أدلة التطور: التطور السريع

هذه المقالة هي الجزء 8 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

عندما يجد معارضو التطور أنفسهم محاصرين بأدلة دامغة على التطور، يلوحون بورقتهم الأخيرة، قائلين بأن التطور غير قابل للرصد أو التجربة. ويستنتجون من إدعائهم أن التطور لا يصمد أمام منهج العلم التجريبي. وعلى الرغم من أن هذا القول هو سوء فهم لآلية عمل العلم التجريبي، فعملية الرصد لا تعني بالضرورة أن نشهد كل شيء ونراه بأعيننا، ولكننا سنتغاضى عن هذا ونقدم لهم ما يبحثون عنه. نستعرض في مقال اليوم أمثلة من التطور السريع الذي لا يتطلب ملايين الأعوام لكي نرصده، فهل سيقرّون بحقيقة التطور؟

صراصير جزيرة كاواي

على جزيرة «كاواي-Kauai» (إحدى جزر هاواي)، اعتاد أن يعيش نوع من الصراصير يعتمد ذكوره على إصدار الضجيج كنداء للإناث باستخدام أجنحته. ولكن هناك مشكلة في ذلك السلوك، إذ أن هذا الضجيج لا يجذب الإناث وحسب، ولكنه يجذب أيضًا نوعًا من الذباب، الذي يصيب الصرصور بالطفيليات الآكلة للحم، والتي بدورها تتسبب في مقتل الصرصور بعد أسبوع.

حقوق الصورة: berkeley

ولكن قلب التطور موازين هذه المعادلة، حيث ظهر نوع جديد من ذكور تلك الصراصير بأجنحة مشابهة لأجنحة الإناث التي لا تصدر ضجيجًا. فأجنحة الذكور التي تصدر ضجيجًا تحتوي على أجزاء تشبه المكشطة والأسنان، وهذا هو ما يتسبب بالضجيج. ولكن النوع الجديد يمتلك أجنحة صامتة كتلك التي تمتلكها الإناث.

ونرى هنا أن الذكور من التي تصدر ضجيجًا ستحصل على فرصة أعلى في التزاوج والتكاثر من النوع الجديد، حيث ستستطيع أن تجذب الإناث بضجيجها. ولكن هذا سيكون صحيحًا فقط في حالة عدم وجود الذباب. فالصراصير ذات الأجنحة الصامتة لن تجذب انتباه الذباب وستتكاثر في مأمن من الطفيليات الآكلة للحم.

هذا ما حدث بالفعل، ففي عام 2003، أصبحت جزيرة كاواي تعج بالصراصير الصامتة. وعلى مدى 20 جيلًا فقط، أصبحت صراصير جزيرة كاواي كلها من النوع الصامت، وهذا يعد واحدًا من أقوى أمثلة التطور السريع. [1]

«العث المفلفل-Peppered moth»

في عام 1848، تم تسجيل اكتشاف أول عثة مفلفلة سوداء، حيث كان العث الفلفل أبيض اللون. إلا أن ما كان نادرًا في عام 1848 أصبح شائعًا على مدى ال 50 سنة التالية، حيث أصبح العث الأسود يشكل نسبة 98% من العث الموجود في مدن إنجلترا، فما السبب؟

كانت إنجلترا في ذلك الوقت تمر بما يعرف ب «الثورة الصناعية-Industrial revolution»، فكانت تبني المزيد من المصانع. واستخدمت المصانع الفحم كوقود لها، وهو ما تسبب بتصاعد كميات كبيرة من الدخان الأسود. وتسبب الدخان في كسوة الأشجار باللون الأسود، وهو ما أثّر على لون العث.

اعتقد العلماء في بادئ الأمر أن العث يغير لونه ليلائم لون الأشجار، أو أن لون العث قد تغير تأثرًا بالكيماويات الموجودة في الدخان. ولكن الأبحاث تظهر أن السبب كان جينيًا، فاللون الأسود كان نتيجة لطفرة في الحمض النووي لحشرة عث واحدة. مررت تلك الحشرة الطفرة لباقي نسل هذه العثة، ولكن لماذا انتشر العث الأسود على حساب العث الأبيض؟

العث الأسود. حقوق الصورة: the university of liverpool


يرجع تفسير هذا إلى الانتخاب الطبيعي، حيث أن اللون الأبيض لم يعد يوفر التمويه الكافي للنجاة بعد تغير لون الأشجار. حصل العث الأسود على فرصة أكبر في البقاء وبالتالي التكاثر.

ويستمر تطور العث حتى اليوم، ففي آخر 50 عامًا، قل التلوث في معظم الدول الصناعية بشكل كبير. وكما تتنبأ نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي لداروين، أصبحت أعداد العث الأسود في تناقص مع نقص التلوث في الغابات. [2] ولأن قوة النظريات العلمية تكمن في قدرتها على التنبؤ، تزداد قوة نظرية التطور مع كل حالة تنبؤية ناجحة.

سحالي بود مركارو

في عام 1971، نقل بعض العلماء 5 أزواج من «سحالي الحائط الإيطالية-Italian wall lizards» من جزيرة Pod kopiste إلى جزيرة Pod Mrcaru، علمًا بأن جزيرة Pod Mrcaru كانت تحتوي على مجتمعها الخاص من السحالي. وبعد 36 عام (أي ما يُعادل 30 جيلًا من السحالي)، عاد العلماء إلى الجزيرة ليجدوها ممتلئة بالسحالي.

ليس هذا ما يثير الدهشة، وإنما التحليل الجيني لهذه السحالي الذي أظهر أنها تنحدر من ال 10 سحالي التي تركها العلماء سابقًا. حيث اختفى السحالي الأصلية الساكنة للجزيرة. وهنا تأتي المفاجأة، حيث استطاعت السحالي التي تركها العلماء تطوير صفات يتطلب تطويرها ملايين السنين في 36 عامًا فقط.

أصبحت السحالي الجديدة تتغذى على النباتات (بعد أن كان مصدر الغذاء الرئيسي لها هو الحشرات). كما امتلكت عضة أقوى، ورؤوسًا أطول وأعرض. ليس هذا وحسب، بل طوّرت ما يُعرف ب «الصمام اللفائفي الأعوري-Ileocecal valve»، وهي عضلة تفصل بين الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة لتساعد السحالي على إبطاء عملية الهضم لتحويل السليلوز الموجود في النباتات إلى أحماض دهنية متطايرة.

حقوق الصورة: google sites

كل هذا في 36 عامًا فقط! لقد كانت هذه النتائج صادمة، فهي تُبرز قوة التطور وقدرته على إحداث تغيرات كبيرة في فترات زمنية قصيرة. كما أنها من أقوى أمثلة التطور السريع. [3]

ذكرنا في هذا المقال بعض الأمثلة على التطور السريع، ونقول “بعض” لأن هذه الأمثلة ليست الوحيدة. هناك الكثير والكثير من المرات التي حدث فيها التطور في مدى زمني قصير. كتبنا مقالًا سابقًا عن أمثلة للتطور في المعامل، فأدلة التطور أكثر بكثير من أن تُحصى في مقال أو حتى كتاب. اخترنا هنا فقط أبرز الأدلة وأكثرها انتشارًا وأسهلها شرحًا وقابلية للتوضيح.

المصادر

[1] berkeley
[2] ask a biologist
[3] national geographic

مقدمة في علم الحوسبة البيولوجية

هذه المقالة هي الجزء 15 من 17 في سلسلة مقدمة في علم البيانات وتطبيقاته

علم الحوسبة البيولوجية هو تخصص تتداخل فيه البيولوجيا وعلوم الحاسب والرياضيات التطبيقية للعمل على مسائل في البيولوجيا. ويتألف من عدة فروع منها المعلوماتية الحيوية وعلم الجينوم الحاسوبي وعلم الأحياء والنمذجة الجزيئية والتنبؤ بالأمراض. 

تاريخ وركائز علم الحوسبة البيولوجية

تعود بدايات هذا العلم إلى تاريخ نشأة علم الكمبيوتر؛ حيث عالم الرياضيات البريطاني «آلان تورينج-Alan Turing» أبو الكمبيوتر. باستخدام الكمبيوتر البدائي في إدخال أنظمة من تطور الكائنات الحية في بداية سنة ١٩٥٠م قبل وفاته، وفي نفس الوقت قام بنفس التجارب مجموعة من الباحثين في المعمل القومي لأبحاث الأسلحة بمختبر لوس آلاموس بالولايات المتحدة الأمريكية. 

Alan Turing

سنة ١٩٦٠م، تطور الكمبيوتر للتعامل مع تحليل البيانات بشكل أفضل وأكثر تعمقًا والوصول إلى تركيب البروتينات. ومن هنا تم اعتبار الأحياء الحاسوبي علمًا منفصلًا، وأصبح الكمبيوتر قادرًا على تمثيل شكل ثلاثي الأبعاد لتركيب البروتينات. وبالعودة إلى ١٩٥٠م، استخدم خبراء التصنيف الكمبيوتر في عملهم وأصبح المجال أكثر تطورًا في عام ١٩٦٠م عندما تطورت هذه التقنيات للتصنيف اعتمادًا على الحمض النووي. 

سنة ١٩٨٠م، تطور علم الحوسبة البيولوجية بسبب التطور الكبير في عالم الكمبيوتر وخاصة الذكاء الاصطناعي الذي ساهم في معرفة أصل الكائنات الحية والعلاقات بينهم. وسنة ١٩٩٠م، تعرف العلماء على وظائف البروتينات، وتحليل تفاعلات البروتينات مع جزيئات أخرى إلى أن أصبح لم يعد هناك مجال بيولوجي بدون استخدام طرق علم الكمبيوتر. [1]

ما الفرق بين علم الحوسبة البيولوجية ومجالات أخرى؟

  • المعلوماتية الحيوية: يستخدم الخبراء المجالين معًا بنفس التعريف ولا يرون أهمية للتفرقة بينهما، ولكن تتضمن المعلومات الحيوية تحليل وإدارة البيانات باستخدام أدوات تساعد على تأكيد التجارب وفحصها داخل المعامل. أما الحوسبة البيولوجية فهي فرع من فروع الأحياء مثل الفيزياء الحاسوبية التي تعتبر فرع من فروع الفيزياء، والحوسبة البيولوجية فرع من فروع الأحياء طُور بواسطة الكمبيوتر. [2]
  • ومن السهل تمييزه عن البيولوجيا الحسابية: بالرغم من التداخلات إلا أن النظام القديم للبيولوجيا الحسابية يهتم بتطبيق التحليلات الرقمية على موضوعات مثل ديناميكا السكان وتطور التطبيق على الجينات. وبالأساس أن البيولوجيا الحسابية تعتمد على التحليل الرقمي، لكن الحوسبة البيولوجية تعتمد على الرياضيات المتقطعة التي تعتبر ركيزة أساسية في تطبيق الكمبيوتر في علم البيولوجيا. 
  • أما البيولوجيا النظرية تتميز عنها الحوسبة البيولوجية في التطبيق على أرض الواقع والخروج بنتيجة عملية. وتتداخل أحيانًا البيولوجيا النظرية مع البيولوجيا الحسابية ومن الممكن أن يكونوا مجالًا واحدًا. 

ما هي أنواع المشاكل التي يعمل عليها علم الحوسبة البيولوجية؟

  • تحليل جزيئات البيانات من الحمض النووي « DNA, RNA ». 
  • تحليل تركيب البروتينات ثلاثية الأبعاد والجينات. 
  • التعرف على الأمراض التي تسببها الجينات.
  • التعرف على هيكلة تطور الكائنات تاريخيًا. 
  • العمل أيضًا على البيانات غير الجينية مثل البيانات الإكلينيكية والبيانات البيئية. 

أهمية علم الحوسبة البيولوجية

  • التنبؤ بوظيفة البروتينات اعتمادًا على التركيب. 
  • التعرف على بروتينات إضافية غير معروف تسلسلها مُسبقًا. 
  • التعرف على المناطق النشطة في البروتينات باستخدام الوصف والتركيب ثلاثي الأبعاد. 
  • تصميم الأدوية اعتمادًا على الرؤية الواضحة في التعرف على البروتين. 
  • ابتكار طرق علاجية من خلال التعرف على الجينات وسلوكياتها فيما يعرف ب «Personalized Medicine – الطب الشخصي».  [3]

كيف تغيرت أوضاع علم الحوسبة البيولوجية؟

  • في البحث العلمي: انتشرت الأبحاث عن تسلسل الأحماض النووية والبروتينات في ال ٥ سنوات السابقة ٥ أضعاف؛ فزاد الاحتياج بشكل كبير إلى محللي بيانات بخبرة في الكمبيوتر. وازداد الاتجاه من مجرد تحليل البيانات وابتكار خوارزميات إلى التعمق في البيولوجيا والأمراض مثل أمراض السرطان.
  • التغير البيئي وانتشار عدد كبير من الأمراض مما أدى إلى انتشار المراكز البحثية المتخصصة على سبيل المثال مجال الخلايا الجذعية، حيث كان يعمل به سابقًا علماء من أقسام الجلدية والمخ والأعصاب، ولكن أصبح الآن لعلماء الحوسبة البيولوجية دورًا كبيرًا في هذه المراكز.
  • أصبح تخليق البيانات جزءًا مهمًا، حيث ركز العلماء السابقون على البيانات المتاحة، ولكن بعد ظهور القدرة على تخليق البيانات وانتشار أكبر قدر من البيانات أصبحت الفرص أفضل. 
  • فحص البيانات: لم يعد الوضع متعلقًا بفرضية معينة وإثباتها كما يقوم العديد من العلماء، ولكن تطور الوضع بالفحص المتعمق في البيانات واكتشاف طفرة جديدة أو قصة جديدة غير متوقعة. [4]

ما هي أهم الخوارزميات في الحوسبة البيولوجية؟

  •  «Global Matching»: استغلال معرفتنا ببروتينات كائن معين لفهم أكثر عدد من البروتينات في الكائنات الأخرى عن طريق محاولة مطابقتها. 
  • «Hidden Markov model»: استخدام بديل للاحتمالية بمعنى أن نطلق جين وبعدها ننتقل للحالة التي تليها، وهذه الحالة يوجد احتمال أن تساوي الأصلية. 
  • «population genetics»: محاولة مماثلة ما يحدث في موقع ما بمواقع أخرى. 
  • «Population tree»: لتوضيح المسافات بين الأنواع المختلفة في حالة دراسة تطور الكائنات الحية. 
  • «gene regulation networks»: النظر في التفاعلات بين البروتينات المختلفة في كائن حي قد يحدد نوع الخلية. 

