ملخص رواية “الرحيل” للكاتبة رضوى عاشور

ملخص رواية “الرحيل” الجزء الأخير من ثلاثية غرناطة للكاتبة رضوى عاشور

“كل شيء في هذه الحياة مقدر، وكل خطوة نخطوها مكتوبة في اللوح المحفوظ”
رضوى عاشور، ثلاثية غرناطة

خرج علي من غرناطة قاصدًا عمته التي تعيش في بالنسية ولكن عند وصوله علم بأمر رحيلها إلى الجعفرية فاتجه إلى هناك ولكن وجدها قد رحلت هي وعائلتها إلى فاس فاقترح عليه شيخ القرية عمر الشاطبي بالبقاء معهم فوافق، وعاش بينهم يزرع الأرض ويعلم الصغار اللغة العربية، تمر الأيام طبيعية على أهل القرية حتى يأتي الصيف ويأتي معه المحققون ليتأكدوا من تنفيذ الأوامر والقاء الأوامر الجديدة على مسامع الأهالي وفي أثناء الزيارة يتخذ أهالي القرية كل الاحتياطات اللازمة فيخفون الكتب والمصاحف والملابس العربية وتتوقف دروس الصغار ويمنع ذبح الأغنام وتتأجل الأعراس وحفلات الطهور، يحذرون الأطفال من الكلام ويتملكهم الرعب حتى تنتهي الزيارة بسلام.

وفي يوم أخبر وكيل القرية الأهالي أن الدوق صاحب الأرض التي يزرعونها سيأتي مع عائلته ليمكث في القرية بعض الوقت، ومع كل البغض والكراهية التي يكنها أهل القرية للدوق إلا أنهم لم يمتلكوا سوى الترحيب به، وعند وصوله طلب كبار القرية للحضور عنده وأعلمهم بأنه يريد زيادة الضرائب على الأهالي، وعندما علم الأهالي بتلك الأوامر تملكهم الغضب فهم بالفعل يدفعون ضرائب كثيرة ويدفعون إيجار ويعملون يوم في الشهر بدون مقابل يسمونه يوم السخرة ويدفعون جزء للملك وجزء للكنيسة، اعترض أهل الجعفرية وامتنعوا عن العمل وتجمهروا أمام قصر الدوق، فخرج الدوق إليهم وسمع مطالبهم وأذعن لها ورحل عن القرية وبعد أربعة أيام داهم القرية مائة جندي اقتحموا حرمة البيوت وأشاعوا الفوضى وذهبوا من القرية مخلفين وراءهم ثلاثة قتلى وعشرات المجروحين واقتادوا الكثير من الشباب إلى السجن.

كانت الأيام بعد تلك الواقعة تمر ثقيلة على أهل القرية حتى أخبرهم عمر الشاطبي أن فرنسا تعد العدة لغزو البلاد وطرد القشتاليون منها وأن أهل البلاد لديهم النية لمساعدة الفرنسيين حتى يتخلصوا من تلك المأساة التي يعيشونها، وذات صباح نزل القرية مبعوثون من الدولة يحملون دفاتر كبيرة يحصون فيها أسماء كل القاطنين بالقرية، فتوجس أهل القرية خشية أن تكون الأنباء قد تسربت عن نيتهم لمعاونة الفرنسيين، أحصى موظفو الدولة أسماء العائلات وعدد أفرادها وجمعوا كل الأسلحة التي وجدوها مع الأهالي من لم يجدوا لديه سلاح كتبوا أمام اسمه أنه لا يمتلك، وسألوا عن الحوامل من النساء وسجلوا في القوائم الأجنة في البطون ثم غادروا.

ضحك أهل القرية واحتلفوا عندما علموا أن ذلك التعداد لم يكن إلا لفرض المزيد من الضرائب عليهم، فهم لم يعطوا الموظفين المعلومات الصحيحة عن عدد الشباب أو الاعمار حتى لم يسلموهم كل الأسلحة.

اجتمع عمر الشاطبي مع ستة وستين من فقهاء ووجهاء بالنسية وحددوا خمسة مفوضين يتحدثون باسمهم وأعطوا مبعوث الملك الفرنسي مقدارا من الذهب إسهاما في الحملة واختاروا الشباب الذين سيذهبون معهم للقتال ومن ضمنهم كان علي.

مرت الأيام والأهالي منتظرين قدوم الحملة ولكنها لم تأتي ثم علموا بعد ذلك أن مبعوث الملك الفرنسي لم يرجع مرة أخرى وأن السلطات قبضت على بعض الرجال الذين حضروا الاجتماع مع عمر الشاطبي الذي مات كمدا بعد وصول الخبر إليه، ثم صدر قرار الترحيل إلى الشواطئ المغربية لكل أهل الجعفرية بعد موت عمر الشاطبي بعام واحد ومصادرة الدور والأرض.

تم تنفيذ قرار الترحيل ورحل علي مع أهل الجعفرية وانتظر معهم على الشاطئ حتى تأتي السفينة التي ستحملهم جميعا، وفي أثناء انتظاره غفا لبعض الوقت ورأي جدته مريمة في المنام وعندما استيقظ حسم أمره وأدار ظهره للبحر وركض مبتعدًا عن الجمع وهو يتمتم ” لا وحشة في قبر مريمة”.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية “مريمة ” للكاتبة رضوى عاشور

ملخص رواية “مريمة ” الجزء الثاني من ثلاثية غرناطة للكاتبة رضوى عاشور


“ لكل شيء في هذه الدنيا علامة قد لا يفهمها الإنسان أبدًا وقد يفهمها بعد حين”
رضوى عاشور، ثلاثية غرناطة

رأت مريمة في منامها جسمًا متوهجًا حسبته القمر ولكنه كان كبيرًا ومضيئًا ولم يكن القمر، فما لبثت أن ذهبت إلى عرافة البلدة التي بشرتها بخير قادم للبلاد، انتشر خبر رؤيا مريمة بين النساء يتداولنه عند الفرن ومضخات المياه كما لو أن اليأس الذي يعشنه جعلهن يتعلقن برؤيا مريمة كتعلق الغريق بالقشة.
تزوج هاشم بن مريمة وحسن عائشة ابنة سليمة وما تبقى من ذكراها وأنجبا طفلًا يسمى علي، وفي يوم رأت مريمة سليمة في المنام وهي تحمل ابنتها عائشة وهي وليدة وتذهب وبعدها ماتت عائشة وهجر هاشم البيت إلى الجبال بسبب معاملة حسن القاسية له وتكفلت مريمة برعاية علي.
أثناء عودتها رأت علي يلعب مع الصغار فأقبل عليها فرحًا فأعطته الحلوى التي قد اشترتها له سابقًا فأخبرها الطفل بوجود رجل غريب في بيتهم يدعى نعيم، فتفاجأت بعودة نعيم الذي سافر مع القس الذي كان يعمل عنده منذ زمن بعيد وعندما دخلت المنزل رأت رجل غريب رث الهيئة يجلس مع حسن وبعد سؤاله عن سعد وسليمة تأكدت أنه هو نعيم وأخذت علي وخرجت خشية أن يحكي حسن أمامه كيف مات سعد حزنًا وكمدًا بعدما رأى سليمة تحترق وسط النار.

لم تكن عودة نعيم سهلة فقد عاد بعدما قتل القشتاليون زوجته وهي تحمل في بطنها طفلهما وحرقوا منزله، رجع نعيم وقد احترق قلبه على ما أصابه وجد غرناطة غير غرناطة التي يعرفها ولم تكن تلك البيازين التي عهدها قبل سفره، أخذ نعيم علي في جولة في البلدة واشترى له الحلوى وحصانًا خشبيًا وظل يناديه بهلال ذلك الاسم الذي كان سيطلقه على ابنه عندما يولد.

بعد أن أتم علي السابعة زاد قلق جده حسن بسبب ما يتعلمه الفتى في المدرسة ورأى ضرورة تعليم الفتى العربية وإطلاعه على السر وتعليمه قراءة القرآن، لكنه خشي أن يلحقه بتلك الحلقات التي يجريها الفقهاء سرا وآثر أن يظل بعيدا هو وعائلته عن المشاكل وقرر تعليم الفتى بنفسه، كان علي يتعلم بسرعة ما يلقيه عليه جده ويستمتع بالتعلم واخفاء السر عن جدته ونعيم.

قرر حسن الرجوع إلى بيت عين الدمع متعللًا بأن الجو في البيازين أصبح خانقًا وجو عين الدمع ألطف بكثير، وعندما وصلوا وأثناء انشغال مريمة بالتنظيف ونعيم بجمع الثمار من على الشجر نادى حسن على علي وأعطاه مفاتيح السرداب المكدس فيه تلك الكتب التي ظلت مخفية عن عيون القشتاليين لسنوات وأمره بالنزول إلى السرداب ورؤية ما فيه، ظن علي أنه سيجد كنزا مخبأ بالأسفل ولكن لم يجد غير الكتب فأصابته الخيبة حتى قصة تلك الكتب لم تبدد إحساسه بالخيبة.

لم يمر الكثير من الوقت حتى أفصح حسن عن رغبته في العودة إلى بيت البيازين لأنه يريد الموت هناك وما إن وصلوا حتى مرض حسن وظل يهذي ويخلط بين مريمة وسليمة وبين علي وسعد حتى مات، وقبل أن يمر أربعون يوم على موت حسن فتبعه نعيم ومات وهو الآخر بدون أن يمرض حتى.

عندما بلغ علي الثالثة عشر عرض جارهم إرناندو بن عامر على مريمة أن يعمل علي لديه في الحانوت ويتعلم حرفة صناعة المشغولات الخشبية مع ابنه خوسية فحسمت مريمة أمرها وطلبت من إرناندو أن يقبل بابن صديقة لها تدعى فضة يكبر علي بعامين فوافق، وعندما أصبح الصبح انطلق علي وخوسية وابن فضة إلى حانوت إرناندو والذي سلمهم إلى كهل أسمر يدعى صديق ليعلمهم الحرفة، أحب علي عمله كثيرًا وأتقنه وارتفعت مكانته أيضًا عندما علم العمال في الحانوت أن علي يستطيع قراءة وكتابة العربية تلك اللغة التي حكم عليها الفناء في بلاد يحكمها غرباء، فأصبح علي محط اهتمام الجميع واستعانوا به لقراءة الخطابات التي تأتيهم من أقارب أو أحباب أو قراءة حجة منزل أو كتاب قديم.

ظلت الأمور هادئة حتى سار موكب القضاة في المدينة يحظرون على الناس استخدام اللغة العربية في الكتابة والتخاطب أو حتى الاحتفاظ بألقاب عربية كما أمروا بترك أبواب الدور مفتوحة أيام الأعياد ويوم الجمعة ليضمنوا التزام الناس بالأوامر، كما أنهم أمروا بأن على نساء غرناطة التخلي عن ملابسهم التي تغطي كل الجسد وارتداء ملابس مثل القشتاليين.

وفي يوم انطلق علي إلى عمله كالعادة وجد الجنود يطوقون البيازين ولم يعلم أهل البيازين السبب حتى علموا بأمر اندلاع الثورة في البشرات وأن الثوار عينوا حاكم في الثانية والعشرين من عمره كان يسكن البيازين يدعى محمد بن أمية فعم الفرح الأهالي ووزعوا الحلوى.

أوجعت ثورة البشرات القشتاليين كثيرا فمروا بالبيوت يفتشونها ويسرقون منها وقتلوا أكثر من مائة من وجهاء البيازين الذين قبضوا عليهم قبل عام من الثورة بلا سبب صريح، ولم يمر الكثير من الوقت حتى أتى الخبر بالهزيمة والأسر الجماعي لأهالي البشرات، رأى علي النساء يبعن في ساحة باب الرملة عاريات أو شبه عاريات ورأى الرجال مقهورين مكبلين بالقيود والخيبات.

أصاب مريمة المرض وظلت راقدة في الفراش لا تقو على الحركة وانقطعت عنها الأخبار التي كانت تتبادلها مع الجارات، حتى أتت لها فضة تخبرها بهروب ابنها من البلدة بعد صدور قرار الترحيل لكل رجال البيازين من يزيد عمره على أربعة عشر عامًا ويقل عن الستين ولا يبق في البلاد إلا من ترى فيه السلطات مصلحة أو يحمل تصريح من السلطات بالبقاء، وأخبرتها أن إرناندو استطاع أن يستخرج لنفسه ولابنه ولعلي تصريحات بالبقاء.

لم تستطع مريمة البقاء في الفراش أكثر وعادت إلى جلستها المفضلة أمام البيت لتستعلم عن الأخبار، وأتى إلى البيازين بعض الأرامل من البشرات يحملن صغارهن ناجيات من بطش القشتاليين، يحكين عن المجازر التي حدثت في البشرات والخراب الذي لحق البلاد وعن مقتل محمد بن أمية على يد حراسه الخونة وعين الثوار مكانه ملكا يدعى عبد الله.

وفي يوم أتى علي بخبر الأوامر التي صدرت بترحيل الأهالي من غرناطة إلى قرطبة وأن على الجميع التجمع في ساحات الكنائس الأقرب إليهم، فصرحت مريمة أنها لن تترك البيازين مهما حدث، فانتظر علي نومها وجهز كل شيء وانتظر الفجر ثم أيقظها وأطعمها وأقنعها أن السلطات تريد رؤيتها حتى يقتنعوا بعدم قدرتها على الرحيل فيتركونها، ولكن وضعها علي أمام الأمر الواقع أنهم مجبرون جميعًا على الرحيل وتحركوا بعيدًا عن غرناطة وسط بكاء الشيوخ ونحيب النساء، سمح لهم الجنود بالتوقف في منتصف الطريق للراحة وقضاء الحاجة، مضت الأيام الثلاثة الأولى بسلام حتى فقدت مريمة قدرتها على المشي فحملها علي على ظهره وظلت تسكب الدموع دون توقف وفي الليلة الرابعة أصابتها الحمى ثم ماتت في العراء، حسم علي أمره على الهرب واستطاع قتل الحارس والسطو على حصانه والابتعاد عن مسار القافلة واسمى حصانه الجديد حجاب.

ظل في طريقه يمر بالجبال الوعرة والقرى القفر حتى رأى من بعيد خضرة يانعة وطيف امرأة أسكنته كوخها وظل عندها حتى الشتاء وعندما هل الربيع نوى الرحيل واتجه إلى غرناطة شاهد عمائرها من بعيد ولكن آثر أن يظل بعيدا فمكث في قرية قريبة مهجورة وتعرف على رجل يدعى روبرت البطل آنس وحشته مدة عامين حتى حسم علي أمره واتجه إلى غرناطة.

عند وصوله التقى بخوسية بن إرناندو والذي ساعده واستخرج له أوراقا تمكنه من البقاء وورقة تنص على أن علي يعمل لدى خوسية، وأسر له أيضًا أنه يمكن أن يعيد له بيت البيازين ولكن على شرط أن يوقع له على صكوك بيع بيت البيازين وبيت عين الدمع وأن يسكن في الأول بإيجار زهيد فوافق علي على مضد ولكنه شرط أن يأخذ الكتب التي تركها جده في بيت عين الدمع ووافق خوسية، رجع علي ليعيش في بيته في البيازين ويعمل عند خوسية حتى وقعت مشاجرة بينه وبين أحد النصارى الذين سكنوا البلاد ووقف أمام القاضي الذي أخبره بأن أباه قاطع طريق ولكنهم لم يجدوا في سلوك علي أي شيء يستدعي الشك لذلك سيحتجزونه بعض الوقت ثم يفرجون عنه كإجراء احترازي، استمر بعض الوقت هذا إلى ثلاث سنوات وخمسة أشهر وأربعة أيام.

وبعد خروجه وجد علي خوسية قد استولى على البيت وطرده من العمل، ولكنه هدد خوسية بالقتل فأعاد له مفتاح البيت وزارته الخالة فضة وعلم منها كيف وجدوا عبد الله في غرناطة ومثلوا بجثته فوضعوا جثته على بغلة في موكب كبير يحيط به الطبل والزمر ووراءه أسرى البشرات في صفوف وبعدها قطعوا رأسه وعلقوا جثته لأشهر عديدة.

علم علي من أحد الشباب الذين عمل معهم في حانوت خوسيه أن خوسية يدبر له مكيدة وسوف يلقي إليه تهمة الهرطقة والكفر، فلم يجد علي بد من الهرب ولكن قبل هروبه جمع الكتب ووضعها في صندوق جدته مريمة وأمسك الفأس وحفر في الفناء ودفن فيه الصندوق وحمل أغراضه وغادر البيت دون أن يلتفت وراءه.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية “غرناطة” للكاتبة رضوى عاشور

ملخص رواية “غرناطة” أولى روايات ثلاثية غرناطة للكاتبة رضوى عاشور

“والقلب في بيت القلب يعتصر كأنما تقبضه يد الموت ويموت”
رضوى عاشور، ثلاثية غرناطة

يرى أبو جعفر من بعيد فتاة عارية تهرول في اتجاهه وهو في طريقه إلى حانوته وكان سواد الليل لا يزال قابعًا على المدينة والشارع مهجور والحوانيت مغلقة فظن أبو جعفر في بادئ الأمر أنها رؤيا من رؤى الخيال ولكن سرعان ما تبددت شكوكه باقتراب الفتاه منه فخلع ملفه الصوف ولف جسدها به ولكن الفتاة لم تعره أي اهتمام ومضت في طريقها كالمحمومة.

كان أبو جعفر أحد سكان البيازين يعمل وراقًا ويمتلك حانوت في حارة الوراقين لنسخ الكتب وكتابة الوثائق وغيرها من الأعمال الورقية، وصل أبو جعفر إلى حانوته بعد حادثة الفتاة واجمًا يلتهمه الصمت حتى أنه لم يلق التحية على نعيم ذلك الفتى الذي وجده وهو صغير وتكفل به وأعطاه عملا في الحانوت، وظل مطرق الرأس غارق في أفكاره حتى انقضى النهار وذكرى تلك الفتاة لم تفارقه بل كانت تثير في نفسه خوفًا واضطرابًا.

