذينية البطينية أن تنغلق، وتفتح الصمامات شبه القمرية.

عندما ينطلق الدم الحار في الشريان، يتمدد الشريان، وهو ما كان مرئيًا للعين المجردة ويمكن الشعور به حينذاك. تخيل ديكارت أنه عندما يبرد الدم، فهو يأخذ مساحة أقل، وتنهار الشرايين والأوردة – كما يفعل القلب نفسه. لكنه اتفق مع هارفي على أن الدم يعود إلى القلب من خلال نظام من الأوردة، لكن الدم الحار هو الذي يحرك الدورة الدموية وليس القلب نفسه.

عندما يعود الدم البارد إلى القلب من أجزاء مختلفة من الجسم، يختلط بكمية صغيرة من الدم باقية في القلب. هذا الدم المتبقي وفقًا لديكارت، يمتلك خاصية تشبه الخميرة التي تسبب تمدد الدم العائد إلى البطين، وبالتالي بدء العملية مرة أخرى. لذلك، شبّه ديكارت القلب بالفرن.

لم يفكر ديكارت في القلب على أنه عضلة، ولم يتخيل أن حركته نتيجة لانقباض عضلي لا إرادي كما اعتقد هارفي. لكن تغير حجم القلب وشكله لأن الدم داخله يتمدد بسرعة مع تسخينه وإجباره على الخروج إلى نظام الأوعية الدموية بينما يبرد بسرعة أثناء دورانه في الجسم. [5]

صراع ويليام هارفي والديكارتية بين العقلانية والتجريبية

الفارق الرئيسي بين ديكارت وهارفي هو الفارق بين العقلاني والتجريبي. فويليام هارفي كان تجريبيًا يصل إلى استنتجاته بالتجربة. أما ديكارت، فحاول توفيق العالم مع نظرة فلسفية عقلانية. وقد بدا لنا من ذلك الصراع نشأة ملامح منهج وليد بين الأرسطية والديكارتية، هو المنهج التجريبي، لكنه لم يظهر على الفور بالطبع، كما لم تمت الأرسطية على الفور.

حتى الديكارتيين أمثال مالبرانش استمروا في استخدام مصطلحات المادة والشكل في تصورهم للعالم المادي. فالفلسفة الطبيعية الأرسطية قدمت مجموعة من المفاهيم التي ساعدتها على البقاء.

مع تطور العلم في القرن السابع عشر، لم يتخلص أتباع ديكارت من مفهوم الشكل بالكلية، بل أعادوا تفسيره ليناسب أفكارهم. بالتالي، يمكننا القول أن أفكار ديكارت والأرسطية كان لهما أثر كبير على علماء ومفكرين القرن السابع عشر. ورغم هدم ديكارت للأرسطية، إلا أنها كانت تعود في الأمور التي يغيب التفسير العلمي التجريبي الدقيق عنها في كثير من الأحيان.

مصادر
[1] Futurelearn, Scientific Revolution, University of Groningen
[2] Animal Generation and the Mechanical Philosophy: Some Light on the Role of Biology in the Scientific Revolution Andrew J. Pyle History and Philosophy of the Life Sciences Vol. 9, No. 2 (1987), pp. 225-254
[3] Biology and Theology in Malbranche’s Theory of animal
[4] (On the Origins of Modern Science, vii-viii) لهاربرت باترفيلد
[5] Hurst JW: Robert C. Schlant. (Profiles in Cardiology[Eds. Hurst JW andFye WB]). Clin Cardiol1999;602–605

فرانسيسكو سواريز ومحاولة تفسير أرسطية أخيرة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

فرانسيسكو سواريز ومحاولة تفسير أرسطية أخيرة

تعلمنا سويًا في المقال السابق كيفية استخدام نموذج تحليل شكل المادة الأرسطي لفهم عمليات مثل تحويل اليرقة إلى فراشة. كما طبّقنا نموذج شكل المادة لتقديم تحليلات للظواهر الطبيعية الأخرى أيضًا. ورغم منطقية النموذج البادية للوهلة الأولى إلا أننا الآن في وضع يسمح لنا بتقييمه وتحديد بعض نقاط قوته وضعفه. فتعالوا بنا لنعرف كيف انتقد ديكارت الفكر الأرسطي؟

نقد الفكر الأرسطي، نقاط الضعف ونقاط القوة

نقاط قوة نموذج تحليل المادة الأرسطي

  • قد تقول إن إحدى السمات الجذابة لهذا النموذج هي أنه بسيط نسبيًا، أي يمكنه وصف مجموعة واسعة من العمليات الطبيعية، بدءًا من حرق الخشب أو تحول اليرقة إلى فراشة وتغير لون تفاحة متعفنة، بسهولة نسبيًا. فليس علينا سوى افتراض فقد أو اكتساب المادة شيئًا معينًا.
  • أيضًا، يتناغم النموذج مع الحدس القائل بأن بعض خصائص الجسم ضرورية له، في حين أن البعض الآخر مجرد خصائص عرضية. فيلتقط النموذج هذه الفكرة من خلال التمييز بين الأشكال الجوهرية التي تؤسس الخصائص الأساسية للأجسام، والأشكال العرضية التي تؤدي إلى خصائص عرضية متغيّرة.

نقاط ضعف نموذج تحليل المادة الأرسطي

  • إحدى نقاط الضعف المهمة لهذا النموذج هي غموضه التام. إن القول بأن الماء يتصرف كالماء بسبب شكله هو ادعاء ضبابي غير مفسّر. لجعل هذا الادعاء ملموسًا، سنحتاج إلى مزيد من التفسير لنوع شكل الجسم. بدون مثل هذه العملية، سيظل شكل الجسم نوعًا ما كـ “الصندوق الأسود” الذي يؤدي بطريقة ما إلى ظهور خصائصه الفيزيائية.

    ماذا لو قلنا بأن الماء يتصرف كالماء لأنه عبارة عن H2O، أي لأنه رابطة كيميائية بين ذرتين من الهيدروجين وذرة أكسجين واحدة، فقد أصبح لدينا تفسير ملموس للغاية. لقد فتحنا الصندوق الأسود ونظرنا بداخله وعرفنا الأسباب الحقيقية، أليس كذلك؟
  • قال النموذج الأرسطي أن تحول الخشب إلى رماد، يفقد مادة الخشب شكلها وتكتسب شكلًا آخر. لكن من أين يأتي هذا الشكل الجديد؟ لا يقدم النموذج إجابة واضحة على هذا السؤال، مما يضعف بشكل كبير من قوته التفسيرية.

    كان المدرسّون أنفسهم مدركين لهذه المشكلة، لكنهم لم يقدموا حلاً واضحًا مرضيًا.

في مقالنا الأخير، رأينا كيف تعامل مفكرو العصور الوسطى، مثل توما الأكويني، مع الأجساد من حيث المادة والشكل. سيطر نموذج التحليل الأرسطي هذا، على جامعات القرون الوسطى، أي منذ حوالي 1200 سنة ميلادية وما بعدها. لكن في القرن السابع عشر، تعرض النموذج لهجوم شرس من مفكرين مثل رينيه ديكارت وروبرت بويل.[1]

لماذا تعرض النموذج الأرسطي للهجوم؟

كان الهدف الرئيسي للنقد الحديث المبكر للفلسفة الطبيعية المدرسية هو فكرة الشكل الجوهري، وتوجهت إليها نيران الناقدين. فكما رأينا، كان الشكل الجوهري للجسد مبدأ رئيسي يصعب تفسيره. أصبح الشكل الجوهري هو المحدد لنوع الجسد الذي كان عليه، وجعله يتحرك ويتصرف بطرق معينة.

هكذا كان الماء هو الماء في هذا النموذج كنتيجة لشكله الجوهري. ونتيجة لهذا الشكل الجوهري، سيغلي الماء عند تسخينه ويبرد مرة أخرى بعد إزالة مصدر الحرارة. هكذا بلا أسباب سوى الشكل الجوهري، فهو بذاته يفسر كل شيء، ونحن لا نعرف عنه شيء تقريبًا.

بالإضافة إلى نقاط ضعف النموذج الأرسطي الممثلة في الغموض والحدسية، فقد استحق النموذج الهجوم كما يبدو.

ما قبل ديكارت

فرانسيسكو سواريز وتفسير الشكل الجوهري بالروح

على الرغم من بساطة الأمر من وجهة نظر السكولائيين حينها أمثال توما الإكويني، فقد وجد ديكارت صعوبة في رؤية ما يمكن أن تكون عليه هذه الأشكال الجوهرية. اعترف العديد من المدرسين بأن الأشكال الجوهرية لا يمكن رؤيتها أو ملاحظتها في حد ذاتها.

في القرن السادس عشر، حاول الكاهن اليسوعي الإسباني فرانسيسكو سواريز تسليط الضوء على هذا الوضع من خلال مقارنة الأشكال الجوهرية بأرواح البشر.

في البداية، فسر فرانسيسكو ظاهرة فقدان الحرارة وفقًا للشكل الجوهري. قال فرانسيسكو أن ما يدفع الماء الساخن لأن يبرد بعد إبعاد مصدر التسخين هو شكله الجوهري البارد بالأساس، لهذا يحاول الماء أن يعود لشكله الجوهري.

برودة الماء بعد تسخينه

اعتقد فرانسيسكو سواريز بأن الجسد البشري له روح توجهه من الداخل، وهكذا المواد الأخرى أيضًا، لها شكل جوهري يوجه سلوكهم وحركاتهم من الداخل. [2]

قيل عن أعمال وتفسيرات فرانسيسكو سواريز أنها مهدت وألهمت ديكارت وكانت حلقة وسطى بين الانتقال من الأرسطية إلى الثورة العلمية كما رأينا في تفسيره الأخير لبرودة الماء الساخن بعد فترة.

حاول فرانسيسكو سواريز إنقاذ السكولائية والأرسطية من عقلانية وتفسيرات وشغف معرفي وتفسيري لدى الكثيرين في عصره، فهل نجح؟ هذا ما سنعرفه في المقال التالي.

المصادر
[1] Futurelearn, scientific revolution, University of Groningen
[2] كتاب خلافات ميتافيزيقية لسواريز فرانسيسكو
[3] كتاب كتابات فلسفية لرينيه ديكارت
[4] Stanford Encyclopedia of philosophy



الأرسطية والفلسفة السكولائية، توما الإكويني نموذجًا

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

الأرسطية والفلسفة السكولائية، توما الإكويني نموذجًا

يريد الثوار التغيير، بل وقلب كل الأنظمة واستبدالها بأخرى جديدة. هكذا أراد الثوار الفرنسيون الإطاحة بالنظام الملكي واستبداله بالجمهورية. لذلك، إذا كنت ممن يعرفون بوجود ثورة علمية في القرن السابع عشر، وتود معرفة بدايات تلك الثورة العلمية بداية من توما الأكويني وحتى اكتمالها على الفكر الأرسطي، فهناك سؤالان نحتاج إلى طرحهما.

السؤال الأول هو، ما الذي أراد علماء القرن السابع عشر استبداله؟ والثاني، ما الذي أرادوا استبداله به؟

سننظر في أول هذه الأسئلة في هذا المقال. ما الذي أراد العلماء الأوائل استبداله؟

الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي أنهم أرادوا استبدال “الفلسفة المدرسية” أو السكولائية. نعني بالفلسفة المدرسية هنا فلسفة مدارس أو جامعات العصور الوسطى.

الفلسفة المدرسية – الفلسفة السكولائية

تتضمن الفلسفة المدرسية مجموعة واسعة من التخصصات من المنطق والأخلاق إلى ما يسمى بـ “الفلسفة الطبيعية”، أو ما نسميه العلم. تابعت الفلسفة الطبيعية المدرسية السير على نهج المفكر اليوناني أرسطو. [1]

في العصور الوسطى، كان يُشار أحيانًا إلى أرسطو بـ”الفيلسوف”، وقد طور مفكرو العصور الوسطى مثل توما الأكويني أفكارهم الخاصة من خلال البناء على أفكار أرسطو.

