كيف حدث انفصال العلوم عن الفلسفة؟

لم ينفصل العلم عن الفلسفة طوال أكثر من 22 قرنا، امتدت ما بين القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن السابع عشر الميلادي. حيث ميز نيوتن بين النتائج العلمية التي تقوم على الملاحظة المباشرة، وبين الافتراضات الميتافيزيقية التي اعتبرها مقحمة في مجال عمله. وكما يقول البعض، على يدي نيوتن، تم الفصل بين الفلسفة والعلم. فكيف تم انفصال العلوم عن الفلسفة؟

انفصال العلوم عن الفلسفة

شهدت الفلسفة انفصالات لأجزاء منها لتصبح فروعًا معرفية مستقلة بذاتها، كونت هذه الانفصالات تاريخ العلم. فقد فصلت أعمال إقليدس الهندسية علم المكان عن الفلسفة في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد كان الفلاسفة يدرسونها في أكاديمية أفلاطون. كما أثمرت جهود جاليلو وكبلر ونيوتن عن انفصال الفيزياء في القرن السابع عشر لتصبح علمًا منفصلًا عن الميتافيزيقيا. ثم انفصلت الكيمياء في القرن الثامن عشر، وأعقبتها البيولوجيا في القرن التاسع عشر نتيجة لكتاب “أصل الأنواع” لدارون. بعد ذلك، استقلت العلوم الإنسانية، التي تهتم بدراسة الإنسان على مستوى الفرد والجماعة، بالتدريج. وكان أولها علم النفس الذي انفصل عن الفلسفة بداية القرن العشرين.

ما الذي يجعل المعرفة علما؟

لا يمكن إيجاد تعريف جامع مانع يصدق على كل العلوم، لكن يمكن تحديد بعض الخصائص التي يجب أن تتواجد في كل علم، وهي كالتالي:

يسعى العلم إلى التعميم

يجب على القوانين أو النتائج التي يتم التوصل إليها أن تفسر جميع الحالات المشابهة لها، وألا تقتصر على تفسير حالة جزئية معينة.

يهدف العلم إلى صياغة نتائجه صياغة كمية قدر الإمكان

ويعني ذلك صياغة النتائج بعبارات دقيقة محددة المعنى مثل “درجة الحرارة اليوم هي خمسة مئوية”. وكلما زاد توفر هذه الخاصية في علم ما، كلما تقدم وزادت دقة مفاهيمه ونتائجه.

يتصف العلم بالموضوعية

ويقصد بذلك معالجة الظواهر دون تدخل لذات الباحث في البحث. ويوضح برتراند راسل هذا من خلال مثال المسرح، إذ يفترض أن هناك فرقة تمثل في مسرح تحيط بها آلات التصوير التي تلتقط الكثير من الصور. بالعودة إلى تلك الصور وملاحظتها يمكن اعتبار القواسم المشتركة لكل الصور هي الجانب الموضوعي للبحث، وتعتبر الأشياء الأخرى المختلفة وغير المتشابهة هي الجانب الذاتي.

يمكن وصف العلم بإمكانية اختبار صحة نتائجه وتعميماته

يمكن التحقق من صدق النظرية العلمية من خلال مراجعة طريقة استنباطها في حال كانت مستنبطة، كما يمكن التحقق من صدق تطبيقها على الواقع بتكرارها والتأكد من نتائجها وقدرتها على التنبؤ.

يتصف العلم بثبات قضاياه

يجب أن تكون القضية العلمية صادقة في جميع الظروف والمناسبات المشابهة.

اتصال البحث العلمي

يبدأ العالم عادة من حيث انتهى زميله، فالبحث العلمي درجات، كل درجة تمهد للدرجة التالية.

نسقية العلوم وتكاملها

تتدرج العلوم من الأعم إلى الأخص، فالعلوم التجريبية مثلا تتضمن العلوم الطبيعية وعلم الحياة والعلوم السيكوفيزيائية والعلوم الاجتماعية، وكل واحدة من هذه العلوم تتضمن علومًا أخرى. إذ أن العلوم الطبيعية تتضمن علم الفيزياء وعلم الكيمياء، والعلوم الاجتماعية تتضمن علم الاجتماع والتاريخ وغيرها من العلوم.

يتضمن العلم الإيمان بمبادئ معينة

وهذه المبادئ لا يمكن أن توضع موضع شك، إنما يمكن تعديلها من حين لآخر حتى يستمر تقدم العلم. ومن أهم هذه المبادئ مبدأ الحتمية الذي عرفه كلود برنار بأنه يسلم العالم بديهيًا بأن “شروط كل ظاهرة سواء أكان ذلك في الأجسام الحية أم في الأجسام الجامدة، محددًا تحديدًا مطلقًا”. ويعني ذلك أنه لا بد من حدوث الظاهرة تُعرف شروطها ويتم تهييئ هذه الشروط.

