لماذا تتكاثر أغلب الكائنات الحية جنسيًا؟

لماذا تتكاثر أغلب الكائنات الحية جنسيًا؟

مقدمة

يعد التكاثر الجنسي من أكثر المواضيع المثيرة في الطبيعة. وقد سماه عالم البيولوجيا «جرهام بيل – Graham Bell» «تحفة الطبيعة – The masterpiece of nature» في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه. قد يبدو التكاثر اللاجنسي -من النظرة الأولى- أبسط وأكفأ وأقل كلفة بالمقارنة مع التكاثر الجنسي. يشارك الكائن الحي بنصف عدد چيناته في أي عملية تكاثر جنسي بعكس التكاثر اللاجنسي الذي ينقل فيه الكائن الحي كامل جيناته إلى الجيل الجديد فيما يعرف بـ «ضعف تكلفة الجنس – two-fold cost of sex». ومع ذلك فإن التكاثر الجنسي يعد هو النوع السائد من التكاثر في أغلب الكائنات. وإذا كنا قد تعلمنا من نظرية التطور شيئًا، فمن المؤكد أن هذه العملية المرهقة تمت محابتها لأن لها مميزات أكثر تساعد الكائن على التكيف. فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا التكاثر الجنسي؟ وفيما يلي نستعرض بعض الأسباب التي قد تفسر لماذا يعد التكاثر الجنسي ميزة عن التكاثر اللاجنسي. [2]

دعم الطفرات النافعة

تندر الطفرات النافعة في البيئة المستقرة. يعني حدوث طفرة نافعة بمقاييس الانتخاب الطبيعي وجوب مساعدتها الكائن الحي على التكيف مع تغير البيئة. ففي التكاثر اللاجنسي، لا يمكن دمج طفرتين حدثتا في كائنين مختلفين في كائن جديد. مما يعني أن الطفرات يجب أن تحدث على التوالي، الواحدة تلو الأخرى. أما في التكاثر الجنسي، تندمج طفرات كائنين مختلفين في كائن جديد، مما يعني أن الطفرات تحدث على التوازي. وهذه أحد أهم مزايا التكاثر الجنسي. فالطفرة النافعة تنتشر أسرع وسط أفراد النوع مما يعني تكيفًا أسرع مع بيئة متغيرة. [1] قد يستنتج البعض خطًأ بأن التكاثر الجنسي يؤدي إلى تنوع أكبر في الچينات، ولذا وجب التأكيد على أن هذا غير ضروري. فلنفترض أن هناك چين مسؤول عن الطول A وآخر مسؤول عن القصر a في كائن حي. ولنفترض أيضًا أن طول الكائن يؤدي إلى أن يكون أكثر عرضة للافتراس. فعندها نظرًا لأن أغلب الأفراد الحاملين لجين A سيصبحون وجبات سهلة، فإن الجين a سيسود ضمن أفراد هذا النوع. [3]

تجميع الطفرات النافعة في وجود الطفرات الضارة

أحيانًا ما تحدث طفرة نافعة قد تفيد النوع في أحد أضعف أفراد هذا النوع. فإذا ما حدث هذا مع كائن يتكاثر لاجنسيًا فإن الطفرة النافعة قد لا تكون نافعة بدرجة كافية وسط مجموعة من چينات لا تصنف على أنها أكفأ الچينات. وقد تختفي نتيجة ضعف هذه الچينات مع التكيف مع البيئة. لكن إذا ما حدثت طفرة نافعة في أحد أضعف أفراد النوع وتكاثر هذا الفرد جنسيًا مع فرد آخر يحمل جينات أكفأ، فإن هذه الطفرة ستكون وسط چينات تُبرز ميزتها التكيفية مع البيئة المحيطة. فالتكاثر الجنسي يعني أنه حتى لو حدثت الطفرة في أضعف أفرد النوع، فإنها قادرة على أن تكون موجودة في الأجيال القادمة مع چينات أكثر كفاءة. [1]

التخلص من الطفرات الضارة

في مجتمع لاجنسي، عدا المجتمعات الكبيرة، لا يوجد فرد واحد خالي تمامًا من الطفرات الضارة. ولذا قد يكون أكثر الكائنات كفاءة هو من يمتلك طفرة واحدة ضارة. فعندما يتكاثر هذا الكائن لاجنسيًا فإن الأجيال القادمة سيحدث لها طفرات مختلفة. وإذا كان أحد هذه الطفرات ضارة أيضًا سيكون إجمالي عدد الطفرات الضارة أصبح اثنين. ومن هذه النقطة فإن عدد الطفرات الضارة نتيجة التكاثر اللاجنسي سيزداد ولا يمكن أن يقل. ولكن في التكاثر الجنسي فإنه ليس بالضرورة انتقال الطفرات الضارة من جيل إلى الجيل الذي يليه. فإذا كان أكثر الكائنات كفاءة يمتلك طفرة واحدة ضارة فإن الأجيال التالية قد تتخلص من هذه الطفرة عن طريق دمج الجينات مع الشريك الجنسي، مما يعني أن عدد الطفرات الضارة قد يزداد وقد يقل. [1]

لا ضرورة لوجود وفرة في الغذاء

على الرغم من أن التكاثر الجنسي قد يبدو مكلفًا، ولكن مع ذلك فإن الكائنات التي يمكنها التكاثر جنسيًا ولاجنسيًا تتكاثر لاجنسيًا عندما يكون هناك وفرة في الغذاء. أما عندما يقل الغذاء وتبدأ هذه الكائنات بالجوع فإن هذه الكائنات تبدأ بالتكاثر الجنسي، إذ كلما قل الغذاء أصبح التكاثر اللاجنسي محدودًا. وهذه ميزة أخرى للتكاثر الجنسي فهو لا يحتاج إلى وجود وفرة في الغذاء ففي البيئات القاسية سيكون التكاثر اللاجنسي محدودًا. [3]

استعرضنا سويًّا بعض الأسباب التي قد تفسر تميز التكاثر الجنسي عن التكاثر اللاجنسي ومع ذلك فإن هذه الأسباب لا تشرح لماذا بدأ التكاثر الجنسي من الأساس. كما تختلف ميكانيكية التكاثر الجنسي باختلاف حجم الكائنات الحية. لذا لا يمكن اعتبار أن هذه هي كافة الأسباب التي دفعت لانتشار التكاثر الجنسي في عدد كبير من الكائنات. وهناك الكثير من الفرضيات المطروحة التي تحاول تفسير ذلك التفاوت في الأنواع المختلفة. لا يمكن الجزم بشكل قاطع بسبب بدء التكاثر الجنسي وأسباب تفوقه، لكن ما يمكن الجزم به هو حدوثه منذ مليارات السنين، وأنه مستمر حتى الآن في أكثر صور الحياة تعقيدًا. وما زلنا في انتظار الكثير من الأبحاث والكثير من الدراسات لتكمل باقي القصة. [1]

المصادر

[1] onlinelibrary

[2] Springer

[3] BBC

ما هو التشفير وكيف ستقضي الحواسيب الكمية عليه؟

فقدت شركة أوبر بيانات 57 مليون راكب بالولايات المتحدة، وذلك نتيجة اختراق بيانات الشركة عام2016م. وتعرضت بيانات 600000 سائق للقرصنة، مما جعل الشركة تدفع 100 ألف دولار للمخترقين لكي يدمروا البيانات. وعلاوة على ذلك دفعت 148 مليون دولار لتسوية اتهامات فيدرالية بخصوص الاختراق، كما تم تغريمها بـ385 ألف جنية إسترليني. بالإضافة إلى ذلك تم تغريمها 532 ألف جنية إسترليني من قبل منظمي البيانات في هولندا بسبب نفس الانتهاك. إذ تم سرقة معلومات 174 ألف عميل هولندي. [1,2]

ستساعد الحواسيب الكمية في اختراق المزيد. إذ يوجد حوالي 4.5 مليار مستخدم للإنترنت في عام 2020م، وكل منهم ينقل كمية هائلة من البيانات، في شكل اتصالات مثل البريد الإلكتروني والتفاعلات على شبكات التواصل الاجتماعي والمعاملات التجارية أو الخدمات المصرفية. وكل تلك البيانات حساسة وتحمل معلومات خاصة. كيف نتأكد إذن من سلامة وأمن اتصالاتنا؟ [6]

تجد في هذا المقال مقدمة في التشفير. وجوابا لكيف نحمي البيانات من الحواسيب الكمية؟ كما ستجد مدخلا هاما للتعرف فيما بعد على عمليات الحوسبة التي نحمي بها البيانات الهائلة بواسطة التشفير. لكن أولا ما هو التشفير؟

ما هو التشفير؟

يستخدم التشفير الأمن السيبراني لحماية المعلومات من الهجمات الإلكترونية. ويعمل على تأمين البيانات الرقمية المرسلة على السحابة وأنظمة الكمبيوتر. [6]

يُعد التشفير وسيلة لحماية البيانات الرقمية باستخدم تقنية رياضية أو أكثر، إذ تقوم عملية التشفير بترجمة المعلومات باستخدام خورازمية تجعل المعلومات الأصلية غير قابلة للقراءة. [4,5]

فمثلًا:
يمكن لعملية التشفير تحويل نص عادي إلى نص مشفر. يستطيع المستخدم المصرح له بذلك فقط قراءته، ويمكنه فك التشفير باستخدام مفتاح ثنائي (أو أي مفتاح أُنشأ من مُشفر الرسالة أو النص)، حينها يتحول النص المشفر إلى نص عادي حتى يتمكن المستخدم المصرح له بالاطلاع على البيانات.

التشفير إذن وسيلة مهمة للشركات لحماية معلوماتها الحساسة من القرصنة. فنجد أن مواقع الويب التي تنقل أرقام بطاقات الائتمان والحسابات المصرفية تقوم دائمًا بتشفير المعلومات لمنع السرقة والاحتيال عليك. [4,5]

شروط عملية التشفير

الخوارزميات

هي القواعد أو التعليمات الخاصة بعملية التشفير. ويوجد عدة خوارزميات خاصة بعملية التشفير مثل Triple DES, RAS, and AES.

فك التشفير

عملية تحويل نص مشفر غير قابل للقراءة لنص عادي قابل للقراءة.

المفتاح

سلسلة عشوائية من البتات تستخدم لتشفير أو فك تشفير البيانات. فكل مفتاح يحوى أطوال من البتات مثل 128 بت و256 بت. ويوجد نوعان من المفاتيح: وهي المفاتيح المتماثلة والمفاتيح غير المتماثلة، ولمعرفتهم يجب التعرف على أنوع التشفير. يوجد العديد من الأنواع الأخرى، لكن النوعان الرئيسيان هما التشفير المتماثل والتشفير غير المتماثل. [6,5]

التشفير المتماثل:

هو تقنية يتم فيها تشفير البيانات وفك تشفيرها باستخدام مفتاح تشفير واحد وسري لا يعرفه سوى المستخدمون. يرجع تاريخ التشفير المتماثل للإمبراطورية الرومانية ويعد تشفير قيصر -سمى على اسم يوليوس قيصر- أقدم تشفير موجود، إذ استخدمه لتشفير مراسلاته العسكرية. والهدف من هذا النوع من التشفير هو تأمين المعلومات الحساسة. [5]

يعمل التشفير المتماثل بأسلوبين: التشفير التدفقي والتشفير الكتلي:

يحول التشفير التدفقي النص العادي إلى نص مشفر باستخدام واحد بايت في المرة الواحدة. أما التشفير الكتلي فيحول النص العادي إلى نص مشفر باستخدام وحدات أو كتل كاملة من النص. [5]

أمثلة على طرق التشفيرالمتماثل:

DES
عبارة عن خوارزمية تشفير كتل منخفضة المستوى، إذ تقوم بتحويل نص عادي من 64 بت لنص مشفر باستخدام مفاتيح من 48 بت.

