هل أسس سيجموند فرويد المنهج النفسي في النقد الأدبي؟

بدأ المنهج النفسي في النقد مع بداية علم النفس ذاته، نهاية القرن التاسع عشر من خلال مؤلفات سيجموند فرويد في التحليل النفسي. اعتبر فرويد اللاشعور مخزنا خفيا يتضمن عوامل سلوك وإبداع وإنتاج الإنسان. وقد اعتبر الفن والأدب مظهرا آخر تتجلى فيه هذه العوامل التي تمثل الشخصية الإنسانية. فالأدب حسب فرويد هو تعبير عن اللاوعي الفردي، تفضح فيه صراعات الإنسان الداخلية.

ما الذي يربط الأحلام بالأدب؟

ركز فرويد على الأحلام في تحليله النفسي، لكونه يعتبرها نافذة مشرعة تطل على اللاشعور. وقد ميز الأحلام بعدة خصائص أهمها: التكثيف والإزاحة والرمز. وبقليل من التفكير يمكن ملاحظة أن هذه الخصائص متواجدة داخل الأعمال الفنية والأدبية كذلك.

كيف ارتبط الإبداع بالجنون؟

استخدم فرويد الكثير من المصطلحات الأدبية في تحليله النفسي، فصارت كلمات من قبيل “أوديب” و”ألكترا” تدلان على عقد نفسية معينة. كما أنه حلل أعمالا أدبية وفنية ليبرهن على نظرياته في التحليل النفسي. ولارتباط عمله بالأمراض النفسية تم ربط الإبداع الأدبي والفني بالأمراض النفسية مقدمة لاعتبار المبدعين شذوذا مرضيا.

هل يهتم النقد النفسي بالعمل الأدبي أم بكاتبه؟

بالرجوع إلى النقد الأدبي، انصب اهتمام النقاد على سيرة الكاتب الذاتية معتبرين الأعمال الأدبية نتيجة لاوعيه. فالهدف من دراسة النص الأدبي هو فهم شخصية الكاتب، إذ يعبر النص عن كبت يعاني منه الكاتب في حياته، وتمثيل لعقد نفسية تؤرقه، ورمز للرغبات المكبوتة التي يتمناها.

يعتبر النقد النفسي العمل الأدبي قناعا يختبئ خلفه الكاتب، ومرآة تفضحه في الوقت نفسه. فالكاتب يختبئ خلف الرمز والتكثيف والإزاحة، بينما تحليل النص يكشف مخبأ الكاتب. فتحليل العمل الأدبي هو تحليل لشخصية الكاتب بطريقة ما. فإن حللنا رواية محمد شكري “الخبز الحافي” فسنعتبرها تعبر عن الفقر والحرمان اللذان عاشهما في طفولته، وأن تلك الفترة من حياته تركت عقدا نفسية لم يستطع التخلص منها رغم تقدمه في السن وتغير حاله.

ما هي أهم مبادئ النقد النفسي؟

من بين أهم المبادئ التي يركز عليها النقد النفساني:

  • النص الأدبي مزروع بالرموز، يجب الكشف عنها وتحليلها لنفهم الكاتب.
  • لا يهدف النقد النفساني إلى تحليل النص الأدبي، بل يستهدف تحليل شخصية الكاتب بالأساس.
  • لا بد من البحث عن المعاني الخفية التي تختبئ داخل النص الأدبي.

من خلال الرجوع إلى هذه المبادئ لتحليل الكثير من النصوص الأدبية الخاصة بكتاب معينين، تمت ملاحظة وجود شخصية واحدة في جميع أعمالهم الأدبية. بمعنى أن كل كاتب يمتلك شخصية تتكرر في كل رواياته، تمتلك نفس الخاصيات والسمات. هذه السمات نفسها هي يتوفر عليها الكاتب. الشيء الذي يجعل النصوص الأدبية دليلا يتبع للتعرف على الجوانب النفسية الخاصة بشخصية الكاتب.

للنص لاوعيه الخاص به

يعتبر فريق من النقاد أن للنص بحد ذاته لاوعيه الخاص، نظرا لكون اللغة مفتوحة على تأويلات غير منتهية لا يستطيع الكاتب نفسه حصرها. وعلى أي حال، يبحث النقد النفساني، أيا كان اتجاهه عن المعاني الخفية خاف الكلمات والدلالات المنفلتة من إرادة الكاتب التي ظهرت في النص وتظهر بعد كل قراءة جديدة.

