لماذا تختلف وتتنوع أشكال المجرات ؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

يعج كوننا بمليارات المجرات المختلفة، والتي غالبًا ما تزين سماءنا في شكل أضواء خافتة نحسبها نجومًا. بعض المجرات شبيه بمجرة درب التبانة، قرص أزرق منتفخ وأذرع لولبية على الأطراف. وبعضها الآخر يميل إلى البساطة ويتخذ شكل كرات حمراء. أما أكثرها تفردًا وجمالًا فتكون ما بين بين، عشوائيةً غير متناظرة. ولكن لما كل هذا التنوع؟ وما السر وراء أشكال المجرات المختلفة؟

تصنيف المجرات

يخبرنا شكل المجرة عن قصة حياتها وتطورها. وتصنف المجرات ضمن أربع مجموعات رئيسة حسب شكلها؛ هي: «المجرات الحلزونية أو اللولبية-Spiral galaxies»، و«المجرات البيضوية-Elliptical galaxies»، و«المجرات غير المنتظمة-Irregular galaxies»، و«المجرات العدسية أو المحدبة-Lenticular galaxies». [1]

وقد توصل العلماء إلى أشكال المجرات ثلاثية الأبعاد اعتمادًا على آلاف الصور ثنائية الأبعاد الملتقطة لها. وبالاستعانة ببعض الخواص الأخرى كلون المجرة وطبيعة حركتها. على سبيل المثال، يشير لون المجرة الأزرق لاحتوائها على عدد أكبر من النجوم الحديثة التي تكون أكثر حرارة. في حين يشير اللون الأحمر لاحتواء المجرة على عدد كبير من «الأقزام الحمراء-Red dwarfs» (مرحلة متأخرة من حياة النجوم) وبالتالي عمر تقديري أكبر.  [2]

المجرات اللولبية

بنيتها وخواصها

تشبه المجرات اللولبية البيضة المقلية: «انتفاخ-Bulge» في الوسط و«أذرع لولبية-Spiral arms» نحو الخارج. يتكون الانتفاخ من أعداد كبيرة من النجوم القديمة، مما يعطي الانتفاخ لونه الأقرب إلى الأصفر. أما الأذرع اللولبية فتتكون من عدد أقل من النجوم يقل تدريجيًا بالاتجاه نحو الخارج. ويشكل الغاز والغبار القسم الأكبر من منها، ويغلب عليها اللون الأزرق؛ لأن نجومها حديثة التشكل. ومن أمثلة المجرات اللولبية مجرة درب التبانة ومجرة المرأة المتسلسلة المعروفة ب «أندروميدا-Andromeda».

مجرة اندروميدا
حقوق الصورة: ESA/Hubble & NASA

كما تصنف المجرات اللولبية في ثلاث مجموعات فرعية هي: Sa و Sb و Sc، وتندرج مجرة درب التبانة في مجموعة Sb. تتميز مجرات المجموعة Sa بأذرع لولبية غير متمايزة بالكاد تُرى، بالإضافة إلى انتفاخات مركزية كبيرة. أما مجرات المجموعتين Sb وSc فلها أذرع لولبية سهلة التمييز وانتفاخات أصغر حجمًا. [3]

تصنيف المجرات اللولبية
حقوق الصورة: Space Facts

تشكلها

أما شكلها اللولبي فيعود لكيفية تشكلها. فبحسب النظرية؛ تتشكل المجرات اللولبية من سحب عملاقة من الهيدروجين. تتقارب فيها جزيئات الغاز من بعضها بفعل الجاذبية. فتزداد كثافة الغاز وقوة جاذبيته ويبدأ بالدوران. تزداد سرعة الدوران تباعًا لازدياد الكثافة إلى أن تنهار السحابة على نفسها مشكلةً قرصًا دوارًا من الغاز. تنشأ النجوم في مناطق تجمع الغاز لتدور حول مركز المجرة، مثلها مثل جزيئات الغاز والغبار الأخرى. فنرى أن طبيعتها الدوارة تعطيها شكلها اللولبي المميز. وقد سماها الفلكي الشهير «إدوين هابل-Edwin Hubble» المجرات المتأخرة؛ لأنه اعتقد أنها تشكلت في مرحلة متأخرة من تطور الكون. [4]

المجرات البيضوية

بنيتها وخواصها

تبدو هذه المجرات بيضوية الشكل دون أي قرص أو انتفاخ أو أذرع مميزة مع كميات أقل من الغاز والغبار. أما لونها فيميل للأحمر؛ فهي تجمعات من النجوم القديمة. تدور النجوم فيها بطريقة عشوائية أكثر من نظيرتها اللولبية، كما أنها أكبر حجمًا منها.

مجرة M87 البيضوية
حقوق الصورة: Canada-France-Hawaii TelescopeJ.-C. Cuillandre (CFHT), Coelum

تصنف المجرات البيضوية في ثمان مجموعات فرعية أولها E0 وأخرها E7. تكون مجرات المجموعة E7 أكثر استطالةً من غيرها، في حين تبدو المجرات E0 أقرب إلى الشكل الكروي. [5]

تصنيف المجرات البيضوية
حقوق الصورة: Space Facts

تشكل المجرات البيضاوية

في معظم الحالات؛ تتشكل المجرات البيضوية من اندماج مجرتين آخرتين. حيث تندمج مجرتان لهما الكتلة ذاتها تقريبًا، فتشد كل منها الأخرى بنفس القوة مشتتةً مدارات النجوم ومعطيةً المجرة شكلها البيضوي. كما يعتقد العلماء أن مجرة أندروميدا ستندمج مع مجرتنا بعد حوالي أربعة مليارات سنة، مشكلين مجرةً بيضوية عملاقة. [6]

وليس كل اندماج مجري يؤدي إلى تشكل مجرة بيضوية. فمجرتنا اللولبية درب التبانة قديمة وكبيرة الحجم، ولكنها لا تزال محافظة على شكل قرصها، لأنها تندمج مرارًا وتكرارًا مع مجرات أصغر منها، وتسحب الغبار والغاز المتناثرين في الكون. [7]

المجرات غير المنتظمة

بنيتها وخواصها

من أمثلتها سحابتي ماجلان الكبيرة والصغيرة. وكما يخبرنا اسمها؛ هي تجمعات من النجوم والغاز والغبار ذات شكل غير محدد أو منتظم. أما لونها فغالبًا ما يميل إلى الأزرق؛ لأنها تنتج عن اندماج مجرتين لولبيتين نجومهما حديثة.

سحابة ماجلان الكبيرة
حقوق الصورة: Carlos Fairbairn

تشكلها

باختصار؛ المجرات غير المنتظمة هي عملية اندماج غير مكتملة. حيث أن عمليات اندماج المجرات ليست فوريةً على الإطلاق، بل تستغرق مئات ملايين السنين على الأقل. لذلك تحصل عدة عمليات اندماج حاليًا في الكون دون أن نلاحظها، فلشدة بطئها نحسبها مجرة ثابتة لا مجرتين تندمجان. [8]

المجرات المحدبة

بنيتها وخواصها

تبدو المجرات المحدبة مزيجًا بين المجرات اللولبية والبيضوية، حيث تتكون من قرص دوّار بيضوي الشكل يشبه العدسة المحدبة، ولكن دون أذرع لولبية. كما أنها مجموعة أقل شيوعًا من غيرها. أما لونها فيميل للأحمر كالمجرات البيضوية؛ لأنها تجمعات من النجوم القديمة يتخللها كميات قليلة من الغاز والغبار.

مجرة; NGC 5866 المحدبة
حقوق الصورة: NASAESA, and The Hubble Heritage Team (STScI/AURA)

تشكلها

يعتقد العلماء أنها تتشكل عند نفاذ وقود مجرة لولبية، وتصبح غير قادرة على تكوين المزيد من النجوم، فتبدأ النجوم القديمة بالتفاعل مع بعضها البعض. وتطبق كل من النجوم قوة شد جاذبية على قرائنها، فتختفي الأذرع اللولبية ويبقى القرص الدوار الذي يصبح أكثر استطالة. [9]

وحتى الآن؛ لا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن أشكال المجرات وخواصها. كما لا يزال تَشكّل المجرات وتطورها من أكبر الأسئلة المفتوحة في علم الفلك والفيزياء الفلكية.

المصادر:

[1] Hubble Space Telescope

[2] Oxford Academic

[3] Space

[4] Scientific American

[5] Space-2

[6] Oxford Academic-2

[7] California Institute of Technology

[8] NASA

[9] Astronomy & Astrophysics

8 أشياء كانت لتحدث لو أن الأرض مسطحة

احتضنت الكرة الزرقاء الباهتة التي ندعوها الأرض عدة جماعات بشرية أنكرت كرويتها، فالاعتقاد بأن الأرض مسطحة قديم قدم الحضارة البشرية. لا سيما أن انحناء الأرض غير مرئي من أعلى جبال الأرض، بل يحتاج على الأقل ل 11000 متر من الارتفاع. وفي جميع الأحوال؛ تطورت التكنلوجيا بما يكفي وسمحت لنا بالسفر أبعد من ذلك لرؤية كرويتها. كما طورنا من العلوم ما يكفي لنعلم أن كوكبًا مسطحًا غير ممكن أساسًا. لكن الاعتقاد بتسطح الأرض لا يزال أشيع مما نتصور!

فيما يلي 8 أشياء كانت لتحدث لو أن الأرض مسطحة:

وداعًا للجاذبية التي نعرفها

بما أن  الأرض كروية؛ تشد الجاذبية جميع الأجسام بشكل متساوٍ نحو مركزها. ففي الحقيقة؛ قوة الجاذبية هي المسؤولة عن جعل كوكبنا كرويًا. وكون الأرض مسطحة يستلزم بالضرورة عدم وجود قوة الجاذبية التي نعرفها. لأنها بوجودها ستحول الأرض إلى كرةٍ من جديد.

إذاً؛ لن يكون للأرض المسطحة-إن وجدت- جاذبية على الإطلاق، لأن قرصًا صلبًا مسطحًا كالأرض ينافي قوانين الجاذبية التي نعرفها، ذلك وفقًا لحسابات عالم الرياضيات والفيزيائي «جيمس ماكسويل-James Maxwell» في خمسينيات القرن التاسع عشر. [1]

وحتى لو غضضنا النظر عن ذلك، واعتبرنا وجود الجاذبية ممكنًا على الأرض المسطحة، فستكون تجربتنا مختلفة تمامًا. حيث ستشد الجاذبية جميع الأجسام نحو مركز القرص، أي باتجاه القطب الشمالي. في هذه الحالة، سيصبح الشد أفقيًا وباتجاه المركز كلما ابتعدت عن القطب الشمالي، مما سيعيث فسادًا في العالم. كما سيصبح من السهل تحقيق أرقام قياسية جديدة في رياضة القفز الطويل، ما دمت توجه جسدك شمالًا قبل القفز. [2]

«توجه الجاذبية-Gravitroprism» هي حركة نمو النباتات استجابة للجاذبية الأرضية، فتنمو الجذور للأسفل والأغصان للأعلى. لو كانت الجاذبية موجهةً نحو القطب الشمالي في حالة الأرض المسطحة؛ لرأينا النباتات تنمو بشكل مختلف تمامًا.
حقوق الصورة: GettyImages

لن يكون هناك غلاف جوي

لن تستطيع الأرض المسطحة إبقاء طبقات الغاز المعروفة بالغلاف الجوي دون وجود الجاذبية التي تشدهم أساسًا. وبالتالي ستظلم السماء؛ لأن الضوء القادم من الشمس ينتثر عند مروره في الغلاف الجوي ملونًا سماءنا بالأزرق. وفي جميع الأحوال، سنموت اختناقًا قبل رؤية أي من ذلك. كما ستغلي المياه دون غلاف جوي يحميها. ولنفهم ذلك لا بد أن نبدأ بعملية الغليان ذاتها، حيث تغلي المياه عندما يصبح ضغط بخارها مساويًا للضغط الجوي. ولك أن تتخيل ما قد يحدث دون وجود غلاف أو ضغط جوي! والأكثر من ذلك؛ غالبًا ما ستتجمد أية مياه متبقية على الأرض دون وجود غلاف جوي يحافظ على استقرار درجات الحرارة. [3]

طقس غائم مع احتمال تساقط الأمطار

وبما أن الجاذبية تتجه نحو مركز القرص وهو القطب الشمالي في حالة الأرض المسطحة؛ ستهطل الأمطار باتجاه القطب أيضًا. ذلك لأن الأمطار تتساقط على الأرض بسبب الجاذبية وتتجه نحو مركزها. وسيصبح المطر أفقيًا أكثر كلما ابتعدت عن المركز. أما إذا أردت مشاهدة المطر يتساقط عموديًا كما نعهده على أرضنا الكروية، عليك السفر نحو مركز القرص!

 ولربما تتدفق مياه البحار والأنهار باتجاه القطب الشمالي، جاعلةً من حواف القرص أرضًا قاحلةً. [2]

الأمطار الأفقية.
حقوق الصورة: Blogspot

ما أسهل الضياع على الأرض المسطحة

من الواضح أن لا أقمار صناعية ستدور حول أرض مسطحة، فقد تواجه مشاكلًا في الدوران حول قرص مسطح. وبالتالي لن تعمل الأقمار الصناعية التي تعتمد عليها تكنلوجيا العالم، ومن أبرزها «نظام تحديد المواقع العالمي-Global Positioning System» المعروف اختصارًا بGPS .

فنحن نعتمد على أنظمة ملاحة الأقمار الصناعية العالمية في كل شيء تقريبًا، بدءًا من خدمة GPS على هاتفك، وإدارة معلومات السفر وغيرها. كما تستخدم خدمة GPS لتحديد مواقع المتصلين في حالات الطوارئ، فقد تنقذ الأقمار الصناعية حياتك!

من الصعب تخيل العالم دون خدمة تحديد المواقع التي سنضيع من دونها. ولكن من جهة أخرى؛ يمكن لقاطني الأرض المسطحة الاستدلال بالمطر الأفقي الذي يشير إلى الشمال! [4]

بعض الرحلات ستستمر للأبد

من المتوقع أن تأخذ الرحلات وقتًا أطول على الأرض المسطحة، فبالإضافة إلى تعطل أنظمة الملاحة العالمية؛ سنحتاج للسفر لمسافات أطول بكثير. فبحسب خرافة الأرض المسطحة؛ يقع القطب الشمالي في مركز الكوكب، بينما يشكل القطب الجنوبي حاجزًا جليديًا يحيط بحواف الأرض. كما أن هذا الحاجز يمنع الناس من السقوط عن الحافة.