ما هو المنهج العلمي؟

يمكن تعريف المنهج العلمي بأنه الإجراءات العقلية التي تؤدي إلى نتائج معينة. وتعتمد العلوم – أيا كانت طبيعتها – على مناهج تخدمها. وقد انقسمت إلى منهجين:

  • المنهج الصوري الذي يستخدم في علوم المنطق والرياضيات.
  • المنهج التجريبي الذي يستخدم في الفيزياء والكيمياء والعلوم الإنسانية. ونظرًا لكون هذه الأخيرة تدرس الإنسان وما يتعلق به فقد أنتجت مناهج مختلفة خاصة بها تراعي خصوصية الظاهرة الإنسانية وتعقيدها، وتسمى بالمناهج السياقية.

ماذا يقصد بالمناهج السياقية؟

تهتم هذه المناهج بظروف نشأة الظاهرة المدروسة وسياقاتها الخارجية، سواء كانت اجتماعية أو تاريخية أو نفسية بغية فهم موضوع البحث من كل جوانبه. وهذه المناهج هي المنهج التاريخي الذي يصبو إلى الإحاطة بزمن الموضوع والبيئة التي نشأ فيها. والمنهج الاجتماعي الذي يبحث في المحيط الاجتماعي لموضوع الدراسة. والمنهج النفسي الذي يهتم بشخصية موضوع الدراسة وانعكاس أحداث حياته عليه. وتتميز هذه المناهج في سياق النقد الأدبي بالتركيز على أسباب ولادة الإبداع.

تطرقنا في هذا المقال التقديمي إلى انفصال العلوم عن الفلسفة بما فيها العلوم الإنسانية، كما تعرفنا على العلم وشروطه والمنهج العلمي. وأشرنا إلى المناهج السياقية، التي سنتناول الحديث عنها بشكل مفصل في المقالات القادمة.

المصادر

مفهوم المنهج العلمي، يمنى طريف الخولي.
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول-الحصاد-الآفاق المستقبلية، يمنى طريف الخولي.
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها، يمنى طريف الخولي.
فلسفة العلم، أليكس روزنبرج.
ما هي الفلسفة؟ حسين علي.
فلسفة العلم في القرن العشرين، دونالد جيليز.
الفلسفة العلمية وإشكالياتها، علي رشيد مشيك، أوراق ثقافية.
مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

الشكوكية الفلسفية بين القديم والحديث: ما هي مفاهيمها وبماذا تبحث؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 11 في سلسلة مدخل إلى الفلسفة وفروعها

الشكوكية الفلسفية بين القديم والحديث: ما هي مفاهيمها وبماذا تبحث؟

يوجد توجهان في الشكوكية الفلسفية (Philosophical Scepticism)، يرفض أحدهما القدرة على امتلاك المعرفة، في حين يدعم الآخر فكرة تعليق الحكم على الأمور نتيجة لعدم الدقة.

تعريف الشكوكية الفلسفية

الشك هو الرؤية التي تعتبر أن وجود المعرفة (أو الاعتقاد المبرر تجاه شيء ما) هي أمر مستحيل [1]. ويعود أصل كلمة الشك بالإنكليزية (scepticism) إلى الكلمة الإغريقية (skepsis) وتعني البحث أو التحقيق. فقد كان المشككون القدماء يصفون أنفسهم بالباحثين أو المحققين الذين يسعون إلى التحري في أمر ما، وبالنهاية يعلّقون الحكم عليه. إذ يقوم جوهر الشك في الفلسفة القديمة على تكريس هدف الحياة للسعي وراء الأسئلة والبحث، وبما أنه لا يمكن تحصيل المعرفة النهائية، لا يمكن تأكيد أي شيء من وجهة نظر المشككين. فحتى المعتقدات هي موضع تساؤلات وبحث وتعليق بالنسبة لهم [2].

تختلف مفاهيم الشك لدى الإغريق عن تلك السائدة في العصر الحديث. فقديماً، كان المشككون يبحثون في مواضيع المعتقدات وتعليق الحكم على أمر ما ومعايير الحقيقة والمظاهر والتحقيق. أما حديثاً، فتتجلى المفاهيم المهمة بالمعرفة والتأكيد والاعتقاد المبرر. في حين تركز نظرية المعرفة وفلسفة اللغة على المواضيع التي كان يتناولها المشككون القدماء [2].