خاتمة

على الرغم من أن الحديث الآن منصب على الاهتمام بالمناهج ما بعد السياقية، إلا أنها لا تعتبر متجاوزة، فهي صالحة للاستخدام في البحوث والدراسات حسب الحاجة. كما يمكن الجمع بين عدة مناهج في بحث واحد، وذلك حسب أهداف وغايات الباحث.

المصادر

مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل.

مبادئ تحليل النصوص الأدبية، بسام بركة، ماتيو قويدر، هاشم الأيوبي.

مناهج النقد الأدبي السياقية والنسقية، عبد الله خضر حمد.

رحلة حول أهم التساؤلات عن الأحلام«كيف ومتى ولماذا نحلم؟»

لطالما كانت الأحلام محل جدال ونقاش كبير في الأوساط العلمية وغير العلمية منذ قديم الأزل. كما طُرحت العديد من التساؤلات حول الأحلام. كيف؟ ومتى؟ ولماذا نحلم؟ فاجتهد البعض لإيجاد إجابة لهذه التساؤلات وطرح البعض الآخر نظرياته. و بالتالي سنأخذكم في رحلة خلال هذا المقال إجابات علمية حول أهم التساؤلات عن الأحلام.

ما هو الحلم؟

يرتاح جسمنا أثناء النوم، لكن يظل عقلنا نشطًا ويعمل على حفظ وترتيب الأحداث اليومية، والتخلص من الأحداث غير الهامة، وخلال ذلك يمر العقل ببعض التخيلات والتهيؤات خلال مرحلة «حركة العين السريعة- (rapid eye movement(REM» والتي تُعرف بالأحلام. حيث ينفصل العقل عن الواقع ويُنشئ قصة وعالم وخاصين به. كما لا يوجد حدود لكمّ الأشياء التي يمكننا الحلم بها سواء كانت تجربة مررنا بها أو حدث ما عابر. [2] [1]

كيف ومتى نحلم؟

نحن نمر خلال النوم بخمسة مراحل متكررة، آخرها هي الـ REM وهي أكثر مرحلة مقترنة بالأحلام.
خلال مرحلة الـ REM يحدث بعض التغيرات:

  • يكون الدماغ في أعلى مراحل نشاطه خلال النوم.
  • زيادة استهلاك الدماغ للأوكسجين.
  • ارتفاع معدل التنفس.
  • زيادة ضربات القلب.
  • اربتفاع ضغط الدم.
  • تغيرات في درجة حرارة الجسد.
  • تهيج جنسي. [1]

يرسل الدماغ في مرحلة الـ REM إشارات عصبية تعمل على شلل مؤقت للعضلات وخصوصًا الأطراف، لكي يمنعنا من التفاعل مع أحلامنا في الواقع مما قد يؤدي إلى أذية أنفسنا أو من حولنا ،وتسمى هذه بـ «الحالة التناقضية-Paradoxical stat»، حيث يكون العقل في حالة نشاط يكون صور ذهنية والجسم في حالة ارتخاء. [6] [1]

أهمية الأحلام «لماذا نحلم؟»

اختلف الباحثون على إيجاد سبب واضح لأهمية الأحلام، إلا أن البعض قدم بعض الاقتراحات:

1- التدرب على «المواجهة أو الفرار-fight or flight»

تُعتبر «لوزة المخ- amygdala» من أكثر مناطق المخ نشاطا خلال الأحلام، وهي المسؤولة عن غريزة البقاء، كما أنها تكون نشطة خلال الأحلام أكثر من بعد الاستيقاظ. لذا يفترض بعض الباحثين أن العقل يقوم بالتدرب للتعامل مع التهديدات المختلفة. [2]

2- التدرب خلال «الأحلام الصافية-Lucid Dreams»

قد يتمكن بعضنا من تطويع أحلامه عن طريق التحكم في مجريات وأحداث الأحلام دون استيقاظ. وبناءًا على ذلك، اقترح بعض الباحثين أنه يمكننا التدرب على حدث ما مستقبلي خلال أحلامنا. مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن اكتساب مهارة جديدة أو تعلم شيء خارج حدود العقل. [1]

