كيف تم اكتشاف الأشعة السينية ؟

كيف اكتشفت الأشعة السينية ؟

قبل أكثر من خمسين عامًا فتحت الأشعة السينية (X-ray) الباب أمام عالم جديد تمامًا، كما نعلم يمر الضوء العادي من خلال الزجاج، ولكن عندما أعلن «فيلهلم كونراد رونتجن-Wilhelm Conrad Röntgen» اكتشاف طريقة لرؤية المواد المعتمة مثل الخشب والمعادن والجسد البشري أحدث ثورة في الطب التشخيصي وبشر بعصر الفيزياء الحديثة.

في نوفمبر عام 1895، أثناء تجربة تدفق التيار الكهربائي في أنبوب زجاجي مفرغ جزئيًا (أنبوب أشعة الكاثود)، وكان أنبوب الكاثود الخاص به مغطى بورق أسود كثيف. لاحظ رونتجن أن قطعة قريبة من البلاتينوسيانيد الباريوم أعطت الضوء عندما كان الأنبوب قيد التشغيل. افترض أنه عندما ضربت أشعة الكاثود (الإلكترونات) الجدار الزجاجي للأنبوب، تسببت في تشكيل أشعاعاً غير معروف ارتطم بالمادة الكيميائية وسبب التوهج. رغم عدم معرفته بصحة ملاحضاته إلا انه كان مقتنعًا بالفعل بأنه اكتشف شيئًا مذهلًا واستمر بإجراء بعض التجارب الأخرى.
حيث وضع كتابًا وألواحًا معدنية بين الأنبوب والشاشة، ومرت هذه الأشعة الجديدة بسهولة من خلالهم. المعادن الوحيدة التي أوقفت تلك الأشعة كانت البلاتين والرصاص، ولمعرفته البسيطة عن هذا الضوء الغامض، فقد أطلق عليه رونتجن اسم الأشعة السينية (أشعة اكس).

التطور الأكثر روعة حدث عندما وضع يده بين الأنبوب والشاشة، حيث استوعبت العظام كمية أكثر من هذه الأشعة مقارنة باللحم في يده، وعلى الشاشة الفلورسنت رأى مخططًا ليده بالعظام التي بداخلها بشكل واضح كظلٍ أكثر كثافة.
وفي 22 ديسمبر عام 1895، استبدل الشاشة بلوحة فوتوجرافية، وطلب من زوجته وضع يدها بين اللوحة والأنبوب، ثم شرع في تطوير هذه اللوحة ليخرج أول صورة شعاعية في العالم، صورة يد زوجته تظهر فيها بوضوح العظام والخاتم في إصبعها.

ترك اكتشاف رونتجن انطباعًا مذهلًا لدى عامة الناس وسرعان ما انتشرت قصة الأشعة التي كشفت العظام في جسم الإنسان في الصحف والمجلات.

وفي أمريكا، بنى «توماس إديسون-Thomas Edison» جهاز فلوروسكوب، وهو جهاز يشبه إلى حد ما جهاز المنظار المجسم، إلا أنه كان مزودًا بشاشة يمكن أن تتوهج في وجود الأشعة السينية. الآن أي شيء يوضع بين الفلوروسكوب والأنبوب سيظهر كظل للأشعة السينية على الشاشة.

في مايو 1896، ذهب إديسون مع «دالي-Dally» إلى معرض الرابطة الوطنية للضوء الكهربائي في مدينة نيويورك لإظهار منظار الفلوروسكوب. اصطفَ المئات للحصول على فرصة الوقوف أمام شاشة الفلورسنت لرؤية عظامهم، ووصفها البعض بصورة “الأشباح” وكانت الأكثر جاذبية في المعرض.
أدرك الأطباء أهمية هذه الصورة فلم يستغرقوا وقتًا طويلًا حتى وجدوا أنها يمكن أن تكون أحد أهم وسائل التشخيص التي تم ابتكارها على الإطلاق. أعطتهم صور اليد فكرة عبقرية تمكنهم من رؤية الأشياء التي كانوا يلجأوا إلى تخمينها سابقًا.

ومثل العديد من العلماء العظماء الآخرين، فتح رونتجن الباب أمام عالم النشاط الإشعاعي. فقد حفز هذا الاكتشاف الفرنسي «هنري بيكوريل-Henri Becquerel» للتحقيق في الخصائص الإشعاعية للمواد المختلفة، عندما بحث هنري بيكريل في الأشعة السينية المكتشفة حديثًا في عام 1896، أدى إلى دراسات حول كيفية تأثر أملاح اليورانيوم بالضوء. بالصدفة، اكتشف أن أملاح اليورانيوم تبعث تلقائيًا إشعاعًا يمكن تسجيله على لوحة فوتوغرافية. أوضحت دراسات أخرى أن هذا الإشعاع كان شيئًا جديدًا وليس إشعاعًا بالأشعة السينية لقد اكتشف ظاهرة جديدة، النشاط الإشعاعي.
ولا ننسى دور مدام ماري كوري، حيث نجحت ماري وبيير كوري في عزل أملاح الراديوم المشعة في مختبرهما في باريس. في عام 1898، اكتشفوا وجود عناصر الراديوم والبولونيوم، وبذلك تم منحهم جائزة نوبل مع العالم هنري لتحقيقاتهم الرائدة في النشاط الإشعاعي.

وقد قام الدكتور «ويليام كوليدج-William Coolidge» وغيره الكثير بتطوير أنابيب الأشعة السينية. في عام 1916، حصل كوليدج على براءة اختراع لأنبوب الأشعة السينية القادر على إنتاج كميات عالية من الإشعاع وأصبح أنبوب Coolidge النموذج الأولي لأنبوب الأشعة السينية الحديثة.

تعتبر الأشعة السينية جزء مهم من علم المعادن، كما تستخدم في المصانع لفحص المسبوكات، وكذلك في المستشفيات للمساعدة في إنقاذ الأرواح.

الآفاق العلمية الجديدة التي سببتها هذه الاكتشافات جعلت من المستحيل ممكناً وقادتنا إلى اختراعات عظيمة وعوالم علمية لم يتم اكتشافها بعد فالوقت وأبحاثنا المضنية فقط ما يمكّننا من الوصول إليها.

المصادر:

todayinsci

NASA

Nobel Prize 

Nobel Prize

اقرأ ايضاً: ما هي ظاهرة تعذيب الحيوانات وما أسبابها ؟

بين العلم والتاريخ..لماذا تعد الأبراج خرافة؟

لطالما ألهمت سماء الليل الإنسان ودفعته إلى التفكر وطرح الأسئلة. فراح يتحرى عن أجرامها ويدرس خصائصها وحركاتها تارة، ممارسًا ما نسميه اليوم علم الفلك (astronomy)، ومحاولًا استخدام تلك الخصائص في تكهن أحداث حياته الشخصية ومعرفة صفاته تارة أخرى، وهذا ما يعرف بالتنجيم (astrology)، وهو علم زائف لأسباب سنبينها في هذا المقال.

في علم الفلك، تسمى مجموعة النجوم ذات الشكل المعين، الكوكبة، وقد حاولت الشعوب منذ القدم إعطاء معنى لأشكال هذه المجموعات، فعندما لاحظ قدماء المصريين أن النجوم موزعة توزيعًا غير متساو، وأنها مجموعات ذوات أشكال معينة، توهموا في إحدى أقدم أساطيرهم أن الآلهة (نوت) تحيط بالسماء وتحمل جسمها على يديها وقدميها، ولتسهيل الوصول إلى مجموعات النجوم التي عرفوها، قسموا منطقة واسعة على طول خط الاستواء إلى ستة وثلاثين قسمًا، يحوي كل منها ما يمكن رصده من النجوم والمجموعات الساطعة كل عشرة أيام، وسموا كل منها (الديكان).

لكن ما يهمنا هو أن قدماء الفلكيين من البابليين، ومن بعدهم الرومان والأغريق، اختاروا اثنتي عشرة مجموعة (كوكبة) من النجوم وأطلقوا عليها أسماء من وحي ثقافاتهم. ولم تكن تلك المجموعات إلا الكوكبات التي تظهر الشمس وسط كل منها في رحلتها خلال السنة الشمسية المكونة من اثني عشر شهرًا (الأرض في الواقع هي من يدور حول الشمس لذا تبدو لنا الشمس تتنقل شهريًا بين المجموعات)، وسميت هذه المجموعات الاثنتي عشرة بالأبراج. ولعل الإسم قد أتى من علو ارتفاعها في السماء.
ومن هنا رسمت دائرة افتراضية تضم هذه المجموعات، تسمى دائرة البروج (zodiac)، ويفترض أن هذه الدائرة تحيط بالدائرة الافتراضية الأخرى التي ترسمها الأرض بالدوران حول الشمس، والتي تنقسم بدورها إلى اثني عشر شهرًا يقابل كل شهر منها برجًا من دائرة البروج.

دائرة البروج تحيط بمدار الأرض.

وبذلك وحسب هذا الاعتقاد، فإننا حين ننظر إلى موضع الشمس في شهر ما، نجدها مستقرة في الكوكبة المقابلة لذلك الشهر. ومن هنا جاء الاعتقاد الآخر القائل إن ولادة مولود في شهر معين، تجعل مجموعة النجوم المقابلة لشهر ولادته (برجه) تؤثر في مجريات حياة هذا الطفل وصفاته.

ولكن هذا غير صحيح لأسباب عدة، نذكر منها:

  • قبل أن نضع ادعاء ارتباط الأبراج في حياة البشر تحت التجربة، دعنا نتساءل، هل تقابل الأبراج الاثنتا عشرة الأشهر التي يفترض لها أن تقابلها؟

الإجابة إنها لم تعد كذلك.

إن أماكن الأبراج حسبما نراها اليوم لم تعد حيث كانت قبل ٢٥٠٠ عام، فبفضل ظاهرة تدعى المبادرة المحورية، وهي تغير زاوية المحور الذي تدور به الأرض حول نفسها عبر الزمن (أنظر الصورة في الأسفل)، قد تحركت نقطة تقاطع دائرة البروج مع خط الاستواء السماوي (وهو امتداد فلكي لخط الاستواء الأرضي ليشكل دائرة واسعة حول الأرض في الفضاء) بمقدار ٣٦ درجة، أي عُشر دورة كاملة. ما يعني أن الأبراج قد انتقل موضعها بنحو شهر كامل،فمن كان برجه حسبماوضعت الأبراج قديمًا برج الثور، فإن برجه الآن ما هو إلا الحمل، وهذا يتطلب تغيير ترتيب الأبراج بالكامل، ويغير من الأساس الذي وضعت عليه الأبراج وهو ارتباط الولادة في شهر ما بصفة معينة تخص كوكبة محددة، ولهذا السبب انتشرت أقاويل عام ٢٠١٩ قبل شهور من كتابة هذا المقال عن توزيع جديد للأبراج. لم تكن هذه إلا محاولة لموائمة الأبراج مع علم الفلك وإضفاء الطابع العلمي عليها.

دوران الأرض حول نفسها بزاوية ٢٣.٥ درجة
  • الحقيقة الثانية هي أن عدد المجموعات النجمية التي تمر خلاها الشمس ليس في واقع الأمر اثنا عشر، بل ثمة مجموعة ثالثة عشر تدعى (الحواء)، يتجاهلها المنجمون لأن باعتبار عدد المجموعات ١٣ لن يعود عدد الأبراج يناسب عدد الشهور الشمسية.
  • أما التجارب العلمية حول ارتباط موعد ولادة الإنسان بصفاته وشؤون حياته ليست في صف قراءة الطالع كذلك، ذلك أن الدراسات التي قارنت بين مجموعات الأشخاص ممن ولدوا في مواعيد متشابهة لم تظهر أية ارتباط بين صفاتهم بعد المقارنة على المدى البعيد، ولا حتى التوائم منهم. ومن أشهر التجارب المجراة عن علاقة الأبراج بالصفات الشخصية تجربة العالم (شون كارلسون) سنة ٢٠٠٨ المنشورة في مجلة (nature)، التي حددت بدقة مواعيد ولادة ١٠٠ شخص اختيروا للتجربة، وأشكال النجوم في أوقات ولادتهم، وقارنتها بنبؤات التنجيم عن شخصياتهم. والتجربة المنشورة في مجلة personality and individual differences عام ٢٠٠٦، وكلتاهما لم تخرج بأي ارتباط بين الصفات ومواعيد الولادة.