في اليوم التالي سمع أبو جعفر خبر غرق موسى بن أبي غسان في نهر شنيل فراودته ذكرى الفتاة من جديد وظل في حيرته أيامًا معدودة حتى أتى له نعيم بخبر اكتشافهم لجثة فتاة عارية غارقة في نهر شنيل، فأدرك أبو جعفر أنها كانت إشارة صادقة على مُر الأيام القادمة.

ظلت غرناطة والبيازين في اضطراب ثلاث ليال متوالية بسبب خبر غرق موسى بن أبي غسان، وتعددت الأقاويل حول موته ولكن وصل لأهل البلاد خبر اختلاف موسى بن أبي غسان مع ملك البلاد أبو عبد الله محمد الصغير حول أمر القشتاليين ورغبتهم في البلاد فأراد موسى بن أبي غسان القتال ولكن أبو عبد الله أراد المعاهدة وتسليم البلاد للقشتاليين فخرج موسى بن أبي غسان غاضبًا من المجلس وبعدها أتى خبر غرقه.


انقسم أهل البلاد حول مؤيد ومعارض للمعاهدة فظن بعضهم أنها تحفظ حقوقهم والبعض الآخر رأى أن لا خير في بلاد يحكمها غرباء، مرت الأيام ثقيلة بطيئة على الأهالي وفي يوم قام أبو جعفر من نومة مفزوعًا على صوت أحد حراس الحمراء يركض في الطرقات ويصرخ بكلام غير مفهوم والذي أيقظ أبو جعفر أيقظ سعد أيضًا وهو فتى من مالقة تركها بعد أن قضى عليها الحصار وأتى إلى البيازين بحثا عن عمل وحياة جديدة فعند وصوله التقى أبي منصور صاحب حمام البلدة فأرسله إلى أبي جعفر ليجد عملًا عنده فكفله أبو جعفر هو الآخر، استيقظ سعد ولم يستطع النوم من جديد وظل يفكر في ذلك الصوت الذي أيقظه حتى الضحى، رأى سعد جنودًا قشتاليين يرفعون صليبًا فضيًا كبيرًا فوق برج الحراسة ثم رفعوا علم قشتالة وصاحوا بلغة أعجمية لم يفهم منها سوى اسمي فرديناند وإيزابيلا وأطلقوا الطلقات احتفالًا، فركض سعد كالممسوس صائحًا “دخلوا الحمراء رأيتهم”.

كان أمر المعاهدة السرية بين أبي عبد الله والقشتاليين قد افتضح، فقد سلمهم مفاتيح البلاد مقابل ثلاثين ألف جنية قشتالي وضمان حقه الأبدي في أملاكه، عاش الأهالي والمرارة في حلوقهم تقضي عليهم الأفكار المُرة حول مصيرهم وهم يرون الهجرة الجماعية للأشراف وعلية القوم وهرج ومرج في البلاد وتنصر الأمراء المفاجئ.

في يوليو 1499 وصل الكاردينال خيمينيث البلاد وحاول التودد إلى الأهالي وأغدق عليهم الكثير من العطايا وأمر المنادي أن ينادي في الناس أن الكاردينال خيمينيث سوف يفرج عن حامد الثغري وهو أحد أشجع الفرسان الذين حاولوا الدفاع عن البلاد بعد المعاهدة ولكن لم يحالفه الحظ وألقوا القبض عليه وأكمل المنادي أن من يريد رؤيته عليه التوجه إلى ساحة مسجد البيازين الذي حولوه إلى كنيسة سان سيلفادور، تجمع الناس في باحة المسجد وعلى رأسهم أبو جعفر بصحبة سعد، ظهر الكاردينال وجلس في الرواق على كرسيه الفخم وأشار للحراس فأتوا برجل شديد النحول بملابس رثة مقيد اليدين والقدمين مطأطئ الرأس، فبدأت الهمهمات تتعالى والصدمة بادية على الأهالي، فأمر الكاردينال بفك قيوده وأمره بأن يقص على الناس ما رآه في الحلم ليلة أمس فتكلم الرجل بصوت متهدج ثقيل وقال أنه رأي هاتف يخبره أن الله يريده أن يتنصر ساد الصمت وجفل الناس ونظر سعد إلى أبي جعفر فوجد دموع غزيرة تغرق جبينه فحاول أن يحثه على الرحيل ولكنه أبى وبعد قليل أتى الحراس بحامد الثغري مرة أخرى بعد أن لبس ثوبًا حريريًا واغتسل، اتجه إلى الكاردينال وبدأت طقوس تعميده.

لم يفق الأهالي بعد من واقعة حامد الثغري حتى انتشر خبر أن القشتاليين يجمعون كل الكتب من المساجد والمدارس ويأخذوها إلى مكان غير معلوم، استمر الأمر طوال إسبوع حاول خلاله أيضا الأهالي الحفاظ على ما تبقى لديهم من كتب وخبأوها في أماكن بعيدة مثل الكهوف أو البيوت المهجورة وسراديب المنازل كما أخذ أبو جعفر كل الكتب التي بحوزته وخبأها في سرداب بيته في عين الدمع.

وفي يوم دخل نعيم مهرولًا على أبي جعفر صائحًا أنهم يكدسون الكتب في ساحة باب الرملة وسيحرقونها، لبس أبو جعفر مركوبة وانطلق وراء نعيم وتبعته حفيدته سليمة، اجتمع الناس في ساحة باب الرملة صامتين يشاهدون العربات التي تحمل الكتب وفوقها الحراس يلقون بالكتب والمصاحف الكبيرة على الأرض لتشكل كومة ضخمة ثم قاموا بحرقها جميعًا، كان أبو جعفر مصعوقًا من المشهد يتمزق قلبه على تراثهم الذي أصبح رمادًا.

هام أبو جعفر على وجهه مفطور القلب حزين وعقله متوقف عن التفكير ولم يعد إلى البيت إلا في نهاية اليوم ورقد في فراشة ومات، أرقد موت أبي جعفر سليمة في الفراش تعاني الحمى أيامًا كثيرة وعندما تعافت أخبرتهم أنها ستذهب لتعيش في بيت عين الدمع وإن لم يأتوا معاها ستذهب بفردها فلم يكن أمامهم سوى إطاعتها، وما إن وصلت حتى نزلت إلى السرداب وأعادت ترتيب المكان وإعداد قائمة بأسماء كل الكتب الموجودة.

توالت المصيبة تلو الأخرى على رأس أهل غرناطة فبدأت الأمور بحادثة في ساحة البنود التي تتفرع منها الطرقات حيث كانت فتاة تسير بمفردها اعترض طريقها شابان قشتاليان حاولت الهرب منهما لكنهما لحقا بها وما إن صرخت الفتاة حتى أوسعوها ضربًا وسمع الصراخ أربعة من شباب غرناطة تعرفوا على الشابين أحدهم مفوض الشرطة والآخر خادم الكاردينال فاشتبك معهما شابان وأخذ الشابان الآخران الفتاة إلى أقرب بيت، هرب مفوض الشرطة فتبعه أحد الشباب وكاد يمسك به حتى ألقى أحد على رأس مفوض الشرطة حجرًا من النافذة فمات، أفزعت الحادثة الأهالي وأغلقوا أبواب المدينة واتجه عدد من الشباب لمحاصرة قصر الكاردينال حتى تفاوض معهم الكونت تانديا وأمرهم بالعودة ووعدهم أن يأتي إليهم للمفاوضة وهددهم بإبادتهم عن آخرهم لو ظلوا على موقفهم.

وقبل طلوع الفجر نادى المنادي أن مسجد البيازين رجع مسجدًا مرة أخرى وأن من حقهم الصلاة فيه فاتجه الجميع لصلاة الفجر وبعد الصلاة بدأت المناقشات وانتهت قرب الظهر بتعيين أربعين شخص ليكونوا الحكومة المفوضة من الأهالي، وبالفعل أتى الكونت تانديا بصحبة الأسقف تالافيرا كبير الأساقفة وأعلن أنه سينقل زوجته وأولاده ليعيشوا في البيازين ليضمن الأمان للأهالي بشرط أن يعودوا إلى أعمالهم ويفتحوا الأبواب، فقبل الأهالي ولكن طالب القشتاليين بقاتل مفوض الشرطة فوعدهم القاضي بتسليمه وحدث بالفعل ولكنهم قبضوا على ثلاثة غيره وتدلت أجساد الشباب الأربعة من المشانق أمام أعين الناس، وكان واضحًا أن الضربة القادمة ستكون من حظ حكومة الأربعين فهربوا إلى جبال البشرات.

بعد موت أبو جعفر طلب سعد من أبي منصور أن يطلب له يد سليمة ووافقت وتم العرس وسط صخب الأهالي وفرحتهم، ظلت سليمة تلح على سعد أن يحكي لها عن أهله وحياته في مالقة فظل يحكي لها على مدار ثلاث ليال متواصلة، شرع يحكي عن أبيه صانع الحرير وأمه وأخته التي تصغره بأربع سنوات، حكى لها عن حصار مالقة وسقوطها وكيف كان القشتاليون يقصفون المدينة بكرات اللهب والرخام والمدافع اللمباردية وصوتها المفزع الذي يهز القلوب ويميتها واقتحامهم للمدينة وتوزيع الأجراس والصلبان على المساجد ومنعهم للآذان والصلاة، وكيف عاشوا في قحط وجوع لأيام عديدة وعندما أمر الملكين الكاثوليكيين بتوزيع حصص القمح على الأهالي كان جده قد مات جوعًا وكمدًا، حكى لها كيف سرق القشتاليون الأهالي في صورة فدية يجمعونها منهم وبعدما أخذوا كل ممتلكاتهم أخبروهم أن الفدية لم تكتمل وسيأخذون باقيتها عبيدًا منهم وأغلبهم من النساء وكانت أم سعد واحدة منهن.

تزوج حسن أخو سليمة وحفيد أبي جعفر من مريمة تلك الفتاة التي شاهدها مع أبيها في الخان يعزفون، كان أبيها يعمل منشدًا قبل دخول القشتاليون فبعد دخولهم منعوا الإنشاد نهائيًا فعمل أبوها عازفا هو وأولاده، تزوجها حسن وانتقلت مريمة إلى بيت أبي جعفر هي وصندوقها الخشبي المميز، مرت الأيام وظلت أم حسن تتبرم وتشتكي من مريمة وإهمالها العمل في البيت وجلوسها المستمر مع سليمة التي تعلمها الكتابة أو تجلسن متجاورات سليمة تقرأ ومريمة تطرز الملابس لوليدها ووليد سليمة.

كانت الحياة تمر في بيت أبي جعفر صعبة ولكنها تمر حتى وضعت سليمة مولودها فصدر أمر من الملكين الكاثوليكيين بالتنصر القسري لكافة الأهالي ومن يرفض يجبر على الرحيل من البلاد، فكان رأي حسن أنه لابد من الرحيل وبيع بيت عين الدمع فرفضت أم جعفر رفضًا قاطعًا على ترك بيتها، فقالت مريمة أن لا فائدة من الرحيل وأن الله أعلم ما في القلوب ولن يضيرهم شيء إذا تغيرت أسماؤهم أو حملوا ورقة تشهد بتنصرهم.

وقف ما تبقى من الأهالي الغير قادرين على الرحيل يتلقون قطرات التعميد الجماعي، ولكن لم يقتصر الأمر على تغيير الأسماء فقط كما قالت مريمة ولكن كانت تغير كامل لحياة وعادات وتقاليد وشرائع، وصل بهم الأمر لمنع ارتداء الملابس العربية وغطاء الرأس ولا يجوز لأي متنصر بيع أو شراء أي ممتلكات أو حتى إيواء شخص من أصل عربي، كما أمروهم بتسليم أي كتب أو مخططات يمتلكونها، ويحظر عليهم الإرث على الطريقة الإسلامية.

اتجهت سليمة لعلم الأعشاب وصناعة الأدوية والخلطات الشافية التي جعلتها محط اهتمام كل أهل البلدة وأهملت زوجها مما أساءه كثيرا فقرر سعد الرحيل وخصوصًا بعدما ضاقت عليه الحياة عندما أمر القشتاليون بإغلاق جميع الحمامات ومن ضمنها حمام أبو منصور الذي عمل فيه سعد بعد موت أبو جعفر، فقرر سعد الرحيل مع أصدقاء له للعمل مع المقاومة وانتقل للعيش معهم في الجبال.

كانت مريمة بسرعة بديهتها وحلها للأزمات بخفة وشكل غير تقليدي ومساعدتها للجيران والمعارف مصدر بهجة واطمئنان للكثيرين عادا زوجها الذي كان يخاف أن تجلب تصرفاتها تلك المشاكل للعائلة، علمت مريمة أولادها كما أراد حسن في المنزل يتحدثون العربية ويعيشون كما عاش أباؤهم أما في الخارج يتحدثون القشتالية ويتصرفون مثلهم، تواصلت الفجائع التي يقوم بها القشتاليون فشهدت البلاد الكثير من عمليات الإعدام شنقًا وحرقًا دون التفريق بين رجل أو إمرأة أو حتى طفل، حتى وصل الأمر بأن أحدهم انتزع طفل من أحضان أمه وأطعمه لكلبة أمام عينيها ومن ثم قام بقتلها هي الأخرى برصاصة أسكنت صراخها الحارق.

كان الوضع صعب أيضًا مع سعد فقد تم القبض عليه وقضى فترة طويلة في السجن يتعرض لكافة أنواع التعذيب وعندما انتهت فترة عذابه خرج منها يمشي على عكازين ويرتدي عباءة الخطائين وممنوع من العمل كذلك، فقرر سعد الرجوع للبيت ولكن ما إن فتحت أم حسن الباب ورأته حتى بدأت في النحيب الذي راعه كثيرا، وعلم بعد ذلك سببه، وأن رجال ديوان التحقيق قد أخذوا سليمة محمولة في قفة بعد أن فتشوا غرفتها وسجلوا كل ما وجدوه من أعشاب وقدور وأوراق فعلم سعد أنهم يتهمونها بممارسة السحر.

فعلًا تمت محاكمة سليمة بتهمة ممارسة السحر ويوم المحاكمة ساقوها مقيدة إلى ساحة باب الرملة وكانت تغالب نفسها لتمشي على قدميها المتورمتين جراء التعذيب، وقفت سليمة أمام قاضيها الذي حكم عليها بالإعدام حرقًا أمام أعين الجميع، وتحت وطأة نظرات الفرح في أعين القشتاليين والفزع في أعين أهلها دفعها الحراس إلى النار.

للمزيد من ملخصات الكتب

أثر تطبيق العزل الاجتماعي في مواجهة الأوبئة

أثر تطبيق العزل الاجتماعي في مواجهة الأوبئة ( الأنفلونزا الإسبانية في الولايات المتحدة نموذجًا)

إن فكرة الإبعاد (العزل) الاجتماعي ليست بجديدة، فقد ساعدت هذه الفكرة في إنقاذ الملايين من الضحايا وخاصة إذا تحدثنا عن تأثير وباء الأنفلونزا الإسبانية على الولايات المتحدة الأميريكية، ففي عام 1918م ضرب العالم وباء شديد ومهلك عُرف باسم ” الأنفلونزا الإسبانية”، وكانت الولايات المتحدة من أكثر الدول المتضررة جراء هذا الوباء، فبحلول نهاية الوباء في 1920م تسبب في هلاك ما بين 50 مليون إلى 100 مليون شخص على مستوى العالم، كان نصيب الولايات المتحدة الأميريكية من الضحايا حوالي نصف مليون شخص.

تم اكتشاف أول حالة مصابة بالأنفلونزا الإسبانية في أمريكا في ولاية كنساس في مارس من عام 1918م، ومنذ ذلك الوقت انتشر الوباء في جميع أنحاء البلاد، وفي 17 سبتمبر من نفس العام تم اكتشاف أول حالة في ولاية فيلادلفيا، وفي اليوم التالي قام مسئولي الولاية بإطلاق حملة واسعة لمقاومة السعال والعطس والبصق في الطرق العامة في الولاية في محاولة منهم لوقف انتشار الفيروس القاتل .

وبالرغم من احتمالية إنتشار الوباء في أرجاء المدينة؛ قامت الولاية باستضافة عرضٍ عسكري كبير يخدم المجهود الحربي الأمريكي في بدايات الحرب العالمية الأولى تم تنفيذه لدعم المجهود العسكري، وقد اجتمع له حوالي 200 ألف شخص متجاهلة كل التحذيرات بخصوص انتشار المرض، فزادت حالات الأنفلونزا في المدينة وارتفعت نسبتها، فبعد ثلاثة أيام من العرض كانت جميع مستشفيات فيلادلفيا البالغة آنذاك 31 مستشفى؛ لا يوجد بها سرير واحد فارغ سواء من المصابين بالأنفلونزا أو حتى ممن لقوا حتفهم داخل المستشفيات، وبحلول نهاية الأسبوع كان أكثر من 4500 شخص لقوا حتفهم نتيجة الإصابة بالمرض، حتى قرر المسئولين في 3 أكتوبر إغلاق المدارس والكنائس والمسارح وأماكن التجمعات العامة، وبعد حوالي أسبوعين فقط من اكتشاف أول حالة في الولاية، وصل عدد المصابين إلى حوالي 20 ألف حالة، ولكن كان الوقت متأخرًا ففي نهاية الشهر الأول من انتشار الوباء في فيلادلفيا توفي بها حوالي 10 آلاف شخص واستمر فيروس الأنفلونزا في الانتشار فكان من أكثر الجوائح فتكًا في التاريخ الحديث.

اليوم؛ وفي الوقت الذي يتجه العالم فيه إلى محاولة الحد من انتشار فيروس ( كوفيد 19 ) يدرس العلماء والمؤرخين أسباب تفشي وباء أنفلونزا 1918م بحثًا عن أدلة يتم من خلالها دراسة أكثر الطرق فعالية لوقف انتشار الجائحة العالمية الحالية، وبالرغم من الجهود والكبيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة خلال وباء 1918م إلا أن نتيجتها تعتبر درسًا كبيرًا لمحاربة وباء اليوم.

