أبرز أفكار القرن العشرين:حركة التنوير

تم إعادة توجيه السياسة الأوروبية والفلسفة والعلوم والاتصالات بشكل جذري خلال “القرن الثامن عشر” (1685-1815) كجزء من حركة أشار إليها المشاركون باسم عصر العقل، أو ببساطة التنوير. فكانت من أبرز أفكار القرن العشرين:حركة التنوير، إذ شكك مفكرو التنوير في بريطانيا وفرنسا وفي جميع أنحاء أوروبا في السلطة التقليدية واعتنقوا فكرة أنه يمكن تحسين الإنسانية من خلال التغيير العقلاني.

حركة التنوير هي حركة فلسفية هيمنت في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، تتمحور حول فكرة أن العقل هو المصدر الرئيسي للسلطة والشرعية، ودافعت عن مُثل مثل الحرية  والتقدم والتسامح  والأخوة  والحكومة الدستورية، كما دعت إلى الفصل بين الكنيسة والدولة. فقد تميزت بالتركيز على الطريقة العلمية  والاختزال، إلى جانب زيادة التشكيك في الأرثوذكسية الدينية. قوضت أفكار التنوير سلطة الملكية  والكنيسة، ومهدت الطريق للثورات السياسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. يضع المؤرخون الفرنسيون تقليديا التنوير بين 1715، وهو العام الذي توفي فيه لويس الرابع عشر، و 1789، بداية الثورة الفرنسية. بعض المؤرخين الحديثين أرجعوا عصر التنوير إلى الفترة 1620، مع بداية الثورة العلمية. ومع ذلك، ازدهرت أصناف وطنية مختلفة من الحركة بين العقود الأولى من القرن الثامن عشر والعقود الأولى من القرن التاسع عشر.

العقلانية، لب حركة التنوير

تعرف العقلانية بأنها الاعتقاد بأننا نأتي إلى المعرفة من خلال استخدام المنطق،  وبالتالي بشكل مستقل عن التجربة الحسية، كانت حاسمة لمناقشات فترة التنوير، عندما أشاد معظم الفلاسفة بقوة العقل لكنهم أصروا على أن المعرفة تأتي من التجربة.

فلسفة الحركة التنويرية

دعت فلسفة الحركة التنويرية إلى مجتمع قائم على العقل بدلا من الإيمان والعقيدة الكاثوليكية، من أجل نظام مدني جديد قائم على القانون الطبيعي، وللعلم القائم على التجارب والمراقبة.

في منتصف القرن الثامن عش، شهدت أوروبا انفجارًا في النشاط الفلسفي والعلمي الذي تحدى المذاهب والعقائد التقليدية. قاد الحركة الفلسفية فولتير وجان جاك روسو، أولئك الذين جادلوا من أجل مجتمع قائم على العقل بدلاً من الإيمان والعقيدة الكاثوليكية، لنظام مدني جديد قائم على القانون الطبيعي، وللعلم القائم على التجارب والمراقبة.

وقدم الفيلسوف السياسي مونتيسكيو- Montesquieu فكرة فصل السلطات في الحكومة، وهو مفهوم اعتمده بحماس مؤلفو دستور الولايات المتحدة. في حين أن فلاسفة التنوير الفرنسي لم يكونوا ثوريين، وكان العديد منهم أعضاء في طبقة النبلاء، لعبت أفكارهم دورًا مهمًا في تقويض شرعية النظام القديم وتشكيل الثورة الفرنسية.

كان هناك خطان متميزان لفكر التنوير: التنوير الراديكالي ، المستوحى من فلسفة سبينوزا- Spinoza، والدعوة إلى الديمقراطية، والحرية الفردية، وحرية التعبير، والقضاء على السلطة الدينية. سعى تنوع ثان أكثر اعتدالاً، بدعم من رينيه ديكارت وجون لوك وكريستيان وولف وإسحاق نيوتن وغيرهم، إلى التوفيق بين الإصلاح والأنظمة التقليدية للسلطة والإيمان.

تطور بشكل كبير مضمون المنهج العلمي (طبيعة المعرفة  والأدلة  والخبرة والسببية)، وبعض المواقف الحديثة تجاه العلاقة بين العلم والدين، من قبل ديفيد هيوم-David Hume وآدم سميث. أصبح هيوم شخصية رئيسية في التقاليد الفلسفية والتجريبية المتشككة للفلسفة. كما حاول إيمانويل كانط – Immanuel Kant التوفيق بين العقلانية والمعتقد الديني والحرية الفردية والسلطة السياسية، وكذلك رسم وجهة نظر للمجال العام من خلال العقل الخاص والعام. استمر عمل كانط في تشكيل الفكر الألماني -في الواقع كل الفلسفة الأوروبية- في القرن العشرين. أيضًا كانت ماري وولستونكرافت واحدة من أوائل الفلاسفة النسويين في إنجلترا. وجادلت من أجل مجتمع قائم على العقل، وأن النساء وكذلك الرجال ، يجب أن يعاملوا ككائنات عقلانية.

كما لعبت أفكار التنوير دورًا رئيسيا في إلهام الثورة الفرنسية، التي بدأت في عام 1789 وأكدت على حقوق الناس العاديين، على عكس الحقوق الحصرية للنخب والنبلاء. ومع ذلك، يلاحظ مؤرخو العرق والجنس والطبقة أن المُثل العليا للتنوير لم يتم تصورها في الأصل على أنها عالمية بالمعنى الحالي للكلمة. على الرغم من أنها ألهمت في نهاية المطاف النضال من أجل حقوق الأشخاص الملونين أو النساء أو الجماهير العاملة، إلا أن معظم مفكري التنوير لم يدعوا إلى المساواة للجميع، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الطبقة، بل أصروا على أن الحقوق والحريات ليست وراثية. هاجم هذا المنظور مباشرة الموقف الحصري التقليدي للأرستقراطية الأوروبية، لكنه كان لا يزال يقتصر إلى حد كبير على توسيع الحقوق السياسية والفردية للذكور البيض ذوي المكانة الاجتماعية الخاصة.

العلوم وحركة التنوير

سيطر العلم خلال عصر التنوير من قبل الجمعيات العلمية والأكاديميات, التي حلت إلى حد كبير محل الجامعات كمراكز للبحث العلمي والتنمية. كانت المجتمعات والأكاديميات أيضا العمود الفقري لنضج التطور العلمي. ومن التطورات الهامة الأخرى تعميم العلم بين السكان الذين يعرفون القراءة والكتابة بشكل متزايد. وصلت العديد من النظريات العلمية إلى جمهور واسع ، لا سيما من خلال الموسوعة (موسوعة عامة نشرت في فرنسا بين عامي 1751 و 1772) وتعميم النيوتونية.

وقد شهد القرن الثامن عشر تقدما كبيرًا في ممارسة الطب, الرياضيات, والفيزياء; تطوير التصنيف البيولوجي; فهم جديد للمغناطيسية والكهرباء; ونضوج الكيمياء كنظام, الذي أسس أسس الكيمياء الحديثة.

الدين وخُطى الحركة التنويرية

أتت ىالحركة التنويرية بمثابة الرد على الصراع الديني في أوروبا خلال القرن السابق. سعى مفكرو التنوير إلى الحد من القوة السياسية للدين المنظم، وبالتالي منع عصر آخر من الحرب الدينية غير المتسامحة. تطور عدد من الأفكار الجديدة، بما في ذلك الإلحاد (الإيمان بالله الخالق، دون الإشارة إلى الكتاب المقدس أو أي مصدر آخر). وقد نوقش هذا الأخير كثيرًا ولكن كان هناك عدد قليل من المؤيدين. مثل فولتير، رأوا أنه بدون الإيمان بإله يعاقب الشر، قُوض النظام الأخلاقي للمجتمع.