دعونا نلقي نظرة فاحصة على الفلسفة الطبيعية الأرسطية التي هيمنت على جامعات العصور الوسطى. ربما تكون أفضل طريقة للقيام بذلك هي النظر إلى واحدة أو اثنتين من الظواهر الطبيعية والسؤال عن كيفية تحليلها لمفكر من العصور الوسطى مثل توما الأكويني. لذا أولاً وقبل كل شيء، فكّر في تحول اليرقة إلى فراشة.

تحول اليرقة إلى فراشة

الفلسفة المدرسية عند توما الأكويني

وفقًا لتوما الأكويني، نحن نتعامل هنا مع حالة أسماها “التغيير الجوهري”، وهي عملية تغيير حيث تتوقف مادة ما عن الوجود وتظهر مادة أخرى إلى الوجود، فعندما تتحول اليرقة إلى فراشة، تختفي اليرقة من الوجود ولكن تأتي الفراشة إليه. [2]

بمجرد ظهور الفراشة، لن تبقى على حالها أيضًا، ولكن ستتغير بعدة طرق أخرى. على سبيل المثال ستنمو الفراشة، وقد يتغير لونها، لكن هذه تغييرات أقل جذرية بكثير من تحوّل اليرقة إلى فراشة، فالتحول هنا بمثابة التغيير الجوهري عند توما الأكويني.

دعونا نقارن بين الحالتين. عندما تتحول اليرقة إلى فراشة، تختفي اليرقة من الوجود. لكن، عندما يتغير لون الفراشة، فإنها تنجو من هذا التغيير، ولا تختفي من الوجود، أليس كذلك؟

في الواقع، تغيّر اللون هو ما أطلق عليه الأكويني “تغيير عَرَضي”، حيث يحدث تغير في مستوى الخصائص العَرَضية. يمكن توضيح هذا التمييز بين التغيير العرضي والجوهري بشكل أكبر من حيث الأشكال العَرَضية والجوهرية.

التغيير العَرَضي والتغيير الجوهري عند توما الأكويني

وفقًا لتوما الأكويني، فإن الجسد الطبيعي جزء من المادة، تَكوّن بواسطة ما أسماه بـ “الشكل الجوهري”. [3] والشكل الجوهري للجسم هو المبدأ، وهو ما يجعله الجسم الذي هو عليه. الشكل الجوهري للجسم هو ما يجعله يتحرك ويتصرف بطرق مميزة. قد نلخص الأمر بأن الشكل الجوهري للجسم يشبه بشكل ما المُحرك الداخلي المتحكم في كل شيء.

اليرقة في مثالنا السابق هي جزء من المادة، والشكل الجوهري هو ما يكوّنها، مما يجعلها تبدو مثل يرقة، ورائحتها مثل يرقة، وتتحرك وتتصرف كيرقة. أُعيد تكوين هذا الجزء نفسه من المادة بشكل جوهري جديد، مما جعلها تبدو مثل الفراشة، ورائحتها مثل الفراشة، وتتحرك وتتصرف كالفراشة.

في الواقع، عندما أعيد تكوين نفس الجزء من المادة بهذه الطريقة، اختفت اليرقة من الوجود، ولكن ظهرت الفراشة بدلًا منها. فالفراشة لا تتحرك كاليرقة ولا تتصرف مثلها، ولكن أصبح لها محرك داخلي جديد بصفات جديدة.

يمكن إسقاط نفس التحليل على التغيير العرضي. عندما تظهر الفراشات للوجود، ستخضع كل مُركّب المادة والشكل الجوهري لمزيد من التغيرات التي أسماها الأكويني “الأشكال العرضية”.

تُمثل هذه النماذج العرضية الخصائص المؤقتة التي تمتلكها الفراشة في أي لحظة زمنية معينة. فهو يفسر حجم الفراشة ولونها وشكلها المحدد وفقًا لمبدأ الأشكال العرضية. عندما تتغير ألوان الفراشة من اللون الأزرق مثلًا إلى الأحمر، سيفسر الأكويني هذا التغيير بأنها تفقد شكلاً عرضيًا وتكتسب شكلًا عرضيًّا آخر.

مارس التفكير الأرسطي بنفسك

الآن، أنت أصبحت على دراية بمفهومين أساسيين للفلسفة الطبيعية الأرسطية وهما، المادة والشكل. وفقًا لهذه المفاهيم، يمكنك الآن محاولة صياغة تحليلات أرسطية للظواهر الطبيعية بنفسك.

فكر من حيث المادة والشكل في تحليلات لأحداث مثل حرق قطعة خشب وتحول تفاحة حمراء إلى بنية.

احتراق قطعة خشب

كيف ستفسر الحالات السابقة إن كنت أرسطيًّا؟

لقد قدمت للتو تحليلات أرسطية من حيث المادة والشكل بنفسك عندما فكرت في تحول قطعة من الخشب إلى رماد وتحول تفاحة حمراء إلى اللون البني.

سننظر بإيجاز في هاتين الحالتين ببعض التفصيل. عندما تتحول قطعة من الخشب إلى رماد، يقول الأرسطيون أن هذه عملية تتوقف فيها مادة (قطعة الخشب) عن الوجود، وتظهر مادة أخرى.

نحن نتعامل مع حالة تغيير جوهري. في التغيير الجوهري، يعاد تكوين المادة المختفية عبر مادة جديدة تظهر إلى الوجود. في هذه الحالة، تفقد قطعة الخشب الشكل الذي أعطاها الطبيعة الخشبية، وتكتسب شكل الرماد بدلاً من ذلك بصفات جديدة.

ثانيًا، عندما تتحول تفاحة حمراء إلى اللون البني. يتغير التفاح بالفعل، لكنه ينجو من العملية. التفاحة التي كانت حمراء في البداية هي نفسها التفاحة التي أصبحت بنية الآن. لذلك، نحن نتعامل مع حالة تغيير عرضي. في حالة التغيير العرضي، تحتفظ الأشياء بموادها وشكلها الجوهري. ومع ذلك، فهي تخضع لتغيير على مستوى الشكل العرضي فقط. في هذه الحالة، كان للتفاحة في البداية شكل عرضي جعلها حمراء، لكنها فقدت هذا الشكل مع مرور الوقت. ثم اكتسبت شكلاً عرضيًا آخر جعلها بنية اللون.

الثورة العلمية على الفكر الأرسطي

سيطر نموذج التحليل هذا للمادة والشكل على جامعات العصور الوسطى لعدة قرون. ومع ذلك، لم يرض أمثال رينيه ديكارت وروبرت بويل وقادة التنوير في القرن السابع عشر عنه، وهذا يثير سؤالين، أولاً، لماذا لم ينل هذا النموذج إعجابهم؟ وثانيًا، ما النموذج الذي رغبوا في استبدال المنهج الأرسطي به؟ وهو نفس السؤال الثاني الذي بدأنا به المقال، لكنه باق معنا لمقال آخر.

المصادر
[1] Britannica
[2] Internet Encyclopedia of Philosophy
[3] The Conversation

أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

أدلة التطور: مشاهدة التطور في المعامل

هذه المقالة هي الجزء 3 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

كثيرًا ما يثير معارضو التطور تساؤل “لماذا لا نشاهد التطور يحدث الآن؟”، وغالبًا ما تكون الإجابة على هذا التساؤل هي أن التطور يحدث على مدى أجيال كثيرة وفترات زمنية طويلة. هذه إجابة صحيحة، إلا أنها غير مكتملة. فالتجارب المعملية أثبتت مرارًا وتكرارًا أن التطور قابل للرصد، وأصبح بمقدورنا مشاهدة التطور في المعامل. تعالوا معنا نستعرض بعضًا من هذه التجارب.

بكتيريا E.coli

في عام 1988، قام عدد من الباحثين من «جامعة ولاية ميتشيجن-Michigan state university» بعمل تجربة على 12 مجموعة من البكتيريا من نوع “Escherichia coli”. قاموا بوضع ال 12 مجموعة في بيئة تحتوي على القليل من ال «جلوكوز-Glucose» و«السترات-Citrate»، وهي مادة لا تستطيع بكتيريا ال E.coli الاستفادة منها غذائيًا في الظروف الطبيعية. وتكاثرت مجموعات البكتيريا في هذه البيئة لآلاف من الأجيال، إلى أن حدثت المفاجأة!

اكتسب الجيل رقم 31,500 قدرة على التمثيل الغذائي للسترات، وهو أمر يدعو للدهشة. إذ يتعرّف العلماء على بكتيريا E.coli عن طريق فشلها في التمثيل الغذائي للسترات، فهي صفة مميزة لها. إلا أن تلك الصفة تطورت لدى فرد واحد، خلية واحدة، من ال 12 مجموعة التي أُجريت عليها التجربة. نجح ذلك الفرد بسبب البيئة الغنية بالسترات في الانقسام الانتشار إلى أن أصبحت صفة لجماعة من البكتيريا. تعد هذه التجربة واحدة من المرات التي استطعنا فيها مشاهدة التطور بأنفسنا في المعامل واختباره. [1]

ذباب الفاكهة تحت تأثير الجفاف

في تجربة علمية، تعرضت 5 مجموعات من ذباب “Drosophila melanogaster” المعروف في اللغة الدارجة باسم «ذباب الفاكهة-Fruit flies» للجفاف لما يزيد عن 200 جيل. نتج ذلك الجفاف عن زيادة في قدرات الذباب على النجاة من تأثيرات الجفاف القاتلة. بالإضافة إلى تطور بعض الصفات الفسيولوجية، مثل تفضيلها لتخزين الكربوهيدرات، وقلة مخزونها الاحتياطي من الدهون، وزيادة ملحوظة في حجم الدم. أدت تلك التغيرات إلى زيادة محتوى الصوديوم والكلورين خارج خلاياها، وتُعد هذه الصفات مميزة إذا ما قورنت بباقي أفراد بني جنسها.

وها نحن ذا نشاهد مرة أخرى كيف أكسب التطور صفات جديدة لجنس محدد، ليتناسب مع بيئته. وأيضًا تمكنا من مشاهدة التطور في المعامل. [2]

ذباب الفاكهة في الظلام

في 11 نوفمبر لعام 1954، قام عالم البيئة الياباني “سيوتي موري -Syuiti Mori” بتغطية مستعمرة من ذباب الفاكهة بقطعة من القماش الداكن. أطلق موري بذلك واحدة من أطول تجارب علم الأحياء التطوري.

وبعد 61 عام (أي بعد 1,500 جيل)، تعرّف الباحثون على عدد كبير من التغيرات والتنوعات الجينية التي قد تساعد نسل الذباب (الذي أُجري عليه التجربة عام 1954) على مواكبة الحياة في الظلام.

طوّرت هذه المجموعة صفات جديدة لتساعدها على التعايش مع بيئتها المظلمة الجديدة. إذ أصبحت تمتلك شعيرات رأس أطول (مقارنة بذباب الفاكهة العاديّ)، علمًا بأن ذباب الفاكهة يستخدم هذه الشعيرات كحسّاسات لمصادر الضوء. كما امتلكت حاسة شم أقوى، وأظهرت تفوّقًا ملحوظًا في العثور على شريك جنسي في الظلام مقارنة بأنواع الذباب العاديّة.

إلا أنها احتفظت ببعض صفات أسلافها، فعلى الرغم من حياتها في الظلام إلا أنها ما زالت تنجذب ناحية الضوء. كما حافظت على «دورتها اليومية-Circadian cycle» وهي الدورة المسئولة عن تحديد مواعيد النوم والاستيقاظ.

