الرفاهية الرقمية في عالم مدفوع بالتكنولوجيا

نجحت التكنولوجيا والخبرات التي أتاحتها في تشكيل مجتمعنا بطرق متعددة. ويمكن أن يُنظر لهذه القدرة على التشكيل بالإيجاب أو بالسلب في نظر المستخدمين وبيئتهم. فمؤخرا؛ وُجِهت العديد من الانتقادات لصناعة التكنولوجيا نظرا للنتائج السلبية التي يمكن أن انعكست على البعض.

في وسائل الإعلام؛ أبرزت العناوين بعض التأثيرات الضارة للتكنولوجيا على عافيتنا وعلاقاتنا والديموقراطية والخصوصية. وهناك العديد من المخاوف التي تتسلل إلى تفكير المستهلك تجاه التكنولوجيا. [4]

وإيمانًا منا بقوة التكنولوجيا؛ نرى أننا يجب علينا مناقشة ما يجب فعله حينما تدور حياتنا حول الأجهزة الذكية حتى أصبحت تشكل تهديدا، وهو ما سنناقشه في تلك المقالة. إذ تنحصر إجابتنا في مصطلح الرفاهية الرقمية، فما هي؟

"من الواضح أنه يمكن للتكنولوجيا أن تكون قوة إيجابية، ولكن من الواضح أيضا أننا لا يمكننا الوقوف منبهرين فقط أمام الابتكارات التي تنتجها التكنولوجيا. فهناك أسئلة حقيقية وهامة عن أثر هذا التقدم والدور الذي سيلعبه في حياتنا. لذلك نعلم أن الطريق للأمام يجب أن يُوَجَه بحرص وتأنّ. ونشعر بإحساس عميق بالمسؤولية للقيام بهذا بصورة صحيحة.”

«سوندار بيتشاي-Sundar Pichai» المدير التنفيذي لشركة جوجل. [2]

ما هي الرفاهية الرقمية؟

يعود مصطلح “الرفاهية الرقمية” إلى تأثير التقنيات الرقمية على ما يعنيه أن نعيش حياة جيدة للبشر في مجتمع المعلومات. [1] وتهدف الرفاهية الرقمية إلى حياة صحية منظمة تتفادى السلوكيات غير العقلانية، كما تهدف إلى زيادة الإنتاجية والكفاءة. تُقدَم الرفاهية الرقمية كوسيلة لإعطاء المستخدمين الأدوات اللازمة لاستعادة التحرر من التكنولوجيا والعيش بحرية وأمان في العالم الرقمي. [2]

إن الانتشار السريع للتقنيات الرقمية واستهلاك المجتمع لها قد غيَّر علاقاتنا بأنفسنا وبعضنا البعض وبيئتنا. لذلك؛ أصبحت الرفاهية الفردية والمجتمعية مرتبطة بحالة بيئتنا المعلوماتية والتقنيات الرقمية وتفاعلاتنا معها. مما يَطرح أسئلة أخلاقية مُلحَّة حول تأثير التقنيات الرقمية على رفاهيتنا، والتي وردت في تقرير للأكاديمية البريطانية «British Academy» والجمعية الملكية «Royal Society»، حيث جعل تعزيز ازدهار الإنسان هو المبدأ الرئيسي لتطوير أنظمة التحكم في المعلومات. [1]

هناك أيضا العديد من التقارير التي ذكرت أن التقنيات الرقمية ستبشر بعصر جديد من الإنتاجية المتزايدة. وستساعد في تقليل التفاوت الاجتماعي عن طريق إتاحة الوصول إلى خدمات تُعد مكلفة في الوقت الحالي مثل خدمات الرعاية الصحية. كما ركزت بعض التقارير الأخرى على كيفية استخدام التقنيات الرقمية في تعزيز الرفاهية ودعم القوى البشرية عن طريق رفع القدرات العقلية بالعلوم المعرفية والسلوكية الخاصة بتحفيز الإنسان. [1]

وعلى صعيد آخر؛ فهناك أضرار تحدث عندما يفقد الناس السيطرة على استخدامهم للأجهزة الرقمية لتصبح جزء طبيعي من حياتهم اليومية. فالطريقة التي نستخدم بها الأجهزة الرقمية يمكن أن تشكل تهديدا على وجودنا. على سبيل المثال؛ تستحوذ الهواتف الذكية على أيدينا وعيوننا، فالنظر إلى الشاشات يجعل من الصعب التركيز مع ما يحيط بنا. [2] وهنا يأتي دور الرفاهية الرقمية إذ تساعد الأفراد في إيجاد التوازن، ورفع الوعي تجاه السلوكيات الناتجة عن استخدام التكنولوجيا.

المجالات الاجتماعية للرفاهية الرقمية

هناك العديد من المجالات التي تستخدم فيها التكنولوجيا بصورة كبيرة، لذلك أصبح من المهم تطبيق الرفاهية الرقمية في تلك المجالات. مثل: الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف والحوكمة والتنمية الاجتماعية والإعلام والترفيه. [1]

الرفاهية الرقمية والرعاية الصحية

تعد كل من الصحة الجسدية والصحة النفسية محاور أساسية لرفاهية الأفراد،كما أن توفيرها هام لتحقيق الرفاهية الاجتماعية. تركّز الأبحاث التي تتطرق إلى تأثير ودور التقنيات الرقمية في مجال الصحة والرعاية الصحية على عدة أفكار رئيسية مثل: تأثير التكنولوجيا على مفهومنا عن الصحة والرعاية الصحية. كما تهتم بالتحديات الأخلاقية مثل خصوصية المعلومات واستقلالية المريض. ذلك بالإضافة إلى بعض المخاوف الخاصة بالتقنيات الحديثة مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي التي تتضمن بعض الأسئلة مثل من المسؤول عن الرعاية الصحية؟ وكيف نضمن معقولية القرارات الآلية؟ وكيف نضمن فرص متساوية للحصول على خدمات الرعاية الصحية الرقمية؟

تُعرَّف الرفاهية في مجال الرعاية الصحية بأنها جودة حياة الفرد، وكيف يمكن أن تؤثر عليها التكنولوجيا. ويتسع المصطلح أحيانا ليشمل ما هو أكثر من الصحة الجسدية والنفسية للفرد مثل زيادة أمان البيئة المنزلية، وجودة الأوضاع الصحية، والتلاحم الاجتماعي للأفراد. [1]

ستستمر التقنيات الرقمية في تشكيل التطور في الأبحاث والممارسة الطبية في المستقبل القريب. على سبيل المثال؛ تتيح الابتكارات في التكنولوجيا الصحية تدفقات جديدة من المعلومات التي تستطيع أن تحسن من قدرات المريض وتخفف من المشاكل مثل عدم الالتزام بالدواء. بالإضافة إلى تقنيات التعلم الآلي التي تقدم طرق موثوقة وفعالة في تشخيص الأمراض مثل ألزهايمر. كما توفر التطورات في تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز و أجهزة الربط بين الدماغ والكمبيوتر طرق بحث جديدة في مجال إعادة التأهيل البدني، كما توفر طرق علاج جديدة للعلاج السلوكي المعرفي. [1]

مجال التعليم والتوظيف

بينما يمكن الفصل بين القضايا الأخلاقية المتعلقة باستخدام التقنيات الرقمية في مجال التعليم ومجال التوظيف. إذ يطرح استخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس في مراقبة وتشكيل سلوك الأطفال مخاوف أخلاقية مختلفة عن المخاوف الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة وتشكيل سلوك الموظفين البالغين. [1]

لكن هناك بعض الأسباب التي تجعل من الأفضل التعامل مع مجالي التعليم والتوظيف كأجزاء موحدة لمجال واحد. أولاً؛إن استخدام أجهزة المراقبة والإشراف الإلكترونية بهدف الإنتاجية والرفاهية يُطبق في الفصول الدراسية وأماكن العمل مما قد ينتج عنه مخاوف بخصوص الصحة النفسية مثل خطر زيادة التوتر والقلق. ثانيا؛ تغير التطورات التكنولوجية من طبيعة العمل مما يتطلب تغييرا في المناهج التعليمية لتركز أكثر على الثقافة الرقمية وكذلك يتطلب من الموظفين التأقلم المستمر مع التغير التقني بتعلم مهارات جديدة أو تحسين المهارات التي لديهم. [1]

ورد في تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي عن مستقبل الوظائف كيف أن برامج التشغيل التكنولوجية مثل الإنترنت عالي السرعة والذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات والحوسبة السحابية «تأجير وحدات تخزين بيانات عبر الإنترنت» ستغير أسواق العمل العالمية. تعتمد فرص الازدهار الاقتصادي والتطور المجتمعي والتقدم الفردي على قدرة أصحاب المصالح على القيام بإصلاحات في أنظمة التعليم والتدريب وسياسات سوق العمل وطرق تنمية المهارات وترتيبات العمل والعقود الاجتماعية. [1]

كما توضح العديد من التقارير مدى تأثير تنوع التقنيات الرقمية مثل تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز. ويمكن لتلك التقنيات أن تحسن التعلم الدائم وتحقيق الذات والانفتاح على الفرص الجديدة. وهناك بعض الدراسات التي وضحت كيف تلاحظ الهواتف الذكية الحالة المزاجية للطلاب، وكيف تساعد في تقليل عبء العمل عن طريق رفع الوعي بالإجهاد والاضطراب العاطفي الناتج عن العمل. [1]

مجال الحوكمة والتنمية الاجتماعية

أصبحت العديد من الحكومات تهتم بعلوم الرفاهية وتأثيرها على السياسة. لذلك ازداد الاهتمام باستخدام التقنيات الرقمية مثل البيانات الضخمة والتعلم الآلي للمساعدة في مراقبة المؤشرات الوطنية للرفاهية وتطوير مدن ذكية تساعد في تنمية الرفاهية الاجتماعية.

إن تطوير مدن ذكية يعد عامل هام في تحسين الأوضاع غير البيولوجية والبيئية والاجتماعية التي تشكل رفاهية المواطن. ويمكن أن يمتد إلى الرعاية الصحية عن طريق إيجاد تيارات بيانات إضافية تنعكس بصورة أكثر دقة على الطبيعة متعددة الأبعاد للصحة والرفاهية. [1]

دور الرفاهية الرقمية في الإعلام والترفيه 

إن التقنيات الرقمية المرتبطة بوسائل الإعلام والترفيه تقدم فرص جديدة لتحسين الرفاهية. فتكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز قد تساعد في زيادة الوصول للموارد العامة مثل المعارض الفنية والمتاحف. إضافة لذلك الألعاب عبر الإنترنت التي تساعد في فهم الذات والرفاهية النفسية عن طريق توفير فرص للاعبين للمشاركة في نماذج قصصية مختلفة للتعبير عن الذات عن طريق صورهم في الألعاب. [1]

كما تعد وسائل التواصل الاجتماعي من أهم المؤثرات على الرفاهية الفردية والاجتماعية. إذ تساعد الأفراد في فهم أفضل لحدود رفاهيتهم النفسية وتنمية مهارات تقرير مصيرهم من خلال إعدادات الإنترنت بطريقة تشبه ما يحدث في الألعاب عبر الإنترنت.

كما تساعد وسائل التواصل الاجتماعي مقدمي الرعاية غير الرسميين مثل آباء الأطفال المصابين بالتوحد، على تحسين شعورهم بالانتماء الاجتماعي. كما تمدهم بمعلومات متعلقة بظروفهم. ويمكن أيضا أن تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بهدف توكيد الذات عن طريق الآراء الاجتماعية الداعمة لهم خاصة عند التعرض لمواقف سلبية. [1]

وفي الختام إذا كانت بعض أوجه التكنولوجيا تشكل تهديدا على رفاهيتنا واستقلاليتنا، فهناك أوجه أخرى تستطيع أن تحسن منهما أيضا. فلا نعني بالرفاهية الرقمية الانفصال عن التكنولوجيا ولكن نعني ضبطها وتنظيمها بما يتناسب مع حاجات البشر. [2]

المصادر

The Ethics of Digital Well-Being: A Thematic Review

2- Digital wellbeing, according to Google

3- Time spent on digital devices and sadness: The mediating outcome of boredom

4- When the Good Turns Ugly: Speculating Next Steps for Digital Wellbeing Tools

استكشاف أسرار مملكة الرُها القديمة

في أعماق أروقة التاريخ وعلى أرض الشرق الأوسط، تتجسد مملكة الرُها القديمة كرمز للثراء الثقافي والتاريخي. إذ إنها أحدى الحضارات القديمة التي تنسجم ببهائها وتعمقها مع خيوط الزمن. حيث تتلاقى الأساطير والحقائق في سرد ملحمي يروي قصة هذه البقعة الفريدة.

موقع مملكة الرُها

تقع مملكة الرُها في منطقة الجزيرة الفراتية. وتحديداً في الجزء الشمالي من سوريا بين نهري دجلة والفرات(جنوب شرق تركيا حالياً). تأسست هذه المملكة في مدينة الرُها عام (132 ق.م _ 244 م).

وقد سميت بعدة اسماء منها (اسروينا، أورهي، أدما، اديسا، عربايا). لأن سكانها من العرب الآراميين وكانت نسبة من سكانها من اليهود. وهذا ما كان يميزها عن باقي المدن. ويذكر إنها أولى الممالك التي اعتنقت الديانة المسيحية؛ ولهذا لقبت باسم المدينة المقدسة.

تاريخ مملكة الرُها

 كانت مملكة الرُها مستوطنة قديمة، تم اختيارها لموقعها المفيد على سهل خصب مع مياه وفيرة من فرع قريب من نهر الفرات، بينما كانت محمية أيضاً بحلقة من التلال إلى الجنوب.

كان الموقع مركزاً لعبادة إله القمر. حيث قام سلوقس الأول، أحد قادة الإسكندر الأكبر المقدونيين الذين أسسوا الإمبراطورية السلوقية. بتأسيس المدينة كمستوطنة عسكرية في عام 304 قبل الميلاد. وأعطاها سلوقس الاسم الجديد للرها (إديسا)، بعد الاسم الأصلي للعاصمة القديمة لمقدونيا.

في القرن 2 قبل الميلاد، أصبحت العاصمة والمقر الملكي لمملكة الرُها. بالإضافة إلى أنَّ سكان الرُها كانوا مزيجاً من اليونانيين والبارثيين والآراميين الساميين. على الرغم من أن المملكة كانت في الواقع، دولة تابعة لبارثيا، إلا أنها أثبتت أنها منطقة عازلة مفيدة بين تلك الإمبراطورية والإمبراطورية الرومانية الناشئة.

حكام مملكة الرُها

حكمت الرها أسرة ذات أصول عربية وهي الأسرة الأبجرية. وسميت كذلك؛ نسبة لتكرار اسم ابجر او أبكر بين حكامها. ومعنى (ابجر) في اللغة الأرامية (أعرج). ومعناها باللغة العربية (صاحب الكرش). وكان عدد الحكام الذين توالوا على عرش مملكة الرُها ٣٠ ملكاً. وسنبرز منهم أهم الحكام:

أول ملك محلي استولى على عرش مملكة الرُها كان (اريو). ثم خلفه على حكم المملكة الملك (عبدو بن زرعو). الذي خلفه (أبراداشت) ، وخلفه (بكرو الأول) في سنة 94 ق.م شاركه في الحكم (معنو) وذلك لمدة أربعة أشهر. ثم شاركه في الحكم (أبجر بيقا) الذي قتل الملك (بكرو الثاني) في سنة 92 ق.م واستولى على عرش المملكة. وبعد ذلك خلفه أبجر الخامس أوكاما (الأسود) الذي كان من أهم الملوك المؤثرين في تاريخ المدينة، خصوصاً على صعيد الأسبقية الدينية المسيحية عبر مراسلاته الشهيرة مع المسيح و تلاميذه، وعبر دعوتهم مراراً إلى المدينة لإضفاء البركة عليها.

في السنة العاشرة لمملكته حدثت فتنة في أورهاي نفي على أثرها الملك أبجر أوكاما. و حكم عوضاً عنه أخوه (معنو الرابع). وأخيراً كان (أبجر الحادي عشر أبراهاط) سنة 242م، لم يستمر حكمه سوى سنتين، ومع نهاية حكم (أبجر الحادي عشر)، انتهت مملكة الرُها سياسياً.

الأوضاع الاقتصادية

شكلت الزراعة المصدر الأول للإقتصاد في الرُها، وعماد ثروة البلاد، ويشرف على الأراضي الزراعية الواقعة حول المدينة موظف يدعى (والي العرب). يقوم بجباية الضرائب من السكان ويحمي المزارعين من تعديات البدو والاعراب.

كما تركزت الزراعة في الأرياف والقرى وأهمها: زراعة الكروم والحبوب والخضار، ولم تكن حياة الفلاحين مرفهة وكثيراً ما كانوا يعجزون عن دفع الضريبة المتوجبة عليهم. كما شغل الصّناع مكانة متميزة في مملكة الرُها فقد أدّت التجارة دوراً مهماً في تعزيز مكانة مملكة الرُها وإنماء ثروتها.