وفي جميع الأحوال، لن تتمكن من الطيران حول العالم؛ بل عليك الطيران عبره، مما يزيد المسافة بشكل كبير. مثلًا؛ لكي تسافر من أستراليا (التي تقع على طرف الأرض المسطحة) إلى «محطة ماكموردو-McMurdo» في القطب الجنوبي (التي تقع على الجانب الآخر من الخريطة)؛ عليك الطيران عبر القطب الشمالي بأكمله بالإضافة إلى أمريكا الشمالية والجنوبية. [5]

خريطة الأرض المسطحة.
حقوق الصورة: livescience

لا مزيد من الشفق القطبي، وسنتحمّص على الأرض المسطحة

على أرضنا الكروية، تدور المعادن المنصهرة حول نواة الكوكب، مولدةً التيارات الكهربائية التي تشكل الغلاف المغناطيسي الذي يحمي الكوكب. حيث تنحني خطوط الحقل المغناطيسي المتولد حول الكوكب منطلقةً من قطب للآخر. أما على الأرض المسطحة، وبدون نواة صلبة لتولد الحقل الحامي للكوكب، لن نستطيع رؤية «الشفق القطبي-Aurora» لسببين؛ أولهما أنه لن يوجد شفق قطبي، والثاني أننا لن نوجد حينها.

يعرف الشفق القطبي أيضًا بأضواء الشمال، وهي ظاهرة خلّابة تحدث عند اصطدام الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس بجزيئات الأوكسجين والنيتروجين في الغلاف المغناطيسي، فتطلق طاقةً على شكل أضواء في السماء. [6]

الشفق القطبي.
حقوق الصورة: sciencenews

وفي جميع الأحوال، لن نهتم بالشفق القطبي عندها، فبدون الغلاف المغناطيسي تصبح الأرض عرضةً للرياح والعواصف الشمسية. وستتعرض الأرض بما فيها من كائنات للإشعاعات الشمسية المميتة، متحولةً لبقعة قاحلة شبيهة بجارها المريخ. [7]

سماء ليلٍ واحدة لجميع البشر

تقسم الكرة الأرضية إلى نصفين شمالي وجنوبي، ويرى راصدو السماء في كل نصفٍ أجرامًا سماويةً مختلفة. في حين لا تقسم الأرض المسطحة أبدًا. بالتالي يصبح رصد السماء أسهل أينما كنت على الأرض، حيث لن تضطر للسفر إلى نصف كرة آخر لترصد بعض الأجرام السماوية على لائحتك الفلكية. أوليس ذلك أمرًا جيدًا؟

في هذه الحالة، لن نستطيع رؤية قسم كبير من السماء القابعة أسفل الأرض المسطحة، وسنفقد عدة اكتشافات علمية لم تكن لتتم لولا قدرتنا على رصد 360 درجة من الكون المنظور. لكننا قد نحل ذلك بإطلاق تلسكوبات فضائية تزودنا برؤية أوسع للكون. [8]

وداعًا للأعاصير على الأرض المسطحة

تسبب الأعاصير أضرارًا جسيمةً على الأرض سنويًا. ففي عام 2017 سبب إعصار «هارفي-Harvey» وحده خسائر تقدر ب 125 مليار دولار للولايات المتحدة الأمريكية. [9] والأعاصير هي عواصف استوائية أساسًا، اكتسبت طبيعة دوّارة مدمرة بفعل تأثير «كوريوليس-Coriolis». حيث يسبب تأثير كوريوليس دوران العواصف في نصف الكرة الشمالي بجهة دوران عقارب الساعة، بينما تدور عكسها في النصف الجنوبي. [10]

في حين لن يكون هناك تأثير كوريوليس على أرض مسطحة وثابتة، وبالتالي لن تتشكل أية أعاصير. ولنفس السبب لا تحدث أعاصير في المنطقة بين 5 درجات شمال وجنوب خط الاستواء؛ حيث ينعدم تأثير كوريوليس عند خط الاستواء. [11]

وما دمنا نتنفس على الأرض، ونسافر بسرعة مستخدمين GPS، ونرى الشفق القطبي والأمطار العمودية؛ يمكنك التأكد أن الأرض كروية. فلو كانت مسطحة لما كنا على قيد الحياة لنقر بذلك!

المصادر:

1– livescience

2- Colombia climate school

3- BBC Science focus

4- BBC News

5- Scientific American

6– NASA

7- NASA2

8- Space

9-NOAA

10- NASA3

11- NASA4

هل يوجد نمط ما في الكون أم أنه عشوائي تمامًا؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تساءل علماء الكونيات لعقود من الزمن عما إذا كانت بنية كوننا كسوريّة – «الكسوريات-Fractals» – على المقياس الكبير. أي ما إذا كانت بنية الكون تبدو ذاتها مهما كبر مقياسنا؟ وبعد إتمام العلماء مسح شامل للمجرات توصلوا أخيرًا لما يبدو أنه إجابة: لا، ولكن بدرجة ما. ففي مطلع القرن العشرين؛ لاحظ الفلكيون أن كوننا واسع بشكل لا يصدق. وقد بدأ ذلك الفلكي الشهير «إدوين هابل-Edwin Hubble» عند اكتشافه المسافة الشاسعة التي تفصلنا عن مجرة «المرأة المتسلسلة-Andromeda»، أقرب المجرات إلى درب التبانة. كما رأى الفلكيون أن المجرات متناثرة قرب بعضها وبعيدة عن بعضها الآخر. لذلك ظهر السؤال التالي: هل يوجد نمط معين في توزيع تلك المجرات أم أن الكون عشوائي تمامًا؟

في البداية بدا التوزيع عشوائي كليًا. فقد رأى الفلكيون عناقيد مجرية عملاقة، يحتوي كل منها على آلاف المجرات. كذلك رأوا مجموعات أصغر من المجرات، ومجرات وحيدة أيضًا. واعتمادًا على عمليات الرصد هذه؛ جزم العلماء بغياب نمط شامل وأن الكون عشوائي.

تقبل الفلكيون ذلك بصدر رحب، فقد سبق وافترضوا فكرة تعرف باسم «المبدأ الكوني-The Cosmological Principle»، والتي تفترض أن الكون «متجانس-Homogeneous» تقريبًا (أي متماثل في جميع الأماكن)، وأنه «متماثل-Isotropic» (أي هو ذاته أينما نظرت من أي اتجاه). وحزمة من المجرات والعناقيد العشوائية تناسب ذلك المبدأ.

ولكن في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أصبحت الدراسات الاستقصائية للمجرات معقدةً بما يكفي لتكشف عن بدايات نمط في توزيع المجرات في الكون. فإلى جانب العناقيد المجرية، وجدوا أيضًا خيوط رفيعة من المجرات، بالإضافة إلى فراغات شاسعة من اللا شيء. وقد سمى الفلكيون ذلك «الشبكة الكونية-The cosmic web». حيث يخالف هذا النمط المبدأ الكوني، لأنه يعني أن المناطق الواسعة من الكون لا تبدو مثل المناطق الأخرى منه. [1] ربما هناك المزيد لنعرفه!

كون داخل كون آخر

اقترح عالم الرياضيات «بينويت ماندلبروت-Benoit Mandelbrot» وأب «الكسوريات-Fractals» فرضية لحل مشكلة الكون العشوائي. بدايةً، غالبًا ما تكون الكسوريات عصية على التعريف الدقيق، ولكنها بسيطة بما يكفي على الحدس. فهي ببساطة أنماط تتكرر مهما كبّر أو صغّر مقياسك.

يجدر بالذكر أن ماندلبروت لم يبتكر مبدأ الكسوريات، فقد درسها علماء الرياضيات لعصور سبقته. لكنه هو من صاغ كلمة “كسوري” وأدخلها في دراساتنا الحديثة عن المبدأ. [2]

تحيط بنا الكسوريات في كل مكان، ويمكننا رؤيتها في الطبيعة. فإذا كبّرت ندفة ثلج ترى ندفات ثلج مصغّرة. وإذا كبّرت أغصان شجرة ما سترى أغصان أخرى مصغرة. أما رياضيات الكسوريات فمكنتنا من فهم بنى كثيرة متشابهة في الكون.

وضع ماندلبروت فرضية تنص على:

إذا كانت الكسوريات في كل مكان؛ فلربما يكون الكون بأكمله كسوري. ولربما ما رأيناه من بدايات نمط في توزع المجرات يكون بداية أعظم كسوري ممكن. وربما إن استطعنا القيام بدراسات استقصائية أكثر تعقيدًا؛ قد نجد شبكات كونية داخل شبكات كونية، تملأ كوننا إلى ما لا نهاية. [3]

كون متجانس

اكتشف الفلكيون المزيد عن الشبكة الكونية، وعرفوا المزيد حول تاريخ الانفجار العظيم، ثم أتوا بعدة طرق لشرح وجود أنماط على النطاق الواسع من الكون. توقعت هذه النظريات أن الكون لا يزال متجانسًا على المقاييس الكبيرة للكون، مقاييس أكبر بكثير مما رصده العلماء من قبل.

لم نتوصل إلى الاختبار النهائي لفكرة الكون التجزيئي من قبل، ولكن تقنيات هذا القرن مكنتنا من ذلك. حيث استطاعت عمليات المسح والاستقصاء الهائلة مسح مواقع ملايين المجرات، ورسم صورة للشبكة الكونية على مقاييس كبيرة لم تُرصد من قبل، مثل «مسح سلووان الرقمي للسماء-Sloan Digital Sky Survey».

إذا كانت فكرة الكون الكسوري صحيحة؛ لتمكننا من رؤية شبكتنا الكونية متضمّنة داخل شبكة كونية أكبر. أما إذا كانت خاطئة؛ ستتوقف الشبكة الكونية عن كونها كذلك عند نقطة ما، وسيبدو أي جزء عشوائي من الكون كأي جزء عشوائي آخر (إحصائيًا).

النتيجة أن الكون متجانس، ولكن على مقياس هائل. عليك أن تقطع 300 مليون سنة ضوئية قبل أن يبدو الكون متجانسًا. وبكل تأكيد؛ الكون ليس كسوري، لكن بعض أجزاء الشبكة الكونية لها صفات كسورية. مثلًا؛ تضم كتل المادة المظلمة المسماة «الهالات-Halos» بنىً متداخلة وفرعية، تحتوي فيها الهالات على هالات ثانوية، والثانوية على ثالثية وهكذا، والعكس صحيح.

الفراغات في كوننا ليست فارغة تمامًا، بل تحتوي على بعض المجرات القزمة الباهتة، والتي تتوزع بشكل مماثل للشبكة الكونية. ووفقًا للمحاكاة الحاسوبية؛ للفراغات الثانوية فهي شبكة كونية أيضًا. [4]

ومع أن كوننا ليس كسوري بحد ذاته، حيث لم تصمد فكرة ماندلبروت طويلًا، لكننا لا نزال قادرين على إيجاد الكسوريات أينما نظرنا!

المصادر

[1] Space
[2] Live Science
[3] Live Science2
[4] Space2

12 ظاهرة فلكية غامضة تحدث في الكون

لا شكّ أن الكون غريبٌ. ولربما تسعفك نفسك في استيعاب مقدار الغرابة، فها أنت ذا كائنٌ حيّ يتراقص فوق فوق كرة زرقاء من الصخور المنصهرة. إلّا أن كوكبنا – بغرابته- لا يشكّل سوى قسم بسيط من الظواهر غير المألوفة التي تغزو كوننا. حتى أن علماء الفلك باتوا يدعونها مفاجآتٍ لا اكتشافات. بينما يقدّم المقال التالي اثني عشر ظاهرة غامضة في الفضاء.

إشاراتٌ راديويّة غامضة

رصد الباحثون إشارات راديوية فائقة القوة تستمر لعدة أجزاء من الثانية منذ عام 2007. سميت هذه الومضات الغامضة ب«انفجارات الراديو السريعة-Fast radio bursts»(FRBs)، وتبيّن أنها تأتي من على بعد مليارات السنين الضوئية. ولكنّها بالتأكيد ليست كائنات فضائية! فقد تمكن العلماء مؤخرًا من رصد FRBs متكررة، حيث ومضت ست مرات على التوالي. وكانت ثاني إشارة ملتقطة من هذا النوع حتى الآن، كما يعتقد أنها ستساعد في حل هذا اللغز. [1]

معكرونة نووية

تتشكل أقوى مادة في الكون من بقايا النجوم الميتة. ووفقًا لنماذج المحاكاة الحاسوبية؛ تتعرض البروتونات والنيوترونات في هذه الحالة لضغط هائل من الجاذبية، فتنضغط مشكلة مادةً أشبه بطبق من المعكرونة، والتي قد تنفجر إذا ما طبقت عليها قوة أكبر ب10 مليارات مرة من تلك التي تثني الفولاذ. [2]

حقوق الصورة: https://www.cosmos.esa.int/web/ulx-pulsars-workshop?hcb=1

حلقات هاوميا

يدور الكوكب القزم «هاوميا-Haumea» في «حزام كويبر- Kuiper belt» وراء كوكب نبتون، وهو جرم فلكي غير اعتياديّ أساسًا. فله شكل غريب مستطيل وقمران ويوم طوله أربع ساعات فقط، مما يجعله أسرع جسم في الدوران حول نفسه في المجموعة الشمسية. ثم تبيّن عام 2017 أن هاوميا أكثر غرابة مما ظننا. فعندما رصد الفلكيون عبوره أمام نجم في السماء تمكنوا من رؤية حلقات رفيعة تدور حوله، والتي تشكلت غالبًا نتيجة اصطدام عنيف حدث في الماضي. [3]

حلقات هاوميا
حقوق الصورة: https://earthsky.org/space/dwarf-planet-haumea-enigmatic-ring-new-insights/?hcb=1

قمرٌ له قمر

ما الذي قد يكون أفضل من القمر؟ بالتأكيد قمرٌ يدور حوله قمر آخر أو ما يسمى «قمر القمر-Moonmoon». لا زال وجود أنظمة كهذه نظريّ فقط. فحتى الآن لم يرصد العلماء شيء كهذا، رغم أن وجودها لا يتعارض مع أي من قوانين الكون. وكأن عدم وجودها ظاهرة غامضة بنفسه! [4]

حقوق الصورة: https://www.livescience.com/63819-moonmoons-could-exist.html?hcb=1

مجرة خالية من المادة المظلمة

يطلق مصطلح «المادة المظلمة-Dark matter» على المادة المجهولة التي تشكل 85% من المادة في الكون، وهي غريبة حقًا. لكن العلماء متأكدون من شيء واحد على الأقل، وهو وجودها في كل المجرات. إلا أن فريقًا من الفلكيين وفي أثناء دراستهم أحد المجرات وجدوا أنها بالكاد تحتوي مادةً مظلمة. فيما اقترح بحث آخر أن المجرة السابقة فيها مادة مظلمة! وفي جميع الأحوال أعطت هذه المفارقة مصداقيةً لأحد الفرضيات التي تزعم عدم وجود مادة مظلمة على الإطلاق. [5]