وهذه الصفات المكتسبة لدى «ذباب الظلام-Dark flies» دليل على التطور، حيث ساقت الظروف البيئية الجديدة ذباب الفاكهة لتطوير صفات جديدة لتتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، وهذه التجربة توضح لنا كيف نستطيع مشاهدة التطور في المعامل. [3]

المصادر

[1] PNAS
[2] Oxford
[3] Nature

الأدلة على التطور من علم الأجنة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يهتم «علم الأجنة-Embryology» بدراسة مراحل تكوّن أجنة الكائنات الحية ودراسة تحولاتها أثناء تلك المراحل [1]. ويقدّم علم الأجنة أدلة قوية دامغة على التطور، ولعل من أوائل من حاولوا الربط بين فكرة التطور وعلم الأجنة هو العالم الألماني «إرنست هيكل-Ernst Heackel». رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه مشابهة لأسلافه في مرحلة البلوغ. عرف هذا ب«التلخيص-Recapitulation»، وهذا لأن الجنين – وفقًا لرأي هيكل – يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه [2]. إلا أن هذه الفكرة ليست صحيحة علميًا، فنحن لا نرى مثلًا أجنة الحيوانات البريّة تشابه الأسماك البالغة في أي من مراحل تكوّنها (علمًا بأن الحيوانات البرية تطورت من الأسماك). ولكن لا تؤثر فرضية هيكل لا على نظرية التطور ولا علم الأجنة، ويبقى علم الأجنة محافظًا على موقعه كأحد أقوى فروع العلوم الداعمة للتطور. يُدرس علم الأجنة لطلاب الطب والمتخصصين في النساء والتوليد في كل كليات الطب في العالم تمامًا كما هي نظرية التطور. فتعالوا معنا نتعرف على الأدلة على التطور من علم الأجنة.

كيف يدل علم الأجنة على التطور؟

هل تساءلت يومًا عن سر وحدة مراحل تكوّن الجنين البشري على سبيل المثال؟ فمراحل تكوّن الجنين واحدة لدى جميع الأجنة البشرية، ولكن ما السر وراء هذا؟

تكمن الإجابة في أننا لا نرث من آبائنا وأمهاتنا الصفات الوراثية فحسب، بل نرث منهم كذلك مراحل التكوين. فالجينات تحمل التعليمات والإرشادات التي تقود الجنين للتحول من مجرّد خلية حية إلى كائن مكتمل النمو [3]. وبناء على ذلك، إذا افترضنا تطوّر الكائنات الحية من أنواع أخرى، فيجب أن نرى تكوّن بِنىً جنينية مشتركة بين الكائنات وأسلافها. على سبيل المثال، إذا قلنا أن الحيوانات الأرضية تطورّت من الأسماك، فيجب أن نرى بِنىً جنينية سمكية تتكون لدى أجنة الحيوانات الأرضية (لأنها تحمل الجينات الحاملة لتعليمات تكوين أجنة الأسماك). قد تبدو فكرة غريبة، ولكن تعالوا لنرى الأدلة.

ذيل الإنسان

تمتلك معظم الثدييات ذيولًا تساعدها على التوازن أثناء الحركة، إلا أن البشر عندما اكتسبوا صفة المشي المنتصب فقدوا الحاجة إلى وجود ذيل. وها نحن ذا لا نرى ذيولًا في أجسامنا، ولكن هل نحن حقًا بلا ذيول؟

أثناء الأسبوعين الرابع والخامس من عمر الجنين البشري نلاحظ امتلاك الأجنة البشرية لذيول يبلغ طولها 1/6 طول جسم الجنين. كما نلاحظ أن هذه الذيول تحتوي على عدد من الفقرات يتراوح ما بين 10 و 12 فقرة. إلا أنه بحلول الأسبوع الثامن يبدأ الجنين في فقدان هذا الذيل تدريجيًا ليضمر ويتحول إلى «العصعص-Coccyx» وهو عبارة عن ذيل ضامر. [4]

فها نحن ذا نرى بِنية جنينية ورثنا تعليمات تكوينها من أقاربنا من الثدييات ذات الذيول.

حقوق الصورة: quizlet

«الشقوق الخيشومية-Gill slits»

تمتلك الأجنة البشرية وغيرها من أجنة الفقاريات التي لا تعيش في المياه في بداية مراحل تكوّنها بِنىً تُعرف ب «الشقوق الخيشومية-Gill slits». وهي البِنى التي تتطور وتنمو في أجنة الأسماك لتصبح خياشيمًا تساعدها على التنفس. وعلى الرغم من عدم تنفس الإنسان والحيوانات غير المائية بواسطة الخياشيم إلا أن أجنتها ما زالت تحمل هذه الشقوق الخيشومية كبصمة تدلنا على أسلافنا السمكية. [5]

ولكن هذه الشقوق الخيشومية لا تنمو لتصير خياشيمًا في الثدييات. فكما نرى، لا تستخدم الحيوانات غير المائية الخياشيم في التنفس، فإلى ماذا تتحول هذه الشقوق؟

تنشأ من الشقوق الخيشومية لدى الأجنة البشرية وغيرها من الثدييات تراكيبًا مختلفة كالفك، و«عظام الأذن الداخلية-Inner ear bones» التي تلعب دورًا حيويًا في قدرتنا على السمع. [6]

حقوق الصورة: anatomy book

أرجل الثعابين

على الرغم من كون الثعابين تزحف على بطنها للحركة، إلا أنها مُصنّفة ضمن «رباعيات الأطراف-Tetrapods». وهي الحيوانات التي تمتلك أربعة أطراف، ولكن كيف لنا أن نضعها في هذا التصنيف على الرغم من عدم امتلاك الثعابين لأية أطراف سواء أمامية أو خلفية؟

أحد الأسباب هو أن أجنة الثعابين تمتلك براعم أطراف في أول 24 ساعة من تكوّنها. فعلى سبيل المثال، تنمو لأجنة «الأصلات-Pythons» في ذلك الوقت القصير عظام أطراف خلفية مثل «عظمة الفخذ-Femur»، و«قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». لا تنمو عظام الأطراف بما يكفي لتصير أطرافًا مكتملة النمو، فسرعان ما تبدأ في التحلل. [7]

حقوق الصورة: livescience


وجدير بالذكر هنا أن الأصلات البالغة بالفعل تمتلك عظام أرجل ضامرة مدفونة في العضلات الموجودة بالقرب من نهاية ذيلها. فهي أحد الأعضاء الضامرة التي تدل هي أيضًا على التطور. [8]

وهو ما يشير إلى تطوّر الثعابين من رباعيات الأطراف، حيث أنها ما زالت تحمل تعليمات لتكوين الأطراف على الرغم من أنها تزحف على بطنها، وهذا يعد واحدًا من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة.

أصابع الأحصنة

تمتلك رباعيات الأطراف خمسة أصابع في أطرافها، ولكن إذا نظرنا إلى حيوان مثل الحصان (وهو رباعي الأطراف) وجدناه يمتلك إصبعًا واحدًا. فهل هو فعلا إصبع واحد؟ لنتتبع مسار نموه الجنيني لنرى!

يبدأ الحصان بامتلاك خمسة أصابع في أطرافه، إلا أن الإصبع الأول يلتحم مع الإصبع الثاني. كما يلتحم الإصبع الرابع مع الخامس، ليكوّن كل زوج من هذه الأصابع الملتحمة «عظمة جبيرة-Splint bone». ثم يكمل الإصبع الثالث (الأوسط) نموه ليكون هو الحافر. وهنا يأتي السؤال المهم، لماذا يبدأ جنين الحصان بنمو خمسة أصابع إن كان سينتهي بإصبع واحد؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا في ضوء تطور الحصان من رباعيات أطراف كانت تمتلك خمسة أصابع. [9] وهذا ما يكسب نظرية التطور قوتها كأي نظرية علمية، وهو قدرتها التفسيرية والتنبؤية.

حقوق الصورة: whyevolutionistrue

جماجم الطيور والديناصورات

بتنا نعلم أن الطيور تطورت من ديناصورات، ولكن تقع هنا مشكلة، حيث أنه عند فحص أحافير الديناصورات، نجد امتلاك الديناصور لعظمتين في جمجمته هما «العظمة الأمامجَبهِية-Prefrontal bone»، و«العظمة الخلفمِحجَرية-Postorbital bone». هاتان العظمتان لا وجود لهما في جماجم الطيور الحديثة، فأين ذهبت هذه العظام؟

عند فحص أجنة الطيور سنجد هاتين العظمتين في جماجم أجنة الطيور، إلا أنهما تلتحمان مع عظام الجمجمة الأخرى لتكوين العظام الأنفية والجبهية. كما أن التحام هاتان العظمتان بعظام الجمجمة الأخرى سمح بزيادة حجم العينين وزيادة حجم أدمغة هذه الطيور. [10]

ويُعد نمو هاتين العظمتين لدى أجنة الطيور أثرًا يمكننا الاستدلال به على تطور الطيور من الديناصورات. إذ أن الديناصورات قد أورثت الطيور الجينات المسئولة عن تكوين هاتين العظمتين أثناء مرحلة النمو الجنيني.

أصابع الطيور

تختلف الطيور عن الفقاريات في عدد الأصابع حيث تمتلك الطيور في أجنحتها ثلاثة أصابع، إلا أنها كرباعيات أطراف (الفئة التي تنتمي الطيور إليها) هي امتلاك خمسة أصابع. فكيف هذا؟

عند فحص أجنة الطيور نجد أن أصابعها في بداية نموها تكون خمسة أصابع. ثم تبدأ هذه الأصابع في الالتحام مع بعضها البعض لتصير ثلاثة بدلًا من خمسة. فالثلاثة أصابع الموجودة في أجنحة الطيور هي عبارة عن خمسة أصابع ملتحمة مع بعضها البعض. هذا أيضًا واحد من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة [11]

عضلات الزواحف في جسم الإنسان

تمتلك الزواحف في أيديها عضلات تُدعى “Dorsometacarpales”. وقد اكتشف نمو هذه العضلة في أيادي الأجنة البشرية، ولكنها سرعان ما تختفي أو تلتحم مع عضلات أخرى. يدل هذا على انحدار الثدييات (ونحن منهم) من الزواحف، حيث ورثنا منهم الجينات التي تعطي الأوامر والتعليمات للسماح بنمو هذه العضلة في أيدي الأجنة البشرية على الرغم من عدم وجودها لدى البشر البالغين. [12]

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3] University of Leicester
[4] NCBI
[5] britannica
[6] Lumen learning
[7] Livescience
[8] American Museum Of Natural History
[9] Royal Society
[10] Nature
[11] Genome Biology
[12] Livescience

الأدلة السلوكية على التطور

هذه المقالة هي الجزء 1 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن ناقشنا في الجزء الأول الأدلة التشريحية على التطور، ثم انتقلنا إلى مناقشة الأعضاء الضامرة في الجزء الثاني، ورأينا من خلال هذين الجزئين كيف يمكننا أن نتتبع آثار التطور في أجسامنا، نحن اليوم على موعد مع مقال قصير نستعرض فيه بعض السلوكيات التي تسلكها أجسامنا والتي تدلنا على التطور، فما هي الأدلة السلوكية على التطور؟

«القشعريرة – Goosebumps»

عندما نشعر بالبرد ينتصب شعر أجسادنا (يكون ملحوظًا في شعر اليدين)، ونُصاب بالقشعريرة. تحدث القشعريرة بسبب انقباض «العضلات المُقِفّة للشعرة-Arrector pilli muscles»، الموجودة في بصيلات الشعر. يتسبب ذلك الانقباض في انتصاب شعر أجسادنا، ولكن ما هو التفسير التطوري للقشعريرة؟