أما عن ةدور الكنيسة فقد روج التنوير الراديكالي لمفهوم فصل الكنيسة والدولة، وهي فكرة غالبًا ما تنسب إلى لوك. فوفقا لمبدأ لوك للعقد الاجتماعي، تفتقر الحكومة إلى السلطة في مجال الضمير الفردي، إذ لم يستطيع الناس العقلانيون التنازل للحكومة من أجل السيطرة عليها أو غيرها. بالنسبة إلى لوك، خلق هذا حقًا طبيعيًا في حرية الضمير، والذي قال إنه يجب أن يظل محميًا من أي سلطة حكومية. تلك الآراء حول التسامح الديني وأهمية الضمير الفردي, جنبًا إلى جنب مع العقد الاجتماعي، أصبحت مؤثرة بشكل خاص في المستعمرات الأمريكية وصياغة دستور الولايات المتحدة. في حين سيطر الرجال على فلسفة وقضايا و أفكار حركة التنوير، انبثقت مشكلة  دور المرأة . فقد ظهرت مسألة حقوق المرأة كواحدة من أكثر الأفكار إثارة للجدل. ماري وولستونكرافت- Mary Wollstonecraft، واحدة من المفكرين الإناث القلائل في ذلك الوقت، كانت كاتبة وفيلسوفة وداعية لحقوق المرأة. وهي معروفة بدعمها لحقوق المرأة، والتي تجادل فيها بأن المرأة ليست أقل شأنا من الرجل بشكل طبيعي ، ولكنها تبدو فقط لأنها تفتقر إلى التعليم. وتقترح أن يعامل كل من الرجال والنساء ككائنات عقلانية ويتخيل نظاما اجتماعيا قائما على العقل.

أهم ما أنتجه عصر التنوير

كان عصر التنوير عصر غزير الإنتاج، فلعل أبرز ما أنتجه التنوير هو الثورة العلمية، والتي أنتجت العديد من الكتب والمقالات والاختراعات والاكتشافات العلمية كذلك القوانين والحروب والثورات. كانت الثورات الأمريكية والفرنسية مستوحاة بشكل مباشر من المُثل العليا للتنوير وكانت على التوالي ذروة نفوذها وبداية تراجعها. أعطى التنوير في نهاية المطاف الطريق إلى الرومانسية في القرن ال19. كما آلت إلى تطوير نظام لقوانين الطبيعة العالمية، فسرعان ما أصبع العلم نموذجًا لكل المعرفة البشرية.

  • منهج التشكيك، إذ شكك فولتيير في أي شيء خارج نطاق العلم، ودعا إلى التسامح بالنسبة إلى المعتقدات التي تقع خارج حدود العلم، فهي لا تنشأ ولا يمكن دحضها من قبل الألية العلمية، مُصورا مفهوم العقلانية.
  • حرر Denis Diderot-دينيس ديديروت، 28 مجلد موسوعي، العالم الذي اعتقد بأن العلم يبرر المادية، فكانت نظرته للعالم تصفه بأنه يتكون من المادة فقط. فقد كتب أن العالم ماهو إلا كتلة من الجزيئات.
  • جادل بارون بول دي هولباخ- بأن العالم والعلم مبنيان على أسس مادية، كما رسم ملامح الإلحاد ووصفه بعدم وجود الله.
  • إيمانويل كانط، الفيلسوف الألماني في القرن الثامن عشر، كتب مقالا بعنوان ما هو التنوير؟

مشيرًا إلى أن التنوير هو انسلاخ الإنسان من القصور الذي تكبده بنفسه. القصور ذلك هو عدم القدرة على الاستفادة من فهم المرء دون توجيه من آخر. يتم تكبد هذا القصور ذاتيًا لسببين أساسيين هما، التكاسل : تكاسل المرء عن الاعتماد على نفسه في التفكير مما أدى إلى تخلفهم، والجبن: الذي هيأ الفرصة للإخرين كي تقوم باستغلالهم. اختلف العلماء عند هذا المبحث، فبعضهم تجريبي، اعتقد أن كل المعرفة تأتي من التجربة، والبعض الآخر عقلاني، اعتقد أن بعض المعرفة في العالم “بداهة”أو فطري، أي شيء مستقل عن الخبرة

الثورة العلمية: لمحة سريحة

تُفهم الثورة العلمية على أنها فترة تاريخية والتي تضع حتما حدود “المكان والزمان والموضوع” – أي أن فترات زمنية محددة بعناصر جغرافية وزمنية وموضوعية، تشير إلى التطورات أو الحركات الأوروبية التي تمتد على فترات لا تقل عن 75 إلى 185 سنة. وتشمل هذه التطورات تغيير العلاقات المفاهيمية والثقافية والاجتماعية والمؤسسية التي تنطوي على الطبيعة والمعرفة والمعتقد. نمت الثورة العلمية معقدة على نحو متزايد. كما حاولت أن تأخذ في الاعتبار البحوث الجديدة ووجهات النظر البديلة ، تم إجراء إضافات وتعديلات جديدة. من بين الإضافات الأكثر وضوحًا.

يعتبر التنوير أهم جذور المشاكل الفكرية التى ظهرت في القرن العشرين، فظهرت فكرتان واضحتان من التنوير هما:

  • أن العلم يعطينا وصفا كاملا للواقع، تحديدا العلوم الطبيعية، كأساسًا للعلوم التي تستجيب لتساؤلات الإنسان، فما يمكن أن يدرس، يُدرس بالعلم، وما يمكن أن يعرف، يُعرف بالعلم.
  • يمكننا صياغة نظرية شاملة للأخلاقيات و السياسات، لما يجب عليك كفرد فعله، وما يجب علينا كجماعة. يمكننا القيام بذلك، وتطبيقه على النماذج العامة للعلوم.

على ما يبدوا أن ظهرهناك توترًا واضحًا بين الفكرتين!

فالعلم يخبرنا ما الفكرة ولماذا هي، وليس كيف يجب أن تكون. هنا تقبع الفجوة، بين ماهية الفكرة وما يجب، هناك فجوة بين الواقع والقيمة المشكلة هنا مشكلة معيارية، فالعلم لا يصف بل يقيم.

بدأت الثورة العلمية في القرن الخامس عشر، تشير”الثورة العلمية” إلى التغيرات التاريخية في الفكر والمعتقد، كما تشيرإلى التغيرات في التنظيم الاجتماعي والمؤسسي، التي تكشفت في أوروبا بين 1550-1700 تقريبا.