الأعمال المتوفرة في الحوسبة البيولوجية

  1. ضمن العمل الحكومي لتحليل البيانات الضخمة المتاحة للأبحاث المستخدمة في الطب والدواء والجينات وانتشار الأمراض. 
  2. عالم أبحاث مع تقدم منظومة الشركات الصيدلانية والشركات العالمية في تفاعلات الأدوية وتطوير برامج تحليلية قوية. 
  3. التدريس في الجامعات في الدراسات العليا والأبحاث على الجينات وتحليلها وفحص البيانات. [6]

الأماكن المتاحة للعمل دائمًا

  1. المعدات والأجهزة الطبية. 
  2. الأبحاث.
  3. الكيماويات الزراعية. 
  4. المستحضرات الصيدلانية.
  5. معاهد الصحة. [6]

المهارات

  • البرمجة مثل بايثون وجالاكسي 
  • أدوات المعلوماتية الحيوية مثل (Bio-edit) والخوارزميات. 
  • قواعد البيانات مثل (sql) بالإضافة إلى تنظيف البيانات ورسم البيانات. 
  • فهم البيولوجيا والصبر والمرونة.

المصادر

[1] Britannica
[2] Cornell cals
[3] NCBI
[4] Genome Biology
[5] towards data science
[6] BioTecNika Times

علم البيانات الجينية

هذه المقالة هي الجزء 14 من 17 في سلسلة مقدمة في علم البيانات وتطبيقاته

علم الجينوم هو أحد فروع علم الوراثة المتعلق بدراسة الجينوم، أي كامل المادة الوراثية داخل مختلف الكائنات الحية. وتتطابق الجينات بين كل الأفراد بنسبة ٩٩,٩٪ وتختلف في نسبة قليلة تجعل كل شخص فريدًا من نوعه. وجينات البشر تكون أقرب ما يمكن إلى حيوان الشمبانزي. علم البيانات الجينية هو علم يجمع بين البيولوجيا والإحصاء والكمبيوتر من أجل تمكين الباحثين من استخدام التقدم التكنولوجي في الكمبيوتر والإحصاء لاستكشاف المعلومات والوظائف الخاصة بالجينات.

حجم البيانات الجينية

قد تساعد الأبحاث الجينية في وجود من ٢ – ٤٠ إكسابايت من البيانات الجينية في العقد المقبل، وإكسابايت يساوي ١ مليون تيرابايت. وتصل كمية البيانات المتاحة حاليًا سنويا من ٢ – ٤٠ مليار جيجابايت، ويستغلها العلماء أفضل استغلال في الدراسة من أجل صحة الإنسان والأمراض. ولكن من الواجب أن يكون هناك أخلاقيات وقواعد تحكم للحفاظ على خصوصيات الأشخاص؛ حيث كل جين مرتبط بشخص يعبر عن العديد من الأشياء بالنسبة إليه. 

إذا أردت أن تتعلم علم البيانات الجينية، عليك بدراسة قوية في البيولوجيا والكمبيوتر والإحصاء. ولا يشترط أن تكون ملمًا بكل كبيرة وصغيرة في المجالات الثلاثة، ولكن على الأقل أن تكون حاصلًا على دراسة قوية في مجال منها وملمًا بما تحتاج إليه في مجال آخر، وبعدها قد تصل إلى راتب بمعدل ١١٠ ألف دولار سنويًا.

بداية علم البيانات الجينية

بدأ علم البيانات الجينية كمجال بحث ودراسة سنة ١٩٩٠م عن طريق الدمج بين:

  • استخلاص التسلسل الجيني من دراسة جينات الكائنات الحية. 
  • تحليل البيانات باستخدام الإحصاء والكمبيوتر في تحليل ورسم البيانات الجينية، وتتضمن الحصول على البيانات وتخزينها واستخدام الخوارزميات لتحليل البيانات الجينية للأشخاص. [2]

علم البيانات الجينية يُعتبر من البيانات الضخمة

كل خلية في جسم الإنسان تحتوي على نسختين من الجينات كاملة، يتكون جسم الإنسان من ترليونات الخلايا. البيانات الجينية لشخص واحد من الممكن أن تشكل ٢٠٠ جيجا بايت. وسنحتاج إلى تقريبًا ٤٠ إكسابايت لتخزين التسلسل الجيني عالميًا بحلول عام ٢٠٢٥م،  بما يعادل تقريبًا مليون قرص مدمج. ونظرًا لوجود هذا الكم الهائل من البيانات الجينية اعتبر هذا المجال من مجال البيانات الضخمة. 

كيف يدرس العلماء العلوم البيانات الجينية؟

يخترع العلماء أدوات تسهل دراسة الجينات اعتمادًا على التطور التكنولوجي في الكمبيوتر والإحصاء، من أهم هذه الأدوات:

  • أداة « aligners » لتحديد أين تقع كل قطعة من الترتيب الجيني للحمض النووي. 
  • أداة « Variant Callers » تتعرف على الأماكن المختلفة في التسلسل الجيني عن باقي التسلسلات الجينية العادية، هذه الاختلافات الجينية تختلف أحجامها فقد تكون حرف واحد من الحمض النووي في ما يعرف ب «single neuclotide polymorphism »، وقد تكون حروف متعددة وتعرف بإسم «Structural Variants». 

قد تكون هذه التغيرات بدون أخطار، وقد تكون سببًا لمشاكل وراثية نادرة كالسرطان أو أمراض أخرى شائعة. [1]

كيف يدير ويخزن الباحثون هذه الكمية الضخمة من البيانات؟

  1. استخدام برامج وأدوات الكمبيوتر والإحصاء. 
  2. اعتبار مراكز تحليل البيانات جزءًا أساسيًا من العمل. 
  3. دعم مالي كبير من المعاهد العلمية على سبيل المثال « NHGRI – المعهد الوطني لبحوث الجينوم البشري»، والذي بدوره يوفر أكثر من ١٢٥ مليون دولار سنويًا لدعم علم البيانات الجينية.
  4. جعل البيانات مفتوحة المصدر في المجتمع العلمي لتسهيل تحليل البيانات وتنظيم أفضل لها. 
  5. تقديم سُبل تعاون أفضل بين بعض المراكز الخاصة والتجارية والمعاهد الحكومية على سبيل المثال، المعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة من أجل توفير تخزين واستضافة البيانات بشكل أفضل وتعزيز الخصوصية. 

أخلاقيات مشاركة البيانات الجينية

  • معرفة المريض بمشاركة البيانات الجينية الخاصة به وإعطاءه معلومات واضحة عن  مدى درجة الخصوصية. 
  • عدم التعريف بالشخص مالك الجينات إلا في حالات الكشف عن المجرمين. 

كيف يتشارك الباحثون البيانات الجينية؟

يقسم العلماء مصادر البيانات الجينية إلى ٣ أنواع:

  1. مفتوحة المصدر: وهي النوع الأكثر انتشارًا، وتكون البيانات متاحة للعامة لأهداف بحثية. 
  2. تحتاج إلى تسجيل: يستطيع أن يصل إليها الباحثون، ولكن بعد تسجيل معلوماتهم وأعمالهم مع البيانات للموافقة. لذلك هي بين المفتوحه والمغلقة. 
  3. مغلقة المصدر: عرض الطلب على لجنة وقد توافق عليه لغرض البحث أو لا توافق، ولكن يظل الباحثون فقط هم الذين لديهم القدرة على الوصول إلى هذه البيانات. [1]

أهم المجالات المرتبطة بعلم البيانات الجينية

يحاول العلماء والباحثون اختراع أدوات تتعرف على الاختلافات في التسلسل الجيني وربطها بالمعلومات الطبية مثل:

  • اكتشاف عوامل خطورة لمرضٍ ما. 
  • استخدام جديد لدواء معين.
  • استخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لتطوير البيانات الجينية للأغراض الإكلينيكية.

فما هو الاختلاف الجيني؟

يمتلك كل شخص ٦ مليار جين ويوجد اختلافات بسيطة بين الأفراد، بعض الاختلافات من الممكن أن تكون عامل خطورة لمرض معين وبعضها يقلل خطر مرضٍ ما وهناك ما ليس لها تأثير. 

وتنقسم هذه الأمراض الجينية  إلى نوعين:

  •  نوع مرتبط بتغير جين واحد على سبيل المثال « Cystic Fibrosis – التليف الكيسي » وهو اضطراب وراثي يسبب تلفًا شديدًا في الرئتين والجهاز الهضمي والأعضاء الأخرى في الجسم. ويحدث بسبب اختلاف في الجين الذي يعمل على تشفر بروتين منظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي (CFTR)
https://www.genome.gov/Health/Genomics-and-Medicine/Polygenic-risk-scoresالتليف الكيسي جينيًا
  • نوع مرتبط باختلافات جينية كثيرة بالإضافة إلى عوامل بيئية مثل نظام الغذاء والنوم والضغط والتوتر والتدخين. وتصل هذه الاختلافات الجينية مثلًا إلى ٦٠ جين تقريبًا مختلف كما في الأشخاص المصابين بمرض تصلب الشريان التاجي. [3]
https://www.genome.gov/Health/Genomics-and-Medicine/Polygenic-risk-scores

«Polygenic Risk Score – درجة مخاطر الاختلافات الجينية المتعددة» 

يفحص العلماء كل الاختلافات الجينية في شخص ما ثم يسجلوا هذه المعلومات على الكمبيوتر، وباستخدام برامج الإحصاء والكمبيوتر المتقدمة يعملون على تقدير هذه الاختلافات إن كانت عامل مؤثر في مرض معين أم لا. 

وجود درجة اختلاف جيني ليس مؤكدًا على وجود مرض معين. فإذا افترضنا أن شخصًا لديه اختلاف جيني ولكنه يبلغ من العمر ٢٢ عامًا ويسير على نظام غذائي وصحي جيد،  وشخصًا آخر يبلغ من العمر ٦٠ عامًا ولا يمتلك نظامًا جيدًا في الغذاء والصحة ولديه اختلاف جيني، سيكون الشخص الثاني أكثر عرضة للمرض. ففي النهاية هي توضح علاقة ما وليست طريقة حسابات مؤكدة. [3]

مصادر

[1] National Human Genome Research Institute
[2] Springer link
[3] NHGRI

6 أشياء غريبة تحدث في الفضاء

يقول المثل الإنكليزي «Watched pots never boil» أي أن الأواني المرصودة لا تغلي أبداً، وفي جميع الأحوال؛ لما قد نرصدها ونحن نعلم يقينًا كيف ستبدو عند الغليان؟ ولكن هل يختلف ذلك المشهد قليلًا في الفضاء الخارجي؟

إليك ستة أشياء من حياتنا اليومية –بما فيها غليان الماء- التي تحدث بشكل مختلف كليًا عند مدار الأرض المنخفض مع تفسيراتها العلمية:

تنتج المياه فقاعة كبيرة عند الغليان

عندما  تغلي المياه في الظروف الطبيعية على الأرض تنتج عددًا كبيرًا من فقاعات بخار الماء الصغيرة، أما في الفضاء؛ تصدر المياه المغلية فقاعةً كبيرةً ووحيدةً. [1]

الفرق بين غليان المياه على الأرض (يسار) وفي الفضاء (يمين)
حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/Ts6Mfp4WjxJXneZCNhRhH9-970-80.png

لم يستطع العلماء توقع ما قد يحدث عند غليان المياه في ظروف الجاذبية الضعيفة، ويعود ذلك لشدة تعقيد ديناميك الموائع والتنبؤ بحركة السوائل. إلى أن أجريت تجربة على متن مركبة فضائية عام 1992 والتي وضحت لنا عملية الغليان تلك. [2]

فيما بعد شرح الفيزيائيون أن حالة الغليان الغريبة هذه تعود لغياب تأثيري «الحمل الحراري-Convection»، وهو الحركة التي تحدث داخل السائل جاعلةً جزأه الأكثر حرارة والأخف يرتفع، بينما ينخفض الأثقل والأبرد، «وقوة الطفو- Buoyancy»؛ التي تدفع أي جسم يُغمر في سائل ما، ذلك أن كلا التأثيرين ناتجٌ عن الجاذبية. فعلى الأرض؛ يسبب التأثيران السابقان ما نراه من اضطراب عند غليان الماء. [1]

كما يمكننا الاستفادة من تجربة الغليان هذه. وبحسب «NASA Science News»؛ اكتشافنا لكيفية غليان السوائل ستسهم في تطوير أنظمة التبريد في المركبات الفضائية. وقد تفيد في تصميم محطات توليد طاقة؛ باستخدام ضوء الشمس لغلي الماء وإنتاج البخار الذي سيدير عنفات توليد الكهرباء.  [2]

لهبٌ دائري

عند إشعالك شمعةً على الأرض؛ بإمكانك رؤية اللهب الناتج يرتفع ليصبح متطاولًا. أما في الفضاء يتحرك اللهب متوزعًا في كل الاتجاهات؛ فنحصل على كرة من اللهب! وإليك السبب:

مقارنة بين شعلة الشمعة على الأرض (يسار) وفي الفضاء (يمين)
حقوق الصورة: https://www.nasa.gov/sites/default/files/images/586089main_me-candleFlame_full.jpg

بدايةً؛ تزداد كثافة الهواء كلما اقتربنا من سطح الأرض نتيجة قوة الجاذبية التي تسحب جزيئات الهواء نحو المركز. والعكس صحيح؛ يصبح الغلاف الجوي أقل سماكةً كلما ارتفعنا عن السطح؛ فيقل الضغط الجوي تدريجيًا. رغم أن فرق الضغط الجوي بين إنش وآخر ضئيل جدًا؛ إلا أنه المسؤول عن شكل شعلة الشمعة.