كيف ظهرت الشكوكية الفلسفية قديماً؟

تنقسم الشكوكية في اليونان القديمة إلى حركتين، وهما الشكوكية الأكاديمية (Academic Skepticism) والشكوكية البيرونية (Pyrrhonian Skepticism) [3].

تأسست الشكوكية الأكاديمية في أكاديمية أفلاطون (الأكاديمية الجديدة) في القرن الثالث قبل الميلاد. ويعد الفيلسوف أركسيلاوس (Arcesilaus) أول من أحال الأكاديمية إلى الفكر الشكوكي، وقد اعتمد في ذلك على قراءات جديدة لكتب أفلاطون [3].

أما الفيلسوف بيرو (Pyrrho) فيعتبر مؤسس الشكوكية البيرونية مع أنها ظهرت بعد وفاته. لم يخلّف بيرو وراءه أي كتابات أو مؤلفات. بل كان تلميذه تيمون (Timon) هو المصدر الذي نقل جزءاً من أفكاره. كما طرح الفيلسوف أنيسيديموس (Aenesidemus) فكرة الشكوكية في القرن الأول قبل الميلاد ونسب هذا المذهب إلى بيرو. وفيما بعد، في القرن الثاني الميلادي، أكد الفيلسوف سيكستوس إمبيريكوس (Sextus Empiricus) أن بيرو هو مؤسس الشكوكية، أو على الأقل كان مصدر إلهام لمبادئها ومفاهيمها [3].

اتفقت المدرستان على اتباع منهج شكوكي في الحياة يقوم على تعليق الحكم، لكن كانت بينهما نقاط خلاف حول هدف هذا المنهج أو نتيجته، بالإضافة إلى طرحهما لجدليات شكوكية مختلفة [4].

كان أنصار الشكوكية الأكاديمية يواجهون مدارس فلسفية أخرى حول إمكانية المعرفة. ومن أبرز هذه المدارس كانت الرواقية التي ادّعت أنه يمكننا معرفة الحقائق الأساسية من خلال الفهم الذي يعتبر قدرة عقلية لاستيعاب الأشياء. أما الشكوكيون الأكاديميون فقد اعتبروا جميع الأشياء غير قابلة للفهم، وأن أفضل ما يمكن أن نحققه هو مجرد احتمالية أو ترجيح [4].

بدورهم، كان البيرونيون أيضاً من الرافضين للرواقية في مسألة القدرة على فهم المعرفة، وتمسكوا بمبدأ عدم القدرة على الفهم الذي تستحيل معه كافة الأشياء إلى مظاهر. وتتمثل العملية الجوهرية في التشكيك بمساءلة كل قضية أو جدل عن طريق طرح جدل مناقض، وبهذا نبقى محايدين تجاه كل ما يتمحور حوله الجدل. عندها يتم تعليق الحكم والوصول إلى حالة من الهدوء أو السكينة [4].

الشكوكية الفلسفية الحديثة

تحدث العديد من الفلاسفة عن الشكوكية وسنستعرض بعضاً من أفكارهم.

الشكوكية عند ديكارت

حسب رينيه ديكارت (René Descartes)،  تتمثل المعرفة التامة بانعدام القدرة على إيجاد أسباب للشك بها أو التساؤل حولها. فانعدام أسباب الشك يحول القناعة إلى تأكد تام. وبهذا يظهر مفهوم الشك على نقيض مفهوم التأكد. أي كلما ازداد الشك، انخفض التأكد، والعكس صحيح. ويمثل شرط استحالة وجود أسباب للشك معياراً عالياً لتبرير المعرفة التامة. ولكن ديكارت يرى أن تحقيق هذا الشرط أمر صعب جداً [5].

تطرح الشكوكية الديكارتية تساؤلات حول إمكانية معرفة العالم الخارجي ونحن نواجه تحدياً متمثلاً بعدم معرفتنا لأوجه رفض الفرضيات الشكوكية. يمكن شرح هذا من خلال مثال ديكارت في تأمله الأول والمتمثل بفرضية وجود شيطان شرير يحول كل معتقداته – معتقدات ديكارت – إلى أمورٍ خاطئة في حين يجعلها تبدو له على أنها صحيحة. وفكرة ديكارت هنا هي كيف يمكننا أن نعرف أن نظرية الشيطان الشرير خاطئة؟ [6]