بدءاً من Nicolaus Copernicus-نيكولاس كوبرنيكوس (1473-1543)، الذي أكد على كون مركزية الشمس، وانتهت مع إسحاق نيوتن (1642-1727)، الذي اقترح قوانين عالمية والكون الميكانيكي. في التاريخ الأوروبي يشير مصطلح “الثورة العلمية” إلى الفترة بين كوبرنيكوس ونيوتن. لكن الفترة الزمنية اختلفت بشكل كبير على مدى السنوات ال 50 الماضية. فبعد وفاة نيوتن (1727)، قد اقترحت مقترحات أكثر تطرفا أن الثورة العلمية قد تنطبق على ما يسمى التنوير “النيوتونيين”

يميل مفكرو التنوير إلى افتراض أنه يمكننا معرفة الطبيعة  والقوانين من الطبيعة والبشر والمجتمع والأخلاق والسياسة،

إذا كان العالم ليس سوى كتلة من الجزيئات المتحركة –وفقًا لقوانين الطبيعة الموضوعة- فكيف وبأي أداة يمكننا أن نضع المعايير والقيم؟

ما معنى أن هناك حديثًا يمكن أن يصاغ حول الصواب والخطأ، الخير والشر، العدالة والظلم؟ كيف يمكننا القيام بذلك من خلال النظر في حركات الكواكب والنجوم؟ كيف وقد دعا عصر التنوير إلى فرض العقل والمادية البحتة في قياس وتحديد ماهية أي شيء حولنا؟

المصادر

history

stanford

historyhit

النظرية والتجربة عند بويل وهنري مور ونقد الفرضية العلمية

هذه المقالة هي الجزء 9 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

النظرية والتجربة عند بويل وهنري مور ونقد الفرضية العلمية

ماذا يحدث عندما يفسر أشخاص مختلفون التجربة نفسها بطرق مختلفة؟ هم لم ينفوا التقرير التجريبي ذاته، أي أنهم لم ينفوا حقيقة أن استخراج الهواء من مضخة الهواء، سيبقي قطعتا الرخام ملتصقتين في الهواء. لكن ما سبب الجدل والخلاف بينهم هو افتراض بويل نفسه!

بالنسبة لبويل، لم تنفصل قطعتا الرخام عن بعضهما نظرًا لاختلاف ضغط الهواء في قمة قطعتي الرخام وفي القاع. كانت هذه نظرية بويل عن الزنبرك أو مرونة الهواء. ومع ذلك، فإن أشخاصًا آخرين -بسبب معتقداتهم اللاهوتية أو الميتافيزيقية- لم يقبلوا رأيه.

شرح الآخرون ما حدث في مضخة الهواء بطرق مختلفة. لم يقبل فرانسيس لينوس مثلًا نظرية مرونة الهواء. إذ افترض لينوس أن بعض الهواء المخلخل كان يشغل المساحة الكاملة في مضخة الهواء بالفعل لكن هناك شيء آخر مثل الخيط يحافظ على قطعتي الرخام ملتصقتين في الهواء. [1]

هنري مور وروبرت بويل

كذلك هنري مور، الذي انتقد ادعاء بويل بافتراض أنه إذا حدث امتصاص للهواء من مضخة الهواء حقًا، فستميل الطبيعة لإعادة ملئه بمجرد غياب قوة تعيقه. واعتبر أن هذا ينطوي على افتراض أساسي مفاده أن المادة ستعيد ملء الفراغ. اعتقد هنري مور أن الفلسفة الميكانيكية وحدها -كالتي اعتمدت عليها نظرية مرونة بويل- لا يمكنها تفسير الظواهر.

ظن هنري أن وجود كائن غير مادي ضروري لشرح الظواهر التي تلاعبت بها بمضخة الهواء. في هذا المثال، يمكننا أن نرى كيف يمكن لمعتقدات المرء أن تؤثر على الطريقة التي يصف بها الظاهرة ذاتها. لم تكن تلك سمة من سمات العلم الحديث، بل هي سمة من سمات العلم بشكل عام. تعتبر العلاقة بين النظرية والتطبيق من أكثر القضايا تعقيدًا في النهج العلمي. [2]

لفترة وجيزة، اعتبر أن التجارب الحديثة المبكرة تستخدم فقط لاختبار الفرضيات والنظريات. هذا يعني أنها صُممت خصيصًا لتأكيد أو رفض الادعاء النظري، كما رأينا بالفعل في مثال تجربة المثانة لتأكيد الفرضية القائلة بأن الهواء يتحول إلى ماء بسبب البرد. بعد ذلك، أصبح للتجارب -حتى في الفترة الحديثة المبكرة- وظائف أكثر من مجرد اختبار للفرضيات. غالبًا ما تستخدم التجارب للإجابة على الأسئلة المفتوحة وصياغتها بشكل مختلف. بعبارة أخرى، صممت التجارب خصيصًا لتوفير معلومات حول ظاهرة ما؛ معلومات لم تكن موجودة في السؤال الأولي المطروح وهو أمر جديد حقًا بالنسبة للعلماء حينها. لكن هذا لا يعني أن التجارب مستقلة تمامًا عن النظرية. لا تزال التجارب مصممة للإجابة على سؤال معين، مما يجعلها مصممة للنظرية. [4]

بين بويل ونيوتن و نقد الفرضية العلمية

قَبِل بويل استخدام الفرضيات إذا كانت مؤقتة. واعتبر أن التجارب ستوفر معلومات كافية في النهاية لتوضيح المعرفة النظرية المثبتة. من ناحية أخرى، اعترض نيوتن على استخدام الفرضيات في الفلسفة الطبيعية، واعتقد بضرورة البحث في الطبيعة دون أي التزامات نظرية. ومع ذلك، استندت تحقيقاته الخاصة إلى بعض الفرضيات الأساسية، مثل النظرية الجسيمية للمادة.

اعتقد روبرت بويل أنه يمكن للفرضيات أن تصبح جزءًا من الفلسفة التجريبية إذا كانت تخمينية، ورأى أن التجربة ستخلق في النهاية معرفة يقينية. لكن رفض إسحاق نيوتن قبول الفرضية في الفلسفة التجريبية، معتبرًا إياها عائق على التحقق العلمي. واختلفا في أن المعرفة النظرية الوحيدة المقبولة هي تلك التي يجب أن تكون مستنبطة بالكامل من النتائج التجريبية.

الفرضية العلمية بين الأمس واليوم

تقدم مناهجنا الحديثة اليوم الطريقة العلمية كمرادف لاختبار الفرضيات. ومع ذلك، فإن الفرضيات هي مجرد أفكار حول كيفية عمل الطبيعة، أو ما أسماه العالم والفيلسوف ويليام ويويل من القرن التاسع عشر “التخمينات السعيدة”. وتنظم الفرضيات تفكيرنا بشأن ما قد يكون صحيحًا، بناءً على ما لاحظناه حتى الآن. فإذا كان لدينا تخمين حول كيفية عمل الطبيعة، فإننا نجري تجارب لاختبار التخمين.

في العلوم الكمية، يتمثل دور النظرية في إيجاد نتائج التخمين بالاقتران مع الأشياء التي نعرفها. ربما تكون الفرضية الأكثر شهرة في كل العلوم هي أن الأنواع الجديدة تنشأ من فعل الانتقاء الطبيعي على الطفرات العشوائية. بنى تشارلز داروين فرضيته على ملاحظة بعض الأنواع خلال رحلته الشهيرة إلى جزر غالاباغوس. فرضية داروين -عندما كانت مجرد فكرة- تنطبق على كل أشكال الحياة، في كل مكان وفي جميع الأوقات، مشحونة بقوة تنبؤية.