فقد كان معظم التجار من المحليين والسلعة الرئيسة فيها الحرير. غير أن الحركة التجارية تراجعت بعد تحول طرق التجارة إلى البحر الأحمر ثم تدهورت بعد أن عمد الرومان إلى تربية دودة الحرير وإنتاج هذه السلعة ما أثّر ذلك على أوضاع التجار فترك قسم كبير منهم حرفتهم وانضموا إلى الحرس الملكي.

الديانة واللغة

اعتنق أهل مملكة الرها في بداية حياتهم، الوثنية كما انتشرت في بلاد الرافدين، وتقوم على عبادة الكواكب وبعض مظاهر الطبيعة. وتسمى الناس باسمائها وشيدوا لها الاصنام والمعابد وقدموا لها الاضاحي. نذكر أهم الهتهم: الشمس وسموها بعل عجلول، والقمر وأطلقوا عليه اسم سين ورسموه على نقودهم وتيجان ملوكهم. بالاضافة إلى بعلشمين وهو كبير الالهة.

واعتنقت فيما بعد الديانة المسيحية في العصر البيزنطي، فقد كان الأدب السرياني المسيحي الذي  تشكل منذ اللحظات الأولى لوجود المسيحية، ترسخ مع الزمن، ليصبح جزءاً من تاريخ المدينة السريانية، التي قامت بتصديره إلى العالم المسيحي في الخارج، لتتأثر بها المناطق القريبة كأرمينيا بداية وروسيا في وقت متأخر.

وصلت شهرة المدينة في ذلك العصر إلى أقاصي أديرة وكهوف الرهبان في الغرب الأوربي. تربعت المدينة في العهد البيزنطي على قائمة المدن في الأهمية بالنسبة للدين المسيحي، عبر تقليدها العريق في الأدبيات الدينية. ويبدأ التقليد المسيحي الرهاوي بنقاش فكرة دخول المسيحية إلى بلاد ما بين النهرين وإلى الرها على الأخص.

إن التقليد في كنيسة مملكة الرها وما بين النهرين عموماً؛ يؤكد أن الرسل الذين بشروا في هذه المنطقة هم أربعة: توما الرسول؛ حواري المسيح، ثم التلميذ أدي من السبعين الذين اختصهم المسيح للكرازة. ترسخ هذا التقليد في كتب تاريخ مدينة الرها مع بدايات القرن الثالث الميلادي، ليزداد رسوخاً خلال القرون اللاحقة.

بعض المؤرخين يرجح أن يكون للمجوس الذين زاروا القدس، لرؤية المسيح، دور في نشر الدين في منطقة ما بين النهرين في القرن الأول الميلادي، بعد عودتهم إلى بلادهم. كما كانت لغة المملكة الرسمية هي اللغة السريانية والتي تسمى “لغة الرها” حيث أن هذه اللغة نشأت وانتشرت من هذه المدينة، وفي هذه المدينة استحدث الخط الأسطرنجيلي من الخط التدمري. والذي هو بدوره مستحدث من الآرامي والمسند اليمني.

البقايا الاثرية في الرها

شهدت بقايا أثرية قليلة ثمينة من تاريخ مملكة الرها الطويل والحافل بالأحداث لا تزال مرئية اليوم. ولعلَّ أكثر ما يلفت الانتباه هو عمودين، يبلغ ارتفاع كل منهما حوالي 18.2 متر (60 قدما)، يقفان على قلعة المدينة. كانت الأعمدة تعلوها ذات مرة تماثيل الملك أبجر الثامن وملكته ولكنها تعود إلى القرنين 3 و 4 الميلاديين كما هو موضح في نقش سرياني على إحدى القواعد.

تنتمي إلى تاريخ مماثل بقايا بركتين كبيرتين من الأسماك، كانتا تستخدمان في السابق للحفاظ على سمك الشبوط (الكارب) لاستخدامات دينية لآلهة الخصوبة.  وهناك بعض الأجزاء من جدران التحصين في المدينة لا تزال في الموقع والعديد من المقابر والفسيفساء من أواخر العصور القديمة وأوائل العصور الوسطى في الرها. غالبية هذه الفسيفساء تعود للطبقات العليا الغنية، وغالباً ما تُظهر مشاهد من الحياة اليومية أو تمثيلات لشاغلي القبر وأسرهم.

أيقونة منديل الرها

وفقاً للأسطورة التي تم تسجيلها لأول مرة في القرن ال 6 الميلادي، أصبح (أبغار الخامس)، ملك الرها في أوائل القرن الأول الميلادي، مريضاً بشكل خطير ودعا يسوع المسيح لعلاجه. كان غير قادر على الزيارة شخصياً، ضغط المسيح على وجهه على قطعة قماش، مما ترك انطباعاً، ثُم أرسل قطعة القماش إلى أبغار. عند تلقي الهدية، تم شفاء الملك بأعجوبة وأصبح مسيحياً. والأهم من ذلك، كان يرافق المنديل رسالة، تعتبر في حد ذاتها أثراً مُقدساً، تنُصُّ على أنه طالما كانت المدينة في حوزتها المنديل، فلن يتم الاستيلاء عليها أبداً من قبل جيش العدو.

يبدو أن قصة المنديل استندت إلى التحول الفعلي إلى المسيحية لملك لاحق يحمل نفس الاسم، أبغار التاسع. مهما كانت أصول القصة، فإن الحقيقة المهمة هي أن شعب الرها، إلى جانب العديد من الآخرين في العالم المسيحي، اعتقدوا أنها صحيحة.

علاوةً على ذلك، تم نسخ الصورة الموجودة على أيقونة المعجزة، والتي ربما تكون أول الآثار المقدسة من نوعها، في العديد من اللوحات الجدارية والقباب في الكنائس حول العالم المسيحي حيث أصبح التمثيل القياسي المعروف باسم “المسيح ضابط الكُل” مع وجه المسيح الأمامي الكامل يحمل كتاب الإنجيل في يده اليسرى ويؤدي بركة بيمينه. ستلهم الصورة أيضا تصميم عملات الإمبراطورية البيزنطية. كان للمانديليون تأثيرات أخرى أيضا، حيث تم الاستشهاد بالأيقونة بشكل متكرر في الحجج اللاهوتية لتجسد المسيح كرجل حقيقي خلال العصور الوسطى.

الحملة الصليبة الثانية وانهيار مملكة الرها

دعا البابا أوجينيوس الثالث الذي حكم (1145-1153 م) رسمياً إلى شن حملة صليبية، ما يعرف الآن باسم الحملة الصليبية الثانية. الذي قاد الحملة الصليبية الملك الألماني كونراد الثالث ولويس السابع ملك فرنسا.

كما تم نهب المدينة مرة اخرى احتفاءً بقوة نور الدين زنكي الجديدة. وتم ذبح جميع المواطنين الذكور المسيحيين في المدينة، وتم بيع النساء والأطفال في العبودية، تماما كما حصل مع زملاؤهم الغربيون قبل عامين. لضمان عدم إمكانية استخدام الرها مرة أخرى من قبل العدو. وتم تدمير تحصيناتها بشكل منهجي.

المراجع:

1. Worldhistory
2. Britannica
3. Newadvent.org
4. Abouthistory
5. Historyfiled

الوراثة والميلانين: فهم مرض البرص | Albinism

البرص: الجمال في الفرادة

هل صادفت يومًا شخصًا بشعر أبيض ناصع وعينين زرقاوين ساحرتين؟ قد يكون هذا الشخص حاملًا لسرّ من أسرار الطبيعة: مرض البرص!

منذ فجر التاريخ، لفت مرض البرص انتباه البشر. تمّ وصف “الرجال البيض” لأول مرة في النصوص المصرية القديمة، حوالي عام 2000 قبل الميلاد. ربطهم المصريون القدماء بآلهة الشمس، واعتبروهم رمزًا للنقاء والبراءة.

في العصور الوسطى، اتخذت نظرة المجتمع تجاه مرض البرص منعطفًا مظلمًا. تمّ اعتبار البرص علامة على لعنة أو مرض، وتمّ استبعاد الأشخاص المصابين به من الحياة العامة. عاشوا في عزلة، يواجهون الخوف والتمييز.

في القرن التاسع عشر، بدأ العلماء في كشف أسرار مرض البرص. اكتشف جوزيف جاكوبس (طبيب بريطاني) أنّ البرص ناتج عن نقص الميلانين، الصبغة التي تُعطي لونًا للجلد والشعر والعينين. ساعد هذا الاكتشاف في تبديد بعض الخرافات حول البرص، وفتح الباب أمام فهم أفضل للمرض.

شهد القرن العشرون تقدمًا هائلًا في علاج مرض البرص. تمّ تطوير واقيات الشمس التي تحمي جلد الأشخاص المصابين من أشعة الشمس الضارة. ساعدت النظارات الطبية والعدسات اللاصقة في تحسين الرؤية. [1]

تعريف البرص وأنواعه:

يُعرف البرص أو المهق (بالإنجليزية: Albinism) بأنه حالة جلدية وراثية تحدث بسبب خلل أو اضطراب في إنتاج صبغة الميلانين (بالإنجليزية: Melanin)؛ وهي مادة طبيعية يتم إنتاجها في الجسم وتمنح الشعر والجلد وقزحية العين لونها. وفي حين أن معظم الأشخاص المصابين بالبرص يتمتعون بصحة جيدة، إلا أنهم قد يعانون من مشكلات في الرؤية.

تقسم حالات البرص بشكل عام إلى نوعين رئيسيين، حيث يختلف كل نوع عن الآخر في الأعضاء المتأثرة والجينات المصابة بالخلل، وفيما يلي شرح موجز لكل منهما:

البرص العيني (Ocular Albinism – OA):
هذا النوع من البرص يتسبب في ظهور أعراضه بشكل أساسي على العينين، مما يؤدي إلى تغير في لون شبكية العين وقزحية العين. يحدث هذا نتيجة خلل أو طفرة جينية في الكروموسوم X، مما يؤثر بشكل رئيسي على المواليد الذكور، لكن قد يصيب الإناث أيضًا في حالات نادرة.

البرص العيني الجلدي (Oculocutaneous Albinism – OCA):
يؤثر هذا النوع من البرص على الجلد والشعر إلى جانب العينين، ويحدث نتيجة لخلل في الجينات المسؤولة عن إنتاج صبغة الميلانين.

بالإضافة إلى الأنواع الرئيسية المذكورة أعلاه، هناك أنواع أخرى أقل شيوعًا للبرص، منها:

متلازمة هيرمانسكي بودلاك (Hermansky-Pudlak Syndrome):
تتشابه أعراض هذا النوع مع أعراض البرص العيني الجلدي، إلا أنه يُسبب أيضًا مشكلات في الأمعاء والقلب والكلى والرئة، بالإضافة إلى اضطرابات النزيف بما في ذلك الهيموفيليا.

متلازمة شدياك هيغاشي (Chediak-Higashi Syndrome):
تتشابه أعراض هذا النوع أيضًا مع أعراض البرص العيني الجلدي، ومع ذلك، يميل لون بشرة المصابين به إلى الفضي أو الرمادي، بالإضافة إلى احتمالية حدوث اضطراب في خلايا الدم البيضاء، الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بالعدوى. [2][3]

أسبابه:

مرض البرص ينشأ نتيجة خلل وراثي يُولد به الطفل المصاب، حيث يحدث هذا الخلل في الجينات المسؤولة عن إنتاج أو توزيع صبغة الميلانين في الجسم، وهو ما قد يؤدي إلى غياب كلي أو انخفاض في كمية الميلانين المنتجة.

بالتالي، يُعتبر البرص اضطرابًا وراثيًا، ولكي يصاب الطفل به، يجب أن يكون كلا الوالدين مصابين بالمرض أو حاملين لجين الإصابة. وفي معظم الحالات، يكون لدى المصابين آباء حاملين لجين الإصابة فقط، دون أن تظهر عليهم أعراض المرض. [2]

ملاحظة:

هناك عدة جينات تلعب دورًا في إنتاج أو توزيع صبغة الميلانين في الجسم، ومن أهمها:

  1. جين TYR (Tyrosinase): هذا الجين يُعتبر أحد أهم الجينات المسؤولة عن إنتاج الميلانين، حيث يُشفر لإنزيم التيروزيناز الذي يلعب دورًا رئيسيًا في تحويل التيروزين (amino acid) إلى دوبا وبعدها إلى الميلانين. يقع هذا الجين على الكروموسوم 11.
  2. جين TYRP1 (Tyrosinase-Related Protein 1): هذا الجين يُشفر لبروتين مرتبط بإنزيم التيروزيناز (TYR)، وهو يشارك في عملية تكوين الميلانين. يقع هذا الجين على الكروموسوم 9.
  3. جين OCA2 (Oculocutaneous Albinism Type 2): يُعتبر هذا الجين مسؤولًا أيضًا عن إنتاج الميلانين، حيث يُشفر لبروتين يلعب دورًا في تنظيم نقل الميلانوسومات (organelles) داخل خلايا الجلد والشعر. يقع هذا الجين على الكروموسوم 15.
  4. جين SLC45A2 (Solute Carrier Family 45 Member 2): يُشفر هذا الجين لبروتين يُعتقد أنه يشارك في نقل الميلانين من داخل الخلايا نحو الخارج، مما يؤثر على توزيع الميلانين في الجسم. يقع هذا الجين على على الكروموسوم 5.

الأعراض:

  1. لون الجلد والشعر والعين:
    • الجلد: يتميز بالشعر الأبيض والبشرة الفاتحة للغاية مقارنةً بالأشقاء أو الأقارب الآخرين.
    • الشعر: قد يكون أبيضًا ناصعًا أو بنيًا. لدى المصابين بالبرص من أصول إفريقية أو آسيوية، يكون لون شعرهم أصفرًا أو أحمرًا أو بنيًا.
    • العيون: قد يتراوح لون العينين من الأزرق الفاتح جدًا إلى البني. يمكن أن يكون لون العين أحمرًا في بعض أنواع الإضاءة.
  2. مشكلات الرؤية:
    • تحرك العينين بشكل غير إرادي (الرأرأة).
    • وضعية رأس غير طبيعية لتحسين الرؤية.
    • عدم نظر العينين في الاتجاه ذاته أو نظر العينين إلى اتجاهين مختلفين (الحول).
    • عدم القدرة على رؤية الأشياء القريبة أو البعيدة (طول النظر أو قصر النظر).
    • حساسية شديدة للضوء (رهاب الضوء). [1][3]

تشخيص الإصابة بالبرص:

تشخيص البرص يتم عادة من خلال التقييم السريري للعلامات والأعراض المرتبطة بهذا المرض، ويشمل العناصر التالية:

  1. الفحص الجسدي: يقوم الطبيب بفحص الجلد والشعر والعيون للبحث عن علامات البرص، مثل البشرة الفاتحة أو غير الموجودة للميلانين، والشعر الأشقر أو الأحمر غير الملون، والعيون الزرقاء أو الرمادية.
  2. التاريخ الطبي والعائلي: يتم استجواب المريض للتحقق من وجود أي تاريخ طبي أو عائلي لحالات البرص، بما في ذلك إذا كان هناك أقارب في العائلة يعانون من المرض.
  1. اختبارات وظيفية: قد يتم إجراء اختبارات وظيفية للعينين والجلد لتقييم مدى تأثير المرض على الرؤية والحس الوجداني وحساسية الجلد لأشعة الشمس.
  2. التصوير الطبي: قد يطلب الطبيب إجراء فحوصات تصويرية مثل الرنين المغناطيسي أو الأشعة السينية لتقييم أي تغيرات في الهيكل أو الوظيفة الداخلية للجسم نتيجة للبرص.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تُجرى اختبارات جينية للتحقق من وجود تغيرات في الجينات المسؤولة عن البرص، وهذا قد يساعد في تشخيص الحالة وفهم سببها بشكل أفضل. تشخيص البرص يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الطبيب والمريض، وقد يستغرق وقتًا قبل تأكيد التشخيص بشكل نهائي. [3]

علاجه:

على الرغم من أنه لا يوجد علاج نهائي لمرض البرص حتى الآن، إلا أن هناك عدة خيارات لإدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة للمصابين. تشمل العلاجات الشائعة ما يلي:

  1. حماية البشرة من الشمس: ينبغي على المصابين بالبرص تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس وارتداء الملابس الواقية واستخدام واقي الشمس بشكل منتظم لحماية البشرة الحساسة من الضرر الناتج عن الأشعة فوق البنفسجية.
  1. علاج الأمراض المصاحبة: في حال وجود مشاكل صحية مصاحبة مثل مشاكل في الرؤية أو الجلد أو الأمعاء، قد يتطلب العلاج تدخلاً طبيًا متخصصًا.
  2. العلاج الجلدي: يمكن استخدام مستحضرات التجميل لتقليل مظهر البقع البيضاء على البشرة، كما يمكن استخدام الكريمات المرطبة لترطيب البشرة الجافة.
  3. العلاج العيني: قد يتطلب المرضى الذين يعانون من البرص العيني استخدام نظارات شمسية خاصة لتقليل التهيج والحماية من الضوء الساطع.
  4. العلاج النفسي والاجتماعي: يمكن أن يكون للمصابين بالبرص تحديات نفسية واجتماعية نتيجة لظهورهم بشكل مختلف، لذا قد يستفيدون من الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهم على التعامل مع التحديات اليومية.
  5. البحث السريري: هناك جهود مستمرة في مجال البحث الطبي لتطوير علاجات جديدة وفعالة لمرض البرص، ومن الممكن أن يستفيد المرضى من الانضمام إلى التجارب السريرية لتقييم فعالية العلاجات الجديدة.