نجمٌ متخافت

انصدمت الفلكية «تابيثا بوياجيان-Tabetha Boyajian» من جامعة لويزيانا الأمريكية لدى رصدها النجم المسمى KIC 846285، حيث يخفت ضوؤه فجأةً لفترات زمنية متغيرة، وقد ينخفض سطوعه 22% في بعض الأحيان. اقترحت فرضيات عدة لتفسير هذه الظاهرة الغريبة ومنها وجود حضارة ذكية ما، بينما يعتقد العلماء حاليًا بوجود حلقة من الغبار تدور حول النجم وتسبب ذلك التعتيم. [6]

نجم KIC 846285
حقوق الصورة: https://www.theverge.com/2018/1/3/16843678/alien-megastructure-tabbys-star-kic-8462852-dust?hcb=1

كهربائية هايبريون العالية

تحتدم المنافسات بين أقمار المجموعة الشمسية حول لقب “أكثر الأقمار غرابةً”، فمن جهة نجد قمر المشتري «آيو-IO» ونشاطه البركاني الهائل، وقمر نبتون «تريتون-Triton» الذي ينف الغازات. لكن الأغرب شكلًا هو بالتأكيد قمر زحل «هايبريون-Hyperion»، فله شكل غير منتظم مليء بالحفر والفوهات البركانية، وكأنه حجرٌ اسفنجيّ. فيما وجد مسبار«كاسيني-Cassini» الذي زار نظام كوكب زحل بين عامي 2004 و 2017 أن هايبريون مشحون كهربائيًا، مع شعاع من الجسيمات المشحونة المتدفقة في الفضاء. [7]

القمر هايبريون
حقوق الصورة: https://solarsystem.nasa.gov/missions/cassini/science/saturn/?hcb=1

نيوترينو مُرشد

زار جسيم «نيوترينو-Neutrino» منفرد الأرض يوم 22 أيلول/سبتمبر عام 2017 ، إلا أن غرابته تعدت ذلك حتى. في حين يرصد الفيزيائيين في مرصد «آيسكيوب-IceCube» للنيوترينو جسيمات مشابهة مرة على الأقل شهريًا، لكن هذه النيوترينو تميز بكونه يحمل معلومات كافية عن مصدره، مما سمح للفلكيين برصد ذلك المصدر. وقد وجدوا أنه صدر عن اشتعال «بلازار-Blazar» (أي ابتلاع الثقب الأسود فائق الكتلة في مركز مجرتنا للمادة المحيطة به) وتوجه نجو الأرض منذ أربعة مليارات سنة. [8]

حقوق الصورة:https://www.eurekalert.org/pub_releases/2018-07/ded-bit070818.php?hcb=1

المجرة المستحاثة

تصنف المجرة المسماة DGSAT I ك«مجرة فائقة الانتشار-Ultradiffuse galaxy»، مما يعني أنها كبيرة بحجم درب التبانة لكن نجومها متباعدة بشكل يكاد يجعل المجرة غير مرئية. وفي حين تكون غالبية مجرات UDGs متجمعة في عناقيد مجرية، وجد العلماء مجرة DGSAT I الشبحية وحيدة في الفضاء. يخبرنا ذلك أنها تشكلت في مرحلة مختلفة جدًا من تطور كوننا، تقريبًا حوالي مليار سنة بعد الانفجار العظيم، ما يجعل المجرة الشبحية مستحاثة حيّة! [9]

مجرة DGSAT I
حقوق الصورة:https://www.space.com/anemic-galaxy-discovered.html?hcb=1

صورة كوازار حاسمة

تقوم الأجسام ذات الكتل الكبيرة بثني الضوء وفقًا لنسبية أينشتاين، فيشوه ذلك صورة الجسم الواقع خلفها. استغل الباحثون هذه الظاهرة واستعملوا تلسكوب هابل الفضائي ليرصدوا «كوازار-Quasar» من الكون المبكر. واستخدموه ليقدروا معدل توسع الكون. وجد العلماء أن الكون يتوسع الآن أسرع من ذي قبل، مما يتعارض مع قياسات أخرى. وقد دفع ذلك الفيزيائيين للتشكيك في صلاحية نظرياتهم أو أن شيئًا غريبًا يجري. [10]

صورة الكوازار
حقوق الصورة:https://phys.org/news/2019-01-astronomers-images-quasars-hubble-constant.html?hcb=1

سيل من الأشعة تحت الحمراء

تعرف النجوم النيوترونية بأنها أجسام شديدة الكثافة تتشكل بعد موت نجم عادي. وعادةً ما تطلق موجات راديو أو إشعاع أعلى طاقةً كالأشعة السينية مثلًا. لكن في أيلول/سبتمبر عام 2018 وجد الفلكيون سيلًا مستمرًا من الأشعة تحت الحمراء قادم من نجم نيوتروني يبعد عنا 800 سنة ضوئية، في ظاهرة تعد الأولى من نوعها. اقترح الباحثون أن الإشارة السابقة تولدت عن قرص من الغاز الذي يدور حول النجم، فيما لم يحل هذا اللغز نهائيًا بعد. [11]

شفق قطبي على كوكب مارق

تجول «الكواكب المارقة-Rogue planets» أو الكواكب بين النجمية مجرتنا، وهي كواكب طردت من نظامها النجمي بفعل قوى الجاذبية. وهنا نجد ظاهرة غامضة هي الشفق القطبي على هذه الكواكب، فهي لا تتبع لنجم معين لتسبب رياحه الشمسية حدو الشفق القطبي. فهناك صف من الكواكب المارقة التي تخرج عن المألوف، حيث يتضمن كواكب بحجم الأرض تسمى SIMP J01365663+0933473 وتبعد عنا 200 سنة ضوئية. تتميز هذه الكواكب بحقل مغناطيسي أقوى ب200 مرة من حقل المشتري المغناطيسي، وهي قوة كافية لتوليد ومضات من الشفق في غلافها الجوي والتي يمكن رصدها بموجات الراديو.

الشفق القطبي على قزم بني مارق
حقوق الصورة:https://skyandtelescope.org/astronomy-news/auroras-discovered-rogue-brown-dwarf/?hcb=1

وفي جميع الأحوال نعول على العلم فقط في حل هذه الألغاز وكشف الستار عن كل ظاهرة غامضة في كوننا.

المصادر:

[1]livescience

[2]livescience2

[3]space

[4]livescience3

[5]livescience4

[6]livescience5

[7]livescience6

[8]NASA

[9]livescience7

[10]livescience8

[11]livescience9

[12]livescience10

دوران الأرض: لماذا تدور الأرض حول نفسها؟

مع مرور كل يوم تكمل الأرض دورةً واحدة حول محورها، جاعلةً من شروق الشمس وغروبها حدثان رئيسان تتعين بهما حياتنا اليومية. دارت الأرض حول نفسها منذ تكونها قبل 4.6 مليار سنة، وستستمر في الدوران حتى نهاية العالم، غالبًا عندما تنتفخ الشمس مشكلةً عملاقًا أحمر وتبتلع كوكبنا المسكين. ولكن لماذا تدور الأرض في المقام الأول؟

تشكل الأرض

كانت المراحل الأولى من حياة مجموعتنا الشمسية أشبه برقصة كونية دار فيها الغاز والغبار باتساق حول نجمنا حديث الولادة. دفعت إشعاعات النجم الشاب غالبية الغاز بعيدًا مخلفة الغبار وفتات الصخر في الداخل، والتي بدورها التحمت مشكلةً كوكب الأرض. ومع ازدياد حجمه تابعت الصخور الكونية اصطدامها في الكوكب متحدةً معه، جاعلةً إياه يدور باتجاه الصدم. وبما أن كل الحطام دار حول الشمس في الاتجاه نفسه؛ أدارت التصادمات الأرض وكل أجرام المجموعة الشمسية في ذات الاتجاه. [1]

ولكن لما كانت المجموعة الشمسية تدور حول نفسها؟

تشكلت المجموعة الشمسية والشمس عندما انهارت سحابة ضخمة من الغاز والغبار على نفسها نتيجةً لقوة جاذبيتها. تكثّف معظم الغاز في الوسط مشكلًا الشمس، بينما كونت المادة المتبقية قرصًا ثانويًا شكل فيما بعد الكواكب وتوابعها. قبل الانهيار؛ كانت جزيئات الغاز والغبار تتحرك ف كل مكان، إلى أن وقع حدث فلكي مجاور. فقد أثارت جاذبية الحدث جزيئات الغاز والغبار وأدارتها في اتجاه معين، فدار القرص حول نفسه لأول مرة. وعندما بدأت السحابة الانهيار، ازدادت سرعة دورانها حول نفسها، تمامًا كما يدور متزلجو الجليد بشكل أسرع عنما يثنون أذرعهم وأرجلهم.

وبما أن الفضاء شبه خالٍ؛ لم توجد مادة كافية لتبطئ عملية الدوران تلك. ففي اللحظة التي يبدأ شيء ما في الدوران، سيستمر هكذا غالبًا دون أن يوقفه شيء. وفي حالتنا هذه كان للمجموعة الشمسية مقدار كبير مما نسميه «الزخم الزاوي-Angular momentum»، وهو كمية فيزيائية تصف نزعة الجسم للاستمرار في الدوران. وكنتيجة لكل ذلك دارت غالبية كواكب المجوعة الشمسية في نفس الاتجاه[2]

حالات شاذة

لكل قاعدةٍ استثناء! خالفت بعض الكواكب أقرانها ودارت في اتجاهات مختلفة. فكوكب الزهرة مثلًا يدور عكس كوكب الأرض وبقية الكواكب. أما أورانوس فمحور دورانه مائل بزاوية 90 درجة. وحتى الآن لم يتيقن العلماء من سبب تلك الحركات الغريبة، لكنهم يقترحون بعض الأفكار. بالنسبة لكوكب الزهرة؛ ربما عكس تصادم ما اتجاه دورانه. [3] أو ربما بدأت الزهرة دورانها كبقية الكواكب، ثم انقلب على مر الزمن نتيجة جاذبية الشمس التي شدت سحب الزهرة الكثيفة، بالإضافة إلى قوة الاحتكاك بين نواة الكوكب ووشاحه. [4] فيما اقترحت دراسة منشورة عام 2001 أنه من المحتمل أن جاذبية الشمس إلى جانب عوامل أخرى سببت تباطؤ دوران الزهرة ثم انعكاسه. [5] أما في حالة أورانوس فيعتقد العلماء أن تصادمًا ضخمًا ما حرف محور دورانه بذلك الشكل. [6]

الدوران سمة كوننا

وإذا ما غضضنا النظر عن تلك الحالات الشاذة نرى أن كل ما في الكون يدور في اتجاه محدد ما، وكأن الدوران سمة أساسية للأجسام في كوننا! فالكويكبات والنجوم وحتى المجرات تدور حول نفسها، حيث يستغرق نظامنا الشمسي 230 مليون سنة ليكمل دورة واحدة حول مركز درب التبانة. [7] كما أن النجوم النابضة من أسرع الأجسام في الكون، وهي أجسام كثيفة ودوارة تشكل ما تبقى من النجوم العملاقة. فبعض النجوم النابضة التي لا يتجاوز قطرها حجم مدينة تدور مئات الدورات في الثانية الواحدة. فيما سجل أسرع نجم نابض مكتشف حتى الآن 716 دورة في الثانية! [8]

كما يمكن للثقوب السوداء أن تدور أسرع من ذلك، حيث يدور الثقب الأسود المسمى GRS 1915+105 بين 920 و1150 مرة في الثانية.[9]

لكن الأجسام تتباطأ أيضًا، فعندما تشكلت الشمس، كانت تدور حول نفسها مرة كل أربعة أيام، بينما تستغرق الآن حوالي 25 يومًا لإكمال دورة كاملة. وذلك نتيجة تفاعل حقلها المغناطيسي مع الرياح الشمسية مما يبطئ دورانها. [10]

حتى أن سرعة دوران الأرض حول نفسها تتناقص مع الزمن، نتيجةً لجاذبية القمر التي تشد الأرض قليلًا وتبطؤها. وقد أظهر تحليل أجري عام 2016 أن دوران الأرض تباطأ بمقدار 1.78 ميلي ثانية خلال القرن الماضي. [11]

فلا تجزع إن تأخرت الشمس قليلًا في الشروق، إنها ألاعيب القمر!

المصادر

[1] space

[2] NASA

[3]Science

[4] Sciencedirect

[5] Nature

[6] ScientificAmerican

[7] NASA_2

[8] Science_2

[9] Astrophysical Journal

[10] The Royal Society

[11] The Royal Society_2

إلى أين تقودنا الثقوب السوداء؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

ها أنت ذا على وشك القفز داخل ثقب أسود. إذا اعتبرنا أنك وبطريقة ما استطعت البقاء على قيد الحياة، فما الذي ينتظرك هناك؟  أين سينتهي بك المطاف؟ وما القصص العجيبة التي سترويها للناس عند عودتك؟ ربما تكون أبسط إجابة على ذلك أن “لا أحد يعلم!” فالعلماء حتى الآن غير متيقنين من طبيعة الثقوب السوداء. كما أن عبور أفق حدث ثقب ما –إن لم يمزقك إربًا بسبب الجاذبية- يمنعك من إرسال أي رسالة للعالم الخارجي. فلا شيء يعود من ثقب أسود!

من المتوقع أن تكون الإجابة السابقة محبطةً ومؤلمةً بعض الشيء. فقد توقعت نظرية النسبية العامة لأينشتاين وجود الثقوب السوداء، عندما اعتبرت أن الجاذبية تؤثر في نسيج المكان-الزمان. ومنذ ذلك الوقت؛ عرفنا تشكل الثقوب السوداء بعد موت النجوم. حيث تموت النجوم هائلة الكتلة مخلفةً وراءها نواةً صغيرة وكثيفة من المادة. وإذا ما كانت كتلة هذه النواة أكبر من ثلاثة أضعاف كتلة الشمس أي «حد تشاندراسيخار-Chandrasekhar limit»؛ ستطغى الجاذبية وينهار النجم على نفسه في نقطة واحدة تدعى «المتفردة-Singularity».

ينتج عن كل ذلك ثقب أسود له قوة جاذبية هائلة، حتى أن الضوء لا يمكنه الهرب منه. أما «أفق الحدث-Event horizon» فهو حد من الثقب الأسود؛ وأي شيء يتجاوزه لا يستطيع العودة أبدًا. لا مهرب من أفق الحدث!