على الأرض؛ يسبب فرق الضغط تأثيرًا يعرف ب «الحمل الحراري الطبيعي-Natural convection». فعندما يسخن الهواء المحيط بالشعلة؛ يتمدد ويصبح أقل كثافة من الهواء البارد المحيط، وبينما تحاول جزيئات الهواء الساخنة التمدد للخارج تقوم الأخرى الباردة بدفعها نحو الداخل. وبما أن الجزيئات الباردة تكون أكثر عدداً أسفل الشعلة مما في أعلاها؛ تواجه الشعلة مقاومة أقل في أعلاها وبالتالي تتجه نحو الأعلى.

أما في الفضاء وفي ظل غياب الجاذبية؛ تواجه الشعلة مقاومة متساوية من كل الاتجاهات، وبالتالي تتخذ شكلًا دائريًا. [3]

تتكاثر الباكتيريا أسرع، وتصبح مميتةً أكثر

أظهرت ثلاثون سنة من الأبحاث العلمية أن مستعمرات البكتيريا تنمو أسرع بكثير في الفضاء. مثلًا؛ مستعمرات «إي-كولي الفضائية- Astro-E. coli» (جرثومة الإشريكية القولونية) نمت أسرع بمرتين من قرينتها على الأرض. [4]

بالإضافة إلى ذلك أصبحت بعض الأنواع الجرثومية أخطر في الفضاء. في عام 2007 أجريت تجربة لقياس نمو جرثومة «السالمونيلا- Salmonella» على متن مركبة الفضاء «أطلنطس-Atlantis»، وأظهرت أن بيئة الفضاء غيرت 167 من التعبيرات الجينية* عند الجرثومة.  أظهرت الدراسات فيما بعد أن هذه التغيرات جعلت السالمونيلا الفضائية قادرة على إصابة الفئران بالمرض أكثر بثلاث مرات من السالمونيلا العادية.

تفسر عدة فرضيات ذلك النمو السريع للبكتيريا عند انعدام الجاذبية. ببساطة؛ قد تجد مساحة أكبر للنمو عندما تعوم في الفضاء؛ بينما تعلق في أسفل «طبق بيتري-Petri dish»** على الأرض.

كما يعتقد العلماء أن تغير السالمونيلا يعود لبروتين HFq الذي يؤدي دورًا رئيسًا في التحكم بعملية التعبير الجيني. تتعرض الخلايا الجرثومية في الفضاء لضغط ميكانيكي ناتج عن تغير حركة السوائل داخلها في الجاذبية الضئيلة، ويحاول بروتين HFq  التعايش مع ذلك مما يجعل الخلايا أكثر سميّةً.

يأمل العلماء الاستفادة من هذا الاكتشاف، خاصةً التعرف على استجابة السالمونيلا للضغط على الأرض، كالذي يسببه الجهاز المناعي لشخص مصاب بها مثلًا. [5]

  • **طبق بيتري: هو طبق دائري شفاف ذو غطاء مسطح يستخدم لتربية الكائنات الحية الدقيقة.
  • *«التعبير الجيني-Genetic expression»: هي عملية اصطناع مواد في الخلية باستخدام المعلومات الموجودة في المورثات.

تختلف رائحة الأزهار في الفضاء

تنتج الأزهار مركبات عطرية مختلفة عند نموها في الفضاء؛ وبالتالي تصبح رائحتها مختلفة جدًا. يعود ذلك لتأثير الظروف البيئية كدرجة الحرارة والرطوبة في نوعية الزيوت العطرية التي تنتجها النبتة. وبما أن هذه الزيوت خفيفة؛ لا شك أنها تتأثر بجاذبية الفضاء كذلك. [6]

كما أنتجت الشكرة اليابانية «شيسيدو-Shiseido» عطرًا من “خارج هذا العالم” سمته «زين-Zen»، احتوى العطر على خلاصة مجموعة متنوعة من الورود تسمى «Overnight Scentsation» التي سافرت على متن المركبة الفضائية «ديسكفري-Discovery» عام 1998 قبل استخلاص الزيوت منها وتكرارها. [7]

حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/aURRwcsAnvmtfA93y7NCbd-970-80.jpg.webp

التعرق في الفضاء

كما في حالة اللهب والشمعة؛ لا يحدث انتقال حراري طبيعي في حالة انعدام الجاذبية، وبالتالي يحتفظ الجسم بحرارته، فيحاول جاهدًا التعرق لتبريد نفسه. وليصبح الأمر أسوأ؛ يتراكم العرق دون أن يتبخر أو ويسقط في قطرات! كل ذلك يجعل السفر بين النجوم رحلة رطبةً جدًا. [8]

مقلُ عيونٍ مهروسة

يؤدي انعدام الجاذبية لتغيرات في بنية عيون رواد الفضاء وتصبح رؤيتهم ضبابية. حيث تتسطح مؤخرة عيون بعد رواد الفضاء، بينما يعاني أخرون من تورم في أعصابهم البصرية. يحدث ذلك على الأرض بسبب ارتفاع ضغط السوائل في الرأس، ويكون الأمر مشابهًا في الفضاء. حيث ترتفع السوائل في الجسم في غياب الجاذبية التي تسحبها للأسفل، وبالتالي تزداد السوائل في الرأس ضاغطةً على العيون.

تسطح كرة العين
حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/9yjwDkKCP7Bwcseff7hqdk-970-80.jpg.webp

بينما يسبب تسطيح العيون رؤية ضبابية عند معظم الناس؛ إلا أنه قد يحسن الرؤية عن المصابين بقصر النظر، والتي تكون عيونهم متمددة بشكل مفرط. إلا أن تورم العصب البصري لن يفيد أحدًا، وقد يسبب العمى إذا لم يعالج بشكل مناسب. [9]

ربما يجب الأخذ بهذه التأثيرات قبل التخطيط لأي رحلة مستقبلية للمريخ وما وراءه؛ خاصةً ما يتعلق بمدة الرحلة. فلا أحد يريد عيونًا مهروسةً أو عمياء!

المصادر:

Phys [1]

[2] nasa_1

[3] nasa_2

[4] JSTOR

[5] nasa_3

[6] nasa_4

[7] nasa_5

[8] Space

[9] SCIELO

live science [10]

أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

ما بعد ٥ انقراضات كبرى: هل نحن على أعتاب انقراض سادس؟

يسكن كوكب الأرض ملايين الأنواع من الكائنات الحية، ولا نعرف حتى الآن عدد هذه الأنواع بالضبط. ولكن الأكثر تقديرًا أن العدد يتراوح بين ٥ – ١٠ مليون، وتعرفنا إلى الآن فقط على ٢ مليون نوع منهم، وبالطبع ليسوا في مكان واحد بل في أماكن متفرقة من العالم.  بالإضافة إلى أن أغلب المشاريع العلمية التي تعمل على رصد الكائنات الحية من الممكن أن تتضمن في دراستها كحد أقصى ٢٠٠٠٠ نوع من حول العالم. وفي هذا المقال نتعرف على ما بعد ٥ انقراضات كبرى: هل نحن على أعتاب انقراض سادس؟

ما هي أهمية المشاريع البحثية لرصد وتصنيف الكائنات الحية؟

يعمل العلماء على العديد من المشاريع البحثية في رصد وتصنيف الكائنات الحية على كوكب الأرض لإلقاء الضوء على العناصر الأكثر تهديدًا والعناصر التي على وشك الانقراض. ويساعدنا ايضًا على التعرف على إمكانية تجنب فقدان الأنواع وإلقاء الضوء على العناصر التي تزداد ونفهم كيفية حدوث هذا. 

نظرة عامة على الإنسان وباقي الكائنات على كوكب الأرض

وإذا ألقينا نظرة عامة على الكائنات على كوكب الأرض نلاحظ أن أغلبها يزداد نصف أنواعها ويقل نصف أنواعها، على سبيل المثال تقل ٤٤٪ من الثدييات وتزداد ٤٩٪ منها بينما لا تتغير ٧٪ من هذه الأنواع. وأغلب الكائنات الأخرى تقترب من هذه النسب في الزيادة والنقصان والثبات. [1]

معظم الأنواع التي وُجدت على سطح الأرض انقرض منها ٩٩٪ تقريبًا، ولكن ليس لدينا أدلة قوية على هذه الأنواع. ومنذ عام ١٥٠٠م، انقرض حوالي ٩٠٠ نوع منهم ٨٥ نوع من  الثدييات و١٥٩ نوع من الطيور و٣٥ نوع من البرمائيات و٨٠ نوع من الأسماك. 

الانقراضات ال ٥ الكبرى

الانقراض هو جزء طبيعي من التطور، حيث نفقد ١٠٪ من الأنواع كل مليون سنة و٣٠٪ كل ١٠ مليون سنة و٦٥٪  كل ١٠٠ مليون سنة. وبانقراض أنواع، تتطور أنواع أخرى. وتعرف الانقراضات باختفاء الكائنات بمعدل أكبر من الطبيعي وقد حدثت ٥ انقراضات في تاريخ البشرية.

١. الانقراض الأوردوفيشي:

منذ ٤٣٣ مليون سنة، حيث عصر جليدي قاسي أدى إلى هبوط مستوى البحر ١٠٠ متر مما أدى إلى انقراض ٦٠ – ٧٠ ٪ من كل الأنواع ساكني المحيطات. وبعدها بوقت قريب تسبب تبخر الجليد في نقص الأكسجين وانقراض أنواع أخرى. 

٢. الانقراض الديفوني المتأخر:

منذ ٣٦٠ مليون سنة قبل الميلاد، تغير مناخي قوي ومستمر أضر بالحياة في قاع البحار مما أدى إلى قتل ٧٠٪ من الأنواع وتضمن تقريبًا كل أنواع المرجان. 

٣. انقراض العصر البرمي:

منذ ٢٥٠ مليون سنة قبل الميلاد حيث يعرف بالانقراض الأكبر، هلك ٩٥٪ من الكائنات وارتبط بقوة بالبراكين الضخمة في سيبيريا والانغماس في فترة قاسية من الاحتباس الحراري. 

٤. انقراض العصر الجوراسي:

منذ ٢٠٠ مليون سنة قبل الميلاد، فقدت الحياة ٧٥٪ من الأنواع الغريبة بسبب انفجار بركان آخر قوي، والذي بدوره ترك الأرض خالية للديناصورات لتمتد ومن هنا بدأ عصر الديناصورات. 

٥.انقراض العصر الطباشيري الثلاثي:

منذ ٦٥ مليون سنة قبل الميلاد، اصطدم كويكب عملاق بالمكسيك بعد انفجار بركاني قوي في المكان الذي يعرف الآن بالهند. شهد هذا نهاية عصر الديناصورات وفتح الطريق أمام الثدييات في الظهور وفي النهاية البشر. [3]

تأثير الإنسان على الانقراض

يُمثل الإنسان ١.,٪ من الحياة على كوكب الأرض و ٢,٥٪  من مملكة الحيوان. في حين تمثل النباتات وخصوصًا الأشجار ٨٢٪  من الكائنات. ونحن نحتاج إلى ٧٠ تريليون مننا لكي نماثل باقي الكائنات الحية. وتعيش ٨٦٪ من الكائنات على سطح الأرض و ١٣٪ من هذه الكائنات في باطن الأرض و١٪ فقط  في المحيطات. [2]

قلت الثدييات بنسبة ٨٥٪ منذ انطلاق حياة الإنسان على الكوكب. وأكثر من ١٧٨ نوع من الأنواع المشهورة انقرضت بسبب الصيد الجائر وسلوكيات الإنسان. 

بالعودة ١٠٠٠٠٠ سنة إلى الوراء، كانت الحياة زاخرة بالحيوانات البرية؛ كان الماموث يدور في أمريكا الشمالية والأسود في أوروبا وغيرها من الكائنات. 

وبظهور طريقة أخرى يحصل بها الإنسان على الطعام وهي الزراعة  بدأ باستصلاح أراضي كبيرة ونزع العشب منها. حيث من ١٠٠٠٠٠ سنة كان كل شخص يقطع ٠,١ هكتار،  وسنة ١٩٠٠م كان كل شخص يقطع ١,٥ هكتار. 

لم يعد التأثير على الحياة البرية الصيد فقط ولكن أيضًا استخدام الإنسان للموارد التي كانت تعتمد عليها الحيوانات. فيمكن تقسيم الحياة إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الزراعة (الصيد) ومرحلة الزراعة.

منذ عام ١٩٧٠م، قتل الإنسان ٦٠٪ من الحيوانات وهذا يشبه تقريبًا تفريغ أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأفريقيا  وأوروبا والصين.

في عام ٢٠١٥، أصبح الإنسان يمثل ٣٥٪ من الثدييات بعدد ٧,٤ مليار. والحيوانات التي يستخدمها الإنسان في الطعام مثل البقر والخروف أصبحت تمثل ٦٣٪ من الثدييات وباقي الثدييات تمثل ٢٪. 

في عام ٢٠١٨م استهلك العالم ٢١٠ مليون طن من اللحوم من الثدييات باستثناء الفراخ والتركي والبط وهذا يساوي ٣١ مليون طن كربون، ولو استمرت البشرية على نفس النمط بصيد الحيوانات من الممكن أن تفنى الحياة البرية في شهر واحد فقط. 

هل نحن على أعتاب انقراض سادس كبير؟

أولًا نحن في حاجة لمعرفة معنى انقراض كبير وهو عدد الأنواع التي تنقرض والوقت اللازم لذلك الانقراض. بمعنى أننا عندما نفقد أكثر من ٧٥٪ من الأنواع في وقت تقريبًا ٢ مليون سنة  يعتبر ذلك انقراضًا كبيرًا. 

منذ عام ١٥٠٠م، فقدنا ١٪ من الكائنات وهذا الرقم صغير وإن كنا فقدنا ٢٥٪ فقط فهو صغير أيضًا. 

ولكن فقد ١٪  خلال ٥٠٠ سنة فقط يعني أننا أمامنا  ٣٧٥٠٠ سنة لنصل إلى فقد ٧٥٪، وهذا أسرع بكثير من الانقراضات السابقة. 