من المهم أن يتم توجيه خطة العلاج الخاصة بمرض البرص بناءً على احتياجات كل فرد بشكل فردي، ويجب استشارة الطبيب المختص قبل بدء أي علاج جديد. [2][3]

اقرأ أيضًا: متلازمة تيرنرمتلازمة داون

سير المرض:

مرض البرص أو المهق لا يؤثر سلبًا على صحة معظم المصابين، وعلى الرغم من ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الجلد في بعض الحالات، إلا أن ذلك لا يؤثر بشكل كبير على معدل البقاء على قيد الحياة. يمكن اتخاذ الخطوات التالية لتجنب أو تقليل المشاكل المرتبطة بالبرص:

  1. فحص الجلد بانتظام: من المهم إجراء فحص دوري للجلد كل 6 – 12 شهرًا للكشف المبكر عن أي علامات محتملة لسرطان الجلد.
  2. حماية البشرة من الشمس: يجب تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس قدر الإمكان، واستخدام واقي الشمس ذي الحماية العالية وارتداء الملابس الواقية مثل القمصان طويلة الأكمام والقبعات والنظارات الشمسية.
  3. فحوصات العيون المنتظمة: يُنصح بإجراء فحوصات دورية للعيون كل 2 – 3 سنوات على الأقل للتحقق من صحة الرؤية والكشف المبكر عن أي مشاكل عينية محتملة.

مرض البرص يؤثر في الجلد، العين، والشعر، وقد تتسبب الأعراض في تقليل القدرة على القيام بالمهام اليومية بكفاءة. لذا، إذا لاحظت أي علامات أو أعراض مرتبطة بالبرص، يُنصح بالتوجه للطبيب للحصول على التقييم والعناية اللازمة.[3]

الأبحاث العلمية حول البرص:

ركزت االأبحاث والدراسات على طرق العلاج الفعال بالدرجة الأولى. حيث كان الاهتمام موجّهًا نحو تطبيقات العلاج الجيني والأدوية والخلايا الجذعية…

روابط لبعض هذه الأبحاث:

مراجع:

1- clevelandclinic

2- NCBI

3- MedlinePlus

4- https://www.albinism.org/

كيف تحصل المباني على شهادة LEED؟

نال أكثر من 80 ألف مبنى بحلول عام 2015 على شهادة LEED في أنظمة تقييم المباني الخضراء GBRSs، وعمل أكثر من 100 ألف من المهنيين المعتمدين معهم. فما هي شهادة LEED؟ وما المباني التي تستحقها؟

ماذا يقصد بشهادة LEED؟

تستخدم «الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة- LEED» برنامج لإصدار شهادات البناء الأخضر في جميع أنحاء العالم. وقد بدأ تطوير تلك الشهادات عام 1993 بدعم من «مجلس المباني الخضراء الأمريكي غير الربحي- USGBC». وتشمل مجموعةً من أنظمة التصنيف من أجل تصميم، وبناء، وتشغيل، وصيانة المباني، والمنازل، والأحياء الخضراء. ويسعى البرنامج عمومًا إلى مساعدة مالكي المباني، والمشغلين ليكونوا مسؤولين بيئيًا، لاستخدام الموارد المتاحة بكفاءة.[1]

كيف يعمل نظام تقييم LEED؟

يحصل كل مشروع على تقييم نقاط، ويبلغ الحد الأقصى الممكن تحقيقه 100 نقطة، عبر 6 فئات وهي: المواقع المستدامة، وكفاءة المياه، والطاقة والغلاف الجوي، والمواد والموارد، وجودة البيئة الداخلية IEQ، وابتكار التصميم.[2]

فئات تصنيف نظام LEED.

وتشمل كل هذه الفئات بعض المتطلبات الإلزامية التي يجب تحقيقها لكن لا يحصل المشروع على أية نقاط عليها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الحصول على ما يصل إلى 10 نقاط إضافية: 4 نقاط للائتمانات الإقليمية ذات الأولوية، و6 نقاط للابتكار في التصميم. بينما يعترف LEED المخصّص للمنازل بفئات إضافية خاصة مثل سهولة الوصول إلى وسائل النقل، والأماكن المفتوحة، والأنشطة البدنية في الهواء الطلق، وحاجة المباني إلى توعية شاغلي المساكن.[1][2]

ويوجد 4 مستويات من الشهادة وهي:

  1. شهادة مصدقة: بمجموع نقاط 40-49 نقطة.
  2. شهادة فضية: بمجموع نقاط 50-59 نقطة.
  3. شهادة ذهبية: بمجموع نقاط 60-79 نقطة.
  4. شهادة بلاتينية: بمجموع نقاط من 80 وما فوق.[2]
مستويات شهادة LEED.

تطوّر نظام التقييم

تطوّرت شهادة LEED منذ عام 1998لتمثيل، ودمجت تقنيات البناء الأخضر الناشئة بشكل أكثر دقة. وتضم:

LEED v3

طوّر LEED v3 عام 2009 ويشمل 10 أنظمة تصنيف، وتصميم ومنها عمليات صيانة المباني الخضراء، وتنمية الأحياء الخضراء، وتصميم وتشييد الإنشاءات الجديدة كالمدارس، ومرافق الرعاية الصحية وغيرها الكثير. وقام هذا الإصدار بمواءمة اعتمادات تقييم LEED مرجّحًا الأولوية البيئية مع برنامج شهادة طرف ثالث منقّح. [1]

قبل تقييم واعتماد أي مشروع للحصول على شهادة LEED v3 يجب أن يمتثل المبنى للقوانين واللوائح البيئية، وحدود الموقع ونسبة البناء وغيرها من الخطط. كما يجب على صاحب المشروع أن يتبادل البيانات عن كيفية استخدام المبنى للطاقة والمياه لمدة 5 سنوات بعد تشغيله وذلك للإنشاءات الجديدة، أو بعد تاريخ التصديق في حالة المباني الموجودة سابقًا.[1]

LEED Canada

حصل مجلس المباني الخضراء الكندي عام 2003 على إذن لإنشاء نظام LEED. وتحصل العديد من المباني في كندا على شهادة معتمدة بسبب ممارساتها في تجميع مياه الأمطار. [1]

LEED v4

طُوّر LEED v4 عام 2014 وفيما يتعلّق بالاعتماد في معيار LEED BD+C أي بتصميم وتشييد المباني الخضراء، فتتناول فئة جودة البيئة الداخلية كل من الراحة الحرارية، والبصرية، والصوتية، فضلًا عن جودة الهواء في الأماكن المغلقة. بالإضافة إلى ذلك، فقد ربطت البحوث رضاء السكان وأداءهم بالظروف الحرارية للمبنى. [1]

LEED v5

يعتبر v3 آخر إصدار، ويسعى لمواءمة البيئة المبنية مع أهداف اتفاق باريس للمناخ لعام 2030 و2050. ويتناول قضايا بالغة الأهمية مثل العدالة، والصحة، والأنظمة البيئية، والمرونة. وأطلق من الإصدار نظام تصنيف المباني القائمة والصيانة فقط، إذ ظهر لأول مرة في مؤتمر Greenbuild، ومعرض expo عام 2023. ولا تزال باقي التصنيفات تخضع للدراسة.[3]

ما خطوات الحصول على شهادة LEED؟

تُمنح شهادة LEED من قبل معهد شهادة المباني الخضراء GBCI والذي يرتّب عملية تحقيق امتثال المشروع لمتطلبات النظام من قبل طرف ثالث. وتتألف عملية التصديق من طلب التصميم، وطلب التشييد. فيقع طلب التصميم ضمن اختصاص المعماري، ويوثق في المخططات الرسمية للتنفيذ. أما طلب التشييد فهو من اختصاص مقاول البناء، ويوثق أثناء تشييد المبنى، وبدء تشغيله. ويلزم دفع رسوم لتسجيل المشروع، وتقديم طلبات التصميم والتشييد. وتقدر الرسوم الإجمالية على أساس مساحة المبنى، لكن تتراوح عمومًا بين 2,900 دولار كحد أدنى، وأكثر من مليون دولار لمشروع كبير. وتحدث مراجعة الطلبات وعملية التصديق من خلال الإنترنت.[1]

أداء الطاقة وجودة البيئة الداخلية

لا تحتاج المباني المصدقة من LEED إلى إثبات كفاءة الطاقة أو المياه في الممارسة العملية للحصول على نقاط. لكن بدل من ذلك، يعتمد النظام على برنامج نمذجة للتنبؤ باستخدام الطاقة في المستقبل. وقد أدى ذلك إلى انتقاد قدرة النظام على تحديد كفاءة المباني بدقة.[1]

على سبيل المثال؛ في عام 2013 حلّل باحث 21 مبنى معتمد من LEED في نيويورك، ووجد أن المباني الحاصلة على شهادة ذهبية تستهلك طاقة مصدرية أقل بنسة 20%. في حين أن المباني الحاصلة شهادة فضية تستهلك طاقة أكثر بنسبة 11-15% في المتوسط من نظيرتها التقليدية. بينما دراسة أخرى أجريت عام 2003 وجدت عند تحليل 60 مبنى معتمد من LEED أن المباني كانت في المتوسط أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة بنسبة 25-30%. بالإضافة إلى ذلك ظهرت فوائد أخرى كبيرة مثل زيادة الإنتاجية بسبب تحسين التهوية، وضبط درجة الحرارة والإضاءة، والتلوث.[1]

أما عند النظر في جودة البيئة الداخلية فتشمل الدراسات عدّة عوامل مثل الصوتيات، ونظافة المبنى وصيانته، والألوان والتركيبات، وارتفاع السقف، وإمكانية الوصول إلى النوافذ وتظليلها، وغيرها من الأمور. وقد توفر المباني المعتمدة رضًا أعلى في الأماكن المفتوحة عن المكاتب المغلقة، وفي المباني الصغيرة عن المباني الكبيرة. كما يختلف الأمر بالنسبة للسكان والمستأجرين والعاملين في المكاتب التجارية ومدة عملهم ضمن البناء إذ تلاحظ الدراسة أن رضاهم في مباني LEED قد يميل إلى الانخفاض مع مرور الوقت. [1]

مشاريع LEED من منظور مالي

ترتفع تكلفة التصميم الأولي والبناء في أغلب الأحيان عند السعي للحصول على شهادة LEED. مثلًا يوجد نقص في توافر مكوّنات المبنى التي تلبي المواصفات المطلوبة. توجد كذلك تكاليف إضافية لمراسلة مجلس المباني الخضراء الأمريكي، ومستشاري مساعدي تصميم LEED. والتي لا تعتبر ضروريةً في حد ذاتها من أجل تنفيذ مشروع مسؤول بيئيًا. لكن يجادل المؤيدون أن هذه التكاليف يمكن تخفيفها من خلال الوفورات المتكبدة مع مرور الوقت بسبب التقنيات المستدامة. وقد يأتي كذلك عائد اقتصادي إضافي في شكل مكاسب إنتاجية الموظفين نتيجة العمل في بيئة أكثر صحية.[1]

وجدت عدة دراسات أجريت عام 2008 أن المباني المعتمدة من LEED تفرض عمومًا أجارًا وأسعار بيع، ومعدلات إشغال أعلى من المباني العادية، ومعدلات رسملة أقل، مما يعكس مخاطر استثمارية أقل. علاوةً على ذلك، فقد اعتمدت العديد من الحكومات المحلية برامج تحفيزية في هذا المجال. ويمكن أن تشمل إعفاءات ضريبية، أو مكافآت، أو رسوم منخفضة، أو قروض منخفضة الفائدة وغيرها الكثير. على سبيل المثال؛ اعتمدت سينسيناتي في أوهايو تدبيرًا ينص على إعفاء تلقائي من ضريبة الممتلكات العقارية بنسبة 100% من قيمة الممتلكات المقدرة التجارية أو السكنية المشيدة حديثًا أو المعاد تأهيلها، والتي تحصل على الحد الأدنى من شهادة LEED. كما أعلن مجلس المباني الخضراء الأمريكي عن حملة اسمها LEED Earth والتي ترد فيها رسوم التصديق على أول مشروع معتمد من LEED في بلد لا يوجد فيه مشاريع معتمدة سابقًا.[1]

انتقادات كثيرة

لا يختلف نظام التقييم بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالظروف البيئية المحلية. مثلًا سيحصل مبنى في ولاية ماين على نفس النقاط لمبنى في ولاية أريزونا للحفاظ على المياه على الرغم من أن الظروف البيئية مختلفة جدًا. بالإضافة إلى ذلك، يشتكي الكثيرون من أن تكاليف التصديق يمكن استعمالها على نحو أفضل لجعل المشروع أكثر استدامةً.[1]

تهدف المباني المعتمدة من LEED إلى استعمال الموارد بكفاءة أكبر مقارنةً مع الهياكل التقليدية. بالرغم من ذلك، يبين تحليل بيانات استخدام الطاقة والمياه في نيويورك أن شهادة LEED لا تجعل بالضرورة المبنى أفضل ففي النهاية LEED هي أداة تصميم، وليست أداة قياس الأداء. وأظهر استعراض أجري في صحيفة USA Today أن 7100 مشروع تجاري معتمد استهدف نقاطًا خضراء رخيصةً، وسهلةً مثل توفير مساحات صحية أو توفير عروض تعليمية. بينما اعتمد عدد قليل من المشاريع على الطاقات المتجددة بسبب التكلفة الأولية المرتفعة.[1]

أطلق باحثون ما يدعى بدماغ LEED والذي لا يأخذ في الحسبان الموقع الذي يتواجد فيه المبنى المعتمد. على سبيل المثال؛ أنشأت شركة Gap inc في سان براون في كاليفورنيا مبنى العرض الأخضر. يعد المبنى في حد ذاته نموذجًا صديقًا للبيئة لكن بموقعه على بعد 26 كم من مقر الشركة في وسط مدينة سان فرانسيسكو، و24 كم من حرم شركة Gap في ميشن باي، أصبح المبنى ضارًا بالبيئة. بسبب إجبار موظفي الشركة على قيادة المزيد من المسافات وكذلك بسبب إضافة حافلات بين الأفرع المختلفة.[1]

في مثال آخر عن دماغ LEED، نقلت وكالة حماية البيئة الفيدرالية مقرها من وسط مدينة كانساس إلى مبنى معتمد على بعد 32 كم من المدينة. مما تسبب في جعل موظفي الوكالة البالغ عددهم 627 شخص يقودون مسافات إضافية من وإلى العمل. وقدر باحث أن انبعاثات الكربون المرتبطة بالأميال الإضافية المقطوعة ازدادت 3 أضعاف على ما كانت عليه سابقًا. نتيجةً لذلك يعد الكربون الذي وفره المبنى الجديد جزءًا صغيرًا من الكربون المنبعث بسبب الموقع الحديث.[1]

مبانٍ حصلت على شهادة LEED

مدرسة TBS في إسبانيا

بنيت مدرسة TBS في برشلونة عام 2022 لاستيعاب أكثر من 1100 طالب. وهي مبنىً مدرج مع واجهة خزفية تضم فتحات كبيرة. يهدف التصميم إلى إنشاء مساحات تعليمية فعّالة وعالية الجودة مرتبطةً بالغطاء النباتي. وقد حصلت المدرسة على شهادة LEED الذهبية.[4]

مدرسة TBS في برشلونة.
مدرسة TBS في برشلونة.

مركز John A.volpe الوطني لأنظمة النقل

بني المركز في كامبريدج عام 2023 من تصميم الشركة المعمارية SOM. ويبتعد عن الجوار من جميع الجوانب مسافة 22 م تقريبًا لأغراض أمنية تاركًا مساحةً لأماكن خضراء عامة في الهواء الطلق. وتقع كامبريدج في أحد المناخات الأكثر برودةً في البلاد، حيث تبقى الشمس منخفضةً معظم السنة. وفيما يتعلق بالمشروع فقد استهدف شهادة LEED البلاتينية، إذ تلعب الواجهة والتوجه دورًا رئيسيًا في تحقيق ذلك. فقد وجّهوا المركز لتعظيم الإضاءة النهارية بالكامل.[5]

مركز John A.volpe الوطني لأنظمة النقل.