وبمجرد وصولك لأفق الحدث ستعمل قوى الجاذبية على تمزيقك لخيوط من الذرات فيما يعرف ب «تأثير السباجيتي-Spaghettification»، ثم ستعمل المتفردة على تحطيم ما تبقى منك. يبدو أن فكرة إمكانية الخروج من الثقب الأسود لمكان آخر أقرب إلى الخيال، فحتى لو قادك الثقب لمكان آخر؛ لن تصمد إلى ذلك الحين! [1]

ماذا عن الثقوب الدودية؟

منذ سنوات؛ درس العلماء احتمالية كون الثقوب السوداء ثقوبًا دوديةً تقودنا لمجرات أو عوالم أخرى. فقد حاول «ألبرت أينشتاين-Albert Einstein» بمساعدة «ناثان روزن-Nathan Rosen» وضع فرضية عن “جسور” تربط بين نقاط مختلفة من نسيج المكان-الزمان عام 1935. كما طرحت الفكرة مجددًا لافي الثمانينيات عندما قام الفيزيائي «كيب ثورن-Kip Thorne» بمناقشة إذا ما ستستطيع الأجسام عبور هذه الجسور. [2]

لكننا حتى الآن لم نرصد أي دليل على وجود هكذا جسور أو ثقوب دودية! فقد كتب ثورن في كتابه «The science of interstellar» عام 2014: “لا نرى أي أجسام يمكنها التحول لثقوب دودية في كوننا.” تكمن المشكلة في عدم قدرتنا على الاقتراب كفاية من الثقوب السوداء لنرى بأنفسنا، حتى أن أول صورة لثقب أسود التقطت مؤخرًا عام 2019.، أي بعد حوالي قرن من اقتراح فكرة الثقوب السوداء!

كما يعتقد «دوغلاس فينكبينر-Douglas Finkbeiner» وهو بروفيسور الفيزياء والفلك في جامعة هارفرد أننا حتى ولو اقتربنا؛ لن نستطيع رؤية رائد فضاء يسقط في الثقب الأسود. يمكننا فقط رؤيته يصبح باهتًا وأحمرًا مع اقترابه من أفق الحدث، نتيجةً لتأثير الانزياح نحو الأحمر بسبب الجاذبية. كما أنه وبمجرد سقوطه داخل الثقب؛ سيبقى محتجزًا فيه إلى الأبد. وكأن الثقوب السوداء تقود لنهاية الزمن! [3]

قد تقود الثقوب السوداء إلى ثقوب بيضاء

إذا قادتنا الثقوب السوداء لجزء آخر من المجرة أو إلى كون آخر؛ فلا بد من وجود شيء يقابلها في الجهة الأخرى. فهل يكون ذلك «ثقب أبيض-White hole»؟ وضع عالم الكونيات الروسي «إيغور نوفيكوف-Igor Novikov» فرضيته عام 1964، واقترح فيها أن الثقب الأسود يرتبط بثقب أبيض موجود في الماضي. وعلى عكس الثقوب السوداء؛ تسمح البيضاء للمادة والضوء بالخروج منها وتمنعها من الدخول. [4]

استمر العلماء بدراسة العلاقة المحتملة بين الثقوب السوداء والثقوب البيضاء. وفي دراسة نشرت في مجلة «Physical review D» عام 2014؛ ادعى الفيزيائيان «كارلو روفيلي-Carlo Rovelli»  و «هال م.هاغارد-Hal M. Haggard» أنه يوجد مقياس كلاسيكي متوافق مع معادلات أينشتاين تنهار فيه المادة داخل ثقب أسود ثم تنبثق من ثقب أبيض. أي أن كل المادة التي ابتلعها ثقب أسود ما يمكن أن تخرج من ثقب أبيض، كما أن الثقوب السوداء قد تتحول لبيضاء عندما تموت. وبعيدًا عن تدمير المعلومات التي تدخله؛ قد يتوقف انهيار الثقب الأسود، وقد يحدث نوع ما من الارتداد الكمي الذي سيسمح للمعلومات بالخروج. [5]

إشعاع هوكينج

تلقي الفكرة السابقة الضوء على مقترح عالم الكونيات الشهير ستيفن هوكينج، والذي ناقش في السبعينيات إمكانية إطلاق الثقوب السوداء جسيمات وإشعاع حراري فيما يعرف ب«إشعاع هوكينج-Hawking’s radiation». وبحسب هوكينج لا تدوم الثقوب السوداء إلى الأبد. فقد وجد أنها تفقد طاقتها نتيجة إطلاقها الإشعاع، وتتقلص تدريجيًا حتى تختفي. [6]

لكنه يقترح كذلك أن الإشعاع المنطلق عشوائي تمامًا ولا يتضمن أية معلومات عما سقط في الثقب. وكأن موت الثقب الأسود يمحي كمًا هائلًا من المعلومات. مما يعني أن فكرة هوكينج تتعارض مع نظرية الكم التي تشترط عدم ضياع أو تدمير المعلومات. قاد هذا التعارض لما يعرف بمفارقة معلومات الثقب الأسود، وحتى الآن لا نعرف إلام سيقود! [7]

فهل نعود لفكرة الثقوب البيضاء التي تشع معلومات محفوظة؟ ربما. في دراسة نشرت عام 2013 في مجلة «Physical Review Letters»؛ قام العالمان «خورخي بولين-Jorge Pullin» و«رودولفو غامبيني-Rodolfo Gambini» بتطبيق فكرة الجاذبية المكمّمة على ثقب أسود، ووجدوا أن الجاذبية ازدادت باتجاه المركز ثم تناقصت ملقيةً كل ما دخل الثقب في مكان آخر من الكون. أعطت نتائج الدراسة مصداقيةً أكبر لفكرة كون الثقوب السوداء بوابة. واعتبر العلماء أن المتفردة غير موجودة في الدراسة السابقة، وبالتالي لن يكون هناك حد فاصل يدمر كل المعلومات. [8]

قد لا تقودنا الثقوب السوداء لأي مكان

يعتقد العلماء أحمد المهيري و«دونالد مارلوف-Donald Marlof» و«جوزيف بولشينسكي-Joseph Polchinski» و«جيمس سولي-James Sully» أن هوكينج لم يكن مخطئًا تمامًا. فقد عملوا على فرضية تعرف باسم «جدار النار-AMPS Firewall». ووفقًا لحساباتهم؛ يمكن لميكانيك الكم أن تحول أفق الحدث إلى جدار عملاق من النار يحرق كل ما يلمسه بلمح البصر. وفي هذه الحالة؛ لا تقودنا الثقوب السوداء لأي مكان لأننا لا نستطيع دخولها حتى!

لكن هذا الادعاء يتعارض مع نظرية النسبية العامة؛ التي تقول أن الجسم الذي يعبر أفق الحدث يكون في حالة من السقوط الحر ويخضع لقوانين الكون المعروفة. وحتى لو لم يتعارض ذلك مع النسبية؛ فهو يقترح ضياع المعلومات، مما يخالف ميكانيك الكم. [9]

وفي جميع الأحوال؛ لا ننصحك بالاقتراب من ثقب أسود!

المصادر:

Space1 [1]

Space2 [2]

Space3 [3]

Space4 [4]

Physical Review D [5]

Nature [6]

Nature [7]

Physical Review Letters [8]

ScienceDirect [9]

6 أشياء غريبة تحدث في الفضاء

يقول المثل الإنكليزي «Watched pots never boil» أي أن الأواني المرصودة لا تغلي أبداً، وفي جميع الأحوال؛ لما قد نرصدها ونحن نعلم يقينًا كيف ستبدو عند الغليان؟ ولكن هل يختلف ذلك المشهد قليلًا في الفضاء الخارجي؟

إليك ستة أشياء من حياتنا اليومية –بما فيها غليان الماء- التي تحدث بشكل مختلف كليًا عند مدار الأرض المنخفض مع تفسيراتها العلمية:

تنتج المياه فقاعة كبيرة عند الغليان

عندما  تغلي المياه في الظروف الطبيعية على الأرض تنتج عددًا كبيرًا من فقاعات بخار الماء الصغيرة، أما في الفضاء؛ تصدر المياه المغلية فقاعةً كبيرةً ووحيدةً. [1]

الفرق بين غليان المياه على الأرض (يسار) وفي الفضاء (يمين)
حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/Ts6Mfp4WjxJXneZCNhRhH9-970-80.png

لم يستطع العلماء توقع ما قد يحدث عند غليان المياه في ظروف الجاذبية الضعيفة، ويعود ذلك لشدة تعقيد ديناميك الموائع والتنبؤ بحركة السوائل. إلى أن أجريت تجربة على متن مركبة فضائية عام 1992 والتي وضحت لنا عملية الغليان تلك. [2]

فيما بعد شرح الفيزيائيون أن حالة الغليان الغريبة هذه تعود لغياب تأثيري «الحمل الحراري-Convection»، وهو الحركة التي تحدث داخل السائل جاعلةً جزأه الأكثر حرارة والأخف يرتفع، بينما ينخفض الأثقل والأبرد، «وقوة الطفو- Buoyancy»؛ التي تدفع أي جسم يُغمر في سائل ما، ذلك أن كلا التأثيرين ناتجٌ عن الجاذبية. فعلى الأرض؛ يسبب التأثيران السابقان ما نراه من اضطراب عند غليان الماء. [1]

كما يمكننا الاستفادة من تجربة الغليان هذه. وبحسب «NASA Science News»؛ اكتشافنا لكيفية غليان السوائل ستسهم في تطوير أنظمة التبريد في المركبات الفضائية. وقد تفيد في تصميم محطات توليد طاقة؛ باستخدام ضوء الشمس لغلي الماء وإنتاج البخار الذي سيدير عنفات توليد الكهرباء.  [2]

لهبٌ دائري

عند إشعالك شمعةً على الأرض؛ بإمكانك رؤية اللهب الناتج يرتفع ليصبح متطاولًا. أما في الفضاء يتحرك اللهب متوزعًا في كل الاتجاهات؛ فنحصل على كرة من اللهب! وإليك السبب:

مقارنة بين شعلة الشمعة على الأرض (يسار) وفي الفضاء (يمين)
حقوق الصورة: https://www.nasa.gov/sites/default/files/images/586089main_me-candleFlame_full.jpg

بدايةً؛ تزداد كثافة الهواء كلما اقتربنا من سطح الأرض نتيجة قوة الجاذبية التي تسحب جزيئات الهواء نحو المركز. والعكس صحيح؛ يصبح الغلاف الجوي أقل سماكةً كلما ارتفعنا عن السطح؛ فيقل الضغط الجوي تدريجيًا. رغم أن فرق الضغط الجوي بين إنش وآخر ضئيل جدًا؛ إلا أنه المسؤول عن شكل شعلة الشمعة.

على الأرض؛ يسبب فرق الضغط تأثيرًا يعرف ب «الحمل الحراري الطبيعي-Natural convection». فعندما يسخن الهواء المحيط بالشعلة؛ يتمدد ويصبح أقل كثافة من الهواء البارد المحيط، وبينما تحاول جزيئات الهواء الساخنة التمدد للخارج تقوم الأخرى الباردة بدفعها نحو الداخل. وبما أن الجزيئات الباردة تكون أكثر عدداً أسفل الشعلة مما في أعلاها؛ تواجه الشعلة مقاومة أقل في أعلاها وبالتالي تتجه نحو الأعلى.

أما في الفضاء وفي ظل غياب الجاذبية؛ تواجه الشعلة مقاومة متساوية من كل الاتجاهات، وبالتالي تتخذ شكلًا دائريًا. [3]

تتكاثر الباكتيريا أسرع، وتصبح مميتةً أكثر

أظهرت ثلاثون سنة من الأبحاث العلمية أن مستعمرات البكتيريا تنمو أسرع بكثير في الفضاء. مثلًا؛ مستعمرات «إي-كولي الفضائية- Astro-E. coli» (جرثومة الإشريكية القولونية) نمت أسرع بمرتين من قرينتها على الأرض. [4]

بالإضافة إلى ذلك أصبحت بعض الأنواع الجرثومية أخطر في الفضاء. في عام 2007 أجريت تجربة لقياس نمو جرثومة «السالمونيلا- Salmonella» على متن مركبة الفضاء «أطلنطس-Atlantis»، وأظهرت أن بيئة الفضاء غيرت 167 من التعبيرات الجينية* عند الجرثومة.  أظهرت الدراسات فيما بعد أن هذه التغيرات جعلت السالمونيلا الفضائية قادرة على إصابة الفئران بالمرض أكثر بثلاث مرات من السالمونيلا العادية.

تفسر عدة فرضيات ذلك النمو السريع للبكتيريا عند انعدام الجاذبية. ببساطة؛ قد تجد مساحة أكبر للنمو عندما تعوم في الفضاء؛ بينما تعلق في أسفل «طبق بيتري-Petri dish»** على الأرض.

كما يعتقد العلماء أن تغير السالمونيلا يعود لبروتين HFq الذي يؤدي دورًا رئيسًا في التحكم بعملية التعبير الجيني. تتعرض الخلايا الجرثومية في الفضاء لضغط ميكانيكي ناتج عن تغير حركة السوائل داخلها في الجاذبية الضئيلة، ويحاول بروتين HFq  التعايش مع ذلك مما يجعل الخلايا أكثر سميّةً.

يأمل العلماء الاستفادة من هذا الاكتشاف، خاصةً التعرف على استجابة السالمونيلا للضغط على الأرض، كالذي يسببه الجهاز المناعي لشخص مصاب بها مثلًا. [5]

  • **طبق بيتري: هو طبق دائري شفاف ذو غطاء مسطح يستخدم لتربية الكائنات الحية الدقيقة.
  • *«التعبير الجيني-Genetic expression»: هي عملية اصطناع مواد في الخلية باستخدام المعلومات الموجودة في المورثات.

تختلف رائحة الأزهار في الفضاء

تنتج الأزهار مركبات عطرية مختلفة عند نموها في الفضاء؛ وبالتالي تصبح رائحتها مختلفة جدًا. يعود ذلك لتأثير الظروف البيئية كدرجة الحرارة والرطوبة في نوعية الزيوت العطرية التي تنتجها النبتة. وبما أن هذه الزيوت خفيفة؛ لا شك أنها تتأثر بجاذبية الفضاء كذلك. [6]

كما أنتجت الشكرة اليابانية «شيسيدو-Shiseido» عطرًا من “خارج هذا العالم” سمته «زين-Zen»، احتوى العطر على خلاصة مجموعة متنوعة من الورود تسمى «Overnight Scentsation» التي سافرت على متن المركبة الفضائية «ديسكفري-Discovery» عام 1998 قبل استخلاص الزيوت منها وتكرارها. [7]

حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/aURRwcsAnvmtfA93y7NCbd-970-80.jpg.webp

التعرق في الفضاء

كما في حالة اللهب والشمعة؛ لا يحدث انتقال حراري طبيعي في حالة انعدام الجاذبية، وبالتالي يحتفظ الجسم بحرارته، فيحاول جاهدًا التعرق لتبريد نفسه. وليصبح الأمر أسوأ؛ يتراكم العرق دون أن يتبخر أو ويسقط في قطرات! كل ذلك يجعل السفر بين النجوم رحلة رطبةً جدًا. [8]

مقلُ عيونٍ مهروسة

يؤدي انعدام الجاذبية لتغيرات في بنية عيون رواد الفضاء وتصبح رؤيتهم ضبابية. حيث تتسطح مؤخرة عيون بعد رواد الفضاء، بينما يعاني أخرون من تورم في أعصابهم البصرية. يحدث ذلك على الأرض بسبب ارتفاع ضغط السوائل في الرأس، ويكون الأمر مشابهًا في الفضاء. حيث ترتفع السوائل في الجسم في غياب الجاذبية التي تسحبها للأسفل، وبالتالي تزداد السوائل في الرأس ضاغطةً على العيون.