التشفير غير المتماثل (تشفير المفتاح العام):

يستخدم التشفير غير المتماثل مفتاحين يعرفان باسم المفتاح السري (خاص) والمفتاح العام. يستغرق التشفير غير المتماثل وقتًا أطول وتعد البيانات غير المتماثلة أكثر أمانًا، لأنها تستخدم مفاتيح مختلفة لعملية التشفير وفك التشفير، كما أن التشفير غير المتماثل أحدث من التشفير المتماثل. [6,5]

أمثلة على طرق التشفير غير المتماثل:

RSA
وقد سميت على أسماء علماء الكمبيوتر Ron Rivest, Adi Shamir, and Leonard Adleman وهي خوارزمية شائعة لتشفير البيانات بمفتاح عام، وفك التشفير بمفتاح خاص لنقل البيانات بشكل آمن.

PKI
هي طريقة للتحكم في مفاتيح التشفير من خلال إصدار الشهادات الرقمية وإدارتها (الشهادة الرقمية هي بيانات اعتماد الكترونية تستخدم لإثبات الهوية في المعاملات الرقمية). [6,7]

كيف ستدمر الحواسيب الكمية التشفير؟

حذر الخبراء من الحواسيب الكمية بمجرد عملها. إذ ستؤدي العمليات الحسابية بشكل أسرع من الحواسيب التقليدية والتي ستدمر التشفير الذي يحمي بياناتنا، ابتداء بالسجلات المصرفية عبر الإنترنت إلى المستندات الشخصية. وهذا هو السبب الذي جعل المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا مؤخرًا يحث الباحثين على التطلع “إلى ما بعد الكم”.

أثبتت شركة IBM طريقة تشفير طورتها مضادة للكم. إذ طور الباحثون خوارزميات الكم التي يمكن أن تتفوق على الخوارزميات الكلاسيكية والتي لها القدرة على حل نوعٍ من مشاكل التشفير. ويمكن لتقنية كمية تسمى خوارزمية شور أن تعمل بشكل أسرع في حل المشاكل من الآلات الكلاسيكية وتعني هذه القدرة أن الحاسوب الكمي يمكنه كسر أنظمة التشفير مثل RSA.

تسارع الباحثون لإيجاد طرق جديدة لا يستطيع الحاسوب الكمي معالجتها. وفي عام 2016 أطلق المعهد القومي للمعايير والتقنية (NIST) دعوة لحث الباحثين للبحث في خوارزميات ما بعد الكم المحتملة. في هذا العام أعلن المعهد أنه اختار 69 طلبًا وتم قبول 26 واحد منهم. وتتمثل خطتهم في تحديد الخوارزميات النهائية بحلول 2024.

ومع ذلك لم تنتظر IBM نتائج تلك المسابقة. ففي أغسطس 2019 أعلنت أن باحثيها استخدمو تقنية تسمى CRYSTALS لتشفير محرك تخزين شريط مغناطيسي.

قدمت IBM CRYSTALS إلى مسابقة NIST. على الرغم من أن NIST قد لا تختار في النهاية CRYSTALS كتقنية تشفير معيارية جديدة، إلا أن IBM لا تزال تأمل في استخدامها لمنتاجاتها الخاصة، وتأمل في استخدام هذا النظام لجعل IBM Cloud مقاومًا للكم. [8]

المصادر

[1] cnbc
[2] bbc
[3] edx
[4] investopedia
[5] trentonsystems
[6] ibm
[7] ibm
[8] scientificamerican

لماذا من المهم تطوير مهارات “محو الأمية الإعلامية” لدي الأطفال؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 7 في سلسلة 7 قضايا إعلامية لا يسعك جهلها

في عالم اليوم تتأثر جميع مجالات الحياة بشكل متزايد بوسائل الإعلام، وخاصة الوسائط الرقمية، التي تلعب دورًا هامًا في حياة الأطفال وفي تنشئتهم الاجتماعية،[1]  فمساعدة الأطفال على تصفح الإنترنت بأمان هي مجرد جزء واحد من تطوير مهارات محو الأمية الإعلامية، والذي  يبدأ عادة بتعليم الأطفال أن يكونوا مستهلكين بارعين في استخدام وسائل الإعلام، من البرامج التلفزيونية إلى مقاطع الفيديو والوسائل المطبوعة.[2]

لماذا تعتبر التربية الإعلامية مهمة

يتأثر معظم الناس بشدة بجميع أنواع وسائل الإعلام، مما يؤثر في النهاية على طريقة تفكيرهم وكيفية اتخاذهم للقرارات، كذلك الأطفال لا يختلفون عن الكبار ولكن يتم ذلك من خلال تعليمهم المهارات التي تجعلهم مستهلكين نقديين لوسائل الإعلام عن طريق تحليل وتقييم الوسائط و تحديد المصادر الموثوقة للمعلومات.[3]

يتم ربط العديد من الأطفال باستخدام الوسائط الرقمية اجتماعيًا منذ سن مبكرة حيث يرون أفراد الأسرة يستخدمون الوسائط الرقمية ويتفاعلون معها، ومن الأمثلة على ذلك الدراسة النوعية التي أجريت في 21 دولة أوروبية، والتي اكتشفت أن معظم الأطفال لديهم أول اتصال بالوسائط الرقمية والشاشات دون سن الثانية، والذي يتم عادةً من خلال والديهم.[4]

الهدف من محو الأمية الإعلامية

الهدف من محو الأمية الإعلامية هو مساعدة الأطفال على أن يصبحوا مستهلكين بارعين لوسائل الإعلام، وتطوير مهارات التفكير النقدي لديهم، بالإضافة إلي التعبير عن أفكارهم وآرائهم  باحترام، والذي يمكنهم من الانخراط في نقاش واعي مع الآخرين.[5]

ووفقًا للدراسة التي أجريت في جامعة هارفارد لدراسة فعالية تعليم محو الأمية الإعلامية، وجد الباحثون أن الأطفال الذين تلقوا أحد مناهج محو الأمية الإعلامية كانوا أكثر قدرة على تحليل محتويات البرامج المختلفة.[6]

واكتشفت الدراسة التي أجرتها مؤسسة “Kaiser Family Foundation” أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 و 18 عامًا يقضون ما يقرب من 7.5 ساعة يوميًا، في التفاعل مع أشكال مختلفة من الوسائط بما في ذلك كل شيء من التلفزيون والموسيقى والأفلام إلى أجهزة الكمبيوتر وألعاب الفيديو.

لهذا السبب يقول العديد من المعلمين والباحثين أنه من المناسب أن يتخذ الآباء خطوات جادة لتعليم أطفالهم كيف يصبحون مستهلكين نقديين لوسائل الإعلام.[7]

المهارات التي يجب أن يمتلكها الأطفال لكي يصبحوا مستهلكين نقدين

تتضمن هذه المهارات السؤال عن سبب إنشاء شخص ما لرسالة معينة، وما إذا كان مصدرًا موثوقًا للمعلومات أم لا. وعلى الرغم من أن هذه المهارة ليست دائمًا من السهل تعلمها، إلا أنها ضرورية في عالم اليوم.

وفيما يلي بعض الطرق والمهارات التي يجب توافرها عند الأطفال ليكونوا مستهلكين نقديين لوسائل الإعلام:

1-تعلم التفكير بشكل نقدي

عندما يبدأ الأطفال في تقييم الأشياء التي يقرؤونها ويشاهدونها، يتعلمون التوقف والتفكير في الرسائل التي يستهلكونها ويتعلمون أيضًا تحديد ما إذا كانت المعلومات منطقية أم تتطلب مزيدًا من البحث. في النهاية يتعلمون التوقف والتفكير في الأشياء بدلاً من مجرد أخذها من ظاهرها.

2- تحديد المصادر الجديرة بالثقة

تعد معرفة المصادر التي تتجه إليها للحصول على أخبار ومعلومات موثوقة المهارة الحقيقية في عالم اليوم. فتعليمك لأطفالك بأن يكونوا مستهلكين نقديين لوسائل الإعلام  يتيح لهم الفرصة لإدراك أن بعض مصادر المعلومات أقل ثقة من غيرها.

3-التعرف على وجهات النظر المختلفة

إن الفهم والإدراك بأن لكل شخص وجهة نظر مختلفة لهو جزء مهم من محو الأمية الإعلامية، ومن هذا المنطلق يجب علي الآباء تعليم أبنائهم احترام وجهات النظر المختلفة حتي ولو كانوا مختلفين مع وجهات النظر الأخري.

4-اتخاذ قرارات مستنيرة

عندما يتعلم الأطفال أن يكونوا مستهلكين نقديين لوسائل الإعلام ، فإنهم يتعلمون كيفية البحث عن موضوع معين وتشكيل آرائهم الخاصة حول هذا الموضوع. ثم يستخدمون هذه المعلومات لاتخاذ القرارات أو حل المشكلات أو تطوير آرائهم الخاصة.[8]

ما يمكن أن يفعله الآباء لتعليم أبنائهم مهارات التفكير النقدي الإعلامي

تبدأ مهارات التفكير النقدي، ومحو الأمية الإعلامية  في التطور بمجرد أن يبدأ الأطفال في استخدام الأجهزة الرقمية لعرض الوسائط. ويمكن للوالدين زرع بذور التفكير النقدي لدي الأطفال عن طريق طرح الأسئلة وإثارة المحادثات التي تساعدهم على التفكير في كيفية إنشاء الوسائط ولماذا.

وفيما يلي بعض الأسئلة التي يجب طرحها علي طفلك عند مشاهدة إعلان أو مقطع فيديو أو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أو أي نوع آخر من أنواع الوسائط ، بما في ذلك الوسائط المطبوعة كالكتب، والتي تتمثل في الآتي:

1. من أنشأ هذا؟

ويتم ذلك عن طريق مساعد الأطفال على فهم أن الوسائط يتم إنشاؤها بواسطة أفراد أو مجموعات. فمعظم البرامج التلفزيونية، على سبيل المثال، يتم إنشاؤها بواسطة شركات كبيرة. كما أن معظم منشورات وسائل التواصل الاجتماعي (وليس كلها) يتم إنشائها من قبل الأفراد.

2. لماذا تم إنشائه؟

انخرط في محادثات تساعد طفلك على فهم الدوافع والأهداف من وراء الوسائط التي يستهلكها. اطرح أسئلة مفتوحة مثل لماذا فعلوا ذلك؟ ما الرسالة التي يريدون إيصالها لنا؟ هذا يمثل تحديًا، حتى بالنسبة للبالغين.

3. إلى من يتحدثون؟

إن فهم أن الإعلام مخصص لجمهور معين هو جزء من الثقافة الإعلامية. يمكن للأطفال البدء في تعلم كيفية استهداف الوسائط . ويمكن لك أن تطلب من طفلك أن يصف تفكيره من خلال طرح أسئلة متابعة مثل لماذا تعتقد ذلك؟.

4. كيف نعرف أن هذا صحيح؟

يعد تعلم التحقق من دقة ما نراه ونسمعه ونقرأه في وسائل الإعلام تحديًا مهمًا. ويمكن للوالدين  أن يلعبوا دورًا في مساعدة الأطفال علي تطوير مهارات التفكير النقدي حول دقة الرسائل الإعلامية التي يستهلكونها.

5. ما هو المفقود؟

عندما يكبر الأطفال ويطورون مهارات التفكير النقدي لديهم سيبدأون في إدراك أن سمة شيئًا ما مما يرونه أو يسمعونه قد يكون صحيحًا ولكنه غير مكتمل، وبالتالي يمكن النظر في سؤال ما هي المعلومات التي تركت، ولماذا تركت.[9]

المراجع

(1),(4)tandfonline
(2),(9)britannica
(3),(5),(8)verywellfamily
(6)ntia
(7)canr.msu.edu
image source: newamerica

ألبرت الصغير، ضحية تجارب الخوف

كيف يتشكل الخوف؟ وهل بالإمكان خلقه عند الشخص؟ هذا السؤال الذي حاول عالم النفس جون واتسون الإجابة عنه، مستخدمًا في ذلك طفلًا بعمر تسعة أشهر ليكون عينة لتجربته.