اختبرت أجيال من علماء الأحياء فرضية داروين تلك وبنت عليها مع مجموعة واسعة من الاكتشافات الجديدة. أصبحت نظرية التطور الآن راسخة باعتبارها الركيزة المركزية لعلم الأحياء، وكذلك مدعومة بالأدلة مثل أي نظرية في العلوم. ولكن ما الذي كان سيكتبه داروين لو أنه اضطر إلى كتابة مقترح بحثي لتمويل رحلته على متن سفينة بيجل الشهيرة؟ لم تكن لديه فرضية الانتقاء الطبيعي حينها بالطبع، أي قبل الرحلة. لقد نشأت فرضيته من الملاحظات ذاتها التي ينوي القيام بها. إذا كتب، بصدق، أن “الجزر المعزولة التي سنزورها هي مختبرات طبيعية ممتازة لمراقبة ما سيحدث للأنواع الوافدة إلى منطقة جديدة”، فسيُحكم على مقترحه البحثي وفقًا لمعايير اليوم باعتباره مقترح رحلة صيد بدون فرضية قوية. [3]

هل استخدم نيوتن الفرضية العلمية رغم نقده لها؟

ماذا عن نيوتن نفسه رغم احتجاجه على استخدام الفرضية؟ حدد نيوتن المتغيرات الصحيحة لمشكلة حركة الكواكب وهي القوة والزخم. لكن إذا وضعنا أنفسنا مكان نيوتن لنقرأ مقترحه البحثي بعيون اليوم، سنجده يكتب مثلاً: “أفترض أن العزم والقوى هي المتغيرات الصحيحة لوصف حركة الكواكب. أقترح تطوير طرق رياضية للتنبؤ بمداراتها، وسأقارنها مع الملاحظات الحالية “.

أعمال نيوتن لم تكن تخمينًا حول كيفية عمل الطبيعة، ولكنها أفضل طريقة لوصف الحركة رياضيًا، والتي من خلال نجاحها الواسع رسّخت مفاهيم بديهية للقوة والزخم والطاقة.

“لم أتمكن حتى الآن من اكتشاف سبب خصائص الجاذبية هذه من الظواهر، ولن أضع فرضيات. فكل ما لم يتم استنتاجه من الظواهر يجب أن يسمى فرضية؛ والفرضيات، سواء كانت ميتافيزيقية أو مادية، أو قائمة على صفات غامضة أو ميكانيكية، ليس لها مكان في الفلسفة التجريبية. ففي هذه الفلسفة يتم استنتاج افتراضات معينة من الظواهر، وبعد ذلك يتم تحويلها إلى عامة عن طريق الاستقراء.”

إسحاق نيوتن

دوامات الجاذبية لرينيه ديكارت وكريستيان هيغنز

كتب نيوتن ردًا على نظريات دوامة الجاذبية التي وضعها رينيه ديكارت وكريستيان هيغنز. إذ تخيلا أن ما يسمى بالفضاء الفارغ مليئًا في الواقع بدوامات من الجسيمات غير المرئية التي اجتاحت الكواكب في مداراتها. فكرة الدوامة هي بالتأكيد تخمين حول كيفية عمل الجاذبية. لكنه ليس التخمين المفيد للغاية. إن فكرة الجسيمات غير المرئية التي تكشف عن نفسها فقط من خلال التأثيرات على الكواكب البعيدة التي يصعب الوصول إليها هي فكرة مطاطة وليست محددة بما يكفي لتقديم تنبؤات قابلة للاختبار. بلغة فيلسوف العلوم في القرن العشرين كارل بوبر، لا يمكن دحضها بسهولة.

لم يقدم نيوتن قصة عن آلية خيالية تفسر سبب الحفاظ على الزخم أو كيفية نشوء الجاذبية. بدلاً من ذلك، صاغ قواعد بسيطة تصف كيفية تحرك الكواكب. وكما تبين فيما بعد أنها تفسر كيف يتحرك كل شيء تقريبًا في الظروف العادية. وكما كانت رؤية نيوتن قوية، فإن وصفه للجاذبية كان أيضًا ذو خاصية مقلقة تتمثل في ذلك “الأثر المخيف الذي يقع” من الشمس على الكواكب، وفي الواقع من كل كتلة على كل كتلة أخرى.

الفرضية بين نيوتن وأينشتاين والعلم الحديث

استغرق الأمر 250 عامًا أخرى لشرح الأصل المادي للجاذبية. فكانت فرضية ألبرت أينشتاين حول الجاذبية ميكانيكية، بخلاف نيوتن، حيث تحني الكتلة الفضاء. ونتيجة لذلك، تنحني الخطوط المستقيمة بالقرب من الأجسام الضخمة، بما في ذلك مسار الضوء من النجوم البعيدة التي تمر بالقرب من الشمس في طريقها إلى تلسكوباتنا. لقد استغرق أينشتاين سنوات لتطوير معادلات رياضيات لإظهار أن وصف نيوتن، الذي كان متسقًا مع العديد من الملاحظات، كان مجرد تقدير. كما استغرق سنوات لصياغة تنبؤات مذهلة للأشياء التي تحدث للكتل الضخمة مثل الانهيار في الثقوب السوداء أو عندما تتحرك الكتل الكبيرة بسرعة هائلة مثل موجات الجاذبية.

فلماذا يتركز التمويل البحثي الحديث في يومنا هذا على البحث المبني على الفرضيات؟ إن التصميم التجريبي القائم على الفرضيات هو الأنسب لبعض المجالات المؤثرة، وخاصة البيولوجيا الجزيئية والطب. يدرس الباحثون في تلك المجالات أنظمة معقدة وغير قابلة للاختزال (كائنات حية)، ولديهم تحقيقات تجريبية محدودة، وغالبًا ما يُجبرون على العمل بمجموعة بيانات صغيرة. لا مفر من أن يكون البروتوكول التجريبي الأكثر شيوعًا في هذه المجالات هو الضغط على نظام حي معقد من خلال إعطائه عقارًا أو مادة كيميائية ثم قياس بعض الاستجابة غير المباشرة ذات الصلة. ويعتقد البعض أن هذه التجارب تعيش وتموت من خلال الاختبار الإحصائي، مما دفعهم إلى نقد الفرضية العلمية.

عن نقد الفرضية العلمية اليوم

يعتقد البعض أن هذا نموذج ضيق للغاية لما يمكن أن تكون عليه التجارب. ففي العلوم الفيزيائية، يصبح الباحثون أكثر قدرة على التعامل مع النظام المهتمون بدراسته وتبسيطه. كما يتمتعون أيضًا بتقنيات تجريبية أقوى من نواحٍ عديدة وتعتبر امتدادات لحواس الإنسان. تسمح تلك التقنيات برؤية المادة، والاستماع إلى كيفية رنينها استجابة لتعرضها لضغوط من المجالات الكهرومغناطيسية، ليشعر الباحث بكيفية استجابتها للدفع الحساس على مقياس النانو.

حين تتمكن من القيام بهذه الأشياء، يمكن أن تصبح التجارب أكثر بكثير من مجرد اختبار فرضيات، أي اختبار ما إذا كان تغيير X يؤثر على Y بدلالة إحصائية. في الواقع، يمكن النظر إلى تاريخ العلم باعتباره تطورًا لطرق جديدة لاستكشاف الطبيعة. لم يكن تلسكوب هابل الفضائي مدفوعًا بفرضية بل رغبة في النظر بعيدًا في عمق الكون. تمكّن الأرصاد والبيانات المأخوذة من هابل والتلسكوبات الحديثة الأخرى من صياغة واختبار فرضيات جديدة حول الكون المبكر. غالبًا ما يعتمد التقدم في العلم على التقدم في كيفية قياس شيء مهم. وبعد قرن من أينشتاين، أكدت أجهزة الكشف فائقة الحساسية توقعه لموجات الجاذبية.