تسطح كرة العين
حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/9yjwDkKCP7Bwcseff7hqdk-970-80.jpg.webp

بينما يسبب تسطيح العيون رؤية ضبابية عند معظم الناس؛ إلا أنه قد يحسن الرؤية عن المصابين بقصر النظر، والتي تكون عيونهم متمددة بشكل مفرط. إلا أن تورم العصب البصري لن يفيد أحدًا، وقد يسبب العمى إذا لم يعالج بشكل مناسب. [9]

ربما يجب الأخذ بهذه التأثيرات قبل التخطيط لأي رحلة مستقبلية للمريخ وما وراءه؛ خاصةً ما يتعلق بمدة الرحلة. فلا أحد يريد عيونًا مهروسةً أو عمياء!

المصادر:

Phys [1]

[2] nasa_1

[3] nasa_2

[4] JSTOR

[5] nasa_3

[6] nasa_4

[7] nasa_5

[8] Space

[9] SCIELO

live science [10]

ما نعرفه عن الزمن، أعظم ألغاز الفيزياء

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

في كلّ مرة تنظر فيها إلى ساعتك أو تشاهد غروب الشمس؛ تستشعر مرور ذلك الكيان الغريب الذي يحكم عالمنا. وعلى الرغم من إدراك البشر وجوده منذ الأزل، ورغم كونه أساسًا لحياتنا اليومية؛ إلا أنه وفي كل محاولة منك لكشف سره؛ ستجد نفسك تائهًا لا محالة. إنه الزمن! الزمن الذي نقيس عليه أحداث الكون وتاريخ الأرض متيقنين أنه الأساس الثابت، ولكن هل الزمن ثابت حقاً؟ أو هل يمر ببساطة كالانتقال من ثانية لأخرى؟

تطور مفهوم الزمن

الزمن عند إسحق نيوتن

بدايةً من القرن السابع عشر؛ رأى إسحق نيوتن أن الزمن أشبه بسهم أطلق من قوس ما، ينطلق بمسار مباشر مستقيم دون أن ينحرف أبدًا. اعتقد نيوتن أن الزمن مطلق؛ أي أن ثانية واحدة على الأرض تعادل نفس المدة على المريخ أو حتى في أعماق الفضاء. فقد رأى أن الحركة ليست مطلقة، ولا شيء في الكون له سرعة ثابتة بما في ذلك الضوء، انطلاقًا من هذا المبدأ افترض نيوتن أن الزمن ثابت؛ فبما أن سرعة الضوء متغيرة؛ لا بد من وجود ثابت ما.

الزمن عند ألبرت أينشتاين

ثم في عام 1905؛ أكد الألماني ألبرت أينشتاين أن سرعة الضوء ثابتة وتساوي حوالي 299,792 كيلومترًا في الثانية، وافترض أن الزمن أشبه بنهر ينحسر ويتدفق حسب تأثّره بالجاذبية ونسيج الزمان-المكان. بحسب أينشتاين؛ يمكن للزمن أن يصبح أبطأ أو أسرع قرب أجسام ذات سرعات أو كتل هائلة، وبالتالي ثانية واحدة على الأرض لا تساوي ثانية في كل مكان من الكون!

إثبات النظرية

بالعودة إلى عام 1971؛ قام الفيزيائيان «ج.ك.هافيل-J.C. Hafele» و «ريتشارد كيتينغ-Richard Keating»  بإثبات نظرية أينشتاين عن طريق أربع ساعات ذرية؛ وضعت إحداها A على متن طائرة متجهة للشرق وأخرى B متجهة للغرب، ووضعت ساعتان C وD في مرصد «نافال-Naval» في واشنطن.

بحسب نظرية أينشتاين؛ يجب أن تسجل الساعة A حوالي 40 نانو ثانية أقل من الساعة الأرضية، وتسجل B  275 نانو ثانية أكثر بسبب تأثير الجاذبية على سرعة الطائرات. وفي تجربتنا سجلت الساعات فرقًا يعادل 59 نانو ثانية في A و273 نانو ثانية في B، مثبتةً بذلك نظرية أينشتاين عن «تمدد الوقت-Time dilation».

مفهوم سهم الزمن

إلا أن نيوتن وأينشتاين اتفقا على مفهوم واحد وهو أن الزمن يتجه للأمام (نحو المستقبل). وحتى الآن لم نجد أي شيء قادر على العودة بالزمن للوراء. ولكن هل نعلم لماذا يتجه الزمن للأمام؟ لا نعلم حقًا، لكننا نعرف عدة نظرية تشرح ذلك.

يعتمد أحدها على القانون الثاني من الديناميك الحراري، والذي ينص على أن كل شيء في الكون ينتقل إلى حالة أعلى من «الانتروبي-Entropy»، أي ينتقل من النظام إلى الفوضى. فالكون بدأ من درجة عالية من النظام والاتساق في «الانفجار العظيم-Big bang» وصولًا إلى الانتشار العشوائي للمجرات وما فيها في وقتنا الحالي. كما يعرف المفهوم السابق باسم «سهم الزمن-Arrow of time» بحسب الفلكي البريطاني «أرثر إدينغتن-Arthur Eddington» عام 1928.

أما النظرية الأخرى فتعتمد على توسع الكون، وتفترض أن الكون يسحب معه الزمن عندما يتوسع لاسيما أن الزمان والمكان مرتبطين. يقدم التفسير السابق مفارقة للعلماء، فإذا وصل الكون لأخر حد من التوسع ثم بدأ بالانكماش؛ هل سينعكس الزمن للوراء؟

الزمن- البُعد الرابع للكون

اعتقد العلماء سابقًا أن الزمان والمكان كيانين منفصلين تمامًا، وأن الكون عبارة عن أجرام فلكية تتوضّع في فضاء ثلاثي الأبعاد. إلى أن قدم أينشتاين نظريته النسبية العامة والتي اقترح فيها أن الزمان والمكان مرتبطين؛ حيث يشكل الزمن البعد الرابع للفضاء. كما اقترحت نظريته أن نسيج المكان-الزمان يتأثر بكتل أو سرعة الأجسام القريبة.

إثبات النظرية

أثبت مسبار ناسا «غرافيتي ب-Gravity probe B» النظرية السابقة؛ حيث وضعت عليه أربعة جيروسكوبات ووجهت نحو نجم بعيد. والآن إن لم يكن للجاذبية تأثير على الزمان والمكان ستبقى موجهة لنفس الاتجاه. وكما كان متوقع؛ انحرفت الجيروسكوبات قليلاً بسبب الجاذبية الأرضية، مما أثبت أن المكان قد يتغير بسبب الجاذبية.

كم طول الثانية الواحدة؟

يمكن قياس الوقت بطريقتين أساسيتين: ديناميكيًا وعن طريق الساعات الذرية. يعتمد التوقيت الديناميكي على حركة الأجرام السماوية لقياس الوقت مثل دوران الأرض وما يسببه من حركة الشمس والنجوم في سمائنا.

اعتمد التعريف القديم للثانية على دوران الأرض، فالوقت بين كل غروبين وشروقين للشمس شكل يومًا كاملاً. وقسم اليوم ل24 ساعة والساعة ل60 دقيقة والدقيقة ل60 ثانية. إلا أن الأرض لا تدور بشكل منتظم تماماً، ومعدل دورانها يتناقص 30 ثانية كل 10,000 سنة نتيجة عوامل عدة كوجود القمر، فلا نحصل على الدقة المطلوبة.

أما التوقيت الذري فيعتمد على انتقالات الطاقة في ذرة عنصر ما ( امتصاص الالكترون أو إصداره طاقة نتيجة انتقاله إلى مستوى طاقة مختلف)، وغالباً ما تستعمل ذرات «السيزيوم-Caesium» في ذلك. فتعرف الثانية بأنها الوقت اللازم لحدوث 9,192,631,770  انتقال في ذرة سيزيوم. تتميز هذه الطريقة بدقتها؛ فلا نخسر سوى جزء صغير من الثانية كل مليون سنة.

الساعة الذرية

قد لا تكون الساعات الذرية أدقّ طريقة لقياس الوقت في الكون، إلا أنها أفضل ما توصلنا إليه على الأرض. تعتمد غالبية الساعات الذرية  على قياس انتقالات الطاقة عن طريق الحقول المغناطيسية، مع وجود بعض الساعات الحديثة التي تستخدم أشعة الليزر في ذلك. غالبًا ما تعتمد الساعات الذرية على عنصر السيزيوم، إلا أن ساعات «السترونتيوم Strontium» قد تقيس الوقت بدقة مضاعفة. بالإضافة إلى وجود تصميمات تجريبية لساعات تعتمد على ذرات الزئبق المشحونة، والتي قد تقلل الخطأ إلى ثانية واحدة كل 400 مليون سنة!

قد نتمكن من قياس الوقت بدقة متناهية، لكن ذلك لن يلغي أننا -وحتى الآن- لا نفهم ما الذي نقيسه.

المصادر:

space
journal science
Séminaire Poincaré
live science
live science
NASA
scientific american
live science

10 معلومات يجب أن تعرفها عن ميكانيكا الكم

أحدثت نظرية الكم ثورة حقيقية في العلم، فأزاحت الستار عن العالم الغريب القابع خلف أبسط ظواهر حياتنا اليومية وصولاً لنشأة الكون، وبين كل ذلك؛ كانت عصب الثورة الرقمية في القرن العشرين. تدرس «ميكانيكا الكم-Quantum mechanics» سلوك المادة في المستوى دون الذري. وتهدف لتحديد خصائص الذرات ومكوناتها مثل الإلكترونات والبروتونات، بالإضافة إلى تفاعلات هذه الجسيمات مع الطيف الكهرومغناطيسي. [1] إليك أهم 10 معلومات عن ميكانيكا الكم والمبادئ التي تحكم هذا العالم الغريب.

1.تكميم الطاقة

أولى المعلومات عن ميكانيكا الكم تتلخص في وجود قواسماً مشتركةً بين ميكانيك الكم وحذائك، فكما تحتاج لمقاس يناسبك، كذلك الطاقة تكون في كميات محددة أو «quantas». أصغر الكميات «ثابت بلانك-Planck constant» وما تبقى مضاعفاته.

لفهم المبدأ السابق يمكننا تطبيقه على الضوء، فالضوء يُصدر بشكل قطع منفصلة محددة تدعى «الفوتونات-Photons». وبحسب المبدأ؛ لا يمكنك صنع نصف فوتون أو 64.4 فوتونات، يمكنك فقط صناعة أعداد صحيحة منه.

إلا أن الطاقة أهم بقليل من حذائك، فقد أحدث هذا الاكتشاف ثورة في الفيزياء الحديثة على يد «ماكس بلانك-Max Planck». كما حاز ألبرت أينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء لإثباته ذلك عام 1921. [2]

2. الطبيعة المثنوية

في عام 1906؛ حاز «ج.ج تومسون-J.J Thomson» جائزة نوبل لاكتشافه أن الالكترونات عبارة عن جسيمات، ثم جاء ابنه جورج عام 1937 ليثبت أن الالكترونات موجات. فأيهما صحيح؟

في عالم الكم كلاهما على حق، حيث يدعى هذا المبدأ «ازدواجية موجة-جسيم-wave-particle duality» ويعد حجر الزاوية في فيزياء الكم.

كما ينطبق على الالكترونات والضوء، فأحياناً نحتاج لاعتبار الضوء طيف كهرومغناطيسي، وفي أحيان أخرى يستحسن تصوره بشكل جسيمات الفوتونات. [3]

3. يمكن للأشياء أن تكون في مكانين في الوقت ذاته

تعد ازدواجية الموجة-الجسيم مثالاً على مبدأ «التراكب-superposition»، وهو تواجد الكم أو الشيء في مكانين أو حالتين في نفس اللحظة.

مثلاً؛ يتواجد الالكترون هنا وهناك في ذات الوقت، ولكننا عندما نرصده نجبره على اختيار مكان منها.

يمكننا تخيل الالكترون كمجموعة من الاحتمالات، يمكننا تلخيصها رياضياً ب«تابع الموجة-wave function». وقيامنا بالرصد ييدمر التابع وحالة التراكب ويجبر الالكترون على اختيار حالة من ضمن الاحتمالات الممكنة.

يمهد هذا المبدأ لتجربة «قطة شرودينغر-Schrödinger’s cat»، وهي قطة محبوسة في صندوق مغلق حيث مصيرها محكوم بأداة كمية ما. وبما أن الأداة توجد بحالتين مختلفتين لحين القيام بالرصد؛ فإن القطة حية وميتة في الوقت ذاته لحين قيامنا بذلك. [4]

4. قد تقودنا ميكانيكا الكم لأكوان متعددة

تتبع الفكرة السابقة (أن عملية الرصد تهدم التابع وتجبر الكم على اختيار حالة معينة) لتفسير «كوبنهاغن-Copenhagen» لفيزياء الكم، لكن ذلك ليس التفسير الوحيد، حيث يعتقد مؤيدو فكرة العوالم المتعددة أنه لا حاجة للاختيار!

بل أنه في لحظة القيام بعملية الرصد والقياس؛ ينقسم الواقع إلى نسختين: واحدة نرصد فيها الكم وقد اختار الحالة a، والثاني حيث يختار الحالة b.

وبالتالي يتكون الواقع من العديد من الطبقات المتشابكة، وعند رؤيته على المستويات الأكبر؛ تتفكك هذه الطبقات ويبدو كل منها عالماً يشكل كوناً من الأكوان المتعددة.[5]

5. تساعدنا في تحديد صفات النجوم

بيّن الفيزيائي الدنماركي «نيلز بور-Niels Bohr» أن مدارات الالكترونات داخل الذرات مكممة أيضاً، حيث تأتي في قياسات محددة تدعى مستويات الطاقة.

عندما ينتقل إلكترون من مستوى أعلى إلى أخفض؛ يطلق فوتوناً له طاقة مساوية لفرق الطاقة بين المدارين الذين انتقلهما الإلكترون، والعكس صحيح؛ يمتص الإلكترون فوتوناً ويستعمل طاقته ليقفز إلى مستوى طاقة أعلى.