ومع ظهور أول حالة في ولاية سانت لويس التي تقع على بعد 900 ميل فقط من فيلادلفيا، كان الوضع مختلفًا بشكل قاطع، ففي غضون يومين فقط من اكتشاف أول حالة مُصابة بالأنفلونزا قرر مسئولي الولاية الأخيرة تطبيق العديد من إجراءات العزل الاجتماعي في الولاية كان أولها إلغاء موكبها العسكري الخاص بالولاية عكس ما قامت به فيلادلفيا، ثم قام مسئوليها بغلق الولاية على مواطنيها ومنع التجمعات العامة وغلق المدراس والملاعب والمكتبات وقاعات المحاكم والكنائس وجعلت العمل بالتناوب وطبقت الحجر الصحي المنزلي على الناس مما أبطأ من انتشار فيروس الأنفلونزا ولم تتعدى وفيات سانت لويس بنهاية الشهر الأول من ظهور الوباء عن 700 شخص، وبالنظر إلى إحصائيات وباء الأنفلونزا في الولايات المتحدة الأميريكية؛ يتضح أن معدل الوفيات في ولاية سانت لويس كان أقل من نصف معدل الوفيات في فيلادلفيا، فكان عدد الوفيات في سانت لويس 385 شخص لكل 100 ألف نسمة، بينما كان العدد في فيلادلفيا 807 وفاة لكل 100 ألف شخص  وذلك خلال الستة أشهر الأولى فقط من الوباء( وهي أكثر فترات الوباء فتكًا).

” إن التحولات الديموغرافية الدرامية في القرن الماضي جعلت من احتواء الوباء أمرًا أكثر صعوبة “

إن صعود ما يعرف الآن بفكرة العولمة والتحضر ومفهوم المدن الكبرى الأكثر كثافة يجعل من انتشار الوباء عبر قارة واحدة في بضع ساعات أمرًا سهلًا، في حين أن الأدوات المتاحة لمقاومة ذلك الانتشار كما هي تقريبًا منذ القرن الماضي، وحاليًا تعتبر إجراءات الصحة العامة هي خط الدفاع الأول ضد الوباء في غياب لقاح يمكن بواسطته القضاء على الفيروس، وتتمثل إجراءات الصحة العامة في إغلاق المدراس والمحلات التجارية والمطاعم مع وضع قيود على التنقل، وفرض العزل الاجتماعي وحظر التجمعات العامة، وبالطبع ليست كل الشعوب تمتثل لهذه الإجراءات ولكن بالمقارنة بما حدث بوباء الأنفلونزا الإسبانية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ما جعل الشعب الأمريكي يمتثل لتلك الإجراءات هو ما قام به مسئولي الصحة العامة في ولاية سان فرانسيسكو بإطلاق النار على ثلاثة أشخاص رفض أحدهم ارتداء واقي على الوجه.

وفي أيرزونا، عاقبت الشرطة المخالفين بدفع 10 دولارات لمن تم القبض عليهم بدون ارتداء الأدوات الواقية، ولكن في النهاية، إن ما أثمرته كانت تلك الإجراءات الأكثر حدة وأكثر شمولية، فبعد تنفيذ العديد من عمليات الإغلاق والضوابط العامة الصارمة على التجمعات العامة، استجابت ولايات سانت لويس وسان فرانسيسكو وميلووكي وكانساس سيتي بشكل أسرع وأكثر فعالية، تلك السرعة التي كان لها دورًا هامًا في خفض معدلات الوفيات بنسبة من 30% إلى 50% مقارنة بالولايات الأخرى، في الوقت الذي قامت فيه ولاية نيويورك بتطبيق الحجر الإلزامي الصحي مبكرًا جدًا وتقليل ساعات العمل فكانت النتيجة أن الولاية شهدت أقل نسبة معدل للوفيات في منطقة الساحل الشرقي الأميركي.

في عام 2007م، سعت دراستان في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences sought إلى فهم دور تأثير الإستجابة إلى إجراءات العزل الإجتماعي والصحي على انتشار المرض في الولايات المختلفة في العالم الجديد، وبمقارنة معدلات الوفيات والتوقيتات وتدابير الصحة العامة ؛ وجدوا أن معدلات الوفيات كانت أقل بنسبة نحو 50% في المدن التي طبقت تدابير وقائية في وقت مبكر مقابل تلك التي طبقت تلك التدابير في وقت متأخر أو تلك الولايات التي لم تطبقها من الأساس، وكانت أكبر وأكثر تلك التدابير فعالية هي اغلاق المدراس والكنائس والمسارح في وقت واحد بالاضافة إلى حظر التجمعات العامة، فقد سمح ذلك إلى توفير وقت لتطوير لقاح مقاوم للوباء بجانب رفع وتخفيف الضغط عن أنظمة الرعاية الصحية، وتوصلت الدراستان إلى إستنتاج آخر وهو : ” إن إتخاذ التدابير بشكل هادئ وبطئ يمكن أن يكون سببًا في انتكاس الولاية مرة أخرى ” فعلى سبيل المثال؛ سمحت ولاية سانت لويس بتخفيف بعض القيود المفروضة على مواطنيها بعد مرور أقل من شهرين من ظهور الوباء من المدينة مما أدى إلى ظهور موجة ثانية من الإصابات، وفي المدن التي أبقت على تلك الإجراءات دون تخفيف لم تشهد نفس الموجه سواء في الإصابات أو الوفيات.

أما في ولاية مينابوليس أقل الولايات تسجيلًا لعدد وفيات نتيجة وباء الأنفلونزا الإسبانية فقد كان سرعة تطبيق إجراءات العزل الإجتماعي سريعًا جدًا، فبعد اكتشاف أول حالة مصابة بسبب الأنفلونزا في خريف 1918م تحرك المسئولين بسرعة وبقوة أكبر وأكثر مما توقع مسئولو الصحة أنفسهم وقاموا بإغلاق المدينة على أهلها وإغلاق الكنائس والمدراس والمسارح اعتبارًا من منتصف أكتوبر من نفس العام، وبالقرب منها كانت مدينة سانت بول مفتوحة لمواطنيها حتى شهر نوفمبر من العام 1918م بسبب ثقة القادة فيها بالسيطرة على الوباء ولكن بعد ثلاثة أسابيع فقط من إعلان مينابوليس إغلاق المدينة حذت سانت بول حذوها وقررت إغلاق المدينة بشكل كامل، ورغم أن كلا المدينين قد نجتا من الوباء مقارنة بغيرهما من الولايات إلا أن خسارة الوفيات في مينابوليس كانت أقل بكثير من غيرها من الولايات.

استنتجت الدراستان أن مفتاح التغلب على الوباء في عام 1918م كان تطبيق العزل الإجتماعي، ولازال تطبيق نفس الإجراء له دورًا فعال في مواجهة وباء اليوم وبعد مرور أكثر من قرن من الزمان، يظل تطبيق العزل الاجتماعي حلًا قائمًا في مواجهة ( فيورس كوفيد19).

وكتب هانسيت أحد المشاركين في الدراستين قائلًا: ” أعتقد أن الدرس الحاسم من تحليل العمل التاريخي لأنفلونزا 1918م هو توقيت تطبيق العزل الاجتماعي ( قبل إصابة 1% من عدد السكان في الولاية )”.

يذكر عالم الأوبئة بجامعة كولومبيا ستيفن موريس من خلال تحليله للبيانات التاريخية للأوبئة :” إن البيانات التاريخية هي كنز لا يقدر بثمن، إذا استخدمناها بشكل أفضل فقد تفيدنا في وقتنا الحالي “، ولذا فقد تساعدنا دروس عام 1918 إذا تم الالتفات إليها جيدًا في مواجهة وباء اليوم.

المصادر:

  1. National Geographic
  2. The NEW York times
  3. CDC
  4. Vox
  5. Quartz

للمزيد تابع مقال: كيف بدت مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا؟

دراسات | الاقتصاد الموازي المصري: فرص ضائعة

مقدمة

يمكننا من خلال توضيح مفهوم الاقتصاد الموازي وتعريفه بأنه أي نشاط اقتصادي غير رسمي يمارسه الأفراد أو المؤسسات ولا يتم إحصائه بشكل رسمي، أي لا تعرف الأجهزة الحكومية قيمته الفعلية، ولا يدخل في حسابات الناتج القومي، وبالتالي لا يدخل في الحصيلة الضريبية ولا يخضع العاملين فيها لأي نظام اجتماعي، (الاسرج، ٢٠١٠) ملاحظة مشاكل وجود هذا النوع من الاقتصاد بل وشغله نسبة كبيرة من اقتصاد البلدان النامية. سنركز في هذا الورقة على معرفة أهم أسباب انتشار هذا الشكل من الاقتصاد، بالإضافة الي أهم ما يترتب عليه من مشاكل وسنحاول الوصول إلى أهم الحلول والخطط التي يمكن اتباعها من أجل دمج الاقتصاد غير الرسمي وتحويله إلى صورة رسمية، والاستفادة من الدخل الجاري من هذه المشاريع والذي لا يدخل في الحسابات القومية كما تم الذكر سابقًا.

مراجعة الأدبيات

أثناء مراجعة الأدبيات التي تركزت حول موضوع ورقتنا، حاولنا الإجابة عن بعض الأسئلة الرئيسية، أولها هو ما أهم سمات الإقتصاد الموازي أو الإقتصاد غير الرسمي؟ أي متي يمكننا إطلاق لفظ غير رسمي على مؤسسة ما؟

الاقتصاد الموازي المصري: فرص ضائعة

عرض حسين عبد المطلب الاسرج في ورقته البحثية “انعكاسات القطاع غير الرسمي على الاقتصاد المصري” سمات القطاع غير الرسمي، ويركز على غياب التسجيل الضريبي والسجلات الرسمية مثل السجل التجاري، السجل الصناعي، تراخيص العمل، إلخ لهذه المؤسسات، مع وجود قواعد وهياكل تنظيمية التي تنظم عملها. بالإضافة لذكره سيطرة المشاريع الفردية على القطاع غير الرسمي في مصر حيث ذكر أن ٩٢٪ من مشاريع القطاع غير الرسمي هي مشاريع فردية. (الاسرج، ٢٠١٠).

ثانيًا لماذا يظهر هذا النوع من الاقتصاد؟

يمكن اعتبار البيروقراطية اهم اسباب ظهور هذا النوع من الاقتصاد، كما ذكرت “ريم عبد الحليم” في دراستها “الاقتصاد غير الرسمي في الشركات الصغيرة والمتوسطة في مصر”، فإن البيروقراطية سمة سائدة في كل مؤسسات الدولة. (عبد الحليم،٢٠١٩). وفقا لبيانات البنك الدولي فإن الاجراءات القانونية في مصر تستهلك الكثير من المجهود والوقود وكذلك التكاليف المادية، وهو ما يجعل الاقتصاد غير الرسمي ينمو بشكل أكبر، حيث يوفر ذلك علي صاحب الشركة أو المشروع العديد من الخطوات المكلفة:

الاسم القانونيعدد الخطواتالوقت المطلوب
تسجيل الأعمال التجارية٧ خطوات٨ ايام
تصاريح البناء٢١ خطوة١٧٩ يوم
إنفاذ العقد٤٢ خطوة٢.٧ سنة
دفع ضريبة الشركات١٧ دفعة٢٢٧ ساعة

(World Bank,2014)

بالإضافة الي كفاءة النظام الضريبي في مصر الذي يعاني على مستوي التشريع ومستوي التطبيق والممارسة، فمثلا طبقا لتعديلات الدستور في يونيو ٢٠١٧، فإن أصحاب الدخل الشهري الأقل من ٦٠٠ جنيه هم فقط المعفون من الضريبة، اي المواطنين الذين وفقا لخط الفقر الدولي يعتبروا فقراء.

ثالثًا ما هو وضع الاقتصاد الموازي في مصر؟

وصلت نسبة الأنشطة غير الرسمية في مصر إلي ٣٥٪ من الناتج المحلي الكلي وذلك في الفترة ١٩٩٧- ٢٠٠٦ طبقا لدراسة أصدرها البنك الدولي، وهذه النسبة في الحقيقة تعتبر نسبة مرتفعة نظرًا لأن نفس التقرير ذكر أن متوسط هذه النسبة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كان ١٣.٥٪. (Friedrich,2010) بالإضافة الي التقرير الصادر عن البنك الدولي بعنوان (مصر: الطابع الغير الرسمي هو السائد) الصادر عام ٢٠١٣، الذي ذكر أن نسبة ٥٥٪ من العاملين في مصر بين ١٥-٦٥ عام يعملون بشكل غير رسمي.  وأخيرا تقرير البنك الأفريقي الذي ذكر أن نسبة العاملين في القطاع غير الرسمي في مصر يقدر بحوالي ٦١٪ وذلك في القطاعات غير الزراعية وفقًا لاحصاءات عام ٢٠١٣. (FDB,2016)

رابعًا ما هي أهم المشاكل الناتجة عن وجود الاقتصاد الموازي في مصر؟

تعتبر تسهيل عملية غسيل الأموال من أهم المشاكل المترتبة عن الاقتصاد الموازي، حيث أنه وسيلة يستخدمها الفرد من أجل طبع صفة الرسمية على أموال مجهولة أو مشبوهة المصدر حتى يستطيع التعامل بها بصفة رسمية من دون مسائلات قانونية.

بالإضافة الي تأثير وضع الاقتصاد الموازي على إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم المتعلقة بتسيير الأعمال، حيث لا تدخل هذه المشاريع تحت الصفة الرسمية وبالتالي لا يتم تسديد حصتها من الضرائب، مما يؤثر على إيرادات الدولة.

بالإضافة إلى تأثير هذا النشاط على سوق المنافسة حيث أن تكلفة المشاريع الرسمية تزيد مع زيادة مسؤوليتها، مثال علي ذلك ضرورة تأمينها على الموظفين، او ما تدفعه من ضرائب، وتنافس مع مشروع غير رسمي، لم يقوم بدفع نفس التكاليف وبالتالي لم يعد هناك تنافس عادل في السوق. (عباس، ٢٠١٩).

التوصيات:

بعد مناقشة مفهوم الاقتصاد الموازي، يجب مناقشة الطريقة الأمثل للتعامل مع هذه الظاهرة، وهو ما يتمثل في دمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، والذي يمكّن الدولة والسوق من الاستفادة مما يحققه القطاع غير الرسمي من خلق فرص عمل وزيادة الانتاج والنمو، وكذلك تساعد الحكومة علي تجميع البيانات السليمة، وحصد إيرادات الدولة من الضرائب التي تمثل الجزء الأكبر من الميزانية، وتمكننا من تلخيص التوصيات في النقاط الأتية:

١.  مساعدة وتيسيير دمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي:

أ. تسهيل الاجراءات، واختصار الخطوات واستخراج التصاريح اللازمة لمزاولة النشاط الاقتصادي.
ب. تعديل معدلات الضرائب المفروضة، او اعطاء هذه المنشآت مدة معقولة من الإعفاء الضريبي، يسمح للمنشآت بتحقيق معدلات من الربح لدعم نموها.
ج. مساعدة أصحاب العمل في إضفاء صفة الرسمية على العاملين عن طريق تحسين قوانين التأمينات وقوانين العمل الأخري.
د. مساعدة اصحاب المشاريع الصغيرة، عن طريق اعطائهم مزايا وفترات سماح ضريبية، وأسعار فوائد أقل، ومثال علي ذلك هي مبادرة البنك المركزي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة .
هـ.  تأسيس نقابات أو جمعيات تعاونية للعاملين في القطاع غير الرسمي.
و. زيادة دور المحليات في الرقابة على العمالة العشوائية. (عباس، ٢٠١٩).

٢. الشمول المالي:
حسب تعريف البنك المركزي المصري، فإن الشمول المالي هو أن كل فرد أو مؤسسة في المجتمع يمكنه الوصول إلى منتجات مالية مناسبة لاحتياجاته، مثل: حسابات التوفير، حسابات جارية، خدمات الدفع والتحويل، التأمين، التمويل والائتمان، إلخ، ويكون تقديم هذه الخدمات من خلال القنوات الشرعية، مثل البنوك وهيئات البريد والجمعيات الأهلية وغيرها. وذلك لضمان أن كل فئات الشعب تتمكن من إدارة أموالهم ومدخراتهم بشكل آمن وسليم لضمان عدم لجوء الأغلبية للوسائل غير الرسمية التي لا تخضع لأي رقابة واشراف.

إن أهمية الشمول المالي في دمج الاقتصاد الموازي تكمن في سهولة تعامل المشاريع والأفراد مع النظام البنكي، بالإضافة إلى بناء الثقة بين النظام البنكي والأفراد، والتي تشجعهم على التعرف على الخدمات البنكية التي يمكنهم الاستفادة منها في مشاريعهم أو حتى بشكل شخصي، وذلك يساعد على إضفاء الرسمية على معاملاتهم.

لذلك ومع زيادات معاملات الأفراد الإلكترونية والبنكية، يمكن بسهولة حثهم علي دمج أعمالهم تحت المظلة الرسمية، وذلك يشمل بالتأكيد مبادارات تمويل المشروعات والتمويل الشخصي للبنوك والتي تدعم الثقة ما بين الأفراد والنظام البنكي، وتساعد المستثمرين وتحفزهم تجاه الأعمال الرسمية. (البنا، ٢٠١٨).

