بين الفلسفة والتفكير النقدي، تعريف التفكير الفلسفي، وكيف نصل إلى المعرفة؟

تهتم الفلسفة بالاستقصاء والبحث العقلاني بهدف المعرفة، فاهتم الفلاسفة ودارسوها منذ فترة طويلة بفهم ماهية المعرفة.بمجرد أن تكون لدينا فكرة واضحة عن ماهية المعرفة، أي تعريف التفكير الفلسفي، وكيف نصل إلى المعرفة؟ حينها سنتمكن من طرح السؤال التالي والذي تسعى البشرية إليه بشغف كبير وهو ما إذا كانت قادرة على الوصول لليقين المعرفي، أي معرفة شيء ما على وجه اليقين والتأكد من أن صحته غير قابلة للشك. ولكن لماذا نشك أصلا؟

يلعب الشك دورًا مهمًا في جعلنا صانعي معرفة دقيقين، لكنه لا يمكّننا أبدًا من الوصول إلى اليقين المعرفي، كما يمكن للشك أن يذهب بنا أبعد مما نتخيل، بداية من الشك في إدراكنا ووعينا، وحتى الشك في العالم وفي وجودنا. الشك بحر عميق بلا أرض نحاول الخروج منه منذ الأزل بعد أن أدركنا أن الكثير مما اعتقدناه معرفة لم يكن كذلك!

تعريف التفكير الفلسفي، وكيف نصل إلى المعرفة؟

تخيل الحوار التالي بين شخصين أ و ب، يبدأ شخص أ الحوار قائلا: “هل تعرف أن السمك الذي تأكله الآن يمكنه الطيران؟”

ب: “لا أظن ذلك. أنت على خطأ”

أ: “بل أنا على صواب”

ب: “ولكن كيف تعرف أنك على صواب؟”

أ: “لأنني أؤمن بأن هذا السمك يطير!”

ب: “ولماذا تؤمن بأن هذا السمك يطير؟”

أ: “لأنني أؤمن بهذا!”

ب: “ولماذا تعتقد بأن إيمانك سيقنعني؟”

أ: “لأنني على صواب!”

ب: “وكيف تعرف بأنك على صواب؟”

أ: “لأنني أعرف أنني على صواب!”

كما يبدو من هذه المناقشة، فما يؤمن به (أ) لا يستوجب من (ب) أن يؤمن به أيضًا، فكيف يمكننا إصلاح تلك المناقشة؟

أ: “هل تعرف أن السمك الذي تأكله الآن يمكنه الطيران؟”

ب: “لا أظن ذلك. أنت على خطأ”

أ: “بل أنا على صواب”

ب: “ولكن كيف تعرف أنك على صواب؟”

أ: “لأنني أمتلك الحُجة”

ب: “وما هي حُجتك؟”

أ: “لأن زعانف تلك السمكة أطول وأخف من بقية الأسماك وتتصل بعضلات أقوى، ولهذه السمكة أيضًا ذيل يضرب الماء بقوة، فتنطلق فوق سطح الماء بسرعة عالية تمكنها من الطيران لأمتار قليلة فوق سطح الماء!”

ب: “تبدو حجتك مقنعة قليلًا!”

قيمة الحُجة في الفلسفة

تحترم الفلسفة الحُجة وتعتبرها ركيزة أساسية من ركائز التفكير المنطقي والعقلاني، فهي كما رأينا قد أصلحت الحوار السابق بسهولة بغض النظر عن مدى صحة الحُجة، لكنها لا بد أن تتواجد في النقاش كي يصل إلى نتيجة بشكل ما. فالحُجة تخاطب العقل بالأسباب، والحجة المقنعة هي الحجة المنطقية. فهي ليست دعوة للشفقة والتعاطف، أو تهديدًا بالقوة، لكنها دعوة للمنطق. يقدر الفلاسفة الحجة لأنها تعني أن طرحك يمكن تفسيره وفهمه وقبوله من الآخرين. لهذا السبب فشل أ في البداية في إقناع ب، لأن حجته افتقرت للسبب. يحتاج أ إلى المزيد من الجهد لإقناع ب بإعتقاده، وعندما حصل ب على أسباب منطقية، بدا أنه أكثر قابلية للقبول باعتقاد أ.

وجود السبب لا يعني صحة الحُجة، ولا يعني قبول الاعتقاد من عدمه، لكنه يعني أن الحُجة أصبحت قابلة للنقاش بالأساس، أي يمكن معرفة صحتها أو خطئها وأن فرص صاحب الحُجة أ على اقناع ب قد زادت بشكل ملحوظ.

يقول رود جيرل: “إن المعرفة موضوعية جدًا، أما الإيمان فهو شخصي جدًا، المعرفة هي شيء يمكن إثبات خطئه، فإذا أخبرك شخص بمعرفته لشيء ما، يمكنك إثبات عدم معرفته به إذا أمكنك إثبات خطئه”

المحاججة

تُستخدم المُحاججة طوال الوقت بين الفلاسفة، مما جعل دراستها ركن رئيسي في المنهج الفلسفي، كما يجب معرفة وتمييز مجموعة من الكلمات عند استخدام المنهج الفلسفي، مثل “الاعتقاد” و”المعرفة” و”التفكير”. لكن لماذا يجب أن نميز تلك الكلمات تحديدًا؟ إليك مثلا بالتفكير، هل أنت تفكر الآن؟ ما دمت تقرأ هذا المقال فيبدو أنك تفكر بالفعل. لكن هل تمارس الفلسفة بمجرد قراءتك لهذا المقال؟ بالتأكيد لا! فهناك نوع محدد من التفكير يُدعى “التفكير الفلسفي”!

تعريف التفكير الفلسفي

التفكير الفلسفي ليس أمر صعب فحسب، وليست الصعوبة هي المميزة في التفكير الفلسفي عمومًا، فعلى سبيل المثال يصعب على أغلبنا ضرب رقمين كل منهما مكون من عددين سريعًا في رأسه، وبالرغم من صعوبة هذا الضرب فهو ليس تفكيرًا فلسفيًا.

ما دام الأمر غير مرتبط بالصعوبة، فبم هو مرتبط؟

يمكننا ربط التفكير الفسلفي بأنه التفكير في التفكير، فنحن نتواصل مع الآخرين لشرح أفكارنا فنحلل أفكارهم عبر حديثهم أو قراءة ما يكتبون. لا يقتصر الأمر على التفكير في التفكير ذاته، ولكن يمتد أيضًا لتقييم عملية التفكير. نحاول تطوير مجموعة من الاختبارات للتأكد من صحة عملية التفكير بأقصى قدر ممكن. والمحاججة هي أحد أعمدة تقييم عملية التفكير.

يقول ستيفين هيثيرينجتون: “ليس كافيًا أن تمتلك مجرد آراءًا، الآراء لا تعني شيء، حتى وإن أخبرت الجميع أنك تشعر بقوة بأن رأيك صحيحًا، فرغم قسوة ما سأقول، لكن رأيك لا يمكن اعتباره معرفة. لدينا نظرية فلسفية مذهلة تخبرنا لماذا لا يعتبر رأيك معرفة.”

بين الفلسفة والتفكير النقدي، لماذا أدرس الفلسفة جامعيًا؟

بين الفلسفة والتفكير النقدي، لماذا أدرس الفلسفة جامعيًا؟

يتعجب البعض أحيانا من حماسة المتحدثين عن الفلسفة والراغبين في دراستها ويتسائلون:

ما دمت لا أرغب في العمل الأكاديمي الجامعي كمدرس للفلسفة فماذا سأفعل بعد التخرج من قسم الفلسفة؟ أو لماذا أدرس الفلسفة جامعيًا؟ أو ما دمتم لن تصبح فيلسوفًا، فلماذا تدرس الفلسفة؟

إذن وجب علينا أولًا تحطيم بعض الخرافات المنسوجة عن الفلسفة ودراستها وقراءتها، فإليك بعض أهم تلك الخرافات في هذا المقال.

أولًا: دراسة الفلسفة لن تمنحك مستقبل مهني مناسب

الفلسفة بالفعل ليست أحد الأقسام المهنية بشكل مباشر، لكنها تعلمنا كيفية التفكير، وليس فيما نفكر. لا تهتم الفلسفة بمنحك دور اجتماعي محدد، فهي لن تمنحك رخصة لمزاولة مهنة بعينها، ولهذا يقع الكثيرون في معضلة “لماذا أدرس الفلسفة؟”، والمشكلة تكمن في “لماذا تدرس أصلا؟”.

تهتم الفلسفة بالأساس بتعليمك بعض المهارات المهمة مثل كيفية التفكير بشكل ناقد، وكيفية تحليل المعلومات، وكيفية بناء حجج منطقية، وكيفية الكتابة بشكل واضح ومُقنع.

هذه هي المهارات التي يبحث عنها كل صاحب عمل في موظفيه تقريبًا في الصناعات كافة. إن أصبحت استشاري أو خبير في أي مجال، فأنت تحتاج إلى تكوين الحجج المنطقية باستمرار في مجالك. إن أصبحت صاحب عمل أيضًا، فأنت تحتاج إلى إقناع موظفيك بأهمية ما تطلبه منهم وعدالته ومنطقيته، وتحتاج لتفكير ناقد وقدرات تحليل هائلة كي ينجح مشروعك.

إليك بعض إعلانات الوظائف كي تلمس الاحتياجات بنفسك:

ذكرت هذه الإعلانات بعض من المهارات التي تتعلمها عند دراستك للفلسفة، مثل مهارات التواصل، والتفاوض، ومهارات التحليل، والتفكير وحل المشكلات وغيرها.

تشير بعض الدراسات إلى أن متوسط تغيير المهن في أستراليا قد وصل ما بين 5 – 7 مرات في عمر الفرد، والمهن لا يُقصد بها مكان العمل ولكن نوع العمل ذاته، بالتالي فإن فكرة زواج المهنة لحد الارتباط الأبدي غير مناسبة لعالمنا الرقمي الحديث ولم تعد واردة.

من هنا، تكتسب الفلسفة ميزة عظيمة وهي قدرتها على إكسابك المهارات الأساسية التي ستساعدك للانتقال بين المهن والصناعات المختلفة بسلاسة وقتما تشاء.

الأمر هنا مختلف عن شهادة الطب التي ستبقيك طبيبًا طيلة حياتك، أو الهندسة الإنشائية التي ستجعلك ملازمًا لمواقع البناء للأبد، الوضع هنا أكثر حرية واستقلالية ومتعة.

ريادة الأعمال نموذجًا

يستخدم رواد الأعمال مهاراتهم التحليلية والنقدية لمعرفة احتياجات السوق وفجواته ومشكلاته لإيجاد حلول إبداعية لتلك المشكلات والفجوات. تمامًا مثلما فعل خريج قسم الفلسفة لاري سانجر عند مشاركته في تأسيس موقع Wikipedia والحاصل على الماجستير والدكتوراة في الفلسفة أيضًا، وكذلك ستيوارت بترفيلد المشارك في تأسيس موقع Flicker لمشاركة الصور وهو للعلم حاصل على ماجستير في الفلسفة أيضًا.

كثير من خريجي الفلسفة يعملون في المجالات الآتية:

  • القانون.
  • الدين.
  • إدارة الأعمال.
  • الدبلوماسية الدولية.
  • العمل الاجتماعي.
  • الإدارة الطبية.
  • العلاقات العامة.

مما يجعل خريجي الفلسفة قادرين على شغل العديد من الأعمال والمناصب بعكس المتوقع.

ثانيًا: لن تملك المال الوفير لدراستك كانط وهيجل

تقول جين ويلز ل yahoo finance بناءًا على دراسة مالية لعدد من المواقع الإلكترونية:

“خريجي كليات الإنسانيات وتحديدًا الفلسفة هم أكثر جاهزية لاقتناص الوظائف ذات الرواتب المرتفعة”

والحقيقة أن خريجي الفلسفة يحصلون على فرص مادية أفضل من خريجي المجالات الفنية والإنسانية كافة، وهم من بين أعلى أربع فئات في متوسط الدخل للخريجين غير الحاصلين على دراسات عليا، وهم الأعلى في معدلات نمو الراتب بين قرنائهم في مراحل حداثة التخرج وحتى المراحل المهنية الوسيطة.

والآن، أنت تعرف أن ما يقال عن الفلسفة ودراستها هو محض خرافات لا أساس لها. إذن فدراسة الفلسفة تساعدك مهنيًا وماديًا.

ثالثًا: دراسة الفلسفة غير مهمة وتناسب الفاشلين!

الحقيقة أن خريجي الفلسفة هم أذكى طلاب المرحلة الجامعية، ويسجلون باستمرار في أفضل ثلاثة برامج في امتحانات المتطلبات الأساسية للدراسات العليا الأمريكية الـ GRE. في إحدى الدراسات، لوحظ حصول خريجي الفلسفة على أعلى معدل تقدّم في كليات الطب الأمريكية، وبعضها معدلات أعلى من طلاب علم الأحياء أنفسهم!

تحتاج صناعة التكنولوجيا خريجي الفلسفة لأن طريقة تفكيرهم الإبداعية مناسبة بشكل مثالي لتسارع الخطى التكنولوجية في عالمنا. كما تقدر مهنة المحاماة أيضًا المتقدمين الحائزين على درجات في الفلسفة لأنهم يفهمون مستوى الصرامة الفكرية في برامج التعليم القانونية وفي ممارسة المحاماة كوظيفة.

لم تظهر الفلسفة فجأة كما يعتقد البعض، بل كانت موجودة طوال الوقت ولفترة أطول من العلوم والرياضيات والأدب. في الواقع، كل هذه المجالات بدأت بفيلسوف يتساءل عن طبيعة الكون. لذلك، تقضي بعض الفصول مفكرًا في أسباب وجودك كإنسان في هذا العالم، فأنت كذلك تطور بعض المهارات المطلوبة بشدة في سوق العمل والتي يبحث عنها أصحاب العمل بنهم وبشكل متزايد في السنوات القادمة.

إذن، بعد هذا المقال، أعتقد أن سؤال “لماذا ندرس الفلسفة؟” لم يعد هو السؤال الأنسب، ولكن السؤال الأكثر ملاءمة الآن هو “لماذا لا ندرس الفلسفة؟”، أليس كذلك؟

——————————-

This quiz is for logged in users only.


مغالطة الرنجة الحمراء Red Herring

مغالطة الرنجة الحمراء

يعود سبب تسمية هذه المغالطة، إلى حيلة كان يستعملها المجرمون الفارون من السجن؛ لتشتيت الكلاب البوليسية، وذلك برمي سمك الرنجة الحمراء المدخنة ذي الرائحة الشديدة في مسار مختلف عن مسارهم، فتتشتت الكلاب وينجون.

ستركز هذه المقالة على شرح مغالطة الرنجة الحمراء وتقديم أمثلة عنها بالإضافة إلى اقتراح كيفية مواجهتها.

الرنجة الحمراء هو مصطلح يشير لكل محاولة لتحويل الانتباه عن المسألة الرئيسية في الجدل، وذلك بإدخال تفصيلات غير هامة، أو بإلقاء موضوع لافت أو مثير للانفعالات، وإن يكن غير ذي صلة بالموضوع المعني ولا يشبهه إلا شبهاً سطحيا، أي إنه إلهاء متعمد لنقل الحجة أو السؤال إلى قضية مختلفة يسهل الرد عليها فيقذف بالخصم خارج مضمار الحديث.

الشكل المنطقي لمغالطة الرنجة الحمراء:

الموضوع أ قيد المناقشة

تم تقديم الموضوع ب، الذي لا علاقة له بالموضوع أ

تم التخلي عن الموضوع أ

دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة النموذجية للرنجة الحمراء في الأدب والإعلام والحياة الواقعية لفهم هذه المغالطة بشكل أفضل.

أمثلة عن مغالطة الرنجة الحمراء :

1- في الأدب:

تُستخدم الرنجة الحمراء بشكل كبير في الروايات البوليسية وروايات الغموض، وذلك لجعل القصة أكثر إثارة من خلال تضليل القارئ بأدلة كاذبة لتشتيت انتباهه عن تحديد الجاني الحقيقي، ومنعه من الوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة. على سبيل المثال، قد يخلق المؤلف شخصية جانبية مثيرة للفضول أو استفزازية تجذب انتباه القارئ وتقوده إلى نتيجة خاطئة. ولكن يتضح أنها بريئة عندما يتم التعرف على القاتل الحقيقي.

تهدف الرنجة الحمراء إلى إبقاء القراء في حالة تخمين حول الاحتمالات حتى النهاية، وبالتالي تبقيهم مهتمين بالقصة. مما لا شك فيه أنه من الصعب الاحتفاظ باهتمام القارئ إذا كشفت قصص الإثارة القاتل من البداية.

  • تقدم أعمال السير آرثر كونان دويل العديد من الأمثلة عن مغالطة الرنجة الحمراء. على سبيل المثال، في رواية كلب آل باسكافريل The Hound of the Baskervilles ، يتم تضليل القراء من خلال شخصية الخادم، وهو المشتبه به الأكثر وضوحًا.

إنه شخصية غامضة ومضللة، ويبدو أن أحد الدلائل الرئيسية يقود إليه. ومع ذلك، تبين أن الخادم بريء تمامًا. هذا مثال كلاسيكي على الرنجة الحمراء المستخدمة كأداة مقصودة في الأدب.