ولكن، لماذا أجد توقعات المنجمين صادقة فيما يخص حياتي؟

يلجأ المنجمون عادة إلى توقعات فضفاضة يمكن تطببقها بشكل ما على غالبية الناس، ويتجنبون ذكر التفاصيل أو ما يزيد من قابلية النبؤة للتكذيب. ويساعدهم في إقناعنا على تقبل هذا عوامل نفسية عند الإنسان تجعله يميل إلى إسقاط قول المنجمين على نفسه، رغم أن الكلام قد يكون عامًا وينطبق على الكثيرين، وهذا ما يعرف بتأثير فورير، نسبة إلى عالم النفس الأمريكي بيرتام فورير الذي أجرى تجربة على طلابه لاختبارهذا التأثير، فوزع على كل منهم بطاقة تحمل ١٤ نقطة من المفترض أنها تحاول وصف شخصية كل منهم، ثم طلب منهم تقييم دقة هذا الوصف، فكان متوسط التقييم ٤.٣/٥، أي أن أغلبهم شعر أن النقاط المكتوبة تصفه تمامًا..لكن المفاجأة كانت أنهم تلقوا جميعًا نفس البطاقة!

يعرف هذا التأثير كذلك بتأثير بارنوم، نسبة إلى الاستعراضي الأمريكي الشهير (ب. ت. بارنوم).

“لدينا شيء ما، لكل واحد من الأشخاص”

-ب. ت بارنوم

مصادر:

تاريخ العلوم-جورج سارتون

live science https://www.livescience.com/4667-astrological-sign.html

historyworld http://historyworld.net/wrldhis/PlainTextHistoriesResponsive.asp?historyid=ac32

https://www.nature.com/articles/318419a0 nature

http://personalpages.to.infn.it personality and individual differences study

اختراع جهاز لتوليد الكهرباء باستخدام البكتيريا

هذه المقالة هي الجزء 22 من 22 في سلسلة موضوعات تأسيسية في الطاقة المتجددة

اختراع جهاز لتوليد الكهرباء باستخدام البكتيريا

يسعى الإنسان لتسخير موارد الطبيعة لما يعود عليه بالنفع والرفاهية منذ أن وجد على هذه الأرض، ويشمل ذلك استغلال الموارد الطبيعية لتوليد الكهرباء. في الآونة الأولى، اُستخدم الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء وبالرغم من آثاره السلبية على البيئة لايزال يُستخدم حتى الآن، ثم تبع ذلك استغلال الطاقة المستدامة كالرياح وطاقة المد والجزر والطاقة الشمسية. كل تلك الطرق مألوفة للكثيرين، لكن في هذا المقال سنناقش واحدةً من أغرب الطرق حيث طور فريق من العلماء جهاز لتوليد الكهرباء باستخدام البكتيريا، هذا النوع من البكتيريا عُثر عليه في شواطئ نهر بوتوماك في الولايات المتحدة الأمريكية.

توليد الكهرباء عن طريق بكتيريا الجيوباكتر

تمكن الباحثون من اكتشاف ميكروب استثنائي ينتمي إلى عائلة بكتيريا الجيوباكتر التي تمتاز بقدرتها على أكسدة المركبات العضوية والمعادن. فيما مضى لاحظ العلماء قدرة بكتيريا الجيوباكتر على إنتاج «المغنيتيت Magnetite» وهو أحد أكاسيد الحديد ويعرف باسم أكسيد الحديد الأسود ويمتاز بخصائص مغناطيسية. ولكن مع مرور الوقت،  اكتشف العلماء قدرة هذا الكائن على إنتاج  الأسلاك النانوية البروتينية الموصلة للكهرباء. لسنوات عدة حاول العلماء استغلال هذه الهبة الطبيعية، ومؤخرًا نجح فريق من العلماء في تصميم جهاز أطلقوا عليه اسم «Air-gen» والذي يقول عنه مهندس الكهرباء «جون ياو–Jun Yao» ” نجحنا في توليد الكهرباء حرفيًا من الهواء الرقيق!” ،قد يبدو هذا الادعاء مبالغًا فيه، ولكن في دراسة حديثة أجراها الباحث “ياو” وفريقه تصف كيف يمكن لهذا الجهاز أن يولد الكهرباء بدون أي شيء سوى وجود الهواء حوله. كل ذلك بفضل الأسلاك النانوية البروتينية الموصلة للكهرباء التي تنتجها فصيلة من عائلة «بكتيريا جيوباكتر–Geobacter» وتُعرف باسم «Geobacter.sulfurreducens».

آلية العمل

يتكون جهاز «Air-gen» من طبقة رقيقة من الأسلاك النانوية البروتينية -المنتجة بواسطة بكتيريا جيوباكتر- بسماكة 7 ميكرومتر فقط، يتم وضعها بين قطبين مصنوعين من الذهب كما هو موضح في الشكل أدناه، تُعرّض هذه الطبقة للهواء مما يُسبب امتصاص البخار الموجود في الهواء الجوي عن طريق هذه الأسلاك النانوية. يؤدي تدرج نسبة الرطوبة إلى انتشار البروتونات في هذه الأسلاك وتولد تيار كهربائي مستمر يسري بين قطبي الجهاز. الجدير بالذكر أن هذا الاكتشاف أتى بمحض الصدفة عندما لاحظ الباحث “ياو” أنه عند توصيل الأسلاك النانوية بالأقطاب الكهربائية بطريقة معينة يتولد تيارًا كهربيًا عن طريق هذه الأجهزة. يقول “ياو” : “من الضرورة توفير رطوبة حول هذا الجهاز وذلك لكي تتمكن الأسلاك النانوية من امتصاص الماء مما ينتج عنه حدوث فرق جهد كهربي في الجهاز”.

يظهر في الشكل صورة مجهرية للأسلاك النانوية البروتينية المنتجة بواسطة بكتيريا جيوباكتر بالإضافة إلى صورة مبسطة لجهاز «Air-gen».

أظهرت الدارسات السابقة قدرة بعض المواد الكربونية المعدلة هندسيًا على استغلال رطوبة الجو لتوليد الكهرباء ولكن كانت بكميات صغيرة ولا تستمر سوى لبضع ثوان. على النقيض من ذلك ، ينتج «Air-gen» جهدًا مستمرًا يبلغ حوالي 0.5 فولت، وكثافة تيار تبلغ حوالي 17 ميكروأمبير لكل سنتيمتر مربع ويستمر توليد التيار لما يقارب عشرين ساعة قبل أن يقوم الجهاز بعملية الشحن الذاتي. بالطبع كمية الطاقة المنتجة باستخدام هذه الطريقة لاتزال أيضًا صغيرة ولا يمكن استخدامها في التطبيقات اليومية، ولكن ذكر فريق البحث بأنه يمكن مضاعفة هذه الطاقة عن توصيل أجهزة متعددة مما يسمح بتوليد طاقة كافية لشحن الأجهزة الصغيرة مثل الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الشخصية الأخرى. تعد هذه الطريقة صديقة للبيئة ولا تخلف أي نفايات، فقط كل ما تحتاجه هو ذلك الميكروب الاستثنائي بالإضافة إلى الرطوبة.

طموحات مستقبلية

يسعى الباحثون إلى الاستفادة من هذه التقنية على نطاق واسع كإمداد المنازل  بالكهرباء عبر الأسلاك النانوية المدمجة في طلاء الجدران.  يقول “ياو ” بمجرد أن ننتج هذه الأسلاك بكميات تجارية كبيرة، أتوقع تمامًا أن نتمكن من إنشاء أنظمة ضخمة من شأنها أن تسهم بشكل كبير في إنتاج الطاقة المستدامة.” ما يعيق تحقيق هذه الإمكانات المذهلة هي الكمية المحدودة من الأسلاك النانوية التي تُنتج . ولكن في بحث ذي صلة أجراه أحد أعضاء الفريق -عالم الأحياء الدقيقة ديريك لوفلي- أوضح إمكانية وجود حل لهذه المشكلة وهي هندسة الأنواع الأخرى من البكتيريا وراثيا ، مثل بكتيريا «إي كولاي E. coli» لإنتاج الأسلاك النانونية البروتينية بكميات ضخمة. يقول لوفلي “حولنا  بكتيريا إي كولاي إلى مصنع للأسلاك النانوية البروتينية “. وبالتالي سيفتح ذلك آفاقًا جديدة في تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع. نُشر هذا البحث في دورية «Nature» في شهر فبراير الماضي.

المصادر

sciencealert

Nature

كيفية تسخير الحرارة لإمداد المستشعرات المرنة بالكهرباء

كيفية تسخير الحرارة لإمداد المستشعرات المرنة بالكهرباء

تتطلب تقنيات الرعاية الصحية الحديثة والعديد من التطبيقات المستقبلية الأخرى اتصالًا بالإنترنت لربط عدد هائل من المستشعرات ببعضها البعض. تعمل هذه المستشعرات على تحويل الإشارات الفيزيائية كالضغط والحرارة و الصوت والضوء ..إلخ، إلى إشارات كهربائية ليتسنى معالجتها حاسوبيًا واستخدامها في التطبيقات المختلفة. يجب أن تتميز هذه المستشعرات بالعديد من الخصائص كالموثوقية والمرونة إضافة قلة التكلفة الاقتصادية. تُستخدم المستشعرات المرنة والرقيقة في العديد من التطبيقات كصناعة الوشوم الالكترونية و إنتاج البشرة الاصطناعية، إضافة إلى كونها عنصر أساسي في«الروبتات الناعمة soft robotics» التي تتعامل بشكل رئيسي مع المواد الطرية اللينة كالجلد الطبيعي والأنسجة العضلية والأعضاء الداخلية الحساسة. معظم هذه المستشعرات تتطلب وجود مصدر تغذية كهربائية لإمدادها بالكهرباء حتى تعمل لذا يسعى الباحثون إلى تطوير مصادر أخرى غير البطاريات لتشغيل هذه الأجهزة وذلك لأن استبدال البطاريات باستمرار أمر مكلف وصعب.

نبذة عن المولدات الكهروحرارية

يُعرف« المولد الكهروحراري Thermoelectric power generator» أو اختصارًا «TEG» بأنه جهاز يعمل على تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة كهربائية عن طريق « التأثير الكهروحراري Thermoelectric Effect»حيث يتكون من مزدوج حراري شبه موصل أحدهما من النوع P  والأخر من النوع N بالإضافة إلى أقطاب معدنية وقاعدة عازلة. يوضع أحد أطراف شبه الموصل في وسط ساخن والطرف الأخر في وسط ساخن ونتيجة لفرق درجة الحرارة ينشأ جهد كهربائي يسمح بمرور حاملات الشحنة في شبه الموصل أي بمعنى أخر يسري تيار كهربائي في الدائرة. يتناسب الجهد الكهربائي المتولد طرديا مع فرق درجة الحرارة بين الطرف الساخن والطرف البارد كما هو موضح في الشكل أدناه .

شكل توضيحي لمكونات المولد الكهروحراري

استخدام التأثير الكهروحراري في تشغيل المستشعرات المرنة

في دراسة نشرت ف مجلة« Advanced Materials Technologies» كشف باحثون من« جامعة أوساكا Osaka University »عن كيفية تسخير الحرارة لإمداد المستشعرات المرنة بالكهرباء باستخدام التأثير الكهوحراري، أو تحويل اختلافات درجة الحرارة إلى كهرباء، على النحو الأمثل لتشغيل الأجهزة الصغيرة والمستشعرات المرنة . بيّنت دراستهم لماذا لم يصل أداء الجهاز الكهروحراري حتى الآن إلى كامل إمكاناته. لدى المولدات الكهروحرارية  العديد من المزايا، فعلى سبيل المثال، لا تحتاج إلى مصادر ميكانيكية لتوليد الجهد الكهربي، ولا تحتوي على أجزاء متحركة وتتميز بالاستقرار أثناء عملها  وبالموثوقية . وعلى النقيض لا تملك الطاقة الشمسية أوالطاقة الاهتزازية كل هذه المزايا. تستخدم شركات  الطيران والعديد من الصناعات الأخرى التأثير الكهروحراري. ومع ذلك، فإن التطبيقات على الأجهزة الرقيقة والمرنة لازالت في بداياتها . حسّن العديد من الباحثين أداء الأجهزة المرنة عن طريق تحسين المواد المستخدمة في المزدوج الحراري فقط. بينما في هذه الدراسة يوضح الباحث « توهرو سوغاهارا Tohru Sugahara»   “نهجنا هو دراسة « التلامسات الكهربائية Electrical contacts » ، أو المفتاح الذي يشغل الجهاز ويغلقه”.حيث تعتمد كفاءة أي جهاز بشكل حاسم على مقاومة هذه  التلامسات.”

المواد المستخدمة في البحث

استخدم الباحثون ماكينات هندسية متقدمة  لصنع شبه موصل« تيلورايد البزموث Bismuth Telluride »على غشاء بوليمر رقيق يزن  0.4 جرام، ومساحته 100 مليمتر مربع. يزن هذا الجهاز أقل من مشبك الورق، وهو أصغر حجمًا من ظفر إنسان بالغ . تمكن  الباحثون من توليد كثافة قدرة كهربائية تبلغ قيمتها القصوى  185 مللي واط لكل سنتيمتر مربع. يقول سوغاهارا: “إن القدرة المتولدة  تفي بالمواصفات القياسية لأجهزة الاستشعار المحمولة والقابلة للارتداء”. وبالرغم من ذلك، بلغت نسبة القدرة الكهربائية المفقودة حوالي 40 % ويضيف تورو سوغاهارا: “يجب على الباحثين أن يركزوا على تحسين مقاومة التلامسات الحرارية والكهربائية وذلك لتحسين كفاءة الطاقة المتولدة بشكل أكبر بشكل أكبر” .

