مترجم: عالم ما بعد فيروس الكورونا للكاتب يوفال نوح حراري

عالم ما بعد فيروس الكورونا للكاتب يوفال نوح حراري يوضح فيه يوفال نوح حراري ماهية عالم ما بعد فيروس الكورونا مستعرضا تخوفاته وما نحتاجه لتشكيل عالم أفضل بدلًا من عالم منعزل شديد الرقابة يقتص من حرياتنا، فيقول:

“إن مطالبة الناس بالاختيار بين الخصوصية والصحة هو في الواقع أصل المشكلة، لأنه خيار زائف. يمكننا -وينبغي أن- نتمتع بالخصوصية والصحة معًا. يمكننا أن نختار حماية صحتنا ووقف وباء الفيروس التاجي؛ ليس عن طريق إنشاء أنظمة مراقبة استبدادية، ولكن عن طريق تمكين المواطنين.”

يوفال نوح حراري

إليكم المقال:

تواجه البشرية الآن أزمة عالمية، ربما كانت أكبر أزمة في جيلنا، ويُحتمل أن تشكّل القرارات المُتخذة خلال الأسابيع القليلة المقبلة من الشعوب والحكومات عالمنا لسنوات قادمة. لن ينحصر تأثيرها على أنظمة الرعاية الصحية فقط ولكن ستشكّل اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا. يجب علينا أن نتصرف بسرعة وحسم، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار العواقب طويلة المدى لأعمالنا. عند الاختيار بين البدائل، يجب أن نسأل أنفسنا ليس فقط عن كيفية التغلب على التهديد المباشر، ولكن أيضًا عن نوع العالم الذي سنعيش فيه بمجرد مرور العاصفة. نعم، ستمر العاصفة، وستبقى البشرية على قيد الحياة، سيظل معظمنا على قيد الحياة – لكننا سنعيش في عالم مختلف.

ستصبح العديد من تدابير واجراءات الطوارئ قصيرة الأجل من عناصر الحياة الأساسية في المستقبل. هذه هي طبيعة حالات الطوارئ، فهي تسرّع من العمليات التاريخية والقرارات التي قد تستغرق في الأوقات العادية سنوات من المداولات، ولكن تُمرر في حالات الطوارئ في غضون ساعات. يُدفَع بالتقنيات غير الناضجة وحتى الخطرة للخدمة، فمخاطر عدم القيام بأي شيء أكبر. تبدو دُوَل بأكملها كفئران في تجارب اجتماعية واسعة النطاق. ماذا قد يحدث عندما يعمل الجميع من المنزل ويتواصلون فقط عن بُعد؟ ماذا قد يحدث عندما تُقدّم كل المدارس والجامعات محتواها مباشرة على الإنترنت؟

في الأوقات العادية، لن توافق الحكومات والشركات والمجالس التعليمية على إجراء مثل هذه التجارب. لكن هذه الأوقات ليست عادية. في وقت الأزمة هذا، نواجه خيارين مهمين بشكل خاص. الخيار الأول بين المراقبة الشمولية وتمكين المواطنين. والثاني بين العزلة القومية والتضامن العالمي.

المراقبة الحيوية أو “المراقبة تحت الجلد”

من أجل وقف الوباء، يجب على جميع السكان الامتثال لإرشادات معينة. هناك طريقتان رئيسيتان لتحقيق ذلك. إحدى الطرق هي أن تراقب الحكومة الشعب، وتعاقب أولئك الذين يخالفون القواعد. اليوم، ولأول مرة في تاريخ البشرية، تتيح التكنولوجيا مراقبة الجميع طوال الوقت. قبل خمسين عامًا، لم يكن باستطاعة المخابرات السوفيتية KGB مراقبة 240 مليون مواطن سوفيتي على مدار 24 ساعة، ولا يمكن للـ KGB معالجة جميع المعلومات التي تم جمعها بشكل فعّال. اعتمدت وكالة المخابرات السوفيتية (KGB) سابقًا على عملاء ومحللين بشريين، ولم تتمكن من توظيف شخص لمراقبة كل مواطن. ولكن يمكن للحكومات الآن أن تعتمد على أجهزة استشعار وخوارزميات قوية في كل مكان بدلاً من الأشخاص.

استخدمت عدة حكومات بالفعل أدوات المراقبة الجديدة في معركتها ضد جائحة فيروس الكورونا. أبرز حالة هي الصين؛ من خلال مراقبة الهواتف الذكية للأشخاص عن كثب، والاستفادة من مئات الملايين من كاميرات التعرف على الوجوه، وإلزام الأشخاص بفحص درجة حرارة أجسامهم وحالتهم الطبية والإبلاغ عنها. لا يمكن للسلطات الصينية أن تحدد فقط حاملي الفيروس المشتبه بهم، ولكن أيضًا تتبع تحركاتهم وتتعرف على أي شخص اتصلوا به. تحذّر مجموعة من تطبيقات الهاتف المحمول المواطنين من اقترابهم من المرضى والمصابين.

لا يقتصر هذا النوع من التكنولوجيا على شرق آسيا. إذ سمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا لوكالة الأمن الإسرائيلية بنشر تكنولوجيا المراقبة المخصّصة عادة لمحاربة الإرهابيين لتعقب مرضى فيروس الكورونا المستجد. وعندما رفضت اللجنة الفرعية البرلمانية المعنية الموافقة على الإجراء، صدمها نتنياهو بـ “مرسوم الطوارئ”.

المراقبة البيومترية، يمكنك أن تجعل قضية المراقبة البيومترية بمثابة إجراء مؤقت يُتّخذ أثناء حالة الطوارئ. لكن للأسف، للتدابير المؤقتة عادة سيئة في تجاوز حالات الطوارئ

قد نتجادل بأنه لا يوجد جديد في كل هذا. ففي السنوات الأخيرة، استخدمت كل من الحكومات والشركات تقنيات أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى للتتبع والمراقبة والتلاعب بالناس. ومع ذلك، إذا لم نكن حذرين، فقد يمثل الوباء فاصلاً هامًا في تاريخ المراقبة. ليس فقط لأنها ستسمح بنشر أدوات المراقبة الجماعية في البلدان التي رفضتها حتى الآن، ولكن أكثر من ذلك لأنها تشير إلى تحوّل كبير من المراقبة “فوق الجلد” إلى “تحت الجلد” أي من المراقبة الفوقية للمراقبة الداخلية. ما نعلمه حتى الآن، هو معرفة الحكومة للروابط التي ينقرها إصبعك على شاشة هاتفك الذكي. ولكن مع اجراءات الفيروس الطارئة، يتحول الاهتمام إلى رغبة في معرفة درجة حرارة إصبعك وضغط الدم تحت الجلد.

إحدى المشاكل التي نواجهها في تشكيل موقفنا من المراقبة تكمن في عدم معرفتنا لكيفية مراقبتنا، وما قد تجلبه السنوات القادمة. تتطور تكنولوجيا المراقبة بسرعة فائقة، وما بدا أنه خيال علمي منذ 10 سنوات أصبح قديمًا اليوم. كمثال، تخيّل حكومة افتراضية تطالب بأن يرتدي كل مواطن سوارًا بيولوجيًا يراقب درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب على مدار 24 ساعة في اليوم. تُجمَع البيانات الناتجة وتُحلَّل بواسطة الخوارزميات الحكومية، وستعرف الخوارزميات أنك مريض حتى قبل أن تعرف أنت. كما ستعرف أيضًا أين كنت، ومن قابلت. يمكن تقصير سلاسل العدوى بشكل كبير، بل ويمكن كسرها تمامًا. بمقدورنا القول أن مثل هذا النظام قادر على إيقاف الوباء في غضون أيام. تبدو الأمور رائعة، أليس كذلك؟

لم تدرك أن هذا سيعطي الشرعية لنظام مراقبة جديد مرعب. إذا كنت تعلم، على سبيل المثال، أنني نقرت على رابط Fox News بدلاً من رابط CNN، فيمكن هذا أن يخبرك شيئًا عن آرائي السياسية، وربما يكشف لك عن شخصيتي “وهو ما حدث مع Cambridge analytica”. ولكن إذا تمكنت من مراقبة ما يحدث لدرجة حرارة جسدي وضغط الدم ومعدل ضربات القلب أثناء مشاهدة مقطع الفيديو، فيمكنك معرفة ما يجعلني أضحك أو أبكي، وما قد يجعلني غاضبًا حقًا.

من المهم أن نتذكر أن الغضب والفرح والملل والحب هي ظواهر بيولوجية مثل الحمى والسعال. يُمكن للتكنولوجيا نفسها التي ترصُد السعال أن تحدد الضحكات أيضًا. إذا بدأت الشركات والحكومات في جمع بياناتنا البيومترية “الحيوية” بشكل جماعي، فيمكنهم التعرف علينا بشكل أفضل بكثير مما نعرف حتى أنفسنا، ومن ثَمّ لا يمكنهم فقط التنبؤ بمشاعرنا ولكن أيضًا التلاعب بها وبيعنا أي شيء يريدونه – سواء كان ذلك منتجًا أو شخصية سياسية. ستجعل المراقبة البيومترية أساليب Cambridge Analytica تبدو وكأنها من العصر الحجري. تخيّل كوريا الشمالية في عام 2030، عندما يضطر كل مواطن إلى ارتداء سوار المراقبة البيومترية على مدار 24 ساعة في اليوم. حينها، إذا استمعت إلى خطاب القائد العظيم والتقط السوار علامات الغضب، فقد انتهت حياتك.

لن تتوقف معرفتي عند كوني خطرًا صحيًا على الآخرين، ولكن ستمتد إلى معرفتي بأي العادات تساهم في تحسين حالتي الصحية

يمكنك بالطبع أن تجعل قضية المراقبة البيومترية بمثابة إجراء مؤقت يُتّخذ أثناء حالة الطوارئ. ستزول المراقبة حالما تنتهي حالة الطوارئ. لكن للأسف، للتدابير المؤقتة عادة سيئة في تجاوز حالات الطوارئ، خاصة وأن هناك دائمًا حالة طوارئ جديدة تلوح في الأفق. على سبيل المثال، أعلنت إسرائيل، حالة الطوارئ خلال حرب الاستقلال عام 1948، والتي بررت مجموعة من الإجراءات المؤقتة مثل الرقابة على الصحافة ومصادرة الأراضي إلى اللوائح الخاصة لصنع الحلوى (أنا لا أمزح). كسبت حرب الاستقلال منذ فترة طويلة، لكنها لم تعلن أبدًا انتهاء حالة الطوارئ، وفشلت في إلغاء العديد من الإجراءات “المؤقتة” منذ عام 1948 (أُلغي مرسوم الطوارئ في عام 2011).