الانقراض بهذا الشكل يكون من ١٠٠ – ١٠٠٠ مرة أسرع من السابق.

كم من الوقت اللازم لحدوث الانقراض السادس الكبير؟

في خلال ال ٥٠٠ سنة السابقة  فقدنا ١٪ من الأنواع وسنأخذ من الوقت ٣٧٥٠٠ سنة حتى نفقد ٧٥٪ من الأنواع. وأصبح الانقراض الآن أسرع بكثير في خلال ال ٥٠ سنة الماضية، وإذا أخذنا في الاعتبار معدل الانقراض منذ سنة ١٩٨٠م سندخل الانقراض السادس  في خلال ١٨٠٠٠ سنة فقط.

لا يعتبر هذا كلام نهائي، ولكنها توقعات تقترب من الصحة، وفي أسوأ الأحوال في حالة فقدنا كل الأنواع المهددة بالانقراض في ال ١٠٠ سنة القادمة سيكون الانقراض السادس في خلال ٢٥٠ – ٥٠٠ سنة. [4]

كيف نمنع الانقراض السادس الكبير؟

نحن الآن السبب الرئيسي لهذا الانقراض حيث نقوم بإزالة الغابات وتغير المناخ وإفساد المحيطات والصيد والتلوث البيئي. لكن سابقًا كانت البراكين والزلازل والتغيرات المناخية فقط، فمن الممكن أن نمنع إزالة الغابات مما يساعد على اعتدال المناخ والسماح للنظام البيئي بالالتئام. بالإضافة إلى منع وتحريم الصيد الجائر وإيقاف تلوث المياه. 

ما نعرفه الآن أننا على أعتاب الانقراض السادس ومن الواضح أن معدل الانقراض يزداد وقد يقل ولكن الهدف الرئيسي هو معرفة لماذا انقرض كل كائن حي ونحاول حل هذه المشكلة. 

مصادر:

[1] our world in data

[2] our world in data

[3] The guardin

[4] our world in data

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

الأنظمة البيولوجية ديناميكية، وتتبادل باستمرار الطاقة والمادة مع البيئة من أجل الحفاظ على حالة من عدم التوازن وهي الحالة المرادفة للحياة.

سمحت لنا التطورات في تقنيات الملاحظة العلمية وأدوات الفحص بدراسة الديناميكيات البيولوجية على نطاقات صغيرة بشكل متزايد. كشفت مثل هذه الدراسات عن أدلة على تأثيرات ميكانيكا الكم -والتي لا يمكن تفسيرها بالفيزياء الكلاسيكية- في مجموعة من العمليات البيولوجية.

علم الأحياء الكمي هو دراسة مثل هذه العمليات، وهنا سنقدم تعريفًا للحالة الحالية للمجال، بالإضافة إلى رؤى حول الاتجاهات المستقبلية.

ما هي ميكانيكا الكم؟

ميكانيكا الكم هي النظرية الأساسية التي تصف خصائص الجسيمات دون الذرية والذرات والجزيئات والتجمعات الجزيئية وربما أصغر من ذلك. تعمل ميكانيكا الكم على مقاييس نانومترية وشبه نانومترية وهي أساس عمليات الحياة الأساسية مثل البناء الضوئي والتنفس والرؤية.

في ميكانيكا الكم، كل الكائنات لها خصائص تشبه الموجة، وعندما تتفاعل، يصف التماسك الكمي الارتباطات بين الكميات الفيزيائية التي تصف مثل هذه الأشياء بسبب هذه الطبيعة الشبيهة بالموجة.

تظهر ميكانيكا الكم في ظواهر بيولوجية عديدة مثل البناء الضوئي والتنفس والرؤية. كلها أحداث يحدث فيها نقل طاقة ونقل إلكترون في إطار يعتمد على القفز على السطح.

في مراكز التفاعل الضوئي ومجمعات حصاد الضوء في النباتات، لوحظت الظواهر المتذبذبة في العديد من الدراسات التي أجريت في التسعينيات وكانت تُنسب عادةً إلى تكوين حزم موجية اهتزازية أو إلكترونية مختلطة.

أدى الكشف عن التماسك الكمي الإلكتروني طويل العمر (660 قدمًا وأطول) أثناء نقل طاقة الإثارة في نظام التمثيل الضوئي إلى إحياء الاهتمام بدور ميكانيكا الكم لشرح عمليات الحياة الأساسية للكائنات الحية [3].

ومع ذلك، فإن فكرة لعب الظواهر الكمومية – مثل التماسك – دورًا وظيفيًا في الأنظمة الحية العيانية ليست مستحدثة في التسعينات، ولكن للأمر تاريخ يعود لمؤسسي ميكانيكا الكم.

تاريخ البيولوجيا الكمية

في عام 1932، أي بعد 10 سنوات من حصول عالم الفيزياء الكمومية نيلز بور على جائزة نوبل عن عمله في التركيب الذري، ألقى محاضرة بعنوان “الضوء والحياة” في المؤتمر الدولي للعلاج بالضوء في كوبنهاغن [4].

أثار هذا السؤال حول ما إذا كانت نظرية الكم يمكن أن تسهم في الفهم العلمي للأنظمة الحية أم لا. كان من بين الحضور ماكس ديلبروك، وهو فيزيائي شاب ساعد لاحقًا في تأسيس مجال البيولوجيا الجزيئية وفاز بجائزة نوبل عام 1969 لاكتشافاته في علم الوراثة [5].

تتكون جميع الأنظمة الحية من جزيئات، وتوصف جميع الجزيئات بشكل أساسي بواسطة ميكانيكا الكم. ومع ذلك، فإن الفصل الواسع للمقاييس بين الأنظمة الموصوفة بواسطة ميكانيكا الكم وتلك التي تدرس في علم الأحياء، وكذلك الخصائص التي تبدو مختلفة للمادة غير الحية والحية، قد حافظت على بعض الفصل بين مجموعتي المعرفة (الفيزياء والأحياء).

في الآونة الأخيرة، مكنتنا التطورات التقنية مثل التحليل الطيفي فائق السرعة [6]، والتحليل الطيفي للجزيء الفردي [7-11]، والفحص المجهري [12-14] والتصوير الجسيمي الفردي [15-18] ، من دراسة الديناميكيات البيولوجية على نحو متزايد. إذ تكشف مقاييس الطول والوقت متناهية الصغر تلك عن مجموعة متنوعة من العمليات الضرورية لوظيفة النظام الحي التي تعتمد على تفاعل دقيق بين التأثيرات الفيزيائية الكمومية والكلاسيكية.

تعريف البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”

يمكننا تعريف علم الأحياء الكمي أو البيولوجيا الكمية بأنها تطبيق نظرية الكم على جوانب من علم الأحياء حيث فشلت الفيزياء الكلاسيكية في إعطاء وصف دقيق لها.

على الرغم من هذا التعريف البسيط، لا يزال الجدل حول أهداف ودور المجال في المجتمع العلمي قائمًا.

سنستعرض معًا وجهة النظر لمكانة بيولوجيا الكم اليوم، ونقرأ سويًا بعض السبل المحتملة لمزيد من التقدم في هذا المجال.

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

حقق علم الأحياء -في نموذجه الحالي- نجاحًا كبيرًا في تطبيق النماذج الكلاسيكية على الأنظمة الحية. في معظم الحالات، لا تلعب التأثيرات الكمومية الدقيقة على المقاييس الجزيئية (البينية) دورًا محددًا في الوظيفة البيولوجية الكلية، لكن لكلمة “الوظيفة” مفهوم واسع!

على سبيل المثال: كيف تعمل الرؤية والتمثيل الضوئي على المستوى الجزيئي وعلى نطاق زمني فائق السرعة؟ كيف يتعامل الحمض النووي مع النيوكليوتيدات المكدسة المفصولة بنحو 0.3 نانومتر، مع فوتونات الأشعة فوق البنفسجية؟ كيف يحفّز الإنزيم تفاعل كيميائي حيوي أساسي؟ كيف يتعامل دماغنا مع الخلايا العصبية المنظمة على مقياس تحت نانومتري مع مثل هذا الكم الهائل من المعلومات؟ كيف يعمل استنساخ الحمض النووي والتعبير الجيني؟

يُعتقد عمومًا أن الاختلافات بين التقريب الكلاسيكي ونموذج ميكانيكا الكم لا تكاد تُذكر في هذه الحالات، على الرغم من أن كل عملية تحكمها قوانين ميكانيكا الكم بالكامل.

ولكن دعونا نطرح سؤالنا الأساسي هنا، ماذا يحدث عندما تتلاشى الحدود بين الأنظمة الكمومية والأنظمة الكلاسيكية؟ أو في صياغة أخرى، هل هناك وظائف بيولوجية أساسية تبدو وكأنها كلاسيكية ولكنها ليست كذلك في الواقع؟

إن دور علم الأحياء الكمومي هو تحديدًا إيجاد هذا الارتباط وكشفه. في الأساس، كل المادة – الحية أو غير الحية – خاضعة لميكانيكا الكم، وتتكون من أيونات أو ذرات أو جزيئات، وتُحدد نظرية الكم خصائص توازن تلك الذرات أو الجزيئات بدقة.

نتيجة لذلك، يمكن الادعاء بأن البيولوجيا كلها ميكانيكية كمومية. ومع ذلك، فإن هذا التعريف لا يعالج الطبيعة الديناميكية للعمليات البيولوجية، أو حقيقة أن الوصف الكلاسيكي للديناميكيات بين الجزيئات يبدو غالبًا كافيًا.

لذلك، يجب تعريف علم الأحياء الكمومي من حيث الاتساق في القدرات التفسيرية للنماذج الميكانيكية الكلاسيكية مقابل النماذج الميكانيكية الكمومية لعملية بيولوجية معينة.

البيولوجيا الكمية، ضرورة أم رفاهية!

أثناء دراستنا للأنظمة البيولوجية على المقاييس النانوية، نجد أن هناك عمليات موجودة في الكائنات الحية، سنستعرضها تفصيليًا، يُعتقد حاليًا أن الصيغة الكمومية ضرورية لتوصيفها.

بينما نواجه صعوبة حقيقية في ملاحظة التأثيرات الكمومية على مقاييس الوقت والطول التي نختبرها في حياتنا اليومية والأحداث التي نعايشها ونراها بالعين المجردة، يظهر لنا اعتماد العمليات الضرورية للوظائف وبقاء الكائن الحي على التأثيرات الميكانيكية الكمومية الديناميكية على نطاق الجزيئات.

إن التفاعل بين هذه المقاييس الزمنية والمكانية بالتحديد هو ما تبحثه البيولوجيا الكمومية بهدف بناء صورة فيزيائية متسقة.

قد تتضمن الآمال الكبيرة لبيولوجيا الكم مساهمة في تعريف وفهم الحياة، أو في فهم الدماغ والوعي. ومع ذلك، فإن هذه المشاكل قديمة قدم العلم نفسه، ومن الأفضل أن نسأل عما إذا كان علم الأحياء الكمومي يمكن أن يساهم في إطار قادر من خلاله على طرح هذه الأسئلة بطريقة تقبل الوصول إلى إجابات جديدة.

تعمل دراسة العمليات البيولوجية بكفاءة على الحدود بين عوالم الفيزياء الكمومية والفيزياء الكلاسيكية. ويعد علم الأحياء الكمومي باستحداث مبادئ تصميم لتقنيات النانو الكمومية مستوحاة بيولوجيًا، مع القدرة على الأداء بكفاءة على مستوى أساسي في البيئات الصاخبة في درجة حرارة الغرفة وحتى الاستفادة من هذه “البيئات الصاخبة” للحفاظ على أو حتى تعزيز الخصائص الكمومية [19 ، 20].

من خلال هندسة مثل هذه الأنظمة، قد نتمكن من اختبار وتحديد المدى الذي يمكن أن تؤدي إليه التأثيرات الكمية في تعزيز العمليات والوظائف الموجودة في علم الأحياء، والإجابة في النهاية عما إذا كانت هذه التأثيرات الكمية قد تطورت لتحقيق أهدافها في تصميم الأنظمة.

الأهم من ذلك هو أن التقنيات المستوحاة من الأحياء الكمومية يمكن أن تكون مفيدة جوهريًا بشكل مستقل عن الكائنات الحية التي ألهمتها، وقد تلهمنا وتفتح الباب أمام مستقبل بيولوجي مختلف تمامًا عما نعرفه اليوم.