تعتمد هذه الكواشف على أفكار ذكية لاستخدام الليزر وقياس التداخل لقياس تغيرات طفيفة للغاية في المسافة بين نقطتين على الأرض. ما كان لهذا العمل أن يصبح مدفوعًا بالفرضية، إلا بالقول بأن النسبية العامة تتنبأ بموجات الجاذبية. وبالمثل، غالبًا ما يعتمد التقدم في العلوم الكمية على التقدم في قدرتنا على حساب عواقب الفرضيات الموجودة بالفعل.

في تقييم مقترحات البحث اليوم، يعتقد البعض أنه يجب يكون المعيار الرئيسي هو ما إذا كان المقترح البحثي سيساعدنا في الإجابة عن سؤال مهم أو الكشف عن سؤال جديد كان يجب طرحه. فهل تتفق مع نقد الفرضية العلمية اليوم كمعيار في المقترحات البحثية أم أنها ضرورية حقًا؟

المصادر:
[1] Journals Index copernicus
[2] Jstor
[3] Physics Today
[4] Futurelearn: The Roots of the scientific Revolution

الأدوات العلمية عند كافنديش وروبرت هوك

هذه المقالة هي الجزء 8 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

يرتبط التحقق من الطبيعة ارتباطًا وثيقًا بالأدوات والمختبرات. وقد ناقشنا فيما كيف خضعت التجارب للرقابة. ومع ذلك، ومن أجل التحكم في الطبيعة وظروفها، هناك حاجة إلى بعض الأدوات الأكثر تعقيدًا، وأحيانًا لظروف أكثر تحديدًا ودقة. يمكن إرجاع استخدام الأدوات إلى أوائل العصر الحديث. سنستعرض معًا بعض الأمثلة على استخدام الآلات والأدوات في القرن السابع عشر وما صاحبه من رفض ونقاشات لجدوى استخدام الأدوات العلمية كالمجهر والتليسكوب لاستكشاف الطبية.

الأدوات

بشكل عام، تميزت الأدوات إلى نوعين:
– رياضية، تستخدم للرسومات والحسابات.
– وعلمية، تستخدم لتحليل الظواهر وتعميمها.

الفرق بين الأدوات الرياضية والعلمية

استخدمت الأدوات الرياضية منذ العصور القديمة، وتحسنت كثيرًا في أوائل العصر الحديث. بعض الأمثلة على ذلك هي البرجل والمسطرة. كما تحسنت أيضًا الأدوات الفلكية، مثل الأسطرلاب والساعات الشمسية. من جهة أخرى، إلا أن الأدوات العلمية استخدمت لأغراض مختلفة. فازدهرت صناعة الأدوات العلمية في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

استخدمت بعض تلك الأدوات العلمية في تصحيح وتحسين الحواس. المجهر والتلسكوب أمثلة لذلك، فهما إما يكبران ما هو صغير لدرجة صعوبة رؤيته بالعين المجردة، مثل البكتيريا، أو يقربان ما هو بعيد بحيث لم نتمكن من ملاحظته من قبل، مثل النجوم.

تقدم أدوات أخرى معلومات دقيقة عندما تفقد حواسنا القدرة على التمييز الدقيق، كما في حالتي الحرارة والضغط. المعلومات التي يقدمها المعيار الحراري والبارومتر وزجاج الطقس، هي أكثر دقة بكثير من أحاسيسنا الجسدية.

أدوات أخرى

هناك أدوات أخرى تعمل كنماذج أو نظائر للظواهر الطبيعية، وتُستخدم عندما لا يتمكن المُختبِر من الوصول إلى ظروف دقيقة، أو لدراسة حدث لا يتكرر. كما رأينا بالفعل في مثال بيكون لاستخدام المثانة المعلقة في الثلج لإعادة إنتاج الظروف التي يمكن أن نجدها بشكل طبيعي في الكهف.

مع ذلك، لا تنتج هذه الظواهر بشكل مصطنع فحسب. بل يمكن للمساعي العلمية أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. يمكن أن تخلق ظروفًا لا تحدث في الطبيعة! ولكن لتلك الظروف القدرة على إمدادنا بمعلومات مهمة عن الطبيعة ونشاطها.

مضخة الهواء مثال جيد على ذلك. فهي قادرة على أن تفرغ مساحة ما من الهواء. يمكن للمضخة مساعدتنا في دراسة كيفية حدوث الظواهر المختلفة في هذه الظروف. ينطبق الشيء نفسه عند عزل ظاهرة ما لاكتشاف انتظامها من خلال تهيئة الظروف المثالية لحدوثها. فكر مثلاً في مهد نيوتن، المصمم خصيصًا لإثبات الحفاظ على الزخم والطاقة.

في الوقت الحاضر، يحتفظ العلماء بأدواتهم في مختبرات مصممة خصيصًا لنشاط وحيد. مختلفون عن بعضهم البعض حسب مجال البحث. أما في أوائل العصور الحديثة، كانت العديد من الأماكن تقوم بدور مختبرات اليوم. حينها، استخدمت كل تلك الأماكن الأدوات السابقة مثل: الحدائق، والمختبرات الفلكية، والمعاهد الطبية، وكذلك الخزانات الشخصية والكليات الجامعية.

سمات استخدام الأدوات الحديثة

هناك سمتان مهمتان لاستخدام الأدوات الحديثة مبكرًا نود التأكيد عليها. أولاً، كما رأينا في مثال المثانة، تم استخدام مواد شائعة كأدوات علمية، وليس فقط تلك المصممة خصيصًا لنشاط واحد محدد.

أولًا، استخدمت الأشياء والمصنوعات اليدوية الشائعة أثناء التحقق والاختبار واكتسبت مكانة أداة علمية من منظور منهجي. المرايا والعدسات المستخدمة في الحياة اليومية تمكنت حينها من إحداث تأثيرات مدهشة، فأصبحت أدوات للبحث البصري في القرن السادس عشر. أدت العدسات والمرايا إلى اكتشاف قانون الانكسار مثلًا.

ثانيًا، يحتاج المجرب إلى التدريب قبل استخدام الأدوات، أي يحتاج إلى معرفة كيفية قراءة المعلومات التي توفرها الأداة. إذ لا يمكن استخدام الأدوات حتى البسيطة -مثل التلسكوب أو المجهر- بدون تعليمات مسبقة. لن يفهم المرء ببساطة ما يرى من خلال عدساتهم.

على سبيل المثال، لم تقبل اكتشافات جاليليو التلسكوبية بسهولة، إذ لم ير كل معاصريه ما رآه في تليسكوبه. يحدث تداخل في الرؤية بين الشيء قيد الدراسة وتشوه الصورة الذي تصنعه حواسنا. تعالوا نحلل بشيء من التفصيل الحجج المؤيدة والمضادة لاستخدام المجاهر.

مؤيدو الأدوات ومعارضوها

كانت الأدوات دافعًا للجدل في القرن السابع عشر، إذ تناولت إحدى المناقشات الرئيسية استخدام التلسكوب. أدت اكتشافات جاليليو للبقع الشمسية إلى نظرية تتعارض مع فلسفة أرسطو. أثار الأمر انتقادات أعضاء الكنيسة الكاثوليكية، إذ لم يوافقوا على النتائج النظرية لاكتشافات جاليليو السماوية القائلة بأن العالم فوق القمري (سماء النجوم الثابتة في الفكر الأرسطي)، الذي ظل لفترة طويلة حقيقة راسخة، هو أمر خاطئ وقابل للتغيير تمامًا كالعالم دون القمري (ما بين الأرض والقمر).