3- تخزين المعلومات والتذكر

تساعد الأحلام على تخزين المعلومات المكتسبة يوميًا، أشارت بعض الدراسات إلى أن المعلومات التي نتعلمها ونحلم بها نستطيع تذكرها بشكل أكبر من التي لم نحلم بها. حيث أنها قد تساعد أيضا في التخلص من الأحداث الغير الهامة. [2]

4- الاستشفاء

أظهرت بعض الدراسات أن الأحلام تساعد العقل للتخلص من المشاكل النفسية، حيث وجد الباحثين إن بعض مرضى الاضطراب النفسي لا يحلمون أثناء نومهم. [3]     

إنذار مبكر لمشاكل صحية

يتواصل جسدنا مع عقلنا بواسطة الأحلام. قد يرسل جسدنا إشارات مبكرة للعقل بوجود خلل ما في الجسم والذي يترجم على شكل أحلام. [1]

الإبداع وحل المشاكل «تكمن الحلول داخل أعماقنا»

الكثير من الرسّامين والمغنيين والكتّاب والعلماء استمدوا أفكارهم من الأحلام، حيث إن الأحلام تفتح أفاق جديدة في عقلك التي تكون مقيدة وقت الاستيقاظ. فمن أشهر الأمثلة هو العالم «أوجست كيكوليه- August Kekulé» الذي اكتشف شكل حلقة جزيء البنزين خلال حلمه! [4]

تفسير الأحلام

كان لتفسير الأحلام اهتمام كبير من قديم الأزل، بداية من حضارة بلاد الرافدين مرورا بالحضارة المصرية القديمة وصولًا إلى وقتنا الحالي. قرر العالم النفسي الشهير «سيجموند فرويد-Sigmund Freud»معالجة الموضوع معالجة علمية، لقد انتهج طريقًا صعبًا لتفسير الأحلام، حيث اعتمد على نفسه في إجراء تجاربه، فكان يدون أحلامه ويحاول ربطا بتفاصيل حياته حتى الشخصية منها. فلم يكن يعتقد أن الأحلام لا معنى لها بل إن كل تفصيله في الحلم ترمز إلى شيء بحياتنا اليومية. حيث كان يعتقد أنه من الأسلم والأدق عدم إجراء تجارب على مرضاه حيث إنهم بالفعل مصابين ببعض الاضطرابات مما يؤدي لعدم دقة النتائج وتعميمها على البشر.

قسّم سيجموند فرويد الأحلام إلى أحلام ظاهرية وأحلام باطنية. وقام بتعريف الأحلام الظاهرية أنها الأحلام التي لها علاقة مباشرة بالأحداث اليومية، أما الأحلام الباطنية قد تظهر بأحداث لا معني لها لكنها ترمز إلى أشياء مهمة مرتبطة بنا عاطفيا، وكلاهما عمل فرويد على تفسيرهما وخصوصا الأحلام الباطنية حيث حاول تفسير وتعميم كل رمز لا معني له في تلك الأحلام ومطابقته مع واقع الحالم. [5]

العوامل المؤثرة على تكرار الأحلام

العوامل التي تؤثر على تكرار الأحلام

كما ذكرنا سابقا معظم أحلامنا تحدث خلال مرحلة ال REM وكلما زادت، زادت معها الأحلام. فتحدث الأحلام بمعدل أكبر في الرضع عن الكبار حيث إن مرحلة ال REM تستحوذ على 50% من مراحل النوم عند الرضّع وتقل في الكبار لتصل إلى 18% فقط حيث إن العقل تقل مرونته. [6]
وهناك بعد العوامل التي قد تؤثر في حدوث الأحلام:

  • التوتر.
  • القلق.
  • الاكتئاب.
  • زيادة الوزن.
  • بعض العقارات المهلوسة.
  • السعادة. [1]

الأحلام التي نحلم بها لا تستيقظ معنا في الصباح

أثبتت الدراسات أنه لا يستطيع 90-95% من الأفراد تذكر الأحلام بعد الاستيقاظ [1]. وقد يُعزى السبب في ذلك نقص الهرمونات المسؤولة عن اَلتَّذَكُّر مثل الـ «نورأدرينالين-noradrenaline» أثناء الأحلام. [2]

لكي نكون أدق، الأحلام في الواقع لا ننساها لكننا لا نستطيع استرجاعها، قد تكون لعدم أهميتها مقارنة بأحداث أخرى أهم، وقد نتذكر الأحلام بعد فترة ما في حال إذا ما صادفنا حدث ما مشابهة لذلك الحلم، حينها نكن قادرين على استرجاع الحلم.