اقرأ أيضًا: 10 معلومات يجب أن تعرفها عن ميكانيكا الكم

مصادر
1. F’orster T. 1946Energiewanderung und Fluoreszenz. Naturwissenschaften,6, 166-175. (doi:10.1007/BF00585226) Crossref, ISIGoogle Scholar

2. Marcus RA. 1956On the theory of oxidation-reduction reactions involving electron transfer. I. J. Chem. Phys.24, 966-978. (doi:10.1063/1.1742723) Crossref, ISIGoogle Scholar

3.Engel GS, Calhoun TR, Read EL, Ahn T-K, Mančal T, Cheng Y-C, Blankenship RE, Fleming GR. 2007Evidence for wavelike energy transfer through quantum coherence in photosynthetic systems. Nature446, 782-786. (doi:10.1038/nature05678) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

4. Bohr N. 1933Light and life. Nature131, 421-423. (doi:10.1038/131421a0) CrossrefGoogle Scholar

5. McKaughan DJ. 2005The influence of Niels Bohr on Max Delbrück. Isis96, 507-529. (doi:10.1086/498591) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

6. Jonas DM. 2003Two-dimensional femtosecond spectroscopy. Ann. Rev. Phys. Chem.54, 425-463. (doi:10.1146/annurev.physchem.54.011002.103907) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

7. Moerner WE, Shechtman Y, Wang Q. 2015Single-molecule spectroscopy and imaging over the decades. Faraday Discuss.184, 9-36. (doi:10.1039/C5FD00149H) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

8. Gruber JM, Malý P, Krüger TPJ, van Grondelle R. 2017From isolated light-harvesting complexes to the thylakoid membrane: a single-molecule perspective. Nanophotonics7, 81-92. (doi:10.1515/nanoph-2017-0014) Crossref, ISIGoogle Scholar

9. Kondo T, Chen WJ, Schlau-Cohen GS. 2017Single-molecule fluorescence spectroscopy of photosynthetic systems. Chem. Rev.117, 860-898. (doi:10.1021/acs.chemrev.6b00195) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

10. Liebel M, Toninelli C, van Hulst NF. 2018Room-temperature ultrafast nonlinear spectroscopy of a single molecule. Nat. Photonics12, 45-49. (doi:10.1038/s41566-017-0056-5) Crossref, ISIGoogle Scholar

11. Malý P, Gruber JM, Cogdel RJ, Mančal T, van Grondelle R. 2016Ultrafast energy relaxation in single light-harvesting complexes. Proc. Natl Acad. Sci. USA113, 2934-2939. (doi:10.1073/pnas.1522265113) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

12. Šrajer V, Schmidt M. 2017Watching proteins function with time-resolved x-ray crystallography. J. Phys. D: Appl. Phys.50, 373001. (doi:10.1088/1361-6463/aa7d32) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

13. Young Let al.2018Roadmap of ultrafast x-ray atomic and molecular physics. J. Phys. B: At. Mole. Opt. Phys.5, 032003. (doi:10.1088/1361-6455/aa9735) Crossref, ISIGoogle Scholar

14. Borst JW, Visser AJWG. 2010Fluorescence lifetime imaging microscopy in life sciences. Meas. Sci. Technol.21, 102002. (doi:10.1088/0957-0233/21/10/102002) Crossref, ISIGoogle Scholar

15. Tsuji Y, Yamamoto K, Yamauchi K, Sakai K. 2018Single-particle reconstruction of biological molecules—story in a sample (Nobel Lecture). Angew. Chem. Int. Ed.57, 2-18. (doi:10.1002/anie.201712504) Crossref, ISIGoogle Scholar

16. K’uhlbrandt W, Wang DN, Fujiyoshi Y. 1994Atomic model of plant light-harvesting complex by electron crystallography. Nature367, 614-621. (doi:10.1038/367614a0) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

17. Hell SWet al.2015The 2015 super-resolution microscopy roadmap. J. Phys. D: Appl. Phys.48, 443001. (doi:10.1088/0022-3727/48/44/443001) Crossref, ISIGoogle Scholar

18. Shashkova S, Leake MC. 2017Single-molecule fluorescence microscopy review: shedding new light on old problems. Biosci. Rep.37, BSR20170031. (doi:10.1042/BSR20170031) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

19. Mohseni M, Rebentrost P, Lloyd S, Aspuru-Guzik A. 2008Environment-assisted quantum walks in photosynthetic energy transfer. J. Chem. Phys.129, 174106. (doi:10.1063/1.3002335) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

20. Plenio M, Huelga S. 2008Dephasing-assisted transport: quantum networks and biomolecules. New J. Phys.10, 113019. (doi:10.1088/1367-2630/10/11/113019) Crossref, ISIGoogle Scholar

ما هي مخاطر لقاح «أسترازينكا- AstraZeneca»؟

يُستخدم لقاح أسترازينكا بشكل واسع في العالم العربي للوقاية من فيروس كوفيد-19، إذ تُرسله منظمة كوفاكس لأغلب دول المنطقة التي تحتاج للوصول إلى لقاح مناسب. لكن انتشرت عنه بعض الأقاويل حول مدى أمانه، فهل يجب وقفه؟ وما هي مخاطر لقاح أسترازينكا؟

الربط بين لقاح أسترازينكا وجلطات الدم

أعلنت وكالة الأدوية الأوروبية في 7 أبريل أن هناك ترابطًا بين لقاح أسترازينكا وحدوث جلطات الدم والدماغ.[1]

سابقًا، أعلنت وكالة الأدوية الأوروبية في 18 مارس الماضي أنه لا توجد علاقة بين جلطات الدم والدماغ بلقاح أسترازينكا، كما أُبلغ الخبراء عن 18 حالة إصابة بجلطات في الدماغ أو كما يسمى «خثار الجيب الوريدي المخي-cerebral venous sinus thrombosis» ممن تلقوا اللقاح، لكن لم يستطع الخبراء الجزم بالربط بين اللقاح والجلطات وقتها.[2]

في 22 مارس الماضي، أُبلغ عن 62 حالة مصابة بخثار الجيب الوريدي المخي من أصل 25 مليون متلقي للقاح أسترازينكا كما أُبلغ أيضًا عن 24 حالة جلطات في أماكن أخرى في الجسم، ونتج عن مجمل هذه الإصابات 18 حالة وفاة. بعد مراجعة وكالة الأدوية الأوروبية للحالات، أُدرج خثار الجيب الوريدي المُخي كأحد مخاطر وأعراض لقاح أسترازينكا الجانبية النادرة .[3]

ما هي آلية تكوين اللقاح للجلطات وأعراضها؟

لم يصل العلماء بعد لكيفية تكوين اللقاح للجلطات، أحد التفسيرات المقترحة أن بعض الأفراد يطورون رد فعل مناعيًا ضد الصفائح الدموية مما تجعلها تتكتل معًا. كما أجرى بعض الباحثين في 29 مارس الماضي فحصًا مَبْدَئِيًّا على 4 وفيات من جلطات الدم بعد تلقيهم للّقاح. لاحظوا وجود أجسام مضادة مرتبطة بالصفائح الدموية في الدم. مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدراسة لم تُراجع بعد من باقي العلماء.

كما أوضح العلماء أنه إذا كانت هذه طريقة تكون الجلطة الدموية، فإن هناك أدوية قادرة على إذابة مثل هذه الجلطات. وهناك تساؤل بين العلماء عمّا إذا كان سبب تكوّن تلك الجلطة له علاقة بتكنولوجيا أسترازينكا المستخدمة في اللقاح أم أجزاء بروتين فيروس كورونا الموجود في اللّقاح. [3]

إذا شعرت بهذه الأعراض بعد حصولك على اللقاح، عليك طلب الاستشارة الطبية فورًا:

  • قصر النفَس.
  • ألم بالصدر.
  • تورم القدمين.
  • ألم مستمر بالمعدة
  • أعراض متعلقة بالجهاز العصبي، مثل صداع حاد مستمر وضعف للرؤية.
  • بقع دم صغيرة مكان الحقْن.[1]

أرقام الحالات الإصابات والوفيّات!

ما زالت أرقام الحالات غير مؤكدة حيث أنه من أصل 100,000 متلقي للقاح توجد حالة واحدة في ألمانيا، ومن أصل 600,000 متلقٍ للقاح توجد حالة واحدة في المملكة المتحدة. بشكل عام توجد حالة أو اثنتين من أصل 100,000 متلقٍ للقاح.[3]

على الرغم من خطورة الأعراض إلا أن الأرقام تعتبر ضئيلةً جِدًّا مُقَارَنَةً بالأدوية الشائعة الأخرى. حيث أن النساء اللاتي تتناولن عقار منع الحمل تكون نسبة إصابتهن بجلطات الدم 1 إلى 2,500.[3]

المشكلة الحقيقية في الإحصائيات تكمن في عدم التمييز بين جلطات الدم بواسطة اللقاح وبين التي لها مسببات أخرى.

على الرغم من أن معظم الحالات المُبلغ عنها كانت نساء تحت سن ال 60 لكن ذلك لا يعطي معلومات كافية عن ربط الجلطات بعمر أو جنس معينيْن حيث أن عدد النساء اللاتي تلقين اللقاح في أوروبا أكثر من الرجال مما يجعل الإحصائيات غير دقيقة.[3]

وضع بعض الدول قيودًا على استخدام اللقاح!

مع أن المعلومات حول الأعراض الجانبية ما زالت غير مؤكدة إلا أن بعض الدول وضعت قيودًا على استخدام عقار أسترازينكا. الدنمارك والنرويج وعدة دول أوروبية أخرى أوقفت مؤقتًا إعطاء جرعات اللقاح.[4]

في المملكة المتحدة في 6 أبريل ، أُوقفت التجارب الحالية للقاح على الأطفال من 6 أعوام إلى 17 عاما، وأوصى خبراء الصحة في المملكة المتحدة بأخذ لقاحات كوفيد-19 غير أسترازينكا لمن هم دون الثلاثين عاما، وبعض الدول الأخرى مثل ألمانيا وكندا تقتصر جرعات اللقاح على كبار السن فقط، وفي الولايات المتحدة أخذ لقاح أسترازينكا ترخيصًا بالاستخدام في الحالات الطارئة.[3]

إلا أن العديد من تلك الدول أعادت استخدام اللقاح بشكل آمن بعد إظهار النتائج أن مخاطر لقاح أسترازينكا لا يذكر مقارنة بمخاطر فيروس كوفيد-19. حيث يسبب كوفيد-19 تجلطات الدم بمعدلات أكبر بكثير.

هل ما زال العقار آمنًا؟ وهل ينصح بتلقيه؟

أوضح الرئيس التنفيذي لوكالة الأدوية الأوروبية في 7 أبريل أن كوفيد-19 هو فيروس قاتل ويؤدي بالكثيرين إلى المشفى، وأن فوائد عقار أسترازينكا تمنع كثيرًا من مخاطره، وما زال قابلًا للاستخدام للحماية من الأعراض المدمرة لفيروس كوفيد-19.[1]

بالرغم من أنه لا يوجد لقاح يضمن بنسبة 100% حمايتك من الإصابة بفيروس كوفيد-19، إلا أن العلماء ينصحون بشدة بتلقي اللقاح لأنه يمنع الآثار المدمرة للفيروس.

المصادر

  1. ema
  2. bmj
  3. sciencenews
  4. bmj

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تعكس حركة المحيط بمدها وجزرها جوهر الحياة ذاتها، حيث يمثل تدفق المياه فيها الطبيعة الدورية التي تحكم الكون، وكل ذلك تشهد عليه حتى أكثر الشواطئ انعزالاً، فهل تكون الحياة نفسها محض صدفة أنتجت المد والجزر؟ إذا كان ذلك صحيحاً؛ فهل يكون القمر مسؤولاً عن أصل الحياة على الأرض؟ وماذا سيحدث لو لم يكن موجوداً؟ أو بمعنى أدق ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تشكل القمر

بحسب النظرية، اصطدم كوكب بحجم المريخ بالأرض منذ حوالي 4.5 مليار سنة؛ مما أدى لتسريع دوران الأرض فأصبح طول اليوم 12 ساعة فقط. أما الحطام الناتج فنُثر في مدار الأرض القريب والتحم مشكلاً القمر. وبعد عدة ألاف من السنين؛ بدأت الأرض بالتبرد إلى أن ظهرت الحياة بعد حوالي 700 مليون سنة؛ أي منذ 3.8  مليار سنة.

المد والجزر

تقوم جاذبية القمر بشد الأرض، لاسيما قسمها الأقرب إليه. وترتفع القشرة الأرضية قليلاً (سنتيمترات معدودة) بسبب قوة الشد هذه مما يسبب حدوث ظاهرة «المد والجزر-Tides» في البحيرات والأنهار والمحيطات وغيرها.

يحدث «المد-High Tide» وهو ارتفاع مستوى مياه المحيط عندما يدور القمر حول الأرض ويسحب خلفه المياه، بينما على جانب الأرض المقابل له تكون الجاذبية أقل من أي جزء آخر من الأرض فتُترك مياه المحيطات وراءً ويحدث «الجزر-Low tide».

للقمر التأثير الأكبر على حركة المد والجزر بسبب قربه الشديد من الأرض. تؤثر الشمس أيضاً بقوة جذب كبيرة على الأرض تبقيها في مدار ثابت حولها، كما تسحب هذه القوة مياه المحيطات نحوها. لكن الفرق في الشد بين الجانب المقابل والمعاكس للشمس يكون ضئيلاً، حيث تساهم الشمس بحوالي ثلث ارتفاع المد فقط.

تأثيره في التنوع الحيوي

تشكلت المحيطات على الأرض منذ حوالي أربعة مليارات سنة، أي عندما كان القمر أقرب بمرتين مما هو عليه الآن، وبالتالي كانت قوة المد والجزر أكبر بكثير.

يعتقد العلماء أن تدفق المد والجزر ساهم في نقل الحرارة من المنطقة الاستوائية إلى القطبين، وأنه زاد حدة التقلبات المناخية في العصر الجليدي و«الفترات بين الجليدية-Interglacial». أثر ذلك في تشكل التكتلات الجليدية التي أدت لهجرة الأنواع النباتية والحيوانية وبالتالي إغناء التنوع الحيوي. كما نوه الباحثون أنه بدون المد والجزر القمري لكانت البيئة البحرية فقيرة جداً بالأنواع الحيوانية.

ولكن هل يكون القمر مسؤولاً عن الحياة ذاتها؟

دورالقمر في نشأة الحياة

من جهة، قد تكون الحياة تشكلت حول فوهات المياه الحارة في المحيطات، وعندها يكاد ينعدم دور المد والجزر في ذلك. أما إذا تشكلت ضمن مياه المد والجزر يكون لقمرنا دور رئيسي في ذلك.

تشكل الحموض النووية الريبية الDNA والRNA أساسيات الحياة التي نعرفها. وهي غالباً أخذت وتطورت من مجموعة كبيرة متنوعة من جزيئات «الحموض النووية الأولية-protonucleic acids»، ولكن لأجل أن تتطور منها يجب أولاً أن تكون قادرة على الاستنساخ. الأمر الذي يتضمن تنظيم عملية النسخ عن طريق تجمع الجزيئات وتفككها دورياً.

وبما أن اليوم الأرضي كان حوالي 12 ساعة في ذلك الوقت؛ وفر ذلك مد وجزر أسرع وذو نطاق أوسع، حيث غطت المياه الأرض الحارة فتبخرت وزاد تركيز الملوحة عند الجزر. أمنت هذه البيئة المالحة مكاناً مناسباً للحموض النووية الأولية لترتبط وتتجمع في جزيئات خيطية.