  • تقدم شخصية الأسقف أرينغاروزا aringa rosa في رواية كود دافنشي لدان براون مثالاً على الرنجة الحمراء. حيث تُقدّم الشخصية بطريقة تجعل القراء يشكون في أنه العقل المدبر للمؤامرة بأكملها في الكنيسة.
الأسقف أرينغاروزا من فيلم شيفرة دافنشي

فيما بعد تبين أنه بريء. هذا المثال من الرنجة الحمراء في الرواية يصرف انتباه القراء عن هوية الرجل السيئ الحقيقي، وبالتالي يزيد من غموض القصة. ومن المثير للاهتمام أن اللقب الإيطالي للأسقف “أرينغاروزا” يعني بالإنجليزية “رنجة حمراء”.

2-  وسائل الإعلام:

المراسل: “لقد مر عامان منذ مباشرتك لتنفيذ سياساتك، وحتى الآن فشلت في خفض معدلات البطالة”.

 السياسي: “لقد كنت أعمل بجد منذ أن توليت منصبي، ويسعدني أن أقول أني قابلت العديد من قادة الأعمال في جميع أنحاء البلاد، الذين قالوا جميعًا إنهم سعداء برؤية عملنا الشاق يؤتي ثماره. “

السياسي في المثال يستخدم الرنجة الحمراء لتجنب الإجابة على السؤال الحقيقي.

3- الأعمال التجارية:

  • “من غير الأخلاقي أن تفرض على عملائك فائدة بنسبة 25٪ على قروضهم “.

= “حسنًا، إذا لم أحاسبهم بهذا السعر، فإن شخصًا آخر سيفعل ذلك.”

إن كان شخص آخر سيتقاضى هذا السعر أم لا، فإن هذا الموضوع ليس له علاقة بالمسألة الحقيقية لكونه غير أخلاقي.

4- الحياة اليومية:

“بدلاً من الاعتراض عليّ لأني أخذت رشوة بسيطة نتيجة تعبي، تكلّم عن الوزراء الذين سرقوا البلاد والعباد؛ فأصبحنا نعيش في الفقر والتخلف”.

في هذا المثال رمى القائل رنجة حمراء (فساد الوزراء) أشد رائحة من موضوعه البسيط (رشوة بسيطة) لتغيير الموضوع وتجنب اللوم، إن كل خطأ يبقى خطاً منفصلاً، أي أن قيام شخص آخر بذنب أكبر لا يجعل الذنب الأصغر مشروعاً.

كيفية مواجهة مغالطة الرنجة الحمراء:

من أجل اكتشاف الرنجة الحمراء، عليك أن تتذكر أن الحجة التي تحتوي على رنجة حمراء تستخدم معلومات غير ذات صلة لتغيير موضوع المناقشة.

عندما تتعرف على حجة الرنجة الحمراء أوضح أنها ليست ذات صلة بالموضوع الذي تتم مناقشته، واشرح سبب كونها خاطئة. بعد ذلك قم بتوجيه المناقشة إلى المشكلة الأصلية عن طريق إعادة صياغة حجتك أو سؤالك.

قد تكون هناك عوامل مختلفة تؤثر على سلوك خصمك، وربما سيبقى غير راغب في العودة إلى المشكلة الأصلية. في هذه الحالة لديك خيارين:

الأول: يمكنك قبول موضوع المناقشة الجديد والمتابعة فيه.
الثاني: الإصرار على الاستمرار في الموضوع الأصلي.

من الصعب أحياناً العودة للموضوع الأصلي أو حتى الاستمرار في مناقشة مثمرة. يعتمد الأمر على مهارتك ونوع الموقف لتحديد المسار الأنسب للمتابعة في المناقشة.

المصادر:

Fallacy Logic
Literary devices
المغالطات المنطقية، عادل مصطفى
رجل القش، الحشو المنطقي، الدليل المختصر للمغالطات المنطقية والانحيازات الإدراكية، يوسف صامت بوحايك

كيف لشريحة نيورالينك أن تنهي عالمنا الذي نعرفه؟ سيناريوهات وتوقعات

كيف لشريحة نيورالينك أن تنهي عالمنا الذي نعرفه؟ سيناريوهات وتوقعات

“حاولت إقناع الناس أن يبطئوا … يبطئوا الذكاء الصناعي … لم يصغِ إليّ أحد”

كانت هذه الكلمات التي نطقت بها شفتا المهندس ورجل الأعمال الشهير إيلون ماسك، نطق بها محذرًا من خطر الذكاء الصناعي على البشر ومستقبلهم، فالذكاء الصناعي أصبح يهدد الذكاء البشري، وما هي إلا سنوات معدودات حتى يملك الذكاء الصناعي زمام جميع أمورنا نحن البشر من وجهة نظره.

استطاعت 6 مليون سنة من التطور صقل الدماغ البشري بحيث لا يتسامح مع فكرة تفوق الآخرين، فنحن نغار من بعضنا البعض، ونشعر بالتهديد في حال تفوق أحدهم علينا، وهذا هو سر تخوفنا من الذكاء الصناعي، حيث أن هذه الحواسيب ستكون مدركة لتفوقها على أدمغتنا خلال سنوات، فمثلما جاء في فيلم «Alien Covenant» بعد عدة دقائق من تشغيل الروبوت الذكي «ديفيد-David» على يد صانعه المهندس «بيتر ويلاند-Peter Weyland»، وجّه ديفيد الكلام لويلاند قائلًا:

“أنت تبحث عن خالقك بينما أنظر إلى صانعي، سيكون عليّ أن أخدمك على الرغم من كونك إنسان سيموت بينما أنا لن أموت”

فهذه الروبوتات ستكون مدركة تمامًا لتفوقها علينا وأحقيتها بالسيادة بحكم ذكائها وقدرتها على التعلم.

ويبدو أن الحل الوحيد لهذه المعضلة هو أن نحارب النار بالنار، يبدو أن الحل كامن في دمج الدماغ البشري مع الحواسيب الذكية لكي نضمن سيادتنا على هذه الروبوتات التي صنعناها بأيدينا. لكن يبدو أن هذه الفكرة ما هي إلا نذير لسيناريو آخر لهلاك أعنف للبشر.

كشف إيلون ماسك الستار عن أحدث إبداعات شركته «نيورالينك-Neuralink»، وهي عبارة عن شريحة تُزرع في الدماغ عن طريق عملية جراحية، معلنة بدء عصر دمج الدماغ البشري بالآلة على نطاق تجاري، ستعطي الشريحة لصاحبها قابلية محو بعض ذكرياته، وتعديل الساعة البيولوجية، وزراعة معلومات داخل الدماغ، وغيرها الكثير من الإمكانيات.

وسط التخوفات ونظريات المؤامرة والتحذيرات الكثيرة قد نشعر ببعض من عدم الارتياح لهذه الفكرة، دعونا نناقش سويًا مخاطر هذه الفكرة.

أشهر 4 تخوفات من شريحة إيلون ماسك

1- «الاختراق-Hacking»

إذا قام أحدهم باختراق هذه الشريحة فسيملك بين يديه كل المعلومات التي يحتويها دماغ صاحبها، بل أنه سيملك صاحبها نفسه، تخيل عزيزي القارئ أن مشاعرك، وذكرياتك، وخبراتك، ومخاوفك بل وحتى أفعالك ستكون ملك يدَي شخص آخر.

هذا قد يمكنّه من زراعة ذكريات وهمية في دماغك، تخيل أن يتحكم بك ليرتكب جريمة بيديك، ولن يُدان بالجريمة سواك أنت.

اختراق هذه الشريحة سيمكن مخترقها من التحكم في حياة صاحبها حرفيًا، وهذه ليست بالفكرة الجيدة على ما يبدو.

2- الاستغلال

بما أن الشريحة يمكن عن طريقها التحكم في مشاعر وأفكار صاحبها، دعونا نتخيل سويًا ما قد يحدث إذا استغل رؤساء العمل هذا لجعلنا نعمل ساعات إضافية، أو تحكمت بنا الشركات التجارية الكبرى لشراء منتجاتها بنهم، أو تحكم السياسيون بمعارضيهم لتحويلهم إلى خدم مطيعين لهم، سنصير عبيدًا تحت رحمة من يسيطر على هذه الشريحة، وهذا سيقوم بخلق واقع ديستوبي شبيه بالذي في رواية “1984” لكاتبها الراحل «جورج أورويل-George Orwell».

استغلال هذه الشريحة من قبل الآخرين سيسلبنا إنسانيتنا وحريتنا محولًا إيانا إلى نسخ كربونية تطابق رغبات الآخرين دون أي اعتراض منّا على أي شيء.

3- التطبيقات العسكرية

كعادة معظم ابتكارات واكتشافات البشر، لا يطول الأمر حتى يأتي أحدهم بفكرة لتوظيف هذا الاكتشاف في صناعة الأسلحة، خذ على سبيل المثال الهندسة الوراثية التي استُخدمت في صناعة وتطوير الأسلحة البيولوجية، أو معادلة أينشتاين الشهيرة “E=MC^2” التي تنص على وجود طاقة مختزنة في ذرات المادة، وجميعنا نعرف انها كانت شرارة أشعلت نارًا التهمت 200,000 روح بريئة باسم الطاقة النظيفة الغير محدودة.

امتلاك شيء قادر على التحكم بالدماغ البشري قد يخلق جنودًا خارقين يمكنهم القتال لساعات متواصلة دون كلل أو خوف، جنودًا دمويين لا وجود للرحمة في قاموسهم، لا يجدون أي مشكلة أخلاقية في إبادة الأبرياء وارتكاب أبشع جرائم الحرب، فقط يفعلون ما يؤمَرون به دون خوف أو تفكير، وهذا بلا شك سيقلب موازين القوى ويغير شكل الحروب للأبد.

4- «الإبادة الجماعية-Genocide»

لن يستغرقك الأمر بضع دقائق من التأمل حتى تجد تحكم البشر واستعبادهم لما حولهم، نحن نقتل الأفيال من أجل العاج، نقتل الحيوانات من أجل لحومها وفرائها، نمتطي الحيوانات الأخرى كالخيول بغرض المفاخرة، نمتلك تلك الرغبة الصارخة في السيطرة على كل ما هو أدنى منّا.

التاريخ مليء بإبادات جماعية بسبب العنصرية والتعالي على الأعراق الأخرى، في الواقع، قد نكون نحن السبب في انقراض أسلافنا من ال «Homo Neanderthals» وال «Homo Erectus» فقط لأننا أعلى تطورًا منهم، أو لأنهم كانوا يمثلون خطرًا على الموارد الغذائية التي كانت شحيحة آنذاك، ولماذا نذهب بعيدا؟

هتلر شن حملات إبادة ضد اليهود، وذوي الإعاقات، والمثليين، وأصحاب الأمراض المزمنة.

كولومبوس أباد سكان أمريكا الأصليين، وغيرها الكثير من حملات التطهير العرقي التي تزعمها أشخاص احتقروا أعراقًا أخرى.

مما لا شك فيه الآن أن هؤلاء ال« بشر السيبرانيين-Cyborgs» سيشعرون أننا أدنى منهم ذكاءً وكفاءةً، سيرون أنهم متطورون عنّا، وأننا على درجة أدنى من السلم التطوري، وهذا ينذر بإبادة جماعية للبشر الطبيعيين، مما قد يعني نهاية البشرية بالشكل الذي نعرفه.

الخلاصة: قد يأخذ المستقبل منحى أخر أكثر ظلامًا مما كنّا نتوقع، فيجب علينا أن نتمهل ونفكر مليًّا فيما نحن مقبلون عليه، وإلا كنّا سببًا في هلاك أنفسنا.

المصادر:

forbes
the conversationtheconversation

اقرأ المزيد حول: ماذا تعرف عن شريحة نورولينك العصبية التي أعلن عنها إيلون ماسك

ما هي النظرية العلمية ؟ وهل هي مجرد رأي؟

ما هي النظرية العلمية ؟ وهل هي مجرد رأي؟

تختلف الطريقة التي يستخدم بها العلماء كلمة “نظرية” قليلًا عن الطريقة التي يشيع استخدامها بين العامة.

يستخدم معظم الناس كلمة “نظرية” للإشارة إلى فكرة شخص ما أو حدسه حول موضوع معين. ولكن الأمر يختلف في العلم، إذ تشير كلمة “نظرية” إلى الطريقة التي نفسر بها الحقائق العلمية.

خطوات الوصول إلى النظرية العلمية

تبدأ كل نظرية كفرضية. الفرضية العلمية هي حلٌ مقترح لتفسير حدث لا نملك له تفسيرًا بعد، ولا تفسره نظرية علمية مقبولة حاليًا. وحسب قاموس (مريام ويبستر): الفرضية فكرة لم يتم إثباتها بعد. فإذا تراكمت أدلة تكفي لدعم هذه الفرضية، فإنها تنتقل إلى الخطوة التالية، المعروفة في المنهج العلمي باسم (النظرية)، وتصبح مقبولة كتفسير صالح للظاهرة.

عندما يتوصل العلماء إلى حقائق أو ملاحظات معينة، فإنهم يحتاجون إلى وضع تلك الحقائق والملاحظات في إطار معين، وهنا يستخدم العلماء النظرية العلمية لهذا الشأن. لذلك، فالنظريات قابلة للتغير، أي أن طريقة تفسيرنا للحقائق قد تتغير، لكن الحقائق نفسها لا تتغير.

يشبّه (جايمي تانر)، أستاذ البيولوجيا في كلية (مارلبورو)، النظريات بسلة يحتفظ بداخلها العلماء بالحقائق والملاحظات التي يتوصلون إليها. وقد يتغير شكل هذه السلة كلما توصل العلماء إلى المزيد من الحقائق.

على سبيل المثال، لدينا أدلة وافرة على تغير السمات في جماعات الكائنات بمرور الوقت (التطور)، لذا فإن التطور هو حقيقة لا تتغير. ولكن النظريات التي نستخدمها لتفسير التطور هي التي قد تتغير في حال توفر لدينا المزيد من الملاحظات حول التطور.

أسس النظرية العلمية

تعرف جامعة كاليفورنيا، النظرية بأنها “تفسير شامل وطبيعي لمجموعة واسعة من الظواهر”، فالنظريات تتسم بالإيجاز والترابط المنطقي والمنهجية وقابلية التنبؤ، كما أنها قابلة للتطبيق على نطاق واسع، وغالبًا ما تدمج وتعمم العديد من الفرضيات.

يجب أن تقوم أي نظرية على فحص دقيق وعقلاني للحقائق. وهنا يجب التأكيد على أن الحقائق والنظريات شيئان مختلفان. ذلك أنه في المنهج العلمي، ثمة تمييز واضح بين الحقائق التي يمكن ملاحظتها وقياسها، والنظريات، والتي هي تفسيرات العلماء للحقائق.

كما إنه من المهم لما تتوصل إليه النظرية العلمية أن ينعكس إلى أمور يمكن ملاحظتها، فالنظرية الجيدة، مثل نظرية الجاذبية لنيوتن، تتسم بالوحدة والتماسك، ما يعني أنها تتكون من عدد محدود من آليات حل المشكلات، يمكن تطبيقها على مجموعة واسعة من الظروف العلمية بغرض تفسيرها. ميزة أخرى للنظرية الجيدة هي أنها تتكون من عدد من الفرضيات التي يمكن اختبارها بشكل مستقل.

تطور النظرية

ليست النظرية العلمية النتيجة النهائية للمنهج العلمي. فالنظريات يمكن إثباتها أو رفضها، تمامًا مثل الفرضيات. ويمكن تحسين النظريات أو تعديلها إذا تم جمع المزيد من المعلومات، ما يجعلها أكثر دقة في التنبؤ بمرور الوقت.

لا تصبح النظريات قوانينًا كما يعتقد البعض، ذلك أن النظريات والقوانين لها أدوار منفصلة ومتميزة في المنهج العلمي. القانون هو وصف لظاهرة ملحوظة في العالم الطبيعي والتي تكون صحيحة في كل مرة يتم اختبارها. لا يفسر القانون سبب صحة أمر ما؛ إنما يقر على صحته فحسب.

من ناحية أخرى، تشرح النظرية الأمور التي لوحظت أثناء العملية العلمية. لذلك، في حين أن القانون والنظرية جزء من العملية العلمية، فهما جانبان مختلفان تمامًا، وهذا وفقًا لجمعية معلمي العلوم الوطنية.

مثال جيد على الاختلاف بين النظرية والقانون هو قانون العالم جريجور مندل. نحن نعلم أن قانون مندل ينص على أن سمتين وراثيتين منفصلتين ستظهران بشكل مستقل عن بعضهما البعض في ذرية مختلفة. اكتشاف مندل ظل قانونًا منذ ذلك الوقت، لكن تفسير هذا القانون لم يعرفه العلماء إلا بعد قرن من الزمان عند اكتشاف الحمض النووي و الكروموسومات، ووضْع نظرية وراثة الكروموسومات التي لا تزال مقبولة عالميا لتفسير قانون مندل إلى يومنا هذا.

تكمن أهمية النظريات في أنها أسس لتعزيز المعرفة العلمية، وتطبيق المعلومات المجمعة واستغلالها للاستخدام العملي. إذ يستخدم العلماء النظريات لتطوير الاختراعات المختلفة أو إيجاد العلاج لمرض ما.