لم تزعزع الآلات المعتقدات اللاهوتية فحسب. القناعات الميتافيزيقية أيضًا أصبحت في مهب الريح. إذ أصبح ما يتعلق بالبنية الداخلية للأجسام ووصول الإنسان إلى هذه البنية عقبة أيضًا في إنشاء منهجية بحث. انتقدت كافنديش الفيلسوف هوك -وهو أحد أهم مروجي المجهر- الذي جاء كتابه “Micrographia” أول أكثر الكتب مبيعًا في الجمعية الملكية وكانت منهجيته مهمة جدًا للمجتمع العلمي آنذاك. فعلى عكس هوك، اعتبرت كافنديش أن الأجسام المكبرة لن تجلب معرفة جديدة ومفيدة. استندت هذه الحجة إلى افتراضها أن المجهر لا يمكنه رؤية أسباب الحركة والبنية الحقيقية للمادة. واعتقدت كافنديش أن البنية الحقيقية للمواد لا يمكن تصورها إلا عن طريق العقل.

الفحص المجهري لروبرت هوك

في كتاب “الفحص المجهري – Micrographia” لروبرت هوك والمكتوب عام 1665م، ناقش روبرت هوك في هذا الكتاب فائدة المجهر. قدم هوك أيضًا سلسلة من الرسومات لما يمكن رؤيته من خلال المجهر، وأشهر رسوماته هو عين ذبابة والخلية النباتية. اعتبر روبرت هوك المجهر إضافة إلى الحواس البشرية الناقصة والضعيفة، تمامًا كالنظارات الطبية التي تعالج مشاكل إبصارنا.

عارضت مارجريت كافنديش في كتابها “ملاحظات على الفلسفة التجريبية – Observations upon experimental philosophy” المنشور عام 1668 طرح هوك. ارتكز رفض كافنديش على التشوه الذي قد تحدثه العدسات وانكساراتها وظلال الكائنات الدقيقة تحت المجهر وما قد يسببه ذلك من مشكلات. تخيلت كافنديش أن التكبير الذي تصنعه العدسة المكبرة للقمل قد يجعلنا نظنه كسرطان البحر مثلًا بسبب اختلاف الأحجام وتشوه الرؤية بسبب استدارة الأشياء على غير طبيعتها.

اعتبرت كافنديش أن اعتراضها على ما يحدث في المجهر يمكن تعميمه على باقي الحواس أيضًا وبالتي رفضت استخدام مثل هذه الأدوات. وعلى عكس ما تعتقد من مواقفها، فلم تكن كافنديش جامدة محافظة في آرائها، فقد رفضت كلاً من الفلسفة الأرسطية والفلسفة الميكانيكية الجديدة لديكارت وهوبز وأعضاء المجتمع الملكي، ودافعت عن المادية الحيوية – النظرية التي بموجبها تتكون كل الأشياء في الطبيعة من مادة حيوية وذاتية الحركة مثلًا.

روبرت هوك في مواجهة مارجريت كافنديش

تمثل أحد أهداف المشروع العلمي لروبرت هوك في بناء تلك الأدوات المساعدة للحواس على إدراك العالم الطبيعي بشكل أفضل. كان المجهر والتلسكوب -بالنسبة لهوك- الأكثر أهمية. نظر روبرت إلى المجهر والتلسكوب كركيزة أساسية في التفاعل بين الإنسان والعالم المحيط.

اعتقد هوك أنه باستخدام المجهر يمكن للبشر الوصول إلى عالم جديد؛ عالم المخلوقات الصغيرة غير المرئية للعين، وعالم جسيمات المادة. كان روبرت هوك -كأعضاء آخرين في الجمعية الملكية- من داعمي نظرية المادة الجسيمية الديكارتية. وهكذا، اعتبر أنه بمرور الوقت ومع تحسن المجهر، سيتطور الأمر إلى حد كبير، بحيث سنتمكن من رؤية جسيمات المادة وتركيبها وحركاتها من خلال عدسات المجهر. كما اعتبر هوك أن المجهر -من خلال جعل الجسيمات وحركاتها مرئية- سيقدم أدلة حاسمة ضد النظرية الأرسطية للمادة والشكل.

مفهوم كافنديش عن الطبيعة

كان لدى مارجريت كافنديش مفهوم مختلف عن الطبيعة عن مفهوم روبرت هوك. فبالنسبة لها، لا يمكن تصور حركات المادة إلا عن طريق العقل والحواس البشرية. اعتقدت كافنديش أن البشر لن يتمكنوا من رؤية حركة المادة حتى بمساعدة الأدوات. كما اعتقدت أن البصر قد يصل فقط إلى الأشكال الخارجية للأشياء. ومع ذلك، رفضت كافنديش حتى أن الأشكال الخارجية التي تُرى من خلال المجهر هي بالفعل أشكال حقيقية للأشياء واعتبرتها مجرد تشوهات ناتجة عن العدسات والأضواء والظلال تتداخل مع الجسم والعدسات.

الحجة الثانية التي قدمتها كافنديش تتعلق بالعلاقة بين الطبيعي والاصطناعي. المشكلة التي أثارتها هي إلى أي مدى يكون شكل الجسم المكبر -والذي يختلف تمامًا عما تراه العين المجردة- هو شكله الحقيقي. بسبب العدسات، قد لا يكون ما نراه هو الشيء الطبيعي، ولكن صورة مختلفة لذلك الكائن.

أكدت كافنديش أنه إذا كانت المعرفة العلمية مبنية على تلك الصورة، فقد يؤدي الأمر إلى نظريات ومعلومات خاطئة. هكذا، تفاعلت المعتقدات الميتافيزيقية واللاهوتية مع الفلسفة التجريبية لتشكيل ثورة العلم الحديث. ولكن لم يتوقف أثر روبرت هوك واكتشافاته المذهلة عنده، بل امتد إلى نيوتن ولكن في ذلك مقال آخر. فمساهمات روبرت هوك في الرياضيات والأحياء والفلك هائلة والفضل في ذلك للأدوات العلمية. فقد اكتشف الخلية الحلية باستخدام الميكروسكوب والنجم الخامس في كوكبة الجبار باستخدام التليسكوب، وغيرها من الاكتشافات والمساهمات، مما قوى حجته وحفر اسمه في التاريخ.

المصادر:
Margaret Cavendish and Scientific Discourse in Seventeenth-Margaret Cavendish and Scientific Discourse in Seventeenth-Century England Century England

Margaret Cavendish’s Critique of Experimental Science

Oxford Academic: Robert Hooke: Physics, Architecture, Astronomy, Paleontology, Biology

Robert Hooke: English scientist who discovered the cell

فرانسيسكو سواريز ومحاولة تفسير أرسطية أخيرة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

فرانسيسكو سواريز ومحاولة تفسير أرسطية أخيرة

تعلمنا سويًا في المقال السابق كيفية استخدام نموذج تحليل شكل المادة الأرسطي لفهم عمليات مثل تحويل اليرقة إلى فراشة. كما طبّقنا نموذج شكل المادة لتقديم تحليلات للظواهر الطبيعية الأخرى أيضًا. ورغم منطقية النموذج البادية للوهلة الأولى إلا أننا الآن في وضع يسمح لنا بتقييمه وتحديد بعض نقاط قوته وضعفه. فتعالوا بنا لنعرف كيف انتقد ديكارت الفكر الأرسطي؟

نقد الفكر الأرسطي، نقاط الضعف ونقاط القوة

نقاط قوة نموذج تحليل المادة الأرسطي

  • قد تقول إن إحدى السمات الجذابة لهذا النموذج هي أنه بسيط نسبيًا، أي يمكنه وصف مجموعة واسعة من العمليات الطبيعية، بدءًا من حرق الخشب أو تحول اليرقة إلى فراشة وتغير لون تفاحة متعفنة، بسهولة نسبيًا. فليس علينا سوى افتراض فقد أو اكتساب المادة شيئًا معينًا.
  • أيضًا، يتناغم النموذج مع الحدس القائل بأن بعض خصائص الجسم ضرورية له، في حين أن البعض الآخر مجرد خصائص عرضية. فيلتقط النموذج هذه الفكرة من خلال التمييز بين الأشكال الجوهرية التي تؤسس الخصائص الأساسية للأجسام، والأشكال العرضية التي تؤدي إلى خصائص عرضية متغيّرة.