ومن الأمثلة الحديثة المنبثقة عن هذا التأمل الأول مثال “الدماغ في الوعاء – brain in a vat”. يقوم هذا الادعاء على افتراض أننا لا نعيش حياتنا كما نتخيل. بل تتم تغذية عقلنا بالتجارب عن طريق أجهزة حاسوب. إذا كان هذا الافتراض صحيحاً، فمعظم ما نعرفه عن العالم ونؤمن به هو عارٍ عن الصحة (أو أنه صحيح بطريقة تختلف عمّا نتوقعه)، وبهذا نحن لا نملك المعرفة. لا يمكن تمييز هذه الحالة المفترضة من عدمها، أي أننا لا نستطيع أن نعرف فيما إذا كنا في حالة دماغ في الوعاء، أو إذا كنا نعيش التجارب فعلاً كما نفترض أننا نعيشها. بالتالي، لا يمكن أبداً معرفة فيما إذا كان هذا الافتراض أو السيناريو خاطئاً نتيجة لعدم قدرتنا على التفريق بين الحالة المفترضة وعدم وجودها [7].

الشكوكية عند هيوم

يتحدث أيضاً ديفيد هيوم (David Hume) عن المعرفة والشك. في كتابه رسالة في الطبيعة البشرية، يسير تحليله لبعض المفاهيم في ثلاث خطوات. أولاً، يناقش هيوم عدم قدرتنا على اقتناء المعرفة التامة لبعض المفاهيم الفلسفية المهمة. ثانياً، يشرح كيف يمكن لاستيعاب المفهوم أن يعطينا فكرة ضيقة جداً عنه. ثالثاً، يبين أن بعض الآراء الخاطئة عن المفاهيم تقبع أصولها في الأوهام، ويوصي برفض هذه الآراء الخاطئة. يطبق هيوم هذه الخطوات عند تناوله للعديد من المواضيع كالفضاء والوقت والأشياء الخارجية والهوية الشخصية وغيرها [8].

أما عن الشك فيتحدث هيوم عن وجود ثلاث تناقضات في النظريات الفلسفية وهذا ما يرفع من مستوى الشكوكية. يتمحور أول هذه التناقضات حول ما ندعوه بالاستقراء، فنحن نبني أحكامنا على تجارب سابقة لا تخلو جميعها من عناصر الشك. وعليه، سنكون مضطرين للخروج بحكم حول هذا الشك، وهذا الحكم بدوره مبني على تجارب سابقة، فسيخرج عنه شك جديد. سنقوم من جديد بإطلاق أحكام عن الشك الثاني الجديد، وهكذا. أما التناقض الثاني فينطوي على صراع بين نظريتين حول الإدراك الخارجي نصل إليهما بعد عملية استقراء طبيعي. أولهما هي ميلنا الطبيعي لتصديق أننا نرى الأشياء مباشرة كما هي في الحقيقة. والأخرى هي رؤية ذات طبيعة فلسفية أكثر، تعتبر أن ما نراه هو مجرد صور عقلية أو نسخ للأمور الخارجية. بالنسبة للتناقض الثالث، فيتضمن صراعاً بين التعليل السببي والاعتقاد باستمرارية وجود المادة. وينتهي هيوم في أفكاره عن الشكوكية بأن هذه التناقضات ستشوب حتى أفضل النظريات عن الظواهر الجسدية والعقلية [8].

الشكوكية الراديكالية

إذا أردنا أن نتحدث عن الشكوكية الراديكالية (Radical Scepticism)، فهي تخلص إلى أننا لا نعرف ما نظن أننا نعرفه. فإذا كنا غير قادرين على استبعاد احتمالات أو سيناريوهات شكوكية – كمثال الدماغ في الوعاء – فنحن في الواقع غير قادرين على معرفة أي شيء [9].

وكحال كل الأفكار والنظريات الفلسفية، يوجد من يواجه الشكوكية ويطرح تساؤلات فيها وينقدها ويرد عليها. فالمواضيع في الفلسفة غير منتهية ولا حدود للنقاش فيها.

اقرأ أيضاً عن الفلسفة الرواقية ونظرية المعرفة

المصادر:

  1. Meta-epistemological Skepticism – Chris Ranalli
  2. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Ancient Skepticism
  3. Internet Encyclopedia of Philosophy – Ancient Greek Skepticism
  4. Ancient and Medieval Philosophy: Essential Selections
  5. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Descartes’ Epistemology
  6. PhilPapers
  7. Internet Encyclopedia of Philosophy – Contemporary Skepticism
  8. Internet Encyclopedia of Philosophy – David Hume
  9. Coursera: Pritchard, Duncan, et al. Introduction to Philosophy [MOOC]. Coursera.