يمكننا تتبع نفس السلوك (القشعريرة) في أقربائنا من الثدييات لمعرفة وظيفته. فمعظم الثدييات تمتلك الكثير من الشعر، ولذا فعندما تشعر بالبرد وتُصاب بالقشعريرة، ينتصب الشعر الذي يكسو أجسامهم. يتسبب انتصاب الشعر باحتباس الهواء لتشكيل طبقة عازلة للحد من تدفق الحرارة خارج أجسامهم، وهو ما يحميهم من البرد. ولهذا ما زلنا نصاب بالقشعريرة وقت شعورنا بالبرد على الرغم من عدم مساهمة ذلك في الحفاظ على دفء أجسامنا. فالبشر قد فقدوا الكثير من الشعر على أجسامهم عند تطورهم من سكن العراء إلى الكهوف والمنازل. [1]

«الحازوقة – Hiccups»

قد يكون موقفًا محرجًا عندما تصاب بالحازوقة في مكان عام أو وسط محادثة. ولكي نفهم سبب إصاباتنا بالحازوقة (التي لا يبدو أن لها أي وظيفة) علينا أولًا أن نفهم كيف تحدث؟

تحدث الحازوقة عند حدوث انقباض مفاجئ في الحجاب الحاجز، مصحوبًا بصعود الجزء الخلفي من اللسان مع سقف الفم للأعلى وانغلاق الأحبال الصوتية. تتسبب تلك الحركات في صوت الحازوقة المعروف، ولكن ما علاقة التطور بهذا؟

نتشارك آلية الحازوقة مع «البرمائيات-Amphibians»، لنأخذ «الشرغوف-Tadpole» على سبيل المثال. يتنفس الشرغوف في المياه عن طريق ملء فمه بالماء، ثم ينقبض «لسان المزمار-Glottis». يقوم الشرغوف بدفع المياه إلى الخارج عن طريق الخياشيم. ليست هذه الآلية حكرًا على الشرغوف فقط، وإنما يتشارك معه فيها أسماك «الغار-Gar»، و«السمكة الرئوية-Lungfish»، والعديد من البرمائيات ذات الخياشيم.

ومن العجيب أن تعلم أننا لا نتشارك الحازوقة مع البرمائيات في الآلية وحسب، بل حتى في الإشارات الكهربائية الدماغية. حيث أن انقباض الحجاب الحاجز والحازوقة يُستثاران بإشارات كهربائية تُوّلَد في «جذع الدماغ-Brain stem». إلا أن جذع الدماغ عند البرمائيات يوّلد إشارات كهربائية مشابهة لهذه التي تسبب الحازوقة عندنا، لتكون مسئولة عن حركة الخياشيم المنتظمة.

فقد ورثنا الحازوقة من أسلافنا من البرمائيات التي كانت تتنفس عن طريق خياشيمها. يعد هذا أحد الأدلة السلوكية على التطور. [2]

«منعكس القبض الراحي – Palmar grasp reflex»

تنقبض أيادي الرضع حول أي شيء يلامس أسطح أيديهم. وكغيره من السلوكيات المذكورة أعلاه، فله أصل تطوري، حيث أن رد الفعل هذا يكون مفيدًا في صغار القرود ليساعدهم على التشبث في شعر أجساد أمهاتهم. إلا أنه لم يعد يؤدي وظيفته الرئيسية الآن، فالجسم البشري لا يملك كمية الشعر الكافية التي تسمح بتشبث الأطفال فيه. كما أظهرت بعض الأبحاث قدرة قبضة الأطفال على حمل وزن أجسامهم لمدة 10 ثوانٍ إذا ما تعلق بقضيب أفقي، إلا أن الأطفال لا يحتاجون إلى قبضة بهذه القوة. لذلك يعد هذا من الأدلة السلوكية على التطور. [3]

المصادر

[1] NIH
[2] livescience
[3] britannica

أدلة التطور: الأعضاء الضامرة

هذه المقالة هي الجزء 6 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن تعرفنا في الجزء السابق من هذه السلسلة على بعض من أدلة التطور التشريحية، سنستعرض اليوم نوعًا آخر من أدلة التطور التي يمكننا أن نراها بأعيننا في أنفسنا، وهي الأعضاء الضامرة.

تعريف الأعضاء الضامرة

وفقًا لموقع (biologyonline)، فإن «الأعضاء الضامرة-Vestigial organs» هي أعضاء موجودة في جسم الكائن الحي فاقدة لوظيفتها أو تقوم بوظيفة أخرى غير وظيفتها الرئيسية [1]، ولكن من أين لنا أن نعرف الوظيفة الأصلية لهذه الأعضاء لكي نحدد أن وظيفتها قد تغيرت؟

نستطيع معرفة الوظيفة الأصلية للأعضاء الضامرة عن طريق مقارنتها تشريحيًا ووظيفيًا بالأعضاء المشابهة في الكائنات الأخرى، وبناء عليه يمكننا تحديد ما إذا كان العضو ضامرًا أم لا، لنستعرض أمثلة للتوضيح.

طيور لا تطير

جميعنا نعلم أن وظيفة الأجنحة عند الطيور هي الطيران، ولكن ماذا إن كان الطائر لا يطير؟ فما فائدة الأجنحة في هذه الحالة؟

ولكي نطبق ما ذكرناه سابقًا، سنقوم بالمقارنة بين وظائف هذه التراكيب والأعضاء وبين الأعضاء المشابهة لها في الكائنات الأخرى لنرى ما إذا كانت ضامرة أم لا، وما دلالة هذا الضمور؟

النعام

قد تنمو النعامة ليصل طولها إلى 2.5 متر، ويزيد وزنها عن 135 كيلوجرام، وتستطيع الجري بسرعة 72 كم/ساعة، إلا أنها لا تستطيع الطيران. فأجنحة النعامة صغيرة نسبيًا مقارنة بحجم جسدها [2]، كما أن تلك الأجنحة أضعف من أن ترفع النعامة ذات الوزن الثقيل عن الأرض. إلا أن النعامة قامت بتوظيف أجنحتها في أشياء أخرى، كاستخدامها للتظليل على بيضها الكبير نسبيًا. تبقى وظيفة الأجنحة في الطيور الأخرى الطيران، وليست التظليل على البيض أو الحفاظ على التوازن أثناء الجري.

البطريق

تُعد البطاريق من الطيور التي لا تطير، حيث تمتلك ريشًا ومناقيرًا وأجنحة كذلك. لكن لا تستخدم البطاريق أجنحتها في الطيران، وإنما تستخدمها في السباحة أثناء الصيد.

ونلاحظ من الصورة السابقة أنه على الرغم من التشابه الوظيفي بين أجنحة الطيور وزعانف الأسماك (كلاهما يُستخدم في السباحة) إلا أنها لا تتشارك نفس التشريح الداخلي مع الزعانف. ولكن تتبع النمط الذي ناقشناه في الجزء السابق المكون من عظمة، ثم عظمتين، ثم عدد من العظام، ثم الأصابع. يدل هذا على أن الأطراف الأمامية للبطاريق هي أجنحة ضامرة. [2] , [3]

«الإيمو-Emu»

قد تبلغ طيور الإيمو ارتفاع 1.8 متر، ووزنًا يقارب ال 50 كيلوجرام، إلا أنه أجنحتها صغيرة جدًا لتمكينها من الطيران. فأجنحة طائر الإيمو تبلغ من الطول 20 سم فقط، أي أن أجنحتها تكاد لا تكون ظاهرة من الأساس.

ويستخدم طائر الإيمو أجنحته هذه في الرفرفة أثناء الجري ليوازن جسده، ولكن كما ذكرنا مسبقًا أن الوظيفة الأصلية للأجنحة هي الطيران. وبالتالي فأجنحة الإيمو تُعد من الأعضاء الضامرة. [4]

«الكاكابو-Kakapo»

الكاكابو هو النوع الوحيد من الببغاوات غير القادرة على الطيران، فأجنحتها القصيرة لا تقدر على حملها، وإنما تستخدمها للتوازن. كما تمتلك الكاكابو ريشًا ناعمًا مقارنة بالطيور الأخرى، فهي لا تحتاج الريش القوي الذي يمكّن الطيور من الطيران.

وكما لاحظت، فلم نذهب بعيدًا لمقارنة ببغاء الكاكابو بطيور أخرى، وإنما قمنا بمقارنته بأبناء نوعه من الببغاوات. وتبينّا من هذا أن أجنحة الكاكابو من الأعضاء الضامرة. [5]

«غاق الجالاباجوس-Flightless cormorant»

مقارنة بأنواع طيور الغاق الأخرى، يُعد غاق الجالاباجوس أثقلهم وزنًا، وكذلك النوع الوحيد الذي لا يطير من بين 29 نوع. وتمتلك أجنحة ضامرة بثلث حجم الجناح الذي يحتاجه غاق الجالاباجوس ليتمكن من الطيران. أدى الانتخاب الطبيعي لضمور هذه الأجنحة نظرًا لعدم وجود عدد كبير من المفترسات الأرضية في بيئته، فاختار الانتخاب الطبيعي الطيور السبّاحة لتمرير جيناتها. ولكن هل يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة؟

لا يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة حتى، وإنما يضمهم إلى جانبيه ويستخدم أرجله في الدفع تحت الماء.

في الطيور المائية، تُغطى الأجنحة بطبقة من الزيت لتشكل طبقة عازلة بين الريش وبين الماء. تعمل تلك الطبقة العازلة على الحفاظ على مرونة الريش وعدم انكساره. إلا أن أجنحة غاق الجالاباجوس لا تنتج ما يكفي من الزيت لحماية أجنحته من الماء، ولهذا يقوم بفرد أجنحته بعد السباحة للاعتماد على أشعة الشمس في تجفيف أجنحته. [6]

وكما نرى فأجنحة غاق الجالاباجوس ليس لها أي فائدة تُذكر، بل إنها حتى قد تشكل عائقًا له. مما يجعل من أجنحة غاق الجالاباجوس عضوًا ضامرًا بامتياز.

ذيل الإنسان

تستخدم معظم الثدييات ذيولها من أجل التوزان أثناء الحركة، ولكن بعد أن تعلمنا السير على قدمين فقد الذيل وظيفته، فضمر وأصبح ما يُعرف الآن ب «العصعص-Coccyx». مما يعني أن العصعص عبارة عن ذيل ضامر. [7]


وتتصل بعض «عضلات القاع الحوضي-Pelvic floor muscles» بالعصعص، إلا أن هذه العضلات تمتلك «نقاط اتصال-Attachement points» أقوى من نقطة اتصالها مع العصعص، وعلى أي حال فإن الوظيفة الأساسية للذيل هي التوازن، ولهذا يُعد العصعص من الأعضاء الضامرة.

الجفن الثالث

انظر إلى عينك في المرآة، هل ترى هذه النقطة الحمراء في الزاوية باتجاه أنفك؟

هذه هي بقايا ما يُعرف ب «الغشاء الناري-Nictitating membrane»، وهو شائع لدى الطيور وبعض الثدييات كجفن ثالث. يعمل الجفن الثالث عند الطيور كوسيلة حماية للعين ضد الرياح المحملة بالأتربة، لكنه لا يعمل لدى الإنسان. مما يعني أن الجفن الثالث عضو ضامر، حيث أنه لا يؤدي وظيفته الأصلية.