نقاط ضعف نموذج تحليل المادة الأرسطي

  • إحدى نقاط الضعف المهمة لهذا النموذج هي غموضه التام. إن القول بأن الماء يتصرف كالماء بسبب شكله هو ادعاء ضبابي غير مفسّر. لجعل هذا الادعاء ملموسًا، سنحتاج إلى مزيد من التفسير لنوع شكل الجسم. بدون مثل هذه العملية، سيظل شكل الجسم نوعًا ما كـ “الصندوق الأسود” الذي يؤدي بطريقة ما إلى ظهور خصائصه الفيزيائية.

    ماذا لو قلنا بأن الماء يتصرف كالماء لأنه عبارة عن H2O، أي لأنه رابطة كيميائية بين ذرتين من الهيدروجين وذرة أكسجين واحدة، فقد أصبح لدينا تفسير ملموس للغاية. لقد فتحنا الصندوق الأسود ونظرنا بداخله وعرفنا الأسباب الحقيقية، أليس كذلك؟
  • قال النموذج الأرسطي أن تحول الخشب إلى رماد، يفقد مادة الخشب شكلها وتكتسب شكلًا آخر. لكن من أين يأتي هذا الشكل الجديد؟ لا يقدم النموذج إجابة واضحة على هذا السؤال، مما يضعف بشكل كبير من قوته التفسيرية.

    كان المدرسّون أنفسهم مدركين لهذه المشكلة، لكنهم لم يقدموا حلاً واضحًا مرضيًا.

في مقالنا الأخير، رأينا كيف تعامل مفكرو العصور الوسطى، مثل توما الأكويني، مع الأجساد من حيث المادة والشكل. سيطر نموذج التحليل الأرسطي هذا، على جامعات القرون الوسطى، أي منذ حوالي 1200 سنة ميلادية وما بعدها. لكن في القرن السابع عشر، تعرض النموذج لهجوم شرس من مفكرين مثل رينيه ديكارت وروبرت بويل.[1]

لماذا تعرض النموذج الأرسطي للهجوم؟

كان الهدف الرئيسي للنقد الحديث المبكر للفلسفة الطبيعية المدرسية هو فكرة الشكل الجوهري، وتوجهت إليها نيران الناقدين. فكما رأينا، كان الشكل الجوهري للجسد مبدأ رئيسي يصعب تفسيره. أصبح الشكل الجوهري هو المحدد لنوع الجسد الذي كان عليه، وجعله يتحرك ويتصرف بطرق معينة.

هكذا كان الماء هو الماء في هذا النموذج كنتيجة لشكله الجوهري. ونتيجة لهذا الشكل الجوهري، سيغلي الماء عند تسخينه ويبرد مرة أخرى بعد إزالة مصدر الحرارة. هكذا بلا أسباب سوى الشكل الجوهري، فهو بذاته يفسر كل شيء، ونحن لا نعرف عنه شيء تقريبًا.

بالإضافة إلى نقاط ضعف النموذج الأرسطي الممثلة في الغموض والحدسية، فقد استحق النموذج الهجوم كما يبدو.

ما قبل ديكارت

فرانسيسكو سواريز وتفسير الشكل الجوهري بالروح

على الرغم من بساطة الأمر من وجهة نظر السكولائيين حينها أمثال توما الإكويني، فقد وجد ديكارت صعوبة في رؤية ما يمكن أن تكون عليه هذه الأشكال الجوهرية. اعترف العديد من المدرسين بأن الأشكال الجوهرية لا يمكن رؤيتها أو ملاحظتها في حد ذاتها.

في القرن السادس عشر، حاول الكاهن اليسوعي الإسباني فرانسيسكو سواريز تسليط الضوء على هذا الوضع من خلال مقارنة الأشكال الجوهرية بأرواح البشر.

في البداية، فسر فرانسيسكو ظاهرة فقدان الحرارة وفقًا للشكل الجوهري. قال فرانسيسكو أن ما يدفع الماء الساخن لأن يبرد بعد إبعاد مصدر التسخين هو شكله الجوهري البارد بالأساس، لهذا يحاول الماء أن يعود لشكله الجوهري.

برودة الماء بعد تسخينه

اعتقد فرانسيسكو سواريز بأن الجسد البشري له روح توجهه من الداخل، وهكذا المواد الأخرى أيضًا، لها شكل جوهري يوجه سلوكهم وحركاتهم من الداخل. [2]

قيل عن أعمال وتفسيرات فرانسيسكو سواريز أنها مهدت وألهمت ديكارت وكانت حلقة وسطى بين الانتقال من الأرسطية إلى الثورة العلمية كما رأينا في تفسيره الأخير لبرودة الماء الساخن بعد فترة.

حاول فرانسيسكو سواريز إنقاذ السكولائية والأرسطية من عقلانية وتفسيرات وشغف معرفي وتفسيري لدى الكثيرين في عصره، فهل نجح؟ هذا ما سنعرفه في المقال التالي.

المصادر
[1] Futurelearn, scientific revolution, University of Groningen
[2] كتاب خلافات ميتافيزيقية لسواريز فرانسيسكو
[3] كتاب كتابات فلسفية لرينيه ديكارت
[4] Stanford Encyclopedia of philosophy



الأرسطية والفلسفة السكولائية، توما الإكويني نموذجًا

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

الأرسطية والفلسفة السكولائية، توما الإكويني نموذجًا

يريد الثوار التغيير، بل وقلب كل الأنظمة واستبدالها بأخرى جديدة. هكذا أراد الثوار الفرنسيون الإطاحة بالنظام الملكي واستبداله بالجمهورية. لذلك، إذا كنت ممن يعرفون بوجود ثورة علمية في القرن السابع عشر، وتود معرفة بدايات تلك الثورة العلمية بداية من توما الأكويني وحتى اكتمالها على الفكر الأرسطي، فهناك سؤالان نحتاج إلى طرحهما.

السؤال الأول هو، ما الذي أراد علماء القرن السابع عشر استبداله؟ والثاني، ما الذي أرادوا استبداله به؟

سننظر في أول هذه الأسئلة في هذا المقال. ما الذي أراد العلماء الأوائل استبداله؟

الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي أنهم أرادوا استبدال “الفلسفة المدرسية” أو السكولائية. نعني بالفلسفة المدرسية هنا فلسفة مدارس أو جامعات العصور الوسطى.