حقوق الصورة: newscientist

تجربة ألبرت الصغير

تجربة الطفل ألبرت، أو ألبرت الصغير هي تجربة قام بها عالم النفس السلوكي جون واتسون لاستكشاف التعلم العاطفي عند الطفل. أجريت هذه التجربة المضبوطة “في بيئة المختبر” عام 1920، وذلك في جامعة جونز هوبكنز، على طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر وذلك لاستكشاف موضوع التكييف الكلاسيكي. نُشرت النتائج أول مرة في عدد فبراير من مجلة علم النفس التجريبي. [1]
وكانت هذه التجربة مضبوطة، تظهر أدلة تجريبية على التكييف الكلاسيكي للبشر، ,وأظهرت أن ما قدمه بافلوف في تجاربه في التكييف المشروط على الحيوانات بالإمكان تطبيقها على البشر. وبالتالي بالإمكان خلق شعور، أو خوف عند إنسان لم يكن يخف من الشيء مسبقًأ. [1]

الأطروحة التي مهدت للتجربة

اعتمد واتسون في تجربته بشكل رئيسي على نظرية بافلوف في التكييف الشرطي، وحاول تطبيق ذلك بتعريض الطفل لمحفزات عديدة ثم ربطها بمحفزات أخرى، ليخلق لديه شعور الخوف من الفأر، الذي لم يكن يمتلكه الطفل مسبقًا. حيث يلعب التكييف الكلاسيكي دورًا رئيسيًا في تطوير المخاوف والفوبيا “الرهاب”، وقد تكون بعض أنواع التجارب ناتجة بشكل جزئي من التكييف الكلاسيكي. [2]

التكييف الكلاسيكي classical conditioning:

التكييف الكلاسيكي هو نوع من التعلم كان له تأثير كبير في مدارس علوم النفس وخصوصًا المدرسة السلوكية. اكتشفه عالم الفيزيولوجيا إيفان بافلوف. وهو عملية تعلم تحدث من خلال الارتباط بين المحفز البيئي والمحفز الذي يحدث بشكل طبيعي. يتضمن التكييف الكلاسيكي وضع إشارة محايدة قبل رد فعل طبيعي. في تجربة بافلوف الشهيرة مع الكلاب كانت الإشارة المحايدة هي صوت نغمة وكانت الاستجابة الطبيعية للكلب هي سيلان اللعاب استجابةً للطعام. ومن خلال ربط الحافز المحايد “النغمة” بالمحفز البيئي “الطعام” يمكن أن ينتج صوت النغم وحده الاستجابة الطبيعية، أي سيلان اللعاب. [3]

تفاصيل تجربة ألبرت الصغير

كان المشارك في التجربة طفل وتمت تسميته “ألبرت ب” وهو ليس اسمه الحقيقي، وهو العينة المدروسة في التجربة. الباحثان المشرفان على التجربة كانا واتسون أخصائي العلوم السلوكية وطالبته روزالي راينر.
بدأت التجربة بتعريض الطفل لعدة محفزات stimuli، منها فأر أبيض وقرد وأقنعة وصحف مشتعلة وتمت ملاحظة وتسجيل ردود أفعاله للمحفزات. الطفل لم يظهر أي خوف من أي من المحفزات التي تعرض لها.
في المرة التالية التي تم عرض الفأر على الطفل رافق ذلك إحداث واتسون لضوضاء عالية بالضرب على أنبوب معدني. وبطبيعة الحال فإن الطفل استجاب للضوضاء بالبكاء. تم إقران الضوضاء العالية بظهور الجرذ أمام الطفل لمرات عدة خلال فترات زمنية متفاوتة، وأدى ذلك لبكاء الطفل كلما رأى الفأر الأبيض، الذي ارتبط لديه بالمحفز الآخر.
كتب واتسون: “في اللحظة التي رأى فيها الطفل الفأر بدأ بالبكاء، استدار فورًا بحدة إلى اليسار، وسقط على جانبه الأيسر، وبدأ بالزحف بعيدًا عنه بسرعة، تمكننا بصعوبة الوصول له وإمساكه.” [4]

الارتباط مع نظرية التكييف الكلاسيكي

تقدم تجربة ألبرت الصغير مثالًا واضحًا عن كيفية تطبيق التكييف الكلاسيكي لتكييف الاستجابة العاطفية باستخدام المحفزات المختلفة.
المحفز المحايد: وهو محفز لا يثير أي استجابة في البداية وهو الجرذ الأبيض.
منبه غير مشروط: وهو الحافز الذي يثير استجابة انعكاسية لدى الطفل المدروس وهو الضوضاء العالية التي تسببت بالبكاء
الاستجابة غير المشروطة: وهي رد فعل طبيعي لمحفز معين “الخوف”، وفي التجربة هي خوف الطفل من الضوضاء وبكاءه.
المنبه المشروط: وهو حافز يثير استجابة بعد اقترانه بشكل متكرر بالحافز الغير مشروط، أي اقتران الحافز المحايد “الفأر” بالمنبه غير المشروط “الضوضاء” الذي يحول المحفز المحايد لمنبه مشروط.
الاستجابة الشرطية: وهي الاستجابة الناتجة عن الحافز الشرطي “الخوف” عند تعريض الطفل للمنبه المشروط “الفأر الذي اقترن بالضوضاء”. [4]

نتائج التجربة

أثبت واتسون وراينر أن الاستجابات العاطفية يمكن أن تكون مشروطة عند البشر. ولاحظا أن تعميم التحفيز قد حدث؛ أي أن ألبرت الصغير لم يخشى الفئران فقط بعد التجربة وإنما تعدى خوفه للعديد من الأجسام المشابه، أي شيء أبيض وذو فرو. وهذه الظاهرة يطلق عليها اسم التعميم.
بعد خمسة أيام وجد الباحثان أن ألبرت طور رهابًا من الأشياء التي تشترك مع الجرذ ببعض الخصائص بما في ذلك كلب العائلة، وبعض الصوف القطني. بعد أسابيع وأشهر من التجربة تمت ملاحظة ألبرت وكان خوفه من الفئران أقل وضوحًا، هذه العملية تسمى الانقراض. لم يتسنى لواتسون وراينر عكس التأثير الذي أحدثوه لدى الطفل وذلك لأن أمه قامت بسحبه فورًا بعد انتهاء التجربة. وأيضًا لم يتسنى للباحثين متابعة وضع وحالة الطفل حول الفوبيا هذه وذلك لوفاته في عمر السادسة بسبب استسقاء الرأس. [4]

نقد التجربة

كان واتسون قد خطط لعكس التكييف الذي أحدثه للطفل، وذلك بالقيام بعكس ما قام به؛ أي ربط التحفيز بمنبه شرطي محبب للطفل بدلًا من أن يكون مخيفًا له. ولكن تم سحب ألبرت من التجربة ذلك. بالتالي أصبح للطفل رعب لم يكن يمتلكه من قبل، ومن الممكن أن يرافقه طول حياته.
تعتبر ممارسة كهذه غير أخلاقية بتاتًا في عصرنا هذا وذلك بسبب المعايير التي حددتها جمعية علم النفس الأميريكية وجمعية علم النفس البريطانية. وينتقد المنهج المعرفي النموذج السلوكي لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار العمليات العقلية، ويجادلون بأن عمليات التفكير التي تحدث بين الحافز والاستجابة مسؤولة عن عنصر الشعور في الاستجابة. [5]

5- simplypsychology

ردود على نقد التطور

هذه المقالة هي الجزء 12 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد عرض أدلة التطور والرد على الطرح المضاد للتطور الذي يروج له الخلقيون، يحين موعدنا مع الرد على أشهر انتقادات وجهت لنظرية التطور.

التشابه ليس دليلًا على التطور

يعترض الخلقيون قائلين أن التشابه بين تراكيب الكائنات الحية ليس دليلًا على التطور. هذا ادعاء صحيح إلى حد ما، فليست كل التشابهات بين الكائنات الحية يمكن استخدامها على أنها دليل على تطورها من بعضها البعض بشكل مباشر.

على سبيل المثال، يمتلك كل من الطيور والحشرات الطائرة أجنحة، ولكن هذا لا يمكن أن يستخدم كدليل على انحدارهم من سلف مشترك امتلك أجنحة. في الواقع هذا ادعاء خاطئ، فقد طوّر كل منهم تركيبة الأجنحة بشكل منفصل. ولكن كيف يعرف العلماء ما إن كانت هذه التراكيب منحدرة من سلف مشترك أم تطورت بشكل منفصل؟

تكمن الإجابة في معرفة التركيبة والوظيفة للأعضاء التي نقارنها. فمثلًا، لدى كل من الخفافيش والطيور أجنحة، ولكنها مختلفة تمامًا في التركيبة على الرغم من تأديتهم لنفس الوظيفة. فعلى سبيل المثال، يتكون جناح الخفاش من غشاء يمتد بين أصابعه، بينما لا نرى ذلك في أجنحة الطيور.

حقوق الصورة: Macmillanhighered

ولكن عندما نأتي مثلًا لنرى زعانف الحيتان مقارنة بذراع الإنسان، نرى أنهما يتبعان نمطًا واحدًا كما ناقشنا في الجزء الأول من السلسلة. فعلى الرغم من امتلاكهم لوظائف مختلفة تمامًا، فنحن نرى نفس التركيبة. بالإضافة إلى أن زعانف الحوت لا تشبه زعانف الأسماك، ولكنها كما قلنا تتبع نمط الأطراف الأمامية لدى الثدييات. وهو ما يتوافق مع كونها ثدييات أصلًا.

باختصار، نوع التشابه الذي يستخدم للدلالة على التطور من سلف مشترك هو التشابه غير الضروري في تركيبة الأعضاء على الرغم من اختلاف الوظيفة. [1]

وجود فجوات في السجل الأحفوري

ينتقد الخلقيون نظرية التطور باعتبارها تفتقد لاكتمال السجل الأحفوري. فعندما يرون الكم الهائل من الأدلة التي تؤيد التطور من السجل الأحفوري، يقولون أن السجل الأحفوري غير مكتمل.

بالطبع هذا الادعاء صحيح، ولكنه لا يصلح لاستخدامه في نقد التطور. فتكوّن الحفريات عملية نادرة للغاية، ونحن على الأرجح لن نحصل على سجل أحفوري مكتمل في يوم من الأيام. ولكن هذا لا يصلح لمواجهة الكم الهائل من الحفريات التي عثرنا عليها، حيث أن كل حفرية من الحفريات الموجودة في السجل الأحفوري كانت “حلقة مفقودة” في مرحلة ما. على سبيل المثال، كان الاعتقاد سائدًا منذ زمن بعيد أن الإنسان والشيمبانزي متشابهان، ولكن لم تكن هناك حفريات انتقالية لتدعيم فكرة انحدار الإنسان والشيمبانزي من سلف مشترك. أصبح لدينا اليوم سجل أحفوري يزخر بالحفريات الانتقالية التي تحكي لنا قصة تطور الإنسان.

إذًا فمجرد وجود فجوات في السجل الأحفوري لن ينفي وجود عدد كبير من الحفريات الانتقالية المكتشفة بالفعل، ولا يصلح كنقد للتطور. يمكن اعتبار وجود فجوات في السجل الأحفوري دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة في سد تلك الفجوات بممارسة البحث العلمي والحملات الاستكشافية لاكتشاف المزيد من الحفريات.