مصدر
Livescience

الذاكرة و تأثير راشومون : هل يمكننا الوثوق بذاكرتنا؟

هل تعتقد أن ذاكرتك قوية بما يكفي لاسترجاع ما يحدث أمامك الآن دون أخطاء؟ حاول أن تتذكر أي يوم مميز في حياتك. ثم اسأل من شاركوك نفس اليوم عن تفاصيله. لا تندهش عندما يسردون وقائع لم ولن تتذكرها رغم تأكديهم أنها حدثت. فلن تعرف أبدًا مدى صحة رواياتهم أو روايتك لأن الذاكرة البشرية-على عكس ما تعتقد- تتغير وتتجدد باستمرار لتخلق لكل منا نسخته الفريدة عن الواقعة ذاتها.

قصة القتيل في الغاب

اليابان في القرن الثاني عشر حيث تستمع المحكمة لشهادات الشهود حول الجثَّة التي وجدها حطَّاب في الغابة. لكنها لم تكن محاكمة عادية، إذ اختلفت الشهادات بشكل لا يُصَدَّق. كان هناك سيف، لا لم يكن هناك سيف. زوجة القتيل خانته، لا لم تخُنْه. وهكذا التَبَس عليهم أمرهم مع كلِّ شهادة جديدة، لدرجة أن ثلاثة من الشهود اعترف كل منهم أنه القاتل ولا قاتل سواه!

“من الصعب القول من هو المُخطِئ الأعظم أنتم أم أنا”

-قاطع الطرق “تاجو مارو” المتهم بقتل الرجل واغتصاب زوجته أمام المحكمة.

هذه لمحة من قصة (رينوسكي أكوتاكاوا) الممتعة التي حولها المبدع الياباني (أكيرا كوراساوا) إلى فيلم «راشومون-Rashomon»الحائز على الجائزة الأولى من مهرجان فينيسيا، وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. جاءت تسمية “تأثير راشومون” لوصف التضارب الحادث بين شهود العَيان على نفس الحادثة. يتكرر تأثير راشومون كثيرًا في حياتنا اليومية بدءًا من الأشياء التي تضعها في مكان وتظن أنك وضعتها في مكانٍ آخر، وصولًا إلى التفسيرات المختلفة للوقائع والأحداث من مراسلي التلفاز، وغيرها من المواقف التي يصبح فيها الوصول إلى الحقيقة مستحيلًا.

الملصق الدعائي لفيلم راشومون

ماذا يربط بين الذاكرة والمثلَّجات والهاتف الصيني؟

قام علماء بتجربة يشاهد فيها المتطوعون حلقة من مسلسل تلفزيوني ثم يُسأَلون عن أحداث الحلقة بعد وقت من مشاهدتها. في خلال هذا الوقت يختار المتطوعون بين التَمرُّن على حلِّ أسئلة عن الحلقة أو لعب لُعبة Tetris. قبل الاختبار النهائي شاهد المتطوعون فيديو ملخّص لأحداث الحلقة تم تغيير بعض التفاصيل فيه عن تلك التي شاهدوها في الحلقة الأصلية بهدف تشتيتهم. في الاختبار النهائي، وجد أن إجابات الفريق الذي اختار حل الأسئلة أقل دقة بشكل ملحوظ من إجابات الفريق الذي لعب Tetris! فكيف حدث هذا؟(1)

عندما تمر بموقفٍ ما تتكون ذكرى لهذا الموقف في الدماغ على شكل روابط عصبية في الذاكرة طويلة المدى فيما يعرف بعملية «تقوية أو ضم الذاكرة-Memory Consolidation». هذا جميل فالذكرى تتحول إلى حالة غير نشطة يتم تخزينها، إلا أنك كلما استرجعت هذه الذكرَى تصبح نشطة مرة أخرى ويتم إعادة عملية ضمِّها مرة أخرى “reconsolidation”. هذا يعني أنه عند استرجاع الذكرى تصبح هشَّة وقابلة للتشوه والتغيير لبعض الوقت، تمامًا كقطعة مثلجات أخرجتها من المُجَمِّد حتى انصهرت وتشوَّهت ثم جمَّدتها مرة أخرى(2).

عملية تغير الذكرى عند استرجاعها

كلما استرجعت الذكرى كلما تغيرت واختلطت بغيرها ثم تحفظ بحالتها الجديدة إلى أن تسترجعها فتتغير من جديد وهكذا. الأمر أشبه بلعبة “الهاتف الصيني” حيث يهمس اللاعب الأول في أذن من يليه بحكاية ما، ويهمس بها الثاني للثالث وهكذا. تجد في النهاية أن القصة التي يرويها اللاعب الأخير تختلف كثيرًا عن القصة الأصلية.

رحلة الذاكرة من اليقين إلى الشك!

بدأ الاهتمام بتغيُّر الذاكرة على يد عالم النفس البريطاني «فريديريك بارتليت-Frederick Bartlett»في الثلاثينيات. ومن الغريب أن لعبة الهاتف الصيني نفسها هي التي ألهمته بالبحث في تغيّر الذاكرة. حيث قام بإجراء تجارب أوضح من خلالها تغيير ذاكرة الأشخاص لقصةٍ معينة يقرؤونَها حسب اختلاف خلفياتهم الثقافية والتاريخية(3).

كما قامت «اليزابيث لوفتس-Elizabeth Loftus»عالمة النفس والقانون بجامعة كاليفورنيا بدراسة تأثير الأسئلة الموجهة “Leading Questions” على استرجاع الذكريات لدى الشهود. يشاهد المتطوعون اصطدامًا بين سيارتين، ثم يُسأَلون عن سرعة السيارتين. وجد أنه عند سؤالِهم: كم كانت السرعة حين “تصادَمَتا” يعطون تقديرات للسرعة أعلى من تلك التي يُعطونَها حين يُسأَلون عن السرعة حين “تلامَسَتا”(3).

قام العلماء أيضًا بعدَّة تجارب على الفئران والبشر والحيوانات لِمَحوِ ذِكرَى معينة باستخدام أدوية تمنع تصنيع الروابط العصبية.

كما درسوا تأثير التَحَيُّز على الذاكرة. يشاهد المتطوعون شجارًا بين اثنين، ثم يتم تقسيمهم إلى مجموعتين. إحداهُما تروي الواقعة لشخصٍ لا يُحب أحد طرفي النزاع، والأخرى تروي لشخصٍ لا يحب الطرف الآخر. وجد أن الشهادات جاءت متباينة بين المجموعتين. ولكن المُدهِش أنه حين طُلِب من كلتا المجموعتين الإدلاء بشهادةٍ أمام شخصٍ محايد، كانت روايات شهود كل مجموعة تنتقص من الأحداث حسب تحيُّزِهم لأحد الطرفين في المرة السابقة!(4)

وتوالت الكثير من التجارب حتى وقتنا هذا مؤكدة على نفس الحقيقة: أن ذاكرتنا تُخطِئ وترتجل وتَتَبدَل تحت تأثير الكثير من العوامل. يمكنها اختلاق التفسيرات وإعادة ترتيب الأحداث، وتبديل الشخصيات بما يؤكد على تأثير “راشومون” الذي كُتِبَ عنه قبل أن تؤكده الدراسات العلمية.

نصف كوب الذاكرة المَملوء

الأمر الجيّد في تغيّر الذاكرة هو أنَّنا يمكننا تغييرها! فَكِّر في مرضَى الخوف غير المبرر أو الفوبيا، أو متلازمة توَتُّر ما بعد الصدمة. ماذا لو تَمكَّن العلاج النفسي من استغلال هشاشة الذاكرة وقت استرجاعها في تغيير الذكرى السيئة التي سببت الحالة المرضية؟ يمكن من خلال هذا التأثير إعادة كتابة الذكريات كَيْلا ترتبط بمشاعر الخوف أو التوتر مرة أخرى(5). أيضًا بدراسة الظروف والعوامل التي تؤثِّر في تغير الذاكرة يمكننا أن نضع شهادات شهود العيان في محلِّها الصحيح من حيث القوَّة أو الضعف.

يفتح تأثير راشومون أمامنا الباب كي نراجع ما نعرفه عن ذاكرتنا طوال هذه السنوات. هل كان الماضي أجمل وأكثر بركةً كما يخبرنا من عاصروه من الكبار؟ هل كنت سعيدًا حقًا في تلك الرحلة؟ أم أنك تتذكر هذا لأنك ترى ابتسامتك في الصور؟ هل كان التاريخ منصفًا في وصف الوقائع والأحداث حتى لو تحرَّى المؤرِّخون الصدق؟ حسنًا إذا وصلت إلى هنا عزيزي القارئ فأنصحك بمراقبة ذاكرتك وعدم النظر للأمور بنظرة أحادية. فذاكرتك قد اعتادت ملئ الفراغات وتبديل الأحداث واختلاق المبررات كلما استرجعتها. ليس عيبًا منها، فالعقل دائمًا يسعى لراحتك، لذا قد تجده حريصًا على أن يروي لك قصة منطقية مقبولة لديك على أن يروي ما حدث بالضبط. إذا رأيت مصابًا بداء ألزهايمر تجده يقسم على صدق ما يقول، رغم أن عقله ببساطة قد حاك له قصةً لم تحدث قط. يبقى لي أن أرشح لك فيلم Rashomon، ولا تثق فيما نقلته لك من أحداث القصَّة فلعل ذاكرتي قد خدعتني مجدَّدًا!

المصادر:
1.National Geographic
2. Wikipedia
3.The Conversation
4. Neurophilosophy
5.Scientific American

طاعون النيوليبرالية الذي ترك الولايات المتحدة غير مهيأة للكورونا، حوار مع نعوم تشومسكي

طاعون النيوليبرالية الذي ترك الولايات المتحدة غير مهيأة للكورونا، حوار مع نعوم تشومسكي


نظرًا إلى وصول عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في الولايات المتحدة إلى 150,000 حالة وفاة، تقرأون الآن هذا اللقاء المترجم مع الفيلسوف والناشط السياسي، وعالم اللسانيات واسع الشهرة، ومؤلف ما يفوق المائة كتاب: البروفيسور نعوم تشومسكي. الذي يوضح فيه كيف من وجهة نظره أدت عقود من السياسات النيوليبرالية إلی تمزيق شبكة الأمان الاجتماعي والمؤسسات العامة، وترك الولايات المتحدة غير مستعدة لأزمة صحية كبرى كالأزمة الحالية، ويدعونا إلى ضرورة فهم جذور هذا الوباء. وهذا في حواره التالي مع الصحافيتين ايمي جودمان ونيرمين الشيخ من موقع الديموقراطية الآن.

تشومسكي:

في البداية علينا أن نعلم أن ثمة أوبئة أخرى قادمة وربما تكون أسوأ.
لقد كنا حتى الآن محظوظين. ذلك أن الأوبئة بشكل عام أمر خطير للغاية، وثمة العديد من الاحتمالات فيما يتعلق بأمرها. مثلًا، كل تلك الأوبئة التي حدثت في السنوات العشر أو الـ خمسة عشر الماضية، كان الفيروس الذي نتحدث عنه إما قاتلًا بكثرة ولكنه ليس معديًا جدًا، مثل الإيبولا، أو معدٍ جدًا لكنه ليس قاتلاً بكثرة، مثل COVID-19.
ما الذي قد يحدث في حال عانينا وباءًا قادمًا معديًا جدًا وقاتلا بكثرة على حد سواء؟ سنكون في ورطة كبيرة، وسنعاني ما هو أسوأ بكثير من وضعنا الحالي وأسوأ مما يسمى بـ “الإنفلونزا الإسبانية”، والتي كان يجب أن تسمى ‘إنفلونزا كانساس” حسب منطق ترامب (يسمي الرئيس الأمريكي فيروس كورونا بالفيروس الصيني). ذلك أنها نشأت في كانساس منذ قرن مضى. ربما نواجه ما هو أسوأ من ذلك بكثير.

البروفيسور نعوم تشومسكي

ثمة طرق وجدت للتعامل مع هذه الجائحة، كان العلماء على دراية بأن وباءًا آخر محتملًا قد يكون آتيًا، وذلك بعد وباء السارس فى عام 2003، لقد حذر العلماء من ذلك وعرضت السياسات التي كان بالإمكان تنفيذها. لكن ذلك لم يحدث، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاختلالات المؤسسية العميقة. إذ لا يمكن لشركات الأدوية، والتي تعد الكيان المفترض الاعتماد عليه في هذا الشأن، من خلال المنطق الرأسمالي. أن تنفق المال في محاولة لمنع وقوع كارثة بعد عشر سنوات من الآن. لكن تركيزها ينصب على محاولة كسب المال العاجل وفي الغد. هذه طريقة سير النظام. لذا تم استبعاد شركات الأدوية من المنطق الرأسمالي.
أما فيما يخص الحكومة، من الممكن لها إجراء معظم البحوث الأساسية عن اللقاحات والأدوية، أو كلها تقريبًا. لذا كان بإمكانهم الشروع في الأمر، وإنشاء مختبرات، مستغلين الموارد غير المحدودة. لكن الحكومة تشكل – حسب تعبير الرئيس ريجان في الثمانينات وهو يوضح سياسته في عدم التدخل- المشكلة وليس الحل. إن الطاعون النيوليبرالي يحول دون إتمام أي من ذلك، بمعنى أننا يجب أن نتسلم مسؤولية اتخاذ القرارات من أيدي الحكومة، وهي المسؤولة عن التقصير؛ فيتحول الأمر إلى يد طغيان القطاع الخاص، غير الخاضع للمساءلة، هذا هو معنى شعار ريغان. وهذا هو المبدأ الأساسي للنيوليبرالية. الذي يعاني منها العالم منذ 40 عاما، باستثناء أقلية ضئيلة تمكنت من أن تصبح غنية وقوية للغاية.

ورغم ذلك، بقيت ثمة اجراءات ممكنة للحكومة الأمريكية. على سبيل المثال، عندما تولت إدارة أوباما مقاليد الحكم، وفي الأيام القليلة الأولى، اتصل أوباما بالمجلس الاستشاري العلمي الرئاسي، الذي أنشأه جورج بوش الأب، وقد كان يحمل احترامًا للعلم. وطلب أن يضعوا معًا برنامجًا للتعامل مع الأوبئة، وبالفعل جاؤوه بتقرير بعد أسبوعين، وتم تنفيذه. وظل الأمر على ذلك حتى كانون الثاني/يناير 2017.

وبعد أن تسلم ترامب منصبه، في الأيام القليلة الأولى، فكك النظام بأكمله. ويعتبر هذا جزء من سياسة كرة التحطيم العام التي نهجها ترامب، بمعنی: “علينا أن ندمر كل ما فعله أوباما”. لأنها الطريقة الوحيدة ليبدو وكأنه يفعل شيئًا.

وكانت ثمة برامج لعلماء أميركيين يعملون في الصين مع زملاء صينيين في محاولة للكشف عن الفيروسات التاجية (عائلة كورونا) وتحديدها. إنه عمل خطير جدًا وبعضهم فقد حياته. لكنهم كانوا ينجحون في الكشف عن الفيروسات، والتعرف إليها واختبارها. وذلك في معهد مدينة ووهان لعلم الفيروسات، التي هي مركز نشوء هذا الوباء، وألغى حينها ترامب البرنامج.

وقد نفذت في وقت متأخر من أكتوبر 2019 عمليات محاكاة لوباء تحذر مما سيحدث. ولم تعر إدارة ترامب الأمر أي اهتمام. ولهذا السبب، بمجرد أن أصاب الوباء أخيرًا، كانت الولايات المتحدة غير مستعدة على الإطلاق. ناهيك عن ذكر سلسلة التقاعس البشع والإجراءات التي تبعت ذلك، كرفض ترامب الاعتراف بالأمر برمته لبضعة أشهر!
وبينما كان هذا يحدث في الولايات المتحدة، كانت لبلدان أخرى ردات فعل. مثل آسيا وأوقيانوسيا وأستراليا ونيوزيلندا. كوريا الجنوبية، التي كانت واحدة من أول الأماكن التي أصابها الوباء، تعاملوا مع الأمر بعقلانية. حددوا أماكن الخطر، وسيطروا عليها، وأجروا الفحوص، وتعقبوا المخالطين.
أبلغت فيتنام – التي يبلغ طول حدودها مع الصين 1400 ميلا- عن صفر وفيات. وأدت كل من كوريا الجنوبية وتايوان ونيوزيلندا واستراليا بشكل جيد. حتى أوروبا، لقد تأخروا بما لا يستهان به، لكنهم تصرفوا أخيرًا. وقد انخفض المنحنى بشكل حاد منذ شهر مارس لمعظم أوروبا. والبعض الآخر، مثل النرويج وألمانيا، يبلي بلاء حسنًا في هذا الصدد. حتى أن حركة السفر عبر جنوب إيطاليا تكاد تكون طبيعية.

ويذكر أن الأمر تطور إلی درجة أن أوروبا، قد حظرت الزوار الأمريكيين من دخول حدودها. لقد نبذت الولايات المتحدة، لدرجة أنه لا يُسمح للأميركيين بالذهاب إلى بلدان أخرى. الأمر شبيه إلى حد كبير بما حدث في البرازيل. إذ أن الرئيس البرازيلي (بولسونارو) كان ينكر الأمر برمته “إنها مجرد إنفلونزا خفيفة. لا تقلقوا بشأن ذلك، البرازيليون أقوياء. نحن لا نهتم”. وتحتشد في الشوارع اجتماعات كبيرة من أنصار بولسونارو اليمينية للرقص والاحتفال ونشر الفيروس، ولا يجد بولسونارو في ذلك غضاضة.