أما عند حدوث المد؛ فستتفكك هذه الجزيئات نتيجة انخفاض تركيز الملح، ويعتقد أن آلية الاستنساخ هذه أسهمت في تشكيل الDNA من الحموض النووية الأولية.

تأثيره على حياتنا اليوم

طول اليوم

دارت الأرض بشكل أسرع في المراحل الأولى من عمرها، ولكن بفضل جاذبية القمر؛ تباطأ دوران الأرض تدريجياً مع ابتعاده في مدارات أعلى وأعلى فحصلنا على يوم طوله 24 ساعة.

أما بدونه فستهب الرياح بسرعة 100 متر في الساعة، وسيصبح طول اليوم حوالي 8 ساعات، مما سيؤثر على أنماط نوم واستيقاظ وحياة الأحياء.

الفصول المستقرة

يعتقد أن الاصطدام العنيف الذي شكّل القمر أمال محور الأرض 23.5 درجة مما تسبب في حدوث ظاهرة الفصول الأربعة. كما أن وجود القمر يساعد في الحفاظ على استقرار هذا الميلان فيتغير بحوالي 3 درجات فقط كل 41000 سنة.

بدون وجوده؛ لاستمر محور الأرض بالتذبذب بين 0 و 80 درجة عبر العصور. وما كان للحياة أن تتكون تحت هذه الظروف المناخية القاسية إلا إن كانت بكتيريا وأشكال الحياة الأولية فقط.

ضوء القمر

يعكس القمر ضوء الشمس مثلما تفعل الكواكب. ورغم تبيان دراسات إحصائية دقيقة عدم وجود أية علاقة بين البدر والسلوكيات الغريبة، إلا أن ضوءه يسهل الرؤية على البشر والحيوانات، وقد سجلت الدراسات تغيرات في معدل نجاح عمليات الافتراس عند الحيوانات المفترسة بسبب الضوء المضاف.

أطوار القمر

لطالما ألهم القمر وأطواره المتغيرة القصص والأساطير والأغاني والقصائد وحتى الكلمات مثل كلمة «Month»  الانكليزية والتي تعني شهر. كما استعين به لتحديد الوقت في التقويم القمري.

ويجدر الذكر أن القمر ذاته لا يتغير، وإنما المقدار الذي نراه منه عند النظر من الأرض هو ما يتغير خلال دورة تتكرر كل شهر.

تأثير القمر في النهضة العلمية

أحدث القمر ثورة علمية حقيقية. فرؤية غاليليو لسطح القمر الخشن عن طريق تلسكوبه زعزع الإيمان السائد عن كمال السماء. كما أن الأحجار القمرية المجلوبة في مهمات «أبولو-Apollo» أزاحت الستار عن أصل الفوهات القمرية وكذلك الموجودة على عطارد والزهرة والمريخ. بالإضافة لأهمية ذلك في معرفة كيفية تشكله.

وأخيراً؛ إذا كان القمر جزءاً أساسياً من عملية تطور الأحياء على كوكبنا، ربما يجدر بنا الأخذ بوجود قمر مماثل كمعيار في بحثنا عن حياة أخرى في الكون…

المصادر:
ScientificAmerican
LPI

كيف تصنع فيروس من الصفر؟

كيف تصنع فيروس من الصفر؟

لطالما عانت البشرية على مر العصور من الفيروسات الوبائية المميتة مثل الإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة 50 مليون شخص تقريبا، والجدري الذي أودى بحياة 56 مليون آخرين، مرورًا بالإيبولا وإنفلونزا البرد المعروفة والإيدز وفيروسات الالتهاب الكبدي وانتهاءً بعائلة «Coronavirus»   بما فيها فيروس كوفيد-19. [2] [1] لكن فكرة أن تصنع فيروس من الصفر كانت فكرة نوعا ما جنونية لما تحملها من مخاطر. خلال هذا المقال سنتعرف على كيف استطاع العلماء صناعة فيروس من الصفر تقريبًا.

ما هو الفيروس؟

تعتبر الفيروسات أبسط الكائنات تكوينًا على وجه الأرض حيث يتكون من ثلاث مكونات فقط:

  1. «الحمض النووي-nucleic acid»
  2. غشاء بروتيني يحيط الحمض النووي «capsid»
  3. غلاف دهني فيروسي «envelope»

من الممكن أن يكون الحمض النووي DNA أو RNA وتختلف من فيروس لآخر، لكن تكمن المشكلة في الفيروس المتكون من RNA في خصائصه التحوريّة. أكثر الفيروسات غير قادرة على العيش أو التكاثر إلا بداخل خلية مضيفة تستخدم مكوناتها للعيش والانقسام. [3]

تخليق الفيروس في المعامل

استطاع العلماء تخليق فيروس يسبب شلل الأطفال من الصفر في المعامل باستخدام تتابع جيني معين فقط. كما يرى بعض الباحثين أنه يمكن تطبيق نفس الخطوات لصنع فيروس الإيبولا أو الجدري، لكن بعض الفيروسات الأخرى الأكثر تعقيدًا يصعب تصنيعها في المعامل حاليًّا.

أنتج العلماء أجزاء كثيرة من التتابعات الجينية من ال DNA المشابه لفيروس شلل الأطفال، واستطاعوا إلصاق تلك الأجزاء مع بعضها لإنتاج DNA كبير، واستخدام إنزيمات قادرة على تحويل ال DNA إلى RNA الذي هو المكون الجيني لفيروس شلل الأطفال.

عند إضافة الـ RNA للعصارة الخلوية لخلية بشرية، يمكن للـ RNA تكوين فيروس كامل باستخدام بروتينات العصارة. النتيجة هي إنتاج فيروس معدي قادر على تدمير خلايا بشرية وإصابة فئران التجارب بشلل أو حتى قتلها. [4]
  

ما الهدف من تخليق الفيروسات؟

إذا كان العلماء قادرين على صناعة فيروس، فهذا يتيح لهم فرصه أكبر لفهمه ومعرفة طريقة عمله ووظائفه. كما يتيح إنتاج لقاحات من فيروسات مصنَّعة مُضَعَّفَة غير قادرة على الانقسام وفتح أفاق جديدة في عالم اللقاحات. [5]

المخاوف المحيطة بالفيروسات المخلَّقة

أن تصنع فيروسًا ما من الصفر هو أمر تكثر حوله المخاوف. فإنتاج فيروسات فتاكة يشبه صنع أسلحة بيولوجية لا تقل خطورة عن الأسلحة النووية بل قد تكون أشد فتكًا.

كما يمكن أن يتم السطو على أحد المختبرات المنتجة لتلك الفيروسات أو تسريبها عن طريق الخطأ لعدم حفظها جيدًا، مما يتيح الفرصة لانتشار أوبئة قاتلة أنتجها الجنس البشري. [6] [4]

هل كوفيد-19 إنتاج معامل بشرية؟

الإجابة المختصرة هي لا حسب الأدلة المكتشفة حتى الآن. بعد انتشار فيروس الـ«MERS» و الـ«SARS» من عائلة «الفيروسات التاجية-coronavirus»، لم يكن ظهور فيروس كوفيد-19 بالأمر الغريب، حيث ينتمي لنفس العائلة وبأعراض مشابهة تقريبا.

على الرغم من انتشار شائعات أن فيروس كوفيد-19 هو صنع بشري وقد تسرب من أحد المعامل بالصين بعمد أو عن غير عمد، إلا أنه لا يوجد دليل على إدخال تعديلات أو هندسة وراثية على التتابع الجيني للفيروس. [7]

المصادر

  1. mdlinx
  2. visualcapitalist
  3. genome
  4. newscientist
  5. sciencemag
  6. nature
  7. newscientist

أدلة التطور: مشاهدة التطور في المعامل

هذه المقالة هي الجزء 3 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

كثيرًا ما يثير معارضو التطور تساؤل “لماذا لا نشاهد التطور يحدث الآن؟”، وغالبًا ما تكون الإجابة على هذا التساؤل هي أن التطور يحدث على مدى أجيال كثيرة وفترات زمنية طويلة. هذه إجابة صحيحة، إلا أنها غير مكتملة. فالتجارب المعملية أثبتت مرارًا وتكرارًا أن التطور قابل للرصد، وأصبح بمقدورنا مشاهدة التطور في المعامل. تعالوا معنا نستعرض بعضًا من هذه التجارب.

بكتيريا E.coli

في عام 1988، قام عدد من الباحثين من «جامعة ولاية ميتشيجن-Michigan state university» بعمل تجربة على 12 مجموعة من البكتيريا من نوع “Escherichia coli”. قاموا بوضع ال 12 مجموعة في بيئة تحتوي على القليل من ال «جلوكوز-Glucose» و«السترات-Citrate»، وهي مادة لا تستطيع بكتيريا ال E.coli الاستفادة منها غذائيًا في الظروف الطبيعية. وتكاثرت مجموعات البكتيريا في هذه البيئة لآلاف من الأجيال، إلى أن حدثت المفاجأة!

اكتسب الجيل رقم 31,500 قدرة على التمثيل الغذائي للسترات، وهو أمر يدعو للدهشة. إذ يتعرّف العلماء على بكتيريا E.coli عن طريق فشلها في التمثيل الغذائي للسترات، فهي صفة مميزة لها. إلا أن تلك الصفة تطورت لدى فرد واحد، خلية واحدة، من ال 12 مجموعة التي أُجريت عليها التجربة. نجح ذلك الفرد بسبب البيئة الغنية بالسترات في الانقسام الانتشار إلى أن أصبحت صفة لجماعة من البكتيريا. تعد هذه التجربة واحدة من المرات التي استطعنا فيها مشاهدة التطور بأنفسنا في المعامل واختباره. [1]

ذباب الفاكهة تحت تأثير الجفاف

في تجربة علمية، تعرضت 5 مجموعات من ذباب “Drosophila melanogaster” المعروف في اللغة الدارجة باسم «ذباب الفاكهة-Fruit flies» للجفاف لما يزيد عن 200 جيل. نتج ذلك الجفاف عن زيادة في قدرات الذباب على النجاة من تأثيرات الجفاف القاتلة. بالإضافة إلى تطور بعض الصفات الفسيولوجية، مثل تفضيلها لتخزين الكربوهيدرات، وقلة مخزونها الاحتياطي من الدهون، وزيادة ملحوظة في حجم الدم. أدت تلك التغيرات إلى زيادة محتوى الصوديوم والكلورين خارج خلاياها، وتُعد هذه الصفات مميزة إذا ما قورنت بباقي أفراد بني جنسها.

وها نحن ذا نشاهد مرة أخرى كيف أكسب التطور صفات جديدة لجنس محدد، ليتناسب مع بيئته. وأيضًا تمكنا من مشاهدة التطور في المعامل. [2]

ذباب الفاكهة في الظلام

في 11 نوفمبر لعام 1954، قام عالم البيئة الياباني “سيوتي موري -Syuiti Mori” بتغطية مستعمرة من ذباب الفاكهة بقطعة من القماش الداكن. أطلق موري بذلك واحدة من أطول تجارب علم الأحياء التطوري.

وبعد 61 عام (أي بعد 1,500 جيل)، تعرّف الباحثون على عدد كبير من التغيرات والتنوعات الجينية التي قد تساعد نسل الذباب (الذي أُجري عليه التجربة عام 1954) على مواكبة الحياة في الظلام.

طوّرت هذه المجموعة صفات جديدة لتساعدها على التعايش مع بيئتها المظلمة الجديدة. إذ أصبحت تمتلك شعيرات رأس أطول (مقارنة بذباب الفاكهة العاديّ)، علمًا بأن ذباب الفاكهة يستخدم هذه الشعيرات كحسّاسات لمصادر الضوء. كما امتلكت حاسة شم أقوى، وأظهرت تفوّقًا ملحوظًا في العثور على شريك جنسي في الظلام مقارنة بأنواع الذباب العاديّة.

إلا أنها احتفظت ببعض صفات أسلافها، فعلى الرغم من حياتها في الظلام إلا أنها ما زالت تنجذب ناحية الضوء. كما حافظت على «دورتها اليومية-Circadian cycle» وهي الدورة المسئولة عن تحديد مواعيد النوم والاستيقاظ.

وهذه الصفات المكتسبة لدى «ذباب الظلام-Dark flies» دليل على التطور، حيث ساقت الظروف البيئية الجديدة ذباب الفاكهة لتطوير صفات جديدة لتتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، وهذه التجربة توضح لنا كيف نستطيع مشاهدة التطور في المعامل. [3]

المصادر

[1] PNAS
[2] Oxford
[3] Nature

الأدلة على التطور من علم الأجنة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يهتم «علم الأجنة-Embryology» بدراسة مراحل تكوّن أجنة الكائنات الحية ودراسة تحولاتها أثناء تلك المراحل [1]. ويقدّم علم الأجنة أدلة قوية دامغة على التطور، ولعل من أوائل من حاولوا الربط بين فكرة التطور وعلم الأجنة هو العالم الألماني «إرنست هيكل-Ernst Heackel». رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه مشابهة لأسلافه في مرحلة البلوغ. عرف هذا ب«التلخيص-Recapitulation»، وهذا لأن الجنين – وفقًا لرأي هيكل – يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه [2]. إلا أن هذه الفكرة ليست صحيحة علميًا، فنحن لا نرى مثلًا أجنة الحيوانات البريّة تشابه الأسماك البالغة في أي من مراحل تكوّنها (علمًا بأن الحيوانات البرية تطورت من الأسماك). ولكن لا تؤثر فرضية هيكل لا على نظرية التطور ولا علم الأجنة، ويبقى علم الأجنة محافظًا على موقعه كأحد أقوى فروع العلوم الداعمة للتطور. يُدرس علم الأجنة لطلاب الطب والمتخصصين في النساء والتوليد في كل كليات الطب في العالم تمامًا كما هي نظرية التطور. فتعالوا معنا نتعرف على الأدلة على التطور من علم الأجنة.