فتواجه الواجهات ذات المساحة الأقل الشرق والغرب حيث يكون الوهج أقوى في الصباح والمساء، وتغطى بالزجاج مع ألواح الألمنيوم الرأسية التي تمتد إلى الخارج لمنع الوهج والإشعاع الشمسي. بينما تمتد الواجهة الجنوبية على أكثر مساحة، وتحميها الألواح الأفقية، فتتلقى معظم أشعة الشمس المباشرة في ساعات ما بعد الظهر. أما بالنسبة للجانب الشمالي، فيتلقى أشعة الشمس غير المباشرة على مدار السنة مما جعل من الممكن تحسين الإضاءة الطبيعية مع جدار ساتر بسيط من الزجاج والألمنيوم. بالإضافة إلى ذلك، يملك المبنى تقنيات أخرى تساعد على تحقيق الاستدامة مثل المضخات الحرارية، وتقنيات جمع مياه الأمطار والري وغيرها الكثير. [5]

مركز John A.volpe الوطني لأنظمة النقل.

مكاتب A111 في إسبانيا

تقع مكاتب A111 في برشلونة، وبنيت عام 2022 بمواد بناء طبيعية تذكرنا بطوب الإنشاءات القديمة فينسجم المشروع مع المشهد الحضري للحي. وتنطوي خطته على إدراج المحاور الخضراء مما يسمح بالتفاعل مع الطبيعة. كما يعزز التصميم صحة وراحة المستخدمين، ويضع مسطح مائي عند مدخل المبنى لتلطيف الجو وتعزيز الفائدة. يركز المشروع على التنوع البيولوجي، بحيث تحتوى جميع المكاتب على مساحات خارجية وفيرة من النباتات يبلغ مجموعها 1380 متر مربع من الشرفات. نتيجةً لكل ذلك، حصل المبنى على شهادة LEED البلاتينية.[6]

مكاتب A111 في إسبانيا.
مساحة داخلية من مكاتب A111 في إسبانيا.

برج TAIPEI 101 في تايوان

يعد برنامج TAIPEI 101 من أطول الأبراج في العالم مع 101 طابق، وقد نال شهادة بلاتينية بعد جمعه 82 نقطة. مثلًا يستخدم البرج أنظمة إدارة الطاقة والتحكم EMCS لتعديل درجات الحرارة وجداول تشغيل التكييف وفقًا لاحتياجات المستأجرين الفعلية. انخفض استهلاك الطاقة عمومًا، ويتم توفير أكثر من 2 مليون دولار أمريكي سنويًا. ورُكبت كذلك مصابيح تحتوي على كميات قليلة من الزئبق، أو لا تحتوي على زئبق في جميع أنحاء المبنى للحد من مستويات التلوث السام المحتمل. بالإضافة إلى ذلك، فقد أدخلت تركيبات مياه منخفضة التدفق إلى جانب نظم مخصصة لإدارة المياه. فأدى ذلك إلى خفض استهلاك المياه دون تعريض رضى المستأجرين للخطر. وساعد على تقليل استخدام مياه الشرب بنسبة 30% على الأقل مقارنةً مع متوسط استهلاك البناء سابقًا، مما يوفر حوالي 28 مليون لتر من مياه الشرب سنويًا.[7]

برج TAIPEI 101 في تايوان.

فهل برأيك تلعب أنظمة تقييم المباني الخضراء دورًا إيجابيًا في تعزيز الاستدامة وتشجيع العمارة الخضراء، أم أنها لا تشكّل أي تغيير مهم بل تزيد من التكلفة الإجمالية فقط؟

المصادر

  1. Scholarly community encyclopedia
  2. USGBC
  3. USGBC
  4. Archdaily
  5. Archdaily
  6. Archdaily
  7. USGBC

مرض العظم الزجاجي: حياة بين الهشاشة والأمل

بينما نتفاعل مع العالم من حولنا بأقدامنا الراشدة والرشيقة، بقوة يدينا الصلبة، يعتبر العظم بمثابة العمود الفقري لحياتنا، يدعمنا ويحمينا في كل خطوة نخطوها. لكن، ماذا لو كانت هذه الحماية تتلاشى ببطء؟ ماذا لو بدأت العظام تصبح هشة كالزجاج؟ هذا هو سردنا لمرض غامض يعرف بـ “مرض العظم الزجاجي”، حيث يتحول العظام من مصدر للقوة إلى زجاج يتمكن من تحطيمه بأبسط الإجهادات.

سنخوض سويًا في هذا المقال رحلة إلى عالم يعج بالتحديات والتساؤلات حول هذا المرض النادر، الذي يتسبب في تغيير حياة المرضى بشكل كامل. دعونا نستكشف معًا أسبابه، وتأثيراته، وأحدث التطورات في عالم علاجه…

جذور المرض واكتشافه:

يُعتقد أنّ مرض العظم الزجاجي Osteogenesis Imperfecta (OI)، ويُعرف أيضًا بـ “تكوّن العظم الناقص” أو “متلازمة العظام الهشّة”، موجود منذ فجر التاريخ. فقد تمّ العثور على بقايا عظمية تدلّ على إصابة بعض الأشخاص بهذا المرض في حضارات مختلفة، مثل مصر القديمة وبلاد الرافدين.

وفي عام 1788، قام الطبيب الفرنسي “بيير فريديريك بوزو” بوصف أول حالة لمرض العظم الزجاجي بشكلٍ دقيق…

يصيب تكوّن العظم الناقص ما يقارب الشخص بين كل 10.000-20.000 ألف شخص، حيث يوجد ما يقارب الـ50.000 حالة في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها. وينتشر بشكل متساوي بين كل من الذكور والإناث. [2][1]

تعريف مرض العظم الزجاجي وأسبابه:

هو حالة طبية نادرة تتسم بضعف في كثافة العظام وهشاشتها، مما يجعلها أكثر عرضة للكسور والتشققات، حتى بسبب الإجهادات البسيطة. ينشأ هذا الضعف نتيجة لنقص في كثافة المعدنيات في العظام، مثل الكالسيوم والفوسفور، مما يؤثر سلبًا على قوتها ومتانتها. وتعود أسباب هذا النقص إلى عوامل فسيولوجية أو راثية مختلفة، بما في ذلك اضطرابات في عملية تكوين العظام أو زيادة في تفكك العظام بسرعة أكبر من ترميمها. إضافة إلى العوامل البيئية (كالتغذية ومستوى النشاط البدني والتعرض لضوء الشمس وغيره)…

الفرق بين العظم الطبيعي (على اليسار) والمصاب بالهشاشة والمرض (الوسط واليمين)

لكننا في هذا المقال سنتطرق للعوامل الوراثية التي تسبب هذا المرض:

من الناحية الوراثية، يُعَزَّز المرض بسبب حدوث طفرات في أحد الجينات المسؤولة عن تكوين النوع الأول من الكولاجين في الجسم. حيث يعتبر الكولاجين النوع الأول مادة أساسية في بنية العظام والجلد والأنسجة الضامة الأخرى. حدوث طفرة في تكوين النوع الأول من الكولاجين يؤدي إلى تكون “عظم ناقص التكوين”، أي عظم هش وسهل الكسر بسبب فقدانه للمتانة والصلابة التي يوفرها الكولاجين السليم.

من أبرز جينات الكولاجين المهمة في عملية تكوين العظام هي:

  1. COL1A1 وCOL1A2: يُعتبر هذان الجينان من أهم الجينات التي تُشفر لإنتاج الكولاجين النوع الأول. هذا النوع من الكولاجين يُعتبر الأساسي في بنية العظام والأنسجة الضامة الأخرى.
  2. COL2A1: هذا الجين يُشفر لإنتاج الكولاجين النوع الثاني الذي يلعب دورًا هامًا في تكوين غضاريف المفاصل.
  3. COL5A1 وCOL5A2 وCOL5A3: هذه الجينات تُشفر لإنتاج الكولاجين النوع الخامس، الذي يساهم في تكوين الألياف الناعمة في الأنسجة الضامة.

تحتوي هذه الجينات على المعلومات الوراثية التي تحدد هيكل ووظيفة الكولاجين المنتج، وأي تغير أو طفرة في هذه الجينات قد يؤدي إلى تشوهات في الكولاجين المنتج، مما يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى حدوث مرض العظم الزجاجي أو أمراض أخرى ذات صلة بالعظام والأنسجة الضامة.[2][1]

يمكنك معرفة المزيد حول بروتين الكولاجين وخصائصه من خلال مقالنا هنا

أنواعه:

هناك أنواع مختلفة من هذا المرض، وتختلف هذه الأنواع في الوراثة والتأثير على العظام. ومن بين أنواعه الشائعة:

  1. مرض العظم الزجاجي النوع I (OI): يُعتبر OI النوع الأكثر شيوعًا، وهو ناتج عن طفرات في جينات الكولاجين النوع الأول. يتسبب هذا النوع في عظام هشة وكسور متكررة، وقد تتراوح شدة الأعراض بين الأفراد المصابين.
  2. مرض العظم الزجاجي النوع II (OI): يعتبر هذا النوع من المرض أكثر خطورة وندرة من OI النوع I. يتسبب هذا النوع في تشوهات خطيرة في العظام، والتي قد تؤدي إلى وفاة الطفل في مراحل الطفولة المبكرة نتيجة لمشاكل التنفس والتغذية.
  3. مرض العظم الزجاجي النوع III (OI): يتميز هذا النوع بأعراض شديدة مثل تشوهات العظام وتقصر القامة والكسور المتكررة. يمكن أن يكون مرض العظم الزجاجي النوع III أكثر تشابهًا مع مرض العظم الزجاجي النوع II في بعض الحالات.
  4. مرض العظم الزجاجي النوع IV (OI): يتسبب هذا النوع في أعراض متوسطة إلى شديدة من مرض العظم الزجاجي، مع تشوهات في العظام وكسور متكررة.

تُصنَّف الأنواع المذكورة أعلاه تحت فئة Osteogenesis Imperfecta (OI)، ولكن هناك أيضًا أنواع أخرى من مرض العظم الزجاجي تُصنَّف بشكل منفصل، وتختلف في الأسباب والأعراض والتأثيرات على العظام.[2][1]

وراثة مرض العظم الزجاجي:

تعتمد وراثته على عدة أنماط وراثية مختلفة. يمكن أن تُشارك الوراثة في تطوير المرض بسبب الطفرات في الجينات المسؤولة عن تكوين الكولاجين، كما ذُكر في الشرح السابق.

  1. الوراثة الجسمية السائدة: في هذا النوع من الوراثة، يكفي أن يكون جين واحد مصاب بالطفرة في أحد الأبوين ليظهر المرض على الطفل. وغالبًا ما يكون لدى أحد الأبوين مرض العظم الزجاجي، ولكن يتميز المرض الذي ينتج عن هذا النوع من الوراثة بأنه يكون أقل حدة.
  2. الوراثة المتنحية: هنا يجب أن يكون الجين المصاب موجودًا في كلا الأبوين لظهور المرض. وفي هذه الحالة، لا تظهر الأعراض عادةً على الأبوين، ولكن الأبناء الذين يحملون الجين المصاب قد يظهرون أعراض المرض.
  3. الوراثة المرتبطة بالجنس: هنا يكون الطفرة الجينية المسببة للمرض موجودة على إحدى الكروموسومات الجنسية X أو Y. قد يكون المرض أكثر شيوعًا لدى الذكور إذا كان الجين المصاب موجودًا على كروموسوم X، نظرًا لأن الذكور لديهم كروموسوم واحد X وكروموسوم Y.
  4. الطفرات العشوائية: في بعض الحالات، يمكن أن تحدث الطفرات في الجينات بشكل عفوي ومفاجئ، دون أن يكون لها علاقة بتوارثها من الأبوين. وقد تؤدي هذه الطفرات إلى تطوير أشكال أكثر شدة من مرض العظم الزجاجي، ولا يكون هناك تاريخ عائلي للمرض في هذه الحالات.

كما ذكرنا سابقًا، أن تطور المرض وانتقاله يعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل الوراثية والبيئية، وقد تكون الوراثة جزءًا فقط من الصورة الكاملة.[2][1]

أعراضه:

أعراض مرض العظم الزجاجي يمكن أن تتفاوت بين الأفراد وتعتمد على نوع وشدة المرض. ومع ذلك، فإن بعض الأعراض الشائعة تشمل ما يلي:

  1. كسور متكررة: يعتبر كسر العظام نتيجة لهشاشة العظام هو العرض الأساسي لمرض العظم الزجاجي. يمكن حدوث الكسور بسهولة حتى من الإجهادات البسيطة، وتكون الكسور شائعة خاصة في العمود الفقري والأذرع والأرجل.
  2. آلام العظام: يعاني الأشخاص المصابون بمرض العظم الزجاجي في بعض الأحيان من آلام في العظام، وخاصة بعد حدوث كسور أو مناورات جسمانية معينة.
  3. تشوهات العظام: قد تؤدي هشاشة العظام إلى تشوهات في هيكل العظام، مما يمكن أن يؤثر على الشكل الطبيعي للعظام ويسبب مشاكل في الحركة والوظيفة.
  4. قصر القامة: نتيجة للكسور المتكررة وتشوهات العظام، قد يتطور قصر القامة لدى الأفراد المصابين بمرض العظم الزجاجي.
  5. مشاكل الأسنان: قد تظهر مشاكل في الأسنان مثل تسوس الأسنان وفقدان الأسنان بشكل أكثر شيوعًا لدى الأشخاص المصابين بمرض العظم الزجاجي.
  1. ضعف العضلات: قد يعاني بعض الأشخاص المصابين بمرض العظم الزجاجي من ضعف في العضلات نتيجة لتقوس العظام وتشوهاتها.[2][1]

تشخيص تكوّن العظم الناقص:

التشخيص يتطلب تقييمًا شاملاً للأعراض والتاريخ الطبي، بالإضافة إلى استخدام عدة طرق تشخيصية. من بين الطرق الشائعة لتشخيص المرض:

  1. التاريخ الطبي والفحص البدني: يقوم الطبيب بجمع معلومات مفصلة عن التاريخ الطبي للمريض، بما في ذلك الأعراض التي يعاني منها وتاريخ الكسور السابقة وأي تاريخ عائلي لمرض العظم الزجاجي. يجري الطبيب أيضًا فحصًا بدنيًا لتقييم العظام والتحقق من وجود تشوهات أو علامات أخرى.
  2. الفحوصات الشعاعية: تعتبر الصور الشعاعية من أهم الفحوصات لتشخيص مرض العظم الزجاجي، حيث يمكن أن تظهر علامات الهشاشة العظمية وتشوهات العظام على الصور الشعاعية.
  1. اختبارات الدم: يمكن أن تُجرى اختبارات الدم لقياس مستويات المعادن الهامة لصحة العظام مثل الكالسيوم وفيتامين د والفوسفات.
  2. اختبارات الجينات: في حالة الاشتباه في وجود مرض العظم الزجاجي الوراثي، قد يتم إجراء اختبارات جينية لتحديد الطفرات في الجينات المسؤولة عن المرض (جينات الكولاجين).
  3. اختبارات الحالة العظمية: تشمل هذه الاختبارات اختبارات كثافة العظام (DEXA scan) لتقييم كثافة العظام ومعرفة مدى هشاشتها.

يجب أن يقوم الطبيب بتحليل البيانات المتاحة من هذه الفحوصات والاستنتاجات المستفادة منها لتحديد ما إذا كان المريض مصابًا بمرض العظم الزجاجي ونوعه وشدته، ومن ثم وضع خطة علاجية مناسبة.[2][1]

العلاج:

علاج مرض العظم الزجاجي يهدف إلى تخفيف الأعراض وتقليل خطر الكسور وتحسين نوعية الحياة للأشخاص المصابين. العلاج قد يشمل ما يلي:

  1. الرعاية الطبية المتخصصة: يتطلب علاج مرض العظم الزجاجي التعامل مع فريق طبي متعدد التخصصات، بما في ذلك أطباء العظام وأخصائيي الجراحة العظمية وأطباء الأطفال وأخصائيي التغذية وغيرهم.
  2. العلاج الدوائي: يمكن أن يشمل العلاج الدوائي تناول الأدوية التي تساعد في تقوية العظام وتحسين كثافتها، مثل البيسفوسفونات والكالسيترول وفيتامين د.
  3. العلاج الفيزيائي: يمكن أن يساعد العلاج الطبيعي في تحسين القوة العضلية والتوازن والمرونة، مما يقلل من خطر الكسور.
  1. الأدوية المضادة للآلام: قد يتم وصف الأدوية المضادة للآلام لمساعدة في تسكين الآلام المصاحبة للكسور والآلام العامة.
  2. التدخل الجراحي: في حالات الكسور الشديدة أو التشوهات العظمية الخطيرة، قد يكون الجراحة ضرورية لتصحيح التشوهات وتثبيت الكسور.
  3. العناية الذاتية: يمكن للأشخاص المصابين بمرض العظم الزجاجي اتخاذ إجراءات للعناية بالعظام، مثل الحفاظ على نظام غذائي غني بالكالسيوم والفيتامين د وممارسة التمارين الرياضية المناسبة.

