الثقب الأبيض نظير الثقب الأسود

ما هي الثقوب البيضاء؟

مصدر الصورة: Buisness insider

الثقوب البيضاء هي أجسام فرضية غريبة، أول من افترض وجودها العالم ألبرت آينشتاين في نظرية النسبية. حيث تمثل الثقوب البيضاء الأجسام المضادة للثقوب السوداء على الرغم من أنها تتشارك معها في الخصائص ولكن تأثيرها في الفضاء عكس تأثير الثقوب السوداء. فالثقب الأسود يعمل على جذب الأشياء والعناصر الموجودة في الفضاء إلى داخله، ولا يمكن لأي شيء الهروب من تأثير وقوة جذب الثقب الأسود. أما الثقوب البيضاء فإنها تعمل على قذف العناصر الموجودة في الفضاء بعيداً عنها. ومن المستحيل على أي شيء في الفضاء الاقتراب من منطقة أفق الحدث (وهي المنطقة المحيطة بالثقب بغض النظر عن نوعه) .[1] [2] [3]

الثقب الأبيض أحد المكونات الأساسية للثقوب الدودية

كما ذكرنا سابقاً فإن آينشتاين هو من تنبأ بوجود الثقوب البيضاء في الفضاء. وغالباً كان وما زال يتم ذكرها عند الحديث عن الثقوب الدودية على أنها أحد العناصر الأساسية في هذه الممرات. حيث أن الثقب الدودي هو ممر افتراضي موجود في الفضاء يعمل على نقل الأجسام من منطقة إلى أخرى في كوننا. وكما ذكرنا سابقاً بأن الثقوب البيضاء تعمل على قذف الأجسام بعيداً عنها على عكس الثقوب السوداء.

لكن ما علاقة الثقوب البيضاء بالثقوب السوداء؟ وما علاقة هذين الثقبين بالثقوب الدودية؟ في الواقع لا وجود للثقوب الدودية دون وجود الثقوب السوداء والثقوب البيضاء. وذلك لأن الثقب الدودي يتكون بالأساس من ثقب أسود (يمثل نقطة دخول) وثقب أبيض (يمثل نقطة خروج) حيث أنهما متصلين مع بعضهما البعض بواسطة نسيج الزمكان. فعلى سبيل المثال يجذب ثقب أسود موجود في مكان ما في عالمنا جسم معين يسبح في الفضاء. ويمر هذا الجسم عبر ممر يخترق نسيج الزمكان ويخرج في مكان آخر في هذا الكون عبر ثقب أبيض. ويمكن أيضاً أن يسافر إلى أكوان أخرى![2]

مصدر الصورة: the sun

الثقوب البيضاء وأبعاد كوننا الأربعة

عند الحديث عن الثقوب البيضاء والثقوب السوداء يجب علينا أن نذكر الأبعاد الأربعة للكون ومن المهم استيعاب فكرة تكون نسيج الزمكان. حيث أن الأبعاد المعروفة لنا حالياً وتم فعلاً رصدها هي أربعة أبعاد، أبعاد المكان الثلاثة، وهي الطول والعرض والارتفاع. والبعد الرابع وهو الزمن. وهذه الأبعاد تشكل معاً نسيجاً معقداً يمكن تخيله على أنه المادة التي تحيط بكل شيء. وهذا النسيج ينحني بفعل قوى الجاذبية الكبيرة للعناصر الموجودة في الفضاء مثل النجوم والكواكب. والدليل على ذلك هو ظاهرة الكسوف الكلي للشمس. حيث أننا وبالرغم من حجب القمر كامل الشمس نرى حلقة ضوء حول القمر. وذلك لانحناء الضوء بفعل انحناء نسيج الزمكان حول القمر نتيجة لجاذبيته.