قائمة المراجع:

الأسرج، ” انعكاسات القطاع غير رسمي على الاقتصاد المصري، ورقة بحثية”، وزارة الصناعة والتجارة والخارجية،٢٠١٠.
عباس، “الاقتصاد غير الرسمي في مصر: المشكلات والحلول”، المعهد المصري للدراسات، ٢٠ مارس ٢٠١٩.
عبد الحليم، ” الاقتصاد الغير رسمي في الشركات الصغيرة والمتوسطة في مصر: تعريف ومراجعة تشريعية”، مركز المشروعات الدولية الخاصة، ص١٦.
غالي، منصور، والبراوي، ” العمل غير الرسمي وأثره على الاقتصاد القومي”، وزارة المالية، الادارة المركزية للبحوث المالية والتنمية.

African Development Bank, “Addressing informality in Egypt”, Working Paper, 201.
 Schneider, Buehn, E.Montenegro,” Shadow Economics all over the world: New Estimates for 162 Countries from 1999 to 2007, Policy Research Papers, World Bank Group, July 2010.
World Bank,” Informal is the New Normal” Issues Brief No.2, December 2013.
World Bank,” Doing Business in Egypt, Washington, 2014.

بالتعاون مع Cairo Graduate Colleague

لماذا يخاف البعض من الرياضيات؟

لا يختلف اثنان على أهمية الرياضيات في حضارتنا الإنسانية، فلولاها لما قامت حضارتنا على الإطلاق، فالرياضيات تجعلنا نرى الكون بمرآة نفهم من خلالها كيف يدار، وعلى الرغم من ذلك نرى البعض يخاف من الرياضيات ويعتبرها عقبة أمامه في مراحل التعليم المختلفة، وكثيرا ما نسمع مشاعر سلبية من كره وخوف وقلق تجاه الرياضيات، لماذا يخاف البعض من الرياضيات؟ وهل هذا الأمر مبرر؟.
الخوف الذي تسببه الرياضيات حقيقة لا يستطيع المرء إنكارها، فهي حالة نفسية تجعل الشخص ينفر من رؤية المعادلات بل حتى من اسم المادة نفسها!، وهذا الأمر تنفرد به مادة الرياضيات فقط، بل أن هناك رهاب يعرف برهاب الأرقام (النّوميروفوبيا Numerophobia أو الأرِثموفوبيا Arithmophobia) وهو عبارة عن خوف غير مبرر وغير عقلاني من الأرقام، كما أن هناك من يصاب بنوع من الرهاب بسبب أرقام أو أعداد محددة مثل 13 ، 666 ، 8.
أما عن أسباب هذه المشاعر السلبية تجاه الرياضيات فتنقسم إلى سببين رئيسيين:
أولا: الوراثة
فجيناتنا لها دور في هذه المعضلة، فقد وجد مجموعة من الباحثين من جامعة ولاية أوهايو أن الخوف من الأرقام موجود في جينات البعض منا، إذ لاحظو استعداداً للقلق عند بعض الناس عند إجراء العمليات الحسابية، ولكن لا يعني هذا أن العوامل الوراثية حتمية الأثر، بل يمكن أن تزيد أو تنقص مخاطر الأداء السئ في الرياضيات.
ثانياً: البيئة
الوسط المحيط بالإنسان هو السبب الرئيس في مشاعرنا السلبية تجاه الرياضيات، فالبيئة هي المسئولة بنسبة 60% عن هذه المشاعر، بداية من الأهل الذي قد يسمع الأطفال منهم بعض العبارات عن صعوبات الرياضيات ليتلقاها الطفل ويترجمها إلى بذرة خوف تنمو معه مع الزمن، مروراً بالمعلم الذي يقدم له مادة الرياضيات بطريقة جافة ومملة، ويرى العديد من الخبراء أن الخوف من الأرقام له جذور مع تطور الحضارة الإنسانية عندما بدأ الإنسان بحفظ الوقت والتقويمات واستخدام النظم العددية فلم يعد بحاجة ملاحظة الظواهر السماوية وإنما يلجأ إلى الحسابات العددية والتسلسل الزمني وأدى هذا إلى ترسيخ حقيقة أن الوقت والأعداد أمور معقدة ومجهولة، كما أن الرهاب من أعداد أو أرقام معينة عادة ما يكون سببه جذور ثقافية أو دينية ساهم تفاعل المجتمع مع افراده إلى نموها.

ومن أجل عالم محب للرياضيات ومقدراً لأهميتها:
ـ على الكبار أن لا يزروعوا بذور الخوف من الرياضيات لأولادهم، بل يشجعوهم على التعلم والمثابرة على التعلم فعملية التعلم لأي مادة ليست سهلة أو سريعة بل تحتاج إلى وقت وجهد والرياضيات ليست نشازاً عن هذه القاعدة.
ـ على المعلم أن يوصل لطلابه أن جوهر الرياضيات في المحاولة والتجريب والخطأ، فقط لا تيأس فعندما تخطئ وتحاول مرة أخرى فأنت في الطريق الصحيح.

المصادر

sciencealert

telegraph

medicalxpress

مترجم: عالم ما بعد فيروس الكورونا للكاتب يوفال نوح حراري

عالم ما بعد فيروس الكورونا للكاتب يوفال نوح حراري يوضح فيه يوفال نوح حراري ماهية عالم ما بعد فيروس الكورونا مستعرضا تخوفاته وما نحتاجه لتشكيل عالم أفضل بدلًا من عالم منعزل شديد الرقابة يقتص من حرياتنا، فيقول:

“إن مطالبة الناس بالاختيار بين الخصوصية والصحة هو في الواقع أصل المشكلة، لأنه خيار زائف. يمكننا -وينبغي أن- نتمتع بالخصوصية والصحة معًا. يمكننا أن نختار حماية صحتنا ووقف وباء الفيروس التاجي؛ ليس عن طريق إنشاء أنظمة مراقبة استبدادية، ولكن عن طريق تمكين المواطنين.”

يوفال نوح حراري

إليكم المقال:

تواجه البشرية الآن أزمة عالمية، ربما كانت أكبر أزمة في جيلنا، ويُحتمل أن تشكّل القرارات المُتخذة خلال الأسابيع القليلة المقبلة من الشعوب والحكومات عالمنا لسنوات قادمة. لن ينحصر تأثيرها على أنظمة الرعاية الصحية فقط ولكن ستشكّل اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا. يجب علينا أن نتصرف بسرعة وحسم، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار العواقب طويلة المدى لأعمالنا. عند الاختيار بين البدائل، يجب أن نسأل أنفسنا ليس فقط عن كيفية التغلب على التهديد المباشر، ولكن أيضًا عن نوع العالم الذي سنعيش فيه بمجرد مرور العاصفة. نعم، ستمر العاصفة، وستبقى البشرية على قيد الحياة، سيظل معظمنا على قيد الحياة – لكننا سنعيش في عالم مختلف.

ستصبح العديد من تدابير واجراءات الطوارئ قصيرة الأجل من عناصر الحياة الأساسية في المستقبل. هذه هي طبيعة حالات الطوارئ، فهي تسرّع من العمليات التاريخية والقرارات التي قد تستغرق في الأوقات العادية سنوات من المداولات، ولكن تُمرر في حالات الطوارئ في غضون ساعات. يُدفَع بالتقنيات غير الناضجة وحتى الخطرة للخدمة، فمخاطر عدم القيام بأي شيء أكبر. تبدو دُوَل بأكملها كفئران في تجارب اجتماعية واسعة النطاق. ماذا قد يحدث عندما يعمل الجميع من المنزل ويتواصلون فقط عن بُعد؟ ماذا قد يحدث عندما تُقدّم كل المدارس والجامعات محتواها مباشرة على الإنترنت؟

في الأوقات العادية، لن توافق الحكومات والشركات والمجالس التعليمية على إجراء مثل هذه التجارب. لكن هذه الأوقات ليست عادية. في وقت الأزمة هذا، نواجه خيارين مهمين بشكل خاص. الخيار الأول بين المراقبة الشمولية وتمكين المواطنين. والثاني بين العزلة القومية والتضامن العالمي.

المراقبة الحيوية أو “المراقبة تحت الجلد”

من أجل وقف الوباء، يجب على جميع السكان الامتثال لإرشادات معينة. هناك طريقتان رئيسيتان لتحقيق ذلك. إحدى الطرق هي أن تراقب الحكومة الشعب، وتعاقب أولئك الذين يخالفون القواعد. اليوم، ولأول مرة في تاريخ البشرية، تتيح التكنولوجيا مراقبة الجميع طوال الوقت. قبل خمسين عامًا، لم يكن باستطاعة المخابرات السوفيتية KGB مراقبة 240 مليون مواطن سوفيتي على مدار 24 ساعة، ولا يمكن للـ KGB معالجة جميع المعلومات التي تم جمعها بشكل فعّال. اعتمدت وكالة المخابرات السوفيتية (KGB) سابقًا على عملاء ومحللين بشريين، ولم تتمكن من توظيف شخص لمراقبة كل مواطن. ولكن يمكن للحكومات الآن أن تعتمد على أجهزة استشعار وخوارزميات قوية في كل مكان بدلاً من الأشخاص.

استخدمت عدة حكومات بالفعل أدوات المراقبة الجديدة في معركتها ضد جائحة فيروس الكورونا. أبرز حالة هي الصين؛ من خلال مراقبة الهواتف الذكية للأشخاص عن كثب، والاستفادة من مئات الملايين من كاميرات التعرف على الوجوه، وإلزام الأشخاص بفحص درجة حرارة أجسامهم وحالتهم الطبية والإبلاغ عنها. لا يمكن للسلطات الصينية أن تحدد فقط حاملي الفيروس المشتبه بهم، ولكن أيضًا تتبع تحركاتهم وتتعرف على أي شخص اتصلوا به. تحذّر مجموعة من تطبيقات الهاتف المحمول المواطنين من اقترابهم من المرضى والمصابين.

لا يقتصر هذا النوع من التكنولوجيا على شرق آسيا. إذ سمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا لوكالة الأمن الإسرائيلية بنشر تكنولوجيا المراقبة المخصّصة عادة لمحاربة الإرهابيين لتعقب مرضى فيروس الكورونا المستجد. وعندما رفضت اللجنة الفرعية البرلمانية المعنية الموافقة على الإجراء، صدمها نتنياهو بـ “مرسوم الطوارئ”.

المراقبة البيومترية، يمكنك أن تجعل قضية المراقبة البيومترية بمثابة إجراء مؤقت يُتّخذ أثناء حالة الطوارئ. لكن للأسف، للتدابير المؤقتة عادة سيئة في تجاوز حالات الطوارئ

قد نتجادل بأنه لا يوجد جديد في كل هذا. ففي السنوات الأخيرة، استخدمت كل من الحكومات والشركات تقنيات أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى للتتبع والمراقبة والتلاعب بالناس. ومع ذلك، إذا لم نكن حذرين، فقد يمثل الوباء فاصلاً هامًا في تاريخ المراقبة. ليس فقط لأنها ستسمح بنشر أدوات المراقبة الجماعية في البلدان التي رفضتها حتى الآن، ولكن أكثر من ذلك لأنها تشير إلى تحوّل كبير من المراقبة “فوق الجلد” إلى “تحت الجلد” أي من المراقبة الفوقية للمراقبة الداخلية. ما نعلمه حتى الآن، هو معرفة الحكومة للروابط التي ينقرها إصبعك على شاشة هاتفك الذكي. ولكن مع اجراءات الفيروس الطارئة، يتحول الاهتمام إلى رغبة في معرفة درجة حرارة إصبعك وضغط الدم تحت الجلد.

إحدى المشاكل التي نواجهها في تشكيل موقفنا من المراقبة تكمن في عدم معرفتنا لكيفية مراقبتنا، وما قد تجلبه السنوات القادمة. تتطور تكنولوجيا المراقبة بسرعة فائقة، وما بدا أنه خيال علمي منذ 10 سنوات أصبح قديمًا اليوم. كمثال، تخيّل حكومة افتراضية تطالب بأن يرتدي كل مواطن سوارًا بيولوجيًا يراقب درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب على مدار 24 ساعة في اليوم. تُجمَع البيانات الناتجة وتُحلَّل بواسطة الخوارزميات الحكومية، وستعرف الخوارزميات أنك مريض حتى قبل أن تعرف أنت. كما ستعرف أيضًا أين كنت، ومن قابلت. يمكن تقصير سلاسل العدوى بشكل كبير، بل ويمكن كسرها تمامًا. بمقدورنا القول أن مثل هذا النظام قادر على إيقاف الوباء في غضون أيام. تبدو الأمور رائعة، أليس كذلك؟

لم تدرك أن هذا سيعطي الشرعية لنظام مراقبة جديد مرعب. إذا كنت تعلم، على سبيل المثال، أنني نقرت على رابط Fox News بدلاً من رابط CNN، فيمكن هذا أن يخبرك شيئًا عن آرائي السياسية، وربما يكشف لك عن شخصيتي “وهو ما حدث مع Cambridge analytica”. ولكن إذا تمكنت من مراقبة ما يحدث لدرجة حرارة جسدي وضغط الدم ومعدل ضربات القلب أثناء مشاهدة مقطع الفيديو، فيمكنك معرفة ما يجعلني أضحك أو أبكي، وما قد يجعلني غاضبًا حقًا.

من المهم أن نتذكر أن الغضب والفرح والملل والحب هي ظواهر بيولوجية مثل الحمى والسعال. يُمكن للتكنولوجيا نفسها التي ترصُد السعال أن تحدد الضحكات أيضًا. إذا بدأت الشركات والحكومات في جمع بياناتنا البيومترية “الحيوية” بشكل جماعي، فيمكنهم التعرف علينا بشكل أفضل بكثير مما نعرف حتى أنفسنا، ومن ثَمّ لا يمكنهم فقط التنبؤ بمشاعرنا ولكن أيضًا التلاعب بها وبيعنا أي شيء يريدونه – سواء كان ذلك منتجًا أو شخصية سياسية. ستجعل المراقبة البيومترية أساليب Cambridge Analytica تبدو وكأنها من العصر الحجري. تخيّل كوريا الشمالية في عام 2030، عندما يضطر كل مواطن إلى ارتداء سوار المراقبة البيومترية على مدار 24 ساعة في اليوم. حينها، إذا استمعت إلى خطاب القائد العظيم والتقط السوار علامات الغضب، فقد انتهت حياتك.

لن تتوقف معرفتي عند كوني خطرًا صحيًا على الآخرين، ولكن ستمتد إلى معرفتي بأي العادات تساهم في تحسين حالتي الصحية

يمكنك بالطبع أن تجعل قضية المراقبة البيومترية بمثابة إجراء مؤقت يُتّخذ أثناء حالة الطوارئ. ستزول المراقبة حالما تنتهي حالة الطوارئ. لكن للأسف، للتدابير المؤقتة عادة سيئة في تجاوز حالات الطوارئ، خاصة وأن هناك دائمًا حالة طوارئ جديدة تلوح في الأفق. على سبيل المثال، أعلنت إسرائيل، حالة الطوارئ خلال حرب الاستقلال عام 1948، والتي بررت مجموعة من الإجراءات المؤقتة مثل الرقابة على الصحافة ومصادرة الأراضي إلى اللوائح الخاصة لصنع الحلوى (أنا لا أمزح). كسبت حرب الاستقلال منذ فترة طويلة، لكنها لم تعلن أبدًا انتهاء حالة الطوارئ، وفشلت في إلغاء العديد من الإجراءات “المؤقتة” منذ عام 1948 (أُلغي مرسوم الطوارئ في عام 2011).

عندما تنخفض الإصابة بفيروس الكورونا المستجد إلى الصفر، يُمكن لبعض الحكومات المتعطشة للبيانات أن تتذرّع بحاجتها إلى إبقاء أنظمة المراقبة البيومترية في مكانها لخشيتها من حدوث موجة ثانية من الفيروس مثلاً، أو لوجود سلالة جديدة من فيروس إيبولا تتطور في وسط أفريقيا، أو لأن …. أعتقد أنك قد فهمت الفكرة. كانت هناك معركة كبيرة تدور رحاها في السنوات الأخيرة حول “حق الخصوصية”، وقد تصبح أزمة الفيروس نقطة تحوّل في المعركة. فعندما يُتاح للأشخاص الاختيار بين الخصوصية والصحة، فعادة ما يختارون الصحة.

شرطة الصابون

إن مطالبة الناس بالاختيار بين الخصوصية والصحة هو في الواقع أصل المشكلة، لأنه خيار زائف. يمكننا -وينبغي أن- نتمتع بالخصوصية والصحة معًا. يمكننا أن نختار حماية صحتنا ووقف وباء الفيروس التاجي؛ ليس عن طريق إنشاء أنظمة مراقبة استبدادية، ولكن عن طريق تمكين المواطنين. في الأسابيع الأخيرة، نظمت كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة بعض أنجح الجهود المبذولة لاحتواء وباء الفيروس التاجي. فبالرغم من استخدام هذه البلدان لبعض تطبيقات التتبع، إلا أنها اعتمدت بشكل أكبر على تكثيف اختبارات الفيروس، وعلى تقارير صادقة، وعلى التعاون المتبادَل مع جمهور تمت توعيته. المراقبة المركزية والعقوبات القاسية ليست الطريقة الوحيدة لجعل الناس يمتثلون للإرشادات المفيدة. يمكن للمواطنين إذا عرفوا الحقائق العلمية، ووثقوا في السلطات العامة وما تخبرهم به من حقائق، أن يفعلوا الشيء الصحيح حتى بدون أن يراقبهم الأخ الأكبر “تعبير من رواية 1984 يستخدم للإشارة إلى مراقبة السلطة للمواطنين بهدف توجيههم والسيطرة عليهم”. عادة ما يصبح جمهور من أصحاب الدوافع الذاتية المستنيرة أكثر قوة وفعالية بكثير من جمهور من الخاضعين لقوة الشرطة والجاهلين. ضع في اعتبارك مثال غسل الأيدي بالصابون، “هل يستوجب علينا تعيين شرطة خاصة لإجبار المواطنين على غسل أيديهم بالصابون؟”. كان هذا أحد أعظم التطورات على الإطلاق في نظافة الإنسان، إذ ينقذ ملايين الأرواح كل عام. بينما نعتبر غسل الأيدي بالصابون أمرًا مُسلّمًا به الآن، لكن لم تُكتَشف أهميته علميًا إلا في القرن التاسع عشر. في السابق، حتى الأطباء والممرضات انتقلوا من عملية جراحية إلى أخرى دون غسل أيديهم. واليوم يغسل مليارات الأشخاص أيديهم يوميًا، ليس لأنهم يخافون من شرطة الصابون، ولكن لأنهم يفهمون الحقائق. أغسل يدي بالصابون لأنني سمعت عن الفيروسات والبكتيريا، أفهم أن هذه الكائنات الدقيقة تسبب الأمراض، وأنا أعلم أن الصابون يمكن أن يزيلها. ولكن لتحقيق مثل هذا المستوى من الامتثال والتعاون، فأنت بحاجة إلى الثقة. يحتاج الناس إلى الثقة بالعلم، والثقة بالسلطات العامة، والثقة بوسائل الإعلام. على مدى السنوات القليلة الماضية، قوّض السياسيون غير المسؤولين عمدًا الثقة في العلوم والسلطات العامة ووسائل الإعلام. الآن قد يميل هؤلاء السياسيون غير المسؤولين إلى السير في الطريق السريع نحو الاستبداد، بحجة أنه لا يمكنك الوثوق في الجمهور لفعل الشيء الصحيح.