يجب أن يتم تحديد العلاج المناسب لكل حالة بناءً على خصائص المرض وشدته، ويجب أن يتم ذلك بالتعاون مع الطبيب المعالج والفريق الطبي المختص.[2][1]

أبحاث علمية حول مرض العظم الزجاجي:

العلاج الجيني:

1- Curative Cell and Gene Therapy for Osteogenesis Imperfecta

2- Osteogenesis Imperfecta: Current and Prospective Therapies

العلاج بالخلايا الجذعية:

1- Stem Cell Therapy as a Treatment for Osteogenesis Imperfecta

2- Mesenchymal stem cells in the treatment of osteogenesis imperfecta

تحسينات في العلاج الطبيعي:

1- https://www.physio-pedia.com/Osteogenesis_Imperfecta

مراجع ومصادر:

كيف تعمل أنظمة تقييم المباني الخضراء؟

يعتبر التحرك نحو العمارة الخضراء الهدف الأساسي للعمارة في عصرنا. ويبدو للبعض أن استخدام الأجزاء الخضراء لوحدها هي الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق ذلك، لكن في الحقيقة الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. نتيجةً لذلك ظهرت «أنظمة تقييم المباني الخضراء – Green Building Rating Systems»، لقياس الاستدامة الفعلية للمباني. فماذا يقصد بأنظمة تقييم المباني الخضراء؟

تصنيف المباني الخضراء

لكي نفهم الفكرة التي تجمع بين عنصرين مختلفين وهما المبنى الأخضر، ونظام التصنيف، علينا فحصهما بشكل منفصل أولًا. حيث يعتبر المهندسون المبنى الأخضر مفهومًا متعدد الأوجه، يشير إلى مجموعة واسعة من القضايا. ويعرفه المجلس العالمي للبناء الأخضر World GBC على أنه مبنى يقلل، أو يزيل التأثيرات السلبية، ويمكن أن يخلق تأثيرات إيجابية على مناخنا وبيئتنا الطبيعية، كما يحافظ على الموارد الطبيعية الثمينة، ويحسّن نوعية حياتنا. وتعالج العمارة الخضراء مواضيع متكررة وهي الاستخدام الكفء للطاقة والمياه والموارد الطبيعية، والحد من التلوث، وإدارة النفايات، والمعايير الجيدة في الأماكن المغلقة، وصحة ورفاهية الساكنين. وبرز نهج أكبر للبناء الأخضر مع توسع أهداف الاستدامة بشكل متزايد. فأصبح مراعيًا للتنمية المستدامة من حيث جوانبها الرئيسية الثلاثة -الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية- مع الالتزام بمتطلبات الأداء التقني والوظيفي.[1]

ويقصد بنظام التصنيف : أداة لتصنيف المباني على أساس امتثالها لواحد أو أكثر من المتطلبات التي تؤثر على أداء المبنى الذي يهدف النظام إلى تحديد مستواه. ويقيّم نظام التصنيف، أو يكافئ المستويات النسبية لأداء المنشآت.[1]

أهمية مراعاة البيئة في قطاع البناء

تسهم البيئة المبنية في القضايا الاجتماعية- الايكولوجية بشكل رئيسي، ولاسيما تغير المناخ. واعتبر الباحثون أن اعتماد نهج مراعٍ للبيئة، والمجتمع في قطّاع الإنشاءات أمرًا بالغ الأهمية منذ عقود. وينبع ذلك في المقام الأوّل من التأثير الكبير الذي تحدثه البيئة المبنية من حيث استهلاك الطاقة، والموارد، وكذلك الانبعاثات.[1]

يمثل قطّاع البناء في المواقع على الصعيد العالمي 31% من مجمل الاستعمال النهائي للطاقة، 54% من الطلب النهائي على الكهرباء، و23% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة. ويأتي ثلثها من الاستهلاك المباشر للوقود الأحفوري. وحتى في أوروبا حيث بُذل جهد كبير للحدّ من تأثير البناء، لكن لا تزال المباني مسؤولةً على نحو 40% من استهلاك الاتحاد الأوروبي للطاقة، وعن 36% من إجمالي انبعاث غازات الاحتباس الحراري. بالإضافة إلى ذلك، تستهلك صناعة البناء أكثر من 40% من المواد الخام للاقتصاد العالمي سنويًا، ومعظمها غير متجدّد. وتنتج أكثر من 35% من النفايات العالمية. ولا يمكننا أن ننسى المياه، إذ تستخدم 17% من المياه العذبة لتشييد المباني وتشغيلها.[1]

الحاجة إلى أنظمة تقييم المباني الخضراء

تبرز أنظمة تقييم المباني الخضراء كوسيلة لتقدير ومكافأة المنظمات والأفراد الذين يشيدون، ويديرون مبانٍ خضراء، بالتالي تشجيعهم على دفع حدود الاستدامة إلى الأمام. وقد تطوّرت هذه الأنظمة باستمرار بسبب الحاجة إلى التعامل مع التحدّيات العالمية المتنامية مثل نوعية البيئة المبنية، والتي تؤثر بدورها على صحة ورفاهية السكّان. على سبيل المثال، انبعاثات المركبات العضوية المتطايرة في الأماكن المغلقة، وعدم الراحة بسبب الرطوبة، أو الافتقار إلى المساحات المفتوحة.[1]

ورغم أن الطلب على الطاقة في قطاع البناء أعلى منه في قطاعي الصناعة والنقل، إلا أن التشييد ينطوي على أعلى إمكانات خفض الانبعاثات، وذلك لأنه يمتلك ميزة المرونة. ويعتقد الخبراء أن اعتماد ممارسات بناء أكثر استدامة يستطيع تحسين ظروف الحياة. ويقودنا هذا بدوره إلى مفهوم البناء الصديق للبيئة، الذي أخذ بالانتشار تدريجيًا.[1]

أنظمة تقييم المباني الخضراء

يقصد «بأنظمة تقييم المباني الخضراء – GBRSs» المعايير التي تقيس مستوى استدامة المباني من خلال تقييم متعدد المعايير، وتشجع على تبني ممارسات مستدامة بيئيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا في تصميم وبناء، وتشغيل، المنشآت. وتهدف هذه النظم إلى توجيه المشروع وتقييمه طوال دورة حياته مما يحد من الأثر السلبي على البيئة، وكذلك على صحة شاغلي المبنى ورفاهيتهم، بل ويقلل من التكاليف التشغيلية أيضًا.[1]

أنواع مختلفة لأنظمة تقييم المباني الخضراء

تتنوع أنظمة تقييم المباني الخضراء حول العالم، وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات بينها، لكنها تلتزم بنفس هيكل التقييم العام. وهو قياس أداء المشاريع باستخدام مجموعة من المؤثرات ذات الصلة مجمّعةً حسب المواضيع. مثل إدارة المياه، واستخدام الطاقة ومواد البناء، وخصائص الموقع. ويخصص لكل متطلب درجة أو حكم معين، من ثم يحدد مجموع الدرجات النهائي مستوى الاستدامة التي حققها البناء. ويرجع سبب تنوع الأنظمة إلى حاجة كل بلد إلى التكيُّف مع نظام معين بحسب خصوصيته. مثل الأولويات المناخية والبيئية، ونوع البناء السائد، والموارد المحلية، والثقافة، وقوانين البناء المحلية. نتيجةً لذلك اعتمد كل نظام وحدات ومقاييس مختلفة مما يجعل أي مقارنة أو تعاون بينها أمرًا صعبًا إلى حد ما. [1]

أمثلة عن أنظمة تقييم المباني الخضراء

نظام LEED

تأسس LEED عام 1993 وهو برنامج اعتماد ابتكره مجلس المباني الخضراء في الولايات المتحدة الأمريكية. ويهدف إلى تشجيع، وتطوير الممارسات المستدامة عن طريق أدوات ومعايير قياس الأداء. ويتعامل النظام مع العديد من أنواع الأبنية كالمدارس، والمكاتب، ومرافق الرعاية الصحية، والمساكن الخاصة، وغيرها. ويركز على 5 مجالات وهي: التنمية المستدامة للموقع، وتوفير المياه، وكفاءة الطاقة، واختيار المواد، وجودة البيئة في الأماكن المغلقة. ويرتب LEED المباني على أساس عدد النقاط المخصصة للمجالات الخمسة السابقة، من ثم يمنح شهادات معتمدة وهي الفضة، والذهب، والبلاتين.[2]

نظام BREEAM

يقيس «طريقة التقييم البيئي لمؤسسة أبحاث البناء- BREEAM» ويحدد أداء استدامة المباني، ويضمن تلبية المشاريع لأهداف الاستدامة، ومواصلة الأداء الأمثل مع مرور الوقت. أطلقتها مؤسسة أبحاث البناء BRE عام 1990، ويتيح إدماج تدابير الاستدامة في أبكر مرحلة ممكنة من المشروع باستخدام BREEAM خفض تكاليف دورة الحياة، وزيادة قيمة الأصول، وتخفيف المخاطر، وغيرها الكثير من الفوائد. ويوفر النظام إطارًا شاملًا لتقييم المبنى، ويقيس القيمة المحققة في سلسلة من الفئات. وهي: الإدارة، والمياه، والطاقة، والنقل، والصحة والرفاهية، والمصادر، والمرونة، واستخدام الأراضي والبيئة، والتلوث، والمواد، والنفايات، والابتكار. وتتناول كل فئة العوامل المؤثرة بما في ذلك التصميم منخفض التأثير، وانبعاثات الكربون المنخفضة، والتصميم المتين والمرونة، والتكيف مع تغير المناخ، والقيمة الإيكولوجية، وحماية التنوع البيولوجي. ويسجل كل معيار محقق من ثم يضرب في المتراجحة. وتتراوح تصنيفات BREEAM من مقبول إلى متفوق، وتنعكس في سلسلة من النجوم كما هو موضح في الجدول. [3]

جدول تقييم BREEAM.

نظام Green Star

أسس مجلس المباني الخضراء في أستراليا Green Star عام 2003، وهو نظام تصنيف معترف به دوليًا يضع معايير للمباني والأماكن الصحية والمرنة والإيجابية، والتي تتطور باستمرار لتراعي البيئة الأسترالية. ويتألف النظام من 4 أدوات قياس، وهي المباني، والمجتمعات، والأداء، والتصميم الداخلي.[4]

أطلق تصنيف Green Star Building عام 2020 لمواجهة تحدّيات العقد المقبل، ويضم 8 فئات تتيح العمل على مجالات الاستدامة كما هو موضح في الصورة.

تصنيف Green Star Building لعام 2020.

ويشمل التصنيف مسار المناخ الإيجابي، وهو مجموعة واضحة من الأهداف المتوائمة مع توصيات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ. بهدف مساعدة المهندسين على تقديم مبنى مناخي إيجابي.

مسار المناخ الإيجابي.

يمنح التصنيف نوعًا واحدًا من الشهادات، وهي شهادة Green Star مع 3 مستويات من التقدير: 4 نجوم أو 5 نجوم، أو 6 نجوم. [4]

نظام CASBEE

طُوّر «نظام التقييم الشامل لكفاءة البيئة المبنية- CASBEE» من قبل لجنة أبحاث أنشئت عام 2001 بالتعاون مع الأوساط الأكاديمية، والحكومات المحلية في اليابان. ويقيس النظام الأداء البيئي للمباني والبيئة المبنية من منزل واحد إلى مدينة بأكملها. وهو قياس شامل لجودة المبنى ويصنف المشاريع في 5 درجات.[5]

يتألف النظام من عدّة أدوات تعرف مجتمعةً باسم عائلة CASBEE، وهي CASBEE للإسكان وتُطبق على المنازل والمباني الفردية. بينما يُستعمل CASBEE للإدارة الحضرية من أجل تقييم الأداء البيئي للكتل الحضرية وتنمية المدن. إضافةً إلى ذلك يستخدم CASBEE للمدن من أجل تقييم الأداء البيئي على نطاق الحكومة المحلية ككل.[5]

أدوات عائلة CASBEE.

تختلف أنظمة تقييم المباني الخضراء لكنها تسعى إلى هدف مشترك وهو تذكيرنا بالاستدامة من أجل غد أفضل. فربما علينا التوقف للحظة وإعادة تقييم أسلوب بنائنا، وعمارتنا، ومدننا.

المصادر

  1. scholarly community encyclopedia
  2. Britannica
  3. Bre group
  4. Green building council Australia
  5. CASBEE

الاحتراق النفسي، مرض المجتمع الحديث

أشعر بالضغط والإجهاد، لقد نفذت طاقتي، أود أن أكف عن فعل أي شيء إلخ… عادة ما نستمع لمثل تلك الشكاوى عندما نتطرق للحديث عن العمل أو الدراسة. وأصبحت تلك الجمل هي الأكثر رواجًا في المجتمع الحديث، فهل هي مجرد مقولات يومية معتادة، أم هي أعذار لضعف الأداء الوظيفي. ربما هي أعراض مرضية لما يعرف بـ “متلازمة الاحتراق النفسي”.

ما هو الاحتراق النفسي؟

ظهر مصطلح ⟪الاحتراق النفسي-Burnout⟫ لأول مرة عام 1974 بواسطة الطبيب والمعالج النفسي ⟪هربرت فرودنبرجر-Herbert Freudenberger⟫. تحدث تلك المتلازمة نتيجة الإرهاق المزمن وعدم القدرة على التعامل مع التوتر العاطفي الناتج عن ضغوط العمل. وتتضمن الإرهاق العاطفي المتزايد، وفقدان الدوافع، ووهن العزيمة، وغياب القدرة على الإنجاز [1].

يمكن أن تتأثر مجموعات من المهن المختلفة بالاحتراق النفسي مثل أصحاب الياقات البيضاء وهم أولئك الذين يقومون بعمل ذهني أو مكتبي مثل المديرين. كما يمكن أن يتأثر أصحاب الياقات الزرقاء، وهم أولئك الذين يقومون بعمل يدوي ميداني مثل العمال. حتى أن أصحاب الياقات الوردية معرضون لها، وهم الذين يعملون في أعمال تتعلق بخدمة ومساعدة الناس مثل الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية والمدرسين. ويحدث عمومًا للعاملين بوظائف تستلزم متطلبات متواصلة، وتفاعلات كثيفة مع أناس لديهم احتياجات جسدية أو نفسية.

أعراض الاحتراق النفسي

الاحتراق النفسي ليس مجرد حالة مزاجية ولكنه بالأحرى عملية تصف أعراض وعلامات بين الفرد واتصاله بذاته واتصاله بالمؤسسة التي يعمل بها وكذلك المجتمع المحيط به. ويمكن تصنيف الأعراض إلى خمسة مجموعات: أعراض جسدية، وعاطفية، وذهنية، وسلوكية، وتحفيزية.

1.الأعراض الجسدية

تكثر الأمراض الجسدية في الأشخاص المصابين بالاحتراق النفسي عن غيرهم. وقد وجد أن سبب بعض الأمراض يعود إلى الاحتراق النفسي مثل مرض السكري من النوع الثاني وأمراض القلب. ويزداد تفشي تلك الأمراض كلما زادت حدة الاحتراق النفسي. وقد تصل في بعض الحالات إلى أمراض القلب وأمراض العضلات الهيكلية.

يبلغ الأشخاص المصابون بالاحتراق النفسي أكثر عن شكاوى صحية وتدهور سريع لصحتهم الجسدية خلال عام واحد. وقد أثبتت الدلائل العلمية ارتباط الاحتراق النفسي بالأمراض الجسدية، إذ يتسبب بها بعدة طرق منها: ⟪متلازمة التمثيل الغذائي-metabolic syndrome⟫، و⟪خلل المحور الوطائي النخامي الكظري-Dysregulation of hypothalamic pituitary adrenal axis⟫، والالتهاب الجهازي، وضعف الجهاز المناعي، والسلوك الصحي السيء.

يمكن أن تظهر الأعراض الجسدية في صورة أعراض مشابهة للتوتر الناتج عن تنشيط الجهاز العصبي السمبثاوي. وهناك أيضا أعراض مشابهة للأعراض الناتجة عن القلق مثل الصداع والغثيان والدوار والتشوش والتشنجات العصبية والمشكلات الجنسية وزيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم. كما يصاحبها اضطرابات النوم واضطرابات الاستيقاظ وقصر مدة النوم والأرق.