المواد المستخدمة في التجربة وتأثير درجات الحرارة المختلفة على كمية الطاقة المتولدة

خلاصة البحث

تلعب كل من المقاومة الكهربائية والحرارية للتلامسات دورًا هامًا في تحديد كفاءة وفاعلية الأجهزة الكهروحرارية الدقيقة فعند مرور التيار في هذه الأجهزة تتولد حرارة عند مناطق الربط بين مكونات الجهاز ويحدث فقد للجهد الكهربي لذا من الضروري مراعاة تقليل كل من المقاومة الكهربائية والحرارية عند تصنيع هذه الأجهزة.

المصادر

Advanced Materials Technologies Magazine

TechEplore

Thermoelectricsolutions

قصة الفيزيائية ليز مايتنر التي اكتشفت الإنشطار النووي واستبعدت من جائزة نوبل

قصة الفيزيائية ليز مايتنر التي اكتشفت الانشطار النووي واستبعدت من جائزة نوبل كيف اكتشفت الفيزيائية الرائدة ليز مايتنر الإنشطار النووي ومهدت طريق العلوم أمام النساء، وكيف حُرمت من جائزة نوبل؟

“إن العلم يجعل الأشخاص يصلون إلى نوع من نكران الذات من أجل الحقيقة والموضوعية؛ ويعلمهم تقبل الواقع بتعجب وإعجاب. ناهيك عن البهجة العميقة والرهبة التي يجلبها النظام الطبيعي للأشياء إلى العالم الحقيقي” -ليز مايتنر.

في خريف عام 1946، قامت طفلة صغيرة من جنوب افريقيا تطمح لأن تصبح عالمة بكتابة رسالة إلى أينشتاين أختمتها بعبارة: “آمل أن لا تقلل من شأني لكوني فتاة!” فأجابها العالم بعبارات حكيمة يتردد صداها إلى يومنا هذا: “أنا لا أمانع كونك فتاة، لكن الأهم أن لا تمانعي أنت ذلك…فليس هناك سبب لفعل ذلك”

إن تاريخ العلم هو تاريخ العالم نفسه، تاريخ التباين غير المعقول في السلطة مما يعني أن العواقب القمعية التي أدت إلى وصول عدد قليل من النساء إلى قمة تخصصهن يرجع الى المثابة السامية والمتألقة للعلم. من بين أبرز هؤلاء النساء الرائدات واللواتي نادرا ما يحتفل بهن هي الفيزيائية النمساوية ليز مايتنر.

قادت ليز الفريق الذي اكتشف الإنشطار النووي ولكن تم استبعادها من جائزة نوبل. كان آينشتاين قد تبشر بهذه المرأة اليهودية التي بالكاد أنقذت حياتها من النازيين بصفتها ماري كوري الخاصة بالعالم الناطق بالألمانية.

وُلدت مايتنر في فيينا يوم 7 نوفمبر من سنة 1878، أي بعد أكثر من عام على عالمة الفلك الأمريكية ماريا ميتشل التي مهدت الطريق أمام النساء في مجال العلوم وحثت الصف الأول من عالمات الفلك بقولها: “لا ينبغي أن تقولن “أنا فقط امرأة، بل أنا امرأة!” ما الذي يمكنن طلبه أكثر من ذلك؟”

رغم أن ليز كانت متميزة في الرياضيات منذ سن مبكرة، إلا أن فرص النساء في أوروبا في القرن التاسع عشر كانت قليلة جدا. تروي مايتنر في أواخر عمرها بحزن:

“بالتفكير مرة أخرى في شبابي، يدرك المرء كم من المشاكل التي عانت منها الفتيات العاديات، والتي تبدو الآن غير قابلة للتخيل. فمن بين أصعب هذه المشاكل الحصول على تدريب فكري عادي.”

انتهت ليز من دراستها في فيينا عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، لكن بعد بضع سنوات أصبحت الجامعات تقبل النساء. التحقت ليز بالجامعة ودرست الفيزياء لدى لودفيغ بولتزمان.

عندما كانت شابة ذهبت إلى برلين دون أدنى احتمالات لتتابع الفيزياء. ولكنها كانت محظوظة حيث أصبح ماكس بلانك معلمًا وصديقًا لها والكميائي أوتو هان زميل لها. قامت كل من ليز وهان بحفر أسمائهم في مجال النشاط الإشعاعي. لكن انتقلت مايتنر في العشرينات من القرن الماضي إلى متابعة مسيرتها في الفيزياء النووية التي كانت تعتبر بذلك الوقت مجال ناشئ تجيده ليز، فبذلك أصبحت مستقلة على هان.

تعرف مايتنر في مجتمع الفيزياء ببرلين، أو كما أحب أينشتاين مناداتها “ماري كوري الخاصة بنا”. اعتبرت من كبار العلماء التجريبيين بين علماء الفيزياء في أرجاء العالم في يومها. بذاك أصبحت تلك الشابة الخجولة التي يضايقها ابن أخيها من خلال منادتها “بالمتسلطة الغامضة والقصيرة” أستاذة حازمة.

وعلى الرغم من معاناتها من وقت لآخر من انعدام الأمان الذي شهدته خلال طفولتها إلا أنها لم تشك أبدًا في كون الفيزياء تستحق كل ذلك العناء. حسب أوراقها الشخصية، فلم يسبق لليز الزواج أو انجاب أطفال كما لم تكن لها أية علاقات عاطفية جدية. بالرغم من عدم ارتباطها، فحياتها كانت كاملة. فقد كانت صديقة مخلصة بشكل استثنائي وأحاطت نفسها بأشخاص تعتز بهم أو على حد تعبيرها “شخصيات رائعة ومحبوبة” قدمت لها “مرافقة سحرية“. فقبل كل شيء، كانت علاقتها بالعلم جد قوية لدرجة أنها انسحبت من الأشياء الأخرى لمواجهة كل عائق يعترض طريق شغفها.

متى بدأ شغف ليز بالعلوم، كيف التحقت بالجامعة، وكيف فرت من الحكم النازي في ألمانيا؟

قصة الفيزيائية ليز مايتنر التي اكتشفت الإنشطار النووي واستبعدت من جائزة نوبل

أجرت العالمة ليز أول تجربة علمية لها كفتاة صغيرة تحت عنوان “المنطق والتفكير النقدي” كتحد لها للخرافات. عندما كانت ليز صغيرة جدًا حذرتها جدتها من عدم التطريز في يوم السبت اليهودي (يوم مخصص للراحة والعبادة في الديانة اليهودية) لكي لا تنهار السماء. بالفعل، كانت ليز تقوم ببعض التطريز في ذلك الوقت وقررت إجراء اختبار: وضعت طرف إبرتها على التطريز ونظرت بقلق الى السماء، قررت متابعة التطريز منتظرة اعتراضا أو ردة فعل. وبعد ذلك استمرت في عملها مقتنعة بعدم وجود أية اعتراضات من السماء. لذلك فمنذ طفولتها، تميزت ليز بشكوك عقلانية إلى جانب حبها لقراءة الكتب، المشي لمسافات طويلة في الصيف والسماع للموسيقى.

منذ أن انتهت دراستها الرسمية في سن الرابعة عشرة قضت ليز بضع سنوات في قمع طموحاتها العلمية. لحسن الحظ بدأت الجامعات النمساوية أخيرًا في قبول النساء في عام 1901 فحصلت على شهادة الثانوية العامة لإجراء امتحان الالتحاق بالجامعة في سن الثالثة والعشرين بعد أن تم تلخيص ثماني سنوات في 20 شهرا من دراسة المنطق، الأدب، الرياضيات، اليونانية، اللاتينية، علم النبات، علم الحيوان والفيزياء. حصلت ليز على الدكتوراه سنة 1905 معتبرة واحدة من النساء القليلة في العالم اللواتي حصلن على درجة عالية في الدكتوراه في الفيزياء.

ولكن عندما سافرت ليز البالغة من العمر 29 عامًا إلى برلين على أمل أن تدرس تحت يد العظيم ماكس بلانك، اكتشفت أنها دخلت في آلة الزمن لأن الجامعات الألمانية مازالت تغلق أبوابها أمام النساء في ذلك الوقت، لذلك كان عليها أن تطلب إذنًا خاصًا لحضور محاضرات بلانك.

في خريف عام 1907، قابلت ليز الكيميائي الألماني أوتو هان المهتم بالنشاط الإشعاعي تماما مثلها. لم يعارض أتو هان العمل مع النساء بل تم منعهن في ذلك الوقت من دخول المعهد الكيميائي في برلين. كان على ليز وهانالعمل في متجر سابق للنجارة تم تحويله إلى مختبر في الطابق السفلي للمبنى. ملأ العالمان فجوات بعضهما البعض بقدراتهم الخاصة، حيث كانت ليز المتخصصة في الفيزياء عالمة رياضيات رائعة متمكنة من تصميم تجارب أصلية لاختبار أفكارها، وهان المتخصص في مجال الكيمياء بارع في العمل المختبري الدقيق.

على مدار ثلاثين عامًا من التعاون، أصبح كل من هان وليز رائد في دراسة النشاط الإشعاعي. يذكر أن العالمة ليز نشرت ستة وخمسين ورقة علمية خاصة بها بين عامي 1921 و 1934 عندما استقلت عن أتو هان. ولكن عندما بدأت حياتها المهنية بدأ النازيون باغتصاب السلطة في أوروبا. كانت ليز، هان وعالم ثالث مبتدئ يدعى فريتز ستراسمان في مشكلة حيث تم رفض فريتز للانضمام إلى المنظمات النازية.

في عام 1938، بينما كان العلماء الثلاثة يؤدون تجاربهم الرائدة، اقتحم الجنود النازيون النمسا، لذلك رفضت ليز إخفاء تراثها وهويتها اليهودية فقررت المغادرة لكن النازيين وضعوا قوانين معادية تمنع أساتذة الجامعات من مغادرة البلاد. في 13 يوليو بمساعدة من زميلها هان وعدد قليل من الأصدقاء العلميين الآخرين نجحت مايتنر في الفرار عبر الحدود الهولندية. هاجرت إلى الدنمارك حيث مكثت مع صديقها نيلز بور ثم وجدت منزلًا دائمًا لها في معهد نوبل للفيزياء في السويد. يجدر بالذكر أن قبل ثلاثة قرون فر ديكارت أيضًا إلى السويد لتفادي محاكم التفتيش بعد أن شاهد محاكمة جاليليو.

كيف حرمت ليز من جائزة نوبل، ولماذا نعتت بالأم اليهودية للقنبلة الذرية؟

قصة الفيزيائية ليز مايتنر التي اكتشفت الإنشطار النووي واستبعدت من جائزة نوبل

التقى هان وميتنر سرا في كوبنهاغن لمناقشة بعض النتائج المحيرة التي حصل عليها في المختبر مع ستراسمان. فبعد قصف نواة ذرة اليورانيوم (ذات العدد الذري 92) بنيوترون واحد انتهى بهما الأمر بنواة الراديوم (ذات عدد ذري 88) والتي تصرفت كيميائيًا مثل الباريوم (56) وهو عنصر مع ما يقرب من نصف الوزن الذري للراديوم. إن النيوترون الصغير الذي يتحرك بسرعة منخفضة من شأنه أن يزعزع الاستقرار ويحطم شيئًا ما بقوة مثل الذرة، ويسقط عدده الذري ويغير سلوكه الكيميائي!

في تلك المرحلة، كان هان أحد أفضل علماء الكيمياء الإشعاعية في العالم وليز أحد أفضل علماء الفيزياء في العالم. أخبرته ليز أن تفاعله الكيميائي لا معنى في الفيزياء وحثته على تكرار التجربة. واصلت ليز التفكير في القضية بجيرة.

قدم أوتو روبرت فريش الاستعارة المثالية لكيفية إحراز المرأة تقدمًا في العلوم بالنسبة إلى أقرانها من الذكور:

“كلانا مشى صعودا وهبوطا في الثلج، أنا على الزلاجات وهي سيرا على الأقدام.”

في فهم النتائج غير المنطقية، توصلت مايتنر وفريش إلى ما يسمى بالانشطار النووي، وهي كلمة استخدمت لأول مرة في الفقرة السابعة من الورقة التي نشروها في الشهر الموالي. ما يعني أن النواة يمكن أن تنقسم وتتحول إلى عنصر آخر كانت فكرة جذرية لم يستوعبها أحد من قبل. لذلك قدمت مايتنر الفهم الأولي لكيفية حدوث ذلك.