عندما تنخفض الإصابة بفيروس الكورونا المستجد إلى الصفر، يُمكن لبعض الحكومات المتعطشة للبيانات أن تتذرّع بحاجتها إلى إبقاء أنظمة المراقبة البيومترية في مكانها لخشيتها من حدوث موجة ثانية من الفيروس مثلاً، أو لوجود سلالة جديدة من فيروس إيبولا تتطور في وسط أفريقيا، أو لأن …. أعتقد أنك قد فهمت الفكرة. كانت هناك معركة كبيرة تدور رحاها في السنوات الأخيرة حول “حق الخصوصية”، وقد تصبح أزمة الفيروس نقطة تحوّل في المعركة. فعندما يُتاح للأشخاص الاختيار بين الخصوصية والصحة، فعادة ما يختارون الصحة.

شرطة الصابون

إن مطالبة الناس بالاختيار بين الخصوصية والصحة هو في الواقع أصل المشكلة، لأنه خيار زائف. يمكننا -وينبغي أن- نتمتع بالخصوصية والصحة معًا. يمكننا أن نختار حماية صحتنا ووقف وباء الفيروس التاجي؛ ليس عن طريق إنشاء أنظمة مراقبة استبدادية، ولكن عن طريق تمكين المواطنين. في الأسابيع الأخيرة، نظمت كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة بعض أنجح الجهود المبذولة لاحتواء وباء الفيروس التاجي. فبالرغم من استخدام هذه البلدان لبعض تطبيقات التتبع، إلا أنها اعتمدت بشكل أكبر على تكثيف اختبارات الفيروس، وعلى تقارير صادقة، وعلى التعاون المتبادَل مع جمهور تمت توعيته. المراقبة المركزية والعقوبات القاسية ليست الطريقة الوحيدة لجعل الناس يمتثلون للإرشادات المفيدة. يمكن للمواطنين إذا عرفوا الحقائق العلمية، ووثقوا في السلطات العامة وما تخبرهم به من حقائق، أن يفعلوا الشيء الصحيح حتى بدون أن يراقبهم الأخ الأكبر “تعبير من رواية 1984 يستخدم للإشارة إلى مراقبة السلطة للمواطنين بهدف توجيههم والسيطرة عليهم”. عادة ما يصبح جمهور من أصحاب الدوافع الذاتية المستنيرة أكثر قوة وفعالية بكثير من جمهور من الخاضعين لقوة الشرطة والجاهلين. ضع في اعتبارك مثال غسل الأيدي بالصابون، “هل يستوجب علينا تعيين شرطة خاصة لإجبار المواطنين على غسل أيديهم بالصابون؟”. كان هذا أحد أعظم التطورات على الإطلاق في نظافة الإنسان، إذ ينقذ ملايين الأرواح كل عام. بينما نعتبر غسل الأيدي بالصابون أمرًا مُسلّمًا به الآن، لكن لم تُكتَشف أهميته علميًا إلا في القرن التاسع عشر. في السابق، حتى الأطباء والممرضات انتقلوا من عملية جراحية إلى أخرى دون غسل أيديهم. واليوم يغسل مليارات الأشخاص أيديهم يوميًا، ليس لأنهم يخافون من شرطة الصابون، ولكن لأنهم يفهمون الحقائق. أغسل يدي بالصابون لأنني سمعت عن الفيروسات والبكتيريا، أفهم أن هذه الكائنات الدقيقة تسبب الأمراض، وأنا أعلم أن الصابون يمكن أن يزيلها. ولكن لتحقيق مثل هذا المستوى من الامتثال والتعاون، فأنت بحاجة إلى الثقة. يحتاج الناس إلى الثقة بالعلم، والثقة بالسلطات العامة، والثقة بوسائل الإعلام. على مدى السنوات القليلة الماضية، قوّض السياسيون غير المسؤولين عمدًا الثقة في العلوم والسلطات العامة ووسائل الإعلام. الآن قد يميل هؤلاء السياسيون غير المسؤولين إلى السير في الطريق السريع نحو الاستبداد، بحجة أنه لا يمكنك الوثوق في الجمهور لفعل الشيء الصحيح.

عادة، لا يمكنك إعادة بناء الثقة التي تآكلت لسنوات بين عشية وضحاها. ولكن ما نحن فيه ليس بأجواء عادية. في الأزمات، يمكن للعقول أيضًا أن تتغير بسرعة. يُمكن أن تقع في شجار مرير مع أشقائك لسنوات، ولكن بمجرد حدوث طارئ، تكتشف فجأة خزّانًا خفيًّا من الثقة والوُد، وتُهرعوا لمساعدة بعضكم البعض. لم يفت الأوان لإعادة بناء ثقة الناس في العلوم والسلطات العامة ووسائل الإعلام، بدلاً من بناء نظام مراقبة. يجب علينا بالتأكيد الاستفادة من التقنيات الجديدة أيضًا، ولكن هذه التقنيات يجب أن تُمكّن المواطنين. أنا أؤيد مراقبة درجة حرارة جسمي وضغط دمي، ولكن لا ينبغي استخدام هذه البيانات لترسيخ حكومة قوية، ولكن ينبغي أن تُمكنني هذه البيانات من اتخاذ خيارات شخصية أكثر استنارة، وكذلك تُمكنني من محاسبة الحكومة على قراراتها.

إذا تمكنت من تتبع حالتي الطبية الخاصة على مدار 24 ساعة في اليوم، فلن تتوقف معرفتي عند كوني خطرًا صحيًا على الآخرين، ولكن ستمتد إلى معرفتي بأي العادات تساهم في تحسين حالتي الصحية. وإذا تمكنت من الوصول إلى إحصاءات موثوقة حول انتشار الفيروس وتحليلها، فسأتمكن من الحكم ما تخبرني به الحكومة من حقائق وما إذا كانت تتبنى السياسات الصحيحة لمكافحة الوباء أم لا. عندما يتحدث الناس عن المراقبة، تذكّر أن نفس تكنولوجيا المراقبة يمكن للحكومات استخدامها لمراقبة الأفراد – ويمكن للأفراد أيضًا استخدامها لمراقبة الحكومات.

وبالتالي فإن وباء الفيروس التاجي هو اختبار رئيسي للمواطنة. يجب على كل منا في الأيام المقبلة أن يختار الثقة في البيانات العلمية وخبراء الرعاية الصحية مقابل نظريات المؤامرة التي لا أساس لها والسياسيين الذين يخدمون أنفسهم. إذا فشلنا في اتخاذ القرار الصحيح، فقد نجد أنفسنا نبيع أغلى حرياتنا، معتقدين أن هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية صحتنا.

نحن بحاجة إلى خطة عالمية

الخيار الثاني المهم الذي نواجهه هو بين العزلة الوطنية والتضامن العالمي. إن كلا من الوباء نفسه والأزمة الاقتصادية الناتجة عنه مشكلتان عالميتان. لا يمكن حل أي منهما بشكل فعال إلا من خلال التعاون العالمي.

أولاً وقبل كل شيء، من أجل هزيمة الفيروس، نحتاج إلى مشاركة المعلومات عالميًا. هذه هي الميزة الكبرى للبشر على الفيروسات. لا يمكن للفيروس التاجي في الصين والفيروس التاجي في الولايات المتحدة تبادل النصائح حول كيفية إصابة البشر. ولكن يمكن للصين أن تُعلم الولايات المتحدة العديد من الدروس القيّمة حول الفيروس التاجي وكيفية التعامل معه. ما يكتشفه طبيب إيطالي في ميلانو في الصباح الباكر قد ينقذ الأرواح في طهران في المساء. عندما تتردد حكومة المملكة المتحدة بين العديد من السياسات، يمكنها الحصول على المشورة من الكوريين الذين واجهوا بالفعل معضلة مماثلة قبل شهر. ولكن لكي يحدث هذا، نحتاج إلى روح من التعاون والثقة العالميين.

يجب على البلدان أن تبدي استعدادًا لتبادل المعلومات بشكل مفتوح وتواضعًا للحصول على المشورة، ويجب أن تمتلك القدرة على الثقة في البيانات والأفكار التي تتلقاها. نحتاج أيضًا إلى جهد عالمي لإنتاج وتوزيع المعدات الطبية، وعلى الأخص مجموعات الاختبار وأجهزة التنفس. فبدلاً من محاولة كل دولة القيام بذلك محليًا وتكديس أي معدات يمكنها الحصول عليها، يمكن لجهد عالمي مُنسّق أن يُسرّع الإنتاج إلى حد كبير، ويضمن توزيع المعدات المُنقِذة للحياة بشكل أكثر عدالة. مثلما تقوم الدول بتأميم الصناعات الرئيسية خلال الحرب، فقد تتطلب منا الحرب البشرية ضد الفيروس التاجي “إضفاء الطابع الإنساني” على خطوط الإنتاج الضرورية. يجب أن تستعد الدولة الغنية صاحبة العدد القليل من حالات الإصابة بالفيروس لإرسال معدات ثمينة إلى بلد فقير يعاني من كثرة الحالات، واثقة من أن الدول الأخرى ستهب لمساعدتها إذا احتاجت المساعدة لاحقًا.

حتى لو قامت الإدارة الحالية في نهاية المطاف بتغيير مسارها ووضعت خطة عمل عالمية، فإن القليل سيتّبع زعيمًا لا يتحمل المسؤولية مطلقًا، ولا يعترف أبداً بالأخطاء، ينسب كل الفضل لنفسه ويترك كل اللوم للآخرين.