وقد وجد أن هناك أعراض نفسية جسدية تكون مصاحبة للإرهاق العاطفي. حيث يمكن أن يظهر الاحتراق النفسي في صورة توتر ما قبل الطمث وانقطاع الدورة الشهرية وفرط التنفس وأمراض الجهاز الهضمي وقرحة المعدة ونزلات البرد المتكررة وتفاقم بعض الحالات المرضية المزمنة كالربو والسكري.

قد تحدث بعض الأعراض المشابهة لأعراض الاكتئاب، مثل الإجهاد المزمن والإرهاق الجسدي وتغيرات الوزن وفقدان الشهية وقصر النفس. وأيضا ألم العضلات خاصة الرقبة وأسفل الظهر[1].

2.الأعراض العاطفية

الإرهاق العاطفي هو أبرز عرض للاحتراق النفسي. وهناك أيضا أعراض الاكتئاب والقلق التي تظهر في صورة اضطرابات، وتقلبات الحالة المزاجية، ونقص الانضباط العاطفي، والخوف غير المبرر، والتوتر الزائد، والعدوانية، وسرعة الانفعال، والحساسية الزائدة، والغضب، ونقص التعاطف تجاه الآخرين، وعدم الرضا الوظيفي [1].

3.الأعراض الذهنية

الشعور بالعجز هو العرض الواضح على المستوى الفردي. أما على مستوى الاتصال بالآخرين؛ يظهر الاحتراق النفسي في صورة انتقاد ولا أنسنة الآخرين، والسلبية، والتشاؤم، والقولبة، والتصنيف بصورة ازدرائية، واللوم، والظهور بمظهر العظمة، والاستقامة، والكراهية، والارتياب، والذهان الكبريائي، والشعور بعدم التقدير، والتشكيك في الإدارة [1].

أما على المستوى الشخصي؛ قد يعاني الشخص من معتقدات لا عقلانية منها الاعتمادية على الآخرين أو تجنبهم. قد يحدث أيضا اضطراب وضعف في الذاكرة .

4.الأعراض السلوكية

تظهر التغيرات السلوكية في المراحل المتأخرة من الضغط الوظيفي المزمن. وتكون غالبا في صورة انفعال زائد، ويكون الأشخاص الذين يعانون من الاحتراق النفسي أكثر ميلًا لفرط النشاط، والاندفاع. كما أنهم أيضا أكثر ميلًا للتسويف، وإهمال الأنشطة التفاعلية، والتذمر القهري، وكذلك الاعتمادية على الآخرين، وتجنب المشكلات[1].

قد يلجأ هؤلاء الأشخاص أيضا إلى المشروبات الكحولية لتخفيف الشعور بالإحباط.وفي محيط العمل؛ قد يجد منهم زملاؤهم انفعالات عنيفة، وصدامات، وغيرة، وانعزال.

يتأثر الأداء الوظيفي بالاحتراق النفسي، إذ يؤدي إلى نقص الإنتاجية، ونقص الفعالية، وكثرة التعرض للأخطاء، والتباطؤ، ومقاومة التغيير، والجمود، وصعوبة اتباع القواعد، وعدم القدرة على التنظيم وإدارة الوقت.

كما تتأثر المؤسسات، إذ تزداد نسبة الإجازات المرضية. وكذلك تزيد عدد أيام الإجازات بشكل عام، ومعدلات تهرب الموظفين، وضعف الالتزام تجاه المؤسسات، والرغبة في ترك العمل.

5.الأعراض التحفيزية

عندما يعي الشخص الذي يعاني من الاحتراق النفسي أن توقعاته غير حقيقية؛ يفقد المثالية ويتبعها فقد الحماس. ويظهر فقد التحفيز في صورة إحساس بالخيبة، والخضوع، والإحباط، والضجر، وضعف العزيمة، ويقل الرضا عن الوظيفة والحياة.

يلاحظ زملاء العمل على المصاب بالاحتراق النفسي فقد الاهتمام، وفتور الهمة، والاعتماد على الآخرين في تحقيق احتياجاته الشخصية والاجتماعية. ويترتب على ذلك ضعف الآداء الوظيفي نتيجة لضعف الروح المعنوية ونقص التحفيز وضعف المبادرة ورفض الذهاب للعمل الذي قد يصل إلى النفور من الوظيفة [1].

علاج الاحتراق النفسي

لا يوجد علاج محدد للاحتراق النفسي، لذلك يحتاج العلاج إلى نهج متعدد التخصصات يتضمن الخبرة الطبية والنفسية. كما يحتاج إلى الدعم الاجتماعي على مستوى العمل أو الحياة الخاصة. ويتم علاج الاحتراق النفسي تبعا للأعراض السابق ذكرها كالتالي:

1.علاج الأعراض الاكتئابية

يعد الاكتئاب أساس التشخيص التفريقي في المرحلة المتأخرة من الاحتراق النفسي ويمكن أن يصاحبه رغبة في الانتحار. وعند تشخيص الاكتئاب المصاحب للاحتراق النفسي، يعالج حسب القواعد المقررة لعلاج الاكتئاب، أي عن طريق العلاج النفسي للحالات البسيطة. وقد يقر العلاج النفسي مصحوبا بالعلاج الدوائي بمضادات الاكتئاب للحالات المتوسطة والشديدة [1].

كما يعد العلاج السلوكي المعرفي من الأعمدة الأساسية للعلاج. فالركيزة الأساسية للعلاج المعرفي السلوكي هي أفكارنا التي تؤثر على شعورنا، لذلك يهتم العلاج المعرفي السلوكي بتصحيح الأفكار والمعتقدات والسلوكيات المختلة التي تؤدي للاكتئاب. ويهدف العلاج المعرفي إلى تغيير الأفكار التشاؤمية، والتوقعات غير الواقعية، وانتقاد الذات الذي يؤدي إلى اكتئاب مستمر. كما يساعد في تطوير أهداف حياتية إيجابية.

2.علاج أعراض القلق

يعد القلق من الأعراض البارزة للاحتراق النفسي ويعالج بوسائل العلاج النفسي والعلاج الدوائي. ويعد العلاج السلوكي المعرفي هو أفضل طريقة لعلاج اضطرابات القلق [1].

3.علاج الإجهاد المزمن والإنهاك العصبي

لا يوجد علاج دوائي محدد للإجهاد الناتج عن الاحتراق النفسي، لذلك يستخدم العلاج قائم على التعامل مع الأعراض، وهناك توصيات بالعلاج السلوكي المعرفي [1].

4.علاج اضطرابات النوم

تتكرر اضطرابات النوم عند الأشخاص المصابين بالاحتراق النفسي، وقد تتسبب في الأمراض المتعلقة بالتوتر النفسي مثل الاكتئاب وأمراض التمثيل الغذائي. كما تؤدي اضطرابات النوم إلى ضعف الأداء وضعف جودة الحياة. وتسبب اضطرابات النوم بعض الأعراض مثل الإرهاق والتعب. وإذا كان هناك اضطرابات معينة مثل انقطاع التنفس الانسدادي النومي، الذي يتفاقم في حالة التوتر والإجهاد وزيادة الوزن وتعاطي المخدرات، يتم علاجه حسب القواعد المقررة لهذه الحالات.

وبعد استبعاد الأسباب السابقة لاضطرابات النوم؛ يكون العلاج عن طريق تطبيق سلوكيات النوم الصحي. تتضمن سلوكيات النوم الصحي تجنب الأطعمة الدسمة قبل النوم، وتجنب تناول الكافيين قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل. بالإضافة إلى تجنب التعرض للشاشات والأجهزة الالكترونية قبل النوم، كما يفضل النوم في مكان مظلم وهادئ، والذهاب للنوم والاستيقاظ في ميعاد ثابت يوميا، وتجنب النوم أثناء النهار.

يمكن الاستعانة بالعلاج الدوائي بالأدوية المهدئة والمنومة في الحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاج السلوكي [1].

5.علاج النعاس الزائد في النهار

يؤدي كل من اضطرابات النوم والاكتئاب والإجهاد المزمن إلى النعاس الزائد في النهار، لذلك يجب معرفة السبب لتحديد العلاج المناسب. ويمكن استخدام بعض الأدوية التي تقلل النعاس في النهار مثل ⟪مودافينيل-Modafinil⟫ أو مضادات الاكتئاب في حالة الاكتئاب [1].

طرق تخفيف التوتر والضغط العصبي

إلى جانب العلاج النفسي والدوائي؛ هناك بعض الأساليب العلاجية التي تهدف لتخفيف التوتر. ومن تلك الأساليب العلاجية استخدام تقنيات الاسترخاء، كالتدريب الذاتي، واسترخاء العضلات التدريجي، وتقليل الضغط القائم على العقلانية والتدريب على الكفاءة العاطفية.

بالإضافة إلى ذلك؛ فإن ممارسة الرياضة البدنية متوسطة الشدة كالمشي والسباحة تساعد في علاج الاكتئاب وتقليل الإجهاد البدني الناتج عن الاحتراق النفسي. للعلاج المعرفي السلوكي دور أيضا، إذ يساعد في التغلب على التوتر وزيادة الثقة بالنفس والكفاءة الذاتية [1]. في حالة التوتر البسيط؛ من المفيد أخذ استراحة لبعض الوقت والابتعاد عن مسببات التوتر.

الوقاية من الاحتراق النفسي

تهدف الوقاية إلى منع أو تأخير ظهور الاحتراق النفسي، وتنقسم إلى وقاية أولية ووقاية ثانوية ووقاية ثالثية. تكون الوقاية الأولية قبل ظهور الأعراض إذ تستهدف الأشخاص الأصحاء الخاليين من الأعراض، وذلك بتقديم النصح والإرشاد عن طرق التعامل مع التوتر والضغط العصبي.

أما الوقاية الثانوية فتكون في المرحلة المبكرة من ظهور الأعراض، وتهدف إلى منع تطور المرض إلى صورة أشد أو تحوله إلى حالة مزمنة، وذلك عن طريق التوعية بالمرض.

وأخيرا الوقاية الثالثية وتكون لمنع الأضرار اللاحقة والانتكاسات عن طريق إعادة التأهيل، وغالبا ما تحتاج إلى مدة طويلة [1].

نحاول عادة إثبات أنفسنا عن طريق العمل بجد واجتهاد للارتقاء في السلم الوظيفي، أو الحصول على أعلى الدرجات العلمية. وننسى كوننا بشر نحتاج إلى الاهتمام بصحتنا النفسية والجسدية. لذلك فإن الوثاية خير من العلاج، فلا تبخل على نفسك ببعض من الراحة والتصالح مع الذات. واعتبر ذلك استثمارًا في صحتك.

المراجع

[1]  Burnout Syndrome in an International Setting

تاي زاكس Tay-Sachs: العدو الصامت

في أعماق تفاصيل الوراثة البشرية تنبت قصصٌ حزينة، ترويها أمراض نادرة تتحدى فهمنا وتحرك مشاعرنا. تاي زاكس Tay-Sachs، هو جزء من هذا اللغز الوراثي، يعتبر تحدياً معقداً للعلم وللأسر التي تتأثر به. إنه اضطراب وراثي نادر يغوص في أعماق الجينات، يلتف حول الحمض النووي ليطلق على الحياة رحلة مليئة بالتحديات.

تاي زاكس، والذي يُلقب أحياناً بـ “العدو الصامت”، يتسلل إلى حياة الأطفال الصغار بصمت، يخفي وراء أضواء الجينات الشرارة التي تشعل ألسنة الأمل وتطفئها بسرعة. إنه مرض يأتي بعبء فقدان السمع، والرؤية، والقدرة على الحركة، محولاً حياة الأطفال البريئة إلى معركة شاقة يصعب على العائلات مواجهتها.

لكن بين تلك الظلال المظلمة، يتألق نور الأمل من خلال جهود العلماء والمنظمات الطبية التي تتصارع من أجل فهم هذا العدو الصامت ومحاربته. هذه هي قصة تاي زاكس، حيث تتشابك الجينات والأمل، وتندلع نيران البحث العلمي لإلقاء الضوء على هذا السر المعقد وراء الأمراض الوراثية.

حدوث وسبب المرض:

داي تاي-زاكس Tay-Sachs disease، ويُسمَّى أيضاً بالشُّحام السفينغولِي الطِّفلِي infantile sphingolipidosis، هو اضطرابٌ وراثي نادر، يُسبِّب ضرراً تدريجياً في الجهاز العصبي، وغالباً ما يُفضي إلى الموت.

وهو مرض وراثي نادر تسببه موروثة متنحية Autosomal Recessive في الكروموسوم 15 وتحديدًا في جين هيكسا HEXA gene، حيث تؤدي إلى نقص نشاط إنزيم هيكسورامينيديز (Hexooraminidase) ذو العلاقة بتكسير الجانجليوسايد (gangliosides) المهم في التواصل الخلوي وعدم تكسيره يقود إلى تراكمه بالخلايا العصبية والاضرار بها. [1]

الدماغ والنخاع الشوكي
الخلية العصبية

وراثة المرض:

كم ا ذكرنا سابقًا، فوراثة مرض تاي زاكس تتبع نمط وراثي معين يعرف بالوراثة المتنحية المتنحية السائدة. يعني ذلك أن الجين المسؤول عن المرض يوجد على الزوج الهجين (أو الزوج المختلط) في الحالة التي تؤدي إلى الإصابة بالمرض – أي كروموسوم 15.

أمراض أخرى متنحية: الفينيل كيتونوريا Phenlkenonuria

ولكي يُصاب الطفلُ بداء تاي-زاكس، لابدَّ أن يكون كلا والديه حاملاً لتلك الطفرة الوراثية Carri، وعندها يكون احتمالُ إصابة الطفل 25 في المائة (في كل حمل). [2][1]

الأعراض:

غالباً ما تبدأ أعراضُ المرض قبلَ أن يبلغ الطفلُ عمرَ ستَّة أشهر، حيث يتباطأ النمو لديه تدريجياً إلى أن يفقدَ قدرته على الحركة تماماً.

تشتمل الأعراضُ المبكِّرة للمرض على إجفال مفرط لدى الطفل عندَ سماع ضجيج مفاجئ، بالإضافة إلى ظهور نقاط أو بقع حمراء قُرب وسط العينين.

بعدَ ذلك، تظهر عندَ الطفل مشاكل أخرى، مثل الضعف العضلي وفقدان الرؤية وفقدان السمع والنوبات الصرعية.

ويموت مُعظمُ الأطفال المصابين بالحالة قبلَ بلوغهم عمر أربع سنوات. [1]

تنويه:

وهذا المرض يظهر لدى مجموعات عرقية أكثر من غيرها ومنهم

  • يهود الاشكيناز.
  • الكاجون: وهم جماعة عرقية تعيش في لويزيانا في الولايات المتحدة وهم ذوو أصول كندية – فرنسية.
  • فرنيسو كندا.
يهود الاشكيناز

التشخيص:

تفيد اختبارات ما قبل الولادة، مثل عينة الزغابات المشيمية (CVS)، وبزل السائل الأمنيوسي، في تشخيص مرض تاي ساكس. تُجرى هذه الاختبارات في حال كان أحد الزوجين حاملًا للمرض أو مشتبهًا بذلك.

تُجرى عينة الزغابات المشيمية بين الأسبوع العاشر، والثالث عشر من الحمل، وتتضمن أخذ عينة من خلايا المشيمة عبر المهبل أو البطن.

يُجرى بزل السائل السلوي Amniotic Fluid بين الأسبوع الخامس عشر والعشرين من الحمل، ويتضمن أخذ عينة من السائل المحيط بالجنين باستخدام إبرة عبر بطن المرأة الحامل.

وفي حال أظهر الطفل أعراض الإصابة بـِ تاي ساكس، فيجب على الطبيب أن يقوم بالفحص السريري، ويتحرى التاريخ العائلي.

يمكن بعد ذلك طلب فحص الدم، حيث يتحقق هذا اختبار من مستويات أحد الإنزيمات التي تسمى هيكسوسامينيداز hexosaminidase في دم الطفل. تكون المستويات منخفضة أو غير موجودة في داء تاي ساكس. [2][1]

علاج تاي زاكس:

لا يتوفَّر حتى الآن أيُّ علاج لداء تاي-زاكس، وتهدف الأدويةُ التي تُعطى للطفل إلى تسكين الأعراض قدر الإمكان.

وتتضمن المعالجة:

  •  مسكنات ألم
  •  الأدوية المضادة للصرع للتحكم بالاختلاجات
  •  علاج فيزيائي
  •  الدعم تغذوي
  •  علاج المشاكل التنفسية
  •  الدعم العاطفي للأسرة مهم أيضًا، فقد تساعد مجموعات الدعم على التأقلم. [1]

دراسات وأبحاث حول مرض تاي زاكس:

 العلاج ببدائل الإنزيم:

نظرًا لأن تاي زاكس ناتج عن نقص إنزيم «Hex-A» ، فيسعى هذا العلاج إلى استبداله. إنه خيار غير فعّال حتى اللحظة بسبب الاختلاطات الحاصلة.