ولا يمكن تفسير وجود هذا الجزء في جسم الإنسان إلا في ضوء التطور من سلف مشترك بيننا وبين الكائنات التي ما زال الغشاء الناري محتفظًا فيها بوظيفته. [8]

«ضرس العقل-Wisdom tooth»

مع تطور الإنسان ونشوء الحضارة، تغير نظامه الغذائي، فاتجه إلى استهلاك الأطعمة الناعمة الطرية بدلًا من الأطعمة الصلبة والنيئة التي كان يأكلها أسلافنا. وهو ما أدى إلى انعدام الحاجة إلى فك كبير وقوي. فتضاءل حجم فك الإنسان تدريجيًا، مما يجعل من ضرس العقل عضوًا ضامرًا، حيث أننا لم نعد بحاجة إليه. ولهذا يتسبب نمو ضرس العقل بالآلام وكافة أنواع المشاكل لبعض البالغين. كما يعتبر درس العقل دليلًا قويًا على تطور فك الإنسان وتغيره على مر الزمن. [8]

«العضلات الأذنية-Auricular muscles»

العضلات الأذنية هي التي تتضمن «عضلة الأذن الأمامية-Anterior auricular muscle»، و«عضلة الأذن العلوية-Superior auricular muscle»، و«عضلة الأذن الخلفية-Posterior auricular muscle». وتتحكم هذه العضلات الثلاث بحركة «صيوان الأذن-Ear penna» (الجزء الظاهر من الأذن). وتستخدم الثدييات هذه العضلات في تحريك آذانها لتحديد مواقع الأصوات أو للتعبير عن المشاعر، ولكن هذه العضلات بلا وظيفة في جسم الإنسان. حيث يستطيع الإنسان التعرف على مصادر الأصوات عن طريق تحريك رأسه. إلا أن بعض الناس يمكنهم تحريك آذانهم، فإن كنت منهم، فاعلم أن هذه بقايا تطورية من أسلافك القدامى. [8]

المصادر

[1] biologyonline
[2] britannica
[3] allaboutbirds
[4] nationalgeographic
[5] wired
[6] galapagos
[7] livescience
[8] britannica

الأدلة التشريحية على التطور

هذه المقالة هي الجزء 5 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

ما لبث أن نُشر كتاب أصل الأنواع لعالم الأحياء البريطاني «تشارلز داروين-Charles Darwin» في 24 نوفمبر عام 1859 حتى أثير الجدل حول أطروحات داروين في هذا الكتاب. واليوم تعد نظرية التطور إحدى أساسيات علم الأحياء، فالتطور حقيقة لا جدال فيها. قد تتغير بعض تفاصيل هذه الحقيقة كأي نظرية علمية، لكن صورتها الكلية المُفسرة لتباين الأنواع والفصائل هي الصورة العلمية الوحيدة المقبولة اليوم في الوسط العلمي. ويتبين لنا هذا من مجموعة ضخمة من الأدلة من مختلف فروع العلوم، ولهذا قمنا بتخصيص هذه السلسلة لعرض أدلة التطور المختلفة، واليوم سنناقش بعضًا من الأدلة التشريحية على التطور.

ولكن لكي نرى هذه الأدلة التشريحية علينا أن نعرف ما هو العلم الذي يختص بهذا النوع من الأدلة.

«التشريح المقارن-Comparative anatomy»

وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، فإن التشريح المقارن هو دراسة البِنى الجسدية للحيوانات المختلفة في سبيل معرفة المسار التطوري الذي سلكته في انحدارها من الأسلاف المشتركة [1]. وبناء عليه قام العلماء بتقسيم البِنى التشريحية المشتركة بين الكائنات الحية إلى قسمين، وهما «البِنى المتناددة-Homologous structures»، وهي البِنى التي تؤدي وظائف مختلفة في كائنات حية مختلفة ولكنها تمتلك تركيبة متشابهة، والقسم الثاني هو «البِنى المتماثلة-Analogous structures» وهي البِنى التي تؤدي وظائف متشابهة بين الكائنات الحية ولكنها تمتلك تراكيبًا مختلفة نظرًا لاختلاف المسلك التطوري لدى الكائنات المختلفة. [2]

والآن بعد أن عرفنا ما هو التشريح المقارن، لنستعرض بعضًا من الأدلة التشريحية على التطور.

الأطراف الأمامية للفقاريات كأحد الأدلة التشريحية على التطور

تخيل معي عزيزي القارئ هذه البِنى المختلفة، زعنفة حوت، وجناح طائر، والأطراف الأمامية لكلب، وذراع إنسان.

تمتلك كل بنية من هذه البِنى وظائف هي أبعد ما تكون عن التشابه. فالحوت يستخدم زعانفه في السباحة، بينما تستخدم الطيور أجنحتها في الطيران، وتستخدم الكلاب أطرافها الأمامية في الحركة. بينما يستخدم الإنسان ذراعيه في الإمساك بالأشياء وحملها، إلا أن هذه البِنى المختلفة تمتلك نمطًا تشريحيًا متشابهًا!

أذرع كائنات حية مختلفة، كل لون يظهر عظمة معينة هي نفسها في كل الكائنات.

في الصورة المرفقة أعلاه يمكنك ملاحظة التشابه، حيث تتكون الأطراف الأمامية لهذه الكائنات الأربعة من عظمة كبيرة وهي عظمة «العضد-Humerus» (باللون البرتقالي)، ثم عظمتين وهما عظام «الساعد والزند-Radius and Ulna» (باللونين الأحمر والأبيض)، ثم عدد من العظام وهي عظام «الرسغ-Carpals» (باللون الأصفر)، ثم تنتهي ب «مشط اليد والأصابع-Metacarpals and Phalanges» (باللون البني)، وهو ما يدل على تطور هذه البِنى من بنية أبسط للأطراف الأمامية. [3]

ويمكنك ملاحظة أنه على الرغم من امتلاك وظائف مختلفة إلا أن هذه الأطراف الأمامية تمتلك نفس النمط التشريحي، وبالطبع هناك اختلافات لتساعد كل كائن على التكيف مع بيئته، فنرى أن عظام أصابع الحوت طويلة نسبيًا مقارنة بباقي الكائنات المذكورة لمساعدتها على السباحة.

الأطراف الخلفية للفقاريات كأحد الأدلة التشريحية على التطور

كما هو الحال مع الأطراف الأمامية للفقاريات، كذلك هي الأطراف الخلفية، فهي أيضًا تمتلك نمطًا تشريحيًا متشابهًا في كائنات مختلفة.

الأطراف الخلفية لكائنات حية مختلفة

وكما نلاحظ في الصورة أعلاه، فعلى الرغم من الاختلاف الظاهري لكل من الأطراف الخلفية للإنسان والشيمبانزي والكلاب والخِراف والأحصنة، إلا أنها تمتلك نمطًا يتكون من عظمة كبيرة وهي «عظمة الفخذ-Femur»، ثم عظمة في المنتصف وهي «الرضفة-Patella»، ثم عظمتين هما «قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». وكما قد تكون لاحظت فهي ليست متطابقة، إذ توجد اختلافات بينها لتناسب بيئتها، ولكنها في النهاية تتبع نمطًا موحدًا. [4]

«الفقرات العنقية – Cervical vertebrae» كأحد الأدلة التشريحية على التطور

أحد أكثر الأمور إثارة للدهشة هو عدد الفقرات العنقية في الثدييات، حيث تمتلك كل الثدييات نفس ال 7 فقرات عنقية مرتبة من الأعلى إلى الأسفل (C1, C2, C3, C4, C5, C6, C7)، وهذا الرقم ثابت سواء كان الحيوان الثديي حوتًا أو زرافة أو إنسانًا. فالزرافة البالغ طول عنقها 1.8 متر تمتلك نفس العدد من الفقرات في عنقها الذي يمتلكه الإنسان الذي يبلغ متوسط طول عنقه 12 سم. يشير هذا التشابه إلى وحدة الأصل الذي تتشاركه الثدييات، وما يمكننا اعتباره أحد الأدلة التشريحية على التطور. فالرقم ثابت مهما زاد طول العنق أو قصر. [5]

وتُعد كل من «حيوانات الكسلان-Sloths»، و«خِراف البحر-Mantees» هي الاستثناءات الوحيدة المعروفة لهذه القاعدة. فيمتلك حيوان الكسلان من 8 إلى 10 فقرات عنقية حسب النوع [6]، بينما لا يمتلك خروف البحر رقبة، حيث يمتلك 6 فقرات عنقية بدلًا من . ولهذا إن أراد أن يدير خروف البحر رأسه، عليه الدوران بجسده بأكمله. [7]

السلف المشترك للفقاريات

كما كنا قد ناقشنا في مقال سابق، فإن الخطوة الثانية من المنهج العلمي بعد المشاهدة هي وضع الفرضيات. ولأن الخطوة الثالثة هي التجربة لاختبار الفرضية، فهذا هو ما حدث مع نظرية التطور أيضًا.

كما نلاحظ من الأمثلة المذكورة أعلاه، هناك صفات تشريحية مشتركة بين الفقاريات (تحديدًا في الهيكل العظمي). تدفعنا تلك الصفات المشتركة لافتراض تطور هذه الفقاريات وانحدارها من سلف مشترك. فتقدم عالم الأحياء الإنجليزي «ريتشارد أوين-Richard Owen» برسم نموذج يوحّد هذه التراكيب المشتركة بين الفقاريات كنموذج أولي لها [8]. والجدير بالذكر أن ريتشارد أوين لم يكن من الداعمين لنظرية التطور، إلا أنه بهذا النموذج قدّم لنظرية التطور خدمة علمية مهمة. حيث اكتُشفت حفرية في الصين عام 1999 وهي حفرية «هايكوإكثيز-Haikouichthys» لسمكة عاشت من 530 مليون سنة في العصر الكامبري [9]. أظهرت الحفرية تشابهًا كبيرًا بينها وبين نموذج أوين، مما يجعلها أقدم الأسلاف المحتملة للفقاريات. [10]

نموذج أوين مقارنةً بالحفرية المكتشفة

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3]the bones of the human and digits of fingers: britannica
[4] britannica
[5] britannica
[6] cambridge
[7] oceantoday
[8] jstor
[9] bbc
[10] fandom

ملخص كتاب نظرية المعرفة لزكي نجيب محمود

ملخص كتاب نظرية المعرفة لزكي نجيب محمود

يحاول زكي نجيب محمود في كتابه “نظرية المعرفة” أن يعرض أبرز مشاكل المعرفة وكيف تعاطى معها الفلاسفة على مر العصور على اختلاف مذاهبهم الفكرية، فقام بحصر مشاكل المعرفة في ثلاثة أسئلة رئيسية:
1- ما هي طبيعة المعرفة بصفة عامة، بغض النظر عن نوع الحقيقة المعروفة؟
2- ما هو المصدر الذي يستقي منه الإنسان معرفته؟
3- هل في مستطاع الإنسان أن يتناول بمعرفته كل شيء بغير تحديد؟ أم أن لوسعه حدودًا؟

وأفرد زكي نجيب محمود لكل سؤال منهم بابًا من الكتاب ليتحدث عنه سنناقشهم فيما يلي.

الباب الأول: طبيعة المعرفة

يناقش زكي نجيب محمود في هذا الباب السؤال الأول “ما هي طبيعة المعرفة بصفة عامة، بغض النظر عن نوع الحقيقة المعروفة؟”، فقام بتقسيمه إلى ثلاثة فصول.

طبيعة المعرفة عند الواقعيين

• الواقعية الساذجة

إذا قلنا “على المكتب مصباح مضيء” فكلمة “مكتب” تكوّن في ذهنك صورة للمكتب، وكلمة “مصباح” تكوّن صورة مصباح، وكلمة “مضيء” تشير إلى الضوء المنبعث من المصباح، وكلمة “على” تشير إلى العلاقة بين المكتب والمصباح.
فيخلصون إلى حقيقة أن العالم موجود بذاته بغض النظر عن وجودنا، والدليل على ذلك هو أنك حين توجّه بصرك للنظر إلى شيء ما، فهذا الشيء كان موجودًا سواء نظرت إليه أم لم تنظر، كونك توجّه نظرك إليه دليل على وجوده المستقل غير المحتاج إلى وجودك.

ومن هنا يرى أصحاب نظرية الواقعية الساذجة في المعرفة أن معرفة الشيء هي صورة مطابقة للشيء المعروف.