سوف يتم اثبات أن الانشطار النووي أحد أكثر الاكتشافات قوة وخطورة في تاريخ البشرية، قوة استسلمت لقدراتنا المزدوجة من أجل الخير والشر: لقد كان هذا الاكتشاف أساسي في اختراع الاسلحة الأكثر دموية في تاريخ البشرية: القنبلة الذرية.

في الحقيقة، كان يشار إلى مايتنر بقسوة بأنها “الأم اليهودية للقنبلة الذرية“، على الرغم من أن اكتشافها كان علميًا بحتًا، كما أنها سبقت هذا العمل الخبيث بعدة سنوات وحالما رأته يوضع قيد التنفيذ لتحقيق غايات مدمرة، رفضت بشدة العمل على القنبلة. لقد آمنت مثل بقية العالم أن القنبلة نقطة تحول خطيرة للبشرية.

بعد سنوات، كانت تصدر رثاء للعصر الذي انتهى باختراعه وتقول: “بإمكان شخص حب عمل شخص آخر دون الخوف من الأشياء البشعة والخبيثة التي قد يفعلها الناس بالنتائج العلمية الجميلة.”

كان اكتشاف الانشطار النووي بحد ذاته مثالًا ساطعًا على هذه النتائج العلمية الجميلة، انتصارًا للعقل الإنساني على أسرار الطبيعة. فالعالم هان كان يملك النتائج التجريبية غير المنطقية لكن تفسيرات مايتنر استخلصت دلالتها. نشر هان الاكتشاف دون ذكر اسمها، وبغض النظر عما إذا كانت أسبابه هي الغيرة الشخصية أو الجبن السياسي الذي أثار غضب السلطات النازية. تبقى النقطة الأساسية أن مايتنر شعرت بالخيانة الشديدة بسبب الظلم.

كتبت إلى شقيقها والتر: “لا أثق في نفسي … لقد نشر هان للتو اكتشافات رائعة استنادًا إلى عملنا معًا، حيث أن هذه النتائج تجعلني أشعر بالسعادة، شخصيًا وعلميًا، تجاه هان. أنا محبطة جدا، سيعتقد الكثير من الناس أنني لم أساهم في أي شيء على الإطلاق!”

وفي عام 1944، حصل هان وحده على جائزة نوبل للكيمياء لاكتشاف الانشطار النووي.

معاناة ليز ماتنر: كيف قضت سنواتها الأخيرة، وكيف تسبب الحكم النازي بإهمال مساهماتها في مجال العلوم؟

إن تشويه الواقع وقمع الذاكرة هي مواضيع متكررة في الدراسات عن ألمانيا النازية وتبعاتها. فلا يوجد أدنى شك في دور العالمة ليز ميتنر في اكتشاف الانشطار النووي حيث تدل السجلات المنشورة والمراسلات الشخصية أن ليز ساهمت في هذا الاكتشاف من البداية إلى النهاية.

اكتشاف فائق الأهمية لن يتم الاعتراف به لو لم تقم ليز بالهجرة. فالسياسات العنصرية التي دفعت مايتنر إلى مغادرة ألمانيا هي نفسها التي جعلت من المستحيل أن تكون جزءًا من منشور هان وستراسمان، كما كانت هناك خطورة في اعتراف هان بعلاقته معها المستمرة. لم ينفي هان تعاونه السري مع “شخص غير آري” في المنفى فقط، بل تناسى كلما قامت به ليز خلال تعاونهما. تسببت أكاذيب هان بتشوية سجل الاكتشاف وكادت أن تكلف ليز مكانتها في التاريخ.

تلقت ليز عدة جوائز في حياتها، بل كان لها عنصر كيميائي (Meitnerium) سمي على اسمها بعد وفاتها، ولكن لم يتم تصحيح حقيقة مشاركتها في اكتشاف الانشطار النووي. على الرغم من أن جميع الحواجز الممكن تخيلها قد وُضعت أمام متابعتها لتعليمها العلمي، فقد نجت من الاضطهاد النازي، وتحملت آلام المنفى، إلا أن عدم اعتبارها من طرف نوبل سبب لها الحزن الذي لا يمكن تعويضه في حياتها.

باستثناء بعض البيانات الموجزة، لم تقم عالمة الفيزياء ليز ماتنر بحملة لنفسها؛ فلم تكتب سيرتها الذاتية، ولم تأذن بالسيرة الذاتية خلال حياتها. نادراً ما تحدثت عن كفاحها من أجل التعليم والقبول على الرغم من أن انعدام الأمن والعزل في سنوات تكوينها أثرت عليها بعمق لاحقاً. ولم تتحدث قط عن هجرتها القسرية أو مهنتها وصداقاتها المحطمة. كانت تفضل أن يتم الحصول على أساسيات حياتها من منشوراتها العلمية، لكنها كانت تعلم أن في حالتها لن يكون ذلك كافياً.

إن الإصرار على أن ماتنر لم تساهم في اكتشاف الانشطار النووي ما هي إلا طريقة لإنكار حقيقة معاملتها بطريقة غير عادلة، وبمعنى أوسع، رفض مواجهة الظلم والجرائم من الفترة النازية. وبدلاً من الاعتراف بأن استبعاد مايتنر من بحثها القيم كان سياسيًا، اخترع هان أسبابًا علمية زائفة، أنكروا الظلم وخلقوا ظلمًا جديدًا!

بالنظر إلى غرفة الصدى في الرأي التفسيري الذي يسمى التاريخ، فإن وجهة نظر هان تلقت ترحيبا بسهولة من قبل أتباعه وأجيال من الصحفيين والمعلقين غير الناقدين لتاريخ العلوم. كان استبعاد نوبل هو الأكثر وضوحًا، لكن المحو بشكل فظ لإرث ماتنر لم ينته عند هذا الحد. لقد عُرض جهاز الانشطار (الأداة نفسها التي استخدمتها ليز في مختبرها في برلين لاكتشافاتها) في متحف العلوم الأول في ألمانيا لمدة خمسة وثلاثين عامًا دون أن يذكر اسمها.

قالت ماتنر في خطاب ألقته في فيينا عن عمر يناهز 75 عامًا:

إن العلم يجعل الناس يصلون إلى نكران الذات من أجل الحقيقة والموضوعية؛ ويعلمهم تقبل الواقع بعجب وإعجاب، ناهيك عن البهجة العميقة والرهبة التي يجلبها النظام الطبيعي للأشياء إلى العالم الحقيقي.

توفيت ميتنر بسلام أثناء نومها في 27 أكتوبر 1968، أي قبل أيام من عيد ميلادها التسعين. اختار أوتو روبرت، واحد من أعز أصدقائها، النقش على قبرها العبارة التالية: ليز مايتنر، فيزيائية لم تفقد إنسانيتها أبداً.

المصدر: BrainPickings

اقرأ أيضا: مميزات ميدالية جائزة نوبل

رصد أكبر انفجار في تاريخ الكون منذ الانفجار العظيم!

رصد أكبر انفجار في تاريخ الكون منذ الانفجار العظيم!

حتى اللحظة التي تقرأ فيها هذة المقالة الآن، مضى قرن من الزمان على ما يسمى ب “الجدال العظيم” وهو ببساطة جدال قام بين العالم الفلكي “هارلو شابلي” وصديقه الفلكي “هربر كورتيس” ليدور هذا الجدال حول حجم الكون!

وخلاصة القول لهذا الجدال ولما جاء بعده، ومع كل المحاولات لحساب حجم الكون بالطرق المختلفة، أنّ حدود هذا الكون “المنظور” أو المجرات التي وصلنا اليها، أصبحت الآن على بعد 93 مليار سنة ضوئية عنا، بالأخذ في الاعتبار تمدد الكون بمرور الوقت.

لذا تخيل معى مع كبر هذا الكون الذي نعيش فيه، فلابد من وجود الكثير والكثير من الأسرار التي ربما اكتشفنا بعضها ولكن الجزء الأكبر يظل مجهولا منتظرا أن يكتشفه أحد كما قال الفلكي الشهير كارل ساجان، وأحد هذه الأسرار تم اكتشافه منذ بضعة أيام فقط متمثلا في أكبر انفجار في تاريخ الكون بعد الانفجار العظيم.

الانفجار العظيم 2

اكتشف الباحثون في المركز الدولي لأبحاث علم الفلك الراديوي أكبر انفجار شهده الكون منذ الانفجار العظيم. انبثق الانفجار عن ثقب أسود هائل في مركز “مجرة حواء – Ophiuchus galaxy” التي تبعد نحو 390 مليون سنة ضوئية عن الأرض.

وقالت “Melanie Johnston-Hollitt”، البروفيسورة بجامعة كورتين والعالمة بالمركز الدولي لأبحاث علم الفلك الراديوي والمؤلفة المشاركة للورقة البحثية التي نحن بصددها:

“لقد رأينا انفجارات عديدة من قبل في مراكز المجرات، لكن هذا هائل حقًا، ونحن لا نعرف لماذا هو كبير جدا بهذا الشكل!”

يعد هذا الانفجار عنيفًا للغاية لدرجة أنه حفر حرفيًا ثقبًا في البلازما المحيطة بالثقب الأسود، كما شوهد من خلال ملاحظات تلسكوب الأشعة السينية في المجرة. رأى العلماء تجويفًا كبيرًا قويًا في بلازما المجرة – والبلازما هو الغاز شديد الحرارة المحيط بفتحه الثقب الأسود.

كيف اكتشف؟ وماذا قبل اكتشافه؟!

التلسكوب الراديوي العملاق (GMRT) بالهند.

وللاكتشاف، استخدم الباحثون أربعة تلسكوبات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مرصد تشاندرا للأشعة السينية التابع لناسا، ومرصد الفضاء XMM-Newton التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، موزعين بين دول مختلفة من الصين وأستراليا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.

شوهد هذا التجويف سابقًا بواسطة تلسكوبات الأشعة السينية في عام 2016، وهو اكتشاف تم رفضه بشدة لأنه سيكون هائلا جدا، وسيكون من غير الممكن تصور حجمه، لذا فقد رفض هذا الاحتمال، فالانفجار يعادل خمسة أضعاف أكبر الانفجارات المكتشفة في تاريخ الكون كله وهذة كمية هائلة جدا من الطاقة!

الآن وقد تمت مطابقة البيانات من عام 2016 مع بيانات جديدة من التلسكوبات اللاسلكية، تم تسجيل الاكتشاف وهو ما يعطينا درسا في الاصرار! وقال أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة:

“ان بيانات الراديو تتطابق مع الأشعة السينية مثل يد و قفاز، وهذه هي النقطة الفاصلة التي تخبرنا بحدوث ثورة غير مسبوقة حدثت في هذا المكان.”

ليس عملاقا فحسب بل بطيئا أيضا!

ووصفت سيمونا جياكينتوتشي، من مختبر أبحاث الفضاء في واشنطن والمؤلفة الرئيسية للدراسة، الثقب الذي خلفه الانفجار بأنه يمكننا وضع 15 مجرة ​​”درب التبانة” في صف واحد بها، مع العلم بأن مجرة درب التبانة تمتد على مسافة 30,000 سنةٍ ضوئيّة.

لم يكن الانفجار عملاقًا فحسب، بل كان بطيئًا للغاية أيضًا. لقد حدث ذلك الانفجار ببطء شديد – كانفجار بتقنية “الحركة بطيئة Slow motion -” فقد وقع على مدى مئات الملايين من السنين!

وعلى الرغم من رصد أكبر انفجار في تاريخ الكون منذ الانفجار العظيم ، لا يزال العقل البشري حائرا وغير قادر على فهم أو حل اسرار الكون، ولكن المحاولات مستمرة رغم كل شئ.

المصادر: 

هل حانت نهاية قانون مور؟ معالج باكسل الياباني يجيب

هل حانت نهاية قانون مور؟ معالج باكسل الياباني يجيب

طور مجموعة من الباحثين في اليابان نوعًا جديدًا من المعالجات يُعرف باسم «باكسل-PAXEL» ، وهو جهاز يمكنه أن يتجاوز قانون مور «Moore’s Law» ويزيد من سرعة وكفاءة الحوسبة.

يتم وضع  معالج باكسل «PAXEL» ، والذي يمثل مسرع الفوتونات ، في الواجهة الأمامية لجهاز كمبيوتر رقمي ويتم تحسينه لأداء وظائف محددة ولكن مع استهلاك أقل للطاقة مما هو مطلوب للأجهزة الإلكترونية بالكامل.
ترانزستورات تأثير المجال لأكسيد المعدن شبه الموصل أو ما تعرف اختصارًا ب «MOSFET» تمثل الأساس لمعظم الدوائر الإلكترونية المتكاملة، لكنها محدودة بموجب قانون مور، والذي ينص على أن “عدد الترانزستورات في كل إنش مربع من شريحة المعالج سيتضاعف مرتين سنويًا”. ولكن هناك حدًا كامنًا لهذا، وذلك بناءً على الطريقة التي يرتبط بها حجم رقائق المعالجات الدقيقة بالطبيعة الميكانيكية الكمومية للإلكترونات. بالإمكان التغلب جزئيًا على مشكلة قانون مور من خلال استخدام المعالجة المتوازية «Parallel Processing»، حيث تقوم العديد من المعالجات بإجراء حسابات بطريقة متزامنة. ولكن هذه الطريقة لا تعمل مع كل تطبيق.