الانفجار الكمبري

ليس لدى الخلقيين حجة أفضل الانفجار الكمبري ليستخدموها في نقد التطور. إلا أنها مبنية على أساس نفس الادعاء السابق كما سنوضح. تتلخص حجتهم أن في مرحلة ما من تاريخ الأرض، ظهر عدد ضخم من الكائنات الحية بشكل “مفاجئ” في السجل الأحفوري. وأن داروين نفسه اعترف بندرة الحفريات مما قبل العصر الكمبري، مما يثبت فرضيتهم عن الخلق المباشر.

ولكن هذا ادعاء غير صحيح بالمرة، فالحياة لم تبدأ في العصر الكمبري. ولكن يمكننا اقتفاء أثر للحياة مما قبل الانفجار الكمبري بحوالي 3 بليون سنة! وصحيح أن الحفريات ما قبل الانفجار الكمبري كانت نادرة في عصر داروين، ولكن هذا كان في عصر داروين فقط!

وجد العلماء العديد من الحفريات مما قبل الكمبري، والتي تعتبر نماذجًا أولية لأشكال الحياة التي عاشت في العصر الكمبري. مثل «بارفانكورينا-Parvancorina»، والتي تُشبه «الترايلوبايت-Trilobites» التي عاشت في العصر الكمبري إلى حد كبير. ولا يمكننا معرفة ما إذا كانت هي الأسلاف الحقيقية للترايلوبايت، ولكننا نرى التشابه في الصفات التشريحية كما تتنبأ نظرية التطور بالضبط. كما عُثر عليها في نفس الطبقات الرسوبية التي يتنبأ التطور بوجودها فيها! [2]

حقوق الصورة: Research Gate

كما عثر العلماء على «الكمبريلا-Kimbrella»، والتي تشابه الرخويات بدرجة كبيرة. ومجددًا، في نفس الطبقات الرسوبية التي تتنبأ بها نظرية التطور. [3] وغيرها الكثير من أشكال الحياة البدائية التي يمكننا العثور عليها مما قبل الانفجار الكمبري، وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده أن الانفجار الكمبري ليس “انفجارًا” حقًا.

أضف إلى علمك أن الانفجار الكمبري استمر لحوالي 20 مليون سنة، وهو ليس بالرقم الصغير! فمهما حدث من تنوع حيوي، فقد حدث على مدار 20 مليون سنة! [4]

في الواقع، لدينا أمثلة على تحولات تطورية كبيرة في فترات أقل بكثير من هذه، فلدينا سجل أحفوري جيد جدًا يوثق تطور الحيتانيات مثلًا. حتى أن نوعًا جديدًا من الحيتان البدائية اكتشف في وادي الحيتان في مصر في 2021 [5]، وأطلق عليه مكتشفوه اسم «فيوميسيتس أنوبيس-Phiomicetus Anubis». ونحن نعلم أن هذا التحول الكبير من حيوانات برية إلى الحيتان حدث في أقل من 10 مليون سنة فقط! [6]

إذًا فالعثور على حفريات انتقالية قبل الانفجار الكمبري تعد صورًا أولية للكائنات التي ظهرت فيه. ومعرفة أن الانفجار الكمبري استمر 20 مليون سنة، تكفي للإطاحة بحجة الانفجار الكمبري، وإثبات أنها لم تعد تصلح لاستخدامها في نقد التطور.

التطور يحدث داخل نفس النوع

يعترض الكثيرون قائلين أن التطور يحدث في نفس النوع فقط، ويتخيلون أن كل أمثلة التطور المرصود هي مجرد تكيفات ولا تصلح لاستخدامها كدليل على التطور. وللرد على هذا الادعاء علينا أولًا معرفة تعريف «النوع-species».

وفقًا للموسوعة البريطانية، النوع هو مجموعة من الكائنات الحية تضم أفرادًا يمتلكون خصائص متشابهة ويمكنهم التزاوج. [7]

والواقع أن هناك تجربة شهيرة توضح حدوث «الانتواع-Speciation»، مباشرة أمام أعيننا. حيث قامت «دايان دود-Diane Dodd» بتجربة بسيطة قامت فيها بعزل مجموعتين من ذباب الفاكهة، ووضعت كل مجموعة في قفص مغلق. قامت دايان بتغذية مجموعة منهم على طعام مكون بشكل أساسي من سكر «المالتوز-Maltose»، بينما غذّت المجموعة الأخرى بطعام مكوّن بشكل أساسي من «النشاء-Starch». وبعد فترة، أطلقت المجموعتين على بعضهما البعض لترى أنماط التزاوج التي سيتخذونها، وهنا كانت المفاجأة!

تزاوج ذباب المالتوز مع ذباب المالتوز، وذباب النشاء مع ذباب النشاء. هذا مثال على الانتواع يحدث أمام أعيننا، فقد أدى الانعزال والعيش في ظروف مختلفة لفترة من الزمن إلى ظهور نوعين من ذباب الفاكهة. [8] ولكنهم يقولون أن الذباب ظل ذبابًا، ولم يصبح أي كائن آخر. أجل، فهل تقول نظرية التطور أن الذباب سيبيض عصافيرًا مثلًا؟

ما يخبرنا به التطور أن التغيرات الصغيرة تتراكم على مدى زمني طويل لتصير تغيرات كبيرة ملحوظة. وكل التغيرات الصغيرة التي نرصدها في المعمل أو خارج المعمل ما هي إلا خطوات صغيرة إذا استمرت وتراكمت، ستصير الكائنات بشكل مختلف تمامًا. فتراكم السنتيمترات (على الرغم من صغرها) سيعطينا عاجلًا أم آجلًا كيلومترات، ولا يمكنك إنكار هذا لأنه لا يعجبك. وهنا قد تتساءل إذا لم يكن التطور الكبير مرصودًا فكيف للعلماء أن يعرفوا حدوثه؟

يعرف العلماء حدوثه من السجل الأحفوري الذي يوثق تطور أنواع كثيرة. كما يعرفونه من علم الأجنة الذي يوفّر أدلة قوية على التطور. وكذلك يعرفونه من الجينوم الذي أثبت حدوث التطور بأدلة قاطعة كما بينت كثيرًا في هذه السلسلة بطولها.

لوسي قرد عادي

نعم، هذا صحيح تمامًا، فالتصنيف العلمي لي ولك وللشيمبانزي والغوريلا والأورانجوتان هو «القردة العليا-Great Apes». وكذلك كان الأوسترالوبيثيكاس (لوسي)، ولكن ليس هذا ما يعنيه الخلقيون، ما يقصدونه هو أن لوسي مجرد شيمبانزي وليست ضمن الخط التطوري للبشر.

وهذا غير صحيح لأننا نجد صفات بشرية لدى لوسي ليست لدى القرود غير البشرية، مثل المشي المنتصب. نعرف أن لوسي قد مشيت منتصبة عن طريق معرفة زاوية تمفصل عظمة الفخذ مع عظمة الحوض في الحفرية. كما عثرنا على حفريات لآثار أقدامها، وهي مشابهة لآثار البشر كما ناقشنا بتفصيل أكثر في الجزء الخاص بالسجل الأحفوري.

رسومات إرنست هيكل

يقولون أن خط الأدلة من علم الأجنة مبني على رسومات إرنست هيكل التي اكتشف لاحقًا أنها مزيفة. حيث رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه يكون مشابهًا فيها لأسلافه في مرحلة البلوغ، فيما يُعرف ب«التلخيص-Recapitulation» وهذا لأن الجنين -وفقًا لرأي هيكل- يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه. فعلى سبيل المثال، سيبدأ الجنين البشري بكائن أحادي الخلية، ثم سمكة، ثم يصير كائنًا برمائيًا، وهكذا إلى أن يصل إلى الهيئة البشرية (وفقًا لفرضية هيكل).

وهذا مجرد هراء، فقد قمنا بتخطئة نظرية هيكل في أول فقرة من مقال علم الأجنة. كما دعّمنا الأدلة التي أوردناها من علم الأجنة بصور فوتوغرافية لا علاقة لها برسومات هيكل من قريب أو بعيد. وقد تجاوز العلم رسومات هيكل بسنوات من البحث والتدقيق والتمحيص. ولكن يبقى الخلقيون مولعون بالبحث في ركام الفرضيات العلمية التي قام المجتمع العلمي نفسه برفضها لينتقدوا بها العلم الحديث، وفي هذا تدليس واضح.

عدد كروموسومات الإنسان

يردد الخلقيون عن جهل هذا المثال كثيرًا، فيقولون كيف للإنسان أن يمتلك عددًا مختلفًا من الكروموسومات عن القردة العليا إن كان منهم؟ والحقيقة أن الكروموسوم 2 لدى الإنسان عبارة عن كروموسومين ملتحمين كما أثبتنا بشكل أكثر تفصيلًا في مقال أدلة الجينوم. هذا بغض النظر عن وجود حالات مرضية لتغير عدد الكروموسومات داخل نفس النوع، فلدينا نحن البشر مجموعة من التغيرات الكروموسومية بالفعل:

• «متلازمة داون-Down syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم زائد مماثل للزوج رقم 21، وبالتالي فإن كل خلايا الجسم تحتوي على 47 كروموسوم بدلًا من 46.
• «متلازمة كلاينفلتر- Klinefelter syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم X زائد في الحيوان المنوي، فتصبح كروموسومات الجنين XXY.
• «متلازمة تيرنر-Turner syndrome»، وتحدث في الإناث نتيجة عدم نقص وجود كروموسوم X بشكل كلي أو جزئي. [9]

كما أن الأبحاث العلمية أثبتت بشكل قطعي أن الكروموسوم 2 عبارة عن كروموسومين ملتحمين، لذا فلا فائدة من نكرانه أو محاولة الهروب منه. فليتعامل الخلقيون مع ذلك!

«سمكة السيليكانث-Ceolacanth»

يحتج الخلقيون بأن سمكة السيليكانث لم تتطور على مدى ملايين السنين وهذا يجعل منها «أحفورة حية-Living fossil»، وأن هذا يعارض التطور. وهو ادعاء باطل من وجهين:

أولًا، لا تحتم نظرية التطور على كل الكائنات أن تستمر في التغير، فالانتخاب الطبيعي يحافظ على الصفات المناسبة لبيئتها بشكل كافٍ. لذا فوجود أي كائن لم يتغير على مدى سنين كثيرة لا يُعد حجة لتستخدم في نقد التطور.

ثانيًا، لا تعد السيليكانث أحفورة حية أصلًا، فالسجل الأحفوري يزخر بأقرباء السيليكانث المنقرضين مثلما نرى في هذه الصورة (سمكة Latimeria هي نوع السيليكانث الموجود حاليًا). [10]

حقوق الصورة: Ecologica

منذ أن خرجت نظرية التطور إلى النور وهي مبحث مهم من مباحث العلم الحديث. لذا فقد رأينا أن نعرض لكم أبرز أدلة التطور وأكثرها شيوعًا، مع العلم بأن هناك عدد أكبر من الأمثلة في كل خط من خطوط الأدلة التي ناقشناها. ويستمر البحث في نظرية التطور، وتستمر الأدلة في الزيادة، ونستمر في إطلاعكم بكل جديد في مجال العلوم.

المصادر

[1] Berkeley
[2] Fossil Fandom
[3] Nature
[4] Springer
[5] Royal Society
[6] Whales
[7] Britannica
[8] Berkeley
[9] About Kids Health
[10] Ecologica

فلسفة الأخلاق: طبيعة الأحكام الأخلاقية وكيفية تفسيرها

هذه المقالة هي الجزء 9 من 11 في سلسلة مدخل إلى الفلسفة وفروعها

فلسفة الأخلاق: طبيعة الأحكام الأخلاقية وكيفية تفسيرها

يمثل تعريف الأخلاق (Morality) مسألة كبيرة ومتشعبة، كما أن طبيعة الأحكام الأخلاقية هي محور الكثير من النظريات والتفسيرات التي تعد جزءاً من فلسفة الأخلاق (Moral Philosophy).