عادة، لا يمكنك إعادة بناء الثقة التي تآكلت لسنوات بين عشية وضحاها. ولكن ما نحن فيه ليس بأجواء عادية. في الأزمات، يمكن للعقول أيضًا أن تتغير بسرعة. يُمكن أن تقع في شجار مرير مع أشقائك لسنوات، ولكن بمجرد حدوث طارئ، تكتشف فجأة خزّانًا خفيًّا من الثقة والوُد، وتُهرعوا لمساعدة بعضكم البعض. لم يفت الأوان لإعادة بناء ثقة الناس في العلوم والسلطات العامة ووسائل الإعلام، بدلاً من بناء نظام مراقبة. يجب علينا بالتأكيد الاستفادة من التقنيات الجديدة أيضًا، ولكن هذه التقنيات يجب أن تُمكّن المواطنين. أنا أؤيد مراقبة درجة حرارة جسمي وضغط دمي، ولكن لا ينبغي استخدام هذه البيانات لترسيخ حكومة قوية، ولكن ينبغي أن تُمكنني هذه البيانات من اتخاذ خيارات شخصية أكثر استنارة، وكذلك تُمكنني من محاسبة الحكومة على قراراتها.

إذا تمكنت من تتبع حالتي الطبية الخاصة على مدار 24 ساعة في اليوم، فلن تتوقف معرفتي عند كوني خطرًا صحيًا على الآخرين، ولكن ستمتد إلى معرفتي بأي العادات تساهم في تحسين حالتي الصحية. وإذا تمكنت من الوصول إلى إحصاءات موثوقة حول انتشار الفيروس وتحليلها، فسأتمكن من الحكم ما تخبرني به الحكومة من حقائق وما إذا كانت تتبنى السياسات الصحيحة لمكافحة الوباء أم لا. عندما يتحدث الناس عن المراقبة، تذكّر أن نفس تكنولوجيا المراقبة يمكن للحكومات استخدامها لمراقبة الأفراد – ويمكن للأفراد أيضًا استخدامها لمراقبة الحكومات.

وبالتالي فإن وباء الفيروس التاجي هو اختبار رئيسي للمواطنة. يجب على كل منا في الأيام المقبلة أن يختار الثقة في البيانات العلمية وخبراء الرعاية الصحية مقابل نظريات المؤامرة التي لا أساس لها والسياسيين الذين يخدمون أنفسهم. إذا فشلنا في اتخاذ القرار الصحيح، فقد نجد أنفسنا نبيع أغلى حرياتنا، معتقدين أن هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية صحتنا.

نحن بحاجة إلى خطة عالمية

الخيار الثاني المهم الذي نواجهه هو بين العزلة الوطنية والتضامن العالمي. إن كلا من الوباء نفسه والأزمة الاقتصادية الناتجة عنه مشكلتان عالميتان. لا يمكن حل أي منهما بشكل فعال إلا من خلال التعاون العالمي.

أولاً وقبل كل شيء، من أجل هزيمة الفيروس، نحتاج إلى مشاركة المعلومات عالميًا. هذه هي الميزة الكبرى للبشر على الفيروسات. لا يمكن للفيروس التاجي في الصين والفيروس التاجي في الولايات المتحدة تبادل النصائح حول كيفية إصابة البشر. ولكن يمكن للصين أن تُعلم الولايات المتحدة العديد من الدروس القيّمة حول الفيروس التاجي وكيفية التعامل معه. ما يكتشفه طبيب إيطالي في ميلانو في الصباح الباكر قد ينقذ الأرواح في طهران في المساء. عندما تتردد حكومة المملكة المتحدة بين العديد من السياسات، يمكنها الحصول على المشورة من الكوريين الذين واجهوا بالفعل معضلة مماثلة قبل شهر. ولكن لكي يحدث هذا، نحتاج إلى روح من التعاون والثقة العالميين.

يجب على البلدان أن تبدي استعدادًا لتبادل المعلومات بشكل مفتوح وتواضعًا للحصول على المشورة، ويجب أن تمتلك القدرة على الثقة في البيانات والأفكار التي تتلقاها. نحتاج أيضًا إلى جهد عالمي لإنتاج وتوزيع المعدات الطبية، وعلى الأخص مجموعات الاختبار وأجهزة التنفس. فبدلاً من محاولة كل دولة القيام بذلك محليًا وتكديس أي معدات يمكنها الحصول عليها، يمكن لجهد عالمي مُنسّق أن يُسرّع الإنتاج إلى حد كبير، ويضمن توزيع المعدات المُنقِذة للحياة بشكل أكثر عدالة. مثلما تقوم الدول بتأميم الصناعات الرئيسية خلال الحرب، فقد تتطلب منا الحرب البشرية ضد الفيروس التاجي “إضفاء الطابع الإنساني” على خطوط الإنتاج الضرورية. يجب أن تستعد الدولة الغنية صاحبة العدد القليل من حالات الإصابة بالفيروس لإرسال معدات ثمينة إلى بلد فقير يعاني من كثرة الحالات، واثقة من أن الدول الأخرى ستهب لمساعدتها إذا احتاجت المساعدة لاحقًا.

حتى لو قامت الإدارة الحالية في نهاية المطاف بتغيير مسارها ووضعت خطة عمل عالمية، فإن القليل سيتّبع زعيمًا لا يتحمل المسؤولية مطلقًا، ولا يعترف أبداً بالأخطاء، ينسب كل الفضل لنفسه ويترك كل اللوم للآخرين.

قد نفكر في جهد عالمي مماثل لتجميع العاملين في المجال الطبي. يُمكن للبلدان الأقل تأثراً في الوقت الحالي أن ترسل موظفين طبيين إلى المناطق الأكثر تضرراً في العالم، من أجل مساعدتهم وقت الحاجة، ومن أجل اكتساب خبرة قيّمة. وتبدأ المساعدة في التدفق في الاتجاه المعاكس بانعكاس التحولات الوبائية لاحقًا.

هناك حاجة حيوية للتعاون العالمي على الصعيد الاقتصادي أيضًا. بالنظر إلى الطبيعة العالمية للاقتصاد وسلاسل التوريد، سنصبح أمام فوضى وأزمة عميقة إذا حاولت كل حكومة بشكل منعزل معالجة الوضع في تجاهل تام للحكومات الأخرى. نحن بحاجة إلى خطة عمل عالمية وبسرعة.

شرط آخر هو التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن السفر، فتعليق جميع الرحلات الدولية لأشهر سيتسبب في صعوبات هائلة، ويعرقل الحرب ضد فيروس كورونا. تحتاج الدول إلى التعاون من أجل السماح لعدد قليل على الأقل من المسافرين الأساسيين بمواصلة عبور الحدود مثل العلماء والأطباء والصحفيين والسياسيين ورجال الأعمال. يُمكن القيام بذلك من خلال التوصل إلى اتفاقية عالمية بشأن الفحص المسبق للمسافرين في بلدهم. ستكون أكثر استعدادًا لقبول المسافرين في بلدك إذا تأكدت من فحصهم بعناية قبل صعودهم على متن الطائرة.

في الوضع الحالي ولسوء الحظ، لا تفعل البلدان أي من هذه الأشياء. لقد أصيب المجتمع الدولي بالشلل الجماعي. أليس منكم رجل رشيد؟ كان المرء يتوقع أن يرى قبل أسابيع اجتماع طارئ للقادة العالميين للتوصل إلى خطة عمل مشتركة. تمكن قادة مجموعة السبع من تنظيم مؤتمر بالفيديو هذا الأسبوع فقط، ولم تسفر عنه أي خطة من هذا القبيل.

في الأزمات العالمية السابقة – مثل الأزمة المالية لعام 2008 ووباء إيبولا 2014 – تولت الولايات المتحدة دور القائد العالمي. لكن الإدارة الأمريكية الحالية تخلت عن منصب القائد. لقد أوضحت أنها تهتم بعظمة أمريكا أكثر من اهتمامها بمستقبل البشرية.

لقد تخلت هذه الإدارة حتى عن أقرب حلفائها، عندما حظرت جميع رحلات السفر من الاتحاد الأوروبي، ولم تكلف نفسها عناء إعطاء الاتحاد الأوروبي إشعارًا مسبق – ناهيك عن التشاور مع الاتحاد الأوروبي حول هذا الإجراء الجذري. قامت بتخريب علاقاتها مع ألمانيا عندما قدّمت مليار دولار إلى شركة دواء ألمانية لشراء حقوق احتكار لقاح جديد Covid-19. حتى لو قامت الإدارة الحالية في نهاية المطاف بتغيير مسارها ووضعت خطة عمل عالمية، فإن القليل سيتّبع زعيمًا لا يتحمل المسؤولية مطلقًا، ولا يعترف أبداً بالأخطاء، ينسب كل الفضل لنفسه ويترك كل اللوم للآخرين.

إذا لم يُملأ الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة من قبل دول أخرى، فلن تتوقف صعوبة الأمر على إيقاف الوباء الحالي فحسب، بل سيستمر إرثه في تسميم العلاقات الدولية لسنوات قادمة. ومع ذلك، فكل أزمة هي فرصة. نأمل أن يساعد الوباء الحالي البشرية على إدراك الخطر الحاد الذي يشكله الانقسام العالمي.
تحتاج البشرية إلى الاختيار. هل نسير في طريق الانقسام، أم سنتبنى طريق التضامن العالمي؟ إذا اخترنا الانقسام، فلن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد الأزمة فحسب، بل سيؤدي على الأرجح إلى كوارث أسوأ في المستقبل. إذا اخترنا التضامن العالمي، فسننتصر على الفيروس التاجي وعلى جميع الأوبئة والأزمات والتحديّات المستقبلية التي قد تهاجم البشرية في القرن الحادي والعشرين.

تُرجم عن مقال الكاتب يوفال نوح حراري في Financial Times

الأوبئة والاقتصاد في التاريخ؛ هل يختلف تأثير COVID-19 على الاقتصاد عن غيره؟

إن الأوبئة هي عامل حتمي ومؤثر في سير حلقة الاقتصاد وتطوره، فقد جعلت مظاهر الاقتصاد الكبير من شبكات التجارة المترابطة والمدن الاقتصادية الكبرى من المجتمعات موطنًا كبيرًا للثراء ولكنها أيضًا جعلتها أكثر ضعفًا في مواجهة الأوبئة، فمنذ إمبراطوريات العصور القديمة وحتى مراحل الاقتصاد العالمي الحاضر؛ يُتوقع أن يكون تأثير COVID-19 مختلفًا عما سبقه من الأوبئة والجوائح في العصور السابقة من الناحية الاقتصادية، ومع معرفة القليل من المعلومات عن تلك الفيروسات والبكتريا، فإن عدد الضحايا سيكون على مستوى مختلف عن ضحايا الأوبئة السابقة كوباء الموت الأسود أو الأنفلونزا الإسبانية، ومع ذلك؛ فإن خراب الماضي يقدم لنا بعض الدلالات حول تأثير فيورس COVID-19 على تغيير خريطة الاقتصاد العالمي.

على الرغم من التأثير المروع للأوبئة على البشر؛ إلا أن أثارها الإقتصادية ليس بنفس الدرجة من السوء على المدى الطويل، فقد قضى الموت الأسود على ثلثي سكان أوروبا وترك ندوبًا قاسية في تاريخ القارة البيضاء، ولكن في أعقابه؛ كانت المساحة المزروعة أكثر بكثير من طاقات العمال المتوفرين لزراعتها، فقد أدت قلة العمالة الزراعية نتيجة ارتفاع عدد الضحايا إلى زيادة قوة العمال وقدرتهم على المساومة على الأرض وامتلاكها من مُلاكها مما ساهم في انهيار النظام الاقتصادي الاقطاعي، ويبدو أنها كانت سببًا في أن يصبح اقتصاد أجزاء من شمال غرب أوروبا في مسار واعد ومتقدم، فقد ارتفعت الدخول الحقيقة للعمال الاوروبيين بشكل واضح بعد ذلك الوباء الذي ضرب القارة بين عامي 1347- 1351م ، وفي تلك الأوقات – فترة ما قبل العصر الصناعي –  عادة ما أدت هذه الدخول المرتفعة إلى نمو سكاني أسرع وبالتالي إلى قلة نسبة محدودي الدخل – كما لاحظ توماس مالتوس Thomas Malthus (باحث سكاني واقتصادي سياسي إنجليزي)  –  ولكن لم تكن قاعدة مالتوس هذه قابلة للتطبيق في جميع أنحاء أوروبا كلها، فلم تثبت نظريته صدقها بعد انحسار الوباء.

يناقش كل من نيكو فويقلاندرز Nico Voigtländer ( من جامعة كليفورنيا – لوس أنجلوس) وهانز جواكيم فوث Hans-Joachim Voth ( الآن بجامعة زيورخ) فكرة أن الدخل المرتفع الناتج من سنوات الطاعون أدى إلى زيادة الإنفاق على السلع المصنعة ذاتيًا داخل المدن وبالتالي أدى إلى ارتفاع مستوى التحضر فيها، لقد دفع الطاعون وبشكل فعال أجزاء من أوروبا كانت تعاني التوزان بين الأجور المنخفضة وقلة التحضر إلى مسار أكثر ملائمة لتطور اقتصادي تجاري ثم صناعي بعد ذلك.

وبالمثل؛ فقد حدث ما يشبه ذلك في أعقاب وباء الأنفلونزا الإسبانية التي قتلت ما بين 20- 100 مليون شخص خلل الفترة من 1918- 1920م، إذ لم تعد اقتصاديات الصناعة التي واكبت أوائل القرن الـ20 تلائم ما جاء به مالتوس، ومع ذلك ؛ وحسب ما يراه كل من إليزبيث بيرنرد ( جامعة برانديز ) ومارك سيغلر ( جامعة ولاية كليفورنيا ) أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أكثر الدول تضررًا من وباء الأنفلونزا الإسبانية ولكنها نمت بشكل أسرع اقتصاديًا من غيرها عقب تلك الجائحة.

في الولايات المتحدة الأميريكية، وبعد السيطرة والتحكم على مجموعة من العوامل الاقتصادية والديموغرافية وجدوا أن وفاة إضافية واحدة لكل ألف شخص ساهمت في زيادة متوسط النمو السنوي للدخل الحقيقي للفرد على مدى عقد لاحق على الأقل بنسبة 0.15 نقطة مئوية، وعلى الرغم من أن حصيلة COVID-19 من الضحايا من المرجح أن تكون قليلة جدًا لتعزيز هذه الفكرة( زيادة الأجور) إلا أنها قد تجبر الشركات على تبني تقنيات جديدة من أجل العمل في الوقت الذي ستصبح المخازن والمكاتب فارغة دون المساس بدرجات النمو والإنتاجية .

ورغم كل التحليلات التي في ظاهرها إيجابية، لا يستبعد الباحثون الأثر والتأثير الشديد لفيروس COVID-19 على الاقتصاد العالمي إذا لم يتم احتواء الوباء بشكل أسرع ، وإذا تم ذلك؛ يمكن أن لا يستمر تأثيره السلبي على الاقتصاد لفترة طويلة ، ولكن على العكس إذا لم يتم احتواءه بسرعة يمكن أن يكون قويًا بما يكفي لإغلاق بعض الشركات الكبرى مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في نسبة البطالة.

استطاعت المخاوف من انتشار فيروس كورونا في زعزعة الأسواق العالمية

وهنا يجب أن يبرز دور الحكومات وتدخلها للتخفيف من حدة الأزمات التي تسببها الأوبئة، عن طريق تقديم الأموال بشكل مباشر إلى الأسر المتضررة مع تقديم الدعم المناسب للعمال من نسبة الأموال المخصصة للطوارئ في تلك البلاد، مع استعداد نفسي لنسبة من فئة العمالة لخسارة وظائفهم، ومن خلال ما تسببه هذه الأوبئة وبشكل خاص COVID-19 من حالة عزل للدول وخاصة الولايات المتحدة فإن تأثيره على ما يمكن تسميته بالتموج الإقتصادي أمر لا مفر منه.  ومن المؤكد أن عدة قطاعات ستضرر بشكل كبير ومن أولها المتاجر والمطاعم ( التي أغلقت أبوابها تمامًا ) ومعها شكرات الطيران والسياحة بسبب القيود على السفر والتنقل، وهناك بعض الصناعات التي ستتأثر بشكل أقل وخاصة تلك الصناعات البعيدة عن المجال الطبي والذي يقتصر الضرر عليهم في قلة الطلب على صناعتهم؛ وفي ضوء ذلك تضطر البنوك إلى التساهل في سداد القروض لأن جزء من قاعدة عملائها فقد عمله.