أحد الحقائق المهمة هو أننا نستطيع تذكر الأحلام التي استيقظنا خلالها وهذا قد يفسر سبب تذكرنا للكوابيس أكثر من الأحلام السعيدة حيث أن معظم الأفراد يستيقظون بشكل مفاجئ خلال الكوابيس، كما تترك طابع نفسي شيء مما يزيد قدرتنا علي استرجاع تلك الكوابيس. [2]

المصادر

  1. medlife
  2. healthline
  3. ted
  4. كتاب “From Alchemy to Chemistry” لـ John Read
  5. كتاب “The Interpretation of Dreams” لـ Sigmund Freud
  6. time

ماذا قدم فرويد للبشرية؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

هل شعرت يومًا أنك تحب شخصًا ما أو تبغضه لسبب غير معلوم؟ هل وجدت نفسك في موقف ما تجادل وتدافع لأسباب لا تستطيع صياغتها بوضوح؟ أو هل نسيت اسم شخص ما في الوقت غير المناسب ولا تعرف لماذا؟ أجاب فرويد عن هذه الأسئلة، وطور نظرية شيقة للغاية عن دوافع البشر ورغباتهم. لكن في البداية دعونا نتعرف على عالم النفس الأشهر في التاريخ الحديث الذي تؤثر أفكاره على رؤيتنا للأمور حتى وقتنا الحالي.

حياة فرويد

ولد سيجموند فرويد في النمسا عام 1856م. وعاش في مدينة فيينا حتى عام 1938م، حيث انتقل إلى لندن بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية ليتوفى فيها بعد مرور عام واحد إثر إصابته بالسرطان. لا ترجع شهرة فرويد إلى اكتشاف بعينه ولكن لتطويره نظرية شاملة للعقل البشري. ورغم شهرته الواسعة إلا أنه كان محل نفور كبير بسبب تعصبه لنظريته عن التحليل النفسي والترويج المستمر لها. كان نتاج فرويد الفكري غزير، لكنه لم يخل من شطحات وأراء غريبة حقًا منها فكرته حول «حسد القضيب-Penis Envy». حيث اعتبر فرويد النساء ببساطة رجال بدون قضيب. واعتبر حسد القضيب مرحلة تمر بها جميع الفتيات في نموها الجنسي، حيث تكتشف افتقادها للقضيب فتتمحور حياتها حول هذا النقص دائمًا! جانب آخر أكثر تشويقًا وأهمية من فرويد هو فكرته عن وجود الدافع اللاواعي، وفكرته عن ديناميكية اللاوعي أو الصراع اللاواعي.

رغبة صادقة.. ربما لا؟

يفسر «الدافع اللاواعي-Unconscious Motivation» السلوك البشري أنه نتاج لرغبات ودوافع وذكريات مكبوتة في اللاوعي. حيث آمن فرويد أن الجزء الأصغر من العقل البشري واعٍ وقابل للملاحظة، أما النسبة الأكبر لا واعية ولها التأثير الأكبر على أفعالنا. مثال على ذلك: إذا سألك أحدهم لماذا تود الزواج من هذا الشخص؟ فيأتي جوابك لأني أحبه، أو لأني أود تكوين عائلة. وربما تكون إجابتك صادقة لكن فرويد له رأي آخر، بالرغم من صدق إجابتك لايزال هناك رغبات ودوافع قد لا تكون واعيًا بها. لذا ربما تود الزواج من هذا الشخص لأنك تود الانتقام من شخص قام بخيانتك! قبول فكرة الدافع اللاواعي مخيف للغاية، على الرغم من سهولة استيعابه في إطار الإدراك البصري، حيث ننظر حولنا فنرى الأشياء ونتعرف عليها بشكل لاواعي ولا نتذمر بهذا الشأن. لكن تطبيقها على المشاعر والقرارات مرهق ويشكك في صدق كل شيء.