نظرية عمل تقنيات النانو الضوئية

في ورقة بحثية تم نشرها في «APL Photonics-AIP Publishing»، درس الباحثون طريقة أخرى لاستخدام الضوء في نقل البيانات في الدوائر المتكاملة، حيث أن الفوتونات لا تخضع لقانون مور. وبدلًا من استخدام الدوائر الإلكترونية المتكاملة، ينطوي التطوير الجديد الآن على الدوائر المتكاملة الضوئية (PICs). يعمل مسرع «PAXEL» على هذا النهج ويستخدم تقنيات النانو الضوئية الموفرة للطاقة، والتي هي عبارة عن دوائر ضوئية متكاملة متناهية في الصغر.

تعمل تقنيات النانو الضوئية -مثل تلك المستخدمة في «PAXEL» -، بسرعة الضوء ويمكنها إجراء عمليات حسابية بطريقة تماثلية، بحيث يتم تمثيل البيانات حسب مستويات شدة الضوء. ثم يتم إجراء عمليات الضرب أو الجمع للبيانات الرقمية عن طريق تغيير شدة الضوء. قام الباحثون بتطوير معماريات مختلفة ل “باكسل ” لمجموعة متنوعة من التطبيقات بما في ذلك الشبكات العصبية الاصطناعية، والحوسبة التخزينية ومنطق بوابة المرور، وتقنيات اتخاذ القرار، والاستشعار المضغوط.

تطبيقات معالج باكسل الياباني

أحد تطبيقات معالج باكسل الياباني المثيرة للاهتمام بشكل خاص هو ما يسمى «بالحوسبة الضبابية-fog computing». وهذه تشبه «الحوسبة السحابية -cloud computing» ولكنها تستخدم واحد أو أكثر من الأجهزة القريبة من المستخدم «خوادم-Servers» لإتمام كمية كبيرة من التخزين -عوضًا عن تخزينها تخزينًا أساسيًا في مراكز البيانات السحابية -. ويمكن لمعالج «PAXEL» المدمج ضمن جهاز لوحي أو أي جهاز محمول باليد اكتشاف الإشارات ونقل المعلومات من خلال خوادم لاسلكية 5G إلى خوادم حوسبة الضباب لتحليل البيانات.

تقنيات النانو الضوئية ستتجاوز قانون ومور وستزيد من سرعة وكفاءة الحوسبة

المتوقع أن يتم تطبيق هذه التكنولوجيا الجديدة في مجموعة واسعة من المجالات بما في ذلك اختبار الرعاية الطبية والطب البيطري، والتشخيص، واختبار الأدوية والمواد الغذائية، والدفاع البيولوجي. وبما أن الكثير من أجهزتنا المنزلية والتجارية متصلة عبر شبكة الإنترنت، فستكون هنالك حوجة لقدرة حوسبة أفضل، بما في ذلك نقل البيانات بكفاءة عالية. ومن المتوقع أن تساعد التقنيات المشابهة ل «PAXEL» في تلبية هذه الاحتياجات.

المصادر:

Science Daily

PhysOrg

يتحرك نسيج الزمكان حول النجوم بشكل دوامي: أينشتاين كان محقا!

يتحرك نسيج الزمكان حول النجوم بشكل دوامي: أينشتاين كان محقا!

منذ أكثر من قرن، وضع أينشتاين النظرية العامة للنسبية والتي تضم مجموعة من النظريات حول الجاذبية ونسيج الزمكان. ومع ذلك، اعتقد أينشتاين نفسه وقتها أن العديد من تنبؤاته حول المكان والزمان لن تكون ملحوظة أبدًا.

لكن السنوات القليلة الماضية شهدت ثورة في عالم الفيزياء الفلكية، بما في ذلك اكتشاف موجات الجاذبية وأول صورة لظل الثقب الأسود بواسطة شبكة عالمية من التلسكوبات.

وواحدة من تنبؤات النظرية العامة للنسبية ومن توقعاتها الأقل شهرة هي أن الأجسام التي تدور حول محورها معها يتحرك نسيج الزمكان حول النجوم بشكل دوامي. وكلما دار الجسم بشكل أسرع وزاد حجمه، زادت قوة السحب، فيما يعرف بتباطؤ الاطار المرجعي “frame dragging” وهو ما لاحظه العلماء في نظام يبعد عدة مئات من الكوادريليون كيلو متر (الكوادريون هو مليون مليار).

لماذا لم تشاهد من قبل؟!

فيما قبل ومع كون الكون كبير للغاية من حولنا، فان هذة الظاهرة كانت غير قابلة للكشف وغير منطقية للمشاهدة، لأن تأثيرها ضئيل للغاية. فمثلا، يتطلب الكشف عن تباطؤ الاطار المرجعي الناجم عن دوران الأرض بالكامل حول محورها أقمارًا صناعية مثل المسبار Gravity Probe الذي تبلغ قيمته 750 مليون دولار أمريكي، كما يصعب اكتشاف التغييرات الزاوية في الجيروسكوبات – أداة لقياس اتجاه زوايا دوران النجوم – والتي تعادل درجة واحدة فقط كل 100،000 عام تقريبا.

الأقزام البيضاء

القزم الأبيض

يسمى واحد من الأجسام التي لها صلة بهذا الأمر بالقزم الأبيض “white dwarf”. الأقزام البيضاء هي بقايا النوى من النجوم الميتة التي كانت ذات مرة أكبر عدة مرات من كتلة شمسنا، لكنها استنفدت وقود الهيدروجين خاصتها، وما تبقى منها مشابه في حجمه للأرض ولكن مئات الآلاف من المرات أكثر كثافة.

يمكن للأقزام البيضاء أن تدور بسرعة كبيرة، وتدور كل دقيقة أو دقيقتين، بدلاً من كل 24 ساعة مثلما تفعل الأرض. وبالتالي وطبقا للقاعدة التي ذكرناها من قبل “كلما دار الجسم بشكل أسرع وزاد حجمه، زادت قوة السحب” فإن تباطؤ الاطار المرجعي الناتج عن هذا القزم الأبيض ستكون قوته 100 مليون مرة تقريبًا مثل قوة الأرض ويكون ملحوظا لكن كيف نصل اليه؟!

كيف نصل للقزم الأبيض للمشاهدة!

كل هذا عظيم جدا، لكن لا يمكننا الطيران إلى قزم أبيض وإطلاق أقمار صناعية من حوله لمشاهدة كيف يتحرك الزمكان من حوله. ولكن لحسن الحظ، فإن الطبيعة لطيفة مع علماء الفلك ولديها طريقتها الخاصة في السماح لنا بمراقبتها، عبر النجوم المدارية التي تدعى النجوم النابضة ” pulsars”.

نجم نيوتروني نابض

قبل عشرين عامًا، اكتشف تلسكوب “Parkes radio telescope” التابع لشركة “CSIRO” زوجًا فريدًا من النجوم يتكون من:

1- قزم أبيض (بحجم الأرض، ولكن حوالي 300000 مرة أثقل)

2- نجم نابض راديوي (بحجم مدينة، ولكن أثقل بمقدار 400000 مرة).

مقارنة بالأقزام البيضاء، فالنجوم النابضة من نوع أخر تمامًا، فهي ليست مصنوعة من ذرات تقليدية، ولكن من النيوترونات المرتبطة معا بإحكام، مما يجعلها كثيفة بشكل لا يصدق. والأكثر من ذلك، فإن النجوم النابضة في دراستنا تدور 150 مرة كل دقيقة وتصدر موجات رادوية في الفضاء والتي تصل الينا ونسجلها.

ومن خلال موجات الراديو المنبعثة من هذه النجم النابض، يمكننا استخدام هذا لتعيين مسار النجم النابض وهو يدور حول القزم الأبيض- والذي يدور مع انحناء نسيج الزمكان حوله – وعندما تصل موجاته إلى التلسكوب الخاص بنا وبمعرفة سرعة الضوء، كشفت هذه الطريقة أن النجمين يدوران حول بعضهما البعض في أقل من 5 ساعات.

كيف تشكل هذا النظام؟

زوج من النجوم، أحدهما قزم أبيض والآخر تنتقل مادته لتشكل قرص يدور حول رفيقه

عندما تولد أزواج من النجوم، يموت النجم الأكثر ضخامة أولاً، وغالبًا ما يخلق قزمًا أبيض، وقبل وفاة النجم الثاني، تنتقل مادته لتشكل قرص يدور حول رفيقه القزم الأبيض.

في حالات نادرة مثل هذه الحالة لدينا، يمكن للنجم الثاني أن ينفجر ويصل لما يعرف بمرحلة المستعر الأعظم “Super nova”، تاركًا وراءه نجمًا نابضًا. يقوم القزم الأبيض سريع الدوران بسحب المكان والزمان حوله، مما يحدث ميلا أثناء دورانه، وهذا الميل هو ما لاحظناه من خلال رسم خريطة للموجات الراديوية القادمة من مدار النجم النابض.

المصادر:

 

هل يتساقط الثلج على سطح المريخ ايضاً؟

أرسلَ مسبار المريخ صورة جميلة للثلج في القطب الشمالي المريخي.

أظهرت صورة جديدة من مركبة الفضاء التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية «ESA» مدى جمال وبرودة المريخ وكما سلطت الضوء على بعض التغييرات الطبيعية التي تشكل سطح الكوكب. الصورة من المنطقة القطبية الشمالية، وتتميزُ ببقع وبرك مشرقةٌ من الجليد، وحفر داكنة عميقة، ودليل على العواصف والرياح القوية.
من بين جميع الكواكب الموجودة في النظام الشمسي، تشبه مواسم المريخ إلى حد كبير كوكب الأرض، على الرغم من أن السنة المريخية تقارب ضعف طول السنة في كوكب الأرض.
يمر القطب الشمالي بالعديد من التغييرات على مدارِ الفصول. المنطقة مغطاة بطبقات من الجليد تختبر تحولات دقيقة في تكوينها ومداها.
تغطي طبقات سميكة من جليد الماء المنطقة على مدار العام. ثم في فصل الشتاء، عندما تنخفض درجة الحرارة إلى أقصى درجاتها -١٤٣ درجة مئوية (-٢٢٥ درجة فهرنهايت)، يتجمد ثاني أكسيد الكربون ويترسب من الهواء الرقيق، مكونة طبقة من ثاني أكسيد الكربون المجمد فوق الجليد المائي.
يمكن أن يصل سمك طبقة CO2 المجمدة إلى مترين (٦.٥ قدم). في الوقت نفسه، تتشكل أيضًا غيوم ثاني أكسيد الكربون.
لحسن الحظ يمتلك المسبار كاميرا عالية الدقة ستيريو (HRSC)، وهي كاميرا قوية بالألوان الكاملة تقوم بتصوير كامل لسطح المريخ. وعموما، تلتقط الصور بدقة تبلغ حوالي 10 أمتار، وكما يوجد داخل HRSC قناة أخرى تسمى الكاميرا فائقة الدقة (SRC) يمكنها التقاط صور بدقة أكبر تصل إلى ٢.٣ متر / بكسل من ٢.٣٥ كم مربع ، ويتم استخدام SRC في مناطق محددة من المريخ.

تُظهر هذه الصورة جزءًا من الغطاء الجليدي الموجود عند القطب الشمالي للمريخ، مع استكمال مساحات الجليد المشرقة، والأحواض المظلمة والمنخفضات، وعلامات الرياح القوية والعاصفة.

الصورة الرائدة هي صورة HRSC للغطاء القطبي الشمالي في صيف عام ٢٠٠٦، حيثُ تُظهر الصورة بياض الجليد القطبي و غبار المريخ الأحمر والبني.
تبدو الحفر الحمراء والبنية وكأنها تخترق الجليد، إلا أنها في الواقع جزء من نمط لولبي أكبر من الحفر التي تشع للخارج من وسط القطب الشمالي. من أعلى، يبدو وكأنه نوع من خطوط الحمار الوحشي.
يعتقد العلماء أن الرياح «السفحية الهابطة-katabatic» هي المسؤولة إلى حد كبير عن إنشاء هذا النمط غير العادي. تحمل الرياح هواءًا عالي الكثافة إلى ارتفاعات منخفضة.
على سطح المريخ تحمل الرياح الهواء البارد الكثيف من الأنهار الجليدية القطبية والهضاب المتجمدة وصولاً إلى المرتفعات المنخفضة مثل الوديان والمنخفضات.
في الوقت نفسه، المريخ في حالة دوران مما يخلق تأثير «كوريوليس-Coriolis». لذا، فبدلاً من تشكيل قيعان مستقيمة تنطلق من القطب، فإنها تخلق نمطًا حلزونيًا يشع من وسط القطب الشمالي.