كيف يدل علم الأجنة على التطور؟

هل تساءلت يومًا عن سر وحدة مراحل تكوّن الجنين البشري على سبيل المثال؟ فمراحل تكوّن الجنين واحدة لدى جميع الأجنة البشرية، ولكن ما السر وراء هذا؟

تكمن الإجابة في أننا لا نرث من آبائنا وأمهاتنا الصفات الوراثية فحسب، بل نرث منهم كذلك مراحل التكوين. فالجينات تحمل التعليمات والإرشادات التي تقود الجنين للتحول من مجرّد خلية حية إلى كائن مكتمل النمو [3]. وبناء على ذلك، إذا افترضنا تطوّر الكائنات الحية من أنواع أخرى، فيجب أن نرى تكوّن بِنىً جنينية مشتركة بين الكائنات وأسلافها. على سبيل المثال، إذا قلنا أن الحيوانات الأرضية تطورّت من الأسماك، فيجب أن نرى بِنىً جنينية سمكية تتكون لدى أجنة الحيوانات الأرضية (لأنها تحمل الجينات الحاملة لتعليمات تكوين أجنة الأسماك). قد تبدو فكرة غريبة، ولكن تعالوا لنرى الأدلة.

ذيل الإنسان

تمتلك معظم الثدييات ذيولًا تساعدها على التوازن أثناء الحركة، إلا أن البشر عندما اكتسبوا صفة المشي المنتصب فقدوا الحاجة إلى وجود ذيل. وها نحن ذا لا نرى ذيولًا في أجسامنا، ولكن هل نحن حقًا بلا ذيول؟

أثناء الأسبوعين الرابع والخامس من عمر الجنين البشري نلاحظ امتلاك الأجنة البشرية لذيول يبلغ طولها 1/6 طول جسم الجنين. كما نلاحظ أن هذه الذيول تحتوي على عدد من الفقرات يتراوح ما بين 10 و 12 فقرة. إلا أنه بحلول الأسبوع الثامن يبدأ الجنين في فقدان هذا الذيل تدريجيًا ليضمر ويتحول إلى «العصعص-Coccyx» وهو عبارة عن ذيل ضامر. [4]

فها نحن ذا نرى بِنية جنينية ورثنا تعليمات تكوينها من أقاربنا من الثدييات ذات الذيول.

حقوق الصورة: quizlet

«الشقوق الخيشومية-Gill slits»

تمتلك الأجنة البشرية وغيرها من أجنة الفقاريات التي لا تعيش في المياه في بداية مراحل تكوّنها بِنىً تُعرف ب «الشقوق الخيشومية-Gill slits». وهي البِنى التي تتطور وتنمو في أجنة الأسماك لتصبح خياشيمًا تساعدها على التنفس. وعلى الرغم من عدم تنفس الإنسان والحيوانات غير المائية بواسطة الخياشيم إلا أن أجنتها ما زالت تحمل هذه الشقوق الخيشومية كبصمة تدلنا على أسلافنا السمكية. [5]

ولكن هذه الشقوق الخيشومية لا تنمو لتصير خياشيمًا في الثدييات. فكما نرى، لا تستخدم الحيوانات غير المائية الخياشيم في التنفس، فإلى ماذا تتحول هذه الشقوق؟

تنشأ من الشقوق الخيشومية لدى الأجنة البشرية وغيرها من الثدييات تراكيبًا مختلفة كالفك، و«عظام الأذن الداخلية-Inner ear bones» التي تلعب دورًا حيويًا في قدرتنا على السمع. [6]

حقوق الصورة: anatomy book

أرجل الثعابين

على الرغم من كون الثعابين تزحف على بطنها للحركة، إلا أنها مُصنّفة ضمن «رباعيات الأطراف-Tetrapods». وهي الحيوانات التي تمتلك أربعة أطراف، ولكن كيف لنا أن نضعها في هذا التصنيف على الرغم من عدم امتلاك الثعابين لأية أطراف سواء أمامية أو خلفية؟

أحد الأسباب هو أن أجنة الثعابين تمتلك براعم أطراف في أول 24 ساعة من تكوّنها. فعلى سبيل المثال، تنمو لأجنة «الأصلات-Pythons» في ذلك الوقت القصير عظام أطراف خلفية مثل «عظمة الفخذ-Femur»، و«قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». لا تنمو عظام الأطراف بما يكفي لتصير أطرافًا مكتملة النمو، فسرعان ما تبدأ في التحلل. [7]

حقوق الصورة: livescience


وجدير بالذكر هنا أن الأصلات البالغة بالفعل تمتلك عظام أرجل ضامرة مدفونة في العضلات الموجودة بالقرب من نهاية ذيلها. فهي أحد الأعضاء الضامرة التي تدل هي أيضًا على التطور. [8]

وهو ما يشير إلى تطوّر الثعابين من رباعيات الأطراف، حيث أنها ما زالت تحمل تعليمات لتكوين الأطراف على الرغم من أنها تزحف على بطنها، وهذا يعد واحدًا من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة.

أصابع الأحصنة

تمتلك رباعيات الأطراف خمسة أصابع في أطرافها، ولكن إذا نظرنا إلى حيوان مثل الحصان (وهو رباعي الأطراف) وجدناه يمتلك إصبعًا واحدًا. فهل هو فعلا إصبع واحد؟ لنتتبع مسار نموه الجنيني لنرى!

يبدأ الحصان بامتلاك خمسة أصابع في أطرافه، إلا أن الإصبع الأول يلتحم مع الإصبع الثاني. كما يلتحم الإصبع الرابع مع الخامس، ليكوّن كل زوج من هذه الأصابع الملتحمة «عظمة جبيرة-Splint bone». ثم يكمل الإصبع الثالث (الأوسط) نموه ليكون هو الحافر. وهنا يأتي السؤال المهم، لماذا يبدأ جنين الحصان بنمو خمسة أصابع إن كان سينتهي بإصبع واحد؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا في ضوء تطور الحصان من رباعيات أطراف كانت تمتلك خمسة أصابع. [9] وهذا ما يكسب نظرية التطور قوتها كأي نظرية علمية، وهو قدرتها التفسيرية والتنبؤية.

حقوق الصورة: whyevolutionistrue

جماجم الطيور والديناصورات

بتنا نعلم أن الطيور تطورت من ديناصورات، ولكن تقع هنا مشكلة، حيث أنه عند فحص أحافير الديناصورات، نجد امتلاك الديناصور لعظمتين في جمجمته هما «العظمة الأمامجَبهِية-Prefrontal bone»، و«العظمة الخلفمِحجَرية-Postorbital bone». هاتان العظمتان لا وجود لهما في جماجم الطيور الحديثة، فأين ذهبت هذه العظام؟

عند فحص أجنة الطيور سنجد هاتين العظمتين في جماجم أجنة الطيور، إلا أنهما تلتحمان مع عظام الجمجمة الأخرى لتكوين العظام الأنفية والجبهية. كما أن التحام هاتان العظمتان بعظام الجمجمة الأخرى سمح بزيادة حجم العينين وزيادة حجم أدمغة هذه الطيور. [10]

ويُعد نمو هاتين العظمتين لدى أجنة الطيور أثرًا يمكننا الاستدلال به على تطور الطيور من الديناصورات. إذ أن الديناصورات قد أورثت الطيور الجينات المسئولة عن تكوين هاتين العظمتين أثناء مرحلة النمو الجنيني.

أصابع الطيور

تختلف الطيور عن الفقاريات في عدد الأصابع حيث تمتلك الطيور في أجنحتها ثلاثة أصابع، إلا أنها كرباعيات أطراف (الفئة التي تنتمي الطيور إليها) هي امتلاك خمسة أصابع. فكيف هذا؟

عند فحص أجنة الطيور نجد أن أصابعها في بداية نموها تكون خمسة أصابع. ثم تبدأ هذه الأصابع في الالتحام مع بعضها البعض لتصير ثلاثة بدلًا من خمسة. فالثلاثة أصابع الموجودة في أجنحة الطيور هي عبارة عن خمسة أصابع ملتحمة مع بعضها البعض. هذا أيضًا واحد من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة [11]

عضلات الزواحف في جسم الإنسان

تمتلك الزواحف في أيديها عضلات تُدعى “Dorsometacarpales”. وقد اكتشف نمو هذه العضلة في أيادي الأجنة البشرية، ولكنها سرعان ما تختفي أو تلتحم مع عضلات أخرى. يدل هذا على انحدار الثدييات (ونحن منهم) من الزواحف، حيث ورثنا منهم الجينات التي تعطي الأوامر والتعليمات للسماح بنمو هذه العضلة في أيدي الأجنة البشرية على الرغم من عدم وجودها لدى البشر البالغين. [12]

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3] University of Leicester
[4] NCBI
[5] britannica
[6] Lumen learning
[7] Livescience
[8] American Museum Of Natural History
[9] Royal Society
[10] Nature
[11] Genome Biology
[12] Livescience

يوتوبيا الجرذان، التجربة المرعبة التي تنبأت بانقراض البشرية!

حديقة المسرّات الأرضية للفنان هيرونيموس بوش.
حقوق الصورة: https://en.wikipedia.org/wiki/The_Garden_of_Earthly_Delights

اليوتوبيا، أو العالم الفاضل، مفهوم شغل بال المفكرين والفلاسفة لقرون عديدة. وهي كما وصفها أفلاطون مدينة فاضلة خالية من العيوب، وهي مدينة مثالية بكامل نواحيها المادية والروحيّة. ولكن هل هي النعيم الذي نتمناه حقًا؟ وما هي يوتوبيا الجرذان؟

حاول عالِم السلوك الحيواني جون كالهون تطبيق مفهوم اليوتوبيا على الجرذان، ولكن جاءت النتائج عكس ما تخيله تمامًا.

تجربة يوتوبيا الجرذان أو “الكون 25”

حاول كالهون دراسة سلوك الجرذان في بيئة مثالية، وفهم نتائج وجود بيئة مثالية للفئران وما نجم عنها من اكتظاظ سكاني. عمل كالهون على خلق بيئة مثالية بين عامي 1954 و1972. عمل مع المعهد الوطني للصحة العقلية، وأمضى زمنًا يحاول تحسين وتطوير تجربته، وأعادها 25 مرة وفي كل مرة حصل على نتائج متقاربة، ومن عدد التكرارات، جاء اسم “الكون 25”.

خلق الكون 25

كان تصميم البيئة بسيطًا. مستطيل بقياس أربعة عشر قدمًا مقسم إلى أربعة أقسام متساوية مفصولة بأسلاكٍ كهربائية. يجهز كل قسم فيها بمكان للطعام والماء وأماكن خاصة للتزاوج والعيش. بيئة تغيب فيها أخطار أي عدو طبيعي، بالإضافة لكمية غير محدودة من الموارد الغذائية والمائية، وهو العالم المثالي.

من النعيم إلى الفوضى

بغياب أي تهديد لحياة الجرذان بدأت أعدادهم بالتزايد بشكل مضطرد، الأمر الذي أدى للوصول إلى الاكتظاظ السكاني، ومعه بدأ سلوك الجرذان بالتغير بشكل سلبي.

تحول سلوك الجرذان إلى سلوك عدواني شديد وأطلق كالهون على هذا التحول اسم “الحوض السلوكي” وهو زيادة في الأنشطة الباثولوجية “المرضية” بسبب التوتر الناجم عن الاكتظاظ السكاني.

غالبًا ما كان الذكر المهيمن يهاجم الأعضاء الآخرين حتى الأطفال، وكان هناك حالات انحراف سلوكي وافتراس لباقي الجرذان. أما الإناث فقد ابتعدن عن الغريزة الطبيعية لرعاية الصغار، وكان معدل وفيات الصغار يتجاوز 90%.

مرحلة الفناء والانقراض

وضّح كالهون أن مرحلة الانقراض تألفت من جزئين:

الموت الأول

وتميزت هذه المرحلة بغياب الهدف في الحياة بالإضافة لفقدان الرغبة في التزاوج وتربية حديثي الولادة ورعايتهم.

الموت الثاني

وهو الانتهاء الحرفي للحياة في هذه البيئة متمثلًا بموت الجرذان جميعًا وانقراضها. قام كالهون في بعض التجارب بأخذ أربعة أفراد أصحاء للتزاوج ولكن باءت تجربة إعادة التوالد بالفشل بسبب التغير الشديد الذي طرأ على سلوكهم.

التأثر الثقافي وتطبيق النتائج على المجتمعات البشرية

نشر كالهون نتائج أبحاثه عام 1962. تميزت تلك الفترة باهتمام متزايد بمخاطر الاكتظاظ السكاني، وكان للتجربة تأثيرًا ثقافيًا مهمًا. ولاقت اهتمامًا جماهيريًا ممن يعايشون رعبًا من مخاطر الاكتظاظ السكاني في المناطق الحضرية، مثل الانحلال الأخلاقي والتفكك المجتمعي.

قابلية التطبيق على المجتمعات البشرية

هناك جدل واسع حول إمكانية تطبيق التجربة على المجتمعات البشرية. قام عالم النفس جوناثان فريدمان بعدة تجارب لقياس تأثير الاكتظاظ السكاني على سلوك الأفراد، فقاس ارتياحهم وتوترهم حسب الأعداد الموجودة، وأضاف أنه لم يحصل على نتائج سلبية ملحوظة.

نقد النظرية

كانت التجربة ونتائجها مثيرة للجدل لعدة أسباب وأولها أنه من الصعب الاعتماد على سلوك الجرذان وحدها لفهم سلوك البشر، فبالرغم من أن الاكتظاظ السكاني مشكلة حقيقية وواقعية لكنها تظهر بشكل آخر في السلوك البشري، ففي تجارب فريدمان في مراقبة الطلاب ضمن الاكتظاظ السكاني لاحظ وجود تزايد في التفاعل الاجتماعي الإيجابي.

لاحظ أن الجرذان ستعاني من الاكتظاظ السكاني وسيكون مصيرها الانقراض، لكن البشر يتمكنون من التكيف مع هذا التزايد.

إضافة لذلك، لا يمكن خلق بيئة مثالية للبشر لدراسة لسوكهم، فبدلًا من موارد غير محدودة، فموارد البشر الغذائية والمائية محدودة، وغياب الخطر الطبيعي كالأمراض والأوبئة والحروب أمر غير قابل للتطبيق. وفي هذا ما زالت البشرية تواجه خطرًا ولكنه معاكس لمفهوم كالهون، وهو ما طرحه مالتوس في توضيحه ونقده وهو أن التزايد السكاني يتناسب عكسيًا مع التزايد في الموارد.