 العلاج الداعم للإنزيم:

يستخدم هذا العلاج جزيئات تثبّت الإنزيم، وتزيد فعاليته. هناك حاجة لمزيد من البحث فيما يخص هذا العلاج.

 العلاج الجيني:

قد تؤدي إضافة معلومات جينية جديدة إلى الخلايا إلى تصحيح عيب الإنزيم المسبب لداء تاي ساكس. وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء «FDA» مؤخرًا على التجارب السريرية لدراسة سلامة وفعالية العلاج الجيني. لم يُعرف للآن مدى أمان وفعالية هذا العلاج مع الوقت.

 زراعة الخلايا الجذعية:

يعتمد هذا العلاج على زرع خلايا نقي العظم لتوفير الإنزيم المفقود. لقد وجدت الدراسات فوائد على الحيوانات، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الاستقصاء بالنسبة للبشر. [4][3]

الوقاية من المرض:

نظرًا لأن تاي زاكس متوارث، فلا توجد طريقة لمنعه إلا بالتحري عنه قبل حدوثه؛ أي قبل تكوين أسرة، يجب على الوالدين إجراء اختبار جيني لمعرفة ما إذا كانا حاملين للمرض. هذا الأهم بالنسبة الأشخاص ذوي نسبة الخطورة العليا، مثل اليهود الأشكناز أو الذين لديهم تاريخ عائلي لمرض تاي ساكس. لذا عندما بدأ البحث عن حاملي تاي زاكس في السبعينيات، قلل ذلك عدد اليهود الأشكناز المولودين مع المرض في الولايات المتحدة، وكندا بأكثر من 90%. [1]

أمراض أخرى:

مرض التصلب الجانبي الضموري

مرض هنتغنتون

المراجع والمصادر:

1- medlineplus

2- OMIM

3- Frontiers

4- Nature

لماذا يختطف الاحتلال جثامين الشهداء؟

    شهد العالم وحشية لا مثيل لها من جيش الاحتلال، في ظل الأحداث الأخيرة على قطاع غزة. بداية من قصف مستشفى المعمداني، وحتى حصار الدبابات لمستشفى الشفاء زاعمًا كونها مركزًا للمقاومة الفلسطينية. ولكن هنالك ما هو أغرب وأشد وحشية من الحصار، وهو ما قاله مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور “منير البرش” خلال مداخلته الهاتفية مع قناة الجزيرة مباشر. وهو عدم تمكنهم من دفن الجثث في المقابر الجماعية، خشية اختطاف جثامين الشهداء من قبل جيش الاحتلال. وهنا كان السؤال، لماذا يختطف الاحتلال جثامين الشهداء؟ وما علاقة بنك الجلد الإسرائيلي بذلك؟

بنك الجلد الأكبر في العالم

بنك الجلد هو عبارة عن تخزين عينات من جلود المتبرعين ليتم استخدامها في ترقيع أو زراعة الجلد لمصابي الحروق على اختلاف درجاتها. فبعد حرب 6 أكتوبر 1973 اتضح للاحتلال الإسرائيلي أن عليه معالجة جنوده الذين أصيبوا بحروق وتشوهات خلال الحرب. لذا قرر أن ينشئ بنك الجلد الإسرائيلي. وبالرغم من وجود خلافات إسرائيلية حول المشروعية الدينية، إلا أن مجلس الحاخامات الرئيسي أعلن مشروعيته عام 1985.

وفي عام 2014، عرضت قناة العاشرة الإسرائيلية تحقيق تلفزيوني عن بنك الجلد الإسرائيلي. وقد كشفت فيه مديرة البنك أن احتياطي دولة الاحتلال من الجلد البشري هو 170 متر مربع، وهو رقم غير منطقي نسبة إلى عدد المتبرعين وسنة إنشائه. كما تضمن التحقيق اعترافات من مسؤولين رفيعي المستوى عن أخذ أعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين والعمال الأفارقة لاستخدامها في علاج المستوطنين. [1]

تسليم جثث الفلسطينيين بلا أعضاء

في عام 2001 نشر الصحفي السويدي “دونالد بوستروم” تحقيقا صحفيا يكشف فيه سرقة الأعضاء من الجثث والاتجار بها. كانت هذه أول مرة تكشف فيها هذه الجريمة للرأي العام الدولي، ثم عاد لينشر تحقيقا عن الموضوع نفسه عام 2009 في مجلة “أفتونبلاديت السويدية”. [2] يذكر بوستروم في هذا التحقيق ان وزارة الصحة الإسرائيلية أطلقت حملة قومية للتشجيع على التبرع بالأعضاء عام 1992. وبالتزامن مع تلك الحملة بدأ اختفاء عدد من الشباب الفلسطيني، ليعودوا بعدها في نعوش مغلقة. وتفرض السلطة الإسرائيلية على أهالي المفقودين دفنهم في الليل دون جنائز. وأكد بوسترم تحقيقاته حين ذهب إلى محاورة عوائل الشهداء، ومن بينهم عائلة الشهيد” بلال أحمد غانم”. بلغ بلال 19 عاما حين اعتقله الجيش الإسرائيلي في قرية أم التين في الضفة الغربية عام 1992، ليعود بعدها جثة بلا أعضاء داخلية مخاطة من العنق حتى اسفل البطن. [2]، [3]

لم تنف السلطة الطبية الإسرائيلية ما تعرض له بلال من تنكيل وسرقة أعضاء. وقال مدير معهد الطب الشرعي الإسرائيلي وقتها “تشين كوغل”، إن عائلة بلال يمكن أن تكون على حق، لأنهم أخذوا كل ما يمكن أخذه من الجثث التي جاءت إلى معهد الطب الشرعي، وذلك من دون موافقة الأسرة. ولم تتلق عائلة بلال أي تفسير أو اعتذار عما حدث. [4]، [5]

اعترافات إسرائيلية بسرقة أعضاء الشهداء

في عام 2009 عرض فيلم وثائقي عن القضية، فيه اعترافات للمدير السابق لمعهد الطب الشرعي الإسرائيلي” يهودا هيس” يعترف فيها بسرقتهم أعضاء الشهداء الفلسطينيين. وقد قال هيس: لقد أخذنا القرنيات، والجلد، وصمامات القلب، والعظام. كل ما جرى القيام به كان غير رسمي إلى حد كبير، ولم يطلب إذن من الأسرى.

درست باحثة الأنثروبولوجية “مئيرة فايس” التعامل مع أجساد الفلسطينيين في مركز “أبو كبير” للطب الشرعي في تل ابيب “يافا”. ونشرت مئيرة دراستها في كتاب “على جثثهم”. قالت مئيرة إنها شاهدت أثناء وجودها في المعهد كيف يأخذون الأعضاء من جسد الفلسطينيين ويتركون جثث الجنود سليمة. وأضافت أنهم يأخذون القرنيات والجلد وصمامات القلب بشكل يجعل غياب تلك الأعضاء غير ملحوظ لغير المتخصصين. إذ يعوضون القرنيات بأجسام بلاستيكية وينزعون الجلد من الخلف كي لا تراه الأسرة. كما يجري استخدام جثث الشهداء في كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية لأغراض بحثية.

كما أكد “عبد الناصر فروانة” رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة الأسرى والمحررين أن إسرائيل ما زالت تحتجز أكثر من 370 جثمانًا لشهداء فلسطينيين استشهدوا في ظروف وسنوات مختلفة. مضيفًا ألى أن لائحة هؤلاء الشهداء المحتجزين تضم أشخاصا استشهدوا من السبعينيات وحتى عام 2023. [5]


جرائم جيش الاحتلال لا عد لها ولا حصر، ينتقون العلم والعلماء لهم حتى لو لم يكن ذلك بصورة أخلاقية، وعلى النقيض يحاربون العلم والعلماء في فلسطين. فالآن فقط يمكن إدراك سبب صعوبة دفن جثث الشهداء في المقبرة الجماعية، فالاحتلال الإسرائيلي لم يدفن الشهداء، ولكنه في ظل القصف دفن الإنسانية. وفي ظل الحصار دفن الحرية. وفي ظل إجرامه الحربي دفن القوانين الدولية.

المصادر:

1- Los Angeles Tims

2- AFTONBLANDET

3- High Beam

4- CNN

5- Haaretz

ما هي الجدران الخضراء في العمارة؟

تقدر وكالة حماية البيئة أن الأمريكيين يقضون 90% من وقتهم في الداخل. يجعلنا إنفاق هذا القدر من الوقت في الداخل بالانفصال عن العالم الخارجي مما يؤثّر في كل شيء من إنتاجنا إلى صحتنا العقلية، ناهيك عن المخاوف الصحية البدنية أيضًا. أحد الطرق لإعادة بناء صلتنا بالطبيعة هي استخدام العناصر الحية مثل الجدران الخضراء، والأسطح الخضراء.[1] فما الذي تعرفه عن الجدران الخضراء وما أهمّيتها في العمارة؟

دور النظم الخضراء في الاستدامة

منذ وقت ليس ببعيد لم تعتبر استدامة المباني أولويةً في التصميم على الرغم من أنها أُخذت في الاعتبار إلى حدّ ما. لكن ارتفع مستوى الاستدامة المطلوب ارتفاعًا حادًا في السنوات الأخيرة، إذ أصبحت المباني ذكيةً، وأكثر اكتفاءً ذاتيًا، وأكثر ملاءمةً للبيئة. وبدأ الخبراء البحث عن حلول جديدة للاستدامة مثل استخدام الأسطح العمودية والأفقية للمبنى.[2]

أصبح من الشائع في ممارسات البناء الحالية رؤية المبنى كهدف كامل، والتركيز كذلك على جوانب مثل المجال الاقتصادي، والتأثير البيئي، وتكامل نظام التدفئة والتكييف. على الرغم من ذلك، لا يعد التفكير في الأنظمة الخضراء كمفهوم شامل من الممارسات الراسخة حتى الآن، إذ ينبغي النظر إليها على الصعيد العالمي خلال عملية التشييد برمّتها. بتعبير آخر ينبغي النظر إليها باعتبارها جزءًا من دورة حياة البناء بأكملها وليس مجرّد تطبيق إضافي قصير الأجل.[2]

ماذا يقصد بالجدران الخضراء؟

يستخدم المؤلّفون العديد من التسميات عند الإشارة إلى جميع أنواع الجدران الخضراء، فيستخدم البعض مصطلح الحديقة الرأسية في حين يدعوها آخرون نظم التخضير الرأسية أو نظم الخضرة الرأسية. يشير مفهوم الجدران الخضراء في الواقع إلى جميع الأنظمة التي تسمح بخضرنة سطح عمودي مثل الواجهات، أو الجدران، أو القواطع مع مجموعة مختارة من أنواع النباتات بغرض زراعة النبات على أو أعلى أو داخل جدار المبنى.[3]

بدأت الجدران الخضراء الخارجية في الظهور باعتبارها جزءًا مخطّطًا ومرغوبًا به من السكان في فترة «الفن الجديد-Art Nouveau» أي في مطلع القرن ال19 والقرن ال20. حيث كان من المفترض أن تكون النباتات وسيلة اتصال طبيعية بين الحديقة والمنزل.[4] والمدهش أن الجدران الخضراء مفهوم جديد نسبيًا فيرجع البعض انتشار هذه الفكرة لأوّل مرّة إلى عالم النبات الفرنسي باتريك بلانك في الثمانينيات.[5]

أنواع الجدران الخضراء

تنقسم الجدران الخضراء عادةً إلى «جدران حية-Living walls» و«واجهات خضراء-Green facades» ومزيج منهما.[4] يكمن الفرق الرئيسي بين الجدران الحية والواجهات الخضراء في هيكلها، والطريقة التي تدمج بها الغطاء النباتي في تصميم المبنى. فتغطّى الجدران الحية بالنباتات التي تنمو على التربة أو الزراعة المائية، وتعد مكتفيةً ذاتيًا، وتشمل مجموعةً متنوعةً من أنواع النباتات.[3]

بينما تعتمد الواجهات الخضراء على تسلّق النباتات أو تعليقها على طول الجدار. فيمكن للنباتات أن تنمو إلى أعلى السطح العمودي مثل الأمثلة التقليدية، أو تنمو إلى الأسفل في حالة تعليقها على ارتفاع معيّن. ويمكن تصنيف الواجهات الخضراء إلى نوعين: مباشرة وغير مباشرة. والواجهات الخضراء المباشرة هي تلك التي تعلّق النباتات مباشرةً على الجدار في حين تشمل الواجهات الخضراء غير المباشرة بنيةً داعمةً للنباتات.[3]

تردّ اختلافات أساسية أخرى بين أنواع الجدران الخضراء يمكن ملاحظتها في الجدول التالي[4]

يوضح الجدول الاختلافات القائمة بين الواجهات الخضراء والجدران الحية.

دورة حياة الجدران الخضراء

تنقسم دورة حياة الجدران الخضراء إلى 4 فئات رئيسية وهي:

مرحلة المشروع

وتعد بداية دورة حياة الجدران الخضراء، وتلقي أكبر عبء على العملية بأكملها من حيث إنتاج الغازات الدفيئة. وتشمل إنتاج المواد بما في ذلك الجزء النباتي الحي، والهيكل الداعم، ويجب بناء نظام الدعم قبل الجزء النباتي بكثير. ويوجد مجموعةً واسعةً من أنظمة الدعم في السوق لمختلف أنواع الجدران الخضراء بعضها مصنوع من البلاستيك، والبعض الآخر من هياكل فولاذية. وعند الاختيار من الضروري الأخذ في الاعتبار إمكانيّة إعادة تدويرها.[2]

مرحلة عملية البناء

تضمّ هذه المرحلة تركيب الأنظمة لإنشاء جدار أخضر مستدام مثل نظام توصيل المياه. وتعد مياه الأمطار الأكثر شعبيةً للري إذ يوصى بشدّة الري بمياه الأمطار لأن المعادن المذابة طبيعيًا الموجودة في المطر تزوّد النباتات بالمواد المغذية مما يقلّل من كمية السماد اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، يكتسب استعمال المياه الرمادية للري المزيد من الشهرة. وتتحدث بعض الأبحاث عن الإمكانات الكبيرة لتصميم الجدران الخضراء كنظم لمعالجة المياه الرمادية، لكن يوجد نقص حاليًا في المؤلفات العلمية التي تخصّ الموضوع.[2]

مرحلة الاستغلال

تتكوّن هذه المرحلة من عدّة أجزاء وهي المرحلة الأولية التي تقاس مدّتها بالسنوات والعقود. وتشمل استخدام الجدار الأخضر، والصيانة، والإصلاح، والاستبدال، والتجديد. ويعتمد طول الحياة عمومًا في المقام الأول على أنواع النباتات المختارة.[2]

مرحلة الإغلاق

وهي نهاية عمر الجدار الأخضر، والتخلّص السليم من النفايات. وقد يتأخّر العمر الافتراضي بسبب الصيانة، والتصميم الملائمين إلا أنه لا يمكن تجنّبه. ويمكن استخدام نفايات النباتات الميتة ككتل حيوية. وتشمل المرحلة أيضًا هدم الجدار الأخضر، والآثار البيئية المرتبطة بالتخلص من المكوّنات، أو إعادة تدويرها، أو استعمالها.[2]

خيارات متنوعة للنباتات

يؤثر نوع النبات على عمر الجداران الخضراء، بسبب ذلك يتطلّب اختيارها أكبر قدر من الاهتمام. مثلًا تتمتع المتسلقات بطول العمر، ويمكن للشجيرات العيش لعدّة سنوات مع الصيانة المناسبة، فيجب إزالة الأجزاء القديمة من أجل توفير مساحة للأجزاء الجديدة. وتعد الحوليات الأفضل من الربيع إلى الخريف، وثنائيات الحوليات من الخريف إلى الربيع. ويمتد عمر النباتات المعمرة بين 3-10 سنوات، بينما تتجدّد النباتات المزهرة، وتتغيّر باستمرار.[2]

المزايا البيئية المرتبطة بالجدران الخضراء

تضيف الجدران الخضراء قيمةً جماليةً بصريةً إلى المدن لا يمكن إنكارها، إذ تجعل المدن أكثر اخضرارًا وأجمل للعيش فيها. وينظر إليها على أنها وسيلة لزيادة استهلاك غاز ثاني أكسيد الكربون إلى أقصى حد دون التضحية بالمساحة الأرضية القيمة. ففي حين أن الشجرة تمتص حوالي 5.5 كغ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، يُعتقد أن 1 متر مربع من الجدار الأخضر يمكن أن يمتص ما يصل إلى 2 كغ. كما يحسن نوعية الهواء عن طريق القضاء على السموم الضارّة.[5]

تعطي الجدران الخضراء طبقةً من التظليل، وتمدّد عمر الواجهات عن طريق الحماية من الأشعة فوق البنفسجية. كذلك تظهر دراسة قدرتها على الحد من فقدان الحرارة بنسبة تزيد على 30%. نتيجةً لذلك توفر أنظمة الغطاء النباتي العمودي الطاقة من خلال تقليل الكمّية المطلوبة لتبريد أو تدفئة المبنى. وتمتلك النباتات الخضراء عمومًا القدرة على خفض درجة الحرارة في المدن، والحد من تأثير الجزر الحرارية. علاوةً على ذلك من المعروف أن تخضير المناطق الحضرية يعزّز التنوع البيولوجي.[5]

اعتبارات تصميمية يجب مراعاتها

يجب مراعاة العديد من الاعتبارات أثناء تصميم الجدران الخضراء، وخاصةً الظروف المناخية مثل التيارات الهوائية، ودرجات الرطوبة. ويلزم ضمان التعرّض الكافي لأشعة الشمس لتجنب خطر الاحتفاظ بالرطوبة أو الأوراق. ومن المهم اختيار نوع النباتات بما يتناسب مع الموقع على سبيل المثال؛ زرع نباتات تتحمّل الجفاف في الأماكن التي تفتقر إلى مياه الأمطار. ويلزم كذلك وضع نظم فعّالة لإدارة المياه لتجنب الري اليدوي، والإفراط في الري. ويجب صيانة النباتات كالتنظيف، والتشذيب لتبقى على قيد الحياة أطول فترة ممكنة.[5]

طحالب على الجدران

تعد الطحالب من أكثر النباتات قدرةً على الصمود حيث تفتقر إلى الجذور مما يتطلّب منها البحث عن كل المواد المغذية من الهواء. وتنمو على أي سطح تقريبًا، ويمكنها البقاء على قيد الحياة في حالة سبات لسنوات من ثم تنتعش مجددًا عند تعرّضها للرطوبة.[1]

جدار طحلب.