صورة للغطاء القطبي الشمالي على سطح المريخ، تُظهر النمط الحلزوني في الجليد.

في صورة المريخ، يوجد عدد قليل من خطوط السُحب، من المحتمل أن يكون سببها عواصف محلية صغيرة ترفع الغبار في الجو، مما يساهم في تآكل المنحدرات وتغيير مظهر السطح والتضاريس.

على الأرض، تتجلى قوة كوريوليس في تكوين الأعاصير والظواهر الجوية الأخرى.

هذه صورة بالقرب من أيسلندا. يندفع الهواء لملىء مساحة من الضغط الجوي المنخفض بينما يتحرك الهواء، يخضع لقوة كوريوليس وينتج اللولب.

إن طبقات الجليد في القطبين تهم العلماء بشكل خاص. من المحتمل أن يكون لديهم أدلة على كيفية تغير مناخ الكوكب على مدى ملايين السنين. ذلك لأنه عندما يذوب الجليد ويتجمد، يختلط مع الغبار الذي يستقر هناك.
تدور المركبة الفضائية Mars Express في مدار حول المريخ منذ عام ٢٠٠٣. في ذلك الوقت، قامت بتصوير سطح المريخ بالكامل بسرعة ١٠ أمتار / بكسل مع HRSC، وحدد المناطق على ارتفاع ٢متر / بكسل مع SRC.
خلال هذا الوقت، تم توسيع نطاق فهمنا لمدى وجود كوكب المريخ القديم الرطب، واستكشف العمليات والهيكل الأرضي للكوكب، وبالطبع قدم لنا بعض المناظر الرائعة للبراكين والحفر الضخمة للكوكب.

 صورة رائعة لفوهة كوروليف على كوكب المريخ من أداة HRSC الخاصة ببرنامج Mars Express. يبلغ قطر فوهة كورولوف حوالي ٨٠ كم.

المصادر: science alert 

universe today

اقرأ أيضاً: الصين تؤكد بهدوء ولادة الطفل الثالث المعدل جينياً

ثوران بركان تال الفلبيني، وتهديد حياة أكثر من 25 مليون شخص‎

ثوران بركان تال الفلبيني، وتهديد حياة أكثر من 25 مليون شخص‎

فاجأ بركان تال-Taal الجميع بما في ذلك علماء البراكين عندما أطلق في غضون ساعات عمودا من الرماد يبلغ ارتفاعه كيلومتر ونصف وتلى الإنفجار زلزال تسبب في تصدعات أرضية كبيرة مما يثبت الطاقة الهائلة للبركان ويلمح إلى حدوث انفجار وشيك.

                           منظر البركان يوم 14 يناير 2020

وأمرت السلطات الفيليبينية بإخلاء كلي لما يقارب من مليون شخص بالقرب من العاصمة مانيلا وذلك إثر الإنفجار البركاني الذي وقع يوم الأحد الماضي والذي تسبب في انبعاث الرماد إلى ما يصل 14 كيلومترا حسب مصادر سي إن إن.

                  السكان يعدون قواربهم لإخلاء تاليساي في 13 يناير.

كما قام المعهد الفيليبيني للبراكين والزلازل بدوره برفع مستوى التنبيه إلى المستوى الرابع من مستوى التأهب المكون من خمس درجات.

أدى إنتشار الرماد إلى تعليق جميع الرحلات الجوية في مطار العاصمة الدولي يوم الأحد الماضي.

               عائلة تحاول عبور طريق تضرر على إثر الزلزال الناتج عن البركان

يذكر أن بركان تال يقع وسط جزيرة صغيرة محاطة ببحيرة على جزيرة لوزون-Luzon الفيليبينية، وعلى بعد 60 كيلومتر من العاصمة مانيلا. بالرغم من حجمه الصغير، يعد تال ثاني أشد البراكين نشاطا في العالم وأخطرهم.

أفاد إيريك كليميتي، عالم براكين في جامعة دينيسون، موقع CNN أن الحمم البركانية التي تتطاير بفعل الإنفجار جد خطيرة لأنها تخلق نافورة حمم كبيرة حسب تعبيره، كما بإمكانها أن تنتشر إلى البلدات والمواقع المجاورة.

ويرى جوزيف ميشالسكي، مدير قسم علوم الأرض والكواكب بجامعة هونغ كونغ، أن الرماد البركاني هو العامل الأخطر. حيث أخبر شبكة سي إن إن:

” إن الرماد هو الذي سيقتلك وليس الحمم البركانية، فتدفق الرماد من بركان متفجر بإمكانه الإنتشار بمئات الكيلومترات في الساعة … كما توجد تهديدات أخرى تشمل الغازات السامة المميتة المنبعثة من ثوران البركان وتدفق الطين الناجم عن اختلاط الرماد ببخار المياه في الجو.”

كما أضاف ميشالسكي أنه في حالة اندلاع انفجار آخر، سينتشر الرماد الذي يحمل شظايا زجاجية مجهرية إلى حدود 100 كيلومتر مما سيؤدي إلى تلوث الهواء والمياه في أماكن بعيدة باعتبار أن أكثر من 25 مليون شخص يعيش على بعد 100 كيلومتر من البركان.

إيرمان باتان لم ترى زوجها المفقود، روبرتو، منذ إخلاء منزلها في تاجايتاي في 13 يناير.

وعلق ميشالسكي على الشظايا الزجاجية بكونها تشكل خطرا كبيرا على الرئتين، حيث بامكانها أن تبقى معلقة في الرئتين وتجعل الشخص مريضا.

إن ما يجعل من تال بركانا خطيرا بالنظر إلى تاريخه الطويل من الإنفجارات الصغيرة المتكررة، هو موقعه على البحيرة حيث يمكن أن يؤدي تفاعل الصهارة بالمياه إلى جعل الإنفجار البركاني أكثر شدة.

            ثوران بركان تال الفلبيني، وتهديد حياة أكثر من 25 مليون شخص‎

ستؤثر هذه الظاهرة الطبيعية بشكل كبير على الإقتصاد، كما ستشكل ضربة قوية للعديد من المزارعين والصيادين الذين يعيشون في المنطقة حيث تشكل البحيرة والأراضي المحيطة مصدر كسب عيشهم.

شهد البركان ثورانا قويا عام 1754 دام لستة أشهر، كما تسبب في مقتل 1335 شخص سنة 1911. واندلع مرة أخرى سنة 1965 وأسفر عن مقتل 190 شخص، وحدثت أربع انفجارات صغيرة بعد تلك السنوات.

كما أفاد رئيس مراقبة البراكين في المعهد الفيليبيني أن الوكالة راقبت هزات البركان في أوائل مارس 2019 لكنهم فوجئوا بسرعة ثوران البركان يوم الأحد 12 من الشهر الحالي.

المصادر: 1. هنا 2. هنا 3. هنا

ماذا سيحدث لو اختفى الأكسجين لمدة 5 ثواني؟

ماذا سيحدث لو اختفى الأكسجين لمدة 5 ثواني؟

بالطبع سيبدو لك هذا السيناريو بعيدا كل البعد عن الواقع. لكن ربما قد تسآلت بالفعل ماذا سيحدث لو اختفى الأكسجين لمدة 5 ثواني؟

حسنا، ربما تعتقد أن الأمر شبيه بحبس أنفاسك لمدة 5 ثواني، فهذه الفترة القصيرة التي ستحرم منها من الأكسجين لن تؤثر على جسمك إطلاقا، هذا صحيح! حتى أن جسمك لن يلاحظ الأمر. لكن لنأخد الموضوع من منظور مختلف، مثلا ماذا سيحدث للبيئة أو الغلاف الجوي؟ ستكون النتائج وخيمة عكس المتوقع!

1. اذا كنت تقضي بعض الوقت في الشاطئ لتستمتع فستصاب بحروق شمسية حادة. إن الأوزون عبارة عن جزيئات من الأكسجين تحجب معظم الأشعة فوق البنفسجية لحمايتنا.

2. ستظلم السماء في النهار بسبب وجود جسيمات قليلة وغياب الأكسجين في الغلاف الجوي لنثر الضوء الأزرق.

3. ستتعطل جميع محركات الاحتراق الداخلي: لن تكون النار موجودة في غياب الأوكسجين لذلك فعملية الاحتراق لن تحدث هي الأخرى. ما يعني أن كل طائرة قد قلعت ستسقط على الأرض، وستتعطل جميع السيارات والمركبات غير الكهربائية.

4. انفجار الأذن الداخلية: فقدان الأوكسجين يعني فقدان حوالي 21 في المائة من ضغط الهواء في لحظة واحدة، أي ما يعادل النقل الفوري إلى أعلى جبال الأنديز ذات ارتفاع 2000 متر تقريبا.

5. ستتحول جميع المباني المصنوعة من الخرسانة (مادة تتكون من الإسمنت، الرمل والماء) إلى تراب: يعتبر الأوكسجين (ثنائي أكسيد الكربون CO2) مكون مهم في البنايات الخرسانية، حيث يساعدها للحفاظ على صلابتها.

6. ستنفجر جميع الخلايا الحية وسط ضباب من غاز الهيدروجين. باعتبارنا أن الماء ثلث الأكسجين، يتحول الهيدروجين إلى غاز ويتمدد حجمه في غياب الأوكسجين.

7. ستتبخر جميع المحيطات على الأرض: عندما يغيب الأوكسجين في مياه المحيطات، يتحول مكوّن الهيدروجين إلى غاز حر غير مقيد، ويرتفع إلى الغلاف الجوي العلوي لكونه غاز خفيف ويتسرب ببطء في الفضاء من خلال الغلاف الجوي.

8. وأخيرا ستنهار القشرة الأرضية ولن يتبقى أي شيء بحيث سنرسل جميعا إلى سقوط حر: لأن الأكسجين يشكِّل نحو 45 في المائة من قشرة الأرض.

مصادر:

What If .1

 Slate.com .2

University of Michigan .3

نتمنى أن تقيم المقال في الأسفل إذا أعجبك! 

تسارع تمدد الكون: خطأ أينشتاين الأعظم ومعضلتنا الكبرى

تسارع تمدد الكون: خطأ أينشتاين الأعظم ومعضلتنا الكبرى

منذ ما يزيد على القرن كان أينشتاين قد وضع نموذجاً للكون في معادلاته للنسبية العامة في العام 1917م، ينص على أن الكون ساكن لا يتمدد ولا ينكمش ولا نهائي زمانياً وأن كان محدوداً مكانياً. ولكن لم يدم هذا طويلاً إذ اكتشف الفلكي الأمريكى إدوين هابل في عشرينات القرن الماضي أن المجرات تسير مبتعدة إحداها عن الآخرى بسرعة متزايدة باستمرار، وهو ما يؤكد على أن الكون ديناميكي وليس مجموعة ساكنة من النجوم كما تصور الوسط العلمي من قبل. ويُؤرخ هذا الاكتشاف كأحد أهم الاكتشافات الفلكية في التاريخ، ويلي ما قام بطرحه الفلكي البولندي كوبرنيكوس بأن الأرض تدور حول الشمس وليست مركز الكون. وفي العام  1998م اكتشف العلماء أن الكون لا يتمدد فحسب بل أنه يتسع ويتسارع بفعل قوة مجهولة تفوق قوة الجاذبية. أطلق العلماء على تلك الطاقة الغامضة “الطاقة المظلمة”.

في العام ١٩٢٩م تم اقتراح ثابت لمعدل تسارع تمدد الكون وهو ما يُعرف بثابت هابل والذى ينص على وجود علاقة تناسبية طردية بين المسافات بين المجرات وسرعة تبعادها عن بعض البعض. في عام 2001م قد استنتج فريق بحثي تابع لجامعة شيكاغو أن قيمة ثابت هابل يبلغ 72 كيلومتراً لكل ثانية لكل ميجابارسك، واعتمد في حساباته على نوع من النجوم المتغيرة تعرف بالنجوم القيفاوية وهي نجوم تتمدد وتنكمش خلال فترة زمنية قصيرة ويتم حساب بعد لنجم قيفاوي بقياس معدل التغير في لمعانه.

في العام 2009م تم إطلاق القمر الصناعي بلانك التابع للوكالة الأوروبية لأبحاث الفضاء، والذي ركز في رصده على إشعاع الخلفية الكونية الميكروي لتفسير ما بعد الانفجار العظيم وعمر الكون، بالإضافة إلى وضع ما يعرف النموذج القياسي لعلم الكونيات والذي يشير إلى أن كوننا بدأ في التوسع بسرعة، ومن ثم تباطأ بسبب قوى جاذبية ما يعرف بالمادة المظلمة، قبل أن يتسارع أخيراً مرة أخرى بفعل الطاقة المظلمة. ومنه استنتج أن سرعة التمدد هي 67.4 كيلومتراً لكل ثانية لكل ميجابارسك.