يعتبر الكثيرون أن فيروس كوفيد 19 قد يعتبر الصدمة الاقتصادية الأسرع والأعمق في التاريخ ، فقد تأثر الاقتصاد العالمي بشكل سريع خلال ثلاثة أسابيع فقط في ظل الأزمة الحالية، فالأمر قد استغرق فقط 15 يومًا ليهبط سوق الأسهم الأميريكية بنسبة 20% وهو أسرع إنخفاض شهدته تلك السوق على الإطلاق، ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الأميريكي بنسبة سنوية تبلغ 6% ،وقد حذر وزير الخزانة الأميريكي من أن معدل البطالة قد يرتفع إلى أعلى من 20% وهو ضعف مستوى النسبة خلال الأزمة الحالية .

للمزيد حول تأثير الكورونا على الاقتصاد العالمي: ما هو تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي ؟

المصادر :

economist

.theguardian

investopedia

كيف بدت مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا ؟

كيف بدت مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا ؟

خلال خمسينيات القرن الماضي، نظم متحف نيويورك للفن الحديث معرض صور شهيرًا بعنوان “عائلة الإنسان” في أعقاب كوارث الحرب العالمية. جسدَ العرض الذي امتلئ بصور الناس احتفالاً بالنغمة الإنسانية والمرونة والرابط المشترك.

نشهد اليوم كارثة عالمية فريدة من نوعها، جعلت من تخزين المؤمن الخطوة الأولى من أجل “البقاء”. تحتمي المقاهي على طول «نافيجلي -Navigli» في ميلانو بأقفال نوافذها مع «الميلانزيين-Milanese» الذين اعتادوا على احتساء شراب «أبروس-aperos » بجوار القناة. تظهر تايمز سكوير، ومدينة لندن وميدان «الكونكورد-Concorde» في باريس كمدينة أشباح خلال فترة الذروة الصباحية.

«نافيجلي -Navigli»، ميلانو، حيث يجتمع الميلانيون في نهاية كل يوم.
باريس
نيويورك، الولايات المتحدة الامريكية.

تروي الصور الأخرى كمطار «هانيدا-Haneda» في طوكيو، ومعبد في إندونيسيا، و«أمريكانا داينر -the Americana Diner» في نيو جيرسي قصص مماثلة حيث انتشر الفراغ مثل الفيروس.

يوجياكارتا، إندونيسيا.
طوكيو، اليابان
عندما يتوقف العالم عن السفر.
نيو جيرسي، الولايات المتحدة الامريكية.


أرسلت صحيفة التايمز مؤخرًا العشرات من المصورين الفوتوغرافيين لالتقاط صور للساحات العامة المزدحمة والشواطئ وأرض المعارض والمطاعم ودور السينما ومكة المكرمة ومحطات القطار لتوثيق ما تشهده مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا .
تتبع الأماكن العامة، التي نراها اليوم أثر أصولها العائدة إلى «أغورا-Agoras» اليونان القديمة. من الصعب ترجمة كلمة “أغورا” التي قد تعني للشاعر الملحمي «هوميروس-Homer» “التجمع”. في نهاية المطاف، كان الأمر يعني ضمنيًا المربع أو المساحة المفتوحة في وسط مدينة، والذي بدونه لا يعتبر اليونانيون المدينة مدينةً على الإطلاق، بل كمجموعة متنوعة من المنازل والأضرحة.

بعد آلاف السنين، لا تزال الساحات العامة والمساحات الأخرى رائدة وجاذبة كالمغناطيس حيث نلجأ إليها من أجل المتعة والعزاء، لقياس حرارتنا المشتركة والاحتفال والاحتجاج. بعد الانتفاضات التي وقعت في ميدان «تيانانمن-Tiananmen» وميدان التحرير وميدان تقسيم وأماكن أخرى، أظهر متظاهروا السترة الصفراء في فرنسا استياءهم العام الماضي ليس عن طريق بدء صفحة «GoFundMe» ولكن عن طريق استيلائهم لمواقع عامة مثل «ساحة الجمهورية (باريس)-Place de la République» و «أوبرا باريس-Place de l’Opéra».

تم بناء هاتين الساحتين خلال القرن التاسع عشر كجزء من خطة رئيسية من قبل المسؤول الفرنسي البارون «جورج يوجين هوسمان-Georges Eugène Haussmann»، الذي أعاد تشكيل مساحات شاسعة من باريس بعد أن أقرت المدينة لوائح صحية جديدة في عام ١٨٥٠ لمكافحة المرض. أدت الفيروسات والكوارث الطبيعية الأخرى إلى جعل المدن في جميع أنحاء العالم تصمم بنية أساسية جديدة ولوائح إعادة تنظيم المناطق لضمان المزيد من الضوء والهواء، وأنتجت عنها الأماكن العامة والمباني والمواقع الأخرى بما في ذلك بعض المواقع في هذه الصور، والتي وعدت بتحسين الرفاهية المدنية وهذا يمثل آفاقًا جديدة للتطلع المدني.

برلين، المانيا.
لندن.
ميونيخ.
موسكو.

يعكس الفراغ الحالي لهذه الاماكن، الذي يعتبر ضرورة للصحة العامة (رغم مرارة الواقع) قدرتنا على التضافر من خلال الاستماع لرعاية الخبراء والبقاء بعيدًا عن التجمعات، من أجل الصالح العام. فيروس كورونا في نهاية المطاف لا ينتمي لحزب. تبدو هذه الصور مسكونة ومن الصعب نسيانها، كما في افلام الاوبئة ونهاية العالم هكذا بدت مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا ، مع إنها في نواحي أخرى تبدو متفائلة.

بكين.
كاراكاس، المقاطعة الاتحادية، فنزويلا.
لوس أنجلوس.
برشلونه
سريناغار، الهند.
بانكوك.

روما


تذكرنا هذه الصور أيضًا بأن الجمال يتطلب التفاعل البشري. أقصد أن المباني والمعارض ومحطات السكك الحديدية والمعابد الفارغة يمكن أن تبدو جميلة وساحرة بشكل غريب. تعتبر بعض هذه المواقع، مثل العديد من هذه الصور، أعمالًا فنية. أعني أن المباني والساحات والشواطئ الفارغة هي ما تميل إليه كتب تاريخ الفن وتتاجر بها إعلانات الفنادق الفخمة والمأوى اللامع ومجلات السفر. فبدا فراغها كنغمة تفوقت على وتيرة الحياة اليومية والوجود الفوضوي، حيث يبدو للبشر فراغ هذه الأماكن تجربة أقرب إلى دهشة المستكشفين السابقين الذين يأتون على بقايا حضارة مفقودة. يستحضرون الرومانسية من الأنقاض. الجمال يستلزم شيئًا آخر نمنحه، سيكون لحظة عودتنا لهذه الأماكن.

نيودلهي، الهند.
واشنطن، الولايات المتحدة الامريكية.
سول، كوريا الجنوبية.

سياتل، الولايات المتحدة الامريكية.
سان فرانسيسكو، الولايات المتحدة الامريكية.
باكستان
يانغون، ميانمار.
ساو باولو.
سيم ريب، كمبوديا.
سيدني، أستراليا.
طهران، ايران.
هونج كونك
بوغوتا، كولومبيا.

المصدر: The New York Times

اقرأ ايضا

ما هو تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي ؟

ما هو تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي ؟

مع انتشار فيروس كورونا أو مايعرف بالفيروس التاجي، انخفضت أسعار الأسهم. منذ ذروته في فبراير، انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة ١٧٪؜  وهو مؤشر سوق الأسهم الذي يتتبع أسهم ٥٠٠ شركة أمريكية ذات رؤوس أموال كبيرة. وهي تمثل أداء سوق الأسهم و يستخدمه المستثمرون كمعيار للسوق ككل، حيث تتم مقارنة جميع الاستثمارات الأخرى. أن خطر فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي أكبر بكثير من المخاطر الصحية. إذا كان الفيروس يؤثر بشكل مباشر على حياتك فمن المرجح أن يكون ذلك من خلال منعك من الذهاب إلى العمل، أو التسبب بطردك من العمل أو إفلاس عملك.

تعتبر تريليونات الدولارات التي تم مسحها من الأسواق المالية هذا الأسبوع مجرد البداية، إذا لم تتدخل حكوماتنا. وإذا استمر الرئيس «ترامب-Trump» في التعثر في تعامله مع الوضع، فقد يؤثر ذلك أيضًا على فرص إعادة انتخابه. وقد حدد «جو بايدن-Joe Biden» على وجه الخصوص فيروس كورونا على أنه ضعف لترامب، واعدًا بقيادة “ثابتة ومطمئنة” خلال ساعة الحاجة الأمريكية.

في جميع أنحاء العالم، تسبب فيروس كورونا بوفاة ٤٣٨٩ مع ٣١ حالة وفاة أمريكية حتى اليوم. لكنها سوف تشل الملايين من الناحية الاقتصادية، خاصة وأن الوباء شكل عاصفة مثالية مع انهيار سوق الأسهم، وحرب نفطية بين روسيا والمملكة العربية السعودية، وانتشار حرب فعلية في سوريا إلى أزمة مهاجرة محتملة أخرى.

يدعونا فيروس كورونا إلى النظر للوراء باعتباره اللحظة التي تعطلت فيها الخيوط التي تربط الاقتصاد العالمي؛ والشركات الناشئة والمتنامية مثل الأعمال التجارية والتي قد تنتهي بدفع الثمن.

بنفس أهمية مكافحة الفيروس إن لم يكن أكثر أهمية هو تطعيم اقتصاداتنا ضد جائحة الذعر القادم. يمكن أن تأتي المعاناة الإنسانية في شكل مرض وموت. ولكن من الممكن أيضًا تجربة عدم القدرة على دفع الفواتير أو خسارة منزلك.
تكافح الشركات الصغيرة على وجه الخصوص مع إيقاف تزويدها بالمؤن، وتركها بدون منتجات أو مواد أساسية. أدى إغلاق المصانع في الصين إلى انخفاض قياسي في مؤشر مدير المشتريات في البلاد والذي يقيس ناتج التصنيع. الصين هي أكبر مصدر في العالم ومسؤولة عن ثلث التصنيع العالمي، لذا فإن مشكلة الصين هي مشكلة الجميع حتى في خضم حرب تجارية بين البيت الأبيض و «بكين-Beijing».

كل هذا يجعل الأمر أكثر مدعاة للقلق من استمرار الحكومات في اعتبارها أزمة صحية وليست اقتصادية. لقد حان الوقت لتولى الاقتصاديون المسؤولية عن الأطباء، قبل أن ينتشر الوباء الحقيقي.

على الرغم من أن الصين تتحمل العبء الأكبر من التكلفة الاقتصادية والبشرية للفيروس، فإن الكثيرين في بكين سيشهدون بريقًا فضيًا في ضعف الاقتصاد الأمريكي، وإلهاءًا عن حروب ترامب التجارية التي بدا أنها تتصاعد دون نهاية في الأفق.

متزامنة تمامًا مع الفيروس التاجي، اندلعت حرب نفط روسية سعودية. على المدى القصير، يمكن لكل من موسكو والرياض تحمل انخفاض أسعار النفط بنسبة ٣٠٪؜ بين عشية وضحاها. لكن أعمال الغاز الصخري في أمريكا لا يمكنها ذلك حيث إن عملية التكسير الأكثر تكلفة تعني أن جزءًا كبيرًا من قطاع النفط الأمريكي لن يكون موجودًا ببساطة إذا بقيت أسعار النفط عند أدنى مستوياتها التاريخية، مما يؤدي إلى عمليات الإغلاق وفقدان الوظائف وربما حتى حالات الركود على مستوى الدولة.

دفع الرئيس ترامب من خلال التخفيضات الضريبية على الرواتب المتأخرة ومساعدة العمال لكل ساعة عمل وهي إجراءات ستساعد أصحاب العمل والموظفين على حد سواء على البقاء. في المملكة المتحدة، كشف المستشار «ريشي سوناك-Rishi Sunak» اليوم عن ميزانية مخصصة لفيروس كورونا. لكن يحتاج الجميع إلى التفكير بشكل أكبر إذا كانوا يريدون التعامل بشكل صحيح مع كيفية تغيير هذا العامل الجديد للوضع الراهن.

الأمر لا يتعلق فقط بالفيروسات التاجية وأسعار النفط أو حتى الاقتصاد العالمي. بل يمثل انعكاس لميزان القوى بين الشرق والغرب. كان مركز هذا، على مدى السنوات ال ١٠ الماضية، سوريا. بعد عقد من الصراع على الأرض، يبدو أن المواجهة تصاعدت الآن من حرب بالوكالة إلى صراع اقتصادي.

شهدت القوى العظمى الناشئة في روسيا والصين ما يعتبره الكثيرون بتدخل أمريكي في سوريا وهم يحاولون الآن تعزيز رؤيتهم لعالم متعدد الأقطاب. وبدلاً من السماح للسعودية حليفة الولايات المتحدة بقيادة أسواق النفط من خلال «كارتل أوبك-OPEC cartel»، تريد روسيا والصين إعادة تشكيل الأسواق العالمية وأرصدة القوى لصالحها.

من أجل البقاء على قيد الحياة خلال هذه التحولات، ستحتاج الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها لحماية مستقبل أعمالهم، كبيرها وصغيرها، والبحث عن فرص للاستفادة من النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وليس إنكاره. إن تجاهل هذه التغييرات التي سببها فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي سيكون أكثر ضررا من أي جائحة مرضية.

إذا استمر تفشي المرض بعد شهر نيسان (أبريل) بكثير سيكون من الصعب تجنب الركود الكامل والأسوأ من ذلك، أن أسعار الفائدة طويلة الأجل قريبة بالفعل من الصفر مما يحد بشدة من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على تعزيز الاقتصاد الأمريكي. يمكن أن تساعد السياسة المالية مثل تخفيض ضريبة الرواتب، على الرغم من أن ما يحد من الاستهلاك في هذا الوقت ليس نقص المال بل عدم الرغبة في الإنفاق.
لذا، ما إذا كانت الأسواق تبالغ في رد الفعل يعتمد على احتمال استمرار التفشي. يبدو أن الأسواق تتوقع أن يستمر تأثير الوباء لفترة أطول من شهرين. لكن القدرة على التحمل تعتمد إلى حد كبير على تدابير الاحتواء وصناع السياسات لدينا.

المصادر: Independent

CNN 

اقرأ ايضًا باحثة مصرية تطور اختبار الكورونا المستجد في جونز هوبكينز

 