ولكن هناك مشكلة، وهي أنك أنه وفقًا لهذه النظرية فإن معرفتك بالمكتب الذي أمامك ليست بالضرورة هي حقيقة المكتب، فقد تلمس المكتب فتشعر بصلابته، ثم يأتي عالم ليخبرك أن المكتب ما هو إلا مجموعة من الذرات التي يتكون مُعظم كل ذرة منها من الفراغ، فهنا ما ترصده بحواسك ليس بالضرورة هو الحقيقة.

كما أن رصد الشيء يتغير بتغير موقع الراصد أو زمان الرصد، فإذا أحضرنا 10 رسامين وأجلسناهم حول منضدة وطلبنا من كل منهم أن يرسم ما يراه، فسيرسم كل منهم ما يراه من المنضدة من زاوية نظره، فينتج لدينا 10 رسومات مختلفة للشيء نفسه.

وبالتالي فنظرية الواقعية الساذجة في المعرفة بحاجة إلى تعديل يزيد من دقتها.

• الواقعية النقدية

تكمن مشكلة الواقعية الساذجة في أنها تلغي دور العقل البشري في المعرفة فتجعله مجرد متلقي لما يراه، إلا أن هذا ليس دقيقًا، فإذا رأيت برتقالة فأنت تعرف أنها برتقالة، ولكن كيف هذا؟

حدث هذا نتيجة لرؤيتك العديد من البرتقالات المختلفة في اللون والاستدارة والمذاق، إلا أن عقلك استطاع توحيد هذه الفروقات في صورة واحدة وقام بطرح الاختلافات ليسهل عليك التعرف على البرتقال متى رأيته.

فعندما ترى جسمًا مستديرًا ذا لون برتقالي وملمس معين تستطيع القول بأنه برتقالة، إلا أن هذه الصفات ليست على قدم المساواة، فبعضها صفات أولية، وهي صفات موجودة في الشيء بذاته. البعض الآخر صفات ثانوية وهي الصفات التي تنشأ من تفاعل الإنسان مع الشيء، فالبرتقالة مستديرة سواء نظرت إليها أم لم تنظر أو لمستها أم لم تلمسها، إذا فهذه صفة أولية.

لكن أشياء كلون البرتقالة ليست صفة أساسية في البرتقالة بذاتها، فلون البرتقالة لا يتكون إلا بعد سقوط الضوء عليها وانعكاسه إلى عينك، ومن ثم يتكون اللون في دماغك، كما أن طعم البرتقالة كذلك، فهو ينشأ عند اتصال البرتقالة بلسانك ليتكون الطعم في دماغك، وهذا يفسّر اختلاف طعم الأشياء وقت مرضك.

فبعض الصفات هي صفات ثانوية لا معنى لها إلا بوجود متلقي، فلا معنى للألوان بدون وجود عين ترى، ولا معنى للأصوات بدون وجود أذن تسمع، ولا معنى للحلاوة أو المرارة بدون لسان يتذوق.

وبالتالي فالواقعية النقدية ترى وعي الإنسان جزءًا من عملية المعرفة.

طبيعة المعرفة عند البراجماتيين

يرى البراجماتيون أن المعرفة هي الفكرة التي يترتب عليها فعل في الواقع العملي، فإذا لم يكن للفكرة فائدة عملية فإنها لا ترقى لأن تكون معرفة، ويمكن أن تكون لدينا فكرتين صحيحتين، ولكن واحدة فيهم أصح من الأخرى، وهذه الأصح هي الحقيقة التي تقدم أكبر إفادة لنا، أي أنني إن أخبرتك بوجود تنين خارج الكون لا يمكنني أن أراه أو أسمعه أو أتواصل معه، فإن هذه في نظر البراجماتيين ليست معرفة، فلا يترتب على علمي بأمر هذا التنين فعل أفعله.

طبيعة المعرفة عند المثاليين

المعرفة من منظور المثاليين مصدرها العقل، فهم لا يعترفون بوجود العالم الخارجي بشكل مستقل عن الإنسان – كما يرى الواقعيون والبراجماتيون -، فالعالم بالنسبة للمثاليين هو ما يدور في عقل الإنسان، مثال:

إذا رأيت شجرة في الطريق فكل ما تملكه هو صورة هذه الشجرة في ذهنك، وليس الشجرة نفسها.

فلا وجود إلا لما يدركه العقل، وأي شيء لا يدركه العقل مستحيل الوجود.

الباب الثاني: مصدر المعرفة

يجيب زكي نجيب محمود في هذا الباب عن السؤال الثاني، “ما هو المصدر الذي يستقي منه الإنسان معرفته؟”.

مصدر المعرفة عند التجريبيين

يرى التجريبيون أن مصدر المعرفة هي الحواس البشرية التي عن طريقها يختبر الإنسان العالم، فكل فكرة لا يمكن إرجاعها إلى حاسة من الحواس لا تعتبر حقيقية، كالسببية على سبيل المثال، إذ أنه لا يمكن إرجاع السببية إلى شيء تختبره الحواس، فكل ما نراه هو حوادث يرتبط بحدوثها حدوث حوادث أخرى، وليس هناك سبب حسّي لادعاء رابط سببي بينهما.

كذلك هو الحال مع الجوهر (الشيء مستقل عن صفاته)، والذات (الإنسان مستقل عن صفاته وحالاته)، إذ أن كل ما تراه هو الإنسان بحالاته أو الشيء بصفاته، ولا يمكنك إرجاع مفاهيم مثل الجوهر أو الذات إلى شيء مرصود بالحواس البشرية.

مصدر المعرفة عند العقليين

يخالف العقليون التجريبيون في تحديد مصدر المعرفة، فبينما يرى التجريبيون أن مصدر المعرفة هو الحواس فقط، يرى العقليون أن الحواس قد تخدع، وليس كل ما ترصده بحواسك يكون حقيقيًا، ولكن إن قلت “(أ) أكبر من (ب)، و(ب) أكبر من (ج)، إذن (أ) أكبر من (ج)”، فهذا لا يمكن أن يكون غير حقيقي، إذ أنه مستند على العقل وليس الحواس التي يمكنها خداعك، وبالتالي يرى العقليون أن مصدر المعرفة هو العقل.

مصدر المعرفة عند النقديين

بينما يكون مصدر المعرفة عند التجريبيين هو الحواس فقط، ومصدرها عند العقليين هو العقل، فمصدرها عند النقديين هو الحواس والعقل معًا، حيث وقف النقديون من المعرفة موقفًا بين الواقعيين والمثاليين، فلم ينكروا أن معرفة الإنسان قائمة على ما يدركه في العالم الخارجي، ولكن اعتبروا العقل البشري هو القالب الذي يستقبل ويترجم هذه المدركات الحسية لتكون ذات معنى، مثال:

إذا قُلنا “النار أحرقت الورقة” فنحن هنا نشير إلى مدركات حسية وهي النار والورقة، ولكننا أيضًا نشير إلى مبدأ من صنع العقل البشري (أو من فطرته إن صح التعبير) وهو السببية، فيرى النقديون أن رصد عملية الاحتراق (المدرك الحسي) ضروري للمعرفة، إلا أن هذا المدرك لم يكن ليكون ذو معنى إن لم تحكمه علاقة السببية (المنتج العقلي)، فالنار هي ما تسبب بإحراق الورقة.

فبينما أشياء مثل السببية والجوهر والذات ليست مدركات حسية، إلا أنها ضرورات لفهم المدركات الحسية وجعلها ذات معنى، فهي من الأشياء التي زُوّدت بها فطرة الإنسان لتفهم العالم الخارجي.

مصدر المعرفة عند المتصوفة

خلصنا إلى أن رؤية التجريبين للحواس كمصدر وحيد للمعرفة، وبينما يرى العقليون العقل المصدر الوحيد للمعرفة، ويجمع النقديون بين العقل والحواس كمصادر للمعرفة، نجد أن المتصوفة لهم مصدر مختلف للمعرفة وهو الحدس.

ويرتبون درجات المعرفة من الأعلى إلى الأسفل، حيث تكون الحواس أدناها، والعقل أوسطها، والحدس أعلاها.

وبينما يسعى المتكلمون والفلاسفة لإثبات وجود الله باستخدام حجج وبراهين عقلية، يرى المتصوفة أن الطريقة الوحيدة للوصول إلى الله تكون عن طريق الحدس.

فيقول زكي نجيب محمود في هذا الفصل:

“وبأنواع من رياضة النفس على تحررها من قيود الجسد ورغباته، يستطيع الإنسان – كما يقول المتصوفة – أن يسمو روحه حتى يشهد الحق (الله) شهودًا مباشرًا، بحيث لا تكون به حاجة إلى برهان عقلي على وجوده.”

الباب الثالث: إمكان المعرفة وحدودها

يناقش زكي نجيب محمود في هذا الباب السؤال الثالث وهو “هل في مستطاع الإنسان أن يتناول بمعرفته كل شيء بغير تحديد؟ أم أن لوسعه حدودًا؟”

الاعتقاديون والشُّكاك

يرى الاعتقاديون من أنصار المذهب التجريبي والمذهب العقلي أنه لا حدود للمعرفة التي يمكن للإنسان الحصول عليها، فما دامت المعرفة مصدرها هو العقل عند العقليين فلا يوجد شيء في العالم الخارجي يمكنه أن يضع حدًا لهذه المعرفة، وما دام مصدر المعرفة عند التجريبيين هو الحواس فلا شيء يعوق معرفة الإنسان إذا لم يكن هناك ما يعوق اتصال الحواس بالمحسوسات.

أما الشُّكاك فيرون استحالة أن يعرف الإنسان الحقيقة الموضوعية لأي شيء، فكل ما يعرفه الإنسان نسبي، وحتى إن أراد أن ينقل معرفته هذه إلى غيره فإنه ينقلها عن طريق الكلام، ولن تعبّر الألفاظ عن حقيقة الشيء.

وتجب هنا التفرقة بين الفيلسوف الشاك، وبين الفيلسوف الذي يتبع منهج الشك، فالأول يشك في إمكان حصول الإنسان على المعرفة، بينما يؤمن الثاني بإمكانية المعرفة ولكنه يحتاج إلى حذر وحرص للحصول على المعرفة اليقينية.

حدود المعرفة الممكنة عند النقديين والوضعيين

لما كانت الحواس هي الشرط اللازم للمعرفة عند النقديين كما ناقشنا أعلاه، كانت معرفة الإنسان ممكنة طالما هي في حدود المدركات الحسّية، إذ أن ما يجاوز هذه المدركات لا يمكن للإنسان معرفته (في رأيهم).

فإذا تساءل الإنسان عن محدودية المكان في الكون أم أنه لا نهائي وجد نفسه أمام تناقض، فلا يمكن للعقل تصور نهاية للمكان، إذ أن كل مكان هناك ما هو أبعد منه، وكذلك لا يمكنه تصور مكان لا نهائي، وهذا التناقض سببه هو أن الإنسان حاول أن يتناول بمعرفته ما وراء المدركات الحسّية.

ويوافق الوضعيون النقديين في رأيهم فيرون وجوب الوقوف بمحاولاتنا للمعرفة عند الظواهر التي يمكن أن نشاهدها ونجري التجارب عليها، أما أن نجاوز الطبيعة المنظورة إلى ما وراء الطبيعة الغيبي فتلك محاولة غير مشروعة.

للمزيد من ملخصات الكتب اضغط هنا.