الأخلاق

لا يوجد تعريف واحد يمكن أن يلخّص فكرة الأخلاق وماهيتها، لأنه لا يمكن تطبيق تعريف واحد على كافة النقاشات الأخلاقية. والسبب وراء هذا هو وجود معنَيَين واسعين للأخلاق يمكن التمييز بينهما من حيث المبدأ. فالمعنى الوصفي (descriptive) يشير إلى قواعد سلوك محددة يضعها مجتمع أو فئة معينة، كالدين مثلاً، وبناءً على هذا يتبناها الأفراد ممن ينتمون إلى هذا المجتمع أو تلك الفئة. أما بمعناها المعياري (normative) فتدل الأخلاق على قواعد السلوك التي يتفق جميع الأشخاص العقلاء عليها في ظروف محددة معطاة [1].

فلسفة الأخلاق

بالنسبة لفلسفة الأخلاق، فهي قسم في الفلسفة يبحث في طبيعة الأخلاق، ويدرس كيف يجب أن يعيش الناس حياتهم ويبنون علاقاتهم مع بعضهم البعض [2]. يقول سقراط، كما نقل عنه تلميذه أفلاطون في كتاب الجمهورية، الأخلاق “ليست مجرد قضيةٍ صغيرة، بل هي مسألةٌ تتعلق بكيف يجب أن نعيش.”

تحدّث عدد من الفلاسفة عن الأخلاق، ومنهم سقراط وأفلاطون وأرسطو في اليونان القديمة، وتوماس هوبز (Thomas Hobbes) في القرن السابع عشر، وإيمانويل كانت (Immanuel Kant) وديفيد هيوم (David Hume) في القرن الثامن عشر. ولكن في هذا المقال لن نسلط الضوء على رأي فيلسوف واحد دون غيره. بل سنتحدث عن طبيعة أو حالة الأخلاق (status of morality). وهذا يعني النظر في الأحكام الأخلاقية التي نطلقها ودراسة حالتها.

ما هي الأحكام الأخلاقية؟

تختلف الأحكام الأخلاقية (moral judgements) عن الأحكام التجريبية (empirical judgements) بأن الأولى هي أحكام مجرّدة في حين أن الأخيرة هي أحكام عملية يمكن إثباتها. فمثلاً، عندما نقول أنّ الأرض تدور حول الشمس، فهذا حكمٌ تجريبيٌّ مبنيٌّ على حقائق علمية وأبحاث مثبتة. لا يمكن نفي هذا الحكم، فهو صحيح، وإذا ادّعى أحدٌ ما أنّ الأرض لا تدور حول الشمس، فيمكننا ببساطة دحض ادّعائه والحكم عليه بأنه مخطئ. إذاً، الأرض تدور حول الشمس وهذه حقيقة لا تقبل الجدل. أما إذا قلنا أنّ الأعمال الخيريّة والتبرّع هو تصرّف صحيح، فيمكن الوقوف عند هذا الحكم والاختلاف عليه. إذ يرى البعض أن هذا الحكم صحيحٌ ويمكن أن يبرروا رأيهم من خلال نقاش معين. في حين قد يعتبر البعض الآخر أنه غير صحيح، وهؤلاء أيضاً لديهم حججٌ لدعم رأيهم [3].

حالة الأخلاق The Status of Morality

كما ذكرنا، تركّز دراسة حالة الأخلاق على النظر في الأحكام الأخلاقية و طبيعتها. لا يتمحور الاهتمام هنا حول تقييم إذا كان الحكم الأخلاقي صحيحاً أم لا، بل يكمن التركيز على حالة هذه الأحكام فيما إذا كانت تمثل حقائقَ موضوعية أم ممارساتٍ ثقافية أم آراءً شخصية. تسمى هذه الدراسة بالأخلاق الفوقية أو ما وراء الأخلاق (meta-ethics). وهي لا تنظر في صحة الأحكام الأخلاقية، بل تركز على السؤال عن طبيعة هذه الأحكام وأسسها وخصائصها [4]. ومن هنا يمكن التمييز بين عدة مذاهب فلسفية تنظر في طبيعة الأخلاق، ومن بينها الموضوعية والنسبية والانفعالية [3].

الموضوعية في فلسفة الأخلاق

ترى الموضوعية (Objectivism) أنه يمكن تصنيف الأحكام الأخلاقية تحت بند “صحيحة” و”خاطئة”. وتبني الموضوعية هذا التصنيف على أساس الأدلة. فهنا يمكن اعتبار الأحكام الأخلاقية أحكاماً موضوعية كالأحكام التجريبية، أي أنها إما صحيحة بالمطلق أو خاطئة بالمطلق [3]. تبرر الموضوعية موقفها بوجود أسس وأدلة وحقائق تُمكّننا من أن نقبل أحكاماً معينة على أنها صحيحة في حين نرفض أحكاماً أخرى ونراها خاطئة [5]. وهذه الأسس لا علاقة لها بمن نكون أو إلى أي ثقافة أو مجموعة ننتمي. بل هي حقائق مستقلة عمّا يحيط بها، وهي التي تقرر فيما إذا كانت الأحكام الأخلاقية صحيحة أم لا [3].

من الاعتراضات الموجهة ضد الموضوعية هو السؤال حول آلية إثبات الحقيقة الموضوعية وراء الحكم الأخلاقي. فمثلاً يمكن إثبات حكم تجريبي من خلال الملاحظة والأدلة الملموسة، كأن نثبت دوران الأرض حول الشمس بناءً على ملاحظاتٍ فلكية وظواهر تمكن مراقبتها. ولكن لا توجد طريقةٌ يمكن فيها إثبات حقيقة حكم أخلاقي. فإذا قلنا أنّ القتل أمرٌ خاطئ، وهذا حكمٌ أخلاقي، لا يمكن إيجاد طريقة عملية لإثبات هذا. وإذا كان هنالك رأي مخالف لهذا الحكم، من الصعب اتّباع طريقة إثبات الأحكام التجريبية من أجل الوصول إلى حل لهذا الخلاف [3].

النسبية في فلسفة الأخلاق

تتفق النسبية (Relativism) مع الموضوعية أنه من الممكن للأحكام الأخلاقية أن تكون صحيحة أو خاطئة. ولكن، ترفض النسبية أن صحة هذه الأحكام أو خطأها هو أمر مطلق، بل ترى أن هذا يتوقف على الخلفية الثقافية والسياق الذي بنيت هذه الأحكام ضمنه. أي أن هذا أمر نسبي لا يقوم على أسباب أو أدلة ثابتة. فقد تتغير النظرة لحكمٍ أخلاقي ما بناءً على البيئة والمعتقدات والظروف التي تحيط به، ويختلف هذا من شخص لآخر أو من ثقافة لأخرى [3].

مثلها مثل الموضوعية، تواجه النسبية اعتراضاتٍ وتساؤلاتٍ، من بينها عدم قدرتها على تفسير التقدم الأخلاقي. فإذا كان الحكم الأخلاقي يختلف بالنسبة لثقافة الفرد أو خلفيته، من الصعب عندها فهم التقدم الأخلاقي أو كيفية تطور الأخلاقيات البشرية. مثلاً، فيما مضى، كانت العبودية أمراً عادياً ومقبولاً، ولكننا الآن لا نقبل بها ونعدّها غير أخلاقية، وهذا ما يسمى التقدم الأخلاقي الذي جعل البشرية تغير من أحكامها الأخلاقية على موضوعٍ مثل العبودية. ولكن من وجهة نظر النسبية، ينتج هذا الاختلاف في الحكم الأخلاقي نتيجة التغير في الثقافة والمجتمع. أي أنه أمرٌ نسبيٌ، إذا قبله المجتمع فهو حكمٌ أخلاقيٌ صحيح، أما إن لم يقبله فهو حكمٌ أخلاقيٌ خاطئ. وعليه، يفسّر الاختلاف بين المجتمعات قديماً والمجتمعات الحالية اختلاف الحكم الأخلاقي تجاه العبودية. هنا، تعجز النسبية عن تفسير التقدم الأخلاقي لأنها تقيس الاختلاف في الأحكام الأخلاقية بناءً على تغير المجتمعات والثقافات [3].

الانفعالية في فلسفة الأخلاق

تختلف الانفعالية (Emotivism) عن الموضوعية والنسبية في نظرتها للأحكام الأخلاقية. فهي لا توافق على أن هذه الأحكام تقبل أن تكون صحيحة أو خاطئة. بل تعتبرها مجرّد آراءٍ شخصيةٍ وتعبيرٍ عن العواطفِ في لحظة إطلاق الحكم. بعبارة أخرى، ترى الانفعالية أن الأحكام الأخلاقية هي ردة فعل على العالم من حولنا و تعبيرٌ عمّا إذا كنا نرحب بفكرةٍ ما أم نكرهها، أو إذا كنا نقبل بها أم نرفضها. وهذا المذهب يجرّدُ الفكرة الأخلاقية المعنية من كونها صحيحة أو خاطئة، فموقفنا هو الذي يتغير وفقاً لمشاعرنا [3].

ومن التحديات التي تواجهها الانفعالية هو أننا في بعض الأحيان نطلق أحكاماً أخلاقية بناءً على تفكير منطقي يقودنا إلى تلك الأحكام. ولكن وفقاً للانفعالية، الأحكام الأخلاقية هي مجرد تعبيرٍ عن العواطف، ولا وجود لأي تفكيرٍ منطقي وراءها. وهكذا لا تستطيع الانفعالية تفسير التغيّر في أحكامنا على أمر ثابتٍ بناءً على تغيّر تفكيرنا المنطقي تجاهه. على سبيل المثال، في مسرحية الملك أوديب لسوفوكليس، يتزوج أوديب والدته جوكاستا وينجب منها. مبدئياً، إذا أردنا أن نحكم على الملك أوديب لأنه تزوج والدته، سنقول أنّ هذا تصرفٌ خاطئٌ أخلاقياً. أما إذا فكرنا بحقيقة أن أوديب لم يكن يعرف أن جوكاستا التي تزوجها هي والدته، وهذا تفكير منطقي مبني على معطيات تتعلق بالحادثة، سنرى أننا قد نغير رأينا وحكمنا بأن تصرفه خاطئ أخلاقياً. ولكن الانفعالية لا تستطيع أن تفسر هذا التفكير المنطقي في الأحكام الأخلاقية لأنها ترى أنها تعبير عن عواطف وردود أفعال، وهذا أحد المآخذ ضد التفسير الانفعالي أو النظرة الانفعالية للأخلاق [3].

إذاً، تنطوي فلسفة الأخلاق على مذاهب ومقاربات عديدة تفسر طبيعة الأحكام الأخلاقية والأسباب الكامنة وراءها. وتواجه كل من هذه المذاهب اعتراضاتٍ وتحدياتٍ تضعف موقفها من جهة معينة. ولكن هذا لا يعني أن المذاهب خاطئة بالمطلق، بل هذه التساؤلات التي يوجهها أنصار مذهب ما تجاه الآخر هو ما يحفز التفكير بنظريات أخرى والخروج بدراسات جديدة لطبيعة الأحكام الأخلاقية وأُسسها.

اقرأ أيضاً: ما هي النفعية؟

المصادر:

  1. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Morality
  2. Ethics Unwrapped
  3. Chrisman, Matthew, et al. Introduction to Philosophy [MOOC]. Coursera.
  4. Internet Encyclopedia of Philosophy – Meta-ethics
  5. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Moral Relativism

النجوم النيترونية، النجوم الغريبة

هذه المقالة هي الجزء 9 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

ما هي النجوم النيترونية

عندما ينفجر نجم ضخم على شكل مستعر أعظم في نهاية حياته، يمكن أن ينهار قلبه لينتهي به المطاف كجسم صغير فائق الكثافة لا تزيد كتلته كثيرًا عن كتلة شمسنا. هذه النوى الصغيرة والكثيفة بشكل لا يصدق من النجوم المتفجرة هي نجوم نيوترونية. إنها من بين أكثر الأشياء غرابة في الكون. وتبلغ كتلة النجم النيوتروني النموذجي حوالي 1.4 مرة بحجم كتلة شمسنا، لكنها تصل إلى ما يقرب من كتلتين شمسيتين (solar mass).