ملخص رواية الحرام للكاتب يوسف إدريس

ملخص  رواية الحرام للكاتب يوسف إدريس

“لابد لكل خطيئة من خاطئة ولكل جريمة من فاعل”
يوسف إدريس، رواية الحرام
تدور أحداث الرواية  في إحدى بقاع الريف المصري شمال الدلتا في أربعينيات القرن العشرين، تبدأ الأحداث بالعثور على جثة طفل حديث الولادة تحت شجرة الصفصاف الواقعة بجانب ترعة القرية بواسطة الغفير عبد المطلب الذي ارتبك كثيرًا واضطرب تفكيره بعد أن وجد جثة الصغير ففكر في إلقائها في الترعة حتى يهرب من المسؤولية ولكن لم يحالفه الحظ فبدأ أهل العزبة بالظهور واحدًا تلو الآخر وعُرف بأمر الصغير في جميع أرجاء التفتيش وبعد فحصه جيدا تبين أنه مات مخنوقًا، ووصل الخبر إلى المأمور فكري أفندي والذي سرعان ما اتجه إلى المكان الذي وجدوا فيه الصغير، هاله المنظر ودارت به الأرض فلم يكن من المعتاد على أهل العزبة مثل هذه الحادثة التي أثرت فيهم جميعًا وزرعت الشك في قلوبهم  فمثالية أهل العزبة وعدم وقوعهم في أخطاء مثل هذه لم تكن سوى ظاهريًا فقط.
تزاحمت الأفكار في رأس فكري أفندي والشكوك وراودته الكثير من الأسئلة وكان أهمها بالتأكيد من هي أم الطفل وقاتلته، وبعد تفكير طويل من فكري أفندي توصل إلى أن الأم يجب أن تكون من عمال الترحيلة (الغرابوة) فمن غير الممكن من وجهة نظره أن يرتكب مثل هذه الجريمة أهل التفتيش وبدأ بالفعل البحث عن أم الصغير بين نساء الترحيلة.
وعمال الترحيلة أو كما يسميهم أهل التفتيش (الغرابوة) ضحية الظلم الاجتماعي والفقر والحق المهدور، هم مجموعة من الفقراء معدمي الحال ليسوا من قاطني التفتيش ولكن هم من قرى فقيرة بعيدة عن العزبة يأتي بهم فكري أفندي كل عام في موسم القطن، يعملوا في الأرض ويحصلوا على يومية بسيطة بالكاد تكفيهم، دائمًا ما كانت معاملة أهل التفتيش للترحيلة في منتهى القسوة والاحتقار بسبب أنهم غرباء عن العزبة وبسبب فقرهم الشديد وهيأتهم الرثة، وصلت بهم قسوة المعاملة لتحذير أطفالهم من الاقتراب من أطفال الترحيلة حتى لا يصابوا بالأمراض.
يسرد الكاتب حكاية واحدة من ضمن كثير من المآسي التي يعاني منها هؤلاء المساكين والتي تزامنت بدورها مع حكاية لندة بنت باشكاتب العزبة مسيحة أفندي الذي انتابه الشك في ابنته بمجرد معرفة أمر جثة الصغير لأن لندة قد تجاوزت سن الزواج بفترة تحت وطأة العادات والتقاليد فراودته الشكوك حولها إلا أنها لم تكن أم الطفل ولكنها كانت خاطئة بدورها فقد تورطت في علاقة غير مشروعة مع أحمد سلطان موظف التفتيش وفاجأت الجميع بهروبها معه وزواجهما، أما عن المأساة فكانت حكاية إمرأة فقيرة تدعى عزيزة وزوجها عبد الله الأسرة معدمة الحال التي تعيش في فقر مدقع اعتمادها الأساسي للمعيشة على مواسم الترحيلات فيذهبوا معا ويتنقلوا من عزبة إلى أخرى للحصول على اليومية التي لا تكاد تكفيهم هم وأطفالهم، واستمر حالهم شبه المستقر هذا إلى أن مرض عبد الله بالبلهارسيا وتمكنت منه حتى أصبح غير قادر على العمل نهائيًا، حملت عزيزة على عاتقها عبء الأسرة بالكامل ولم تترك زوجها في محنته حتى رفضت أن تذهب مع العمال وآثرت أن تبقى لترعى زوجها وأطفالها، كانت تعمل عند أهل القرية وتهلك نفسها بالعمل كل يوم حتى تعود بشيء لأطفالها في النهاية، استمر الحال صعبًا لا يحتمل فترة طويلة كانت عزيزة خلالها صامدة قوية لا تشتكي، حتى أسر لها زوجها برغبته في تناول البطاطا ولأنه مريض فكانت طلباته مجابة، احتارت عزيزة من أين تأتي بطلبه حتى تذكرت تلك الأرض التي تملكها أسرة في القرية وكانت مزروعة بالبطاطا فأخدت الفأس وذهبت إليها علَّها تجد جذر بطاطا منسي هنا أو هناك وبينما هي تعمل في الأرض بحثًا عن طلبها حتى فاجأها أحد أصحاب الأرض والمعروف عنه الشدة وحدة الطباع، فنهرها بشدة لتواجدها في أرضه ولكن ما إن قصت عليه سبب وجودها حتى تعاطف معها وأخذ منها الفأس وبدأ يبحث بعينه الخبيرة عن مكان معين وأعمل فيه الفأس وأخرج منه حبة بطاطا كبيرة سرت بها عزيزة، وبينما كانت تستدير لتذهب إلى زوجها لم تنتبه لوجود حفرة خلفها فزلت قدمها ووقعت في الحفرة، فنزل صاحب الأرض إلى الحفرة بحجة مساعدتها ولكنه كان ينوي على شيء آخر فقاومته هي في بادئ الأمر لكن سرعان ما استسلمت في النهاية بسبب ضعف نفسها ورغبتها مبررة عدم صراخها بحرصها على تجنب الفضيحة.
رجعت عزيزة إلى زوجها بالبطاطا التي أسعدته كثيرا وأكل منها هو والصغار، وعادت عزيزة لحياتها الشاقة التي أنستها الحادثة ولكن كان للقدر رأي آخر، ومع مرور الوقت أحست عزيزة بأعراض تشبه أعراض الحمل وسرعان ما تبددت شكوكها وأصبحت متأكدة من الكارثة التي وضعت نفسها فيها، فأنَّى لها أن تأتي بطفل وزوجها مريض! حاولت عزيزة باستماتة التخلص من الجنين لكنه أبى أن يستجيب، وكان هذا معاد مجيء فكري أفندي لأخذ العمال من أجل جمع الدودة فأصر زوجها على أن تذهب معهم وهي كذلك كانت لا ترى مفر من الذهاب.
ظلت محتفظة بسرها حتى أنها انعزلت عن الناس وعاشت معاناتها في إخفاء أمر صغيرها حتى جاء وقت الولادة فانتحت جانبًا تحت شجرة الصفصاف بعيدًا عن عمال الترحيلة ووضعت الطفل وغابت عن الوعي من شدة التعب وعندما أفاقت وجدت يدها على فم الصغير حيث أنها كانت تحاول أن تهدأ من صراخه حتى لا يسمعه أحد فمات الصغير مخنوقًا، تركته عزيزة ورجعت إلى فراشها وفي اليوم التالي ذهبت إلى العمل وكانت قوية صامدة ثابتة لدرجة أن فكري أفندي لم يكتشف أمرها أثناء المسح الذي أجراه للعثور على الفاعلة.
ظنت عزيزة أنها تخلصت من سرها الخبيث الذي كان يضنيها وأصبحت أكثر انطلاقًا وحيوية ولكن فاجأتها حمى النفاس التي أرقدتها في الفراش مريضة تهذي حتى كُشف أمرها وعلم به فكري أفندي وكل من في العزبة، فتشابكت خيوط قصة عزيزة ولندة فكلتاهما وقعت في الخطيئة ولكن لأسباب مختلفة، فعزيزة كانت ضحية الفقر وضيق الحال والظلم الاجتماعي أما لندة التي كانت تعيش ميسورة الحال فقد كانت ضحية العادات والتقاليد المتوارثة التي أضعفتها وساقتها في الطريق الخاطئة، فالخطيئة ليست مقصورة فقط على الفقراء ومعدمي الحال ولكن يمكن لأي أحد أن يقع فيها.
وكان الغريب في الأمر أن أظهر فكري أفندي الكثير من التعاطف تجاه عزيزة بعدما كان ساخطًا عليها وعلى فعلتها، أمر بإقامة عشة تحجب عنها أشعة الشمس الحارقة في مكان استقرار عمال الترحيلة وأمر كذلك بصرف يوميتها بشكل طبيعي، وكذلك تعاطف معها أهل القرية بعدما كانت محط أنظارهم على أنها مذنبة وخاطئة، تحولت مشاعرهم تجاهها إلى تعاطف وشفقة وحاولوا التخفيف عنها ومساعدتها حتى ماتت بسبب الحمى التي أصابتها، أمر فكري أفندي بإرسال جثمان عزيزة إلى قريتها حتى لا تسبب له المشاكل وكف أهل العزبة وعمال الترحيلة عن الخوض في حكايتها وانتهى موسم القطن ورجع الغرابوة إلى قراهم، وفي العام التالي عندما عادوا في موسم القطن كانت علاقتهم قد تحسنت كثيرًا مع أهل التفتيش ولم يبق من عزيزة وحكايتها سوى شجرة الصفصاف.
للمزيد من (ملخصات الكتب)

لماذا لم يقصف الحلفاء معسكر أوشفيتز ؟

لماذا لم يقصف الحلفاء معسكر أوشفيتز

تحقيق وثائقي جديد حول دور المداولات في صنع  القرار التاريخي

     في ربيع عام 1944م تلقت قوات الحلفاء معلومات استخبارية مقلقة حول الفظائع المروعة التي تحدث في معسكر أوشفيتز – بيركيناو في جنوب بولندا، وهو مكان يُعرف حتى الآن بأنه أكثر معسكرات الإبادة الوحشية التي قام بها الألمان النازيين.

     يُعد التساؤل الأكثر انتشارًا بين المؤرخين القائمين على دراسة الحرب العالمية الثانية هو؛ لماذا لم يقصف الحلفاء معسكر أوشفيتز؟، هل علم الحلفاء بما يجري في المعسكر من قتل وإبادة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، هل كان في الإمكان قصف معسكر أوشفيتز؟، وللإجابة على أول التساؤلات بخصوص علم قوات التحالف بما يجري داخل المعسكر، فإن الإجابة بالطبع هي نعم، فقد كانت إنجلترا تتابع كل التقارير الخاصة عن المعسكر من بداية تأسيسه في عام 1940م وبشكل أدق كان السير تشارلز بورتال ( رئيس سلاح الجو الملكي البريطاني) قد تسلم من حكومة بولندا المنفية في لندن أول التقارير الواردة حول المعسكر في يناير 1941م أي بعد حوالي ستة أشهر من إفتتاح المعسكر وكان التقرير يفيد بأن معسكر أوشفيتز يُعد أكثر معسكرات الاعتقال تنظيمًا وأكثرهم إنسانية حتى ذلك الوقت.

       كشف سجينان يهوديان استطاعا الهرب من المعسكر قدرًا كبيرًا حول الأهوال التي يعاني منها نزلاء المعسكر وخاصة اليهود، حينها واجه الحلفاء تحديًا وخيارًا صعبًا في ظل ما كانوا يعانوه من قلة الموارد العسكرية التي أوشكت على الإنهيار في أواخر شهور الحرب العالمية الثانية، وتمثل هذا الخير الصعب في ضرورة إتخاذ أحد الأمرين وهما: هل ينبغي توجيه ضربة حربية لضرب معسكر أوشفيتز على الرغم من وجود خطر كبير على السجناء المحاصرين فيه؟ أم أن التكلفة العسكرية والخسائر المحتملة للموارد والأرواح تحول دون تنفيذ هذا القرار الخطير في تلك الفترة التي كانت موازين القوى بين طرفي الحرب متوزانة إلى حد ما ولا تصب في مصلحة أي من الطرفين.

تلتقي مسارات القطار عند مدخل أوشفيتز أومعسكر الموت، التقطت هذه الصورة في عام 1945.

      في فيلم وثائقي جديد بعنوان ” أسرار الموت ..قصف أوشفيتز “ يبحث المؤرخون حول دور المداولات في اتخاذ القرار الخاص بضرب معسكر أوشفيتز، وهل كان يجب عليهم القيام بعمل أخلاقي لكنه غير مثمر عسكريًا أم كان يجب عليهم تركيز قوتهم العسكرية على سحق آلة الحرب النازية دون الدخول في معارك جانبية أخرى.

     ولمعرفة تفاصل القضية يجب أن نعود قليلًا إلى الوراء؛ ففي عام 1940م وبالقرب من بلدة أوشفيتز ببولندا تم إقامة معسكر لاعتقال السجناء السياسيين البولنديين، ومع تقدم الحرب العالمية الثانية زاد أعداد محتجزي هذا المعسكر حتى وصل في أغسطس من عام 1944م إلى حوالي 400 ألف سجين، كان نصفهم أو أكثر من اليهود بتقدير 205 ألف سجين، بينما كان الباقي الذي قدر عددهم بحوالي 195 ألف من غير اليهود ( البولنديين وأسرى الحرب من السوفييت وروما وغيرهم من الجماعات العرقية )، ووفقًا لمدونات متحف أوشفيز بيركناو أنه بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية كان أكثر من مليون شخص قد لقى حتفه داخل معسكر أوشفيتز.

      وفي أبريل 1944م استطاع كل من رودلف فربا وألفريد ويتلزلر وهما يهوديان كانا من سجناء المعسكر الهروب منه حاملين معهما أول شهادة عيان للفظائع التي تُرتكب فيه مثل غرف الغاز واستخدام النازيون للقتل الجماعي على نطاق واسع لا يمكن تصوره، وعلى الفور؛ تم نشر روايتهما التفصيلية على يهود سلوفاكيا تحت مسمى ” تقرير فربا وويتلزلر ” والذي عُرف لاحقًا بـ ” تقرير أوشفيتز “.

      وفي الفترة من مايو- يوليو 1944م تم إرسال نسخ من هذا التقرير إلى جهات مختلفة، منها هيئة لاجئي الحروب في سويسرا ومقر مجلس لاجئي الحروب في واشنطن العاصمة وإلى قادة قوات التحالف بما فيهم مساعد وزير الحرب الأميريكي جون ماكلوي، ومع انتشار التقرير أبدى وزير الخارجية البريطاني وينستون تشرشل قلقه الشديد منه لدرجة أنه أصدر مذكرة يوصي فيها بضرب معسكر أوشفيتز، لكن في النهاية لم تطلق رصاصة واحدة على معسكر الموت.

     وعلى الرغم من أنه كانت هناك غارات لقوات الحلفاء تستهدف مصنع الكيماويات الألماني الذي كان يقع على بعد حوالي 4 أميال فقط من معسكر أوشفيتز( 6كم) إلا أن تامي ديفيس بيدل ( أستاذ التاريخ وإستراتيجية الأمن القومي بكلية الحرب الأميريكية – كارلايل- بنسلفانيا ) يرى أنه هناك عدة عوامل دفعت الحلفاء حتى لا يكون معسكر أوشفيتز واحدًا من أهدافهم العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية.

خريطة مبدئية لغرف الغاز والمحارق في معسكر أوشفيتز من النسخة الإنجليزية لتقرير فربا وويتزلر الصادر في نوفمير 1944م.

نتيجة غير مؤكدة من قصف الحلفاء معسكر أوشفيتز :

     قال بيدل لـ Live Sceince أن أول عوامل هذا الموقف من جانب قوات الحلفاء تجاه معسكر أوشفيتز يتجلى في ما عُرف في تلك الفترة في الولايات المتحدة الأميريكية والمملكة المتحدة باسم ” معاداة السامية”، ففي خلال الحرب العالمية الثانية نجحت الدعاية النازية شديدة التأثير والفعالية في الرأي العالمي آنذاك في إتهام اليهود بأنهم يتلاعبون بآلة الحرب لدى الحلفاء، ويضيف بيدل قائلًا: ” إن السياسيين شعروا بالتوتر إذا بدا لهم أن المجهود العسكري للحلفاء في الحرب هو مجرد حرب نيابة عن اليهود ولحمايتهم من النازيين”، وفي الواقع؛ يصف مايكل بيرنباوم ( أستاذ الدراسات اليهودية في الجامعة اليهودية الأميريكية – لوس أنجلوس) أن العديد من الشخصيات في القيادة الأميريكية – اليهودية وغير اليهودية – اتفقوا على حد سواء على ضرورة الحفاظ على الدعم الشعبي لدور الولايات المتحدة في الحرب أنذاك، وأنه من أجل ذلك يجب تهميش المصالح اليهودية في تلك الظروف، وأضاف قائلًا: كان هناك خوف لديهم إذ ظن الأميريكيون أن هذه الحرب هي نيابة عن اليهود ضد الألمان ولحمايتهم ربما يقل الدعم الشعبي لصانعي القرار الأميريكيين أنذاك”.

      أضف إلى ذلك؛ كان هناك تساؤلٌ مرتبطٌ بمدى دقة قصف المعسكر جويًا، فبالرغم من أن ضباط التحالف كانت لديهم صور جوية لمعسكر أوشفيتز بالإضافة إلى تقرير أوشفيتز الذي أفاد بمعلومات مفصلة حول المباني الداخلية للمعسكر حتى يتسنى لقوات التحالف اختيار أهداف ضربة جوية تكون قليلة الخسائر في الموارد والأوراح، وبجانب تفصل هذ التقرير  كان لفرقة الـ ساندركوماندوس اليهودية دورًا كبيرًا في إمداد قوات التحالف سرًا ببعض الصور الخاصة من داخل المعسكر، وهي فرقة يهودية كانت  المسئولة بشكل إجباري عن إزالة الجثث من المحارق وحاولت أن تتمرد على إدارة السجن مستخدمة بعض المتفجرات البسيطة لكن إدارة السجن استطاعت القبض عليهم وقتل معظمهم، فقرر من تبقى من أعضاءها مساعدة قوات التحالف بإمدادها بهذه الصور السرية التي توضح تفاصيل تخطيط المعسكر داخليًا ، ومن أشهر هذه الصور هي تلك الصورة التي تم التقاطها فيي 23 أغسطس 1944م وفيها تفاصيل مهمة عن الثكنات العادية داخل المعسكر وغرف الغاز ويتضح فيها شكل الدخان المتصاعد من غرف الحرق التي اُستخدمت كمقابر جمعية لكل أعداء النازية سوء كانوا يهود أو غيرهم، ومع كل ذلك الإمدادات والعون لقوات التحالف هل كان قصف المعسكر جويًا أمرًا متاحًا.

يقول بيدل  أن دقة القصف الجوي في تلك الفترة كانت تكاد تكون مستحيلة في وقت الحرب العالمية الثانية – كما هي متاحة اليوم- وكان تنفيذ هذه الضربة الجوية سيؤدي إلى قتل سجناء أكثر بكثير مما قد يتم إنقاذهم، ويقول بيدل في نفس السياق :” كان يتطلب من قوات التحالف توجيه حوالي 220 قنبلة على كل محرقة من المحارق الأربعة الموجودة بالمعسكر للوصول إلى نتيجة تقترب من الـ 90% من دقة التصويب على كل محرقة وهذا تهور كبير، وعلاوة على ذلك؛ فإن تخصيص هذ القدر من القاذفات والقنابل لمعسكر أوشفيتز وحده قد يؤثر بشكل كبير على موارد الحلفاء العسكرية التي كان يجب أن تكون موجهة في الخطوط الأمامية للحرب، وإذا دققنا في سير أحداث الحرب العالمية الثانية بشكل جيد لعلمنا أن تأكيد انتصار الحلفاء على ألمانيا في تلك الفترة لم يكن مؤكدًا بشكل كبير يمكن معه التفريط في هذا القدر من الموارد العسكرية نظير ضرب معسكر أوشفيتز”.

    كانت الفترة التي بدأ التفكير فيها في ضرب معسكر أوشفيتز في عام 1944م واحدة من أكثر فترات الحرب العالمية حدة في القتال، حيث كانت قوات الحلفاء تسعى جاهدة لنقل قواتها وجيوشها نحو الشرق وإغلاق مواقع إطلاق الصواريخ وضرب وتعطيل القوات الجوية الألمانية.

    يضيف بيدل قائلًا: ” كان جيش التحالف غيورًا جدًا على موارده، فقد كان يقاتل من أجل حياته في عام 1944م”، ومن ناحية أخرى كان الهدف الأسمى للحلفاء في تلك الحرب هو القضاء على الألمان بغض النظر عن أي أمور أخرى يمكن أن تؤثر على تحقيق هذا الهدف.

    ومن جهة أخرى يفيد بيرنباوم أنه حتى لو قام الحلفاء بقصف أوشفيتز، فلن تكون ضربتهم بمثابة الرصاصة السحرية التي يمكن من خلالها إنقاذ الملايين من الأوراح، بالإضافة إلى أنه بحلول عام 1944م وهو الوقت الذي فكر فيه الحلفاء بإنقاذ أرواح معسكر أوشفيتز كان العديد منهم قد تم إبادته بالفعل في المحارق الخاصة بالمعسكر وأنه بحلول هذا الوقت كان الرايخ الألماني قد قتل قرابة 90% من ضحاياه في الحرب العالمية الثانية، ويدلل على هذا أنه في يناير 1945م ومع اقتراب دخول السوفيت لبولندا ومعسكر أوشفيتز أمر المسئولون النازيون بإخلاء المعسكر وإرسال من تبقى من السجناء إلى أماكن أخرى قسرًا، وعندما دخل السوفيت معسكر أوشفيتز وجدوا الآلاف من ضعاف الجسد الذين لم تسعفهم صحتهم على الانتقال إلى أماكن أخرى وبجانبهم وجد السوفيت أكوام من الجثث تركها النازيون قبل مغادرة أوشفيتز.