للمزيد من المعلومات عن زكي نجيب محمود اضغط هنا

فلسفة العدالة، كيف وصلنا لقوانين اليوم؟

فلسفة العدالة، كيف وصلنا لقوانين اليوم؟ من أين بدأنا؟ لم بعض الحقوق لا يمكن التصويت عليها؟ ما الفلسفة وراء تلك القوانين؟ إنها فلسفة العدالة. نقدم لكم سلسلة مقالات تناقش فلسفة العدالة وكيف وصلنا لقوانين اليوم؟

معضلة القطار

السؤال الأول: تخيل أنك انطلقت بعربة قطار –أنت سائقها- تجاه 5 عمال بسرعة كبيرة لتصدمهم ومكابحك مُعطّلة، أنت متأكد أنك ستقتلهم جميعا بتلك السرعة، ولكنك تلاحظ على يمين السكة وجود طريق فرعي يمكنك الدخول فيه، وفي نهاية ذلك الطريق الفرعي عامل واحد فقط، والمقود يعمل ويمكنك تحويل اتجاه عربة القطار من هذا الطريق لذلك الطريق الفرعي، فتقتل شخص واحد بدلا من 5 أشخاص! كيف ستتصرف؟ (خذ وقتك في التفكير ولا تنتقل إلى السطر التالي قبل اتخاذ قرارك الخاص).

يبرر أصحاب «تغيير الطريق للفرعي» موقفهم بأنه من الأخلاقي أن تقتل شخص واحد فقط بدلا من أن تقتل 5 أشخاص. فهو نفس المبدأ الذي تعتبر به الشعوب الطيارين أبطالًا إذا فضّلا الاصطدام بطائراتهم المدنية في الحقول عن إسقاطها فوق رأس مدنيين آخرين وقتل عدد أكبر.

بينما يبرر أصحاب «عدم تغيير مسار العربة» موقفهم أن تغييرهم لمسار العربة هو لا يختلف عن مفهوم الديكتاتوريات والفاشيات لحياة الناس، فيمكنهم إبادة عرق لإنقاذ عرق آخر، وقد تبدو إجابة منطقية، لكن هل نقاوم الديكتاتورية والفاشية بقتل 5 أشخاص مقابل شخص واحد إذن؟

تكمن صعوبة السؤال في أنك صاحب القرار، في أنك أنت ذلك الشخص الجالس خلف عجلة القيادة. كل الإجابات المثالية لن تُجدي، خذ قرارك، إما الـ 5 أو الـ 1!

يصوت أغلب الأفراد لصالح تغيير عجلة القيادة بالطبع وإنقاذ الـ 5 أشخاص مقابل قتل شخص، أليس كذلك؟ فلننتقل للمرحلة التالية.

المستوى الثاني لمعضلة القطار

السؤال الثاني: ماذا لو لم تكن أنت السائق، وكنت مشاهدا للموقف من فوق جسر، وترى العربة تتجه لتقتل الـ 5 أشخاص مباشرة، وأمامك شخص بدين جدًا متكئ على حافة الجسر. لو دفعت هذا الشخص فمن المؤكد أنه سيوقف العربة المندفعة تجاه الـ 5 أشخاص وبالتالي تكون النتيجة هي نفس النتيجة السابقة، إنقاذ 5 أشخاص مقابل شخص واحد، ماذا ستفعل؟ هل ستدفعه من على الجسر؟ (خذ قرارك قبل الانتقال للسطور التالية).

تأتي إجابة الأغلبية معاكسة للسؤال الأول، فلا أحد يرضى بدفع الرجل البدين عن الجسر، رغم أن النتيجة واحدة! ماذا حدث لمبدئنا القائل بأن «إنقاذ 5 بدلا من 1»!

لماذا نجد صعوبة في تبرير القتل مقارنة بالإنقاذ؟

يبرر البعض موقفه بأن عدم إلقاء الشخص البدين سببه هو أن الرجل البدين لم يكن طرفا في المشكلة أصلا، وأننا قمنا بالاختيار بدلا منه بأن نلقيه من فوق الجسر لينقذ حياة غيره من الأفراد، وهو ما يفوق الموقف الأول إجراما. لكن يبدو أن الإجابة غير منطقية بعض الشيء، لأن العامل على الطريق الفرعي في الموقف الأول لم يكن متداخلا تماما مثل الرجل فوق الجسر ولم يختر أحدهم التضحية بحياته، لكنك أنت من اختار ذلك بدلا عنهما، فلماذا اختلف اختيار الأغلبية في الموقفين؟

يرى البعض أنه كان طرفا مباشرا في الموقف الأول فكان لابد له من الاختيار، أما الموقف الثاني فهو مشاهد فقط، لذلك لا يجب أن يضحي بحياة شخص آخر، لكن ما زالت الإجابة غير مقنعة بعض الشيء، لأن النتيجة واحدة في الموقفين، فكلاهما سيموت بلا ذنب!

النفعية

نتحدث هنا عن «التبرير الأخلاقي بناء على العواقب-Consequentialist». يرفض البعض التصرف –تحويل المقود- بسبب تحليلهم للتصرف ذاته لا عواقبه «Categorical»، فرفضوا قتل شخص بريء بهدف الحفاظ على حياة 5 أشخاص أبرياء أيضا لأنهم وضعوا التصرف في إطار محدد من الواجبات والحقوق التي لا يجب تجاوزها بغض النظر عن العواقب، ويمثّل «التبرير الأخلاقي بناء على العواقب-Consequentialist» مبدأ شهير يسمى «النفعية-Utilitirianism» والذي أوجده الفيلسوف السياسي الإنجليزي «جيرمي بنثام» في القرن الثامن عشر والذي يختلف معه «إمانويل كانط» الفيلسوف الألماني الشهير ممثلا للجهة الأخرى. [1]

تكمن قضيتنا في رفض بعضنا لتقييم الأفعال وفقا للعواقب فقط، ولكن صب الاهتمام على الفعل ذاته إن كان أخلاقيا من الأساس أو لا، حتى لو كانت عواقبها جيدة فهي ستظل تصرفات خاطئة.

جيرمي بنثام والنفعية

عرّف «بنثام» نظريته النفعية باعتبار أن التصرف الأصوب هو الذي يعمل على زيادة المنفعة إلى الحد الأقصى ويقصد بالمنفعة هنا هو الموازنة بين السعادة والمعاناة، فجميعنا نحب السعادة ونكره المعاناة، وبذلك سنسعى جميعا كأفراد وكمجتمع لزيادة السعادة إلى الحد الأقصى، أي أن «المصلحة الأكبر للعدد الأكبر من الناس». ولكن لنواجه في السطور التالية قضية حقيقة مثّلت تهديدًا لمبدأ النفعية الخاص بـ «بنثام».

قضية أكل لحوم البشر

نظر القضاء البريطاني في القرن التاسع عشر قضية مثيرة للاهتمام وهي تناقش كثيرا في كليات الحقوق، والتي تحكي باختصار نجاة بحارة يخت «مينيونيت-Mignonette» والذي غرق في جنوب المحيط الأطلسي عام 1884. [2]

يتكون طاقم المركب من القبطان «دودلي» و«ستيفنز» المساعد الأول، و«بروكس» بحارا ورابعهم الغلام «ريتشارد باركر» ذو الـ 17 عام، كان «ريتشارد» يتيما بلا أسرة وتعتبر هذه الرحلة أول رحلاته. ضربت اليخت عاصفة قوية فأغرقته، فهرب الطاقم كاملا في قارب صغير للنجاة ومعهم علبتين من اللفت المعلب بلا ماء عذب.

بقى طاقم السفينة أول 3 أيام دون أكل، ثم في اليوم الرابع فتحوا واحدة من علبتي اللفت وأكلوها، واصطادوا سلحفاة لتساعدهم على البقاء أحياء بالإضافة لعلبة اللفت الباقية لعدة أيام قليلة، وبعد ذلك ظلوا لـ 8 أيام بلا أكل أو مياه عذبة، فقام «ريتشارد» بشرب ماء البحر ليروي ظمأه بمخالفة نصيحة الطاقم ليرقد مريضا على سطحه بلا قدرة على الحراك، وبدا أنه على وشك الموت.

وفي اليوم التاسع عشر، اقترح القبطان «دودلي» القيام بقرعة لاختيار أحدهم ليموت ويأكله البقية ليتمكنوا من النجاة، ولكن رفض «بروكس» بشدة، وربما ذلك لخوفه على حياته. طلب «دودلي» في اليوم التالي من «بروكس» أن يشيح بصره بعيدا، ثم أمر «ستيفنز» أن يقتل الغلام، وفعل بخنجره، ثم أكل كل أعضاء الطاقم بما فيهم «بروكس» الذي عارض سابقا.

ظلوا على حالهم لـ 4 أيام يشربون دماؤه ويأكلون لحمه إلى أن ظهرت سفينة ألمانية أنقذتهم وسلمتهم للساحل الإنجليزي ليتم اعتقالهم وتسليمهم للمحاكمة، وتحول «بروكس» لشاهد بينما تم اتهام كلا من القبطان «دودلي» ومساعده «ستيفنز» بتهمة القتل، لكنهما بررا تصرفهما بأن الجريمة تمت وفق الحاجة الشديدة وتلخصت الحُجة في أن موت شخص واحد أفضل من موت 3 أشخاص!

يرى البعض أن التصرف سليم أخلاقيا بحُجة أن الحاجة عند تجاوزها حدود معينة تتحول إلى الضرورة الواجبة التنفيذ، فعند تعرضهم للظروف القاسية لمدة 19 يوم تستوجب قيامهم بفعل مشابه للحفاظ على حياتهم، طالما أن العواقب لمصلحة الأغلبية!

بينما يختلف آخرون معهم ويرونه تصرف غير سليم أخلاقيا بحُجة أن لا أحد يملك السلطة على حياة الآخرين، حكما على الموقف ذاته بغض النظر عن عواقبه!

الموافقة

لكن ماذا لو أن «ريتشارد» وافق على أن يموت في سبيل إنقاذ أفراد الطاقم طالبا منهم قتله؟ هل سيصبح الفعل مناسب أخلاقيا؟

يرفض البعض ذلك أيضا بحُجة أنه في حالة قتل «ريتشارد» فلا يوجد ضمانة على عدم تكرار نفس الفعل مع «بروكس» ثم «ستيفنز» ويطال القتل الجميع دون توقف، فلا أحد يعلم متى ستأتي السفينة!

وتحجج آخرون بأن أكل لحوم البشر هو فعل غير أخلاقي من الأساس ولا يجوز الدفاع عنه بأي حال!

القُرعة

ماذا لو تم إجراء قرعة وكانت نتيجتها قتل «ريتشارد»؟ هل القرعة تجعل قتله أكثر قبولا وتمثل فارقا جوهريا؟

قد تعتبر المشكلة في أن «دودلي» و«ستيفنز» قد قررا أن حياتهما أكثر أهمية من حياة «ريتشارد» وهنا تكمن الجريمة الأخلاقية في حقه، أليس كذلك؟ وقد يعتبر آخرون أن المشكلة تكمن في عدم أخذ موافقته وأن القرعة ستتسبب في إكراه أحدهم على أن يُقتل من أجل الآخرين، وبينما رفض آخرون قيام «ريتشارد» بالتضحية بنفسه حتى لو كان هذا هو اختياره باعتباره تصرف غير سليم أخلاقيا، وأن أي تعاطف مع «دودلي» و«ستيفنز» سواء بسبب عائلاتهم التي تنتظرهم في انجلترا وأطفالهم الذين سيتيتمون من بعدهم -«ريتشارد» لن يفتقده أحد لأنه يتيم- فتصرفهم غير سليم ولا بد من معاقبتهم وحجتهم هنا هي أن أي شخص يقرر قتل شخص آخر للتحسين من وضعه بأي شكل من الأشكال، فلا يختلف من يقتلك ليسرقك عن من يقتلك ليأكلك! وهي حُجة قوية ولها وجاهتها فعلا!