بروميثيوس Prometheus، أيقونة الصبر على العذاب في سبيل نقل المعرفة

يرى كثيرون في أسطورة بروميثيوس قصة ملهمة عن التضحية في سبيل نقل المعرفة. حيث تحمل شديد العذاب في سبيل نقل المعرفة للبشر. وتحدى أكبر الآلهة رغم معرفته التامة بما سيترتب عليه ذلك في سبيل تلك الغاية النبيلة. لذلك دعنا عزيزي القاريء نستعرض في السطور القادمة تلك الأسطورة الممتعة.

من هو بروميثيوس؟

والداه

بروميثيوس تعني باليونانية ذو النظرة البعيدة. وسمي بذلك نظراً لحكمته وعلمه الواسع. هو ابن الإله إيابيتوس Iapetus والإلهة كلايمن Clymene وهو من الجبابرة. حيث أن أورانوس Uranus إله السماء ولدته غايا Gaya أم الألهة كلها. ومن أورانوس أنجبت جايا 12 إلهاً هم الجبابرة (التايتانز Titans). كانوا ست ذكور وستة إناث. تزوج كل ذكر من أنثى واحدة. ومن نسل إيابيتوس وكلايمين خرج بروميثيوس وإخوته. [1، 2]

حرب الجبابرة

مع الوقت تجبّر أورانوس وحبس بعض أبناء جايا. فحرّضت أبناءه الآخرين وعلى رأسهم كرونوس Cronus ليقوموا بالانتقام منه ويحكم كرونوس الألهة بدلاً منه. وبالفعل تمكن كرونوس من أن يخدع أبيه ويخصيه ومن ثم يقطع نسله و يحل محله ويصبح حاكماً لكل الجبابرة. لكنه لم يفِ بأي من وعوده لجايا. مما جعل جايا تطلق نبؤة بأن أحد ابنائه سيفعل به نفس فعلته بأبيه ويستولي على عرشه. فقام كرونوس بابتلاع كل أبنائه وحبسهم داخله حتى لا يتمكنوا من تحقيق النبؤة. [1، 2]

رسم لكرونوس يبتلع أحد أبناءه. [3]

لكن حين طلب آخر أبنائه من زوجته كي يبتلعه أعطته قطعة قماش ملفوف بها حجر حتى تحمي ابنها الأخير ويظن كرونوس أنه أكله. هذا الطفل هو زيوس Zeus الذي كبٌر ليُكوِن تحالف من أعداء كورونوس بعد أن يخرجهم من بطنه. وتستمر الحرب لمدة عشر سنوات بين الجبابرة متمثلين في كرونوس وأعوانه ومنهم أخوه إيابيتوس وبين آلهة الأوليمب ممثلين في زيوس وأتباعه والذين أنضم لهم بروميثيوس وأخوه إيبيمثيوس في حين حارب باقي إخوتهم إلى جانب الجبابرة. [1، 2]

في النهاية انتصرت آلهة الأوليمب ونفى زيوس الجبابرة وأصبح هو كبير الآلهة. [1، 2]

انتصر زيوس على العمالقة وأصبح كبير الآلهة. [4]

بروميثيوس يخلق البشر ويهيم بهم عشقاً

كلّف زيوس كل من بروميثيوس وأخيه إيبيميثيوس بخلق الحياة على الأرض. فقام إيبيميثيوس (والذي يعني اسمه قصير النظر لتسرعه ورعونته) بخلق الحيوانات ومختلف كائنات الأرض غير العاقلة. وأعطاهم قدرات كالطيران والسباحة وخلافه. بينما كان أخوه لا يزال يعمل على مخلوقه. والذي هو الإنسان. وقد صممه من الطين ونفخت فيه الإلهة أثينا الحياة. حيث صمم الإنسان على شاكلة الألهة ومنحه النار حتى يستعين بها في إعمار الأرض. كما علمه كيف يستخدم الحديد والأدوات المختلفة في حماية نفسه من الحيوانات المفترسة وفي بناء الحضارة. خصوصاً وأن جميع الخصائص الأخرى كان إيبيمثيوس منحها للكائنات الأخرى. مما جعل بروميثيوس يشفق على الإنسان وضعفه أمام الكائنات الأخرى فمنحه النار والمعرفة كما ذكرنا.
جدير بالذكر أن هناك روايات مختلفة لأسطورة خلق البشر لدى اليونانيين. [5، 6]

بروميثيوس يخلق الإنسان من الطين وأثين تبث فيه الحياة. [7]