يستعمل الفلكيون هذا التأثير دائماً، فيتمكنون من معرفة مكونات النجوم عن طريق تحليل ضوئهم إلى طيف يشبه قوس قزح وتحديد الألوان المفقودة.

وبما أن المواد الكيميائية المختلفة تمتلك مستويات طاقة متباعدة بشكل مختلف؛ يمكنهم تحديد مكونات الشمس والنجوم الأخرى بناءً على الألوان غير الموجودة. [5]

6. بدون ميكانيكا الكم لما سطعت الشمس!

تصنع الشمس طاقتها خلال عملية تدعى «الاندماج النووي-Nuclear fusion»، والتي تتم باندماج بروتونين معاً – الجسيم موجب الشحنة في الذرة-.

الآن قد تتساءل كيف لهما أن يلتصقا ببعضهما ولهما الشحنة نفسها، ألن يتنافرا؟

إذا ما درسناهما كجسيمين سيتنافران تماماً كما يتنافر قطبي المغناطيس المتشابهين. يسمي الفيزيائيون ذلك ب«حاجز كولوم-Coulomb barrier» وهو كالحائط الذي يحول بين البروتونين.

وعندها ستصطدم البروتونات في الحائط وتبتعد: لن يوجد اندماج نووي ولن يوجد ضوء شمس!

والآن لنعتبرهم موجات.

عندما تصل قمة الموجة للحائط تكون مقدمة الموجة قد عبرته بالفعل.

علم أن ارتفاع الموجة يمثل المكان المحتمل وجود البروتون فيه، وعلى رغم أن احتمالية وجوده في مقدمة الموجة ضئيلة؛ إلا أنها تتحقق أحياناً، وعندها يكون وكأن البروتون عبر خلال الحاجز وبالتالي يحدث الاندماج النووي. أما هذا التأثير فيعرف باسم «النفق الكمومي-Quantum tunneling».
[6]

7. توقف ميكانيكا الكم انهيار النجوم الميتة

خلال حياة النجم؛ يَبقى في حالة من «التوازن الهيدروستاتيكي-hydrostatic equilibrium»، وهو توازن بين الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي والتي تتجه للخارج وطاقة الجاذبية المتجهة للداخل؛ مما يحافظ على شكل النجم ويمنعه من الانهيار.

إلا أنه في نهاية حياة النجم ينفذ وقوده ويتوقف الاندماج؛ فتربح الجاذبية جاعلةً النجم ينهار على نفسه.[7]

وكلما أصبح أصغر كلما انضغطت المادة أكثر، وهنا يأتي دور «مبدأ باولي في الاستبعاد-Pauli exclusion principle»؛ أحد مبادئ ميكانيكا الكم الذي يمنع بعض الجسيمات كالإلكترونات من التواجد في نفس الحالة الكمية.

وبينما تحاول الجاذبية القيام بذلك، تواجه مقاومة يدعوها الفلكيون «ضغط تنكس الإلكترون-Electron degeneracy pressure»، فيتوقف الانهيار ويتشكل جسم جديد بحجم الأرض يدعى «قزم أبيض-White dwarf».
[8] 

8. تسبب تبخر الثقوب السوداء

يعد «مبدأ الريبة لهايزنبيرغ-Heisenberg uncertainty principle» أحد أهم مبادئ ميكانيك الكم، وينص على استحالة تحديد خاصّيتين لنظام ما بشكل دقيق بنفس الوقت: كلما عرفنا أحدها بدقة أكبر، كلما كان من الأصعب تحديد الخاصية الثانية.

ينطبق ذلك على سرعة الجسيم وموقعه، أو طاقته والزمن.

الأمر أشبه بأخذ قرض مالي، يمكنك اقتراض مبلغ كبير من المال لفترة زمنية قصيرة، أو اقتراض مبلغ صغير لمدة أطول، وليس الاثنين معاً!

يقودنا ذلك إلى فكرة الجسيمات الافتراضية، إذا اقتُرٍضت طاقة كافية من الطبيعة؛ يمكن لها أن تولد زوجين من الجسيمات الافتراضية في الفراغ بشكل (جسيم-مضاد جسيم)، ثم يختفيان بسرعة حتى لا يتخلفان عن سداد القرض؛ في عملية تسمى «الإفناء-Annihilation».

نعم، الفراغ الكمي ليس فارغاً تماماً!

افترض «ستيفن هوكينج-Stephen Hawking» حدوث هذه التذبذبات قرب حدود ثقب أسود ما: سيبتلع الثقب الأسود أحد الجسيمين، بينما سيستطيع الآخر الهرب من الثقب على شكل «إشعاع هوكينج-Hawking Radiation».

وبمرور الوقت، يتقلص الثقب الأسود وكأنه يتبخر! لأنه لا يسدد القرض كاملاً. [9]

9. تفسر ميكانيكا الكم بنية الكون على النطاق الكبير

إن «الانفجار العظيم-Big bang» أحد أفضل نظرياتنا عن نشأة الكون، وقد عُدل في الثمانينات ليتضمن نظرية أخرى تدعى «التضخم-Inflation».

تنص نظرية التضخم على انتفاخ الكون وصولاً لحجم حبة عنب؛ ذلك بعد ما كان أصغر من ذرة، وذلك في أول تريليون من تريليون تريليون جزء من الثانية، أي أن حجمه تضاعف حوالي 1078 مرة.

لاستيعاب ذلك؛ تخيل تكبير خلية دم حمراء بنفس المقدار، سيتجاوز حجمها الكون المنظور بأكمله!

وبما أنه كان أصغر من ذرة؛ فمن المرجح أن تذبذبات كمية مرتبطة بمبدأ هايزنبيرغ للريبة قد حكمت الكون في ذلك الوقت. والتضخم سبب نمو الكون بسرعة كبيرة؛ فلم يتثن لهذه التذبذبات الكمية أن تختفي، مما أدى لتركيز الطاقة أ:ثير في بعض الأماكن.

يعتقد الفلكيون أن ذلك كان بمثابة بذور تجمعت حولها المادة مشكلةً المجرات والعناقيد المجرية التي نرصدها اليوم. [5]

10. عالم من الأشباح!

إلى جانب إثباته تكميم الضوء؛ كذلك اعتقد أينشتاين بوجود تأثير ” شبحي عن بعد”. وهذا التأثير الشبحي هو آخر العشر معلومات عن ميكانيكا الكم في هذا الموضوع. نعرف اليوم ذلك ب«التشابك الكمي-Quantum entanglement»، ولكننا حتى الآن نجهل حقيقة ما يحدث فيه!

لنقل أننا أحضرنا زوجاً من الجسيمات بحيث تكون حالتها الكمية مرتبطة  أو “متشابكة”، أحدها في الحالة a والآخر في الحالة b: متعاكسين تماماً. فإذا كان أحدهما أزرق، يكون الثاني أحمر وهكذا.

وبحسب مبدأ باولي بالاستبعاد؛ يستحيل أن يكون لهما نفس الحالة الكمية، وعندها إذا قمنا بتغيير الجسيم الأزرق وجعلناه أحمراً مثلاً، سيتغير الآخر فوراً ليصبح معاكسه الأزرق من جديد.

في التشابك الكمي سيحدث ذلك حتى ولو وضعنا كل جسيم في جانب من الكون، وكأن معلومات التغيير الذي قمنا به قد سافرت أسرع من الضوء! [10]

قد لا نفهم ميكانيكا الكم بشكل كامل، ولكننا متيقنون من غرابتها أولاً وعظمتها ثانياً. شاركنا معلومات أخرى عن ميكانيكا الكم في التعليقات.

المصادر

[1] Britannica
[2] space
[3] Cornell university
[4] joint quantum institute
[5] space
[6] Harvard
[7] science direct
[8] university of Chicago
[9] nature
[10] nature

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تعكس حركة المحيط بمدها وجزرها جوهر الحياة ذاتها، حيث يمثل تدفق المياه فيها الطبيعة الدورية التي تحكم الكون، وكل ذلك تشهد عليه حتى أكثر الشواطئ انعزالاً، فهل تكون الحياة نفسها محض صدفة أنتجت المد والجزر؟ إذا كان ذلك صحيحاً؛ فهل يكون القمر مسؤولاً عن أصل الحياة على الأرض؟ وماذا سيحدث لو لم يكن موجوداً؟ أو بمعنى أدق ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تشكل القمر

بحسب النظرية، اصطدم كوكب بحجم المريخ بالأرض منذ حوالي 4.5 مليار سنة؛ مما أدى لتسريع دوران الأرض فأصبح طول اليوم 12 ساعة فقط. أما الحطام الناتج فنُثر في مدار الأرض القريب والتحم مشكلاً القمر. وبعد عدة ألاف من السنين؛ بدأت الأرض بالتبرد إلى أن ظهرت الحياة بعد حوالي 700 مليون سنة؛ أي منذ 3.8  مليار سنة.

المد والجزر

تقوم جاذبية القمر بشد الأرض، لاسيما قسمها الأقرب إليه. وترتفع القشرة الأرضية قليلاً (سنتيمترات معدودة) بسبب قوة الشد هذه مما يسبب حدوث ظاهرة «المد والجزر-Tides» في البحيرات والأنهار والمحيطات وغيرها.

يحدث «المد-High Tide» وهو ارتفاع مستوى مياه المحيط عندما يدور القمر حول الأرض ويسحب خلفه المياه، بينما على جانب الأرض المقابل له تكون الجاذبية أقل من أي جزء آخر من الأرض فتُترك مياه المحيطات وراءً ويحدث «الجزر-Low tide».

للقمر التأثير الأكبر على حركة المد والجزر بسبب قربه الشديد من الأرض. تؤثر الشمس أيضاً بقوة جذب كبيرة على الأرض تبقيها في مدار ثابت حولها، كما تسحب هذه القوة مياه المحيطات نحوها. لكن الفرق في الشد بين الجانب المقابل والمعاكس للشمس يكون ضئيلاً، حيث تساهم الشمس بحوالي ثلث ارتفاع المد فقط.

تأثيره في التنوع الحيوي

تشكلت المحيطات على الأرض منذ حوالي أربعة مليارات سنة، أي عندما كان القمر أقرب بمرتين مما هو عليه الآن، وبالتالي كانت قوة المد والجزر أكبر بكثير.

يعتقد العلماء أن تدفق المد والجزر ساهم في نقل الحرارة من المنطقة الاستوائية إلى القطبين، وأنه زاد حدة التقلبات المناخية في العصر الجليدي و«الفترات بين الجليدية-Interglacial». أثر ذلك في تشكل التكتلات الجليدية التي أدت لهجرة الأنواع النباتية والحيوانية وبالتالي إغناء التنوع الحيوي. كما نوه الباحثون أنه بدون المد والجزر القمري لكانت البيئة البحرية فقيرة جداً بالأنواع الحيوانية.

ولكن هل يكون القمر مسؤولاً عن الحياة ذاتها؟

دورالقمر في نشأة الحياة

من جهة، قد تكون الحياة تشكلت حول فوهات المياه الحارة في المحيطات، وعندها يكاد ينعدم دور المد والجزر في ذلك. أما إذا تشكلت ضمن مياه المد والجزر يكون لقمرنا دور رئيسي في ذلك.

تشكل الحموض النووية الريبية الDNA والRNA أساسيات الحياة التي نعرفها. وهي غالباً أخذت وتطورت من مجموعة كبيرة متنوعة من جزيئات «الحموض النووية الأولية-protonucleic acids»، ولكن لأجل أن تتطور منها يجب أولاً أن تكون قادرة على الاستنساخ. الأمر الذي يتضمن تنظيم عملية النسخ عن طريق تجمع الجزيئات وتفككها دورياً.

وبما أن اليوم الأرضي كان حوالي 12 ساعة في ذلك الوقت؛ وفر ذلك مد وجزر أسرع وذو نطاق أوسع، حيث غطت المياه الأرض الحارة فتبخرت وزاد تركيز الملوحة عند الجزر. أمنت هذه البيئة المالحة مكاناً مناسباً للحموض النووية الأولية لترتبط وتتجمع في جزيئات خيطية.

أما عند حدوث المد؛ فستتفكك هذه الجزيئات نتيجة انخفاض تركيز الملح، ويعتقد أن آلية الاستنساخ هذه أسهمت في تشكيل الDNA من الحموض النووية الأولية.

تأثيره على حياتنا اليوم

طول اليوم

دارت الأرض بشكل أسرع في المراحل الأولى من عمرها، ولكن بفضل جاذبية القمر؛ تباطأ دوران الأرض تدريجياً مع ابتعاده في مدارات أعلى وأعلى فحصلنا على يوم طوله 24 ساعة.

أما بدونه فستهب الرياح بسرعة 100 متر في الساعة، وسيصبح طول اليوم حوالي 8 ساعات، مما سيؤثر على أنماط نوم واستيقاظ وحياة الأحياء.

الفصول المستقرة

يعتقد أن الاصطدام العنيف الذي شكّل القمر أمال محور الأرض 23.5 درجة مما تسبب في حدوث ظاهرة الفصول الأربعة. كما أن وجود القمر يساعد في الحفاظ على استقرار هذا الميلان فيتغير بحوالي 3 درجات فقط كل 41000 سنة.

بدون وجوده؛ لاستمر محور الأرض بالتذبذب بين 0 و 80 درجة عبر العصور. وما كان للحياة أن تتكون تحت هذه الظروف المناخية القاسية إلا إن كانت بكتيريا وأشكال الحياة الأولية فقط.

ضوء القمر

يعكس القمر ضوء الشمس مثلما تفعل الكواكب. ورغم تبيان دراسات إحصائية دقيقة عدم وجود أية علاقة بين البدر والسلوكيات الغريبة، إلا أن ضوءه يسهل الرؤية على البشر والحيوانات، وقد سجلت الدراسات تغيرات في معدل نجاح عمليات الافتراس عند الحيوانات المفترسة بسبب الضوء المضاف.

أطوار القمر

لطالما ألهم القمر وأطواره المتغيرة القصص والأساطير والأغاني والقصائد وحتى الكلمات مثل كلمة «Month»  الانكليزية والتي تعني شهر. كما استعين به لتحديد الوقت في التقويم القمري.

ويجدر الذكر أن القمر ذاته لا يتغير، وإنما المقدار الذي نراه منه عند النظر من الأرض هو ما يتغير خلال دورة تتكرر كل شهر.

تأثير القمر في النهضة العلمية

أحدث القمر ثورة علمية حقيقية. فرؤية غاليليو لسطح القمر الخشن عن طريق تلسكوبه زعزع الإيمان السائد عن كمال السماء. كما أن الأحجار القمرية المجلوبة في مهمات «أبولو-Apollo» أزاحت الستار عن أصل الفوهات القمرية وكذلك الموجودة على عطارد والزهرة والمريخ. بالإضافة لأهمية ذلك في معرفة كيفية تشكله.