قد نفكر في جهد عالمي مماثل لتجميع العاملين في المجال الطبي. يُمكن للبلدان الأقل تأثراً في الوقت الحالي أن ترسل موظفين طبيين إلى المناطق الأكثر تضرراً في العالم، من أجل مساعدتهم وقت الحاجة، ومن أجل اكتساب خبرة قيّمة. وتبدأ المساعدة في التدفق في الاتجاه المعاكس بانعكاس التحولات الوبائية لاحقًا.

هناك حاجة حيوية للتعاون العالمي على الصعيد الاقتصادي أيضًا. بالنظر إلى الطبيعة العالمية للاقتصاد وسلاسل التوريد، سنصبح أمام فوضى وأزمة عميقة إذا حاولت كل حكومة بشكل منعزل معالجة الوضع في تجاهل تام للحكومات الأخرى. نحن بحاجة إلى خطة عمل عالمية وبسرعة.

شرط آخر هو التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن السفر، فتعليق جميع الرحلات الدولية لأشهر سيتسبب في صعوبات هائلة، ويعرقل الحرب ضد فيروس كورونا. تحتاج الدول إلى التعاون من أجل السماح لعدد قليل على الأقل من المسافرين الأساسيين بمواصلة عبور الحدود مثل العلماء والأطباء والصحفيين والسياسيين ورجال الأعمال. يُمكن القيام بذلك من خلال التوصل إلى اتفاقية عالمية بشأن الفحص المسبق للمسافرين في بلدهم. ستكون أكثر استعدادًا لقبول المسافرين في بلدك إذا تأكدت من فحصهم بعناية قبل صعودهم على متن الطائرة.

في الوضع الحالي ولسوء الحظ، لا تفعل البلدان أي من هذه الأشياء. لقد أصيب المجتمع الدولي بالشلل الجماعي. أليس منكم رجل رشيد؟ كان المرء يتوقع أن يرى قبل أسابيع اجتماع طارئ للقادة العالميين للتوصل إلى خطة عمل مشتركة. تمكن قادة مجموعة السبع من تنظيم مؤتمر بالفيديو هذا الأسبوع فقط، ولم تسفر عنه أي خطة من هذا القبيل.

في الأزمات العالمية السابقة – مثل الأزمة المالية لعام 2008 ووباء إيبولا 2014 – تولت الولايات المتحدة دور القائد العالمي. لكن الإدارة الأمريكية الحالية تخلت عن منصب القائد. لقد أوضحت أنها تهتم بعظمة أمريكا أكثر من اهتمامها بمستقبل البشرية.

لقد تخلت هذه الإدارة حتى عن أقرب حلفائها، عندما حظرت جميع رحلات السفر من الاتحاد الأوروبي، ولم تكلف نفسها عناء إعطاء الاتحاد الأوروبي إشعارًا مسبق – ناهيك عن التشاور مع الاتحاد الأوروبي حول هذا الإجراء الجذري. قامت بتخريب علاقاتها مع ألمانيا عندما قدّمت مليار دولار إلى شركة دواء ألمانية لشراء حقوق احتكار لقاح جديد Covid-19. حتى لو قامت الإدارة الحالية في نهاية المطاف بتغيير مسارها ووضعت خطة عمل عالمية، فإن القليل سيتّبع زعيمًا لا يتحمل المسؤولية مطلقًا، ولا يعترف أبداً بالأخطاء، ينسب كل الفضل لنفسه ويترك كل اللوم للآخرين.

إذا لم يُملأ الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة من قبل دول أخرى، فلن تتوقف صعوبة الأمر على إيقاف الوباء الحالي فحسب، بل سيستمر إرثه في تسميم العلاقات الدولية لسنوات قادمة. ومع ذلك، فكل أزمة هي فرصة. نأمل أن يساعد الوباء الحالي البشرية على إدراك الخطر الحاد الذي يشكله الانقسام العالمي.
تحتاج البشرية إلى الاختيار. هل نسير في طريق الانقسام، أم سنتبنى طريق التضامن العالمي؟ إذا اخترنا الانقسام، فلن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد الأزمة فحسب، بل سيؤدي على الأرجح إلى كوارث أسوأ في المستقبل. إذا اخترنا التضامن العالمي، فسننتصر على الفيروس التاجي وعلى جميع الأوبئة والأزمات والتحديّات المستقبلية التي قد تهاجم البشرية في القرن الحادي والعشرين.

تُرجم عن مقال الكاتب يوفال نوح حراري في Financial Times

كيف تتواصل مع دماغك؟ معضلة العقل والجسم

كيف تتواصل مع دماغك؟ معضلة العقل والجسم

 

اهلا بكَ عزيزي القاريء بين سطور مقالنا هذا، وكنوع من حسن الضيافة اسمح لنا عزيزي بطرح سؤال صغير عليك، الأ وهو كيف وصلت إلى مقالنا أو بعبارة أخرى كيف وجهت أصبعك للضغط على رابط المقال؟ لا بد أنك تقول بالتفكير بذلك، بعدها تحرك أصبعك بالكيفية التي أردتها. لنضعها في سياق آخر، ونقول أن دماغك سينشط خلايا عصبية في تسلسل صحيح ليتحرك بذلك أصبع يدك ، لكن كيف تخبر دماغك بفعل ذلك؟ كيف تتواصل مع دماغك؟ معضلة العقل والجسم

 

معضلة العقل والجسم

هناك فجوة غير قابلة للعبور بين تجربة العقل وشكل الجسد الفيزيائي، وتعد معضلة الجسم والعقل «The mind body problem» معضلة قديمة قِدم الفيلسوف سقراط وحتى نكون واضحين، نحن لسنا أقرب منه في حل هذه المعضلة، لكن لدينا عدد من الأفكار الجيدة التي تناقش هذه القضية، نطرح عليك عزيزنا جزءا منها.

 

الثنائية

ترى الثنائية أن الوعي والفيزياء الجسدية كيانان منفصلان تماماً، فالحالة العقلية لا تتشابه مع عمل الدماغ، تخيل أنك تمتلك قدرة بصرية خارقة تستطيع اختراق جمجة احدهم والوصول للدماغ، ربما تستطيع رؤية السيالات العصبية لكنك لا تستطيع القول أنك تشاهد الوعي الخاص بهذا الشخص.
الوعي مختلف عن الحالة الفيزيائية للدماغ حتى لو بدا الأمران متقاربان، تتفرع الثنائية إلى عدة أفرع لكل منها تفسيره، نذكر منها:

ثنائية المادة

العقل والروح والوعي كلها أمور منفصلة تتفاعل فقط مع العالم الفيزيائي من خلال الدماغ.

ثنائية الخاصية

بعض أنواع المادة كالدماغ تملك نوعين من الخصائص، الخاصية الفيزيائية والخاصية اللافيزيائية.

الظاهراتية المصاحبة

المادة الفيزيائية تستطيع فقط أن تتفاعل مع المادة الفيزيائية، لذلك العقل اللافيزيائي لا يستطيع أن يحدث أي تغيير في الدماغ، وحدها السيالات العصبية هي من تحرك الدماغ وتتحرك لانها مربوطة بالقوانين الفيزيائية.
المادة اللافيزيائية أو المادة الناشئة منها تؤثر على جانب من عمل الدماغ حتى لو لم يكن لها تأثير حقيقي على العالم.

التوازي

العالم الفيزيائي واللافيزيائي لا يتفاعلان لكنهما يسيران بشكل متواز، أي حدث يتطابق بالضبط مع الحدث الذي يليه.

 

الوحدوية

مبدأ ينافس الثنائية، بدلاً من القول بوجود نوعين من الأشياء، تنص على ان هناك نوع واحد من المادة في الكون وهي الحالة الفيزيائية، وكما هو حال الثنائية تنقسم الوحدوية إلى عدة أقسام لكل منها تفسيره، نذكر منها:

المادية

هناك نوع واحد من الأشياء في الكون وهي مصنوعة من الذرات والجسيمات التحت ذرية، أما أمالنا ومشاعرنا فهي ناتجة عن «المدخلات الحسية-Sensory inputs»

المثالية

ليس هناك شيء يسمى المادة الفيزيائية، العقل الواعي اللافيزيائي هو الوحيد الموجود.

الوحدوية الطبيعية

ماذا لو كان هناك نوع واحد من المادة وهي ليست بفيزيائية أو لافيزيائي؟ هل من الممكن وجود شيء واحد يجمع بينهما، حاول أن تفكر في الهيئة الفيزيائية واللافيزيائية للأشياء كجهتين لعملة واحدة.

الوحدوية المعاكسة

هناك نوع واحد من المادة وهي ليست بفيزيائية أو لافيزيائية لكنها تعتمد على ما يحيط بها.

 

في الواقع كلا الفكرتين الثنائية أو الوحدوية غير قادرة على تفسير ما نخبره في العالم يومياً، لكن النقطة هنا هي ضرورة توسيع عقولنا ومداركنا وتقبل إحتمالية وجود عدد كبير من الإجابات للسؤال الذي لازم البشر منذ القدم.

 

Curiosity

لماذا نشعر بالملل؟ وكيف ننتصر عليه؟

لماذا نشعر بالملل؟ وكيف ننتصر عليه؟

رفع الشاب حقيبة الظهر السوداء فوق ظهره وخرج من أمام شباك التذاكر واضعا تذكرته في جيب سترته، وانطلق مسرعا للحاق بالقطار، وما هي إلا دقائق حتى وصل لمقعده بجواري. وضع حقيبته ثم تهيأ معتدلا في جلسته، ونظر للأمام لنصف دقيقة في سكون أعقبه ملامح الشعور بالملل. أكره مثله ساعات السفر الطويلة وخاصة عندما علمت بانتهاء شحن هاتفي المحمول. لقد أصبحنا سجناء كراسينا تحت رحمة هذا القطار ولساعات. حاولت الانشغال بوجوه المسافرين حولنا. يبدو علينا جميعا الشعور بالملل، أليس كذلك؟ فجأة طرأ في ذهني ذلك السؤال، لماذا نشعر بالملل؟ وما هو بالأساس؟ وكيف ننتصر عليه؟ لا أعلم عزيزي القارئ ما إذا كان الملل هو الداعي لهذا السؤال أم هو الرغبة في المعرفة، ولكن لا شك أننا جميعا نشعر بالملل ونمر بمثل هذا الموقف، لذا دعنا نكتشف الأمر.