ولكن في شهر أبريل لهذا العام خلصت دراسة تابعة لمرصد هابل التابع لوكالة ناسا 74 كيلومتراً لكل ثانية لكل ميجابارسك اعتماداً على دراسة 70 نجم من نوع النجوم القيفاوية إلى أن كوننا يتمدد بمعدل أسرع بنسبة 9% من نتائج النموذج القياسي لعلم الكونيات. وفي دراسة نشرت مؤخراً لمجلة “أستروفيزيكال جورنال” لفريق بحثي بجامعة شيكاغو اعتماداً على رصد نجوم تعرف بالعمالقة الحمراء في مجرتنا كالشمس، فإن قيمة ثابت هابل قدرت ب 70 كيلومترا في الثانية لكل ميغابارسك.

وفي تخمين مقترح من قبل عالم الفيزياء النظرية ماسيمو سيردونيو بجامعة بادوا الإيطالية أن سر تضارب تلك القياسات يرجع إلى  تغير كمية وكثافة المادة المظلمة ما يؤدي إلى تغير في تسارع تمدد الكون مع الزمن والتي مع الأسف الشديد ما زال الوسط العلمي عاجز عن تفسير ماهيتها وعن رصدها.

 

المصادر

مواضيع ذات صلة: بيانات هابل الجديدة وثابت جديد لمعدل توسع الكون اللانهائي

جوجل تعلن تحقيقها التفوق الكمي !

أخيرًا، جوجل تعلن تحقيقها التفوق الكمي !

التفوق الكمي نقطة فاصلة في تاريخ التكنولوجيا، جوجل تعلن تحقيقها التفوق الكمي ، فمرحبًا بك في عالم الكم

صرحت شركة Google أن فريق من علمائها بقيادة «جون مارتينيز-John Martinis» عالم الفيزياء التجريبية في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا وجوجل في ماونتن فيو قاموا ببناء جهاز كمبيوتر وصل إلى «التفوق الكمومي-quantum supremacy» وأجرى عملية حسابية قد تستغرق أسرع أجهزة الكمبيوتر العملاقة في العالم 10000 عام في 200 ثانية فقط! 

ناسا وتسرب الخبر

تم نشر نتائج اختبارات Google  التي أجريت باستخدام شريحة كمومية تم تطويرها داخل الشركة، يوم الأربعاء  23 أكتوبر في مجلة «Nature» العلمية.

جاء ذلك بعد تسرب مبكر من الورقة البحثية قبل خمسة أسابيع في سبتمبر من قبل الفاينانشيال تايمز ومصادر أخرى أخذته من موقع ناسا الذي يتعاون مع جوجل في مجال الحوسبة الكمومية، لكن تم مسح الورقة المنشورة سريعًآ في ذلك الوقت ولم تؤكد الشركة أنها كتبت الورقة ولم تعلق على القصة وقتها.

التصريح الرسمي

قال «هارتموت نيفين-Hartmut Neven» المدير الهندسي في جوجل عبر مدونته الرسمية:

هذا الإنجاز هو نتيجة سنوات من البحث والتفاني من العديدين، إنها أيضًا بداية رحلة جديدة لمعرفة كيفية تطبيق هذه التكنولوجيا ونحن نعمل مع مجتمع البحث ونترك أدواتنا مفتوحة المصادر لتمكين الآخرين من العمل إلى جانبنا لتحديد التطبيقات الجديدة لتلك التقنية.

الفكرة الرئيسية للحوسبة الكمومية

تتمثل الفكرة وراء الحوسبة الكمومية في تحسين سرعة المعالجة وقوة أجهزة الكمبيوتر لتكون قادرة على محاكاة النظم البيولوجية الكبرى ودفع التقدم في الفيزياء والكيمياء وغيرها من المجالات.

عن طريق محاكاة التفاعلات والحسابات اللازمة للحصول على النتائج في الأبحاث العلمية وتسريعها درجات غير مسبوقة للحصول على نتائج قد تستغرق أعوام في أيام قليلة.

فبدلاً من تخزين وترميز المعلومات بشفرة «ثنائية-binary» مكونة من  0 أو 1 مثل أجهزة الكمبيوتر التقليدية ، تعتمد أجهزة الكمبيوتر الكمومية على «مكدسات- qubits» والتي يمكن أن تكون 0 و 1 في وقت واحد؛ مما يزيد بشكل كبير من كمية المعلومات التي يمكن ترميزها.

شك في النتائج المعلنة

لكن مثل الكثير من التطورات في الذكاء الاصطناعي هناك الكثير من النقاش حول ما يشكل طفرة حقيقية، فيقول الباحثون في «International Business Machines Corp-IBM» -وهي المنافس التقليدي لجوجل في هذا المجال- في مدونة هذا الأسبوع إن محاكاة نفس المهمة التي استخدمتها Google يمكن إجراؤها في غضون يومين ونصف فقط على جهاز كمبيوتر كلاسيكي مزود بسعة تخزين كافية على القرص الصلب وليس 10 آلاف عام!.

فإذا كان التفوق الكمومي يعني القيام بشيء لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر التقليدية  القيام به فهذا ليس الأنجاز الذي تدعيه جوجل.

إنجازات سابقة على جوجل

في الوقت الذي تتسابق فيه أكبر شركات التكنولوجيا في العالم على تطوير جهاز كمبيوتر كمّي يتفوق على الأكاديميين، إلا أن بعض المنتجات متاحة تجاريًا بالفعل. 

عام 2011 أصبحت شركة «D-Wave Systems Inc» في كندا أول شركة تبيع مثل هذا المنتج للشركات والمختبرات الحكومية على الرغم من أن تلك الآلات محدودة ولا يمكنها حل أي مسائل رياضية.

كما أن هناك عدد من الشركات الأخرى بما في ذلك IBM و Microsoft Corp و Rigetti Computing التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها – تسعى لصنع أجهزة أكثر قوة يمكن للشركات استخدامها، وأتاح بعضهم أيضًا تقنياتهم بشكل مفتوح ​​للباحثين للتجربة عبر الإنترنت.

آراء العلماء

يقول مارتينيز إن:

التفوق الكمي يُعتبر علامة فارقة لأنه يثبت أن أجهزة الكمبيوتر الكمومية يمكن أن تتفوق على أجهزة الكمبيوتر التقليدية على الرغم من أن ذلك لم يتم إثباته إلى الآن إلا في حالات محدودة للغاية، إلا أن تلك الحالات تثبت لعلماء الفيزياء أن ميكانيكا الكم تعمل كما هو متوقع عند تسخيرها في مشكلة معقدة.

وتقول «ميشيل سيمونز- Michelle Simmons» عالمة فيزياء الكم في جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني بأستراليا:

يبدو أن جوجل قد أعطتنا أول دليل تجريبي أن التسارع الكمي يمكن تحقيقه في الواقع.

تطبيقات محدودة للتفوق الكمي

يقول «كريستوفر مونرو- Christopher Monroe» الفيزيائي بجامعة ماريلاند في كوليج بارك

إن إنجاز جوجل قد يفيد الحوسبة الكمومية من خلال جذب المزيد من علماء الكمبيوتر والمهندسين إلى هذا المجال، لكنه يحذر أيضًا من أن الأخبار قد تخلق انطباعًا بأن أجهزة الكمبيوتر الكمومية أقرب إلى التطبيقات العملية السائدة مما هي عليه بالفعل. 

في الواقع يضيف مونرو أن العلماء لم يثبتوا بعد أن الكمبيوتر الكمومي القابل للبرمجة يمكنه حل مهام مفيدة لا يمكن القيام بها بأي طريقة أخرى، مثل حساب الهيكل الإلكتروني لجزيء معين وهي مشكلة صعبة تتطلب خلق نماذج للتفاعلات الكمية.

ويقول «سكوت آرونسون-Scott Aaronson» عالم الحوسبة النظرية في جامعة تكساس

 إن هناك خطوة مهمة أخرى تتمثل في إظهار التفوق الكمي في خوارزمية تستخدم عملية تعرف باسم تصحيح الأخطاء، طريقة لتصحيح الأخطاء الناتجة عن الضوضاء والتي من شأنها أن تدمر أي عملية حسابية، يعتقد الفيزيائيون أن هذا سيكون ضروريًا لتشغيل أجهزة الكمبيوتر الكمومية على نطاق واسع.

وإن التجربة التي ابتكرتها Google لإظهار التفوق الكمومي قد يكون لها تطبيقات عملية: مثل أنشأ بروتوكولًا لاستخدام الحسابات الناتجة عن مولد الأرقام العشوائية الكمومية، فقد قد يكون ذلك مفيدًا في التشفير وخلق العملات المشفرة التي يعتمد أمانها على مفاتيح عشوائية على سبيل المثال.

يعمل مارتينيز على تحقيق هذين الهدفين ويقول أنه سوف يكشف عن نتائج تجاربه في الأشهر المقبلة ويضيف أن هذه التجربة تشبه برنامج اختباري  ليس مفيدًا بحد ذاته لكنه يخبر Google أن الأجهزة والبرامج الكمية تعمل بشكل صحيح.

مصادر:

نيويورك تايمز

مجلة Nature

اقرأ أيضًا، إجراء أول نقل عن بعد كمومي لمعلومات كمية

بطانات الضوء قد تعطينا حواسيب كمومية أفضل

بطانات الضوء قد تعطينا حواسيب كمومية أفضل

تعد ميكانيكا الكم واحدة من أنجح نظريات العلوم الطبيعية، فعلى الرغم من أن تنبؤاتها غالبًا ما تكون غير بديهية، إلا أنه لم يتم إجراء تجربة واحدة حتى الآن لم تتمكن النظرية من تقديم وصف مناسب لها.

إلى جانب الزملاء في bigQ (المركز القومي للأبحاث الوطنية الدنماركية)، يعمل قائد المركز البروفيسور أولريك لوند أندرسن على فهم واستخدام الآثار الكمومية العيانية.

يقول أولريك: “إن الرأي السائد بين الباحثين هو أن ميكانيكا الكم هي نظرية صالحة عالميا، وبالتالي تنطبق أيضا على العالم اليومي المرئي الذي نعيش فيه عادة. وهذا يعني أيضًا أنه من الممكن مراقبة الظواهر الكمومية على نطاق واسع، وهذا هو بالضبط ما نسعى جاهدين للقيام به في bigQ”.

في مقال جديد في دورية Science، يصف الباحثون كيف نجحوا في خلق ضوء متشابك ومضغوط في درجة حرارة الغرفة. هذا الاكتشاف يمكن أن يمهد الطريق لحواسيب كمومية أقل تكلفة وأكثر قوة.

يهتم عملهم بأحد أكثر الظواهر الكمومية صعوبةً في فهمها: التشابك entanglement. هذه الظاهرة تصف كيف يمكن جلب الأشياء المادية إلى حالة تكون مرتبطة فيها بشكل معقد بحيث لا يمكن وصفها بشكل فردي.

إذا كان هناك تشابك بين جسمين، فيجب اعتبارهما كيان واحد بغض النظر عن مدى بعدهما عن بعض، سيظلان يتصرفان كوحدة واحدة. وإذا تم قياس الأجسام بشكل فردي، فستكون النتائج مرتبطة بدرجة لا يمكن وصفها استنادًا إلى قوانين الطبيعة الكلاسيكية. هذا ممكن فقط باستخدام ميكانيكا الكم.

التشابك لا يقتصر على الأجسام المادية فقط. في جهودهم لرصد الظواهر الكمومية على نطاق ماكروسكوبي، تمكن الباحثون في bigQ من إنشاء شبكة من 30000 نبضة متشابكة من الضوء مرتبة في شبكة ثنائية الأبعاد موزعة في المكان والزمان. هذا تقريبا يحدث عن حياكة عدد لا يحصى من الخيوط الملونة معًا في بطانية منقوشة.

أنتج الباحثون أشعة ضوئية ذات خواص ميكانيكية خاصة، ونسجوها معًا باستخدام مكونات الألياف الضوئية لتشكيل حالة كم متشابكة للغاية مع بنية شبكية ثنائية الأبعاد، تسمى أيضًا حالة الكتلة.

يقول ميكيل فيلسبل لارسن، المؤلف الرئيسي للبحث: “على عكس حالات الكتلة التقليدية، فإننا نستفيد من درجة الحرية المؤقتة  للحصول على شبكة ثنائية الأبعاد مكونة من 30000 نبضة ضوئية. الإعداد التجريبي بسيط للغاية بشكل مدهش. معظم الجهد المبذول كان في تطوير فكرة إنتاج حالة الكتلة cluster state”.

إنشاء مثل هذه الدرجة الواسعة من التشابك الفيزيائي الكمومي -في حد ذاته- هو بحث أساسي مثير للاهتمام. حالة الكتلة هي أيضًا مورد محتمل لإنشاء جهاز كمبيوتر كمي بصري. يعد هذا النهج بديلاً مثيراً للاهتمام للتقنيات فائقة التوصيل الأكثر انتشارًا، حيث يحدث كل شيء في درجة حرارة الغرفة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام وقت التماسك الطويل لضوء الليزر، مما يعني أنه يمكن الحفاظ عليه كموجة ضوئية محددة بدقة لمسافات طويلة جدًا.