وأخيراً؛ إذا كان القمر جزءاً أساسياً من عملية تطور الأحياء على كوكبنا، ربما يجدر بنا الأخذ بوجود قمر مماثل كمعيار في بحثنا عن حياة أخرى في الكون…

المصادر:
ScientificAmerican
LPI

أدلة المادة المظلمة، أعظم ألغاز علم الكونيات

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

افترض العلماء منذ عشرينيات القرن الماضي وجود مادة تختلف عن تلك التي نراها بالعين المجردة، وقد بينت الأبحاث الفلكية الأخيرة وجود مادة غريبة تسيطر على 80% من الكون. أطلق عليها اسم «المادة المظلمة-Dark matter»، فما هي؟ وما الذي يدفعنا للاعتقاد بوجودها؟

ما هي المادة المظلمة؟

لا نعلم الكثير حتى الآن، ولكننا نعلم أنها لا تصدر أو تمتص أي ضوء لأننا لا نراها. وبما أنها لا تحجب عنا أي جسم آخر فلا بد أن تكون شفافة. نعلم أيضاً أنها موزعة على أطراف جميع المجرات في الكون، بينما يقل تركيزها في وسطها.

في الحقيقة، يمكننا معرفة القليل عما في الكون الآن عن طريق العودة بالزمن للمراحل الأولى من عمر الكون، عندما كان مفاعلاً نووياً كبيراً بعد دقيقة واحدة من الانفجار العظيم. ويمكننا أن نحسب بدقة عدد الذرات في ذلك الوقت أو كما تسمى بالمادة الباريونية (مثل البروتونات والنيوترونات).

وعند القيام بهذه القياسات نجد أن الكون احتوى في ذلك الوقت على سُبع المادة والجاذبية الموجودة في وقتنا الحالي. لذلك فإن بعض المادة المظلمة مكون من الذرات العادية أي البروتونات والنيوترونات، إلا أن الغالبية العظمى منها شيء مختلف لا يتفاعل نووياً؛ سمي ب«المادة المظلمة غير الباريونية-Non-baryonic dark matter».

من الممكن أن تكون هذه المادة كتلاً تعرف باسم «أجسام الهالة المضغوطة العملاقة-MACHOs»، وقد تكون ثقوباً سوداء تدور حول أطراف المجرة بأعداد كبيرة. كما أن المقترحات الممكنة تتضمن الأقزام البنية الخافتة والأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية.

أدلة المادة المظلمة

تخيل أنه طلب منك حساب وزن مجرة ما، ولتكن مجرة قريبة بما يكفي لتسطيع دراستها عن كثب كمجرة المثلث (M33) مثلاً، وبما أنها واحدة من أقرب المجرات إلى درب التبانة يمكنك تمييز كل نجم فيها. والآن قد يخطر لك طريقتان؛ الأولى إحصاء عدد النجوم وكمية الغاز والغبار فيها ثم تقدير كتلتها بناءً على ذلك.

مجرة المثلث M 33
حقوق الصورة: https://stsci-opo.org/STScI-01EVSXBKFSDW3V458533P4SV7A.png

أما الطريقة الثانية فتعتمد على الجاذبية؛ كل ما عليك هو إيجاد جسم قريب من المجرة وتحديد قوة السحب التي تطبقها عليه، ثم يمكنك حساب الكتلة من قانون نيوتن للجاذبية. بالضبط!

ذلك ما فعله العلماء؛ لكن النتائج كانت صادمة.

توصل العلماء لنتيجتين مختلفتين تماماً باستخدام الطريقتين السابقتين، فالكتلة المحسوبة من قانون الجاذبية كانت أضعاف تلك المقدرة بناءً على الرصد.

ولفهم النتيجة السابقة لا بد من تحليل الطريقتين. الأولى تعتمد على الرصد المباشر لما نراه في المجرة، والثانية تعتمد على تأثير محتويات المجرة على الأجسام المحيطة بها، أي أن التأثير كان أكبر من الكتلة المرصودة. فما السبب؟

وليزداد الغموض أكثر؛ تكررت النتيجة السابقة عند دراسة أية مجرة في كوننا، كأن ما سبق مرتبط ببنية المجرات بشكل خاص. وبعد دراسات عدة لهذا التناقض بين الكتلة المرصودة وتأثيرها؛ تبين أنه ليس بكبير في المناطق الداخلية للمجرة، وإنما يزداد بشكل هائل على أطرافها! وكأنّه هنالك مادة مظلمة ما متناثرة على أطراف المجرة تزيد من كتلتها.

دلائل أخرى

ولم يكن ما سبق الدليل الوحيد على وجودها، من الدلائل الأخرى:

التعدس الثقالي

نصّت نظرية النسبية العامة لأينشتاين أن الجاذبية تسبب انحناء الزمكان، وبالتالي تنبأت بانحراف الضوء عن مروره قرب الأجسام الثقيلة في الفضاء. و«التعدس الثقالي-Gravitational lensing»هو انحراف الضوء بتأثير الجاذبية الهائلة مشكلاً ما يشبه العدسة.

والآن إذا طبقنا ذلك على المجرات سنجد مجرة تحني الفضاء بما يكفي لنرى الضوء آتياً من ورائها كالعدسة، ثم يمكننا حساب كتلة المجرة من معادلات حقل أينشتاين.

وكما هو متوقع، توقعت الحسابات كتلة أكبر بكثير مما هو مرصود في المجرة.

حرارة الغاز

عند تشكل المجرات يبدو الغاز وكأنه يتساقط فيها ليتجمع في وسطها ويبدأ تشكل النجوم. أما ما تبقى من الغاز فينضغط باستمرار وترتفع درجة حرارته بشكل كبير حتى يبدأ بإصدار «الأشعة السينية-X rays» مما يمكننا من تصويره في تلك الأطوال الموجية.

يمكننا الاستدلال على أن الغاز هذا في حالة توازن مع الجاذبية، لأنه إن لم يكن سينفجر بشكل كرة كبيرة بسبب الضغط. والآن لحساب كتلة المجرة؛ كل ما علينا هو معرفة درجة حرارة الغاز وضغطه عن طريق صورة الأشعة السينية وموازنته مع كمية الجاذبية اللازمة لحصول التوازن السابق.

وقد تبين أن هذه الطريقة تعطي نتيجة مماثلة للنتائج السابقة.

قد لا نتمكن من معرفة ماهية هذه المادة يوماً، ولكننا متأكدين أنها تسيطر على كوننا…

المصادر:
Space
Nature

الانقراض الأوردوفيشي، عندما انتقمت النجوم لموتها!

تعرضت الحياة على الأرض لخمسة انقراضات جماعية كبرى قتلت نسبة كبيرة من الكائنات الحية. يعد الانقراض الأوردوفيشي ثاني أكبر انقراض في تاريخ الأرض، حيث سبب اختفاء أكثر من 100 فصيلة من اللافقاريات البحرية منها «الترايلوبيت-Trilobite» المعروف بثلاثي الفصوص، وقد حدث في نهاية «العصر الأوردوفيشي-Ordovician period» منذ حوالي 440 مليون سنة متضمناً حدثي انقراض أساسيين بينهما حوالي 0.5-2 مليون سنة. يرجع العلماء السبب وراء الانقراض الثاني لفترة مفاجئة من التبريد السريع متبوعةً بفترة من الارتفاع الحراري السريع.

مستحاثة الترايلوبيت
حقوق الصورة:
https://static.wikia.nocookie.net/dinosaurs/images/0/03/Trilobite.jpg/revision/latest?cb=20130718022622

لطالما كانت احتمالية تأثر الحياة على الأرض بالأحداث الكونية أمرًا واردًا؛ حيث يعتقد الباحثون أن اصطدام كويكب عملاق سبب انقراض الديناصورات قبل حوالي 65 مليون عام. تقترح الفرضية التالية علاقة بين «التبريد العالمي-Global cooling» و«انفجارات أشعة غاما-Gamma-rays bursts».

كيف لانفجار أن يسبب انقراضًا؟

تنتج انفجارات أشعة غاما مقداراً هائلاً من الإشعاع في أحداث فلكية مهيبة قابلة للرصد في كوننا المنظور، بينما قد تشكل هذه الانفجارات تهديداً للحياة على الأرض إذا ما حدثت ضمن مجرتنا وتحديداً ضمن نطاق لا يتجاوز 10 آلاف سنة ضوئية من الأرض. وبحسب المعطيات الحالية؛ يقدر العلماء أن انفجاراً خطيراً قد يحدث بمعدل مرتين أو أكثر كل مليار سنة. أما شدة الخطر فتعتمد على المسافة أولاً، ومقدار الطاقة المتجهة نحو الأرض ثانياً لا على مقدار الطاقة الكلية المنتشرة في كل الاتجاهات. كما أن معدل حدوث انفجارات أشعة غاما كان أكبر في الماضي حين كان معدل تشكل النجوم أعلى.

ما هذه الانفجارات؟

وبالعودة لانفجارات أشعة غاما فهي شبيهة لحد ما ب«المستعر الأعظم-Supernovae»؛ ينهار النجم مخلفاً مادته وينتج وميضاً خاطفاً من أشعة غاما، ولكن هناك اختلافًا بسيطًا:  يكون المستعر الأعظم مجرد مفرقعات مقارنة بانفجار أشعة غاما! ولك أن تتخيل قوتها؛ فهي مرئية عبر مسافات شاسعة بسبب طاقتها الهائلة المتدفقة خلال ثوانٍ معدودة.

يرجح العلماء أن انفجاراً كهذا حدث قبل 440 مليون سنة ودفق كميات كبيرة من الإشعاع الضار إلى الجانب المواجه له من كوكب الأرض مسبباً مقتل الأحياء دون تمييز، بينما انتقلت العوامل الضارة الناتجة للنصف الآخر من الكوكب وجعلت منه عرضةً للأشعة فوق البنفسجية التي دمرت الأحياء البحرية.

إن معظم طاقة أشعة غاما تُمتص في منتصف طبقة «الستراتوسفير-Stratosphere» حيث تكون تركيزات غاز الأوزون مرتفعة، ويعمل كل فوتون منها على تأيين وتفكيك جزيئات هذا الغاز ويكون معظم تأثيرها على طبقة الأوزون. أما أهمية هذه الطبقة فتعود لامتصاصها 98% من الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس وحمايتها الأرض من أضرارها، وفي حالة تخربها تكون العواقب وخيمة! حتى أن الزيادة الضئيلة في وصول الأشعة فوق البنفسجية لسطح الأرض (10-30%) يمكن أن يكون ساماً للعديد من الأحياء مثل «العوالق النباتية-Phytoplankton»؛ التي تشكل الغذاء الأساسي للكائنات البحرية بالإضافة إلى دورها في إنتاج غاز الأوكسجين اللازم للتنفس.

إلا أن الأشعة فوق البنفسجية تجتاز عشرات الأمتار من الماء فقط، فتسبب موت الكائنات البحرية عند تلك الأعماق، أما تلك الأنواع التي تعيش في المياه العميقة فتنجو. وبذلك نجد أن الكائنات التي تعيش في المياه الضحلة عانت أكثر من قريبتها التي تعيش في المياه الأعمق ضمن فترة الانقراض الأوردوفيشي.

التأثيرات الأخرى

يمكن للماء حماية الأحياء البحرية من حرارة انفجارات أشعة غاما ولكنه يعجز عن صد تأثيراتها الأخرى. حيث تحول أشعة غاما النيتروجين والأوكسجين في الغلاف الجوي إلى ثنائي أوكسيد النيتروجين وهو ذاته الغاز البني المتواجد في «الضباب الدخاني-Smog» في المناطق المدنية حالياً. يشكل ثنائي أوكسيد النيتروجين حاجزاً يمنع مرور الأشعة الشمسية مما يجعل السماء مظلمة ويسبب انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة من جهة أخرى. يستطيع هذا التأثير التبريدي أن يحفز عصراً جليدياً، ولابد من ذكر وجود دليل على عملية تجلد اجتاحت العالم قبل 440 مليون سنة سميت العصر الجليدي الأوردوفيشي؛ مما يدعم الفرضية.

كما تسبب أكاسيد النيتروجين الأمطار الحامضية التي قد تكون عاملاً إضافياً للانقراض بالإضافة لانخفاض منسوب المياه المترافق مع التبريد العالمي، تعتبر هذه التأثيرات (تخرب طبقة الأوزون و الأمطار الحامضية والتبريد العالمي) تأثيرات طويلة الأمد، ويمكنها أن تنتشر لجميع أنحاء الأرض عن طريق الرياح القوية وغيرها.

يمكن الكشف عن الآثار الداعمة لحدث كهذا عبر جمع معلومات أكثر عن النمط الجغرافي للانقراض الأوردوفيشي؛ وحتى ذلك الوقت يبقى كل ذلك مجرد فرضية! فرضية جديرة بالثقة كما يدعي الباحثون.

المصدر:

Cornell university

انفجارات أشعة غاما، أعنف انفجارات الكون

هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تعد «انفجارات أشعة غاما-Gamma rays burst» أعنف وأقوى الانفجارات في الكون، كما شكل رصدها ثورة علمية حقيقية وفتح آفاق واسعة أمام العلماء لحل غموضها. فما هذه الانفجارات؟ كيف تحدث؟ وكيف كاد اكتشافها أن يسبب حرباً عالمية ثالثة؟

اكتشاف انفجارات أشعة غاما

كان اكتشاف انفجارات أشعة غاما مفاجأة حقيقية للعلماء؛ فعلى عكس الكثير من الاكتشافات العلمية لم يسبق وأن توقع وجودها في الكون. أما قصة ذلك فتعود لأيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد توقيع الطرفين على معاهدة حظرت إجراء التجارب النووية، فقد تخوف كل منهما من إجراء الآخر تجارباً لقنابل نووية في الغلاف الجوي؛ مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق أقمار صناعية للتأكد من ذلك. سميت تلك الأقمار ب «أقمار فيلا الصناعية-vela satellites» وقد اعتمدت في عملها على كواشف لرصد أشعة غاما التي تنتج بشكل رئيسي عن الانفجارات النووية.

حدثت المفاجأة عام 1967 حيث استشعرت الأقمار موجة قوية من الإشعاع، أوه لا بد أنهم السوفييت!

ولكن لحسن الحظ أننا نفهم الفيزياء بشكل كافي لنعرف أن مصدر الإشعاع ليس أرضياً وأنه ليس صادراً عن انفجار نووي؛ وإلا لكان العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة!

لكن ما هي أشعة غاما؟

يتدرج «الطيف الكهرومغناطيسي-Electromagnetic spectrum» بدءاً من أمواج الراديو ذات الأطوال الموجية الكبيرة جداً؛ والتي قد تصل لكيلومترات عدة، نزولاً إلى أمواج تبلغ سنتيمترات معدودة والتي تعرف باسم الأمواج الميكروية، والأشعة تحت الحمراء بطول يتراوح بين 5 إلى 10 ميكرون، والضوء المرئي عند نصف ميكرون، ثم الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وصولاً لأقصرها وهي أشعة غاما؛ مع طول موجي أقل من نصف قطر الذرة!