ولكن ما علاقة نسيج الزمكان بالثقوب البيضاء والسوداء؟ إن الإجابة على هذا السؤال قد ذكرناها بالفعل سابقاً. وهي أن نسيج الزمكان يربط بين الثقوب البيضاء والسوداء. ويمثل الممر في الثقوب الدودية. [1]

هل يمكن أن يولد ثقب أبيض من ثقب أسود؟

في الواقع يؤمن بعض الباحثون بأن المزيج بين النظرية النسبية والنظرية الكمية وضعت طريقة تفكير جديدة حول الثقوب البيضاء بدلا من كونها مجرد باب للخروج فقط في الثقوب الدودية. حيث أنها يمكن أن تكون إعادة بالعرض البطيء لحياة سابقة لثقب أسود ما. ولكن كيف يحدث ذلك؟

تبدأ هذه العملية عند انهيار نجم عظيم كهل تحت تأثير كتلته الرهيبة. وعندها يتشكل ثقب أسود ذو كتلة وكثافة لا نهائيتين. ثم تبدأ التأثيرات الكمية بالتأثير على سطح هذا الثقب وتعمل هذه التأثيرات على وقف مسار تكون ثقب أسود مفرد. وبدلاً من ذلك يتحول الثقب الأسود إلى ثقب أبيض يقذف ويشع بالمادة الأصلية للنجم. [2]

تأثير الوقت في الثقب الأبيض

يتواجد الثقب الأبيض عندما يتواجد تركيز كبير من المادة في منطقة واحدة. وذلك يسبب حدوث تسارع في الزمن. وما يدل على ذلك الساعتان الذريتان الموجودتان في كولورادو وانجلترا. فالساعة الموجودة في انجلترا توجد على مستوى سطح البحر. أما التي في كولورادو توجد على ارتفاع 5000 قدم فوق سطح البحر. وبسبب اختلاف تركيز المادة فإن الساعة الثانية تتقدم بفارق 5 مايكرون من الثانية في السنة عن الساعة الأولى. ونظرياً فإن كنت تعيش على الشمس فإن الوقت سيمر بوتيرة أبطأ مما كان عليه على الأرض. وإن كنت تعيش داخل ثقب أبيض كبير بما يكفي فإنه ربما تمر ملايين بل مليارات السنين خارج الثقب ولكنك ستشعر وكأنها بضع أيام لا أكثر![1]

وفي النهاية تبقى الثقوب البيضاء مجرد أجسام يتوقع وجودها دون التأكد من ذلك حتى الآن، فهل تصدق نبوءة أينشتاين مرة أخرى؟

المصادر

  1. Wikipedia
  2. BBC Science
  3. UNIVERSE TODAY

إلى أين تقودنا الثقوب السوداء؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

ها أنت ذا على وشك القفز داخل ثقب أسود. إذا اعتبرنا أنك وبطريقة ما استطعت البقاء على قيد الحياة، فما الذي ينتظرك هناك؟  أين سينتهي بك المطاف؟ وما القصص العجيبة التي سترويها للناس عند عودتك؟ ربما تكون أبسط إجابة على ذلك أن “لا أحد يعلم!” فالعلماء حتى الآن غير متيقنين من طبيعة الثقوب السوداء. كما أن عبور أفق حدث ثقب ما –إن لم يمزقك إربًا بسبب الجاذبية- يمنعك من إرسال أي رسالة للعالم الخارجي. فلا شيء يعود من ثقب أسود!

من المتوقع أن تكون الإجابة السابقة محبطةً ومؤلمةً بعض الشيء. فقد توقعت نظرية النسبية العامة لأينشتاين وجود الثقوب السوداء، عندما اعتبرت أن الجاذبية تؤثر في نسيج المكان-الزمان. ومنذ ذلك الوقت؛ عرفنا تشكل الثقوب السوداء بعد موت النجوم. حيث تموت النجوم هائلة الكتلة مخلفةً وراءها نواةً صغيرة وكثيفة من المادة. وإذا ما كانت كتلة هذه النواة أكبر من ثلاثة أضعاف كتلة الشمس أي «حد تشاندراسيخار-Chandrasekhar limit»؛ ستطغى الجاذبية وينهار النجم على نفسه في نقطة واحدة تدعى «المتفردة-Singularity».