جريمة حالية أخرى تزلزل العالم هي تدمير غابات الأمازون. وأثر هذا يمتد إلى العالم بأسره، وليس على البرازيل فحسب، وتشير التوقعات العلمية إلى أن الأمازون حسب مسارنا الحالي سيتحول في غضون 15 عامًا تقريبًا من بالوعة بحتة لثاني أكسيد الكربون، إلى مصدر صافٍ لانبعاثه، وهي التي يطلق عليها أحيانًا رئتا الأرض. لامتصاصها كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون.
إن الأمازون، حسب المسار الذي نحن فيه سائرون، ستتحول إلى ما يشابه حشائش السافانا، لا غابة كما هي الآن. وهذا مدمر للبرازيل وللعالم بأكمله. ذلك أنها واحدة من مصادر الأكسجين الرئيسة في العالم.

وعلى جميع الأصعدة، نحن نهوي بجنون نحو كارثة شاملة تحت قيادة متعصبين معتلين اجتماعيًا. كما لو أن الشياطين قررت أن تتولى أمر الجنس البشري ودفعهم إلى التدمير الذاتي. تحاول الكثير من دول العالم، بل معظمها منع حدوث ذلك، ولكن الولايات المتحدة والبرازيل تتسابقان بتفانٍ نحو الهاوية.

وهذا يأخذنا إلى الانتخابات القادمة، لعل ما سبق ذكره هو السبب في أنها أخطر وأهم انتخابات في التاريخ. لماذا نعد ترامب، وقد يبدو هذا أمراً مبالغا فيه -لكنه صحيح- أخطر شخصية في تاريخ البشرية؟
الحزب الجمهوري اليوم هو أخطر منظمة في تاريخ البشرية. يمكنك مقارنة ترامب، على سبيل المثال، بهتلر.
خذ مثلًا إعلان وانسي في عام 1942، حيث دعا إلى قتل جميع اليهود، وعشرات الملايين من السلاف، أما ما نواجهه الآن هو تدمير المجتمع الأنساني بأكمله. لم يسبق لنا مواجهة شيء من هذا القبيل قطّ.

فيما يخص الحزب الجمهوري، نحن نعرف كيف آل به الأمر إلى هذا. بالعودة إلى عقد من الزمان أو نحو ذلك، كان جون ماكين، عام 2008، مرشحاً للرئاسة. كان برنامجه ضعيفًا للغاية، لكنه احتوى بعض السياسات بصدد الاحتباس الحراري العالمي. وبدأ الكونجرس الجمهوري يأخذ في الحسبان ظاهرة الاحتباس الحراري، عبر سياسات للحد من تفاقمها. لكن الإخوة (كوخ)، وهم أصحاب شركة الطاقة، كان لهما رأي آخر، إذ عملوا لسنوات لمنع هذا، أطلق ديفيد كوخ، أحد الإخوة الذي توفى مؤخراً، حملة ضخمة للتأكد من أن الحزب الجمهوري سينكر الأمر. قد رشى الأخوان أعضاء مجلس الشيوخ، وأرهبوا الآخرين بالتهديد بشن حملات مضادة ضدهم، وشنوا حملة ضغط ضخمة، وبالفعل تخلى الحزب عن كل جهوده للتعامل مع تغير المناخ. إنها الآن حفلة يسودها النكران الكامل.

-الصحافية إيمي غودمان: بينما تتحدث عن هذا الأسلوب الإنكاري وتجاهل العلم، فيما يخص أولًا أزمة المناخ وصولا إلى الوباء، إذ يهدد كلاهما الحياة على الأرض، يعقد الرئيس ترامب الآن مؤتمرًا صحفيًا يوميًا لفيروس كورونا دون حضور العلماء، لديك مثلا كل من أنتوني فاوتشي، كبير علماء الأمراض المعدية، بالإضافة إلى د.(بيركس)، لن يكونا جزءًا من هذا المؤتمر الصحفي. هل تعتقد أن على الصحفيين الحاضرين للاجتماع الامتناع عن الحضور ما لم يتواجد هناك العلماء، وما لم يرتد الرئيس ترامب الكمامة؟

-تشومسكي:
نعم، أعتقد ذلك، كما أعتقد أنه ينبغي عليهم أن يفعلوا أكثر من ذلك بكثير، وأن يشيروا باستمرار إلى ما قلته قبل قليل: وذلك أننا نتعامل مع أخطر شخصية في تاريخ البشرية، مدعومة بأخطر منظمة في تاريخ البشرية، وأن نفصح عن الحقائق. ليس فقط فيما يخص هذا الوباء، بل والتهديد الأكثر خطورة بكثير لكارثة بيئية، والتهديد المتزايد والجدي للحرب النووية.

في رأيي، يجدر بكل صحيفة أن تضع على صفحتها الأولى صورة من الساعة المؤقتة لانتهاء العالم. لعلك تعلم عن هذا الموضوع، في يناير من كل عام، تجمع مؤسسة (bulletin it the atomic scientists) -وهي المجلة العلمية الرئيسية التي تتناول قضايا أمن العالم- العلماء والمحللين السياسيين في محاولة لإعطاء تقدير لحالة الأمن العالمي. وهذا بدأ بعد وقت قصير من القنبلة الذرية، وينفذ هذا سنويٗا على التوالي منذ 75 عاما. إذ ينُقل مؤشر الساعة -بشكل متذبذب – إلی نقطة أقرب أو أبعد قرب منتصف الليل، اعتمادًا على مدى خطورة الوضع العالمي. وساعة منتصف الليل تعني أن أمرنا قد انتهى.

في كل عام مر على ترامب في منصبه، اقترب مؤشر الدقيقة من منتصف الليل!
قبل عامين، وصل إلى أقرب مما كان عليه في أي وقت مضى. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، تخلى المحللون عن الدقائق؛ إذ انتقلوا إلى الثواني. مائة ثانية حتى منتصف الليل ومنذ كانون الثاني/يناير، جعل ترامب كل واحدة من القضايا التي أثاروها هؤلاء الخبراء أسوأ. وهذه القضايا ثلاث رئيسية: الأولى بالطبع هي خطر الحرب النووية، والثانية خطر حدوث كارثة بيئية، والثالثة هي تدهور الديمقراطية. والتي تدرج إلى جانب الأخرتين لمجرد فكرة أن وجود ديمقراطية حية يمكن الجمهور المطلع، من المشاركة بهدف أن يكون لدينا أي أمل في الهروب من الأزمتين الوجوديتين الأخرتين.

ومنذ كانون الثاني/يناير، نجح ترامب في جعل الأزمات الثلاث أسوأ. مسألة الأسلحة النووية على سبيل المثال، أصبحت أسوأ بكثير بفضل تصرفات ترامب. وبطبيعة الحال، فإن الأزمة البيئية تزداد سوءًا، ذلك أن ترامب يتجه الآن نحو زيادة الاعتماد على استخدام الوقود الأحفوري الأخطر، ويضيق على محاولات التقليل من ذلك عبر ممثليه عند وكالة حماية البيئة وآخرين، كما يضيق على الجهود الساعية إلى التخفيف من حدة الأزمة من خلال الوسائل التنظيمية.
أما الديمقراطية، شأنها واضح جدًا. قد أفرغت السلطة التنفيذية أساسًا من الأصوات المستقلة. ولم يبق سوى المتملقين مع شعارات مثل “نحن أرسلنا الله لإنقاذ اسرائيل”.

أما المفتشين الذين فرضهم الكونغرس، لرصد المخالفات من الهيئات التنفيذية، فقد تم انتقائهم كذلك. والواقع أن ترامب بذل كل ما في وسعه لإذلال السناتور الجمهوري البارز تشارلز غراسلي، الذي أمضى معظم حياته المهنية في فرض هؤلاء المراقبين. أما محامي المنطقة الجنوبية من نيويورك الذي حاول النظر داخل مستنقع ترامب قد انتهى به الأمر إلى الطرد.
كان الكونغرس، المدار حاليا بواسطة ماكونيل، يُدعى أعظم هيئة للشورى في العالم. والآن هو بمثابة نكتة. لا يقوم بأيّ شورى ولا يفعل شيئًا أساسًا سوى محاولة تدبير أكبر عدد ممكن من تعيينات القضاة الشباب اليمينيين المتطرفين حتى يتمكنوا من حزم السلطة القضائية لجيل كامل. بالإضافة إلى إيجاد طرق لضخ الأموال في جيوب الأغنياء، كما حدث عند الفضيحة الضريبية. هذا هو مجلس الشيوخ، أعظم هيئة شورى. أما مقترحات مجلس النواب بشأن التشريع فيقابلها ماكونيل بالطرد، ولا يلقي بالًا، وكأن هذا ليس دور مجلس الشيوخ.

بالعودة إلى موضوعنا، لهذا السبب أرى أنه يجب وضع ساعة انتهاء العالم على واجهة كل صحيفة. علينا أن نعي ما الذي تفعله الولايات المتحدة بنفسها والعالم. يجب أن يكون هذا محط انتباه الجميع، وثمة العديد من الأشياء الأخرى الواجب القيام بها. مثل احتجاجات كبيرة، في كل مكان، اعتراضا على استخدام القوة العسكرية لاحتلال المدن الأمريكية وسحق المنشقين السلميين. وهذا أمر لا يمكن تحمله في أي ديمقراطية فعالة. لا يمكننا الجلوس ومشاهدة ذلك يحدث، ترك ذلك يعني المضي خطوة خطوة نحو كارثة حقيقية.

المصدر موقع الديموقراطية

اقرأ أيضًا: مترجم، عالم ما بعد فيروس كورونا للكاتب يوفال نوح حراري

ما هي دوافع التحرش الجنسي: الملابس أم الرغبة بالهيمنة؟!

يتعرض الكثير من الناس حول العالم للعنف الجنسي، حيث يبلغ عدد ضحاياه وسطيا 433648 كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية، أما في بلادنا العربية فالتقارير قليلة وغير دقيقة بسبب عدم الإبلاغ عن هذه الجرائم من قبل الضحايا لأسباب مختلفة. ولكن في تقرير إحصائي نشره الباروميتر العربي حول التحرش الجنسي والعنف المنزلي في 12 دولة عربية مختلفة خلال 12 شهر كان التحرش أكثر شيوعا في جمهورية مصر العربية، حيث تعرض 44 بالمئة من المصريين المشاركين بالإحصائية للتحرش اللفظي، فيما تعرضت النساء للتحرش أكثر من الرجال في جميع الدول العربية المشاركة ما عدا تونس والعراق حيث كان الرجال أكثر تعرضا. ولا يسعنا إلا أن نذكر في مقدمتنا هذه الخلط الحاصل بين الناس حول مفهوم التحرش الجنسي. فما تعريفه؟!

يعتبر التحرش الجنسي تبعا للجنة تكافؤ فرص العمل الأمريكية EEOC محاولة غير لائقة وغير مرغوب بها للتقرب الجنسي وتقديم لمكافآت وميزات مشروطة بالخدمات الجنسية، وما إلى ذلك من السلوكيات اللفظية أو الجسدية ذات الطابع الجنسي. وهناك بعض السلوكيات التي لا تعتبر تحرشا إلا بعد تكرارها لدرجة تصبح معها مزعجة وتخلق بيئة يسودها التوتر.

هذا ويمكن أن نقسم التحرش الجنسي لأنواع ثلاث:

⏹التحرش المرتبط بالنوع الجنسي Gender harassment : وتحمل في هذه الحالة السلوكيات اللفظية وغير اللفظية مضمونا عدائيا وإقصائيا أو تشير لكون الضحية مواطن درجة ثانية.

⏹الاهتمام الجنسي غير المرغوب به Unwanted Sexual Attention : ويشتمل على سلوكيات لفظية أو جسمية كاللمس غير المرغوب به أو نشر شائعات عن الضحية.

⏹الإكراه الجنسي Sexual Coercion : وفي هذه الحالة تكون الميزات المهنية أو التعليمية مشروطة بتقديم خدمات جنسية.

ومما يفرض أهمية كبيره لقضية التحرش الجنسي هو آثارها السلبية الجمة على ضحاياها ابتداء من مشاعر الألم والمعاناة إلى الاضطرابات النفسية كاضطراب ما بعد الصدمة Post traumatic disorder وأيضا فقدان الشعور بالأمان وتراجع الأداء الوظيفي والدراسي بسبب البيئة المريبة المحيطة بهم. وفي الحقيقة تختلف الفرضيات حول أسباب التحرش الجنسي، فيما تعتبر الملابس المتهم الشعبي الأول، ولكن هل هذا صحيح؟!

الملابس: بين طريقة التفكير المجتمعية والواقع الفعلي

تحتل ملابس ضحايا العنف الجنسي بما فيه التحرش حيزا كبيرا من التبريرات الشعبية له، فهي تستخدم وسيلة ملامة للضحية. مما دفع الباحثين على مدى سنوات لدراسة العلاقة بين الثياب والعنف والتحرش الجنسي، وجاءت دراسة Sharron-Lennon وزملاؤها عام 2017 تحليلية لدراسات تمت خلال فترة 25 عاما مضت، حيث تبين تركيز الباحثين على تقصي إمكانية حصول العنف والتحرش الجنسي بناء على وجهات نظر المشاركين، بينما تحرت دراستان فقط حصوله فعليا على أرض الواقع وخلصتا لعدم وجود علاقة بين ملابس الضحية والعنف الجنسي. وسنستعرض لكم في هذه الزاوية أهم الدراسات التي تم تحليلها:

نبتدأ قصتنا مع دراسة Vali and Rizzo سنة 1991م والتي تقصت آراء مجموعة من الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة الأمريكية حول دور الملابس القصيرة بالتعرض للتحرش الجنسي ونتيجتها اعتقاد غالبيتهم أن النسوة المرتديات لملابس كاشفة عن جسمهن أكثر عرضة للجرائم الجنسية. فيما اهتمت دراسة أخرى في ذات العام ل Workman & Jhonson بآراء عامة الناس حول دور مواد الزينة ( الماكياج) بالتعرض للتحرش الجنسي وكانت آراء المشاركين أن من تكثر من وضع مواد الزينة أكثر عرضة للتحرش. وفي العام التالي تحرت دراسة Workman & Jhonson الآراء حول دور الملابس، حيث عرض على المشاركين صورتان إحداهما لعارضة ترتدي ملابس تعتبر مثيرة Provocative ( جاكيت سوداء وبلوزة تكشف عن الصدر وتنورة قصيرة وحذاء ذو كعب عال ) أما الثانية فتعتبر ملابسها غير مثيرة ( جاكيت سوداء وبلوزة ذات رقبة عالية أي لا تكشف عن الصدر وتنورة تصل لتحت الركبة وحذاء ذو كعب متوسط العلو) وكانت آراء النساء والرجال المشاركين أن العارضة ذات الملابس المثيرة أكثر عرضة للتحرش الجنسي.

ولا أملك هنا إلا أن أشير أن مايعتبر محتشما في مجتمع ما قد يعتبر فاضحا في مجتمع آخر، أليس كذلك؟!

بعد حوالي عشرين عاما من الدراسات السابقة أتت دراسة Moor 2010 لدراسة العلاقة بين الملابس والتعرض الفعلي للعنف الجنسي، حيث عرض على المشاركين مجموعة من الأسئلة منها نمط ملابس المشاركات في حياتهن اليومية ثم عن تعرضهن سابقا للعنف الجنسي. وخلصت الدراسة لعدم وجود اختلاف واضح في نمط اللباس بين ضحايا العنف الجنسي وغير الضحايا وبذلك لا يمكن اعتبار الملابس القصيرة سببا للتعرض للعنف الجنسي.

فيما كانت دراسة Lynch 2007 ميدانية لحفل جامعي حيث تبين أن لباسا محتشما وغير مثير يتحول قي الحقيقة لمثير عندما ترسل المرأة إشارات معينة ( كتوهجها مثلا )، حيث تعرضت في هذه الحالة لملامسات جنسية.

إذا أهي الملابس أم الرغبة بالشعور بالقوة؟!

قامت تيريزا باليز في دراستها المنشورة عام 2007 في مجلة Duke بتحليل لدعاوي قضائية مرفوعة من قبل ضحايا التحرش الجنسي وفوجئت أن المدعى عليهم نادرا ما استخدموا الملابس حجة في دفاعهم عن أنفسهم، كما وجدت باليز بعودتها لجذر المشكلة أن المرأة المرتدية للباس مثير ليست هي الضحية المثالية في الغالب وإنما تلك التي يشعر الجاني بقدرته على السيطرة عليها، كما وجدت أن اللباس المثير لا يشير بالضرورة لرضا الضحية وإنما على النقيض فقد يكون مؤشرا على الثقة بالنفس والحزم فيما ترى باليز أيضا أن التعليقات حول اللباس تستخدم لتقويض سلطة المرأة العاملة.

لا يمكن بالتأكيد أن نعزي التحرش الجنسي لسبب واحد، فما هي دوافعه إذا؟!