ما هو الملل؟

اقترح مقال بحثي منشور عام ٢٠١٢ في Educational Psychology Review أن الملل عبارة عن نقص في الإثارة العصبية يصحبه شعور مختلط من عدم الرضا والغضب أو عدم الاهتمام.

يشعر ٩١ إلى ٩٨٪ من الشباب بالملل بشكل يومي، ويظهر لدى الذكور أكثر من الإناث. فكلما ارتفعت نسب الملل، صاحبها ارتفاع مخاطر معاقرة الخمور وإدمان المخدرات وهو ما عبر عنه الفيلسوف الألماني كريكيغارد قائلا عن الملل: “هو أصل كل الشرور”. يتفق معظم البشر على أن الملل شعور سلبي.

هل يختلف الملل عن اللا مبالاة أو الاكتئاب؟

بالتأكيد يختلف عن اللا مبالاة، إذ أن الملل يدفعنا للقضاء عليه في أسرع وقت. كما أنه يختلف عن الاكتئاب، فهو ناجم عن ظروف خارجية محيطة بنا. اقرأ أيضًا: الفارق بين الحزن والاكتئاب في هذا المقال.

لماذا نشعر بالملل؟

وفقا للدراسات، هناك سبعة أسباب للملل:

أولا، الرتابة:

أول المتهمين قد يكون هو الإرهاق العقلي، إذ أن أي مهمة متوقعة ومتكررة ستقودك مباشرة إلى الملل. فالكثير من الشيء ذاته سيشعرك بالاكتفاء، ثم تفقد اهتمامك به تماما (Toohey, 2012)، إلى أن تمارسه بملل مثل المهام المنزلية اليومية.

ثانيا، قلة الأحداث:

قد يضعك أحدهم يوما ما أمام مهمة قليلة الأحداث والمتغيرات، مثل مراقبة كاميرا ما، وشعورك بالملل طبيعي تماما، فمئات الساعات تمر بسلام دون أي حادث يستحق المراقبة. المهمة هنا قليلة الأحداث وبلا أي متغيرات حقيقية تتناسب مع عقولنا المتحفزة فهل تتوقع أن استقلال وسيلة مواصلات طويلة أو انتظار دورك في الطوابير قد يكون أمر مثير؟ بالتأكيد لن يكون، لكن لا تتعجب أيضا إذا عرفت أن ممارستك لمهمة صعبة وسريعة المتغيرات قد يقودك للنقيض وهو الشعور بالقلق.

ثالثا، الحاجة إلى الجديد:

بعضنا قد يكون مختلف بعض الشيء، مثل أولئك الذين يمارسون الرياضات الخطرة أو من اعتادوا على المخاطر في حياتهم المهنية. من الطبيعي أن يشعر هؤلاء ببطء الحياة من حولهم مقارنة بما اعتادوا أن يمارسوه. هم يحتاجون إلى ممارسة شيء جديد على نفس المستوى من الخطر والإثارة كي تنتبه حواسهم. وهو ما يفسر أيضا سبب تعرض الأشخاص الاجتماعيين والمنفتحين للملل أكثر من الانطوائيين. فيدفعهم ذلك لخوض المزيد من المغامرات للقضاء على الملل.

رابعا، منح الاهتمام:

هل فكرت مسبقا أنك قد تكون مصاب بمشكلة صحية تتسبب في شعورك بالملل؟ نعم، وفقا للأبحاث فالمصابون بفرط الحركة وضعف التركيز والانتباه أكثر عرضه للملل من غيرهم. فلا يمكن أن تهتم بشيء يصعب أن تنتبه إليه.

خامسا، الوعي العاطفي:

ربما ينقصك الوعي الذاتي اللازم. فبعض من يشعرون بالملل هم أشخاص غير قادرين على تحديد ما يريدون أو ما يرغبون فيه. غياب قدرتك على تحديد ما يسعدك قد يتسبب في شعورك بالملل. لذلك ينصح بتحديد الأهداف المنطقية المناسبة لرغباتك وما يشعرك بالسعادة. (Eastwood, 2012)

سادسا، غياب الإرادة:

فترة المراهقة هي أكثر فترات الشعور بالملل، أليس كذلك؟ تبدو تلك الحقيقة قاسية ومجربة، فكلنا قد شعرنا بها في حيواتنا. يعود الأمر إلى غياب تحكمنا في سير الأحداث من حولنا. إذ نشعر بأننا محتجزين وعالقين في حياة لا نرغب فيها ونريد تغييرها بأي شكل. نريد السيطرة الكاملة والحرية. نريد أن نفعل ما نريد وقتما نريد. إذا فحرمانك من السيطرة على مجريات حياتك وإجبارك على فعل ما لا تريده سيقودك حتما للملل وربما ما هو أكثر خطورة منه.

سابعا، تأثير الثقافة:

الشعور بالملل هو رفاهية عصرية بشكل أو بآخر. (Spacks, 1996) إذ لم تعرفه البشرية أو تسميه حتى أواخر القرن الثامن عشر إبان الثورة الصناعية. قبل ذلك، لم تكن البشرية بهذا الترف، إذ قضى الإنسان معظم وقته لتأمين الطعام والمسكن، حينها لم يكن للملل وجود.

ماذا لو لجأنا إلى هواتفنا المحمولة؟

قد يتخيل البعض أن اللجوء إلى الهاتف المحمول أثناء ممارسة المهام سيقضي على الملل، إلا أنها تزيد من إدمانك لها وارتباطك بها، حتى أنها تمنحك قدر من الإثارة أكثر مما تتوقعه لدرجة تؤثر على علاقتك بأسرتك وأصدقائك. فلا تتعجب حينها عندما يشتكي منك كل من حولك. وربما تزيد الألعاب التكنولوجية أو وسائل التواصل الإجتماعي من أعراض مللك، لأنك رفعت من مستوى الإثارة الذي تتعرض له يوميا، فتكاد لا تطيق البقاء دونها، فاحذر هذا العلاج فهو كارثي.

نظرة مختلفة للملل

على النقيض من كريكيغارد، اعتبر الفيلسوف الشهير نيتشة الملل دافعا للإنجاز، أو على أقل تقدير قد يكون علامة على عدم أهمية شيء ما أو أن هذه المهمة سخيفة وليست إلا مضيعة للوقت. وحينها عليك ترك ما تفعل وتتحول لشيء آخر أكثر فائدة. والفضل في ذلك التحول يعود إلى شعورك بالملل. (Svendsen, 1999)

كيف نتغلب على الملل؟

تقترح الدراسات أن نواجه المهام المملة بطريقة تفكير غير تقليدية، أي أن نفكر في تلك المهام بشكل مختلف. ربما يساعدك إدراك مدى أهميتها للآخرين على التغلب عليها، أو إيجاد معنى أكبر لما تفعله، فيضع عقلك بعيدا ليتجاوز التكرار والتفاصيل.

كما يقترح بعض الباحثين ممارسة التأمل والتمارين الذهنية ولكن وجب التنويه أن تأثيرها غير مؤكد بعد.

يحتاج الملل كشعور إنساني للمزيد من الدراسة والفحص، فهو مرتبط ببعض الآثار السلبية مثل الاكتئاب والقلق وانخفاض الأداء الأكاديمي للطلاب وارتفاع معدلات الرسوب، كما يرتبط ببعض الأخطاء المهنية والتي قد تقود بعضها لكوارث وخسائر في الأرواح. حتى وإن لم يقودنا الملل لتلك النتائج السلبية. ما زلنا نحتاج لدراسته لتصميم بيئات تعلم ممتعة وبيئات عمل متطورة والقيام بمهامنا اليومية على أكمل وجه. يبدو عزيزي القارئ أن الملل قد وجد من لا يملون من دراسته لمساعدة البشرية.

 

مصادر:

springer

psychology today

livescience

ملخص رواية فهرنهايت 451 للكاتب الأمريكي راي برادبري

ملخص رواية ” فهرنهايت 451 ” للكاتب الأمريكي راي برادبري

الكاتب الأمريكي راي برادبري

نقدم لكم اليوم ملخص رواية ” فهرنهايت 451 ” للكاتب الأمريكي راي برادبري والرواية هي رواية عالمية تبدأ أحداثها وتدور حول مدينة يحكمها نظام سلطوي غريب يفرض نفسه ومبادئه على حياة سكان المدينة ويقلبها رأسًا على عقب، بداية من مفهوم رجال الإطفاء، ومرورًا بالإعلام، وحتى القراءة والتعلّم، مما يحيل حياة السكان إلى حياة يومية غريبة يتعجب القارئ حين يقرأ عنها.

 

يُحكم النظام السلطوي سيطرته عبر مراقبته للجميع، وعبر استخدام وسائل تقنية يستحيل الإفلات منها تقريبًا، فيوظف التكنولوجيا الحديثة لصالحه ولصالح سيطرته على السكان وأفكارهم وطريقة حياتهم، وحتى على اهتماماتهم اليومية. كُتبت الرواية بغرض الرد على الإرهاب الثقافي الذي مارسه السناتور الأمريكي جوزيف مكارثي على المثقفين الأمريكيين والتي عُرفت فيما بعد باسم ” المكارثية ” نسبة إليه لما تسببت فيه إدعاءاته ضد الكثير من الأفراد واتهامه لهم بالخيانة والجاسوسية لصالح الشيوعية والسوفييت.

بداية هادئة

إشعال الحرائق بدلا من إطفائها هي مهمة رجال الإطفاء في رواية فهرنهايت 451

تبدأ الرواية ببطلها “مونتاج” رجل الإطفاء في زمان غير محدد لكن يبدو أنه المستقبل. يقابل مونتاج جارته المراهقة ” كلاريس ” البريئة والحالمة والتي لا تلبث أن تقنعه بأهمية القراءة وما تصنعه فيها وفي عائلتها. ظهور شخصية كلاريس في الرواية كان ظهور محترف روائيًا، إذ كانت سببًا أساسيًا في إحداث التغيير الذي طرأ على البطل مونتاج بلطف بالغ، وتسببت في تمرده على النظام العام والذي كان يمنع القراءة. إذ استخدم النظام الحاكم أمثال مونتاج “الإطفائيين” لحرق الكتب وبيوت المثقفين تحديدًا باعتبارهم دعاة إرهاب وفرقة للمجتمع.