بروميثيوس يخدع زيوس خدعة القربان

بمرور الوقت أُعجبت الألهة بالإنسان كونه مختلف عن باقي الكائنات وأكثر ذكاءاً منها. وطلب زيوس من بروميثيوس أن يحدد كيف سيقدم البشر قرابين للآلهة. و بسبب حب بروميثيوس للبشر ورغبته ألا يقدموا غالٍ للآلهة قام بخدعة القربان. فقد أحضر ثوراً وقتله وقسم مكوناته إلى نصفين: نصفبه اللحم مختبيء أسفل أمعاء الثور، ونصف به العظام مخبأة أسفل شحم الثور. ومن ثم عرض على زيوس أن يقرر القربان الذي يرغب في أن يقدمه البشر للآلهة. فاختار زيوس النصف الذي يعلوه الشحم ظناً منه بأنه الأثمن. لكن فوجيء زيوس بالخدعة واشتاط غضباً. وكرد فعل على ذلك حرم البشر من النار حتى يأكلوا اللحم نيئاً. لذلك السبب كانت قرابين اليونانيين للآلهة عبارة عن عظام وشحم الأضحية كما قرر زيوس بنفسه. [5، 6]

خدع بروميثيوس زيوس تى يصبح قربان الآلهة هو العظم من أجل أن يحظى البشر بالأثمن وهو اللحم. [8]

بروميثيوس يسرق النار

أحزن هذا بروميثيوس كثيراً. لكنه لم يقبل بحكم زيوس وقرر أن يقف إلى جانب مخلوقاته الضعيفة ضد كبير الآلهة. من ثم تسلق جبل الأوليمب وسرق شعلة من النار ونزل بها للبشر. (بعض الروايات للأسطورة لا تتحدث عن أن البشر امتلكو النار مرتين وإنما تكتفي بأنه أحضر لهم النار دون الحديث عن خدعة القربان). [5، 6]

بروميثيوس يحضر النار للبشر مرة أخرى. [9]

زيوس يعاقب بروميثيوس

علِم زيوس بفعلة بروميثيوس وتحديه له مرة ثانية. فحكم عليه بعقاب أبدي شديد القسوة. بأن يُسلسل إلى جبل، ثم يزوره كل يوم نسر يأكل كبده. وفي المساء يعود كبده للنمو حتى يكتمل كما كان نهاراً. وعندها يزوره النسر مرة أخرى ليأكل الكبد مرة أخرى. ويستمر ذلك للأبد عقاباً له على أفعاله. [5، 6]

حكم زيوس على بروميثيوس بعقوبة أبدية جزاءاً على عصيانه وخداعه له. [10، 11]

هيركليز ينقذ بروميثيوس

بعد فترة طويلة من العذاب التقى هرقل (هركليز Heracles ابن زيوس) وهو في مهمته الحادية عشرة ببروميثيوس ووجده يُعذب. فقام بقتل النسر وفك قيوده. وبالمقابل ساعده بروميثيوس بحكمته البالغة بنصيحته بكيفية إتمام المهمة الحادية عشرة. ويقال أن زيوس سمح بذلك حتى يرفع شأن هرقل. وفي رواية أخرى سمح زيوس بذلك مقابل أن يخبره بروميثيوس بسر يعلمه بنظرته المستقبلية عن زيوس. حيث علم بروميثيوس من هو الابن الذي إذا جاء به زيوس سيحل محل أبيه ويُفقده مكانته ككبير الآلهة. فقد أخبر زيوس أنه إذا أنجب من الإلهة ثيتيس Thetis -والتي كان مفتوناً بها- سيحل ذلك الابن محله لذلك ابتعد عنها زيوس وتركها ليتزوجها كائن فانٍ لتفنى ذريتها ولا تنافسه. [12، 13]

أوقف هرقل معاناة بروميثيوس الأبدية. [14]

قصة ديوكاليون Deucalion ابن بروميثيوس والفيضان

وفقاً للميثولوجيا الإغريقية فقد أدى انتشار الفساد في الأرض بين البشر إلى غضب زيوس. ومن ثم قضى بأن يغرق فيضان الأرض حتى يطهرها من الدنس ويقضي على كل البشر. فنصح بروميثيوس ابنه ديوكاليون بأن يصنح مركباً يحمله وزوجته بيرها Pyrrha فينجوان به من الفيضان. وبالفعل نجا ديوكاليون وزوجته من الفيضان وأسسا الميلاد الثان للبشرية على الأرض. حيث أن سفينتهما قد رست على جبل. وهناك بكيا بكاءاً شديداً وتضرعا للآلهة من أجل خلق بشر على الأرض. فكانت التوصية بأن يغمضا عينيهما ويلقيا وراء ظهورهما عظام أمهما (المقصود هي جايا وعظامها هي الأحجار وذلك وفق بعض التفسيرات) ومن هذه الأحجار نتج البشر. حيث نتجت النساء عن أحجار بيرها ونتج الرجال من أحجار ديوكاليون. [15]