بالرغم من إثبات شبه استحالة تطبيق النظرية على البشر، وأنه لا خطر علينا من الاكتظاظ السكاني بهذا الشكل، إلا أن النظرية تطرح أفكارًا جديدة، فأثبتت لنا أن النعيم ليس بالضرورة رائعًا، بل من الممكن أن يصبح كابوسًا.

المصادر:
historyofyesterday
smithsonian
borgenprojects
wikipedia

الأدلة السلوكية على التطور

هذه المقالة هي الجزء 1 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن ناقشنا في الجزء الأول الأدلة التشريحية على التطور، ثم انتقلنا إلى مناقشة الأعضاء الضامرة في الجزء الثاني، ورأينا من خلال هذين الجزئين كيف يمكننا أن نتتبع آثار التطور في أجسامنا، نحن اليوم على موعد مع مقال قصير نستعرض فيه بعض السلوكيات التي تسلكها أجسامنا والتي تدلنا على التطور، فما هي الأدلة السلوكية على التطور؟

«القشعريرة – Goosebumps»

عندما نشعر بالبرد ينتصب شعر أجسادنا (يكون ملحوظًا في شعر اليدين)، ونُصاب بالقشعريرة. تحدث القشعريرة بسبب انقباض «العضلات المُقِفّة للشعرة-Arrector pilli muscles»، الموجودة في بصيلات الشعر. يتسبب ذلك الانقباض في انتصاب شعر أجسادنا، ولكن ما هو التفسير التطوري للقشعريرة؟

يمكننا تتبع نفس السلوك (القشعريرة) في أقربائنا من الثدييات لمعرفة وظيفته. فمعظم الثدييات تمتلك الكثير من الشعر، ولذا فعندما تشعر بالبرد وتُصاب بالقشعريرة، ينتصب الشعر الذي يكسو أجسامهم. يتسبب انتصاب الشعر باحتباس الهواء لتشكيل طبقة عازلة للحد من تدفق الحرارة خارج أجسامهم، وهو ما يحميهم من البرد. ولهذا ما زلنا نصاب بالقشعريرة وقت شعورنا بالبرد على الرغم من عدم مساهمة ذلك في الحفاظ على دفء أجسامنا. فالبشر قد فقدوا الكثير من الشعر على أجسامهم عند تطورهم من سكن العراء إلى الكهوف والمنازل. [1]

«الحازوقة – Hiccups»

قد يكون موقفًا محرجًا عندما تصاب بالحازوقة في مكان عام أو وسط محادثة. ولكي نفهم سبب إصاباتنا بالحازوقة (التي لا يبدو أن لها أي وظيفة) علينا أولًا أن نفهم كيف تحدث؟

تحدث الحازوقة عند حدوث انقباض مفاجئ في الحجاب الحاجز، مصحوبًا بصعود الجزء الخلفي من اللسان مع سقف الفم للأعلى وانغلاق الأحبال الصوتية. تتسبب تلك الحركات في صوت الحازوقة المعروف، ولكن ما علاقة التطور بهذا؟

نتشارك آلية الحازوقة مع «البرمائيات-Amphibians»، لنأخذ «الشرغوف-Tadpole» على سبيل المثال. يتنفس الشرغوف في المياه عن طريق ملء فمه بالماء، ثم ينقبض «لسان المزمار-Glottis». يقوم الشرغوف بدفع المياه إلى الخارج عن طريق الخياشيم. ليست هذه الآلية حكرًا على الشرغوف فقط، وإنما يتشارك معه فيها أسماك «الغار-Gar»، و«السمكة الرئوية-Lungfish»، والعديد من البرمائيات ذات الخياشيم.

ومن العجيب أن تعلم أننا لا نتشارك الحازوقة مع البرمائيات في الآلية وحسب، بل حتى في الإشارات الكهربائية الدماغية. حيث أن انقباض الحجاب الحاجز والحازوقة يُستثاران بإشارات كهربائية تُوّلَد في «جذع الدماغ-Brain stem». إلا أن جذع الدماغ عند البرمائيات يوّلد إشارات كهربائية مشابهة لهذه التي تسبب الحازوقة عندنا، لتكون مسئولة عن حركة الخياشيم المنتظمة.

فقد ورثنا الحازوقة من أسلافنا من البرمائيات التي كانت تتنفس عن طريق خياشيمها. يعد هذا أحد الأدلة السلوكية على التطور. [2]

«منعكس القبض الراحي – Palmar grasp reflex»

تنقبض أيادي الرضع حول أي شيء يلامس أسطح أيديهم. وكغيره من السلوكيات المذكورة أعلاه، فله أصل تطوري، حيث أن رد الفعل هذا يكون مفيدًا في صغار القرود ليساعدهم على التشبث في شعر أجساد أمهاتهم. إلا أنه لم يعد يؤدي وظيفته الرئيسية الآن، فالجسم البشري لا يملك كمية الشعر الكافية التي تسمح بتشبث الأطفال فيه. كما أظهرت بعض الأبحاث قدرة قبضة الأطفال على حمل وزن أجسامهم لمدة 10 ثوانٍ إذا ما تعلق بقضيب أفقي، إلا أن الأطفال لا يحتاجون إلى قبضة بهذه القوة. لذلك يعد هذا من الأدلة السلوكية على التطور. [3]

المصادر

[1] NIH
[2] livescience
[3] britannica

رحلة حول أهم التساؤلات عن الأحلام«كيف ومتى ولماذا نحلم؟»

لطالما كانت الأحلام محل جدال ونقاش كبير في الأوساط العلمية وغير العلمية منذ قديم الأزل. كما طُرحت العديد من التساؤلات حول الأحلام. كيف؟ ومتى؟ ولماذا نحلم؟ فاجتهد البعض لإيجاد إجابة لهذه التساؤلات وطرح البعض الآخر نظرياته. و بالتالي سنأخذكم في رحلة خلال هذا المقال إجابات علمية حول أهم التساؤلات عن الأحلام.

ما هو الحلم؟

يرتاح جسمنا أثناء النوم، لكن يظل عقلنا نشطًا ويعمل على حفظ وترتيب الأحداث اليومية، والتخلص من الأحداث غير الهامة، وخلال ذلك يمر العقل ببعض التخيلات والتهيؤات خلال مرحلة «حركة العين السريعة- (rapid eye movement(REM» والتي تُعرف بالأحلام. حيث ينفصل العقل عن الواقع ويُنشئ قصة وعالم وخاصين به. كما لا يوجد حدود لكمّ الأشياء التي يمكننا الحلم بها سواء كانت تجربة مررنا بها أو حدث ما عابر. [2] [1]

كيف ومتى نحلم؟

نحن نمر خلال النوم بخمسة مراحل متكررة، آخرها هي الـ REM وهي أكثر مرحلة مقترنة بالأحلام.
خلال مرحلة الـ REM يحدث بعض التغيرات:

  • يكون الدماغ في أعلى مراحل نشاطه خلال النوم.
  • زيادة استهلاك الدماغ للأوكسجين.
  • ارتفاع معدل التنفس.
  • زيادة ضربات القلب.
  • اربتفاع ضغط الدم.
  • تغيرات في درجة حرارة الجسد.
  • تهيج جنسي. [1]

يرسل الدماغ في مرحلة الـ REM إشارات عصبية تعمل على شلل مؤقت للعضلات وخصوصًا الأطراف، لكي يمنعنا من التفاعل مع أحلامنا في الواقع مما قد يؤدي إلى أذية أنفسنا أو من حولنا ،وتسمى هذه بـ «الحالة التناقضية-Paradoxical stat»، حيث يكون العقل في حالة نشاط يكون صور ذهنية والجسم في حالة ارتخاء. [6] [1]

أهمية الأحلام «لماذا نحلم؟»

اختلف الباحثون على إيجاد سبب واضح لأهمية الأحلام، إلا أن البعض قدم بعض الاقتراحات:

1- التدرب على «المواجهة أو الفرار-fight or flight»

تُعتبر «لوزة المخ- amygdala» من أكثر مناطق المخ نشاطا خلال الأحلام، وهي المسؤولة عن غريزة البقاء، كما أنها تكون نشطة خلال الأحلام أكثر من بعد الاستيقاظ. لذا يفترض بعض الباحثين أن العقل يقوم بالتدرب للتعامل مع التهديدات المختلفة. [2]

2- التدرب خلال «الأحلام الصافية-Lucid Dreams»

قد يتمكن بعضنا من تطويع أحلامه عن طريق التحكم في مجريات وأحداث الأحلام دون استيقاظ. وبناءًا على ذلك، اقترح بعض الباحثين أنه يمكننا التدرب على حدث ما مستقبلي خلال أحلامنا. مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن اكتساب مهارة جديدة أو تعلم شيء خارج حدود العقل. [1]

3- تخزين المعلومات والتذكر

تساعد الأحلام على تخزين المعلومات المكتسبة يوميًا، أشارت بعض الدراسات إلى أن المعلومات التي نتعلمها ونحلم بها نستطيع تذكرها بشكل أكبر من التي لم نحلم بها. حيث أنها قد تساعد أيضا في التخلص من الأحداث الغير الهامة. [2]

4- الاستشفاء

أظهرت بعض الدراسات أن الأحلام تساعد العقل للتخلص من المشاكل النفسية، حيث وجد الباحثين إن بعض مرضى الاضطراب النفسي لا يحلمون أثناء نومهم. [3]     

إنذار مبكر لمشاكل صحية

يتواصل جسدنا مع عقلنا بواسطة الأحلام. قد يرسل جسدنا إشارات مبكرة للعقل بوجود خلل ما في الجسم والذي يترجم على شكل أحلام. [1]

الإبداع وحل المشاكل «تكمن الحلول داخل أعماقنا»

الكثير من الرسّامين والمغنيين والكتّاب والعلماء استمدوا أفكارهم من الأحلام، حيث إن الأحلام تفتح أفاق جديدة في عقلك التي تكون مقيدة وقت الاستيقاظ. فمن أشهر الأمثلة هو العالم «أوجست كيكوليه- August Kekulé» الذي اكتشف شكل حلقة جزيء البنزين خلال حلمه! [4]

تفسير الأحلام

كان لتفسير الأحلام اهتمام كبير من قديم الأزل، بداية من حضارة بلاد الرافدين مرورا بالحضارة المصرية القديمة وصولًا إلى وقتنا الحالي. قرر العالم النفسي الشهير «سيجموند فرويد-Sigmund Freud»معالجة الموضوع معالجة علمية، لقد انتهج طريقًا صعبًا لتفسير الأحلام، حيث اعتمد على نفسه في إجراء تجاربه، فكان يدون أحلامه ويحاول ربطا بتفاصيل حياته حتى الشخصية منها. فلم يكن يعتقد أن الأحلام لا معنى لها بل إن كل تفصيله في الحلم ترمز إلى شيء بحياتنا اليومية. حيث كان يعتقد أنه من الأسلم والأدق عدم إجراء تجارب على مرضاه حيث إنهم بالفعل مصابين ببعض الاضطرابات مما يؤدي لعدم دقة النتائج وتعميمها على البشر.

قسّم سيجموند فرويد الأحلام إلى أحلام ظاهرية وأحلام باطنية. وقام بتعريف الأحلام الظاهرية أنها الأحلام التي لها علاقة مباشرة بالأحداث اليومية، أما الأحلام الباطنية قد تظهر بأحداث لا معني لها لكنها ترمز إلى أشياء مهمة مرتبطة بنا عاطفيا، وكلاهما عمل فرويد على تفسيرهما وخصوصا الأحلام الباطنية حيث حاول تفسير وتعميم كل رمز لا معني له في تلك الأحلام ومطابقته مع واقع الحالم. [5]

العوامل المؤثرة على تكرار الأحلام

العوامل التي تؤثر على تكرار الأحلام

كما ذكرنا سابقا معظم أحلامنا تحدث خلال مرحلة ال REM وكلما زادت، زادت معها الأحلام. فتحدث الأحلام بمعدل أكبر في الرضع عن الكبار حيث إن مرحلة ال REM تستحوذ على 50% من مراحل النوم عند الرضّع وتقل في الكبار لتصل إلى 18% فقط حيث إن العقل تقل مرونته. [6]
وهناك بعد العوامل التي قد تؤثر في حدوث الأحلام:

  • التوتر.
  • القلق.
  • الاكتئاب.
  • زيادة الوزن.
  • بعض العقارات المهلوسة.
  • السعادة. [1]

الأحلام التي نحلم بها لا تستيقظ معنا في الصباح

أثبتت الدراسات أنه لا يستطيع 90-95% من الأفراد تذكر الأحلام بعد الاستيقاظ [1]. وقد يُعزى السبب في ذلك نقص الهرمونات المسؤولة عن اَلتَّذَكُّر مثل الـ «نورأدرينالين-noradrenaline» أثناء الأحلام. [2]

لكي نكون أدق، الأحلام في الواقع لا ننساها لكننا لا نستطيع استرجاعها، قد تكون لعدم أهميتها مقارنة بأحداث أخرى أهم، وقد نتذكر الأحلام بعد فترة ما في حال إذا ما صادفنا حدث ما مشابهة لذلك الحلم، حينها نكن قادرين على استرجاع الحلم.

أحد الحقائق المهمة هو أننا نستطيع تذكر الأحلام التي استيقظنا خلالها وهذا قد يفسر سبب تذكرنا للكوابيس أكثر من الأحلام السعيدة حيث أن معظم الأفراد يستيقظون بشكل مفاجئ خلال الكوابيس، كما تترك طابع نفسي شيء مما يزيد قدرتنا علي استرجاع تلك الكوابيس. [2]

المصادر

  1. medlife
  2. healthline
  3. ted
  4. كتاب “From Alchemy to Chemistry” لـ John Read
  5. كتاب “The Interpretation of Dreams” لـ Sigmund Freud
  6. time
Exit mobile version