نشرت البروفسورة في الطب النفسي Shawn Burn مقالتها حول التحرش الجنسي في صحيفة Sage 2018 وبينت من خلالها فرضيات عدة لهذه الظاهرة من بينها فرضية بيولوجية تقترح أن رغبة الذكور بالتزاوج والإنجاب تقود سلوك التحرش الجنسي بالنساء، أي أنه إشارة بالرغبة الجنسية من الذكر تسيء فهمها النساء. فيما يقوم الذكور بالتحرش بأقرانهم الذكور أيضا للانتقاص من منافسيهم هؤلاء وتقليل قيمتهم الاجتماعية. ولهذه الفرضية مشاكل عدة فهي تفتقر للدعم البحثي ولا تفسر الإكراه الجنسي sexual coercion والتحرش المرتبط بالنوع الجنسي Gender related.

وحسب مقال Burn ترى وجهة نظر اجتماعية-ثقافية أن التحرش ناجم عن النظرة الذكورية والقبول المجتمعي للعنف ضد النساء، ونجد مثيلا لوجهة النظر هذه في دراسة أجرتها منظمة العمل العالمية 1992 بينت ارتباط التحرش بالقوة Power وحدوثه خاصة في المجتمعات التي تعتبر المرأة أداة جنسية ومواطن درجة ثانية.ويذكر مقال Burn أيضا وجهة نظر نفسية نسوية Femenist Psychological perspective تعتبر أن التحرش الجنسي ينشأ ويتعزز في المجتمعات ذات التصنيف الهرمي والتي يتربع على عرشها الرجل غيري الميول الجنسية. كما يجد البعض أن التحرش يستخدم وسيلة لمعاقبة أولئك الشاذين عن الهوية والميول الجنسية التي يعتبرها المجتمع طبيعية.

ونذكر في هذا السياق دراسة Konik & Cortina 2008 والتي تضمنت 629 موظفا في التعليم العالي وخلصت لتعرض الأقليات الجنسية( كالمثليين مثلا) للتحرش بأنواعه وخاصة ذلك المرتبط بالنوع الجنسي أكثر من مغايري الميول الجنسية.

ترى Sausan Flaudi وهي صحفية ومؤلفة أمريكية نسوية أن بعض الرجال ينظرون للمساواة الاقتصادية مع المرأة كتهديد لدورهم التقليدي ومنه فالتحرش الجنسي عنف بقصد حماية النفس

تنقلنا وجهة نظر Flaudi في الحقيقة للتفكير في فرضية أخرى ذكرت في مقالة Burn وهي ما يدعى بنموذج التهديد بالقوة The Power Theat Model ففي هذه الحالة يقوم الرجال مغايري الميول الجنسية Heterosexual باستخدام التحرش الجنسي كوسيلة ترهيب للنساء وأقليات الميول الجنسية الأخرى وذلك لضمات استمرار سيطرتهم وسلطتهم ومنعهم من الترشح أو الترقية لشغل مناصب أعلى، وفي ذات السياق يلجأ الرجال للتحرش بالنساء على الإنترنت لتقويض رغبتهن في النقاش أو لدفعهن للانسحاب من الألعاب الإلكترونية.

إذا، يمكن أن نقول أن التحرش الجنسي طريقة الرجال في التعبير عن امتعاضهم من منافسة المرأة لهم اقتصاديا، حيث خلق دخولها المفاجئ لسوق العمل في السنوات الأخيرة رد فعل عند الرجل يشتمل على جانبين أولهما لفظ النساء العاملات باعتبارهن تهديدا لسيطرة الرجال في مجالهم التقليدي مما أدى لحصولهن على ميزات أقل وتعرضهن للتحرش الجنسي بغية الإحراج واستعادة السيطرة الاقتصادية. أما الجانب الثاني فهو الإكراه الجنسي Sexual Coercion أي استغلال المرأة لتقديم خدمات جنسية مقابل حصولها على أي ميزة وظيفية.

وأثناء رحلتنا في مقال Burn توقفنا عند فرضيتين أيضا إحداهما فرضية الضحية المستضعفة التي تشير لكون الناس ذوي الحالة الاجتماعية أو الوظيفية المتدنية أكثر عرضة للتحرش لتفسر بذلك كون غالبية المتحرشين ذكورا والإناث ضحايا. أما الفرضية الأخرى فتناقش الجاني وهي فرضية القوة الاجتماعية Social Power فهنا يعتقد المتحرش أن موقعه الاجتماعي أو الوظيفي يكسبه حقا في طلبات معينة من عملائه وبالتالي يسيء استعمال سلطته.

أما محطتنا الأخيرة فهي الدور الكبير للمنظمات والمؤسسات في خلق بيئة مناسبة للتحرش، إذ تجد دراسة تحليلية Meta Analysis قام بها Willness, Steel, Lee عام 2007 وتضمنت 70 ألف شخص أن التسامح والتغاضي الوظيفي في مؤسسات العمل هو أكثر وأهم عامل منبئ بحصول التحرش في مثل هذه المؤسسات. وتناقش Burn في مقالتها هذه الناحية فالتسامح الوظيفي والمجتمعي يعكس القوة الذكورية ويقزم من فعل التحرش الجنسي من خلال إعطائه أعذارا للجاني وإلقاء اللوم على الضحية التي تتردد بدورها في الإبلاغ خوفا من النتائج فقد يقابل بلاغها هذا بالتجاهل أو بوصمها بالعار.

المصادر:

University of Minnesota: Sexual harassment

NCBI

RAINN: Statistics

EEOC

The Psychology of Sexual Harassment

CUNY academic works: Dress and Sex: A Review of Empirical Research Involving Human Participants and Published in Refereed Journals

DUKE JOURNAL OF GENDER LAW & POLICY: SEXY DRESSING REVISITED: DOES TARGET DRESS PLAY A PART IN
SEXUAL HARASSMENT CASES?

Arab Barometer

مغالطة التعميم المتسرع Hasty Generalization

مغالطة التعميم المتسرع Hasty Generalization
تعريف:
هو أن ترى حكماً أو وصفاً عن شيء أو إنسان واحد أو أكثر، فتبداً بتوسيع هذا الحكم على مجموعة من الأشياء أو البشر دون أن تتأكد من انطباق الوصف عليهم؛ بل فقط لأنهم يشاركونه في وصف آخر مختلف تماماً (مثل البلد أو اللغة أو اللون نفسه،…) وليس له علاقة بالضرورة مع الحكم الذي ذهبت إلى تعميمه، وذلك لأسباب عاطفية أو تضليلية.

لعل التعميم المتسرع من أكثر المغالطات شيوعاً. فهو يتبطن كثيراً من التحيزات العرقية والعنصرية والنعرات الشوفينية والطائفية والطبقية والتعصب الديني والأيديولوجي. كذلك يتبطن التعميم المتسرع كثيراً من الأوصاف النمطية عن الشعوب المختلفة (الإنجليزي، الهندي، الإيطالي ..)، وعن أهل الأقاليم المحلية (المنوفي، الشرقاوي، الدمياطي..) وربما يتبطن كثيراً من اعتقاداتنا حول أصناف المنتجات وماركات الأجهزة التي تقوم في الغالب على بضعة أمثلة من واقع خبرتنا الحياتية القصيرة المحدودة.


يقع الإنسان غالباً في التعميم؛ إما بسبب العجز او التكاسل عن التحقق من كل الحالات، أو خدمة لأحكام مسبقة يريد تأكيدها كالصراعات بين الشعوب والأعراق مثلاُ، أو لتشويه صورة من يخالفه من مبدأ معين.

الشكل المنطقي لمغالطة التعميم المتسرع:


س1 يتسم بالخاصة ص
س2 يتسم بالخاصة ص
س3 يتسم بالخاصة ص

إذن كل س يتسم بالخاصة ص

أمثلة عن مغالطة التعميم المتسرع:


1- عانت امرأة من خيانة زوجها وظلمها؛ فتقودها العاطفة والانتقام لتقول “كل الرجال خونة”
شرح المغالطة: في هذا المثال فإن زوج المرأة ينتمي لمجموعة الخونة أو الظالمين بما قام به تجاهها؛ لكن المرأة عممت وصف الخيانة على كل الرجال لأنهم يشتركون مع زوجها في وصف آخر، وهو كونه من جنسهم، رغم أنه لا علاقة ضرورية بين الخيانة وجنس الذكر ويحدث هذا غالباً تحت تأثير العاطفة وعمى الانتقام الذي يدفع الإنسان للمبالغة والشدة في إطلاق الحكم كرد فعل تجاه الظلم والخيانة.


2- يعرف رجل امرأتين من أقربائه لا تتقنان قيادة السيارة، فيقول لصديقه “عندما ترى امرأة تقود سيارة فاحذر، فالنساء والسيارات لا تلتقيان”.
شرح المغالطة: أطلق الرجل هنا دون تثبت حكماً عاماً يشمل جميع النساء حول مدى اتقانهن لقيادة السيارة رغم أنه لم يرَ سوى بعض النساء.
والسبب أنهن ينتمين لجنس واحد دون أن يتأكد من انطباق وصفه على كل النساء، أو دون أن يأتي بدراسة مثلاً تثبت وجود علاقة مابين جنس الإنسان ومهارته في قيادة السيارة؛ وربما كان وقوعه في التعميم تحت تأثير كرهه للنساء أو رغبة في الانتقام أو كرد فعل تجاه حادثة شخصية.


3- كلما شاهدت الأخبار في هذه القناة وجدت زنوجاً يلقى القبض عليهم لجرائم سرقة إذن جميع الزنوج أو معظمهم لصوص.

4- شخص يقول لصديقه: “الشعب الهولندي كريم جداً، لقد أقمت بضعة أيام عند صديقي الهولندي في بيته وكان في قمة الكرم”.

يعتبر التفكير النقدي هو الحل الأمثل لتجنب الوقوع في مغالطة التعميم المتسرع، وذلك بجعل تعميماتنا مجرد فروض قابلة للمراجعة والتنقيح.

المصدر:

1- المغالطات المنطقية، عادل مصطفى.

2-رجل القش، الدليل المختصر للمغالطات المنطقية والإنحيازات الإدراكية، يوسف صامت بوحايك.

3- thoughtco

العرق كما يراه الفلاسفة: هل هو حقيقة أم مجرد عنصرية زائفة؟

ارتكبت عبر التاريخ العديد من الجرائم تحت غطاء الاختلاف العرقي بل ونشأت جماعات عنصرية مثل Ku-Klux-Klan في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إعلاء راية “البشرة” البيضاء. لماذا قلت “بشرة” وليس عرقا؟! أوجدت ذلك غريبا؟! هل تعتبر اللون صفة مسلما بها للتمييز العرقي؟! هل تعلم أن العرق كتعريف يختلف بين الفلاسفة؟! بل و يرفض بعضهم حقيقة وجوده تماما؟! ما رأيك أن نتناقش سويا مع هؤلاء الفلاسفة، علنا نجد نتيجة مشتركة لنتفق عليها؟!

الجوهر!!! نستخدم هذه الكلمة لوصف الميزة الأساسية داخل الأشياء أو الأشخاص، كذلك استخدمها الفلاسفة القدماء لتعريف الأعراق. كل عرق له صفة محورية تميزه، لكل عرق جوهر يحدده، ما رأيك؟!

تنتقد D.Naomi Zack أستاذة علم الفلسفة في جامعة Lehman-New York هذا التعريف العرقي القديم، فمن وجهة نظرها من الصعب تحديد جوهر واضح محدد ليفرق بين الأنواع نفسها فكيف بين الأعراق!!!

ويرى D. Adam Hochman أن هذا التعريف يكسب العرق الواحد صفات ثابتة وغير قابلة للتغيير! ولكن إذا ما تمعنا بما وصل له العلم الحديث نجد أن هذه الاختلافات بين الأعراق مزعومة، ويتابع آدم نقاشه بسؤال: بناء على صفات هذا التعريف، فهل نعتبر كلا من الرجال والنساء عرقا مختلفا؟!

هناك العديد من الفرضيات الشعبية كذلك عن العرق، سنفندها سويا مع D.Naomi Zack

ترى D.Naomi بأن علم الوراثة السكاني المعاصر يبين فراغ هذا الوصف:

إذ أن العوامل البيئية الخاضعة لمنطقة جغرافية محددة مسؤولة أكثر من تلك العائدة لعوامل العرق الواحد عن التكيفات الجسمية المستمرة لأعضاء العرق سواء في الجلد أو الشعر أو العظام.

ومن جهة أخرى تعطي الطفرات الجينية المدروسة في هذا المجال فكرة عن الأصل الجغرافي للسكان، ولكن ليس لها أي دلالات أو ارتباطات عرقية.

تبعا ل D.Zack فإن الاختلافات الظاهرية غير كافية لتصنيف الناس إلى أعراق، وخاصة مع كونها متدرجة بالأصل ( مثالا لون البشرة: أسود غامق، أسود أفتح بقليل، أسمر، أسمر فاتح إلخ).

هذا في الحقيقة فهم خاطئ وقاصر لعلم الوراثة، فالجينات المنتقلة من جيل لآخر تعطي صفات مادية محددة وخاصة بكل فرد ومن الصعب أن يتشاركها جميع أفراد العرق الواحد.

حسنا للإجابة عن هذه الفرضية، سنستعين بعلماء البيولوجيا، إذ قاموا بطرح بديل علمي بيولوجي لكلمة عرق ممثلا ب “الأنواع الفرعية Subspecies”، فهل للبشر أنواع فرعية؟!

يقوم تحديد “تحت الأنواع” في عالم الحيوان على معايير عدة، ويستخدم اثنان منها بشكل شائع وهما وجود سلالات تطورية من النوع عائدة لسلف مشترك إضافة إلى وجود صفات جينية محددة وواضحة بين كل نوع وتميز جميع أفراده. لذا قام علماء بيولوجيون بتطبيق هذين المعيارين على الإنسان وعلى الشيمبانزي (باعتباره أقرب الكائنات إلى الإنسان) وذلك بغرض الإجابة عن سؤالنا أعلاه، وخلصت الدراسة إلى أن المعطيات البيولوجية كافية للقول بوجود تحت أنواع للشيمبانزي، ولكن ليس للبشر.

إذا، التصنيف العرقي ليس علميا، فما البديل عن ذلك؟!

تجد وجهة نظر أنه من المنطقي اعتبار العرق نوعا اجتماعيا Social Kind، حيث يقترح D.Anthony Appiah وهو فيلسوف أميركي-بريطاني أن العرق وإن كان مرفوضا بيولوجيا إلا أن له هوية اجتماعية Social Identity.

ويوضح لنا هذه النقطة مؤيدو الصفة الاجتماعية للعرق:

حيث يجد هؤلاء أن الأعراق ظهرت واستمرت من خلال الثقافة البشرية والقرارات الإنسانية، حيث لا زال المجتمع يصنف الناس إلى فئات عرقية مما سيؤدي بدوره إلى اختلافات في الموارد والفرص والثروات بين هذه الفئات، وفي ذات الوقت سيخوضون تجارب مشتركة ( كتعرض ذوي البشرة السوداء لمضايقات مستمرة من قبل عناصر الشرطة البيض ). إذا، ما الذي يدفع هؤلاء الفلاسفة للحفاظ على مصطلح العرق؟!

يسهل استخدامه باعتقادهم ظهور وعمل الحركات الاجتماعية والسياسية المبنية على العرق من أجل الحصول على عدالتها.

لكن هل هذه الأسباب كافية للاعتراف بالعرق كنوع اجتماعي؟

يجد D.Adam أن التصنيف الاجتماعي للعرق غير موجود، إنها فقط العنصرية التي تجعله مستمرا، أما عن الفئات المصنفة كأعراق على أسس وادعاءات خاطئة حسب وجهة نظره، فما هي إلا Racialised Groups ( أي مجموعات تم إكسابها صفة عرقية ).

كيف يكسب المجتمع فئات منتمية له صفة عرقية Racialised Groups؟!

يكسب المجتمع الصفة العرقية بناء على ثلاثة معايير وهي تبعا ل D.Sally Haslanger أستاذة في قسم اللغويات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا:

  • امتلاك صفات جسدية تدل على أصل أو موقع جغرافي معين
  • يبرر من خلال هذه الصفات الجسدية شغل أعضاء المجموعة العرقية لمركز اجتماعي راق من عدمه.
  • ويخضع بذلك أفراد العرق للامتيازات التي حددها المجتمع لهم.

تعتقد D.sally كذلك أن لاحتضان المجموعات العرقية أهمية سياسية، ولكن بشرط أن يكون هذا الاحتضان على المدى القصير وليس البعيد، وذلك لتفادي التأثير السلبي لمصطلح العرق.

إذا، هل لا زلت تعتقد بوجوب استخدام التصنيف العرقي؟!

المصادر:

The Conversation: Racism is real, race is not: a philosopher’s perspective

Sfanford encyclopedia of philosophy

NCBI

اقرأ المزيد:

تاريخ العنصرية في أمريكا

مغالطة المصادرة على المطلوب Begging the question

مغالطة المصادرة على المطلوب Begging the question

مغالطة المصادرة على المطلوب هو افتراض صحة القضية المراد البرهنة عليها، ووضعها بشكل صريح أو ضمني في إحدى مقدمات الاستدلال. أي أنه محاولة لإثبات صحة اقتراح مع اعتبار هذا الاقتراح أمراً صحيحا في نفس الوقت.