تنطلق التناقضات في الظهور من اللحظة الأولى عندما يفهم القارئ الدور الحقيقي لرجال إطفاء هذا الزمان. إذ أن مونتاج كرجل إطفاء لا يطفي الحرائق، بل يشعلها. كما تصبح الكتب والقراءة والمثقفين أعداء للشعب. تمر الأيام على مونتاج رتيبة مع زوجته ميلديرد المشغولة دائمًا بشاشات العرض العجيبة داخل منزلها، بل وتطالب زوجها بزيادتها كي تتابع كل شيء وتنشغل أكثر فأكثر، وفجأة تختفي كلاريس من حياة مونتاج!

أحداث عنيفة وتحولات في فهرنهايت 451

انطلقت صافرات الإنذار في محطة الإطفاء التي يعمل فيها مونتاج، فيذهب الفريق وبينهم مونتاج لإشعال النيران في البيت المذكور، وعند اقتحامهم للبيت، يجد الفريق الكثير من الكتب، فيجمعوها لإحراقها بالكامل. ينتهز مونتاج انشغال باقي أعضاء الفريق ويخبئ كتب بين ملابسه ليقرأها فيما بعد. لكن لم يمر اليوم بتلك البساطة، إذ فوجئ الفريق بمقاومة صاحبة المنزل ورغبتها في عدم الخروج من المنزل عند حرقه، بل وفضّلت أن تُحرق حية بين الكتب، وكان المشهد مؤثرًا بشدة في مونتاج!

عاد مونتاج للبيت بكتبه وصعب عليه النوم، فحاول الحديث مع زوجته ميلدريد، وروى لها ما حدث للمرأة، لكنها لم تبالي، وعندما سألها عن جارتهما كلاريس، أجابته بأنها قد صدمتها سيارة منذ اسبوع، فرحل أهلها عن المكان، مما زاد من تفكير مونتاج وصعّب عليه محاولاته للنوم. وعندما استيقظ مونتاج في الصباح، قرر ألا يذهب للعمل.

امرأة تفضل أن تحترق مع كتبها

لم تفارق صورة المرأة المحترقة مخيلة مونتاج، ودفعته للتساؤل عن ما تحمله تلك الكتب، وكيف تكون بتلك الخطورة؟ وكيف وصل بتلك المرأة إلى أن تفضّل الحرق مع كتبها على أن تعيش مثل مونتاج وزوجته؟ ما الذي جعل كلاريس بهذه السعادة والبراءة والخفة حين كان يناقشها؟ كيف يمكن أن تنتهي حياة من هي مثلها بهذا الشكل فجأة؟ كلاريس تستحق الحياة أكثر من كل من يحيطون بمونتاج! فلماذا هي؟ ولماذا كانت تقرأ بالأساس؟ هل تستحق الكتب كل هذا؟

الوجهين المتناقضين لرواية فهرنهايت :

الكابتن بيتي والبروفيسور فابر

علم كابتن بيتي قائد فريق الإطفاء بغياب مونتاج فقرر الذهاب إليه. وعند لقائهما في منزل مونتاج، بدا وكأن كابتن بيتي يشك في أن مونتاج يقرأ أو يخفي كتبًا! فأخذ الكابتن يحاضر مونتاج عن مخاطر الكتب وكيف أنها دمرت المجتمع وأثارت الفرقة والكراهية بين أفراده، وبينما يناقشه الكابتن بيتي، حاولت ميلدريد زوجة مونتاج أن تعدل من وضعية نومه، فوضعت يدها خلف مخدته لتفاجأ بالكتاب الذي يخفيه. لكنهما بقيا صامتين دون أن يبينا شيئًا للكابتن بيتي.

عند رحيل كابتن بيتي وميلدريد، أخرج مونتاج كل كتبه التي سرقها خلسة على مدار سنوات عمله كإطفائي، وبدأ في قراءتها. وبمرور الأيام، قرر مونتاج زيارة شخص خطر في ذهنه فجأة، وهو فابر، الأستاذ الجامعي المتقاعد العجوز والذي ناقشه في مرحلة ما من حياته عن الأفكار وأهميتها، فذهب على الفور إلى بيته.

طرق مونتاج باب بيت فابر، ثم انفتح الباب وولج إلى الداخل. اندهش فابر من وجود إطفائي في منزله، فالجميع يهابهم وتحديدًا أمثال فابر من المثقفين، ولكن ما لبث أن تحدث مونتاج وشرح له مشاعره والكتب التي بدأ في قراءتها وما تفعله فيه، فقرر فابر مساعدته وشرح له إمكانيات مقاومة ذلك النظام ومنحه سماعات أذن من اختراعه كي يبقى مع مونتاج طوال الوقت كبداية ويسمع ما يسمعه، وبالفعل، قرر مونتاج لبسها على الفور، ورحل من منزل فابر.

تمرد مونتاج

عاد مونتاج لمنزله، فقابل ميلدريد وأصدقائها وحاول أن يتبادل أطراف الحديث معهن، ولكنه صُدم من طريقتهن ومن ضحالة فهمهن للأحداث من حولهن، وبالرغم من تحذيرات فابر في سماعة الأذن، إلا أنه تجاهلها وأخذ يتحدث معهن إلى أن بكت إحداهن وخرجت من المنزل متهمةً مونتاج بالقسوة لقراءته بعض المقاطع الشعرية لهن.

وفور دخوله لمقر العمل، إنطلق الفريق لحرق إحدى البيوت، وإنطلق معهم، ليكتشف فجأة أنهم يتجهون إلى بيته هو، فيفهم أن ميلدريد زوجته قد أبلغت عنه. دخل مونتاج بصحبة الإطفائيين ليحرق منزله غرفة تلو الأخرى. بدأ بيتي يسخر من مونتاج واشتد الحديث بينهما ليوجه مونتاج سلاحه تجاه الكابتن بيتي ويطلق النيران ويقتله على الفور.

هجم الكلب الإلكتروني على مونتاج فجرح قدمه، ولكن نجح مونتاج في القضاء عليه بسلاحه، وهرب.

رحلة الهروب

انطلق مونتاج بين شوارع المدينة إلى منزل البروفيسور فابر، شاعرًا بأن المدينة كلها تراقبه وتنطلق خلفه. وفور وصوله إلى فابر، غيّر ملابسه كي لا تتمكن الكلاب الإلكترونية من تعقبه، ونصحه فابر بعبور النهر والسير بجواره من الجهة الأخرى ليصل إلى جماعة من المثقفين الخارجين على القانون، لربما أنقذوه.

وبالفعل انطلق مونتاج بعيدًا، وسار بقدمه المجروحة قدر استطاعته عابرًا شوارع المدينة المراقبة بكثافة ليختبئ في الظلام ويغوص في مياه النهر مبتعدًا عن الكلاب الإلكترونية والكاميرات المراقبة والناس في الشوارع. وبصعوبة وصل إلى البر الآخر من النهر.

ظلام وأمل يرسمهم راي برادبري

دوى انفجار قنبلة نووية على المدينة

طالت رحلة مونتاج حتى كاد يفقد الأمل، فالظلام دامس ولا يعرف أين يسير، هو فقط يتبع الاتجاه الذي نصحه به البروفيسور فابر لا أكثر، إلى أن رأى الضوء. مجموعة من الأشخاص يجتمعون حول النيران، لاحظوا وجود مونتاج خلفهم بسهولة، فنادوه بينهم وبدأوا في التعارف، ليكتشف مونتاج أنهم جميعًا مثقفون وأساتذة في كبرى الجامعات، وتعجب من مشاهدتهم للتلفاز، ولكن سرعان ما تبددت دهشته واستبدلها بدهشة أكبر، إذ كانوا يشاهدون لحظات القبض عليه وقتله والتي كانت تذيعها السلطات على مسامع سكان المدينة كانتصار يومي عادي في وجه كل الخارجين على القانون وعلى قواعد المجتمع.

استنتج مونتاج أن شرطة المدينة قد قبضت على شخص بريء وقتلته بدلًا منه، وأذاعت الخبر كي لا تخسر ثقة سكان المدينة وكي تشعرهم بالاستقرار، فما فعله مونتاج في فريق الإطفاء لربما كان صدمة يصعب على سكان المدينة تحملها.

غرابة المقاومة ونهاية غير متوقعة

عاد مونتاج بانتباهه للمثقفين المجتمعين، فأخبره قائدهم أن كل منهم قد حفظ كتابًا، وينتظر لحظة الأمان كي يكتبه مجددًا من ذاكرته ليبقى للبشرية من بعده. وفجأة سمعت المجموعة صوت عال لمرور الطائرات من فوقهم يتبعه انفجار هائل تجاه المدينة. فإذا بها قنبلة ذرية تُلقى على المدينة وتنسفها بالكامل، بكل ما فيها من سكان وذكريات ونظام وبيوت وكلاب ورجال إطفاء. مات الجميع. وحينها فقط، أدرك مونتاج أنه هو وجماعة المثقفين الوحيدين الناجين من ذلك الإنفجار، وأنهم سكان المدينة الجدد فوق الأنقاض.

يمكنك قراءة المزيد من ملخصات الكتب من هنا

ملخص كتاب الوعي

في ملخص كتاب الوعي يتضح أمامنا انه خليط بين الفلسفة، والعلم سواءاً كان علم وظائف الأعضاء، والأعصاب، أوحتي قليل من الفيزياء.  لينتج في النهاية مركب غاية في التعقيد، وكذلك المتعة الفكرية. وحتى نكون في وضوحٍ تام فالصفة السائدة في كتاب الوعي هي الكشف عن أسئلة فكتاب الوعى لا يقدم حقيقة، أو حكم مثبت في مسألة الوعي إنما يضيف أسئلة ويكشف عن نظريات وتجارب غريبة فيما يتعلق بالوعي والعقل والتفكير وهذا ما سيتضح أمامنا في ملخص كتاب الوعي.