خطأ نفعية بنثام

هكذا ثبت خطأ مبدأ «بنثام» فوفقا له فإن طاقم السفينة لم يخطئ، وهو ما يرفض أن يتقبله الجميع حتى من وجد الحجج المبررة لتصرفهم، ليصمد رفض القتل رفضا مطلقا أيا كانت مبرراته أو أسبابه. ولكن دعونا نتعمق أكثر في ما وراء «نفعية بنثام»!

لماذا نرفض القتل؟ هل هناك حقوق أساسية لا يمكن حرمان الجميع منها حتى اليتيم «ريتشارد»! ولماذا؟

بالنسبة لمن تشجع لاختيار طريقة القرعة، فهل الطريقة العادلة تبرر أي نتيجة؟

ثالثا، بالنسبة لمن تأثر بفكرة موافقة «ريتشارد»، فما الدور الأخلاقي الذي ستضفيه الموافقة على العمل؟

المصادر

[1] Stanford Encyclopedia of philosophy
[2] Nytimes

هذه السلسلة مستقاة من محاضرات البروفيسور مايكل ساندل عن فلسفة العدالة في جامعة هارفارد

كيف تطور مفهومنا عن الذرة؟

فكرة الذرة فكرة قديمة قدم الفكر البشري، فلطالما تساءل الإنسان عن أصغر شيء ممكن، وعن مما تتكون المادة، واليوم سنقص عليكم قصة تطور المفهوم البشري عن الذرة، وكيف توصلنا إلى النموذج الحالي.

«ديموقريطوس-Democritus»

كان الفيلسوف اليوناني ديموقريطوس من أوائل الفلاسفة الذين قاموا بتقديم نموذج للذرة، حيث افترض ديموقريطوس أنك تستطيع تقسيم المادة إلى أجزاء صغيرة وتستمر في هذه العملية إلى أن تصل إلى جزء صغير جدا من المادة لا يمكن تقسيمه إلى أجزاء أصغر، وكانت هذه هي الذرة عند ديموقريطوس.

«أرسطو-Aristotle»

رفض أرسطو فكرة الذرة، ورأى أن كل المواد في الكون تتكون من عناصر الطبيعة الأربعة، وهي الهواء والماء والأرض والنار، إلا أن هذه الفكرة الغير علمية تسببت في تعطيل حركة البحث العلمي لما يزيد عن 1000 عام.

«روبرت بويل-Robert Boyle»

كان بويل هو أول من افترض فكرة العناصر، حيث قال أن هناك عناصر محددة في الطبيعة ولكل عنصر منها صفاته المميزة، ووضع تعريفًا للعنصر الكيميائى حيث قال أن المادة التي يمكن تقسيمها إلى مادتين أو أكثر لا تعتبر عنصرًا.

«جون دالتون-John Dalton»

أكمل دالتون على أفكار من سبقوه وصاغ نظريته عن الذرة، ونلخص لكم نظريته في الخمس نقاط التالية:

• كل المواد تتكون من جزيئات صغيرة محددة تُدعى الذرات.
• الذرة غير قابلة للرؤية أو التدمير والتفكيك.
• كل الذرات لنفس العنصر تتشارك صفات متطابقة، بما في ذلك الوزن.
• الذرات للعناصر المختلفة لها كُتل مختلفة وصفات مختلفة.
• تتكون المركبات من اتحاد ذرات العناصر المختلفة بنسب ثابتة بأرقام صحيحة.

«جوزيف جون طومسون-Joseph John Thompson»

السير جوزيف جون طومسون، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وهو مكتشف الإلكترونات، ولكن كيف اكتشفها؟

اكتشف طومسون الإلكترونات عن طريق «تجربة أشعة الكاثود-Cathode rays experiment»، حيث قام بتفريغ أنبوب زجاجي من الهواء، ووضع قطبين كهربائيين على طرفي الأنبوب، ثم قام بشحن أحد القطبين ولاحظ انطلاق أشعة متوهجة من الكاثود (القطب سالب الشحنة) باتجاه القطب الآخر.

ولاختبار خصائص أشعة الكاثود تلك، قام طومسون بوضع صفيحتين حول الكاثود، واحدة ذات شحنة موجبة والأخرى سالبة، فانطلقت أشعة الكاثود باتجاه الصفيحة ذات الشحنة الموجبة.

فقام بوضع استنتاجات هي:

• أشعة الكاثود تتكون من جزيئات ذات شحنة سالبة.
• يجب أن تتواجد تلك الجزيئات كجزء من الذرة حيث أن كتلة الجزيء الواحد منها تساوي 1/2000 من كتلة ذرة الهيدروجين (أصغر الذرات).
• يمكن إيجاد هذه الجزيئات ما دون الذرية في أي ذرة من ذرات العناصر المختلفة.

وعُرفت هذه الجسيمات فيما بعد باسم الإلكترونات.

«إرنست رذرفورد-Ernest Rutherford»

قام رذرفورد بتجربة مدهشة نقلت مفهومنا عن الذرة نقلة كبيرة، حيث قام بإحضار مصدر لأشعة ألفا (أشعة موجبة الشحنة)، ووضعه أمام طبقة من الذهب، ثم قام بإطلاق أشعة ألفا باتجاه الذهب، فلاحظ ثلاث ملاحظات:

• جزء من أشعة ألفا انطلق في خط مستقيم وعبر حاجز الذهب بدون انحراف
• جزء آخر انعكس وعاد إلى الخلف.
• جزء صغير من الأشعة عبر إلى الاتجاه الآخر ولكن مع انحراف في مساره.

وكان تفسير الجزء الذي عبر بدون انحراف هو أن معظم الذرة عبارة عن فراغ، أما الجزء المنعكس فكان نتيجة لاصطدام أشعة ألفا الموجبة بأجسام موجبة داخل الذرة، وأما تفسير انحراف الجزء الضئيل من أشعة ألفا هو التنافر بين الأشعة وبين تلك الجسيمات الموجبة.

وهذه الجسيمات الموجبة عرفت فيما بعد باسم البروتونات.

«دي برولي-De Broglie»

قال دي برولي أن الجزيئات الصغيرة مثل الإلكترون يمكن معاملتها على أنها جزيء وموجة في آن واحد، حيث تمتلك خواص الاثنين، وهو ما يعرف ب«الطبيعة المزدوجة-Dual nature».

«ويرنر هايزنبيرج-Werner Heisenberg»

إحدى أسس ميكانيكا الكم هو مبدأ الريبة لهايزنبيرج، حيث قال هايزنبيرج بمحدودية المعلومات الممكن الحصول عليها حول أي نظام كمّي، فيستحيل معرفة موقع الإلكترون وسرعته في نفس الوقت، إما هذا أو ذاك، ولكن لا يمكن معرفة الاثنين معًا.

النموذج الحديث

قال «نيلز بور-Niels Bohr» بوجود 7 مستويات طاقة يمكن للإلكترونات التواجد فيها حسب طاقتها، وتأخذ في ترتيبها الحروف (K,L,M,N,O,P,Q)، وأن الإلكترون يمكنه أن ينتقل من مستوى إلى آخر عن طريق اكتسابه كمية من الطاقة تُدعى «الكم-quantum»، وهو شيء صحيح، لكنه افترض عدم إمكانية وجود الإلكترون بين هذه المستويات، إلا أن هذا الافتراض تمت تخطئته باكتشاف المستويات الفرعية (s,p,d,f)، وهذه المستويات الفرعية تحوي عددًا من «المداريات-orbitals» تختلف في أعدادها حسب طاقة كل مستوى فرعي، وهو ما دفع الفيزيائيين إلى القول بوجود ما يسمى ب«سحابة الإلكترونات-Electron cloud»، وهي عبارة عن عدد من المواقع التي تزداد فيها احتمالية تواجد الإلكترون حول الذرة.

في الختام

تطور التصور البشري عن الذرة على مدار فترة تزيد عن 2500 سنة، وكل خطوة يخطوها الإنسان في سبيل المعرفة تزيد من معرفته وتطورها، فنقف على أكتاف معرفة الماضي لنرى أبعد مما رأى من سبقونا، وتأتي الأجيال الجديدة لتقف على أكتاف الجيل الحالي، وهكذا تتطور المعرفة البشرية.

المصادر

britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica
britannica

ما هو أثر البلاستيك على البيئة؟

البلاستيك، تلك المادة التي تدخل في صناعة كل شيء في حياتنا اليومية تقريبًا، فهو يدخل في صناعة الأدوات المنزلية، وقطع غيار السيارات والمركبات، والأكياس، وغيرها الكثير.
إلا أن له العديد من المساوئ فتعالوا معنا نعرف أثر البلاستيك على البيئة.

تأثير البلاستيك على الحياة البحرية


ينتهي المطاف بما يزيد عن 8 مليون طن من البلاستيك في المحيطات كل عام، وهو ما يشكل نسبة 80% من «الحطام البحري-Marine debris»، مما يؤدي إلى إصابات الكائنات البحرية واختناقها.

بعض الكائنات البحرية مثل الحيتان والأسماك والسلاحف تنخدع وتظنه طعامًا فتلتهمه، مما يؤدي إلى وفاتها من الجوع نتيجة امتلاء معدتها به، كما أن البلاستيك الطافي على سطح البحر يؤدي إلى انتشار البكتيريا وانتشار العدوى داخل الأجناس البحرية.

تأثير البلاستيك على الطعام

عُثر على قطع صغيرة من البلاستيك في ملح الطعام ومياه الصنبور، ومن المعروف أن كثيرًا المواد الكيميائية المستخدمة في صناعنه هي مواد مسرطنة، وتتفاعل مع «نظام الغدد الصماء-Endocrine system» في الجسم، مسببة بذلك شتى أنواع الخلل العصبي والمناعي والتناسلي.

أثر البلاستيك على البيئة وتغير المناخ

عند حرق البلاستيك (وهو إحدى منتجات البترول)، ينتج عن ذلك انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وهو إحدى الغازات التي تسبب «تأثير البيت الأخضر-Greenhouse effect»، مما يؤدي إلى زيادة درجات الحرارة على سطح الأرض فيما يعرف بظاهرة «الاحتباس الحراري-Global warming».

حجم الكارثة

ليس الأمر بالهين، قد تكون قد سمعت عن «رقعة القمامة العظيمة في المحيط الهادي-The great pacific garbage patch»، وهو عبارة عن تجمع للنفايات البشرية، يقع في شمال المحيط الهادي، وتبلغ مساحة هذه الرقعة 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي أنه أكبر من مساحة فرنسا بثلاث مرات!

ما الذي يمكننا فعله؟

يمكننا فعل الكثير من الأمور لتقليل حجم «تلوث البلاستيك-Plastic pollution»، حيث يمكننا استبداله بمواد أخرى، فبعض المنتجات مثل أكياس البلاستيك وأكواب القهوة يمكن استبدالها بمواد أخرى مثل الأكياس الورقية.

كما يمكننا إعادة تدويره لمنعه من الوصول إلى مجاري المياه، مما يؤدي إلى انتهاء المطاف به في المحيطات مسببًا كافة أنواع المشاكل. (علمًا بأنه ليست كل أنواع البلاستيك قابلة لإعادة التدوير)

كما يمكننا مقاطعة «الميكروبيدات-Microbeads» المستخدمة في مستحضرات التجميل، حيث أن حجمها الصغير يسهل من وصولها إلى مجاري المياه وبالتالي إلى المحيطات.

الخلاصة

الأمر معقد في الواقع، فالمشكلة الكبرى تكمن في أن البلاستيك لا يتحلل، مما يعني أن كل البلاستيك الذي تم إنتاجه على مدار التاريخ البشري لا يزال موجودًا في النظام البيئي بصورة أو بأخرى، أي أننا سنحتاج إلى التفكير في دورة البلاستيك ككل إن أردنا حلًا لهذه المشكلة.

المصادر

IUCN
nationalgeographic
nationalgeographic

Exit mobile version