وتتم على النحو الآتي:

 (س) صحيحة، والدليل على هذه الدعوى هي أن (س) صحيحة

من المفترض أننا عندما نختلف حول شيء ما فإننا نلجأ إلى شيء آخر لا نختلف حوله، لنصل من خلاله إلى النتيجة، ولكن في هذه الحالة فنحن نلجأ إلى أشبه بنتيجة متنكرة في شكل مقدمات، لنستدل بها على صحتها!

أمثلة:

– مادمت لاأكذب، فأنا إذن أقول الحقيقة.

— تستلزم العدالة أجوراً مرتفعة، وذلك لأن من الصواب أن يكون الناس أقدر على الكسب الوفير (القصد منها: أن العدالة تتطلب زيادة الأجور لأن العدالة تتطلب زيادة الأجور!).

قد يبدو أن المصادرة على المطلوب هي مغالطة واضحة سهلة الانكشاف، وليست بحاجة إلى دراسة وتحليل، غير أن الأمر ليس دائماً ببساطة الأمثلة السابقة. مثال:

  • يجب ألا نسمح ببيع هذه القطع من مقتنيات توت عنخ آمون إلى أي بلد أجنبي مهما كان الثمن؛ وذلك لأن مصر العظيمة ليست للتصدير.

نلاحظ من هذا المثال هو أن النتيجة (لا بيع لبلد أجنبي ) هي نفس معنى المقدمة مع إعادة الصياغة (لا تصدير).

  • القتل الرحيم مقبول أخلاقياً؛ إن من اللطف والرحمة وحسن الخلق أن تعين كائناً إنسانياً آخرعلى أن ينجو من المعاناة والألم من خلال الموت.

هنا لم تقدم لنا الحجة أسباباً عقلية تجعل القتل الرحيم مبرراً أخلاقياً، وتترك السؤال لدى المتلقي مفتوحاً: حسن، لماذا إذن نعتقد أن القتل الرحيم جائز؟

  • الإجهاض هو القتل غير المبرر لكائن إنساني، وهو قتل؛ ومادام القتل جريمة نكراء، فالإجهاض جريمة في جميع الأحوال.

إن الحجة السابقة تجعل النتيجة متضمنة سلفاً في المقدمات، وتصادر منذ البداية بأن الإجهاض قتل غير مبرر دون أن تبين لنا السبب.

ما علاقة الاستدلال الدائري بمغالطة المصادرة على المطلوب؟

إن الاستدلال الدائري ليس مغالطاً في صميمه ولكنه يغدو كذلك عندما يعتمد فيه صدق الدعوى المقدمة على دليل يعتمد بدوره على الدعوى ذاتها التي يُفترض أن يُبرهن عليها. وبذلك يدور البرهان في دائرة مغلقة وتعتمد كل قضية منه على الأخرى.

يمكن تجريد الصورة المنطقية لهذا الدور كالتالي:

أ صادقة لأن ب صادقة

ب صادقة لأن أ صادقة

نحن إذن بإزاء شكل من أشكال المصادرة على المطلوب، يعتمد فيه صدق الدعوى المقدمة على دليل يعتمد بدوره على الدعوى ذاتها التي يُفترض أن يبرهن عليها. وبذلك يدور البرهان في دائرة مغلقة وتعتمد كل قضية فيه على الأخرى.

مثال:

– نحن نعرف عن صفات الرب من الكتاب المقدس، ونحن نثق بالكتاب المقدس لأنه منزّل من الرب.

– (أ): هذه اللآلي السبع سنقسمها على ثلاثتنا بحيث يأخذ كل واحد منكما اثنتين وأنا سآخذ ثلاثة.
(ب): لماذا تأخذ أنت الثلاثة؟
(أ): لأنني أنا الرئيس.
(ب): وما الذي نصبك رئيساً علينا
(أ): لأن لدى كل منكما لؤلؤتين وأنا لدي ثلاث.

المصدر:

لمعرفة المزيد عن المغالطات المنطقية تابع مقالنا: مغالطة المنحدر الزلق

من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟

من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟ ما بين صرخة مارتن لوثر كينج الإبن: “عندي حلم :I have a dream”، وصرخة جورج فلويد تحت أقدام الشرطي الأمريكي في 25 مايو 2020: “لا أستطيع التنفّس :I can’t breath” أكثر من نصف قرن، تخللتها أحداث كبرى، اعتقد البعض فيها أن العنصرية قد انتهت بالكامل، لتوقظ صرخات جورج أمريكا على كابوس مُفزع حاول السياسيون الأمريكيون واحدًا تلو الآخر حجبه عن الشعب الأمريكي بشتى الطرق. الواقع الأمريكي يقول أن المساواة قد أصبحت كاملة بين البيض والسود، إذ وصل باراك أوباما الأمريكي من أصول أفريقية للحكم في 2009 ليصبح الرئيس رقم 44 للبلاد وقضى فترتين رئاسيتين حتى 2017، فكيف وصلنا إلى جورج فلويد؟ أو كما يُعنون مقالنا، من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟ دعونا نضع الأمور في نصابها أولاً، ونفهم سبب الانتفاضة الحالية.

خطبة مارتن لوثر كينج جونيور i have a dream

لماذا انتفض الأمريكيين من أصل أفريقي الآن تحديدا؟

بجانب حادث فلويد، هناك عوامل اقتصادية أيضًا، فالكورونا تلقي بظلالها على الأحداث. فقد ملايين الأمريكيين وظائفهم، إذ وصل معدّل البطالة في أبريل 2020 حوالي 14.7% وبالطبع كان للأمريكيين من أصول أفريقية نصيب أكبر من غيرهم، فهم يعانون من التمييز بسبب العرق في الوظائف، فبالرغم من أن السود يمثلون 1 إلى 8 من السكان، إلا أنهم يمثلون رُبع الفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية. فمن لا يملك مدخرات كافية تساعده بعد فقدان وظيفته سيعاني بشده حتى يحصل على وظيفة جديدة لقلة المعروض، وهو ما يمثل ضغطًا شديدًا على الكثير من الأسر الأمريكية من أصل أفريقي أكثر من غيرها، لكن هل هو الجانب الاقتصادي وحده أم أن هناك جوانب أخرى تحتاج لتسليط الضوء عليها؟ هل المشكلة في القوانين؟ أم في التركيبة السكانية؟ أم هو اليمين الأمريكي المحافظ؟ أم هي التركيبة النفسية للجماهير؟

التعليم

قد تتعدد المشكلات والأسباب وراء حادث جورج فلويد، لكن دعنا نضع أصابعنا في هذا المقال على جانب قد يغيب على الكثيرين، ألا وهو التعليم. وللتعليم في أمريكا أصول عنصرية قديمة وغريبة، وكما قال الرئيس الأمريكي جونسون في أحد مقولاته:

“التعليم ليس المشكلة، لكنه الفرصة”

إذن كيف أضاعت أمريكا تلك الفرصة؟

الفرصة التي أتاحتها الدمى السوداء

ليندا براون وطفليها

دائمًا ما نجد الدمى في محلات الألعاب أو بين أيدي الأطفال، ولكن دخلت بعض الدمى إلى واحدة من أكبر قاعات المحاكم احترامًا في الولايات المتحدة، وذلك في قضية تُعرف باسم “براون ضد مجلس التعليم” أو “Brown v. board of education”، القضية التاريخية لعام 1954 التي ألغت في نهاية المطاف الفصل العنصري تحت شعار “منفصل لكن متساوي” في الولايات المتحدة، سمع قضاة المحكمة العليا الحجج والمرافعات الشفوية وبحثوا في ملفات القضايا، لكن لم يمنعهم كل ما سبق من أن يعتبروا دمى لطفلين، أحدهما بيضاء والأخرى سوداء – أسلحة غير متوقعة في معركة مكافحة التمييز العنصري. كانت الدمى جزءًا من مجموعة من التجارب النفسية الرائدة التي قام بها الثنائي مامي وكينيث كلارك، وهما فريق يتكون من زوج وزوجة من علماء النفس الأمريكيين الأفارقة الذين كرّسوا عمل حياتهم لمكافحة التمييز العنصري ضد الأطفال وعلاجهم من آثاره.

سبب تسمية القضية يعود لفتاة تُدعى ليندا براون والتي قرر والدها أوليفر براون أن يقدّم لها في مدرسة صيفية للبيض فقط في توبيكا وهو ما قوبل بالرفض، مما دعاه لرفع القضية.

التجربة

أظهرت غالبية الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي تفضيلهم للدمى البيضاء بدلاً من الدمى السوداء خلال “اختبار الدمى”، وهو ما اعتبره كلاركس نتيجة للتأثيرات الضارة للفصل العنصري. ساعد عمل آل كلاركس وشهادتهما في القضية -التي أصبحت معروفة تاريخيًا باسم “قضية براون ضد مجلس التعليم”- قضاة المحكمة العليا بل والعالم كله على فهم بعض الآثار الباقية للفصل العنصري على الأطفال المتضررين. بالنسبة لكلاركس، أظهرت النتائج آثار مُدمّرة للحياة في مجتمع رافض للأمريكيين من أصل أفريقي. كانت تجربتهم، التي تضمنت دمى ذات بشرة بيضاء وأخرى سوداء، بسيطة بشكل مخادع ولم يتوقعه أحد.

د.دينيث كلارك يتابع أحد الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي وهو يختار في تجربة الدمي

كان على كلاركس دهن دمية بيضاء باللون البني من أجل الاختبارات، إذ لم تُصنع الدمى الأمريكية الأفريقية في ذلك الوقت بعد، ثم طُلب من الأطفال تحديد الدمى الأفضل بعدد من الأسئلة مثل: تلك التي يرغبون في اللعب بها، أو تلك التي تبدو “بيضاء”، أو “ملونة”، أو “زنجية”، أو “جيدة” أو “سيئة”. أخيرًا، طُلب منهم تحديد الدمية التي تشبههم تمامًا.

جميع الأطفال المُختبرين كانوا من السود بالطبع، وجميعهم باستثناء مجموعة واحدة التحقوا بمدارس منفصلة أي مدارس للسود فقط وفقا لقوانين عُرفت باسم قوانين جيم كرو للفصل العنصري، وتحديدًا قرار المحكمة المعروف باسم “براون الثاني”. فَضّل معظم الأطفال الدمية البيضاء عن الدمية الأفريقية. كان بعض الأطفال يبكون ويهربون من الغرفة عندما يُطلب منهم تحديد الدمية التي تشبههم، وهذه النتائج أزعجت الزوجين كلاركس لدرجة أنهم أخّروا نشر استنتاجاتهم.

هل كان قرار براون الثاني ضد الفصل العنصري أم معه؟

كان قرار براون الثاني مُصاغا للقضاء على التمييز العنصري وإلزام المقاطعات بمنح فرص تعليمية متساوية لمواطنيها دون تمييز عرقي، لكن بسبب ديباجة النص الفضفاضة ” … بأقصى سرعة ممكنة” والتي استخدمها بعض المتعصبين من أجل وقف تنفيذ القرار لسنوات والإضرار بالمواطنين الأمريكيين من أصل أفريقي.

كان لدى الزوجة مامي كلارك صلات مع النضال القانوني المتنامي لمكافحة الفصل العنصري، فقد عملت في مكتب أحد المحامين الذين ساعدوا في إرساء أسس قضية “براون ضد مجلس التعليم”. وعندما علمت (الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين أو الأفارقة الأمريكيين) NAACP بعمل آل كلاركس، طلبوا منهم المشاركة في قضية ستُدرج لاحقًا في الدعوى الجماعية المرفوعة حينها إلى المحكمة العليا. لذا توجه الزوج كينيث كلارك إلى مقاطعة كلارندون بولاية كارولينا الجنوبية لتكرار تجربته مع الأطفال السود هناك. وذكر في وقت لاحق أنها كانت تجربة مرعبة، خاصة عندما تعرّض مضيفه NAACP للتهديد في حضوره. وقال د.كينيث كلارك عن تلك التجارب: “كان علينا أن نختبر هؤلاء الأطفال”. “لقد رأى هؤلاء الأطفال أنفسهم أقل شأنًا وقبلوا الدونية كجزء من الواقع”.

لم يكن إجراء تجربة الدمى بالمحكمة أمر سهل

كان ثورغود مارشال حريصًا على استخدام تجربة آل كلاركس في أكبر قضية جماعية وهي “براون ضد مجلس التعليم”، ولكن لم يقتنع الجميع. وكتبت المؤرخة مارثا مينو ما قاله المحامي الحقوقي سبوتسوود روبنسون وهو ممثل NAACP: “من الجنون والإهانة إقناع محكمة بدمى سخيفة”. لكن المحكمة لم توافقه الرأي. شهد كينيث كلارك في ثلاث من المحاكمات وساعد في كتابة ملخص لجميع استشهادات العلوم الاجتماعية للمحاكمات الخمس التي استُخدمت في قضية المحكمة العليا. وأخبر القضاة والمحلفين أن تفضيل الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي للدمى البيضاء يمثّل ضررًا نفسيًا عززه الفصل العنصري. وقال أمام هيئة المحلفين في قضية بريجز (إحدى القضايا المتفرعة من القضية الرئيسية “براون ضد مجلس التعليم”، “أرى أن التأثير الأساسي للفصل هو ارتباك وتضارب المفاهيم لدى الأفراد عن أنفسهم وصورهم الذاتية”. وآمن بأن الشعور بالنقص الناجم عن الفصل كان له عواقب حقيقية مدى الحياة – عواقب بدأت قبل أن يتمكن الأطفال من معرفة أي شيء حول العِرق. كان عمل وشهادة آل كلاركس جزءًا من قضية أوسع نطاقا جمعت خمس حالات وغطت تقريبًا كل جانب من جوانب الفصل العنصري المدرسي – بالرغم من ذلك، يعتقد بعض المؤرخين بأن اختبارات الدمى لعبت دورًا ضئيلًا نسبيًا في قرار المحكمة. لكن أصداء نتائج تجربة الدمى تكمن في الرأي الجمعي لقضاة المحكمة العليا.

قرار تاريخي

كتب رئيس المحكمة ايرل وارن في حكمه التاريخي: “فصل الأطفال السود من نفس العمر والمؤهلات عن الآخرين فقط بسبب العرق، يولّد شعورًا بالدونية فيما يتعلق بوضعهم في المُجتمع، وهو ما قد يؤثر على قلوبهم وعقولهم بطريقة يمكن أن تصبح غير قابلة للمحو”. ساعد عمل كلاركس في القضاء على الفصل العنصري في الولايات المتحدة. اليوم، تُعرض إحدى الدمى السوداء في موقع براون التاريخي ضد مجلس التعليم في كانساس. لكن تبقى التحيزات العنصرية التي وثقها الزوجان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين موجودة.

فرصة مُهدرة!

في عام 2010 ، نفّذت الـ CNN نسخة حديثة من الدراسة باستخدام صور كرتونية للأطفال وشريط ألوان أظهر مجموعة من درجات لون البشرة – ووجدت نتائج مشابهة بشكل مذهل للنتائج التي أظهرتها تجربة كلاركس. في الاختبار الجديد، اختبرت باحثة تنمية الطفل مارجريت بيل سبنسر 133 طفلاً من مدارس تحوى مزيج عرقي وشرائح دخل مختلفين. نظرت الدراسة هذه المرة إلى الأطفال البيض أيضًا. وعلى الرغم مما بدا أن الأطفال السود لديهم وجهات نظر أكثر إيجابية تجاه الدمى السوداء، إلا أن الأطفال البيض حافظوا على انحياز شديد تجاه الصور البيضاء. تقول سبنسر للسي إن إن: “ما زلنا نعيش في مجتمع يقلل من قيمة السود ويرفع من قيمة البيض” . قد لا تكون قوانين جيم كرو العنصرية موجودة في نصوص القانون ومحاكم الولايات المتحدة اليوم، ولكن التحيز العرقي ما زال موجودًا ونرى آثاره ممتدة عبر الأجيال. أهدرت الولايات المتحدة نصف قرن منذ تلك التجربة لمعرفة أهمية القضاء على التمييز العنصري للمجتمع الأمريكي ومستقبله.

عنصرية الألفية الثالثة

تغيّرت بالطبع ثقافة الإنكار لدى الأمريكّيين العاديّين بشكلٍ كبير، وهو ما أثبتته دراسات استقصائيّة على مدى عقود عديدة ماضية، تُخبرنا بأنّ هناك قطّاعات كبيرة من الأمريكيّبن تعترف بتبنّي وجهات نظرٍ تمييزيّة حتّى في أمريكا الحديثة، فعلى سبيل المثال، واحد من كل عشرة أمريكييّن أقرّ بتحيزه ضد الأمريكيين من الأصول المختلفة. كما وجد استطلاع الإيكونومست عام 2018 أنّ 17٪ من الأمريكيين يعارضون الزواج بين عرقين مختلفين، و19٪ يعارضون الزواج من المجموعات العرقية “الأخرى”، و 18٪ يعارضون الزواج من السود، و17٪ يرفضون الزواج من البيض، و15٪ يرفضون الزواج من اللاتينيين. بل ويعتقد البعض أن قوانين المجمّع الانتخابي والمسؤولة عن انتخاب الرئيس الأمريكي هي بذاتها قوانين عنصرية، فهي تمنح بعض الولايات رغم عدد السكان الكبير وزن أقل في انتخاب الرئيس بالطريقة غير المباشرة بسبب نشأتها القديمة العنصرية. كما أن فرص العائلة الأمريكية من أصول أفريقية للمعاناة من الفقر هي ضعف فرص العائلات الأمريكية البيضاء أو الأمريكيين الأسيويين، وهو ما ينعكس بالطبع على الفرص التعليمية المتاحة لهم. تلك النتائج إن تدل، فهي تدل على عنصرية متجذّرة تحتاج لمواجهة مستمرة وإجراءات أقوى للقضاء عليها، قد تتباطأ فيها الولايات المتحدة وتحتاج لمحررين جدد للقيام بهذا الدور.