ضع في اعتبارك الآن أن قطر شمسنا يبلغ حوالي 100 ضعف قطر الأرض. ولكن في النجم النيوتروني، يتم ضغط كل كتلته الكبيرة التي تصل إلى ضعف كتلة شمسنا في نجم صغير يبلغ عرضه حوالي 15 كم فقط، أو بحجم مدينة أرضية. لذلك ربما يمكنك أن ترى أن النجوم النيوترونية كثيفة جدًا جدًا. حيث يمكن أن تزن ملعقة كبيرة من مادة النجم النيوتروني أكثر من مليار طن (900 مليار كجم). هذا أكبر من وزن جبل إيفرست، أعلى جبل على وجه الأرض!

طريقة تكونها

طوال معظم حياتهم، تحافظ النجوم على توازن دقيق. حيث تحاول الجاذبية ضغط النجم بينما يسبب الضغط الداخلي للنجم دفع خارجي. والضغط الخارجي ناتج عن الاندماج النووي في قلب النجم. هذا الاحتراق الاندماجي هو العملية التي تتألق بها النجوم. في انفجار المستعر الأعظم، حيث تصبح للجاذبية فجأة وبشكل كارثي اليد العليا في الحرب التي تشنها مع الضغط الداخلي للنجم لملايين أو بلايين السنين. مع استنفاد الوقود النووي وإزالة الضغط الخارجي، تضغط الجاذبية فجأة على النجم نحو الداخل. وتنتقل موجة الصدمة إلى قلب النجم وترتد، وتفجر النجم بعيدًا. قد تستغرق هذه العملية برمتها بضع ثوانٍ.

لكن انتصار الجاذبية لم يكتمل بعد. فمع تطاير معظم النجم في الفضاء، يبقى اللب والذي قد يمتلك ضعف كتلة شمسنا فقط. تستمر الجاذبية في ضغطها، لدرجة أن الذرات تصبح مضغوطة جدًا ومتقاربة جدًا بحيث يتم دفع الإلكترونات بعنف إلى نواتها الأم، وتتحد مع البروتونات لتشكيل نيوترونات. وهكذا حصل النجم النيوتروني على اسمه من تركيبته. وما أوجدته الجاذبية هو مادة فائقة الكثافة وغنية بالنيوترونات، تسمى النيوترونيوم، في مجال بحجم المدينة.

خصائص النجوم النيترونية

وضع علماء الفلك نظرية لأول مرة حول وجود هذه الكيانات النجمية الغريبة في ثلاثينيات القرن الماضي، بعد وقت قصير من اكتشاف النيوترونات. لكن لم يكن لدى العلماء دليل جيد على وجود النجوم النيوترونية في الواقع حتى عام 1967م. حيث لاحظت طالبة دراسات عليا تُدعى جوسلين بيل في جامعة كامبريدج في إنجلترا نبضات غريبة في تلسكوبها اللاسلكي، وصلت بانتظام لدرجة أنها اعتقدت في البداية أنها قد تكون إشارة من حضارة فضائية، ووفقًا لجمعية الفيزياء الأمريكية. تبين أن الأنماط ليست دليل لحياة فضائية. بل بالأحرى الإشعاع المنبعث من النجوم النيوترونية سريعة الدوران.

المستعر الأعظم الذي يؤدي إلى نشوء نجم نيوتروني يضفي قدرًا كبيرًا من الطاقة على الجسم المضغوط، مما يجعله يدور حول محوره بين 0.1 و60 مرة في الثانية، وحتى 700 مرة في الثانية. وتنتج المجالات المغناطيسية الهائلة لهذه الكيانات أعمدة إشعاعية عالية الطاقة، والتي يمكن أن تجتاح الأرض مثل أشعة المنارة، مكونة ما يعرف باسم النجم النابض (Pulsar).

خصائص النجوم النيوترونية خارجة تمامًا عن هذا العالم. حيث أن ملعقة صغيرة واحدة من مادة النجوم النيوترونية يمكن أن تزن مليار طن. وإذا وقفت بطريقة ما على سطحها دون أن تموت، فستواجه قوة جاذبية أقوى بمقدار 2 مليار مرة مما تشعر به على الأرض.

قد يكون المجال المغناطيسي للنجم النيوتروني العادي أقوى بتريليونات المرات من المجال المغناطيسي للأرض. لكن بعض النجوم النيوترونية لديها مجالات مغناطيسية أكثر قوة، ألف مرة أو أكثر من متوسط النجم النيوتروني. وهذا يخلق شيئًا يعرف باسم النجم المغناطيسي (Magnetar).

يمكن للزلازل النجمية (Starquakes) على سطح نجم مغناطيسي، ما يعادل حركات القشرة الأرضية على الأرض التي تولد الزلازل، وإطلاق كميات هائلة من الطاقة. وفقًا لوكالة ناسا، في غضون عُشر من الثانية قد ينتج نجم مغناطيسي طاقة أكثر من التي بعثتها الشمس في آخر 100000 عام.

النجم المغناطيسي (Magnetar)

النجم المغناطيسي هو نوع غريب من النجوم النيوترونية، ميزته أنه يحتوي على مجال مغناطيسي فائق القوة. وهذا الحقل المغناطيسي أقوى بحوالي 1000 مرة من النجم النيوتروني العادي وحوالي تريليون مرة أقوى من الأرض. إذا كنت ستغامر بالقرب من نجم مغناطيسي يزيد عن 600 ميل (1000 كم)، فسوف تموت بسرعة كبيرة. سوف يدمر المجال المغناطيسي جسمك، وتتمزق الإلكترونات من ذراتك وتتحول إلى سحابة من الأيونات أحادية الذرة، أي ذرات مفردة بدون إلكترونات.

النجوم النابضة (Pulsar)

غالبًا ما تبدو النجوم النابضة من الأرض وكأنها نجوم تومض. يبدو أنهم يومضون بإيقاع منتظم. لكن الضوء الصادر عن النجوم النابضة لا يومض أو ينبض في الواقع، وهذه الأجسام ليست نجومًا في الواقع. فتشع النجوم النابضة حزمتين ثابتتين وضيقتين من الضوء في اتجاهين متعاكسين. وعلى الرغم من أن ضوء الحزمة ثابت، يبدو أن النجوم النابضة تومض لأنها تدور أيضًا. إنه نفس السبب الذي يجعل المنارة تبدو وكأنها تومض عندما يراها بحار على المحيط. عندما يدور النجم النابض، قد يكتسح شعاع الضوء الأرض، ثم يتأرجح بعيدًا عن الأنظار، ثم يتأرجح مرة أخرى. بالنسبة لعالم الفلك على الأرض، يدخل الضوء ويختفي مما يعطي الانطباع بأن النجم النابض يومض ويطفأ. السبب في أن شعاع ضوء النجم النابض يدور حوله مثل شعاع المنارة هو أن شعاع ضوء النجم النابض لا يتماشى عادةً مع محور دوران النجم النابض. في الواقع، النجوم النيوترونية هي حراس الوقت السماوي في الكون، ودقتها تضاهي دقة الساعات الذرية.

الكيلونوفا (kilonova)

مثل النجوم العادية، يمكن لنجمين نيوترونيين أن يدور أحدهما حول الآخر. إذا كانوا قريبين بدرجة كافية، فيمكنهم حتى أن يدوروا إلى الداخل مما يسبب هلاكهم في ظاهرة شديدة تعرف باسم كيلونوفا. وقد تسبب اصطدام نجمين نيوترونيين في سماع الموجات حول الكون في عام 2017. عندها اكتشف الباحثون موجات الجاذبية والضوء القادم من نفس الاصطدام الكوني. قدم البحث أيضًا أول دليل قوي على أن اصطدامات النجوم النيوترونية هي مصدر الكثير من الذهب والبلاتين والعناصر الثقيلة الأخرى في الكون. أطلق الاصطدام القوي كميات هائلة من الضوء وخلقت موجات جاذبية تموجت عبر الكون. لكن ما حدث للشيئين بعد تحطيمهما يظل لغزا.

النجوم النيترونية في مجرتنا

يقدر أن هناك أكثر من مائة مليون نجم نيوتروني في مجرتنا درب التبانة. ومع ذلك، سيكون الكثير منهم قديمًا وباردًا وبالتالي يصعب اكتشافه. يعتقد أن تصادمات النجوم النيوترونية العنيفة التي لا يمكن تصورها. والتي تم اكتشاف أحدها في عام 2017 بواسطة مراصد موجات الجاذبية LIGO والمسمى GW170817، هي المكان الذي يتم فيه تكوين العناصر الثقيلة مثل الذهب والبلاتين، حيث لا يعتقد أن المستعرات العظمى العادية تولد الضغوط المطلوبة ودرجات الحرارة.  يُعتقد أن النجوم النيوترونية، بما في ذلك النجوم المغناطيسية والنجوم النابضة، مسؤولة عن العديد من الظواهر غير المفهومة. بما في ذلك الاندفاعات الراديوية السريعة الغامضة (FRBs) وما يسمى بـ (Soft Gamma Repeaters (SGRs.

طرق الاستفادة منها

فكر الباحثون في استخدام نبضات النجوم النيوترونية المستقرة التي تشبه الساعة للمساعدة في التنقل باستخدام المركبات الفضائية، تمامًا مثل GPS التي تساعد في توجيه الناس على الأرض. تجربة على محطة الفضاء الدولية تسمى (SEXTANT) كانت قادرة على استخدام الإشارة من النجوم النابضة لحساب موقع محطة الفضاء الدولية في نطاق 10 أميال (16 كم).

يكتسب الباحثون أيضًا أدوات جديدة لدراسة ديناميكيات النجوم النيوترونية بشكل أفضل. باستخدام مرصد موجات الجاذبية بالليزر (LIGO)، تمكن الفيزيائيون من مراقبة موجات الجاذبية المنبعثة عندما يدور نجمان نيوترونيان حول بعضهما البعض ثم يصطدمان. قد تكون عمليات الاندماج القوية هذه مسؤولة عن صنع العديد من المعادن الثمينة التي لدينا على الأرض، بما في ذلك البلاتين والذهب والعناصر المشعة، مثل اليورانيوم.

المصادر

التصميم الذكي في ميزان العلم

هذه المقالة هي الجزء 11 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يلقى التصميم الذكي تأييدًا واسعًا لدى معارضي التطور، حيث يلجأون إليه في تفسير تنوع الكائنات الحية. لكن هل تصمد هذه الفكرة أمام نظرية التطور حقًا؟ سرعان ما يظهر تفوق التطور في توفير تفاسير علمية حقيقية للطبيعة، واليوم سنضع التصميم الذكي في ميزان العلم للرد عليه وعلى الادعاءات غير العلمية التي يرددها مؤيديه.

ليس غرضنا من هذا المقال التعرض لمسألة خلق الحياة من قريب أو من بعيد، فالتطور لا يناقش فكرة الخلق. التطور غير معنِي أصلًا بتلك المسائل أو بتفسير نشأة الحياة، وإنما يسعى لتفسير التنوع الحيوي بعد أن نشأت الحياة أصلًا. إن كنت تبحث عما يعارضه التطور، فالتطور يعارض مفهوم الخلق الخاص لكل نوع بشكل منفصل عن الأنواع الأخرى بالتحديد. وقد وجب التنبيه لكي لا يُساء فهم مغزى المقال.