 

كيف يكون الحال لو كنت خفاشا ؟!

كانت تلك بداية كتاب الوعي سؤال غريب اشتهر على يد «توماس نيجل»؛ ليكشف عن عمق المشكلة، أو عن تعريف الوعى؛ حيث إذا كان للخفاش حالة مميزة إذا فهو يمتلك وعياً أي أن الحالة المميزة التي يتعامل بها كل شخص مع الأشياء، والمتغيرات هي الأساس لقيام الوعي. وليكن الأمر أكثر وضوحا كشفت «سوزان بلاكمور» عن تعريفات أخرى حيث وضحت أن الوعي هو التجربة الذاتية تلك التجربة الغير قابلة للتوضيح، أو الانتقال حيث إذا سئلك أحدهم قائلا: «ما حالك تجاه اللون الأزرق مثلا؟  أو ما حالك تجاه البحر أو تجاه الجمال أو الجلال أو أيا كان من الأشياء والمعاني المجردة أو حتى الأكثر تعقيداً؟» تكون الإجابة شبه مستحيله؛ فلا يمكنك تماما جعل الشخص السائل يدرك حالتك تجاه أيا من المذكور أعلاه. وبذلك بلورت الكاتبة هنا فكرتها، وأعطت تلخيصاً عن تعريف الوعى. وضحت أن ذلك التخليص لايشرح ماهية الوعى؛ حيث أن ماهية الوعي هو محور الكتاب نفسه، فلشرح النظريات، والتفسيرات المختلفة لتجارب الوعي والتفكير كان على الكاتبة تقسيم تلك النظريات إلى أحادية وثنائية حيث الأحادية تعبر أن مصدر الوعي هو المخ، ولكن السؤال هنا كيف للمخ المادي أن يخلق تجربة غير مادية غير قابلة للشرح أو الانتقال أو حتى الرصد؟                أما الثنائية التي تفصل بين العقل والمخ ممثلة العقل في كيان غير مادي. يواجهها أيضا سؤال وهو كيف يتواصل كيان غير مادية مع المخ البشري المادي؟                 وبذلك وضع الفيلسوف «تشالمرز» مصطلح «المشكلة الصعبة» المميز لتلك المفارقة أمامنا تكمل الكاتبة في ذلك السياق حديثها عن مفارقات الوعي مثل هل هو جزء لا يتجزأ من العمليات الحادثة في المخ؟  فمتى امتلك الكائن التفكير والإحساس فأي كائن له تلك القدرات قد امتلك الوعي. أم هو إضافة خارجية يمتاز به البشر فقط؟ بالطبع لكل اختيار صعوبته وأسئلة تواجهه؛ فلو كان الوعي نتاج لعمليات المخ بشكل كامل؛ إذا من العبث أن نتحدث عن التجارب الذاتية الغير مادية فكل شيئ مادي ناتج عن إعمال عضو المخ، ولكن كيف يكون ذلك كيف أشعر بوجود تجربة ذاتية مميزة غير قابلة للوصف؟ ما هو المميز في الخلايا العصبية المنتجة للوعي وكيف تفعل ذلك؟…ومن الناحية الأخرى إذا قلنا أن الوعي إضافة خارجية إذا لماذا تم إضافته للبشر خصيصاً وما وظيفته أصلا فقد وضح علم وظائف الأعضاء أن المخ قادر على الشعور، وأداء الوظائف دون تأثير، ولا يوجد دليل واضح تأثير شيئ غير مادي على المخ حتي يتخذ القرار.          فما هو إذا الوعي؟ وماهي وظيفته؟

 

من تسبب في وجود الآخر البيضة أم الدجاجة؟

في ذلك الجزء من ملخص كتاب الوعي  نقف أمام معضلة قوية للغاية معضلة السببية. أو العلاقة المتبادلة بين المخ، وبين التجربة الذاتية أو الوعي. فكلا من المذكور له طبيعة مختلفة جدا عن الآخر حيث:

أ.المخ:

له طبيعة تشعبية حيث لا وجود لقلب داخل المخ، أو حتى أكون أكثر وضوحاً، لاوجود لمركز في المخ يجتمع فيه المعلومات من كل حدبٍ، وصوب؛ فالمخ البشري متكون من مناطق متعددة كل منطقة متخصصه بوظيفة وتحكم لذلك لايوجد مركز فى المخ.

ب. الوعي:

مختلف أشد الاختلاف فالوعي يظهر أنه وحدة واحدة تجتمع فيها التجارب الذاتية بشكل دوري، وكأن الوعي مسرح هناك من يجلس ويشاهد ما يحدث عليه من تجارب وتغيرات بشكل دائم، أو كأنه تيار من التجارب المتتالية أي أن طبيعة الوحدة أو المركزية يتميز بها الوعي.

وبذلك تتضح الصورة، ويتضح أن إجرام معضلة السببية قد ترك بصماته واضحة على جبين قضية الوعي فتركنا في حيرة التساؤل إذا كان المخ يخلق وعياً فكيف لتركيب متفرع لا مركز له أن يكون منتج له وحدة واحدة؟ وإذا كان الوعي كيان مستقل يؤثر على المخ فلماذا يتغير الوعي والتفكير والطباع والتجارب عند حدوث متلازمة عصبية معينة؟ هل يتضرر الكيان المستقل كما يتضرر المخ أم ماذا يحدث بالضبط؟ فمثلا لو أصيب أحدهم بمتلازمة كوراسكوف حيث يصاب بتلف معين في «الحصين- Hippocampus» فإن الشخص لايفقد الذاكرة ولكنه لايكون ذاكرة جديدة فمهما حدث له، أو تعلم، أو فعل  أيا ما يكن في الأنشطة، فهو لايتذكر ذلك أبداً، وغالبا مايردد الشخص قول: «أشعر أني استيقظت الآن» وهذا يعني أنه أصبح واعٍ لما يدور حوله وهذا يوضح تأثر الوعي وتجاربه الذاتية بذلك المرض، وبالطبع وضحت الكاتبة أمثلة أكثر وضوحاً للمشكلة فمثلا ما دور الوعي في مسألة الانفصام أو في غيره من المتلازمات العصبية؛ حتي تتضح أمامنا مشكلة حقيقية وهي ما هي العلاقة بين الوعي والمخ؟ من تسبب في عمل الآخر؟ كيف يتأثر كلا منهما بما يحدث للآخر؟

هل أنت متأخر عن العالم حولك؟

قام عالم الأعصاب «ليبيت» بكثير من التجارب المثيرة للجدل فيما يخص الوعي نستعرض بعضها سويا في ملخص كتاب الوعي  حيث قام بتحفيز بعض المناطق من المفترض أن تعطي إحساس بلمسة على الذراع مثلا اتضح أن مقوله المريض أنا أشعر بكذا يتطلب نصف ثانية من التحفيز المستمر، مما قد يوضح أن التجربة الواعية حدثت بعد التحفيز بنصف ثانية مما يكشف عن سؤال غريب هل أنا متأخر عن العالم من حولي؟ بالطبع انهالت التفسيرات من كل جانب؛ فقال المؤمن بالثنائية، ووجود كيان غير مادي قالوا: «أن عدم ملاحظة ذلك التأخير خير دليل على قوة العقل الغير مادى». وقال آخرون نحن في حاجة لنظرية الكم لنفسر ما يحدث.  أما «ليبيت» نفسه فسر الأمر على أساس يسمى «الإحالة الراجعة» حيث في بداية التحفيز تستجيب بعض الخلايا العصبية التي تسبب استجابة آخرين حتى يتكون الشعور أو التجربة الشعرية، بعدها بنصف ثانية، ولكن التوقيت يتم نسبته لبداية الإحالة الراجعة.  بالطبع تم مقابلة كلامه باختلاف كبير بين الوسط الدارس في مجال الوعي.                     تستمر الكاتبة بنبش قبور جديدة عن ألغاز أكثر غموضا مثل حديثها عن معضلة إدراك دقات الساعة فمثلا تجلس في غرفة هادئة غير منتبه لدقات الساعة، ولكن فى لحظة معينة أنصت للدقات بل واسترجعت آخر ثلاث دقات لم تشعر بهم مثلا ماذا حدث؟ لماذا أنصت أو انتبهت للدقات؟ ما هي اصلا الانتباه؟ ما العلاقة بينه وبين الوعي؟ يتضح خطورة وعمق الأسئلة السابقة مع استرسال الكاتبة في ذكر الأمثلة. فمثلا تقود السيارة صباحاً تنادي على هذا وتتحكم في السيارة في الإشارات والشوارع السريعة، ولكنك غير منتبه أو تنسي تلك التفاصيل بعد مرورها فقد كنت ملتهيا في أحلام اليقظة، مما يجعلنا نتساءل هل الوعي والانتباه متلازمين؟   فالانتباه هو تركيز مهارات مخك على عملية معينة، وهذا ما حدث أثناء القيادة فقد كنت مركزا القشرة البصرية والحركية وغيرها، ولكن لم أكون تجربة واعية احتفظ بها وبعد كل تلك التحديات القوية تستعرض الكاتبة بعضاً من نظريات الوعي :

أ. الكم :

اشترك كلا من الرياضي السير روجر بينروز وأخصائي التخدير ستيورات هامروف نظرية قائمة على الحوسبة الكمية حيث تواجد الأنيبيبات العصبية، واتصالها ببعض قد يوضح تواصل المخ الكمومي فيما بين أجزائه وبالطبع التواجد في عالم الكم يفسر التجارب الغريية للعالم ليبيت ولكنك تلك المحاولة اتسمت بالغموض والصعوبة حتى قال البعض أنها تحل لغز بلغز أكبر.

ب. بوبر وإيكلز والثنائية :

افترضا وجود عقل غير مادي في اتصال مع المخ مفسرين ما يحدث أثناء القيادة أن العقل الغير مادي كان مشغول بأحلام اليقظة تاركاً المخ مع الانتباه للقيادة بالطبع واجهت النظرية أسئلة لا حد لها أبسطها كيف تحدث التجربة الذاتية؟

ج. العمل الشامل: هنا يتم تقسيم الوعى لجزء مركزي مسطع يعبر عن ما يركز عليه الوعي، وجزء هامشي أقل في التركيز، وجزء مظلم يعمل عليه المخ بلا وعي. حيث مثلا تبدأ القيادة بالتواجد في الجزء الواعي ويتم التحكم بها من قبل الأجزاء الأخري جميعا ولكن بعد امتلاء الوعي بأحلام اليقظة يتم إحالة القيادة للمناطق المظلمة حتى تكون غير واعية ولكنها تحدث بالطبع نظرية شديدة التعقيد وكثيرة التفاصيل.