لا نعتقد بأن الأمر يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يحتاج الأمر لسرد في مقال آخر، فما رأيك عزيزي القارئ؟ إذا أجريت تجربة الدمى على أطفالك في بلدك أينما كنت، فأيهما سيختار، الدمية البيضاء أم السوداء؟

لماذا تأخذ الاحتجاجات السلمية منعطفا عنيفا؟

اشتعلت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا بمظاهرات مناهضة للعنصرية وذلك بعد مقتل جورج فلويد، وهو رجل من العرق الأسود، على يد أحد رجال الشرطة. ورغم اعتبار أميركا إحدى أكثر الدول ديمقراطية وحرية، انتشرت أعمال عنف وشغب وتخريب بين المتظاهرين. يتناول مقالنا اليوم في ضوء هذه الأحداث سلوك الجماهير من وجهة نظر علم الاجتماع، كما سنناقش لماذا تأخذ الاحتجاجات السلمية منعطفا عنيفا؟

يندرج سلوك الجماهير في الاحتجاجات ضمن مايدعى في علم الاجتماع بالسلوك الجماعي، فماذا يعني ذلك؟!

يستخدم علماء الاجتماع هذا المصطلح لوصف السلوكيات البشرية العفوية نسبيا ضمن الحشود أو الحركات الاجتماعية أو أثناء الكوارث أو الأحداث الدارجة Trends or Fads أو في أوقات الذعر.

قد يبدو هذا التعريف سهلا لكنه في الحقيقة ليس كذلك، حيث نلاحظ أنه لا يصف ظاهرة أو مؤسسة محددة بعينها فالحشود تصف مجموعة من الناس أما الكوارث فهي حدث اجتماعي أو بيئي، أما الذعر فهو شعور أو حالة للفرد، أما الحركات الاجتماعية فهي نوع من المنظمات. وفي الحقيقة يطرح هذا التنوع تساؤلا هاما عما يربط هذه المجالات المختلفة مع بعضها؟!!

حسنا، يمكن أن نتفق أن السلوك الجماعي يصف المستجدات الطارئة على بيئة ما والغير محددة بقواعد ثقافية خاصة. لكي نوضح أكثر: فالكوارث البيئية حدث طارئ قد يخرج عن سيطرة المؤسسات المعنية ويهدد حياة الناس، فهنا إذا الحدث مستجد وتصرفات الأفراد بخصوصه ليست لها قواعد موضوعة مسبقا. أما التحركات الجماعية كتلك التي نجدها في المظاهرات: فقد تبدو منظمة لكنها حدث طارئ ولا يمكن التنبؤ بمساره وبالتالي ليست هناك قواعد محددة لسلوكيات الأفراد أو الجماعات ضمنه خاصة في حال حصول النزاعات.

حاول الباحثون على مدى سنين طويلة تفسير السلوك الجماعي عبر نظريات عدة ركزت أكثر على الحشود والحركات الاجتماعية وأعمال الشغب:

نظرية العدوى Contagion Theory

طور الباحث الفرنسي Gustave le Bon هذه النظرية عام 1895 حيث يطرح من خلالها أن السلوك الجماعي عاطفي وغير عقلاني وناجم عن تأثير الجماعة في الحشد. فعندما يكون الفرد لوحده يكون منطقيا، ولكن يصبح وكأنه منوم مغناطيسيا ضمن الحشود وبالتالي لايتحكم بوعيه وغرائزه ويمكن أن يصبح عنيفا ومتوحشا.

استمرت أصداء هذه النظرية حتى القرن العشرين، حيث تم نقدها من قبل باحثين اعتبروا أن السلوك الجماعي أكثر عقلانية مما اعتقده Le Bon، وأن الأفراد غير خاضعين للتأثير المعدي للحشد.

نظرية التقارب Convergence theory

تبعا لهذه النظرية فإن السلوك الجماعي ليس ناجما عن تأثير الحشود على الأفراد بشكل عاطفي، وإنما تقترح أن الحشد هو انعكاس للأفراد الذين ينضمون إليه. فعندما يطرأ حدث ما، سيرغب الأفراد بالتصرف بطريقة معينة و سيتقاربون مع اولئك الذين يشاركونهم المشاعر والرغبات ليعكس بذلك الحشد المتشكل منهم معتقداتهم.

على سبيل المثال، عندما يجتمع أفراد متطرفون دينيا، فقد يرتكبون أعمال عنف بدافع الكراهية تجاه مجموعات أخرى.

قد لا يقوم الفرد لوحده بأعمال العنف هذه، ولكن كما نجد في هذه النظرية فإن عنف الحشد في مثالنا السابق انعكاس لمعتقدات أفراده.

نظرية المعيارية الناشئة Emergent Norm Theory

تبعا ل Ralph H. Turner و Lewis M. Killian الذين عرضا هذه النظرية في منتصف القرن العشرين، لا يكون الناس أثناء التفاعل في السلوك الجماعي متأكدين من كيفية التصرف. وبينما يناقشون سلوكهم المحتمل والمسائل الأخرى ذات الصلة، تظهر القواعد التي تحكم سلوكهم، ومن ثم يقوم الانضباط الاجتماعي والعقلانية بتوجيه السلوك.

إذا تعتبر هذه النظرية السلوك الجماعي أكثر عقلانية من نظرية العدوى. لكنها تنظر إليه على أنه أقل قابلية للتنبؤ به مما تقترحه نظرية التقارب، حيث تفترض أن الناس لا يتشاركون بالضرورة المعتقدات والنوايا قبل انضمامهم إلى الحشد.

نظرية القيمة المضافة Value-Added Theory

طرح Neil Smelser هذه النظرية عام 1963 لتصبح أكثر تفسيرات السلوك الجماعي شيوعا وتأثيرا. وتقترح نظرية القيمة المضافة أن الحركات الاجتماعبة وأشكال السلوك الجماعي الأخرى تظهر فقط عند ظهور عدة حالات معينة ك:

الإجهاد الهيكلي Structural starain أو ما يمكن أن ندعوه كذلك بالضغط الاجتماعي: فالقيود الخاصة بهيكلية المجتمع قد تدفع الناس للغضب والإحباط وتشكيل حركات اجتماعية.

المعتقدات العامة: وهي المعتقدات التي يتشاركها الناس حول أسباب المشاكل وطرق حلولها، فإذا اجتمعوا على أن هذه المشاكل هي ذنبهم أو أن الاحتجاج لن يقوم بحلها، فلن يقوموا بالتظاهر.

ظهور عوامل طارئة: فالأحداث الفجائية قد تشعل فتيل السلوك الاجتماعي، كانتشار أخبار عن حوادث عنف للشرطة في المدن تجاه الناس.

نقص السيطرة الاجتماعية: يكون السلوك الجماعي أكثر احتمالا عندما لا يتوقع الأفراد الذين ينوون المشاركة القبض عليهم أو إيذائهم أو معاقبتهم.

تم انتقاد هذه النظرية لكونها غامضة فهي مثلا لا توضح مدى الضغط الاجتماعي الواجب وجوده حتى تظهر الحركات الاجتماعية. كما وجد أن السلوك الاجتماعي لا يقتصر على الشروط التي ذكرها Smelser.

حسنا، نأمل أن نكون قد وضحنا السلوك الاجتماعي وتفسيراته العامة قبل أن ننتقل لنقطة أكثر تحديدا: السلوك العدائي ضمن المظاهرات والاحتجاجات

لماذا تتحول الاحتجاجات السلمية إلى عنيفة؟!

حسنا سنقوم بتفسير أعمال العنف والشغب بناء على آراء العديد من الخبراء:

دور الشرطة في تحريض العنف:

إن ردة فعل الشرطة تجاه الاحتجاجات وعلاقتهم مع المجتمع المحلي مهمة جدا، حيث يمكن للعناصر المدربة جيدا تجنب حصول العنف في المظاهرات ومثالا على ذلك: انضمام عناصر الشرطة في كامدن ونيوجيرسي في أميركا للمحتجين في مسيرهم المناهض للعنصرية وذلك في سياق الأحداث الراهنة في الولايات المتحدة الأمريكية.

من جهة أخرى، يمكن أن تشعل عدة مواجهات بسيطة مع الشرطة فتيل التوتر، خصوصا مع كون الشرطة تتصرف بكلية (وحدة متجانسة) تجاه الحشود، مما قد يعزز فكرة ( هم ضدنا) في عقول المتظاهرين خاصة مع شعورهم بأن عنف الشرطة غير مبرر وقد يكسبهم شعورا بأن العنف بحد ذاته شرعي في مثل هذه الظروف.

إذا، هل تعتقد بعد كل هذا أن العنف في المظاهرات ناجم عن مجرد فعل ورد فعل بين الجماهير والشرطة؟ حسنا، قد يكون هذا أعقد من ذلك بقليل.

قام Jonathan Pinckney (وهو باحث في المقاومة غير العنيفة والديمقراطية والعنف السياسي) بدراسة بيانات من قاعدة بيانات الحملات العنيفة وغير العنيفة ونتائجها NAVCO 3.0 Dataset، وأيضا دراسة ثلاث حالات مقارنة، ليجد بذلك أن احتمال تحول التظاهرات السلمية إلى عنيفة يرتفع مع زيادة معدل القمع بشكل مستمر على فترة طويلة من الزمن. مما يوضح بأن هذه الانعطافات العنيفة ليست مجرد ردة فعل عاطفية، وإنما ناجمة عن تراكمات محسوبة داخل الوعي مع الزمن.

دور وجهات النظر الأخلاقية:

عندما نشاهد شيئا لا أخلاقيا، تتولد بداخلنا مشاعر قوية بوجوب حماية فهمنا للأخلاق

Marloon Moojiman: أستاذ مساعد في قسم السلوك المنظم في جامعة رايس

عندما تشعر أن شيئا أو نظاما ما معطلا، ستود أن تفعل شيئا صارما لتظهر أن ذلك غير مقبول. فعلى سبيل المثال: في الحالات المتطرفة من الشغب يظن شخص ما أن الإجهاض عمل مناف للأخلاق، فيقوم بحرق عيادة للإجهاض. وقس على ذلك.

وإن لوسائل التواصل الاجتماعي في زمننا الحالي دورا في إكساب القضايا صفة أخلاقية وتصعيد وتيرة العنف. وفي هذا السياق قام باحثون في معهد Brain and creativity بدراسة على 18 مليون تغريدة على تويتر في فترة الاحتجاجات في بالتيمور 2015، حيث ارتفعت معدلات الاعتقال عند رواج التغريدات ذات الخطاب الأخلاقي وتضاعف العنف تقريبا بالتزامن مع انتشار ذلك الخطاب.

التنازلات الحكومية:

تبعا ل Jonathan Pinckney، ترتبط التنازلات الحكومية بانهيار حالة السلم، ربما لأنها تقسم الحركات إلى معتدلين ومتطرفين. حيث يحاول المتطرفون إثبات أنفسهم من خلال العنف.

دور التنظيم:

قد تظن أن الحملات الأكثر تنظيما هي الأكثر سلمية، تبعا ل Pinckney فإن البيانات تشير لعكس ذلك، فالحملات ذات الهيكلية الهرمية والغير واضحة الخلافات أكثر عرضة للعنف من تلك ذات الهيكلية المتوازية ( غير الهرمية) والتي توضح خلافاتها السياسية. حيث أن روح المشاركة والنقاش تسهل من الحفاظ على حالة السلم.

النهب والتخريب كجزء من الاحتجاج:

كثيرا ما نتساءل عن سبب النهب والتخريب في الاحتجاجات، وحسب الباحثين قد يكون هذا الفعل جزءا من الاحتجاج.

تبعا ل بروفسور Clifford Stott ( خبير في سلوك الجماهير وشرطة النظام العام في جامعة كيلي) فإن ” النهب تعبير عن القوة، فمثلا قد يشعر الشرطة المواطنين السود بانعدام القوة، لذا يصبحون أكثر قوة من الشرطة أثناء أعمال الشغب”.

وأيضا يناقش Stott أن دراسات لأعمال شغب سابقة تشير لكون المحلات التي يتم نهبها تابعة لأعمال كبرى، وهنا برتبط النهب بالشعور بعدم المساواة في مجتمع رأسمالي.

ما يؤيد وجهة النظر هذه قيام المتظاهرين في أعمال الشغب في لوس أنجلوس عام 1992 بطلاء محلات الأقليات بطلاء خاص ليتجنب الناس تخريبها.

إذا، ترتبط أعمال النهب والتخريب بعاطفية الأحداث ونمطها بالنسبة للناس. حيث قد يميل الناس في الأحداث السياسية الصرفة التي لا تنطوي على التمييز الاجتماعي للصدام مع الشرطة أو تحطيم نوافذ المحال، لكن قد لا يقومون بالنهب.

بالتأكيد، الأمر معقد وخاصة مع اختلاف دوافع الناس وفروقاتهم الفردية، فقد يتم استغلال الأحداث من قبل الفئات الإجرامية المشاركة.

المصادر:

MIT

UMN

Political Violince at a glance

Psychological today

BBC

مغالطة المنحدر الزلق (Slippery Slope Argument)

ماذا تعرف عن مغالطة المنحدر الزلق (SLIPPERY SLOPE ARGUMENT) أو أنف الجَمَل(Camel Nose)؟

قال البدوي لنفسه: «إذا تركت الجمل يدس أنفه في خيمتي هذه الليلة الباردة فإنه سيدس رأسه في الليلة التالية، ثم لا يلبث في الليلة التي تليها أن يدس رقبته، وسرعان ما أجده قد اقتحم خيمتي بجسده كاملًا».

هكذا تصور البدوي في خياله هذا السيناريو والذي تنتهي فيه الأحداث نهاية سيئة وبالتالي رفض القيام بالحدث الأول (السماح للجمل بإدخال أنفه) تجنبًا لنهاية السيناريو خاصته.

من المثال السابق يمكننا استنتاج أن مغالطة المنحدر الزلق تعني أن فعلًا صغيرًا أو تافهًا سوف يجر وراءه سلسلة من العواقب والتي ستؤدي بدورها إلى نتيجة كارثية، فكل حدث في هذه السلسلة هو نتيجة ضرورية لما قبله، وسبب للحدث الذي يليه.

فإذا كان (أ) سيكون (ب) وبالتالي سيكون (ج) وهكذا حتى (ن)، و(ن) هي نتيجة كارثية إذن فعلينا تجنب فعل (أ).

ومن أشهر الأمثلة على مغالطة المنحدر الزلق هو مايسمعه الطلاب الصغار من آبائهم عن العواقب من عدم كتابة الواجب المنزلي حيث تتم المغالطة كما يلي:

  • إذا لم تقم بأداء واجبك ، فسوف تفشل في الفصل.
  • إذا فشلت في هذا الفصل ، فلن تتخرج من المدرسة.
  • إذا لم تتخرج ، فلن تدخل الكلية.
  • إذا لم تلتحق بكلية جيدة ، فلن تحصل على وظيفة جيدة.
  • إذا لم تحصل على وظيفة جيدة ، فستكون فقيراً ومشرداً.
  • أنت لا تريد أن تكون فقيرًا ومشردًا ، أليس كذلك؟

على الرغم من أهمية أن تكون مجتهدًا، لكنه ليس من الضروري أن تصبح مشرداً لأنك كنت ضعيفاً أو فوّت مهمة واحدة

أمثلة:

1- إذا اقرضتك اليوم جنيهًا فسوف تقترض مني غدًا جنيهين ثم عشرة ولن يمضي وقت طويل حتى تستولي على كل ثروتي.

2- ينبغي أن يكون اختيار المقررات المدروسة بالجامعات متروكًا للأساتذة، لأننا إذا سمحنا لرغبات الطلبة بالتأثير في هذا الاختيار، فسوف يتصورون أنهم يديرون التعليم وبالتالي سيؤدي هذا لانهيار النظام وسرعان ما نجد أنفسنا أمام جامعات لا تعلم شيئًا

3- إذا أكلت الآيس كريم فسوف يزداد وزنك، وزيادة وزنك تعني أنك ستصاب بالسمنة وستظل تسمن حتى تموت بانسداد الشريان التاجي، إذن فالآيس كريم يسبب الوفاة فلا تأكله.

على الرغم من عدم وجود دليل على حدوث هذه السلسلة المشؤمة من الأحداث ولكن ما يجعل الجمهور يصدقها هو أنها تستخدم أسلوب الترهيب والتخويف من النتائج السيئة التي ستحدث نتيجة للحدث الأول.