ينتج عن كل ذلك ثقب أسود له قوة جاذبية هائلة، حتى أن الضوء لا يمكنه الهرب منه. أما «أفق الحدث-Event horizon» فهو حد من الثقب الأسود؛ وأي شيء يتجاوزه لا يستطيع العودة أبدًا. لا مهرب من أفق الحدث!

وبمجرد وصولك لأفق الحدث ستعمل قوى الجاذبية على تمزيقك لخيوط من الذرات فيما يعرف ب «تأثير السباجيتي-Spaghettification»، ثم ستعمل المتفردة على تحطيم ما تبقى منك. يبدو أن فكرة إمكانية الخروج من الثقب الأسود لمكان آخر أقرب إلى الخيال، فحتى لو قادك الثقب لمكان آخر؛ لن تصمد إلى ذلك الحين! [1]

ماذا عن الثقوب الدودية؟

منذ سنوات؛ درس العلماء احتمالية كون الثقوب السوداء ثقوبًا دوديةً تقودنا لمجرات أو عوالم أخرى. فقد حاول «ألبرت أينشتاين-Albert Einstein» بمساعدة «ناثان روزن-Nathan Rosen» وضع فرضية عن “جسور” تربط بين نقاط مختلفة من نسيج المكان-الزمان عام 1935. كما طرحت الفكرة مجددًا لافي الثمانينيات عندما قام الفيزيائي «كيب ثورن-Kip Thorne» بمناقشة إذا ما ستستطيع الأجسام عبور هذه الجسور. [2]

لكننا حتى الآن لم نرصد أي دليل على وجود هكذا جسور أو ثقوب دودية! فقد كتب ثورن في كتابه «The science of interstellar» عام 2014: “لا نرى أي أجسام يمكنها التحول لثقوب دودية في كوننا.” تكمن المشكلة في عدم قدرتنا على الاقتراب كفاية من الثقوب السوداء لنرى بأنفسنا، حتى أن أول صورة لثقب أسود التقطت مؤخرًا عام 2019.، أي بعد حوالي قرن من اقتراح فكرة الثقوب السوداء!

كما يعتقد «دوغلاس فينكبينر-Douglas Finkbeiner» وهو بروفيسور الفيزياء والفلك في جامعة هارفرد أننا حتى ولو اقتربنا؛ لن نستطيع رؤية رائد فضاء يسقط في الثقب الأسود. يمكننا فقط رؤيته يصبح باهتًا وأحمرًا مع اقترابه من أفق الحدث، نتيجةً لتأثير الانزياح نحو الأحمر بسبب الجاذبية. كما أنه وبمجرد سقوطه داخل الثقب؛ سيبقى محتجزًا فيه إلى الأبد. وكأن الثقوب السوداء تقود لنهاية الزمن! [3]

قد تقود الثقوب السوداء إلى ثقوب بيضاء

إذا قادتنا الثقوب السوداء لجزء آخر من المجرة أو إلى كون آخر؛ فلا بد من وجود شيء يقابلها في الجهة الأخرى. فهل يكون ذلك «ثقب أبيض-White hole»؟ وضع عالم الكونيات الروسي «إيغور نوفيكوف-Igor Novikov» فرضيته عام 1964، واقترح فيها أن الثقب الأسود يرتبط بثقب أبيض موجود في الماضي. وعلى عكس الثقوب السوداء؛ تسمح البيضاء للمادة والضوء بالخروج منها وتمنعها من الدخول. [4]