وفي النهاية أخبرنا أنت عزيزي القاريء في التعليقات كيف وجدت بروميثيوس؟ ومن تظنه من الشخصيات التاريخية يمكن أن نصفه بأنه مثل بروميثيوس؟

المصادر:

  1. Titan | Names & Myth | Britannica
  2. Cronus | Myth, Children, & Facts | Britannica
  3. Georg Steinwender – Cronus/Saturn Devouring His Son (artstation.com)
  4. File:Jupiter Smyrna Louvre Ma13.jpg – Wikimedia Commons
  5. Creation of Man by Prometheus (greekmythology.com)
  6. Prometheus – World History Encyclopedia
  7. My French Easel: The Golden Age of Danish Painting (1801-1864) Exhibition – Part I
  8. Bare Bones: Zooarchaeology and Greek Sacrifice* (Chapter 1) – Animal Sacrifice in the Ancient Greek World (cambridge.org)
  9. Prometheus – steals fire for Man Royalty Free Vector Clip Art illustration -vc051536-CoolCLIPS.com
  10. File:Griepenkerl, Prometheus Bound.jpg – Wikimedia Commons
  11. File:La tortura de Prometeo, por Salvator Rosa.jpg – Wikimedia Commons
  12. Prometheus – Mythology Unbound: An Online Textbook for Classical Mythology (rebus.community)
  13. Prometheus Freed by Heracles (miscellanies.org)
  14. File:Prometheus and Hercules.jpg – Wikimedia Commons
  15. Deucalion Myth – The great Flood from Greece | Ancient Origins (ancient-origins.net)

بين الفلسفة والتفكير النقدي، تعريف التفكير الفلسفي، وكيف نصل إلى المعرفة؟

تهتم الفلسفة بالاستقصاء والبحث العقلاني بهدف المعرفة، فاهتم الفلاسفة ودارسوها منذ فترة طويلة بفهم ماهية المعرفة.بمجرد أن تكون لدينا فكرة واضحة عن ماهية المعرفة، أي تعريف التفكير الفلسفي، وكيف نصل إلى المعرفة؟ حينها سنتمكن من طرح السؤال التالي والذي تسعى البشرية إليه بشغف كبير وهو ما إذا كانت قادرة على الوصول لليقين المعرفي، أي معرفة شيء ما على وجه اليقين والتأكد من أن صحته غير قابلة للشك. ولكن لماذا نشك أصلا؟

يلعب الشك دورًا مهمًا في جعلنا صانعي معرفة دقيقين، لكنه لا يمكّننا أبدًا من الوصول إلى اليقين المعرفي، كما يمكن للشك أن يذهب بنا أبعد مما نتخيل، بداية من الشك في إدراكنا ووعينا، وحتى الشك في العالم وفي وجودنا. الشك بحر عميق بلا أرض نحاول الخروج منه منذ الأزل بعد أن أدركنا أن الكثير مما اعتقدناه معرفة لم يكن كذلك!

تعريف التفكير الفلسفي، وكيف نصل إلى المعرفة؟

تخيل الحوار التالي بين شخصين أ و ب، يبدأ شخص أ الحوار قائلا: “هل تعرف أن السمك الذي تأكله الآن يمكنه الطيران؟”

ب: “لا أظن ذلك. أنت على خطأ”

أ: “بل أنا على صواب”

ب: “ولكن كيف تعرف أنك على صواب؟”

أ: “لأنني أؤمن بأن هذا السمك يطير!”

ب: “ولماذا تؤمن بأن هذا السمك يطير؟”

أ: “لأنني أؤمن بهذا!”

ب: “ولماذا تعتقد بأن إيمانك سيقنعني؟”

أ: “لأنني على صواب!”

ب: “وكيف تعرف بأنك على صواب؟”

أ: “لأنني أعرف أنني على صواب!”