المصادر:

  • كتاب المغالطات المنطقية، عادل مصطفى
  • Examples

ملخص كتاب: علم المنطق، لمحمد مهران

لا شك أن كتب التعريف بعلم المنطق كثيرة ومتنوعة، ولعل كتاب علم المنطق للدكتور محمد مهران من أبسطها وأكثرها اختصارًا، وارتأينا لهذا السبب أن نقدم لكم ملخصًا يوضح أهم ما جاء في هذا الكتاب، ليكون مدخلًا يعرف القارئ بعلم المنطق في دقائق قليلة.

ما هو علم المنطق؟

يرجع أصل كلمة المنطق إلى النطق، ولا يعني هذا أن المنطق يُعنى باللفظ نفسه، إنما يهتم بالمعنى الذي يكون في أذهاننا عند النطق، وكيفية عصم أذهاننا من التفكير-ومن ثم النطق- بشكل غير صحيح ومتسق. بغض النظر عن ماهية الموضوع أو العلم الذي نتناوله في حديثنا.

يعد أرسطو أول من تكلم بعلم المنطق، واستطاع التمييز بين العلوم نفسها والطريقة التي تمكننا من التفكيرفي هذه العلوم والوصول إليها بشكل صحيح. وبناء على هذا صنف المنطق علمًا قائمًا بذاته.
أما العرب فعاملوا المنطق معاملة العلم والأداة في آن واحد. فقد وصف ابن سينا المنطق بالآلة التي تحمي الفكر من الضلال، أما الفارابي فسماه رئيس العلوم.

ماذا نعني بالمنطق الصوري؟

عندما نرى مجموعة من الكراسي المختلفة في اللون ومادة الصنع والحجم لا يمنعنا ذلك من نطلق عليها جميعًا إسم (كرسي). فما الذي اشتركت فيه تلك الكراسي وجعلها جميعًا تستحق هذا الإسم؟ إنها الصورة. صورة الكرسي، أو العلاقة بين أجزائه. والتي تشترك فيها كراسي العالم جميعًا.

وكذلك الجملة، فإن الجمل جميعًا على اختلاف معانيها لها صور وعلاقات بين أجزائها، والمنطق يهتم على وجه الخصوص في الجمل التي تحتمل الصدق والكذب، وتسمى (القضايا).
فجملة: (الأسرة نواة المجتمع)، تعتبر قضية.
وأجزاؤها هي:
-الأسرة: ونسميها موضوع القضية.
-نواة المجتمع: ونسميها محمول القضية.
-ما يربط بينهما: كلمة هي.

وهكذا فإن لهذه لقضية صورة، تشترك فيها مع قضايا أخرى باختلاف المضمون مثل: (الشمس طالعة) و(القوم غاضبون)، وتسمى هذه الصورة بالحملية.

أما صورة الاستدلال، فيمكن توضيحها بمثال:
” إذا رأيت الإشارة الحمراء يجب أن أوقف السيارة. وبما أني أرى الإشارة الحمراء الآن، وجب علي إيقاف السيارة” .

نلاحظ هنا وجود قضية أولى تدل على شرط وقاعدة مرورية معروفة لدينا قد اختبرناها، ولنسمها: (ك)، وقضية ثانية تدل على واقعة أنك ترى الضوء الأحمر في الوقت الحاضر، ولنسمها: (ق)
فما الذي ينقصنا للتأكد من وجوب الوقوف الآن؟ إنه صدق رؤيتك للضوء الأحمر.
فالصورة هنا كالتالي:
إذا كانت (ق) ، كانت (ك).
و(ق) صادقة.
إذًا (ك) صادقة.

وقد تحمل هذه الصورة حجج أخرى تتعلق بأي موضوع آخر غير المرور والسيارات، لذا فالمنطق لا يهمه الموضوع.
كما أن الصور التي تربط بين القضايا كثيرة ولا تقتصر على ما ذكرناه، ومهمة المنطق دراسة الشروط التي ترتبط فيها تلك الصور.
وليس المنطق العلم الوحيد الذي يدرس الصور والأمور المشتركة بين الأشياء، بل إن العلوم كلها تحتوي صورية، ولكن بدرجة أقل، ويمكننا القول، كلما ابتعد العلم عن الماديات كلما زادات عموميته وكان صوريًا، فيكون المنطق على قمة هرم الصورية، يليه الرياضيات. وهكذا إلى آخره.

هل المنطق علمٌ أم فن؟

من جانب، يمكننا اعتبار المنطق علمًا لأنه يضع لنا القواعد لدراسة باقي العلوم، ومن جانب آخر، يمكننا اعتباره فنًا لأنه يشكل أداة وإرشادات في تعاملنا مع أمور الحياة.

وقد نعني بالفن: المهارة في فعل شيء ما، أو: معرفة طريقة فعل شيء ما.
فإذا أخذنا بالمعنى الثان، بإمكاننا اعتبار المنطق فنًا.

لكن أرسطو اعتبر أن على الفنان إحداث التغيير في شيء ما ليكون فنانًا.
وتتضح هذه القضية في مثال الفرق بين العالم والتطبيقي، فالأول يضع القواعد، والثاني يستخدمها في إحداث التغيير.
ولما كان المنطق يضع القواعد ولا يحدث بذاته التغيير، فعله يكون علمًا أكثر منه فنًا.

علاقة المنطق باللغة

إن اللغة ما هي إلا ألفاظ وجمل بينها روابط، ولما كانت الجمل الخبرية هي القابلة للتكذيب والتصديق، فإنها كانت محل اهتمام المنطق.
وإنا نستخدم اللغة في التعبير عما يدور في ذهننا من أفكار. وكما نحتاج قواعد تقينا الخطأ في تركيب اللغة، ونسميها علم النحو، نحتاج إلى قواعد تقينا الخطأ في تركيب الفكر الذي نعبر عنه باللغة، ونسميها علم المنطق.

أما من الناحية التاريخية، فقد ربط السوفسطائيون بين المنطق واللغة ليسهل عليهم استخدام الجدل في إقناع خصومهم بحججهم. ويعتبر البعض أن أرسطو أقام تصنيفاته المنطقية بناء على دراسته للغة اليونانية. وكان لهذا الأثر على موقف العرب من قيمة المنطق، فقد ذهب فريق اللغويين منهم إلى أن المنطق بني على قواعد اللغة اليونانية، فلا قيمة له في لغة أخرى، بينما ذهب فريق المنطقيين إلى أن المنطق يهتم في المقولات ولا شأن له في اللغة، معللين ذلك بمثال أن أربعة زائد أربعة ستساوي ثمانية في جميع اللغات.

كما ذهب المناطقة إلى أن المنطق علم قائم بذاته ولا يحتاج النحو لتحقيق أهدافه، وبدورهم أنكر اللغويون حاجة النحو إلى علم المنطق.
لكن فريقًا توفيقيًا كان له الدور في حل هذا الإشكال إلى حد كبير، وانتشارعلم المنطق من بعدها عند العرب.
إذ أصر هذا الفريق على أن المنطق يهتم بالعقل، بينما النحو مجاله اللغة. وأن لكل منهما دوره الذي لا غنى عنه. وما تزال الدراسات والكتب التي تربط بين المنطق واللغة منتشرة إلى يومنا هذا، وممن ذهبوا إلى التفسير المنطقي للغة الفيلسوف الإنجليزي بيرتراند راسل

علاقة المنطق بعلم النفس

ذهب البعض إلى أن المنطق جزء من علم النفس معللين ذلك أن علم النفس يشمل التفكير كله بينما يعنى علم المنطق بالتفكير السليم. لكن هذا الرأي لم يعد معقولًا نظرًا إلى أن علم المنطق لا يهتم بالموضوعات، إنما يعنى بصورها فقط.

ومما يربط علم النفس بالمنطق أننا وفي حياتنا اليومية عندما نفكر في شتى المسائل، ونصل الى استنتاجاتنا،يكون ذلك أحيانا بفعل عوامل نفسية لا منطقية، كالرغبات والعواطف. محاولين في بعض الأحيان إضفاء الطابع المنطقي إليها؛ لذا فمن المهم التمييز بين النتائج المتوصل إليها عبر عوامل نفسية وبين تلك الخاضعة للمنطق.
وذهب شيخ المناطقة المعاصرين بيرتراند راسل إلى أن عملية الاستدلال، وهي قلب العملية المنطقية، إنما هي عملية سيكولوجية في الأساس.

علاقة المنطق بالرياضيات

تأثر فلاسفة اليونان بالرياضيات أيما تأثر، وطالما وجد ارتباط وثيق بين منطق أرسطو والصورة الرياضية كما سنبين عند حديثنا عن تطور المنطق.

من أشهر الفلاسفة الذين أرجعوا الرياضيات إلى أصول منطقية الإنجليزي (برتراند راسل) والألماني (جوتلوب فريجه)، إذ رأى أصحاب هذا الاتجاه أن المنطق والرياضيات ليسا إلا شيئًا واحد في مراحل مختلفة، فكأنما المنطق هو الرياضيات في شبابه، والرياضيات هو المنطق في شيخوخته.
فنحن نبدأ من مقدمات منطقية ثم نصل بها إلى نتائج تنتمي إلى الرياضيات، دون حد فاصل واضح. كما أن المفاهيم الرياضية-العدد على سبيل المثال- ما هي إلا مفاهيم منطقية في الأصل. وكذلك القوانين الرياضية يمكن إرجاعها إلى بديهيات في علم المنطق.

أما أصحاب الاتجاه الآخر والمسمى بالاتجاه الحدسي، فيرون أن المنطق ما هو إلا تعميم كبير للرياضيات، وأنه بذلك جزء من الرياضيات لا أساسه.

مراحل تطور المنطق

يقسم الكاتب مراحل تطور المنطق إلى ثلاث مراحل:

-المنطق التقليدي.
-المنطق الحديث، او الاستقرائي.
-المنطق الرمزي أو الرياضي.

المنطق التقليدي

يعد الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي يعرف بالمعلم الأول، أول من أقر بوضوح مبادئ المنطق التقليدي، لا يعني هذا أننا لا نستطيع أن نلمس بوادر المنطق عند سابقي أرسطو، كالسوفسطائيين وسقراط وأفلاطون، لكن الأمر أن أرسطو أول من نظر إلى الفكر كموضوع قائم بذاته، مستقل عن فروع المعرفة، بل طريقة للوصول إلى هذه المعارف.
وقد جمع تلامذة وشراح أرسطو دراساته عن المنطق وأطلقوا عليها اسم (الأورجانون) أي الآلة، أو (لوجيكا) أي المنطق.
مثلت هذه الأفكار قمة الفكر اليوناني، وظلت أفكار أرسطو وتلامذته ومن شرحوا منطقه وأضافوا عليه، مستبدة في الحضارة الغربية لقرون طويلة، وكانت الكنيسة قد تبنتها ووافقتها مع أفكارها واستخدمتها في الدفاع عن عقيدتها. وظلت المحاولات لتجاوز هذا المنطق تبوء بالفشل أو تلقى بالهجوم. حتى كانت أول محاولة ناجحة على يد الإنجليزي فرانسيس بيكون صاحب المنطق الاستقرائي، ومن بعده الفرنسي رينيه ديكارت صاحب المنهج الاستنباطي.

ولم يقف منطق أرسطو عند الحضارة الغربية، بل إن فلاسفة الحضارة العربية الإسلامية انكبوا على ترجمة ودراسة منطق أرسطو وشرحه وتلخيصه، ومنهم ابن سينا وابن رشد والفارابي. أما الفقهاء، فمنهم من تحمس لمنطق أرسطو واستخدمه في وضع الأقيسة الفقهية، وشجع دراسته واستخدامه في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، أي استخدام السلاح ذاته الذي استخدمه ضدها خصومها.
ومنهم من وقف من الفلسفة عمومًا والمنطق خصوصًا موقفًا عدائيًا، ووجهوا إليه انتقادات شديدة، كابن تيمية والغزالي، ويُذكر الكاتب أن الموقف العدائي لأصحاب هذا الاتجاه قد لا يكون من المنطق نفسه، بل من الأبحاث المنطقية التي تكون أشبه في المجادلات السوفسطائية.
ولم تمنع هذه المواقف على أية حال المسلمين من الاستمرار في دراسة المنطق التقليدي وشرحه والإضافة عليه.

موضوعات المنطق التقليدي:

-الحدود: وهو لفظ يمكن أن يصبح طرفًا في قضية، فنخبر عنه، أو نخبر به. وقد يكون عدة ألفاظ، فإذا قلنا: والد أحمد مسنّ. أو: حسين هو والد أحمد.، فإن (والد أحمد) يعد طرفًا في القضية.

-القضايا: وهي استخدام الحدود في تأليف جملة مفيدة قابلة للتكذيب أو التصديق، كقولنا: السيارة أمام المنزل.

الاستدلال: استنتاج قضية من قضية أخرى أو أكثر من قضية، فإذا كان الاستدلال من قضية واحدة نسميه استدلالًا مباشرًاظ

أما الاستدلال على قضية(نتيجة) من قضيتين(مقدمتين)، فنسميه القياس، وهو جوهر المنطق التقليدي. ومثاله الأشهر:
كل إنسان فان
سقراط إنسان
إذًا، سقراط فان.

ويعتمد هذا النوع من المنطق على كون المقدمات صحيحة والتوصل من خلالها إلى نتائج صحيحة، وهذا ما أخذه عليه أصحاب المنطق الحديث، اذ رأوا أنه لا يضيف معلومات جديدة إنما يعتمد في نتائجه ليس إلا على المقدمات.

المنطق الاستقرائي، أو المنطق الحديث

بدأ المنهج الاستقرائي، وهو أساس المنهج العلمي التقليدي، في القرن السادس عشر. على يد الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون ومن بعده الفيلسوف جون ستيورات ميل. ويعتمد هذا المنهج على ملاحظة جزيئات ظاهرة ما ومن ثم الوصول بهذه الملاحظات إلى تفسيرات عامة لهذه الظاهرة. أي أن الانتقال فيه يكون من الجزئي إلى الكلي. فيكون ترتيب الخطوات المتبعة في هذا المنهج:
-الملاحظة
-فرض الفروض
-التجربة
-صياغة القانون

إلا أن هذه الخطوات لا يمكن تطبيقها في جميع العلوم، فالعلوم التي يتعذر فيها إجراء التجارب يكتفى عندها بالملاحظة.
كما أن المنهج العلمي الاستقرائي التقليدي، لم يعد يلبي احتياجات العلم الحديث، مما تطلب إضافة بعض جوانب المنهج الاستنباطي، ليصبح المنهج العلمي المعاصر مزيجًا بين الاستقراء والاستنباط، فرغم أننا ما زلنا نستخدم الملاحظة والافتراض والتجارب، إلا أن الترتيب قد اختلف، فقد لا نبدأ بملاحظة الظواهر، وإنما نبدأ بالافتراض، ثم نحاول تحقيق افتراضنا بالملاحظة والتجربة، كما أن الافتراض في المنهج العلمي المعاصر قد لا يكون بناء على ما شاهدناه بأنفسنا، وإنما استنباط من قوانين علمية سابقة.

المنطق الرياضي أو الرمزي

ليس لمنطق الرياضي أو الرمزي، في حقيقة الأمر مناقضًا للمنطق الأرسطي التقليدي،إنما هو مكمل ومطور له.
إذ يعنى المنطق الرياضي بالصور والرموز، الشبيهة منها برموز الحساب والجبر، ذلك أنه يرى أن اللغة الطبيعية التي نستخدمها يعتريها الالتباس والغموض، فذهب إلى استخدام لغة الرموز باعتبارها أكثر دقة. فهو يعبر باستخدتم رموز مثل: (س، ص،..) للتعبير عن الحدود، لتصبح القضايا أكثر وضوحًا وعمومية. ومن وأهم خصائص المنطق الرياضي:

-أنه يستخدم الأسلوب الاستنباطي، فهو يذهب إلى استنباط القوانين من المبادئ المنطقية البديهية.

-اتسامه بالصورية الخالصة، فهو يستخدم الرموز ليركز على الصور دون الاهتمام بالموضوع أو المادة.

وكان الفيلسوف الألماني (لايبنتز) قد بشر في المنطق الرياضي في القرن السابع عشر، لكن واضعه الحقيقي هو مخترع الرياضيات البحتة (جورج بول) في القرن التاسع عشر.
أما الإنجاز الأكبر في المنطق الرياضي فهو كتاب العالمين (راسل) و(وايتهيد) المسمى:(principia mathmatica) أي المبادئ الرياضية. الذي يعتبر اليوم من معالم علم المنطق.

فوائد دراسة علم المنطق

يناقش الكاتب في هذا الفصل الفوائد التي تعود على دارس المنطق من دراسته. نلخصها في النقاط التالية:

-باعتبار المنطق علمًا، فإنه يعلمنا المبادئ التي يقوم عليها الاستدلال. وباعتباره فنًا، فإنه يساعدنا في حياتنا اليومية على البرهنة على الادعاءات التي نقدمها بصورة سليمة، بالإضافة إلى تمييز مدى اتساق وكفاية الأدلة التي نواجهها عند سماع أو قراءة أي رأي أو زعم أو معتقد.

-التفرقة بين النتائج المبنية على أسباب نفسية وعاطفية، والأخرى المبنية على حجج عقلية ومنطقية.

-الوعي بمدى غموض وتركيب اللغة، وبالتالي محاولة تجنب الأخطاء اللغوية بهدف تجنب الخطأ في التفكير.

-المعرفة بالمنطق تقود إلى معرفة المبادئ العملية مناهج البحث العلمي.

Exit mobile version