كل ما سبق محاولات لم ترقْ أن تكون حقائق فيل السؤال هل يتأخر الوعي عن الحدث؟ كيف يحدث الوعي؟ ما العلاقة بين الوعي والانتباه؟

 

ابتسم فأنت غارق في الأوهام!

عندما يضرب أحدنا المثل في الثقة يقول إني أثق به مثل ما أرى ولكن هل ينبغي إعطاء كل تلك الثقة لرؤيتك؟ دعنا نري…

تركيب العين شديد الازدحام فمن تكدس تركيباتها تواجد العصب البصرى بالقرب من مركز العين مسبباً حجب تواجد المستقبلات البصرية للإضاءة مما يسبب تواجد بقعة عمياء لا رؤية فيها ولكن لماذا لا نشعر بها؟ يرجع ذلك جزئياً هو وجود عينين يدمج المخ بين ما يستقبله من كلاهما ولكن لو أغمضت إحداهما لا أشعر بذلك أيضا فلماذا إذا؟ يرجع ذلك لقدرة المخ على ملأ الفجوات لما يتناسب مع المحيط وقد ثبت ذلك بالتجربة على يد كلاً من ريتشارد جريجوري وفي إس راماتشاندران. ولكن لايقتصر الأمر على ذلك فقط فالرؤية أيضا بها عيوب أخري كثيرة فمثلا إذا قام أحدهم بمصافحتك وسؤالك عن مكان ومر خلالكما شخصين يحملان لوحاً عزل بينكما وتم تبديل الشخص بآخر هل ستدرك ذلك؟ في الحقيقة نصف من خضع لتلك التجربة فشل في التمييز بينهما!!

هذا يوضح أن التبديل السريع أو التغيير السريع الحادث في إطار الرؤية يسبب تعطيل آليات الكشف التلقائي تاركا الشخص يعتمد على ذاكرته البصرية وهي أضعف من الكشف عن التغيير في الوقت المناسب. وهذا يوضح أن الرؤية ليست بالمثالية التي نتخيلها فنحن حرفياً غارقين في الأوهام؛ ولتفسير الرؤية بعيوبها وضع كلا من ليفين وسيمونز نظرية توضح أن الرؤية تستخلص الخلاصة أو نبذة عن ما تراه ولكن الرؤية ليست كما تعتقد صورا أو فيلما إنما هي فكرة أو مغزاً محفور في الوعي.               ثم توالت النظريات وكان من أقواها نظرية الحسية الحركية تلك النظرية التي تفسر الرؤية على اعتبارها رؤية وحركة في نفس الوقت فكل رمشة وكل نظرة تؤثر على مدخلات الرؤية فاختلاف أي مكون حركي أو نظري يغير المدخلات تماماً وأن الرؤية هي عملية معالجة بصرية فالأشياء التي لا يتم معالجتها بصرياً تكون غير مرئية وتلك النظرية شديدة التعقيد ولكنها ذات كفاءة قوية ونظرة مختلفة لوهم الرؤية ولكن في النهاية يظل السؤال قائم في ذلك الجزء من ملخص كتاب الوعي

ما هو مفهوم الرؤية الحقيقي وما علاقته بالوعي؟

 

هل أنت حقاً من يمسك بالهاتف؟

مسألة الإرادة الحرة الأكثر تعقيداً فى ملخص كتاب الوعي  على الإطلاق فنحن هنا نعود لعالم الأعصاب ذو التجارب المثيرة للجدل ليبيت حيث قام ليبيت بوضع أجهزة تستكشف النشاط الدماغي ووضع جهاز شبيه بالساعة حيث يمر مؤشر أمام أرقام، وطلب من المتطوعين أن يحددوا الرقم الذي شعروا فيه بالرغبة لثني ذراعهم وكان الغريب أن النشاط الدماغي بدأ قبل الفعل ب550 ثانية بينما الرغبة بدأت قبل 200 ثانية فقط مما يعني وجود نشاط دماغي خاص بالفعل يبدأ حتي قبل اتخاذ القرار مما يضعنا أمام رصاصة وهم الإرادة الحرة ولكن ليبيت لم يعتبر ذلك دليل علي عدم وجود إرادة حرة حيث في بعض التجارب امتنع الأفراد عن ثني ذراعهم مما يوضح دور الوعي من وجهة نظره أنه ليس مصدر القرار بل هو المانع له ولكن ما سر ذلك الدفاع عن تواجد إرادة حرة حيث أن ذلك الأمر يعتبر من الطبائع الشخصية للبشر فمثلا إذا فكرت في أحدهم ملياً ووجدته يدق الباب سيهافت إلى خاطرك أن أفكارك تنبأت بذلك وربما كانت هي من تحكم مولداً إليك ما يعرف بوهم السيطرة.

وكان اقوي سؤال ضد من يدعي بعدم وجود إرادة حرة هو لماذا إذا أشعر أني حر ولكن ويجنز عرض نظريته على أية حال حيث قال أن اتخاذ القرار وتنفيذه يمر بثلاث مراحل على المستوى العقلي وهم

1.السبب الغير واعي للفعل وهو النشاط العصبي مثلا.

2. الفكرة

3. الفعل

يري «ويجنز» أن البشر يتجاهلون الثلث الأول من التفكير واتخاذ القرار رغبة منهم للشعور بالإرادة الحرة ولكن لو افترضنا جدلا أن الإرادة الحرة فعلا وهم حسنا ماذا سنفعل؟ هل نتوقف عن العيش احتجاجا على أنها نتاج ألاعيب دماغنا إذا كلام ويجنز من الأساس؟ بالطبع لا من المفترض أن تظل وتيرة الحياة ثابته مجبرة كلاً منا على التعامل مع إحساسه بالإرادة الحر أنه حقيقة وليست نتاج تفاعلات وبذلك يتركنا ذلك الجزء من الكتاب بسؤال حائر آخر:

هل توجد إرادة حرة؟ إذا صح عدم وجودها فما مصدر شعوري بها؟

وبذلك تستطيع عزيزي القارئ في ملخص كتاب الوعي أن تلاحظ تتابع الأسئلة على مدار صفحات الكتاب، وكأن الكاتبة ترفض التلقين فى مسألة غير محسومة مثل الوعي، ولكن كنتيجة كان الكتاب حجر الأساس لحيرة غير منتهية.

تحميل كتاب الوعي لسوزان بلاكمور

نبذة مختصرة عن علم النفس

في نبذة مختصرة عن علم النفس يمكننا بثقة تشبيه الإنسان في مراحل تفكيره الأولي بالطفل حيث الطفل ينجذب بشده للألوان والأصوات في حداثته وهذا ما حدث للإنسان الذي انجذب للطبيعة بتفاصيلها بجمالها وبعنفها أحياناً إلى القريب منه، وإلى البعيد عنه مثل الكواكب،  والنجوم بدأ يخمن طريقة عمل تفاصيل الطبيعة، ويتساءل في ذلك الإطار وتكونت العلوم الطبيعية أو فلسفة الطبيعة ولكن بعدها اختلفت الأمور بقوة وهذا ما سنشرحه في نبذة مختصرة عن علم النفس .

مع استكشاف الإنسان للكون أدرك أن الأرض ليست مركز الكون وما نحن إلى بقعة في محيط ضخم، ولكن الغريب أن إحساسه بالتميز، والتفرد لم يتأثر، ولو للحظة فظل معتقد أنه هو الحضارة الوحيدة في الكون، وأن الكون خُلِقَ له خصيصاً ذلك الإحساس القوي بالتفرد دفع الإنسان للتعبير عن أفكاره على اعتبارها شديدة القيمة والتأثير والاختلاف كذلك وحتي الإبداع أخد ينظر لنفسه أنه عالم مستقل داخل عالمه الأصلى.

 

وفي أثناء ذلك التفت لنفسه نظرة تأمل وحيرة التفت لنفسه على أنه يستحق التأمل مثله مثل الطبيعة حوله فقال «سقراط» -والصحيح نسبتها لطاليس- : «اعرف نفسك»

فالإنسان منذ قدم الزمن وهو حائر هائم يتسائل قائلاً : «ما الإنسان؟ من أين أتى؟ إلى أين يذهب؟» وهذا ما تم ذكره في شعر «هيني» على لسان شاب حزين أمام المحيط الموحش تلك هي نفس الأسئلة المتداولة في عقول البشر على مختلف أشكالهم، ومستوياتهم.

إن مصدر تميز الإنسان عن المحيط المنظور من حوله هي أفكاره، ولطالما كان مصدر تلك الأفكار محل نقاش وجدال قوي على كافة المستويات حيث يدور حول إذا كان مصدر النقاش المخ كعضو بتفاعلاته وقوانينه الفيزيائية والكيميائية أم كيان غير مادي متحكم ومتواصل بطريقة غير معروفة.

ولكن مهما زاد الخلاف حول تلك النقطة فالثابت لدينا شعور الإنسان بحب، وشغف، وشيئ من الغيرة فيما يخص أفكاره فحروب كاملة قامت حول اختلاف الأفكار فالخلاف الاشتراكي الرأسمالي كان شعلة للحرب العالمية الأولى التى تبعتها بالضرورة الحرب العالمية الثانية وهي محاولة للدفاع، وإثبات قوة أحد الفكرين.

وعلم النفس هنا يبحث حول العقل والأفكار. علم النفس هنا يهدف بقوة لمعرفة السبب حول تواجد تلك الأفكار فيقول الأستاذ «هكسلي» : «إن مثل الدارس في علم النفس كمثل المُشرح؛ فكما أن المشرح يفصل الجسم لأعضاء، والأعضاء لأنسجة، كذلك السيكولوجي فهو يبسط الأفكار بتعقيدها إلى مشاعر أولية».