كما يبدو من هذه المناقشة، فما يؤمن به (أ) لا يستوجب من (ب) أن يؤمن به أيضًا، فكيف يمكننا إصلاح تلك المناقشة؟

أ: “هل تعرف أن السمك الذي تأكله الآن يمكنه الطيران؟”

ب: “لا أظن ذلك. أنت على خطأ”

أ: “بل أنا على صواب”

ب: “ولكن كيف تعرف أنك على صواب؟”

أ: “لأنني أمتلك الحُجة”

ب: “وما هي حُجتك؟”

أ: “لأن زعانف تلك السمكة أطول وأخف من بقية الأسماك وتتصل بعضلات أقوى، ولهذه السمكة أيضًا ذيل يضرب الماء بقوة، فتنطلق فوق سطح الماء بسرعة عالية تمكنها من الطيران لأمتار قليلة فوق سطح الماء!”

ب: “تبدو حجتك مقنعة قليلًا!”

قيمة الحُجة في الفلسفة

تحترم الفلسفة الحُجة وتعتبرها ركيزة أساسية من ركائز التفكير المنطقي والعقلاني، فهي كما رأينا قد أصلحت الحوار السابق بسهولة بغض النظر عن مدى صحة الحُجة، لكنها لا بد أن تتواجد في النقاش كي يصل إلى نتيجة بشكل ما. فالحُجة تخاطب العقل بالأسباب، والحجة المقنعة هي الحجة المنطقية. فهي ليست دعوة للشفقة والتعاطف، أو تهديدًا بالقوة، لكنها دعوة للمنطق. يقدر الفلاسفة الحجة لأنها تعني أن طرحك يمكن تفسيره وفهمه وقبوله من الآخرين. لهذا السبب فشل أ في البداية في إقناع ب، لأن حجته افتقرت للسبب. يحتاج أ إلى المزيد من الجهد لإقناع ب بإعتقاده، وعندما حصل ب على أسباب منطقية، بدا أنه أكثر قابلية للقبول باعتقاد أ.

وجود السبب لا يعني صحة الحُجة، ولا يعني قبول الاعتقاد من عدمه، لكنه يعني أن الحُجة أصبحت قابلة للنقاش بالأساس، أي يمكن معرفة صحتها أو خطئها وأن فرص صاحب الحُجة أ على اقناع ب قد زادت بشكل ملحوظ.

يقول رود جيرل: “إن المعرفة موضوعية جدًا، أما الإيمان فهو شخصي جدًا، المعرفة هي شيء يمكن إثبات خطئه، فإذا أخبرك شخص بمعرفته لشيء ما، يمكنك إثبات عدم معرفته به إذا أمكنك إثبات خطئه”

المحاججة

تُستخدم المُحاججة طوال الوقت بين الفلاسفة، مما جعل دراستها ركن رئيسي في المنهج الفلسفي، كما يجب معرفة وتمييز مجموعة من الكلمات عند استخدام المنهج الفلسفي، مثل “الاعتقاد” و”المعرفة” و”التفكير”. لكن لماذا يجب أن نميز تلك الكلمات تحديدًا؟ إليك مثلا بالتفكير، هل أنت تفكر الآن؟ ما دمت تقرأ هذا المقال فيبدو أنك تفكر بالفعل. لكن هل تمارس الفلسفة بمجرد قراءتك لهذا المقال؟ بالتأكيد لا! فهناك نوع محدد من التفكير يُدعى “التفكير الفلسفي”!

تعريف التفكير الفلسفي

التفكير الفلسفي ليس أمر صعب فحسب، وليست الصعوبة هي المميزة في التفكير الفلسفي عمومًا، فعلى سبيل المثال يصعب على أغلبنا ضرب رقمين كل منهما مكون من عددين سريعًا في رأسه، وبالرغم من صعوبة هذا الضرب فهو ليس تفكيرًا فلسفيًا.

ما دام الأمر غير مرتبط بالصعوبة، فبم هو مرتبط؟

يمكننا ربط التفكير الفسلفي بأنه التفكير في التفكير، فنحن نتواصل مع الآخرين لشرح أفكارنا فنحلل أفكارهم عبر حديثهم أو قراءة ما يكتبون. لا يقتصر الأمر على التفكير في التفكير ذاته، ولكن يمتد أيضًا لتقييم عملية التفكير. نحاول تطوير مجموعة من الاختبارات للتأكد من صحة عملية التفكير بأقصى قدر ممكن. والمحاججة هي أحد أعمدة تقييم عملية التفكير.

يقول ستيفين هيثيرينجتون: “ليس كافيًا أن تمتلك مجرد آراءًا، الآراء لا تعني شيء، حتى وإن أخبرت الجميع أنك تشعر بقوة بأن رأيك صحيحًا، فرغم قسوة ما سأقول، لكن رأيك لا يمكن اعتباره معرفة. لدينا نظرية فلسفية مذهلة تخبرنا لماذا لا يعتبر رأيك معرفة.”

Exit mobile version