الهو والأنا والأنا الأعلى

الشخصية البشرية معقدة وتتكون من عدة عناصر تبعًا لفرويد، وهي الهو والأنا والأنا الأعلى. يظهر كل عنصر منها في مرحلة عمرية مختلفة ويسهم في تطوير جانب معين من الشخصية.

يظهر «الهو-The Id» عند الولادة ويعمل بشكل لا واعي. فهو الجزء الحيواني البدائي من الإنسان الذي يريد إشباع رغباته من جوع وعطش ودفء ويريد إشباعها فورًا. يعمل الهو على مبدأ اللذة وهو ما يفسر به فرويد نشأة البشر، الهو الخالص والرغبة الخالصة في اللذة.

لكن سرعان ما يدرك الطفل أن هذا الأمر ليس واقعيًا، ليس كل ما تريده تحصل عليه. مما يؤدي إلى تطوير مجموعة من ردود الأفعال للتكيف مع هذه الحقيقة. إما عن طريق التخطيط لإشباع الرغبة أو التخطيط لكبحها. وهذا النظام يُعرف باسم الأنا. يعمل «الأنا-The Ego» على مبدأ الواقعية، ويرشد الهو للحصول على اللذة بطريقة واقعية ومقبولة. ويمثل الأنا بالنسبة لفرويد أصل الوعي البشري.

وأخيرًا «الأنا الأعلي-Super Ego» الذي يظهر في سن الخامسة ويعمل تبعًا لمجموعة القواعد المنضوية للأبوين والمجتمع. فما يحدث هو أنك تحاول إشباع اللذة لكن تُؤنب أو تُعاقب. وما يمثله الأنا الأعلى هنا هو صوت الضمير الذي يمنع كل رغبات الهو تبعًا لمعايير مثالية وليست واقعية. لذا لا يقل الأنا الأعلى سذاجة عن الهو.

صراع دائم

يقع الأنا بين الهو والأنا الأعلى، ويستمر الصراع بشكل لا واعي بين هذه العناصر الثلاث دائمًا. وهذا ما يفسره فرويد في فكرته عن ديناميكية اللاوعي أو «الصراع اللاواعي- Unconscious Conflict». فلا ينهاك الأنا الأعلى عن فعل الأشياء الخاطئة فقط، بل ويمنعك من التفكير فيها. حيث يبعث الهو كل هذه الرغبات المجنونة والعنيفة ويقوم الأنا الأعلى بكبحها فلا تصل إلى الوعي. لكن للأسف لا تسير الأمور بسلاسة طوال الوقت. فتتسلل بعض هذه الرغبات لتظهر في الأحلام أو زلات اللسان أو حتى كأعراض مرضية.

وصف فرويد الآليات المختلفة التي نستخدمها لمنع رغبات الهو من الوصول إلى الوعي بـ «آليات الدفاع-Defense Mechanisms». وهي الآليات التي نستخدمها بشكل لا واعي لإنكار رغباتنا المشينة. كأن نمنحها تبريرًا لائقًا، أو نقوم بإسقاطها على شخص آخر، أو تركيزها على شيء آخر،أو حتى الهروب منها. وتبعًا لفرويد هذه الآليات ليست مَرضِيةً على الإطلاق، بل هي جزء من الحياة الطبيعية للحفاظ على التوازن بين أجزاء اللاوعي المختلفة.

فرويد وتطور الشخصية

أشهر أعمال فرويد وأكثرها إثارة للجدل هي نظريته عن النمو النفسي الجنسي للطفل. رأى فرويد أن الطفل يمر بعدة مراحل نفسية جنسية حتى تتطور شخصيته البالغة. قسم فرويد هذه المراحل إلى خمس، كل منها مرتبط بمنطقة شبقية محددة وحدوث خلل في أي من هذه المراحل يؤدي إلى ثبات الشخص بها.

المرحلة الأولى وهي «المرحلة الفموية-Oral Stage» التي يكون الفم فيها مصدر اللذة. ويبدأ الصراع عند الفطام المبكر للرضع، الذي يسبب صفات مثل الاعتمادية أو العدوانية عند الكبر، كما يرتبط بمشكلات أخرى مثل الإسراف في الأكل والتدخين واستهلاك الكحول.