الفلسفة المدرسية – الفلسفة السكولائية

تتضمن الفلسفة المدرسية مجموعة واسعة من التخصصات من المنطق والأخلاق إلى ما يسمى بـ “الفلسفة الطبيعية”، أو ما نسميه العلم. تابعت الفلسفة الطبيعية المدرسية السير على نهج المفكر اليوناني أرسطو. [1]

في العصور الوسطى، كان يُشار أحيانًا إلى أرسطو بـ”الفيلسوف”، وقد طور مفكرو العصور الوسطى مثل توما الأكويني أفكارهم الخاصة من خلال البناء على أفكار أرسطو.

دعونا نلقي نظرة فاحصة على الفلسفة الطبيعية الأرسطية التي هيمنت على جامعات العصور الوسطى. ربما تكون أفضل طريقة للقيام بذلك هي النظر إلى واحدة أو اثنتين من الظواهر الطبيعية والسؤال عن كيفية تحليلها لمفكر من العصور الوسطى مثل توما الأكويني. لذا أولاً وقبل كل شيء، فكّر في تحول اليرقة إلى فراشة.

تحول اليرقة إلى فراشة

الفلسفة المدرسية عند توما الأكويني

وفقًا لتوما الأكويني، نحن نتعامل هنا مع حالة أسماها “التغيير الجوهري”، وهي عملية تغيير حيث تتوقف مادة ما عن الوجود وتظهر مادة أخرى إلى الوجود، فعندما تتحول اليرقة إلى فراشة، تختفي اليرقة من الوجود ولكن تأتي الفراشة إليه. [2]

بمجرد ظهور الفراشة، لن تبقى على حالها أيضًا، ولكن ستتغير بعدة طرق أخرى. على سبيل المثال ستنمو الفراشة، وقد يتغير لونها، لكن هذه تغييرات أقل جذرية بكثير من تحوّل اليرقة إلى فراشة، فالتحول هنا بمثابة التغيير الجوهري عند توما الأكويني.

دعونا نقارن بين الحالتين. عندما تتحول اليرقة إلى فراشة، تختفي اليرقة من الوجود. لكن، عندما يتغير لون الفراشة، فإنها تنجو من هذا التغيير، ولا تختفي من الوجود، أليس كذلك؟

في الواقع، تغيّر اللون هو ما أطلق عليه الأكويني “تغيير عَرَضي”، حيث يحدث تغير في مستوى الخصائص العَرَضية. يمكن توضيح هذا التمييز بين التغيير العرضي والجوهري بشكل أكبر من حيث الأشكال العَرَضية والجوهرية.

التغيير العَرَضي والتغيير الجوهري عند توما الأكويني

وفقًا لتوما الأكويني، فإن الجسد الطبيعي جزء من المادة، تَكوّن بواسطة ما أسماه بـ “الشكل الجوهري”. [3] والشكل الجوهري للجسم هو المبدأ، وهو ما يجعله الجسم الذي هو عليه. الشكل الجوهري للجسم هو ما يجعله يتحرك ويتصرف بطرق مميزة. قد نلخص الأمر بأن الشكل الجوهري للجسم يشبه بشكل ما المُحرك الداخلي المتحكم في كل شيء.

اليرقة في مثالنا السابق هي جزء من المادة، والشكل الجوهري هو ما يكوّنها، مما يجعلها تبدو مثل يرقة، ورائحتها مثل يرقة، وتتحرك وتتصرف كيرقة. أُعيد تكوين هذا الجزء نفسه من المادة بشكل جوهري جديد، مما جعلها تبدو مثل الفراشة، ورائحتها مثل الفراشة، وتتحرك وتتصرف كالفراشة.

في الواقع، عندما أعيد تكوين نفس الجزء من المادة بهذه الطريقة، اختفت اليرقة من الوجود، ولكن ظهرت الفراشة بدلًا منها. فالفراشة لا تتحرك كاليرقة ولا تتصرف مثلها، ولكن أصبح لها محرك داخلي جديد بصفات جديدة.

يمكن إسقاط نفس التحليل على التغيير العرضي. عندما تظهر الفراشات للوجود، ستخضع كل مُركّب المادة والشكل الجوهري لمزيد من التغيرات التي أسماها الأكويني “الأشكال العرضية”.

تُمثل هذه النماذج العرضية الخصائص المؤقتة التي تمتلكها الفراشة في أي لحظة زمنية معينة. فهو يفسر حجم الفراشة ولونها وشكلها المحدد وفقًا لمبدأ الأشكال العرضية. عندما تتغير ألوان الفراشة من اللون الأزرق مثلًا إلى الأحمر، سيفسر الأكويني هذا التغيير بأنها تفقد شكلاً عرضيًا وتكتسب شكلًا عرضيًّا آخر.

مارس التفكير الأرسطي بنفسك

الآن، أنت أصبحت على دراية بمفهومين أساسيين للفلسفة الطبيعية الأرسطية وهما، المادة والشكل. وفقًا لهذه المفاهيم، يمكنك الآن محاولة صياغة تحليلات أرسطية للظواهر الطبيعية بنفسك.

فكر من حيث المادة والشكل في تحليلات لأحداث مثل حرق قطعة خشب وتحول تفاحة حمراء إلى بنية.

احتراق قطعة خشب

كيف ستفسر الحالات السابقة إن كنت أرسطيًّا؟

لقد قدمت للتو تحليلات أرسطية من حيث المادة والشكل بنفسك عندما فكرت في تحول قطعة من الخشب إلى رماد وتحول تفاحة حمراء إلى اللون البني.

سننظر بإيجاز في هاتين الحالتين ببعض التفصيل. عندما تتحول قطعة من الخشب إلى رماد، يقول الأرسطيون أن هذه عملية تتوقف فيها مادة (قطعة الخشب) عن الوجود، وتظهر مادة أخرى.

نحن نتعامل مع حالة تغيير جوهري. في التغيير الجوهري، يعاد تكوين المادة المختفية عبر مادة جديدة تظهر إلى الوجود. في هذه الحالة، تفقد قطعة الخشب الشكل الذي أعطاها الطبيعة الخشبية، وتكتسب شكل الرماد بدلاً من ذلك بصفات جديدة.

ثانيًا، عندما تتحول تفاحة حمراء إلى اللون البني. يتغير التفاح بالفعل، لكنه ينجو من العملية. التفاحة التي كانت حمراء في البداية هي نفسها التفاحة التي أصبحت بنية الآن. لذلك، نحن نتعامل مع حالة تغيير عرضي. في حالة التغيير العرضي، تحتفظ الأشياء بموادها وشكلها الجوهري. ومع ذلك، فهي تخضع لتغيير على مستوى الشكل العرضي فقط. في هذه الحالة، كان للتفاحة في البداية شكل عرضي جعلها حمراء، لكنها فقدت هذا الشكل مع مرور الوقت. ثم اكتسبت شكلاً عرضيًا آخر جعلها بنية اللون.

الثورة العلمية على الفكر الأرسطي

سيطر نموذج التحليل هذا للمادة والشكل على جامعات العصور الوسطى لعدة قرون. ومع ذلك، لم يرض أمثال رينيه ديكارت وروبرت بويل وقادة التنوير في القرن السابع عشر عنه، وهذا يثير سؤالين، أولاً، لماذا لم ينل هذا النموذج إعجابهم؟ وثانيًا، ما النموذج الذي رغبوا في استبدال المنهج الأرسطي به؟ وهو نفس السؤال الثاني الذي بدأنا به المقال، لكنه باق معنا لمقال آخر.

المصادر
[1] Britannica
[2] Internet Encyclopedia of Philosophy
[3] The Conversation

Exit mobile version