الطيف الكهرومغناطيسي

وبما أن أمواجها قصيرة فإن طاقتها عالية جداً وبالتالي ليس من السهل إنتاجها، قد تظن أنه من الممكن ذلك بتسخين جسم ما؛ نعم ذلك صحيح! ولكن ذلك الجسم لن يشع غاما قبل أن يبلغ مئات الملايين من درجات كلفن! ذلك أكثر حرارة من مركز الشمس وأعلى من أي شيء سبق اكتشافه في الكون. لذلك لم يتوقع العلماء رصد أشعة غاما من الفضاء. والآن عن لم يكن السوفييت؛ فمن إذاً؟

دراسات

أجريت دراسات عديدة لحل هذا الغموض، كما اقترحت عدة فرضيات لتفسير هذا القدر الكبير من الطاقة. إلا أن محدودية البيانات شكلت عائقاً في طريق اختيار التفسير الأنسب. كنا قد عرفنا بعض المعلومات فقط، مثل وجود نوعين من هذه الأمواج؛ قصيرة المدة وقوية وأخرى طويلة المدة وضعيفة، وأنها غير موزعة بشكل منتظم في الكون بل وتأتي من كل مكان.

الأمواج الضعيفة طويلة المدة

تتميز هذه الانفجارات بأن جميعها يتبع بانفجار «مستعر أعظم-Supernova» قوي مصحوب بشعاع من الضوء المرئي. يجدر الذكر أن كلمة ضعيفة تعني ضعيفة مقارنة بأمواج غاما الأخرى. أما مقارنة بأي شيء أخر لا تزال قوية جداً، فقد أطلق أحد هذه الانفجارات طاقة هائلة خلال دقائق تعادل ما تطلقه الشمس خلال ثلاثة مليارات سنة!

ومع تطور التلسكوبات، تمكن العلماء من تقدير الكتلة التي تحولت لطاقة لإنتاج هكذا أمواج قوية. بلغت تلك الكتلة حوالي 2.7 كتلة شمسية. والآن، بعدما أصبحنا نعرف هذا القدر من المعلومات؛ بات من الممكن أن نختار النموذج المناسب لتفسير تشكل الأمواج الضعيفة طويلة المدة والذي تبين أنها تشّكل ثقب أسود في المراحل المتقدمة من حياة نجم ثقيل جداً.

الأمواج القوية قصيرة المدة

لعل أكثر ما يميزها عن النوع الآخر أنها لا تتبع بأي انفجار مستعر أعظم. معظمها يحدث في مجرات بيضاوية، ولفهم ذلك تجدر الإشارة إلى أن المجرات البيضاوية عجوزة أي لا تحتوي أية نجوم عملاقة باقية لتشكل ثقوباً سوداء. وهو ما يتعارض مع النموذج المطروح لتفسير الظاهرة.

والتفسير في هذه الحالة أن الانفجار نتج عن اندماج نجمين نيوترونيين تشكلا بانفجار مستعر أعظم عندما كانت المجرة شابة. وفي عام 2020 تم رصد أمواج ثقالية ناتجة عن اندماج مشابه تبين أنه انفجار غاما قوي وقصير المدة.

وما يميز نموذج الاندماج النيوتروني أنه يقدم إجابة لسؤالين مهمين:

أولهما التساؤل عن السبب وراء عدم رؤية ضوء مرئي يتبع الانفجار. وللإجابة عن ذلك، تخيل اندماج نجمين نيوترونيين وتناثر محتوياتهما من مواد ثقيلة ونيوترونات. عند تصادم النيوترونات بذرات العناصر سيتشكل عنصر أقل ثباتاً والذي بدوره سيضمحل. ولكن تتبقى الكثير من النيوترونات بعد؛ بالتالي ستستمر هذه العملية بالتكرر وقد تتمكن من إنتاج أي عنصر تريد مثل اليورانيوم. هذه العناصر الثقيلة المشعة ستستمر بامتصاص الطاقة الناتجة عن الانفجار فلن تر أي ضوء مرئي.

ثانيهما كيفية تشكل المواد الثقيلة، لتلك اللحظة توصل العلماء لطريقة تكون العناصر حتى الحديد في أنوية النجوم الثقيلة. ولكن بقي التساؤل عن تشكل العناصر الأثقل كالذهب مثلاً قائماً. يرجح أنها تشكلت بالطريقة السابقة، حيث استمرت عملية الاضمحلال واصطدام النيوترونات وصولاً للعناصر الأثقل.

أجل؛ يمكن القول أن جرة الذهب لا تقبع أسفل نهاية قوس قزح؛ بل في نهاية انفجار غاما القوي قصير المدة!

المصادر:
annual review
iop science
iop science
oxford academic

ما هي الكوكبات النجمية وما أهميتها؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

استحوذت سماء الليل بأجرامها الرائعة على اهتمام البشر منذ أول تجوالٍ لهم على الأرض. ومنذ فجر الإنسانية وعبر حضاراتها المختلفة نسب الإنسان أسماءً وقصصًا شاعرية أسطورية لها. ولا سيما للأشكال التي ترسمها النجوم في السماء والتي نعرفها اليوم باسم الكوكبات النجمية أو الأبراج الفلكية. فما هذه الكوكبات؟ وما أهميتها في حياتنا المعاصرة؟

ما هي الكوكبات؟

«الكوكبة النجمية-Constellation» أو البرج الفلكي هي مجموعة من النجوم البعيدة التي ترسم شكلاً معينًا في السماء واستطاع علماء الفلك إطلاق اسم محدد عليها.


وكون هذه النجوم مجتمعة ضمن برج فلكي معين لا يعني بالضرورة وجود أي ارتباط بينها في الواقع. فبالرغم أن بعضها يكون قريبًا أو متجمعًا ضمن عنقود كما هو الحال في عنقود وكوكبة الثريا؛ إلا أنها غالبًا ما تكون بعيدة جدًا عن بعضها البعض. ولكن منظورنا الأرضي هو ما يجعلنا نراها متقاربة ونضمها في مجموعات. فإذا قمت برسم خطوط خيالية بين تلك النجوم؛ فغالبًا ما سترى شكلًا قابلاً للتمييز قد يكون إنسانًا أو حيوانًا أو جمادًا حتى!

وفي وقتنا الحالي يوجد 88 كوكبة مصنفة بشكل رسمي من قبل الاتحاد «الفلكي الدولي-IAU».

أصلها وأقدم تسجيل لها

يعتقد بحسب الدراسات الأثرية أن أول تسجيل فعلي للأنماط النجمية يعود إلى ما قبل 17300 عام. حيث سجل أسلافنا رؤيتهم لعنقود الثريا على جدران كهف في منطقة «لاسكو –Lascaux» جنوب فرنسا.

كما تعود أكثر من نصف الكوكبات الرسمية للحضارة الإغريقية، التي استكملت بذلك عمل الحضارة البابلية والمصرية والأشورية. بالإضافة إلى ذلك؛ فقد سجل بطليموس 48 كوكبة فلكية ضمن الكتابين السابع والثامن من أطروحته المعروفة ب «الماجست-almagest»، وعلى الرغم من كل ذلك فلا تزال الأصول الدقيقة لتلك الأبراج غير مؤكدة.

ما الكوكبات التي نراها ليلاً؟

يعتمد ذلك على عاملين رئيسين: أولهما موقع الأرض في مدارها حول الشمس أو الوقت من السنة. فنتيجة دوران الأرض حول الشمس تكون الأرض في موقع مختلف كل ليلة وبالتالي تختلف رؤيتنا للسماء بشكل ضئيل. حيث تنزاح النجوم بشكل بسيط إلى الغرب عما كانت عليه الليلة الماضية. على سبيل المثال، إذا نظرت إلى السماء يوم 21 سبتمبر سترى غالباً كوكبة الحوت، لكنك لن تتمكن من رؤية كوكبة العذراء لأنها ستكون من جهة الشمس؛ أي تظهر في السماء خلال فترة النهار مع ظهور الشمس وبالتالي لن تراها بسبب ضوء الشمس.

وثانيهما موقع الراصد على كوكب الأرض. فنتيجة ميلان محور الأرض بمقدار 23.5 درجة؛ يكون النصف الشمالي من الأرض موجهًا باتجاه مختلف عن النصف الجنوبي. لهذا السبب يرى فلكيو أستراليا كوكبات مختلفة عما يراه فلكيو أمريكا!

ما أهمية الكوكبات في علم الفلك الحديث؟

استُخدمت الكوكبات النجمية في الملاحة منذ قديم الزمان، حيث اعتمد البحارة والمسافرون عامة عليها في تحديد الاتجاهات معتبرين السماء خريطتهم، أما الآن ومع تطور نظم الملاحة الحديثة يكاد ينعدم استخدامها إلا في نطاقات محدودة.

ولعل أبرزها استخدامها كنقاط استدلال في السماء، فالكوكبات تبقى ثابتة في مكانها المحدد لسنوات طويلة، ولا تتحرك في السماء إلا على مدار اليوم نتيجة دوران الأرض حول نفسها، ونتيجة لذلك فقد تم تسمية العديد من النجوم والسدم وغيرها من الأجرام السماوية تبعًا للكوكبة النجمية التابعة لها.

فمثلًا اعتمد علماء الفلك على تسمية زخات الشهب حسب اسم الكوكبة التي تبدو الشهب آتية منها، فشهب «الجباريات-orionids» التي تحدث في شهر أكتوبر سنويًا تظهر وكأنها قادمة من كوكبة الجبار.

والجدير بالذكر أن دور الكوكبات في الملاحة لم ينته بعد، فلا تزال ناسا تدرب رواد الفضاء التابعين لها على الاستدلال بالنجوم أو ما يعرف باسم “الملاحة السماوية” وذلك استعدادًا لأي خطر طارئ قد يحدث في أجهزة الملاحة المتقدمة التي يستخدمونها.

المصادر:

NASA
IAU

ما الفرق بين التلسكوب العاكس والكاسر؟

اعتمد الفلكيون الأوائل على العين المجردة في رصد الأجرام السماوية القريبة، إلّا أن محدودية قدراتها ظلت عائقاً في سبيل رؤية تفاصيل الأجسام البعيدة إلى حين اختراع التلسكوب عام 1608. تتنوع التلسكوبات ما بين مراصد أرضية أو فضائية، ولكنها بشكل أساسي تصنف إلى نوعين رئيسين: تلسكوبات عاكسة وتلسكوبات كاسرة. فما الفرق بينها؟ وأيها أفضل؟

1.التلسكوب الكاسر

مكوناته

يتكون «التلسكوب الكاسر-refractor» من أنبوب طويل يحتوي عدسات بصرية، وتسمى العدسة المحدبة في مقدمته «بالعدسة الموضعية-objective lens» وهي التي يدخل الضوء من خلالها إلى التلسكوب، بينما تسمى العدسة المحدبة في نهايته ب «العدسة العينية-ocular lens» وهي القطعة التي تنظر من خلالها عبر التلسكوب ويمكنك تعديلها لتصل إلى التركيز المناسب للصورة.

آلية عمله

يدخل الضوء إلى التلسكوب عبر العدسة الموضعية التي تقوم بتقريب حزم الأشعة الضوئية وتركزها في «النقطة المحورية-focal point»، تتشعب الحزم الضوئية مجدداً انطلاقاً من النقطة المحورية لتصل إلى العدسة العينية، ثم تجمع العدسة العينية الأشعة الضوئية وتجعلها مستقيمة؛ مما يكبرّ الصورة ويقوم بتركيزها. ولا بد للتلسكوبات الكاسرة أن تكون طويلة لتأمين الطريق اللازم لكسر الضوء.

إيجابياته

1.يمنحك صورة ذات ألوان متباينة ودقة مذهلة.
2.خفيف الوزن وسهل الحمل.
3.محمي من الغبار والرطوبة والعوامل الخارجية لأن أنبوبه مغلق.
4. لا يحتاج لضبط محاذاة العدسات.

 سلبياته

  1. يلتقط كمية أقل من الضوء بسبب قطره الضيق.
  2. يسبب انحرافات لونية* في الصور بسبب وجود العدسات.
  3. سعره أعلى.
  4. صعب التثبيت بسبب أنبوب التلسكوب الطويل.

*«الانحرافات اللونية-chromatic aberrations»: هي هالات ملونة توجد حول الصور تنتج عن اختلاف الأطوال الموجية للضوء عند مروره في العدسات؛ فيتركز كل طول موجي في نقطة مختلفة.

2.التلسكوب العاكس

مكوناته

يتكون «التلسكوب العاكس-reflector» من أنبوب طويل، ويعتمد تصميمه بشكل رئيسي على المرايا بدلاً من العدسات، حيث يحتوي على مرآة مقعرة تسمى «المرآة الأولية-primary lens» أو الموضعية في نهايته، ومرآة ثانية مسطحة تسمى «المرآة الثانوية-secondary lens» تتوضع في مقدمة التلسكوب وتكون مائلةً بزاوية 45 درجة باتجاه الضوء المنعكس من المرآة الأولية، أما العدسة العينية فتقع على جانب الأنبوب وليس في نهايته.

آلية عمله

تدخل أشعة الضوء التلسكوب باتجاه المرآة الأولية المقعرة الواقعة في نهايته، فينعكس الضوء باتجاه المرآة الثانوية متقارب الأشعة، ثم تعكس المرآة الثانوية الضوء وتركزه في النقطة المحورية حيث يتشعب انطلاقاً منها إلى العدسة العينية، وكما في التلسكوب الكاسر؛ تجمع العدسة العينية الضوء وتجعله مستقيماً.

إيجابياته

1. قدرة أكبر على التقاط الضوء وتجميعه بسبب مرآته الكبيرة ، وكلما كانت أكبر كان أفضل!
2. ينتج صوراً خالية من الانحرافات اللونية.
3. منخفض التكلفة.
4. يمكن للفلكيين تركيب الأجهزة والمعدات الملحقة التي يحتاجونها عليه.

سلبياته

  1. غالباً ما تكون الجودة البصرية مخيبة للآمال.
  2. يحتاج لضبط محاذاة المرايا والعدسات بشكل دوري.
  3. كونه تلسكوباً مفتوحاً يجعل مراياه عُرضةً للغبار والرطوبة فيحتاج لعمليات تنظيف دورية.
  4. ضخم وثقيل.

في النهاية لا يمكن الجزم بأفضلية أحد التصميمين بشكل مطلق؛ فكل منهما يخدم أغراضاً معينة، ولكن يمكنك الاستعانة بالمعلومات السابقة لاختيار التصميم الذي يناسبك!   

المصادر:

let’s talk science
Vaonis

Exit mobile version