المرحلة الثانية وهي «المرحلة الشرجية-Anal Stage» ويصبح التحكم في حركة الأمعاء والمثانة هو مصدر اللذة، لذا يتدرب الطفل على استخدام المرحاض، وتبعًا لفرويد يرتبط حدوث خلل في هذه المرحلة بصفات مثل البخل أو الهوس.

المرحلة الثالثة وهي «المرحلة القضيبية-Phallic Stage» وتكون الأعضاء التناسلية فيها مصدر اللذة. تفسير فرويد لهذه المرحلة شيق للغاية ويرتبط بمصطلح “عقدة أوديب”. تبعًا لفرويد يرى الطفل والده كخصم أمام عاطفته تجاه أمه، ويفكر في التخلص منه بقتله مثلًا، لكن بما أن الطفل لا يدرك وجود الحواجز بين ما يحدث داخل عقله والعالم الخارجي يشعر أن والده يعلم ما يدور بعقله وسيعاقبه، العقاب الذي يخشاه الطفل هو استئصال أعضائه التناسلية!

المرحلة الرابعة وهي «مرحلة الكمون-Latent Stage» تستمر هذه المرحلة حتى البلوغ، وفيها تهدأ جميع المشاعر الجنسية وتتطور الجوانب الأخرى من الشخصية.

المرحلة الخامسة وهي «المرحلة التناسلية-Genital Stage» التي تبدأ عند البلوغ وتستمر حتى الموت، ويتطور فيها الاهتمام بالجنس الآخر.

التقييم العلمي لنظريات فرويد

تتعرض نظريات فرويد للكثير من النقد وتعد محل جدل كبير. وبالرغم من غزارة إنتاج فرويد الفكري ألا أن أغلبه يرفضه العلم ولا يُدرس بشكل أكاديمي ولا يعمل به علماء النفس في وقتنا الحالي. النقد الأكبر الذي تتعرض له هذه النظريات هو افتقادها لما عرفه الفيلسوف الإنجليزي كارل بوبر بـ «القابلية للدحض-Falsification». وصف بوبر الفارق بين العلمي وغير العلمي بأن العلم يقدم إدعاءات قوية عن العالم وهذه الإدعاءات يمكن اختبارها وإثبات خطأها، أما إذا استحال إثبات خطأها فهي ليست جيدة بما يكفي لاعتبارها علم.

وهنا تكمن مشكلة نظريات فرويد، فهي مرنة وغامضة للغاية لدرجة لا يمكن إثبات صحتها بأي طريقة موثوقة. مثال على ذلك: لا يوجد أي دليل أن الصفات المرتبطة بالمرحلة الفموية أو الشرجية مثل الاعتمادية والبخل ذات علاقة بالفطام المبكر أو التدرب على استخدام المرحاض. كذلك أراء فرويد حول الجنس والمثلية لها قليل من الدعم التجريبي. أما الإدعاء أن التحليل النفسي أثبت نجاحه في علاج الأمراض العقلية فهو ليس صحيحًا تمامًا أيضًا، فيوجد علاجات أسرع وأكثر مصداقية. كذلك لا تساعد هذه الطريقة في تخفيف أعراض بعض الأمراض مثل القلق والاكتئاب.

لكن على الرغم من النقد اللاذع الذي تعرض له فرويد، تبقى فكرة ديناميكية اللاوعي ذات أهمية كبيرة. حيث أُثبت أن الكثير من العمليات العقلية تعمل بشكل لا واعي مثل: فهم اللغة الذي يحدث بشكل طبيعي وغريزي في جزء من الثانية، كذلك الأنشطة التي تتكرر بشكل يومي. وفي الختام يمكننا التأكيد أن الجزء الأكبر من نظريات فرويد وتفاصيلها خاطئة ومرفوضة تمامًا، لكن تبقى الفكرة العامة لفرويد، فكرة أننا لا نعي بشكل كامل لماذا نحب ما نحب ونكره ما نكره، صحيحة وتثبت نفسها في فروع علم النفس حتى اليوم.

المصادر

  1. IEP
  2. thepsychologist
  3. psychology
  4. verywellmind
  5. verywellmind
Exit mobile version