هل فكرة التصميم الذكي علمية؟

يحاول الخلقيون إقحام التصميم الذكي كتفسير علمي للتنوع الحيوي. ولكن سرعان ما ينهار أمام معايير الفرضية العلمية، وهذا لأن من معايير الفرضية العلمية أن تكون:

1- تركز على العالم الطبيعي المادي. إذ يطرح مؤيدو التصميم الذكي الفرضية كتفسير للتنوع الحيوي الطبيعي، والصفات التشريحية والجزيئية المادية لدى بعض الكائنات.

2- تسعى لتفسير العالم الطبيعي. ويدعي الخلقيون أن التصميم الذكي يفسر العالم الطبيعي ولكنه سرعان ما يكون مختصرًا للغاية في تفسيراته. على سبيل المثال، يفسر التصميم الذكي وجود السوط البكتيري بأنه بفعل مصمم ما ذكي، ولكنه يفشل في توفير أي معلومات عن طبيعة هذا المصمم أو عن كيفية تصميمه للسوط البكتيري.

3- تستخدم أفكارًا قابلة للاختبار. إذ يجب على أي فرضية علمية تقديم توقعات وتنبؤات بشأن الملاحظات التي نرصدها في العالم الطبيعي لتأييد أو دحض الفرضية. ولكن نظرًا لأن التصميم الذكي لا يعطي تفسيرًا لكيفية التصميم أو ماهية المصمم، فإنه يفشل في توفير تنبؤات دقيقة من شأنها أن تساعدنا على معرفة مدى صحة هذه الفكرة. باختصار، التصميم الذكي غير قابل للاختبار. أي لا يمكن أن يضع مؤيدوه شروط يمكن حينها إسقاط فرضية التصميم الذكي، بالتالي تفقد فرضية التصميم الذكي ركن أساسي في بنائها العلمي.

4- تقوم على الأدلة

نظرًا لكون التصميم الذكي غير قابل للاختبار فهو يفشل في طرح أدلة لدعمه. ولكن داعمو هذا الطرح يعمدون إلى الاستدلال على طرحهم بتوجيه الانتقادات للتطور (مثل فكرة التعقيد غير القابل للاختزال)، والتي تم اختبارها ودحضها علميًا كما سنبيّن بعد قليل.

5- تشمل المجتمع العلمي

لا ينشر مروجو التصميم الذكي أبحاثهم في المجلات العلمية المرموقة. ويقاومون تعديل أفكارهم لمواءمة تدقيق المجتمع العلمي والبيانات العلمية، ولكن لهم مجتمعًا خاصًا بهم. وهو مجتمع مسخّر لدعم أفكارهم، وليس لمحاولة فهم وتفسير العالم الطبيعي.

6- تساهم في حركة البحث العلمي

حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، لم يساهم التصميم الذكي في أي اكتشاف علمي جديد. بالطبع يستمر مؤيدو هذا الطرح في الكتابة عن هذه الفكرة ولكنه عمل غير إنتاجي، لا يساعد في تقديم أي تفسيرات دقيقة للعالم الطبيعي. [1] بالإضافة طبعًا إلى كون التصميم الذكي قائم على أكتاف أيدولوجيات دينية مبنية على تأويلات وفهم معين لبعض النصوص الدينية، مما يلقي به خارج سياج الفرضيات العلمية.

خلاصة ما سبق، إن فرضية التصميم الذكي هي أبعد ما تكون عن الفرضية العلمية. حتى لو كانت تسعى لتفسير العالم الطبيعي. وعلى الرغم من تقديم داعمي هذه الفرضية بعض الادعاءات قابلة للاختبار (وخاطئة) بشأن التطور، فالتصميم الذكي نفسه غير قابل للاختبار وفق المنهجية العلمية.

«التعقيد غير القابل للاختزال-Irreducible complexity»

التعقيد غير القابل للاختزال هو مصطلح صاغه «مايكل بيهي-Michael Behe» عام 1996 في كتابه «صندوق داروين الأسود-Darwin’s Black Box». وهو مصطلح يشير إلى الأنظمة الحيوية التي – من وجهة نظر بيهي – تعتمد في عملها على مجموعة من الأجزاء التي تعمل في تناسق مع بعضها البعض. ولا يمكن للنظام أن يعمل إذا تم استبعاد أحد هذه الأجزاء منه، وأن كل جزء في هذه الأنظمة لن يؤدي أي وظيفة بذاته. وبالتالي استحالة أن تكون هذه الأنظمة تطورت تدريجيًا، وإنما تحتاج إلى مصمم من وجهة نظر بيهي.

تكاد هذه الفكرة أن تصبح الدليل الوحيد القابل للمناقشة والتي يقدمها مروجو التصميم الذكي. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء يعتمد على فجوات معرفية متوهَمة في العلم ليقحم فيها تفسيراته الأيديولوجية. وعلى الرغم من إثبات خطأ هذا الادعاء علميًا، إلا أنه ما زال يتردد على مسامعنا حتى اليوم. ولهذا رأينا أن نناقشه ونستعرض بعض أمثلتهم للرد عليها.

العين البشرية

بقع العين في الإيوجيلينا. مصدر الصورة: reference.com

يرى مروجو هذا الطرح أن العين البشرية معقدة للغاية، وتتكون من عدد من الأجزاء لا يمكن أن تعمل العين بدون إحداها. إذا فالعين لا يمكن أن تكون قد تطورت تدريجيا وإنما تحتاج إلى مصمم قام بخلقها بشكل مباشر. أليس كذلك؟

يبدو الطرح منطقيًا، لكنه غير صحيح على الإطلاق. فأبسط صور العيون في الطبيعة هي «بقع العين-Eyespots»، وهي عبارة عن بروتينات بسيطة حساسة للضوء. وتمتلك الكائنات البسيطة وحيدة الخلية مثل الإيوجلينا بقع العين، وعلى الرغم من عدم قابليتها لتكوين صورة، إلا أنها تساعد الإيوجلينا على رصد الضوء لتجنب مفترساتها.

أيضًا «كؤوس العين-Cup eyes» هي شكل أكثر تعقيدًا بقليل من بقع العين. تتكون كؤوس العين من سطح منحني من بقع العين، وهذا الانحناء يساعد على تحديد اتجاه الضوء. ويمكننا أن نجدها في «الديدان البلاناريانية-Planarian worms».

وباستمرار انحناء كcوس العين نرى ما يُعرف بPin eye، والتي تمتلكها كائنات مثل «النوتيلوس-Nautilus»، وهي تساعد على تكوين صورة مشوشة.

ومن ثم تأتي المرحلة الآتية وهي إضافة العدسة عند فتحة العين، والتي تمتلكها حيوانات كثيرة من ضمنها البشر، وتقوم هذه العدسة بتركيز أشعة الضوء عن طريق «الانكسار الضوئي-Light refraction».

هناك مقطع فيديو رائع لعالم الأحياء ريتشارد داوكينز يقوم فيه بشرح تطور العين يمكنك مشاهدته من هنا.

في الواقع، تطورت العيون في الكائنات الحية حوالي 40 مرة بشكل منفصل. وخلاصة القول في تطور العيون أنه حتى أبسط أجزاء العين البشرية موجودة في كائنات مختلفة وهي وظيفية وتوفر الرؤية لهذه الكائنات. يمكننا أن نرى كيف أن كائنات مختلفة تمتلك تراكيب مختلفة، وتفتقر إلى بعض أجزاء العين البشرية. ولكنها ما زالت تعمل (باختلاف درجة الجودة بالطبع)، وبهذا نرى أن العين ليست كما يدعي مؤيدو التصميم الذكي “غير قابلة للاختزال”. [2]

«الخنفساء القاذفة-Bombardier beetle»

الخنفساء القاذفة هي حشرة مميزة، وحظيت بهذا الاسم لكونها تقذف مزيجًا من الكيماويات ذات درجة الحرارة العالية تجاه مفترساتها. ويحدث هذا عن طريق عملية معروفة، تقوم فيها الخلايا بإنتاج «الهيدروكوينونات-Hydroquinones» و«بيروكسيد الهيدروجين-Hydrogen peroxide» (وبعض الكيماويات الأخرى حسب النوع). يقوم جسد الخنفساء بتجميع تلك الكيماويات في خزان، وينفتح هذا الخزان عن طريق صمام يتحكم فيه عضلات ويحجزها في غرفة تفاعل ذات جدران سميكة. جدران هذه الغرفة مبطنة بخلايا تفرز إنزيمات «الكاتالاز-Catalase»، و«البيروكسيداز-peroxidase». وتقوم الإنزيمات بتكسير بيروكسيد الهيدروجين بسرعة وتُسرع عملية أكسدة الهيدروكوينونات إلى “p-quinones”. وينتج عن هذه التفاعلات كميات من الأوكسجين وما يكفي من الحرارة لرفع درجة حرارة هذه الكيماويات إلى درجة الغليان. يتبخر حوالي 20% من الكيماويات، وتحت ضغط الغازات الناتجة عن هذه التفاعلات، ينغلق الصمام وتندفع الكيماويات الحارقة عن طريق فتحات في بطن الخنفساء.

ويرى مروجو التصميم الذكي أن هذه الآلية الدفاعية لا يمكن أن تكون قد تطورت بشكل تدريجي، وإنما يجب أن تكون أعصابها وعضلاتها والكيماويات التي تقذفها قد ظهرت في وقت واحد. لنرى صحة هذا الادعاء!

هذا الادعاء خاطئ أيضًا، إذ أننا أمام سيناريو لتطور هذه الآلية الدفاعية، خطوة بخطوة. لنرى:

1- تنتج خلايا بشرة الخنفساء الكوينونات، وهذا موجود في كثير من «المفصليات-Arthropods» الأخرى.
2- تستقر الكوينونات على بشرة الحشرة جاعلة منها سيئة المذاق بالنسبة لمفترساتها (تستخدم العديد من المفصليات الكوينونات كآلية دفاعية بالفعل).
3- تنشأ انبعاجات صغيرة في البشرة بين «الخلايا الخشبية-Scleritis»، وهذا يسمح للحشرة بإطلاق المزيد من الكوينونات إلى السطح عندما تهتز.
4- يزداد عمق الانبعاجات، وتتحرك العضلات قليلًا للسماح لها بإطلاق الكوينونات (لدى بعض أنواع النمل مثل هذه الغدد).
5- يزداد عمق انبعاجين (الخزانات الآن)، حتى تصبح بقية الانبعاجات غير مهمة بالمقارنة بهما.
6- تظهر كيماويات دفاعية أخرى بجانب الكوينونات في كثير من الحشرات التي تعيش اليوم لتساعدها ضد مفترساتها التي طورت مقاومة للكوينونات. إحدى هذه الكيماويات الدفاعية الجديدة هو الهيدروكوينون.
7- تكوّن الخلايا المنتجة للهيدروكوينون طبقات على الخزان لتنتج المزيد من الهيدروكوينون. وتسمح القنوات الموجودة بين الخلايا لكل الطبقات بنقل الهيدروكوينون إلى الخزان.
8- تصير القنوات أنبوبًا مخصصًا لنقل الكيماويات، وتنسحب الخلايا الإفرازية من سطح الخزان لتكون عضوًا منفصلًا. جدير بالذكر أن هذه المرحلة (الغدد الإفرازية المتصلة بالخزانات عن طريق أنابيب) موجودة بالفعل في كثير من أنواع الخنافس غير الخنفساء القاذفة.
9- تتكيف العضلات لإغلاق الخزان، كي تمنع تسرب الكيماويات خارجه في غير وقت الحاجة.
10- يختلط بيروكسيد الهيدروجين (وهو منتج ثانوي، يتم إنتاجه بشكل طبيعي أثناء عملية الأيض) مع الهيدروكوينونات، لتكوين مزيج يمكن استخدامه للدفاع في وقت الحاجة.
11- تظهر الخلايا المنتجة لإنزيمات الكاتالاز والبيروكسيداز، على طول الممر الخارج من الخزان. وهذا يضمن وجود المزيد من الكوينونات في الإفرازات الدفاعية.
الكاتالاز موجود في جميع الخلايا تقريبًا، والبيروكسيداز كذلك شائع لدى النباتات والحيوانات والبكتيريا. مما يعني أن هذه الإنزيمات لا تحتاج إلى صناعتها من الصفر، ولكن فقط تركيزها في مكان محدد.
12- ينتج المزيد من الكاتالاز والبيروكسيداز، لتزيد من حرارة السائل المقذوف. كما تزيد كذلك من سرعة قذفه نتيجة لوجود الأوكسجين الذي يُوّلد نتيجة التفاعل. تعتبر خنفساء Metrius contractus مثالًا جيدًا على الخنافس القاذفة التي تمتلك إخراجًا رغويًا، وليس على شكل نفاثات.
13- تصبح جدران الممر أقوى لتحمل الحرارة والضغط الناتجين عن التفاعل.
14- يستمر إنتاج المزيد من الكاتالاز والبيروكسيداز، كما تزداد جدران الممر قوة وسُمكًا حتى تأخذ شكل غرف التفاعل الموجودة في الخنافس القاذفة اليوم.
15- يزداد طول طرف بطن الخنفساء ويصبح أكثر مرونة للسماح لها بتصويب السائل في اتجاهات متعددة.