لكن كيف يحدث ذلك التبسيط؟

إن لدراسة علم النفس طريقتين وهما «الطريقة الباطنة»، و «والطريقة الظاهرة» فمثلا يمكن ملاحظة الشخص لنفسه أثناء الغضب أو الحُب يرى ما يحدث من تغير في تسلسل أفكاره ومشاعره وممكن تطبيق نفس الأمر ولكن بملاحظة الآخرين؛ وذلك للوصول لنمط، أو وصف لحالات الشخص المتغيرة. ويجب أن نفهم أن حجر الأساس في علم النفس هو الأفكار حتي أن أحدهم سأل «ديكارت»: كيف أعرف أني موجود؟ فأجاب بجملته المشهورة: «إني أعرف أني افكر، وأشعر بتفكيري إذا أنا موجود».

رينيه ديكارت

ويجب كذلك معرفة أن اسم «علم النفس» كان سابق لوضعه فقد تم معالجة ذلك الموضوع من قبل أرسطو في ثلاث مقالات في أحد كتبه وكذلك جملة «اعرف نفسك» من قبل طاليس إلا أن الاسم لم يظهر إلا في القرن السادس عشر من الميلاد.

ولما كان علم النفس يبحث في عقل البشر على مختلفهم كان لابد من وضع «مقياس- Standard» لمعرفة ما هي القواعد التي تعصم الشخص من الخطأ لقياس التفكير السليم ذلك العلم الذي أخد في النمو حتى أنفصل عن «علم النفس» وهو «علم المنطق» وقد سبق وتحدثنا عنه في مقال منفصل «ما هو المنطق؟»  .

 

مصادر : كتاب مبادئ الفلسفة ل A. S. Ropert

تحميل الكتاب

 

 

 

 

 

 

ملخص رواية القضية فرانز كافكا

ملخص رواية القضية فرانز كافكا

يقدّمها نادي قراءة الأكاديمية بوست عن مناقشة في 29 أغسطس 2019، ملخص رواية القضية فرانز كافكا

بداية مُربكة للقضية

يستيقظ جوزيف ك ليجد من يأكل طعامه

رجل في الثلاثين من عمره يدعى جوزيف ك يستيقظ، فإذا برجلين يأكلان طعام إفطاره ويبلغاه أنه متهم بقضية، ثم يحاولان إبتزازه لأخذ الأموال منه وإجباره علي ارتداء ملابس معينة، فيأخذ للتحقيق في الغرفة المجاورة لغرفته. فيخبره مسؤول التحقيق أنه متهم بقضية، ولكن ك لا يعرف ماهية تلك القضية، حتى أن المسؤول نفسه لم يكن على علم بالقضية ولكنه أخبر بطل الرواية جوزيف ك بأنه يمكنه الذهاب لعمله مع ثلاثة رجال رافقوا المسؤول عن التحقيق أثناء دخوله لم يلحظهم جوزيف، لكنه أدرك بعد ذلك أنهم من موظفي البنك.

أيام ثقيلة

يقضي ك يومه ثم يعود لغرفته ويعتذر لجارته في الغرفة، ثم ينام وينتهي يومه الأول بعد الاتهام، وفي اليوم التالي يستيقظ ويذهب للعمل فيتلقي مكالمة بتحديد المحاكمة و أول جلسة ومكان المحكمة ولكن ينتهي الإتصال دون ساعة محددة للمحاكمة وهو ما أثار دهشة ك!

يستيقظ ك في اليوم الموعود ويذهب للمحكمة، ولا يدري توقيت المحاكمة، فيذهب للعنوان، وإذا به مبني في أفقر أحياء المدينة مليئ بسكان الفقراء!
يسأل ك: أين النجار؟ كحيلة منه كي لا يلفت انتباه السكان لقضيته الغريبة!
أخيرًا أجابه أحد السكان بأن النجار في الطابق التالي. يصعد ك ويطرق الباب فإذا بامرأة تغسل الملابس، فتأذن له بدخول الغرفة في الداخل، وفجأة يجد ك نفسه في قاعة المحكمة، لتبدأ المحاكمة بمجرد دخوله، ويتعجب من تلك الضجة ليبدأ بالدفاع عن نفسه باحتقار القضية والمحكمة، لتنتهي مرافعته فجأة كما بدأت ويذهب.

بعد الجلسة الأولى من القضية

يعود في اليوم التالي لا يجد المحكمة يتحدث مع المرأة غاسلة الملابس، ثم يصعد لسطح المبني يجد مكاتب الدواوين، فيدخل المكتب بجوار حارس المحكمة وبعد رؤية المتهمين الآخرين، يختنق ك من المكان ولا يقوي علي الحركة فيسقط وتتهاوي قواه ويخرجوه، ليعود لكامل نشاطه ويذهب لغرفته لينام بعد يوم بلا هدف ولا مكسب!

يستيقظ ك كعادته ليذهب للعمل، ولكن تؤثر القضية على مجري حياته، فيضعف أداؤه في البنك، وتضيق نفسه، إلى أن يأتي ضيف، (عمه) والذي عرف بالقضية، ويقلق علي شؤون العائلة فيأخذ ك لمحامي صديقه في زيارة مفاجئة وفورية، وعنده دخولهما على المحامي، يفاجأ العم بمرض المحامي، وبالرغم من هذا يتحدثون في القضية ويصدف وجود مدير ديوان المحكمة.

تحدث ضوضاء وترتفع الأصوات في النقاش فيخرج ك ولا يستمع لتلك المناقشة، فتنتهي بدون وجوده لينشغل بالممرضة ليني القائمة على العناية بالمحامي، وعندما يفرغ منها، وجد عمه ينهره ويتعجب من عدم إهتمامه بالقضية!

تمر الأيام

يحاول ك أن يهتم بعمله مرة أخرى ويتغلب على قلقه، فالأداء ضعيف وسلوكه غير مناسب لمنصبه، لكن القضية تعيقه عن ذلك، ولا يشعر بأي تقدّم بالتعامل مع هذا المحامي، حتى أنه لا يشعر بإهتمام المحامي من الأصل، ويقرر ك أنه سيوكل محامي آخر!
يذهب ك للمحامي ليخبره بقراره فيغضب المحامي، ويلجأ المحامي إلى حيلة ليوضح لجوزيف حسن معاملته له، فيأمر بإحضار متهم آخر في قضية أخري، ويأخذ في إذلاله، فيركع المتهم على الأرض، ويرجوه أن يخبره أسرار القضية، ولكن لم يتحقق مراد المحامي، بل يشمئز ك من الأحداث ويتأكد من صحة قراره.

مصور الديوان

يذهب ك لمصور الديوان- بتوصية من أحد عملاء البنك كان قد عرف بالقضية- فيصل للمصور ويفهم منه أنواع القضايا وكيفية الخروج منها (براءة وهمية، جرجرة، براءة حقيقية) فيدرك برائته و يدرك عدم قدرته على الحصول عليها، ليخرج من المرسم من باب آخر ليجد نفسه في الديوان والمتهمين أمامه ولكنه ينجح في الخروج من المكان ليعود لمنزله!

لقاء الكنيسة

في أحد الأيام يستيقظ ك ويذهب للعمل مبكرًا، إذ تم إبلاغه بوجود عميل إيطالي خاص يحتاج زيارة لكنيسة المدينة، فيتحدث مع العميل و مديره وتم تحديد اللقاء في الكنيسة، ثم يصل ك للكنيسة في الميعاد المحدد في جو شديد غائم شديد الأمطار والبرودة، فيدخل ك من باب الكنيسة الرئيسي!
ينتظر العميل الذي تأخر! ويحاول البحث عنه حول أبواب الكنيسة الأخري، لكنه لم يأت بعد، ثم يضطر للجلوس في أحد المقاعد ويتأمل رسومات الكنيسة.

يروي القس قصة الريفي والحارس رواية القضية فرانز كافكا

فجأة يصعد أحد القساوسة ليلقي موعظة، فيحاول ك أن ينهض ليغادر ويسمع صوت القس ينادي عليه، فيحاول عدم الالتفات، لكن يشير له القس بأن يقترب!

يسأله القس عن القضية، فيفاجأ ك بمعرفته لها، ثم يتحدثا عن القضية، فينزل القس من مكانه ويتجولا بالكنيسة والجو شديد البرودة مليئ بالأمطار يكسوه الظلام يكاد ك لا يري شئ ولا يشعر إلا بالقس الذي يلتصق به لكي لا يضل الطريق.

القس: سأخبرك قصة!
فلاح فقير لديه قضية و يريد دخول صرح العدالة و‏هناك حارس العدالة يقف بجوار الباب و يمنع دخوله فيتذلل الفلاح الريفي للدخول بكل السبل، ويدفع الرشوة ولكن يأبى الحارس أن يدخله، ويفقد الريفي الأمل في تخطي الحارس باعتباره أضعف الحراس فما باله ببقيتهم على الأبواب التالية!

ويظل‏ الريفي أمام باب العدالة والحارس واقف أمامه لتمر الأعوام ويقضي الريفي عمره و يتمني أن يجتاز ذلك الحارس باعتباره العقبة الوحيدة أمام العدالة إلي أن تنقضي حياته، ويبدأ في لفظ أنفاسه الأخيرة، فيقوم الحارس بإغلاق المدخل المصمم للريفي وحده للدخول، ليموت الريفي كالكلب!

يتناقش الراهب و ك فيمن خدع الآخر، الحارس أم الريفي أم غيرهم!

نهاية أغرب من الرواية

بعد عام يستيقظ ك ليجد حارسين أمامه فيرتدي ملابسه ويرافقانه ويشعر أنها النهاية فيتأمل ويفكر في القضية، ويعود بالأحداث ويشعر بمضي الوقت، إلى أن يصلوا إلي كهف خارج المدينة، فيزيلا ملابسه وتوضع رقبته بجوار صخرة ويتبادل الحارسان السكين التي توضع في قلب ك وتدور ليموت كالكلب!

إليك فيلم عن الرواية مترجم إلى الإنجليزية:

[embedyt] https://www.youtube.com/watch?v=SA9JTxfOgAk[/embedyt]

Exit mobile version