وبالتالي لن يحتاج كمبيوتر الكم البصري إلى تقنية تبريد مكلفة ومتقدمة. في الوقت نفسه، ستكون وحدات الكيوبت الموجودة في ضوء الليزر أكثر تحملًا من أقاربه الإلكترونية شديدة البرودة المستخدمة في الموصلات الفائقة.

يضيف أولريك: “من خلال توزيع حالة الكتلة التي تم إنشاؤها في المكان والزمان، يمكن أيضًا بسهولة توسيع نطاق جهاز كمبيوتر الكم البصري بحيث يحتوي على مئات من وحدات الكيوبت. وهذا يجعله مرشحًا محتملاً للجيل القادم من أجهزة الكمبيوتر الكمومية الأكبر والأكثر قوة”.

المصدر: Phys.org

كيف غير جايمس بيبلز الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رؤيتنا للكون ؟

كيف غير جايمس بيبلز الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رؤيتنا للكون ؟

تكافئ جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2019 المفاهيم الجديدة لبنية الكون وتاريخه. إذ ساهم الفائزون هذا العام في الإجابة على أسئلة جوهرية حول وجودنا. تعالوا معنا في هذا المقال لنعرف كيف غير جايمس بيبلز الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رؤيتنا للكون ؟ وماذا حدث في مرحلة طفولة الكون المبكرة؟

فوز العالم جيمس بيبلز بجائزة نوبل في الفيزياء 2019

جايمس بيبلز

تحدى جايمس بيبلز-James Peebles الكون ببلايين مجراته و عناقيده. حيث طور إطار نظري منذ منتصف الستينات ليصبح حجر الأساس لأفكارنا المعاصرة حول تاريخ الكون، أي منذ الإنفجار العظيم حتى يومنا هذا. وقد أدت اكتشافات بيبلز إلى تغيير رؤيتنا لمحيطنا الكوني والذي تُمثل فيه المادة المعروفة خمسة في المائة فقط من كل المادة والطاقة الموجودة في الكون! أما الـ95 في المائة المتبقية فهي مخفية عنا. وتعتبر لغزا وتحديا حقيقيا للفيزياء الحديثة!

الانفجار الكبير وبداية الكون

كانت العقود الخمسة الماضية عصراً ذهبياً لعلم الكونيات ودراسة أصل الكون وتطوره. في ستينيات القرن العشرين، أقر تحويل علم الكونيات من مجرد تخمينات إلى العلم. وكان الشخص الرئيسي في هذا التحول هو جيمس بيبلز الذي ساعدت اكتشافاته الحاسمة في وضع علم الكونيات على الخريطة العلمية بشكل ثابت، وهو الأمر الذي أدى إلى إثراء ميدان البحوث العلمية في هذا المجال. لقد ألهم كتابه الأول، علم الكونيات الفيزيائي (1971)، جيلًا جديدًا من علماء الفيزياء للمساهمة في تطور الموضوع، ليس فقط من خلال الاعتبارات النظرية بل أيضا من خلال الملاحظات والقياسات.

إنه العلم وحده القادر على الإجابة عن الأسئلة الأبدية حول المكان الذي أتينا منه و إلى أين نحن ذاهبون. وبهذا تحرر علم الكونيات من مفاهيم بشرية مثل الإيمان والمعنى. وقد نتذكر في هذا السياق كلمات ألبرت أينشتاين التي تقول أن سر العالم هو إمكانية فهمه. إن قصة الكون، أي الرواية العلمية لتطور الكون، لم تكن معروفة إلا في المائة عام الماضية فقط. قبل ذلك، اعتُبر الكون ثابتاً وأبدياً، ولكن في عشرينات القرن الماضي اكتشف علماء الفلك أن كل المجرات تبتعد عن بعضها البعض وتبتعد عنا أيضا. فالكون ينمو، ونعلم الآن أن كون اليوم يختلف عن كون الأمس وكون الغد سيكون مختلفا بدوره.

الثابت الكوني بين جيمس بيبلز وأينشتاين!

إن ما رصده الفلكيون في السماوات سبق أن تنبأت به نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين منذ سنة 1916، النظرية التي تعتبر اليوم أساس كل الحسابات للكون. وعندما اكتشف آينشتاين أن النظرية تؤدي الى إستنتاج مفاده أن الكون يتمدد، أضاف ثابتة إلى معادلاته (الثابتة الكونية) ليوازن تأثيرات الجاذبية ويجعل الكون ثابتا بالرغم من ذلك. وبعد أكثر من عقد، أصبحت الثابتة غير ضرورية بعد ملاحظة تمدد الكون. اعتبر أينشتاين هذا أكبر خطأ في حياته ولم يكن يعلم أن الثابتة الكونية ستشكل عودة رائعة إلى علم الكونيات في الثمانينات، على الأقل من خلال مساهمات جيمس بيبلز.

الإنفجار الكبير وتمدد الكون اللانهائي

الأشعة الأولية للكون تكشف عن كل شيء

إن توسع الكون يعني أنه كان يوماً ما أكثر كثافة و سخونة. في أواسط القرن العشرين، سُميت ولادة الكون بالإنفجار العظيم. لا أحد يعرف حقيقة ما حدث في البداية، لكن الكون الباكر كان مليئاً بحساء من جسيمات مضغوطة وحارة ومبهمة. ارتدت في ذلك الحساء الجزيئات الضوئية والفتونات.

استغرق التمدد ما يقارب 400 ألف سنة لتبريد هذا الحساء البدائي ببضعة آلاف من درجات الحرارة. وكانت الجسيمات الأصلية قادرة على الاندماج، مكونة غازاً شفافاً يتألف في الأساس من ذرات الهيدروجين والهليوم. وبدأت الفوتونات تتحرك بحرية وأصبح الضوء قادرا على الإنتقال عبر الفضاء. وهذه الأشعة الأولية ما زالت تملأ الكون. أما تمدّد الكون، فقد أدى إلى إمتداد الموجات الضوئيّة المرئيّة. لذا انتهى بها المطاف في نطاق الموجات الصغيرة غير المرئيّة بطول موجيّ يبلغ بضعة مليمترات.

توهج ميلاد الكون

في عام 1964، التقط اثنان من علماء الفلك الراديوي الفائزين بجائزة نوبل في عام 1978-أرنو بنزياس وروبرت ويلسون- التوهج الناجم عن ميلاد الكون. لم يتمكنا من التخلص من الضجيج المستمر الذي يلتقطه جهاز الاستشعار من كل مكان في الفضاء. لذا بحثا عن تفسير في عمل باحثين آخرين بما في ذلك جيمس بيبلز، الذي أجرى حسابات نظرية لهذا الإشعاع الأساسي السائد في كل مكان. وبعد ما يقرب من 14 مليار عام، انخفضت درجة حرارته إلى ما يقارب الصفر المطلق (273- درجة مئوية). وحدث تقدم مفاجئ كبير عندما أدرك بيبلز أنه بإمكان درجة حرارة الإشعاع توفير معلومات عن كمية المادة التي تكونت في الإنفجار العظيم. وأدرك بيبلز أن إطلاق هذا الضوء قد لعب دورًا حاسمًا في كيفية تكتل المادة لاحقًا لتشكل المجرات والعناقيد مجرية التي نراها الآن في الفضاء.

عصر جديد من الفيزياء الكونية

كان اكتشاف إشعاعات الموجات الدقيقة بشرى لقدوم عصر جديد من علم الكونيات الحديث. فالإشعاع القديم من المرحلة المبكرة للكون أصبح منجم ذهب لعلماء الكون، حيث يحتوي على إجابات لكل شيء يرغبون بمعرفته. إذ أمكنهم طرح أسئلة ما كان لهم القدرة على طرحها مسبقًا مثل: كم عمر الكون؟ ما هو مصيره؟ كم من المادة و الطاقة موجودة؟

أصبح بإمكان العلماء العثور على آثار اللحظات الأولى للكون في هذا التوهج حيث تنتشر أشكال صغيرة مثل الموجات الصوتية من خلال هذا الحساء البدائي المبكر Early Primordial Soup. بدون هذه الاختلافات الصغيرة لكان الكون قد برد من كرة نار ساخنة إلى فراغ بارد وموحد. نحن نعرف أن هذا لم يحدث، لأن الفضاء مليئ بالمجرات التي تتجمع غالبا وتشكل عناقيد مجرية. أما الإشعاع الخلفي فهو سلس كسطح المحيط الناعم والأمواج مرئية عن قرب، كما أن التموجات تكشف الاختلافات في الكون المبكر.

قيادة جيمس بيبلز للعصر الجديد

قاد جيمس بيبلز تفسير هذه الآثار الأحفورية من عصور الكون المبكرة. فاستطاع علماء الكونيات أن يتنبأوا بالاختلافات في الإشعاعات الخلفية بدقة مذهلة. كما عرفوا كيفية تأثيرها في المادة والطاقة في الكون.

حدث أول تقدم رئيسي في مجال الرصد في أبريل من سنة 1992، عندما عرض المحققون الرئيسيون في مشروع الأقمار الصناعية الأمريكي COBE صورة لأول أشعة ضوئية في الكون. حازت أعمالهم على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2006 لجون ماثر وجورج سموت.

المادة المظلمة والطاقة المظلمة: أعظم أسرار علم الكونيات

منذ ثلاثينيات القرن العشرين، كنا ندرك أن كل ما نستطيع أن نراه ليس هو ذاته كل شيء في الكون. تشير قياسات سرعة دوران المجرات إلى أنها يجب أن تبقى متماسكة بواسطة الجاذبية من المادة الخفية، وإلا ستتمزق. كما أعتُقد أيضا أن هذه المادة المظلمة قد لعبت دورًا مهما في أصل المجرات قبل أن يخفف الحساء البدائي-Primordial Soup قبضته على الفوتونات بزمن طويل.

يبقى تركيب المادة المظلمة هو أحد أعظم الألغاز في علم الكونيات، ولطالما اعتقد العلماء أن النيوترينات المعروفة مسبقًا يمكن أن تُشكل هذه المادة المظلمة، ولكن العدد الهائل من النيوترينات ذات الكتل المنخفضة التي تمر عبر الفضاء بسرعة الضوء تقريبا هي سريعة جدًا لتساعد على مسك المادة معا. وبدلاً من ذلك، في عام 1982، اقترح بيبلز أن الجزيئات الثقيلة والبطيئة من المادة المظلمة الباردة قادرة على القيام بهذه المهمة. وما زلنا نبحث عن هذه الجسيمات المجهولة من المادة المظلمة الباردة، التي تتجنب التفاعل مع مادة معروفة بالفعل وتشكل 26 في المائة من الكون.

الطاقة المظلمة بين جيمس بيبلز وأينشتاين في جائزة نوبل 2019

وفقًا لأينشتاين

وفقاً لنظرية النسبية العامة لآينشتاين، فهندسة الفضاء ترتبط بالجاذبية. فكلما زادت الكتلة والطاقة التي يحتوي عليها الكون، كلما أصبح الفضاء أكثر انحناءً. عند القيمة الحاسمة للكتلة والطاقة فالكون لا ينحني. وهذا النوع الذي لا يمكن أبدا لخطين متوازيين أن يتقاطعا فيه ويدعى عادة مسطحًا. وهناك خياران آخران يتمثلان في كون ذي مادة ضئيلة للغاية. وهو ما يؤدي إلى كون مفتوح تتباعد فيه الخطوط المتوازية في نهاية المطاف. أو كون مغلق بمادة أكثر مما ينبغي أن تتقاطع فيه الخطوط المتوازية في نهاية المطاف.

إن المادة المظلمة والطاقة المظلمة هما الآن من أعظم الألغاز في علم الكونيات، فهي لا تكشف عن نفسها إلا من خلال التأثير الذي تحدثه على محيطها. تسحب إحداهما وتدفع الأخرى. وإلا فلا يُعرف عنهما الكثير. ما هي الأسرار المخفية في هذا الجانب المظلم من الكون؟ ما هي الفيزياء الجديدة المخفية خلف المجهول؟ ماذا سنكتشف أيضاً في محاولاتنا لحل ألغاز الفضاء؟ دعونا لا نستبق الأحداث، فالباحثون أمثال بيبلز وأينشتاين قد يغيروا من مفاهيمنا، بشرط أن نبقى على استعداد دائمًا لقلب تلك المفاهيم رأسًا على عقب. كل ما ننتظره هو الأدلة والتفسيرات المدعومة علميًا. أليس كذلك؟

شاهد أيضًا، كيف تم كشف فراغ ضخم داخل الهرم الأكبر باستخدام الآشعة الكونية!

المصدر
Noble Prize Website

Exit mobile version