ونلاحظ من هذا السيناريو أن كل هذه الخطوات هي خطوات بسيطة وتحقق منفعة للخنفساء، لذا سيسمح الانتخاب الطبيعي بتمريرها. وقد يتساءل الخلقيون عن كيفية معرفتنا لهذا السيناريو، في الواقع، هذا مجرد سيناريو افتراضي قد يكون غير حقيقي أصلا!

فالفكرة ليست في كون السيناريو حقيقي، وإنما في توضيح إمكانية تأدية بعض أجزاء النظام لوظائف جزئية. أي بطلان فكرة التعقيد غير القابل للاختزال. بالإضافة إلى توافر آليات مشابهة في كائنات أخرى بشكل أبسط. ففي كل خطوة من السيناريو المفترض، حافظ النظام على وظيفته الأساسية وهي الحماية والدفاع. وفي كل خطوة، تطورت آلية الخنفساء الدفاعية بشكل أفضل.

مجددًا، لا يهم إن كان هذا هو السيناريو الحقيقي أم لا، المهم هو إمكانية تطور هذا النظام بشكل تدريجي مع الاحتفاظ بوظيفته في كل خطوة كما وضحنا. وهذا كافٍ لنعلم أنه ليس “غير قابل للاختزال” كما يروج داعمو التصميم الذكي. [3]

«السوط البكتيري-Bacterial flagellum»

السوط البكتيري هو تركيبة تشبه الذيل، حيث تعتبر وظيفته الأساسية هي مساعدة البكتيريا على التحرك. يرى الخلقيون أن السوط البكتيري مصنوع من مجموعة بروتينات لا يمكن أن يؤدي كل بروتين منها أي وظيفة وحده. وهذا يجعل السوط البكتيري غير قابل للاختزال في نظرهم، فهل ادعائهم صحيح؟

حقوق الصورة: youtube


هذا ادعاء خاطئ لأبعد درجة، فالطبيعة مليئة بنماذج أولية وظيفية للسوط البكتيري (تذكروا ادعاءهم بأن أي نموذج أولي لأي نظام غير قابل للاختزال هو نموذج غير وظيفي)، بل ووظيفة كافية لتسبب خطرًا على حياة الإنسان.

من المعروف أن بعض أنواع البكتيريا تسبب الأمراض للكائنات التي تضيفها، والتي تعرف باسم «المضيف-Host». ولتتمكن البكتيريا من إصابة المضيف، عليها أن تحقن خلايا الكائن المضيف بالمواد السامة. ولكي تفعل البكتيريا ذلك تستخدم جهازًا يُدعى «الجهاز الإفرازي من النوع الثالث-Type III secretory system»، والذي يُرمز له بTTSS. تستخدم البكتيريا ال TTSS لتحقن السموم مباشرة في السيتوبلازم الخاص بخلية المضيف.

وقد تتساءل عن علاقة الTTSS بالسوط البكتيري الذي نتحدث عنه. أظهرت الدراسات أن قاعدة السوط تتشابه في البروتينات التي تكوّنها إلى حد كبير مع البروتينات التي تكون الTTSS. بالطبع، خبر غير سار لداعمي التصميم الذكي! إذ أن فكرة التعقيد غير القابل للاختزال قائمة على أنه بإزالة جزء واحد من النظام سيفقد النظام وظيفته. لكن هذا غير صحيح، فإذا أزلنا معظم أجزاء السوط البكتيري سيتبقى لنا جهاز إفرازي من النوع الثالث، وهو جهاز وظيفي كما ذكرنا.

TTSS. حقوق الصورة: Researchgate


يُعد وجود الTTSS في عدد كبير من أنواع البكتيريا المختلفة دليلًا على أن جزءًا صغيرًا من نظام “غير قابل للاختزال” (كما يتوهم الخلقيون) لا يزال يؤدي وظيفة بيولوجية مهمة لدى البكتيريا. وهذا يعني أن ادعاءهم بأنه على السوط البكتيري أن يتم تجميعه بشكل كامل قبل أن يصبح أي جزء منه ذو وظيفة هو ادعاء خاطئ. وهو ما يعني أن السوط البكتيري ليس “غير قابل للاختزال” كما يدعون. [4] ، [5]

وخلاصة القول في التعقيد غير القابل للاختزال أنه مجرد دليل متهافت مبني على فهم منقوص لعلم الأحياء اخترعه مايكل بيهي ليدعم فرضية التصميم الذكي. وأن كل أمثلته كما ذكرنا ليست غير قابلة للاختزال، ويمكنها أن تتطور تدريجيًا وهو ما نتوقعه من التطور. فالانتخاب الطبيعي لا يبدأ من الصفر، وإنما يعمل على أجهزة وظيفية موجودة من الأساس ليكسبها وظيفة جديدة أو يعزز وظيفتها الأصلية.

دحض التصميم الذكي

والآن بعد أن أوضحنا مدى تهافت دليل التعقيد غير القابل للاختزال، والذي بانهياره ينهار التصميم الذكي ويصبح كرماد تذروه الرياح بلا أي دليل ليدعمه. نأتي الآن بنيان الخلقيين من القواعد، حيث أن الأمثلة التي سنذكرها بعد قليل لا يمكن تفسيرها في ضوء التصميم الذكي. كذلك لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء التطور.

«العصب الحنجري المتكرر-Recurrent laryngeal nerve»

العصب الحنجري هو العصب الذي يصل بين الحنجرة والدماغ. وعلى الرغم من قرب المسافة بين الحنجرة والدماغ إلا أنه يأخذ مسارًا على شكل حرف U في الأبجدية الإنجليزية بدلًا من أن يسلك مسلكًا مباشرًا. يلتف العصب الحنجري في جسد الإنسان من تحت الشريان «الأبهر-Aorta»، ثم يصعد مجددًا ليصل إلى الحنجرة. إلا أن الأمر يصبح أكثر غرابة عندما نأتي لحيوان كبير في الحجم مثل الزرافة. فيقوم هذا العصب بقطع مسافة تبلغ 15 قدم (حوالي 5 أمتار) ليلتف على شكل حرف U داخل عنق الزرافة!

العصب الحنجري. حقوق الصورة: The Bite Stuff

وكما نرى، فهذا التصميم ليس ضروريًا على الإطلاق. فليس بهذا العصب حاجة ليقطع كل هذه المسافة ويلتف من تحت الأبهر ثم يصعد مجددًا لبلوغ وجهته. فما هو التفسير الممكن لهذه الظاهرة وفقًا لنظرية التطور؟

يكمن السبب في أننا تطورنا من أسماك، حيث أن فرع العصب الحائر يمتد في الأسماك من الأعلى للأسفل بجانب الوعاء الدموي القوسي الخيشومي السادس. يظل العصب بهذا الشكل في الأسماك الناضجة ليصل المخ بالخياشيم ليساعدها على ضخ المياه.

العصب الحائر في الأسماك. حقوق الصورة: Art Station

أثناء تطورنا، فقدنا الوعاء الدموي من القوس الخامس. وتحركت الأوعية الدموية من الأقواس الرابع والسادس إلى الأسفل لتكوين الشريان الأبهر وشريانًا يصل الأبهر بالرئتين. ولكن كان على العصب الحنجري أن يظل متصلًا بالبِنى الجنينية التي ستكون الحنجرة، والتي ظلت بالقرب من المخ.

ولأن الشريان الأبهر تطور إلى الوراء باتجاه القلب، كان على العصب الحنجري أن يلتف من تحته. ويمكنك مشاهدة مقطع فيديو قصير يوضح تطور هذه العملية من هنا.

في الواقع، نمتلك نفس التكوين السمكي للأعصاب والأوعية الدموية أثناء النمو الجنيني. ولكن ينتهي بنا المطاف بهذا التصميم للعصب الحنجري. [6]

الجهاز الهضمي للباندا

على الرغم من اعتماد دببة الباندا على نبات البامبو بشكل أساسي في الغذاء، إلا أن جهازها الهضمي ليس متكيفًا مع هذا النمط الغذائي. تقضي الباندا 14 ساعة يوميًا في أكل المزيد والمزيد من البامبو، لكنه لا يستطيع الاستفادة إلا من 17% من كمية البامبو التي يأكلها، فلماذا؟

يرجع السبب إلى امتلاك الباندا جهازًا هضميًا متكيفًا أكثر مع أكل اللحوم. فجهازها الهضمي يعاني من غياب البكتيريا التي تفرز إنزيمات لهضم السيليلوز مثل بكتيريا Ruminococcaceae الموجودة في الحيوانات آكلة النباتات الأخرى.

لا يمكننا تفسير هذا في ضوء التصميم الذكي لجهاز الباندا الهضمي، ولكن يمكننا تفسيره في ضوء تطور الباندا من دببة آكلة للحوم. الأمر منطقي، فجميع أنواع الدببة الأخرى آكلة للحوم، وبالتالي فقد ورث الباندا جهازه الهضمي من الدببة التي تعتمد في غذائها بشكل أساسي على اللحوم. [7] بينما يغض الخلقيون البصر عن هذا المثال الذي لا يترك مجالًا لفرضيتهم، فالجهاز الهضمي للباندا غير مصمم بشكل خاص بوضوح.

الولادة البشرية

عملية الولادة البشرية مؤلمة بشكل لا يحتمل، وسببت الوفاقة قبل تطور الطب الحديث لعدد كبير من النساء مع أجنتهم أثناء الولادة. وتكمن المشكلة في أننا طورنا دماغًا كبيرًا نسبيًا، هذا الدماغ أكبر من فتحة الحوض التي يمر من خلالها رأس الجنين. احتاجت فتحة الحوض إلى أن تكون ضيقة لتبقي على خاصية المشي المنتصب لدى البشر، وهو ما يتسبب للمرأة بهذا الألم الشنيع أثناء الولادة.

فإذا كان الإنسان مصممًا بشكل خاص، لم يكن ليستخدم نفس آلية الولادة التي تستخدمها باقي الحيوانات بطريقة أقل ألمًا (والتي لا تناسبنا بسبب رؤوسنا الكبيرة). ولكننا محكومون بتاريخنا التطوري كغيرنا من الكائنات. [6]

لا يصلح التصميم الذكي كفرضية علمية، يقف اليوم بلا أي أدلة حقيقية تصلح لإعلانه بديل عن نظرية التطور بأي حال.

المصادر

[1] Berkeley
[2] Nature
[3] Talk Origins
[4] NCBI
[5] Miller
[6] Why Evolution Is True?, By Jerry Coyne
[7] BIO M

Exit mobile version