استمر العلماء بدراسة العلاقة المحتملة بين الثقوب السوداء والثقوب البيضاء. وفي دراسة نشرت في مجلة «Physical review D» عام 2014؛ ادعى الفيزيائيان «كارلو روفيلي-Carlo Rovelli»  و «هال م.هاغارد-Hal M. Haggard» أنه يوجد مقياس كلاسيكي متوافق مع معادلات أينشتاين تنهار فيه المادة داخل ثقب أسود ثم تنبثق من ثقب أبيض. أي أن كل المادة التي ابتلعها ثقب أسود ما يمكن أن تخرج من ثقب أبيض، كما أن الثقوب السوداء قد تتحول لبيضاء عندما تموت. وبعيدًا عن تدمير المعلومات التي تدخله؛ قد يتوقف انهيار الثقب الأسود، وقد يحدث نوع ما من الارتداد الكمي الذي سيسمح للمعلومات بالخروج. [5]

إشعاع هوكينج

تلقي الفكرة السابقة الضوء على مقترح عالم الكونيات الشهير ستيفن هوكينج، والذي ناقش في السبعينيات إمكانية إطلاق الثقوب السوداء جسيمات وإشعاع حراري فيما يعرف ب«إشعاع هوكينج-Hawking’s radiation». وبحسب هوكينج لا تدوم الثقوب السوداء إلى الأبد. فقد وجد أنها تفقد طاقتها نتيجة إطلاقها الإشعاع، وتتقلص تدريجيًا حتى تختفي. [6]

لكنه يقترح كذلك أن الإشعاع المنطلق عشوائي تمامًا ولا يتضمن أية معلومات عما سقط في الثقب. وكأن موت الثقب الأسود يمحي كمًا هائلًا من المعلومات. مما يعني أن فكرة هوكينج تتعارض مع نظرية الكم التي تشترط عدم ضياع أو تدمير المعلومات. قاد هذا التعارض لما يعرف بمفارقة معلومات الثقب الأسود، وحتى الآن لا نعرف إلام سيقود! [7]

فهل نعود لفكرة الثقوب البيضاء التي تشع معلومات محفوظة؟ ربما. في دراسة نشرت عام 2013 في مجلة «Physical Review Letters»؛ قام العالمان «خورخي بولين-Jorge Pullin» و«رودولفو غامبيني-Rodolfo Gambini» بتطبيق فكرة الجاذبية المكمّمة على ثقب أسود، ووجدوا أن الجاذبية ازدادت باتجاه المركز ثم تناقصت ملقيةً كل ما دخل الثقب في مكان آخر من الكون. أعطت نتائج الدراسة مصداقيةً أكبر لفكرة كون الثقوب السوداء بوابة. واعتبر العلماء أن المتفردة غير موجودة في الدراسة السابقة، وبالتالي لن يكون هناك حد فاصل يدمر كل المعلومات. [8]

قد لا تقودنا الثقوب السوداء لأي مكان

يعتقد العلماء أحمد المهيري و«دونالد مارلوف-Donald Marlof» و«جوزيف بولشينسكي-Joseph Polchinski» و«جيمس سولي-James Sully» أن هوكينج لم يكن مخطئًا تمامًا. فقد عملوا على فرضية تعرف باسم «جدار النار-AMPS Firewall». ووفقًا لحساباتهم؛ يمكن لميكانيك الكم أن تحول أفق الحدث إلى جدار عملاق من النار يحرق كل ما يلمسه بلمح البصر. وفي هذه الحالة؛ لا تقودنا الثقوب السوداء لأي مكان لأننا لا نستطيع دخولها حتى!

لكن هذا الادعاء يتعارض مع نظرية النسبية العامة؛ التي تقول أن الجسم الذي يعبر أفق الحدث يكون في حالة من السقوط الحر ويخضع لقوانين الكون المعروفة. وحتى لو لم يتعارض ذلك مع النسبية؛ فهو يقترح ضياع المعلومات، مما يخالف ميكانيك الكم. [9]

وفي جميع الأحوال؛ لا ننصحك بالاقتراب من ثقب أسود!

المصادر:

Space1 [1]

Space2 [2]

Space3 [3]

Space4 [4]

Physical Review D [5]

Nature [6]

Nature [7]

Physical Review Letters [8]

ScienceDirect [9]

Exit mobile version