    برغم كل ما تم تحليله؛ ليس هناك من ينكر أن قصف أوشفيتز كان سيرسل رسالة مهمة مفادها أن هذه الفظائع الرهيبة التي يرتكبها الألمان لن تمر دون رد من قبل الحلفاء، يضيف بيدل قائلًا: ” أتمنى لو كان الحلفاء قد نفذوا قرارهم بضرب المعسكر ..كنت أتمنى أنه عندما نلقي نظرة على سجلنا الحربي ندرك مدى فظاعة ما حدث وأنه كان من الواجب ولو مجرد الإدلاء ببيان أخلاقي حول ما حدث” .

المصادر:

auschwitz

history

livescience

nationalinterest

كيف تمكن الإغريق من بناء معابدهم الضخمة بوسائل بدائية ؟

 

كيف تمكن الإغريق من بناء معابدهم الضخمة بوسائل بدائية ؟

ظهرت الرافعات في اليونان لأول مرة منذ أكثر من 2500 عام، لكن يشيرُ بحثٌ جديد لوجود آلة رفعٍ بدائية (كنوع سابق من الرافعات) كانت قيد الاستخدام قبل حوالي 4 آلاف عام.

اشتهر الإغريق القدماء بضخامة عمارتهم الحجرية التي تمكنوا من بنائها دون مساعدة معدات حديثة، ويُذكر أنهم استفادوا من الرافعة التي ربما استخدمت لأول مرة في أواخر القرن 6 ق.م.

يُعتقد بأن الاغريق قاموا برفع الكتل الحجرية الثقيلة بواسطة منحدرات أرضية أو سلالم مصنوعة من الطوب على غرار ما فعله الآشوريون والمصريون القدماء منذ قرون.

وفقاً لبحثٍ جديد نُشر في المجلة السنوية للمدرسة البريطانية في أثينا، تبين أن بناة المعابد الحجرية الأولى في تاريخ اليونان بما فيها معابد Isthmia و Corinth، قد استخدموا رافعة بدائية في وقتٍ مبكر من منتصف القرن 7 ق.م. بناءً عليه يمكن اعتبار هذه الرافعة كآلة هامة سابقة للرافعة الحالية، كانت قادرة على رفع الكتل الحجرية المنحوتة في معابد Corinth التي يتراوح وزنها بين 200 و 400 كغ.

يشير Alessandro Pierattini (الكاتب الوحيد للدراسة الحديثة من جامعة نوتردام)، بأن آلة الرفع هذه قد تم اختراعها في الأصل من قبل الكورنثيين الذين استخدموها في بناء السفن وفي إنزال التوابيت الثقيلة Sacrophagi في حفرٍ ضيقة عميقة. من ناحيةٍ تقنية لم تكن رافعة (بالمعنى المعاصر الحالي) لعدم اعتمادها على السحب والرفع بأسلوب رافعات hoists وwinches، فعوضاً عن ذلك قام الإغريق بإعادة توجيه القوة باستخدام حبلٍ مارٍ عبر إطار.

الدليل الرئيسي لهذا الادعاء يأتي من وجود أخاديد محفورة في قاعدة الأحجار المستخدمة في بناء معابد Isthmia و Corinth. إن مؤرخي الآثار والباحثين على دراية بهذه الأخاديد وقد اقترحوا تفسيرات لها بأنه قد تم استخدامها إما لربط الكتل الحجرية بآلات الرفع أو لتحريك الكتل الحجرية ضمن مقالع الحجر.

يقوم بحث Pierattini على إعادة فحص الكتل الحجرية في معابد منتصف القرن 7 ق.م في Isthmia و Corinth بتقطيعاتها الفريدة (زوجٌ من الأخاديد المتوازية) على القاعدة السفلية للحجر التي تصل إلى الجزء الجانبي منه في نهاية واحدة. يخلص الفحص إلى أن الأخاديد قد استُخدمت في الرفع لتشهد على التجربة الأولى في رفع الكتل الحجرية المعمارية في تاريخ اليونان. أوضح Pierattini باستخدامه لأحجار وحبال فعلية، بأن الأخاديد قد تؤدي وظيفة مزدوجة مما يسمح للبناءين برفع الكتل الحجرية وتثبيتها بإحكام إلى جانب مجاورتها في الحائط.

تمثل هذه المرحلة من أعمال البناء خطوة مفصلية في تطور عمارة اليونان الحجرية الضخمة، متمثلةً بانتهاء البناء بالطوب في العمارة الطينية وبالتجارب الأولى في البناء بالحجارة.

قال Pierattini مع وجود كتل حجرية ثقيلة والاحتكاك الكبير بين أسطحها، كانت تشكل معضلة في عملية البناء تطلب في وقتٍ لاحق إحداث مجموعة من الثقوب المصممة خصيصاً لاستخدام الرافعات المعدنية.

الرافعة البدائية التي تم استخدامها للمباني الضخمة

يوضح البحث بأن بناة المعابد القديمة Isthmia و Corinth كانوا يستخدمون بالفعل الرافعات لعملية التموضع الأخير للكتل الحجرية وهذا يمثل أول استخدام موثق للرافعة في العمارة اليونانية في وقت مبكر من منتصف القرن 7 ق.م أي قبل حوالي 150 عام من بدء انتشار الرافعات المطورة بالكامل (للسحب) winch crane  و ( للرفع) hoist crane وهذا الاكتشاف هو دليل آخر على الابداع الفذ للاغريق القدماء.

 

المصادر:

لمعرفة المزيد عن فنون الحضارة اليونانية تابعوا مقالنا: الفن الهلنستي (اليوناني)
إعداد: رنا قنواتي
مراجعة: بتول سيريس

تاريخ الأعداد الأولية

تاريخ الأعداد الأولية

ليس من الواضح متى بدأ البشر في التفكير بأسرار الأعداد الأولية، إذ تشير عظمة إشانغو المكتشفة في الكنغو إلى أن البشر قد فكروا في الأعداد الأولية منذ عشرين ألف عام مضى حيث تضمنت الرباعية التوأمية من الأعداد الأولية 11 و 13 و 17 و 19.

عظمة إشانغو: أقدم دليل لاستعمال الأعداد الأولية

للأعداد الأولية تاريخ طويل يبدأ من علماء الرياضيات الإغريق في مدرسة فيثاغورس، حيث كانت تمثل تلك الأعداد روح المثالية والقداسة، إذ كان العدد المثالي بالنسبة لتلك المدرسة هو العدد الذي يساوي مجموع المقسومات الصحيحة له، فعلى سبيل المثال الرقم 6 هو عدد مثالي إذ يحتوي على المقسومات 1 و 2 و 3 ومجموعها يساوي 6 على الرغم من أن الرقم 6 لا يُعتبر عدد أولي.

ومن ثم مع إقليدس في شرحه لكتابه العناصر حوالي 300 قبل الميلاد، حيث بيّن أنه إذا كان n عدد أولي فإن (2n – 1) سيكون عددًا أوليًا و2n-1(2n – 1) سيكون عددًا مثاليًا، في حين أنه كان لدى الصينيين فرضية أخرى، وهي أن n عدد أولي إذ كان (2n – 2) يقبل القسمة على n.

وضع إراتوستين في عام 200 ق.م خوارزمية تُعرف باسم غربال إراتوستين لحساب الأعداد الأولية في نطاق معين، وهي تستند إلى إيجاد مضاعفات كل الأعدد الأولية ومن ثم الأرقام المتبقية هي الأعداد الأولية.

أما عن فلسفة الرياضيات في عصورنا الحالية فتكمن في التعرف على الأنماط، وكانت هذه هي الخطوة الأولى لوصف منهجية الرياضيات المعاصرة. في بداية القرن السابع عشر أوضحت ما يعرف بنظرية فيرما أن2n + 1  هو رقم أولي إذا كانت n مرفوعة لأس 2 على سبيل المثال 1 ، 2 ، 4 ، 8 ، 16 ، … ، ولكن لاحقًا أظهر العالم أويلر أن (232 + 1) والذي يساوي 4294967297 ليس عددًا أوليًا لأنه يقبل القسمة على 641، فى حين وضع الراهب الفرنسي مارين ميرسين صيغة أخرى للأعداد الأولية2n + 1)) وn  أيضا عدد أولي فيما بعد عرف بأعداد ميرسين.

فى وسط كل هذا كان هنالك دائمًا تخمين من علماء الرياضيات يُظهر أنه على الرغم من أن الأعداد الأولية تزداد ندرةً مع زيادة الأعداد؛ إلا أنه هنالك وجود لما يُعرف بتوائم من الأعداد الأولية، وهي

ثنائية من الأعداد الأولية الفرق بينهما عددين فقط  مثل التوأم  5 و 7 و التوأم 11 و 13 والتوأم 29 و 31.

يعتمد علم التشفير على الأعداد الأولية والتي مازالت لغزاً لم يحل حتى وقتنا هذا.

 

المصادر

 

إعداد: إيمان الزميتي

مراجعة: بتول سيريس

من كورونا وسارس إلى الحمى الصفراء، ومن الطب ما قتل!

ومن الطب ما قتل!

في 7 فبراير 2020، أُعلنت وفاة الطبيب الصيني Li Wenliang إثر إصابته بفيروس COVID-19 عن عمر 33 عام. يعتبر لي ونليانغ أحد أوائل المكتشفين والمحذرين من الفيروس، مما زاد من حالة التعاطف والحزن التي سادت وسائل الإعلام الصينية والعالمية. دفعتنا تلك الحالة لاستبدال مقولة ومن الحب ما قتل إلى ومن الطب ما قتل . إذ اعتقد البعض أن وفاة لي ونليانغ بمثابة هزيمة للأنظمة الصحية العالمية أمام الفيروس، لكن لا تجري الأمور هكذا. ليست تلك المرة الأولى التي يحصد فيها أحد الأوبئة أرواح الأطباء المعالجين أو المكتشفين له. بل وكان في موت بعضهم أحيانًا علامة لانتصار ما أو خطوة ساهمت في إنقاذ الآلاف. ما نعنيه هنا أن للأمر خلفية تاريخية يجدر بنا تسليط الضوء عليها قليلًا لنتعلم منها.

الحمى الصفراء

رسم معبر عن حروب التحرير في جزر تاهيتي

داء لعين أُطلق عليه اسم “القيئ الدموي” ينتقل عبر لدغات بعض أنواع الناموس. انتشر في أفريقيا وأمريكا ويسبب الحمى والدوار والإمساك وألم مستمر في العضلات يعقبه اصفرار للجلد والعيون ونزيف لثة المصاب وجدار معدته. وتراوحت نسب وفاة المصابين بالحمى الصفراء من 20-50%. تسبب الوباء في آلاف الوفيات، لكن أشهر أحداثه كانت منذ قرنين، حين قتل حوالي 35:45 ألف جندي من قوات نابوليون المُرسلة لإيقاف ثورات التحرر في جزر هاييتي وفقًا للمؤرخ J. R. McNeill وتسببت في هزيمته. سقط من الجنود الفرنسيين ضحية لهذا المرض ضعف من سقطوا في معركة ووترلو الشهيرة. ثم استمر الوباء في الظهور والاختفاء حتى القرن العشرين دون معاملة علمية منهجية تُذكر حتى مجيئ الطبيب الأمريكي لازيار.

انتقل جيسي لازيار Jesse Lazear كعضو لجنة الحمى الصفراء إلى كوبا عام 1900 لدراسة المرض وفهم أسبابه المجهولة حينها. كان لازيار هو العضو الوحيد صاحب الخبرة بالبعوض ونقله للأمراض، فقد عمل سابقًا في مشفى جون هوبكنز في بالتيمور عام 1985 ودرس الملاريا والحمى الصفراء هناك. افترض الطبيب أن السبب الرئيسي في الإصابة هو وجود عائل حي ينقلها إلى البشر، وحينها قررت اللجنة اختبار فرضية لازيار بنفسها. سمح الطبيب لازيار لبيوض البعوض بالفقس داخل مستشفى هافانا والتغذي على دماء المصابين بالحمى الصفراء. ثم سُمح للبعوض أيضًا أن يتغذى على دماء بعض المتطوعين، فانتقلت إليهم العدوى وثبتت الفرضية. أعلنت اللجنة أن المسؤول عن الإصابة هو كائن شديد الصغر لا يمكن الإمساك به عبر فلاتر البكتيريا أي أنه أصغر من البكتيريا. شُفي الرجلان اللذان تعرضا للتجربة، ولكن يبدو أن لازيار قد عرّض نفسه أو تعرّض للدغات البعوض المصاب، ولسوء حظه لم يُشف. أصيب لازيار بالحمى الصفراء بالفعل ومات في سبتمبر عام 1900. 1

استكملت التجارب بعد وفاة الطبيب لازيار لجمع المزيد من الأدلة العلمية بعدما تأكدت اللجنة من دور البعوض في الإصابة بالمرض، فتطوعت الممرضة الأمريكية كلارا ماس Clara Maass لخوض التجربة، لكنها للأسف لم تنج لتعرضها للإصابة من البعوضة الأخطر الحاملة للمرض Aedes aegypti في 24 أغسطس 1901. قدمت تضحيات كلارا ولازيار للبشرية حينها معرفة كيفية الإصابة ونوع العائل بالتحديد، فتركزت الجهود بعدها على محاربة بعوضة Aedes aegypti وتجفيف المستنقعات أو تغطيتها، مما ترتب عليه إنخفاض معدلات الإصابة وإنقاذ آلاف البشر. 2

الممرضة كلارا ماس                                الطبيب جيسي لازيار

المتلازمة التنفسية الحادة سارس SARS

في نوفمبر 2002، توجه أحد المزارعين الصينيين إلى مستشفى فوشان ليتلقى العلاج إثر أعراض حمى وسعال وصعوبة شديدة في التنفس، ثم مات بعدها بأيام دون تشخيص واضح لسبب الوفاة. وفي نهاية الشهر ذاته، انطلقت أولى التحذيرات من كندا عبر تحليل أخبار ومواقع صينية عدة عن وجود جائحة إنفلونزا غريبة في الصين. استهدفت التحذيرات الكندية منظمة الصحة العالمية والتي طلبت بدورها معلومات من الصين في ديسمبر 2002. وبينما تحاول المنظمة الحصول على معلومات من الصين، كان أحد رجال الأعمال الأمريكيين المصابين يسافر على متن طائرة من الصين إلى سنغافورة في فبراير 2003. توقفت الطائرة في مدينة هانواي الفيتنامية، ونُقل المريض الذي ساءت حالته إلى مستشفى هانواي الفرنسي. أصيب مُعظم الطاقم الطبي الذي تعامل مع المريض بالأعراض، فدُعي عالم الميكروبات الطبيب الإيطالي كارلو أورباني لمتابعة الحالة.

كارلو أورباني

درس كارلو أورباني الطب في إيطاليا وتخصص في علم الطفيليات، ثم تطوع للعمل في أفريقيا وسافر إلى أثيوبيا عام 1987. أصبح استشاري لمنظمة الصحة العالمية بعد سنوات من مكافحة الأوبئة ودراستها. وفي 1996، انتقل إلى كمبوديا مع أسرته للعمل في مؤسسة أطباء بلا حدود، ليعود إلى إيطاليا كرئيس للفرع الإيطالي للمؤسسة. فوضته المؤسسة للحصول على جائزة نوبل التي نالتها عام 1999. ثم دُعي الطبيب كارلو أورباني في نهاية فبراير 2003 لمتابعة حالة رجل الأعمال المريض في مستشفى هانواي الفرنسي. اعتقد أطباء المستشفى أنهم أمام حالة إنفلونزا طيور شديدة، لكن كارلو بخبرته علم أنه أمام فيروس أكثر عدوانية وانتشار. أرسل كارلو تحذيراته لمنظمة الصحة العالمية ببدء إجراءات الحجر الصحي للمصابين على الفور تجاه الوباء الجديد. كما أقنع وزارة الصحة الفيتنامية ببدء إجراءات فحص المسافرين وعزل المصابين. 3

في 11 مارس 2003، دُعي الطبيب كارلو للحديث في مؤتمر طبي في تايلاند. وبينما هو في الطائرة، شعر بالحُمى والإعياء وطُلبت له الإسعاف في المطار فور وصوله. انتقل كارلو إلى مستشفى بانكوك وشُخص بالإصابة بفيروس سارس. وبعد حرب ومعاناة مع الفيروس لـ 18 يوم، توفى في 29 مارس في العناية المركزة للمستشفى بتايلاند. ساعدت توجيهات كارلو في السيطرة على انتشار الوباء في فيتنام والتعرف على فيروس سارس الجديد ليصبح هو أول من يكتشفه. كما أوصى كارلو قبل وفاته بالتبرع بخلايا رئته المصابة للأبحاث العلمية في سبيل مكافحة الفيروس الجديد، لينجح العالم في تشخيص الفيروس والحد من انتشاره.

هناك المزيد من الأمثلة، لكن بدا واضحًا الآن أن بعض التضحيات تركت بصمة لا يمكن محوها، كما تركت دروس مستفادة لأفراد المجتمع والأطقم الطبية والأنظمة الصحية لنتعلم جميعًا منها. للأسف فقد أودت تلك التضحيات بحياة صانعيها مثلما أودى الحب بحياة شاب الأصمعي الذي دعاه لقول مقولته”ومن الحب ما قتل”.

للمزيد: ماذا تعرف عن عالم الفيروسات؟

Exit mobile version