يعتبر جدار الطحالب في البيئة الداخلية مثاليًا لإضافة مساحة خضراء صحية، فقد تبيّن أنه يقلل من الإجهاد، ويحسن المزاج، ويرفع التركيز، والوظائف المعرفية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، توفّر الطحالب نظامًا إضافيًا لتنقية الهواء، حيث تمتص الملوثات أثناء إنتاج الأكسجين. وأظهرت بعض الأبحاث التي أجريت عام 2018 أنه بعد 3 أيام من تركيب جدار الطحلب انخفض مستوى ثاني أكسيد الكربون. ويقدّم جدار الطحالب بديلًا أرخص من أشكال الجدران الحية الأخرى. على عكس الأنواع التقليدية، لا تحتاج جدران الطحالب صيانةً مستمرةً، أو استبدالًا منتظمًا للنبات، أو المبيدات الحشرية. ويتوقّع الخبراء ازدياد شعبيتها في العمارة البيئية.[1]

جدار حي مصمم للفيضانات

كشف فندق The palace في لندن عن أكبر جدار حي في المدينة، يتألّف من 16 طنًا من التربة، و 10 آلاف نبتة. ويستغرق بناء وتغطية مساحة 32.5 متر مربع شهرين، وسيعمل الجدار الذي يبلغ ارتفاعه 21 مترًا على تجميل المدينة على مدار العام مع الزهور الموسمية، والعتلة المائية، وإبرة الماء.[6]

أكبر جدار حي في لندن في فندق The palac.

يكافح الجدار الفيضانات في المنطقة الحضرية مع صهاريج تخزين المياه الخاصة. فيمكن تخزين ما يصل إلى 10 آلاف لتر من المياه. من ثم توجّه بعد ذلك لري النباتات فيحافظ الجدار على الشوارع المحيطة خاليةً من الفيضان.[6]

انتقادات كثيرة تطال الجدران الخضراء

لم تحصّن الجدران الخضراء ضد الانتقادات لذلك لم تكتسب مكانةً راسخةً من وجهة نظر الاستدامة. يجادل البعض على سبيل المثال بأن المزايا الرئيسية التي تجلبها المساحات الخضراء الأفقية إلى المدن كالتظليل، أو تصريف التربة تُفقد عند رفع النبات عن الأرض. بعبارة أخرى يجب أن تركّز المدن على تحسين، أو خلق المزيد من المساحات المفتوحة بدلًا من النظم الخضراء الرأسية.[5]

يرى آخرون أن الجدران الحية يجب أن تعتبر عناصر بصرية فقط، لأنها على الرغم من أنها تقلل درجات الحرارة، وتعزل المباني إلا أن نجاحها محدود بسبب الظروف المناخية والمحيطة التي قد تضرّ بالهيكل والنبات. وينتشر نقد آخر يتعلق بالاستهلاك المفرط للمواد كالمياه، والمواد، والطاقة والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إبطال المزايا البيئية.[5]

بطبيعة الحال لا تعني بالضرورة هذه التحديات، والشكوك أنه لا ينبغي استعمال، أو تشجيع المساحات الخضراء الرأسية. بل إنها لا تكفي وحدها لتعزيز مدن أكثر صحةً وخضرةً. فلا بد من أن تأتي الجدران الخضراء جنبًا إلى جنب مع جهود ومبادرات أخرى مثل الأسطح الخضراء، والمنتزهات من أجل إحداث تأثير جماعي كبير.[5]

المصادر

  1. Archdaily
  2. IOP science
  3. Research Gate
  4. MDPI
  5. Archdaily
  6. Archdaily

متلازمة دي جورج DiGeorge – أبجدية جينوم ناقص!

متلازمة دي جورج، المعروفة أيضاً باسم متلازمة حذف 22q11.2، هي اضطراب جيني نادر يحدث نتيجة فقدان جزء صغير من كروموسوم 22. تعد هذه المتلازمة مصدر قلق وتحدياً للأفراد الذين يعانون منها ولعائلاتهم، حيث تؤثر على عدة جوانب من حياتهم اليومية. سنقوم في هذا المقال بالتعرف على تفاصيل هذا الاضطراب، وتأثيره على الأفراد المصابين به وعلى محيطهم، بالإضافة إلى أحدث التطورات في مجال علاجه وإدارته.

يغطي مصطلح متلازمة حذف 22q11.2 المصطلحات التي كان يُعتقد أنها حالات مختلفة، ويشمل ذلك متلازمة دي جورج والمتلازمة الشراعية القلبية الوجهية velocardiofacial syndrome والاضطرابات الأخرى التي تشارك نفس السبب الجيني بالرغم من وجود اختلاف بسيط في السمات.

تتضمن المشاكل الصحية الأكثر شيوعًا المرتبطة بمتلازمة حذف 22q11.2 عيوب القلب وضعف وظيفة الجهاز المناعي والحنك المشقوق والمضاعفات مرتبطة بانخفاض مستويات الكالسيوم في الدم وتأخر في النمو مع مشكلات سلوكية وعاطفية…

تختلف أرقام الأعراض المرتبطة بمتلازمة حذف 22q11.2 وشدتها. ومع ذلك، يحتاج كل شخص تقريبًا مصاب بهذه المتلازمة إلى العلاج من متخصصين في مختلف المجالات.

سيكون هذا المقال للحديث عن كل ما يخص هذه المتلازمة، ابتداءًا من أسبابها وأعراضها وصولًا إلى تشخيصها وعلاجها.

انتشار متلازمة دي جورج:

تصيب المتلازمة ما يقدر بـ 1 من كل 4000 إلى 6000 ولادة حية. وهي نسبة عالية مقارنة بباقي الأمراض. حيث تعتبر النسبة الأعلى بين باقي الأمراض الوراثية التي تحدث بسبب حذف microdeletion syndrome.

[1]

أسبابها:

بدايةً نعلم أن كل شخص لديه نسختين من الكروموسوم 22، حيث تورّث واحدة من الأب والأخرى من الأم. وإذا كان الشخص مصابًا بمتلازمة دي جورج، فإن نسخة واحدة من الكروموسوم 22 تفتقر إلى جزء يحتوي على ما يقدر بـ 30 إلى 40 جين (حوالي 3 ملايين زوج قاعدة base pairs). ولم يتم تحديد العديد من هذه الجينات بوضوح ولم تكن مفهومة جيدًا. تعرف منطقة الكروموسوم 22 التي تم حذفها باسم 22q11.2.

عادةً ما يحدث حذف الجينات من الكروموسوم 22 كحدث عشوائي في الحيوان المنوي للأب أو في بويضة الأم، أو قد يحدث مبكرًا خلال نمو الجنين. ونادراً ما يكون الحذف حالة وراثية يتم نقلها إلى طفل من أحد الوالدين الذي لديه أيضًا عمليات حذف في الكروموسوم 22 ولكن قد لا تظهر عليه أعراض.

وبالنسبة لوراثة المتلازمة، فهي من نوع الـ Autosomal Dominant: أي أن إصابة أحد الوالدين بها، يعطي احتمالية 50% لإصابة كل جنين بالمتلازمة. [1][2]

الأعراض:

قد تتفاوت علامات متلازمة دي جورج وأعراضها في نوعها وحدتها بناءً على الأجهزة المصابة في الجسم ومدى شدة الإصابات. ,وربما تكون بعض العلامات والأعراض ظاهرة عند الولادة، ويمكن أن لا يظهر بعضها حتى أواخر مرحلة الرضاعة أو أوائل مرحلة الطفولة. [2][3]

أهم العلامات والأعراض:

  • النفخة القلبية وزرقة البشرة نتيجة لقلة انتشار الدم الغني بالأكسجين (الزراق) بسبب الإصابة بعيب في القلب.
  • العدوى المتكررة.
  • سمات وجه معينة، مثل ذقن غير مكتملة النمو، أو أذنان منخفضتان، أو عينان متباعدتان أو ثلم ضيق بالشفة العليا – الشفة الأرنبية-
  • فجوة في سقف الفم (الحنك المشقوق palate defect) أو مشكلات أخرى في الحنك.
  • صعوبة التغذية أو عدم زيادة الوزن أو مشاكل في الجهاز الهضمي.
  • صعوبات في التنفس.
  • توتر عضلات ضعيف.
  • تأخر النمو، مثل تأخر التدحرج أو الجلوس أو غيرها من المراحل الأساسية في نمو الرضيع.
  • تأخر تطور الكلام أو الكلام المصحوب بغنة أنفية.
  • إعاقات التعلم أو تأخره.
  • مشكلات سلوكية.

متى تزور الطبيب

توجد حالات أخرى يمكن أن تسبب علامات وأعراض مشابهة لمتلازمة حذف 22q11.2. وبالتالي يجب الحصول على تشخيص دقيق وعاجل إذا ظهر على طفلك أي من العلامات أو الأعراض سابقة الذكر.

قد يشك الطبيب في الإصابة بمتلازمة حذف 22q11.2 في الأوقات التالية:

  • عند الولادة. إذا بدت حالات معينة واضحة عند الولادة، مثل عيب خطير في القلب أو الحنك المشقوق أو عدة عوامل أخرى تشبه ملازمة حذف 22q11.2، فمن المرجح أن تبدأ الاختبارات التشخيصية قبل أن يغادر الطفل المستشفى.
  • في زيارات العناية بالطفل. قد يشتبه طبيب العائلة أو طبيب الأطفال في وجود هذا الاضطراب بسبب مجموعة من الأمراض أو الاضطرابات التي تتضح مع مرور الوقت. وقد ينتبه الطبيب لوجود مشكلات أخرى أثناء زيارات فحص صحة المولود المقررة بانتظام أو خلال الفحوصات السنوية للطفل. [2][1]

المضاعفات:

تلعب أجزاء الصبغيات 22 المحذوفة في متلازمة دي جورج دورًا في تطور عدد من أجهزة الجسم. وكنتيجة لذلك، يُمكن أن يؤدي الاضطراب إلى حدوث طفرات عديدة في أثناء نمو الجنين. وتتضمن المشكلات الشائعة ما يلي:

  • عيوب القلب: وغالبًا ما تسبب متلازمة حذف 22q11.2 عيوبًا في القلب قد ينجم عنها عدم كفاية إمدادات الدم الغني بالأكسجين. على سبيل المثال، قد تتضمن التشوهات وجود ثقب بين الحجرات السفلية في القلب (خلل في الحاجز البطيني ventricular septal defect) أو وجود وعاء كبير فقط؛ بدلاً من وعائين، يؤدي إلى خارج القلب (الجذع الشرياني truncus arteriosus) أو مجموعة من أربعة هياكل قلبية غير طبيعية (رباعية فالو tetralogy of fallot).
  • قُصورُ الدُّرَيْقات: تقوم الغدد فوق الدرقية الأربعة بتنظيم مستويات الكالسيوم والفوسفور في الجسم. يُمكن أن تؤدي متلازمة حذف 22q11.2 إلى تصغير الغدد فوق الدرقية أكثر من الطبيعي وهي الغدد التي تفرز مقدارًا صغيرًا جدًا من الهرمون الجار درقي (PTH)، ما يؤدي إلى الإصابة بقُصور الدُّرَيْقات congenital hypoparathyroidism. وينجم عن هذه الحالة وجود مستويات منخفضة من الكالسيوم ومستويات مرتفعة من الفوسفور في الدم.
الغدة الزعترية
  • خلل في الغدة الزعترية: تنضج الخلايا التائية؛ نوع من خلايا الدم البيضاء، في الغدة الزعترية الموجودة أسفل عظمة الصدر. وتعتبر الخلايا التائية الناضجة ضرورية للمساعدة في مقاومة العدوى. بالنسبة إلى الأطفال المصابين بمتلازمة حذف 22q11.2، قد تكون الغدة الزعترية صغيرة أو مفقودة thymic aplasia، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف وظيفة الجهاز المناعي وحدوث عدوى شديدة بشكل متكرر.
  • حنك مشقوق: إن الحنك المشقوق؛ فتحة (شق) في سطح الفم (الحنك) cleft palate، سواء وجدت شفة مشقوقة أو لا، يُعتبر حالة شائعة من متلازمة حذف 22q11.2. وقد تصبح عملية البلع أو إصدار أصوات معينة في أثناء الكلام صعبة بسبب وجود تغييرات غير طبيعية أخرى غير واضحة بالحنك.
  • ملامح وجه متميزة: ربما يظهر عدد من السمات المحددة بوجه بعض الأشخاص المصابين بمتلازمة حذف 22q11.2. وهذه السمات تتضمن وجود أذنين صغيرتين متجهتين للأسفل أو جفون الأعين صغيرة الاتساع (شقوق جفنية) أو الأعين المقنعة أو وجه طويل نسبيًا أو طرف أنف ضخم (بصلية الشكل) أو ثلم صغير أو مسطح بالشفة العليا.
  • مشكلات في التعلم والسلوكيات والصحة العقلية: قد تسبب متلازمة حذف 22q11.2 مشكلات في نمو الدماغ وعمله، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مشاكل في التعلم والعلاقات الاجتماعية والنمو والسلوكيات. إن تأخر تطور الكلام وصعوبات التعلم لدى الأطفال من الحالات الشائعة. فبعض الأطفال يُصابون باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) أو اضطراب طيف التوحد. وفي مرحلة لاحقة في الحياة، تزيد خطورة الإصابة بالاكتئاب واضطرابات القلق واضطرابات صحية أخرى.
  • اضطرابات المناعة الذاتية: كما يُمكن أن يكون الأشخاص الذين كانوا يعانون من ضعف وظيفة الجهاز المناعي في طفولتهم؛ بسبب صغر أو فقدان الغدة الزعترية، أكثر عرضة للإصابة باضطرابات المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو داء غريفز (الدُّرَاق الجُحُوظِيّ).
  • مشاكل أخرى. قد يقترن عدد كبير من الحالات الطبية بمتلازمة حذف 22q11.2، مثل ضعف السمع وضعف البصر ومشاكل في التنفس وضعف في وظيفة الكلى وقصر القامة نسبيًا بالنسبة إلى طول أفراد العائلة. [2]

الوقاية

في بعض الحالات، تُمرر متلازمة دي جورج من الوالد المصاب إلى الطفل. إذا كنت قلقًا بشأن تاريخ عائلي لمتلازمة حذف 22q11.2، أو إذا كان لديك بالفعل طفل مصاب بالمتلازمة، فقد ترغب في استشارة طبيب متخصص في الاضطرابات الوراثية (أخصائي طب الوراثيات) أو استشاري الوراثيات للمساعدة في التخطيط للحمل في المستقبل.

التشخيص:

يستند تشخيص متلازمة دي جورج في المقام الأول على الاختبارات المعملية الذي يمكنه الكشف عن الحذف في الصبغي 22. قد یطلب طبیبك ھذا الاختبار إذا کان لدى طفلك:

  • مجموعة من المشكلات أو الحالات الطبية التي تشير إلى الإصابة بالمتلازمة
  • عيب قلبي، لأن بعض عيوب القلب ترتبط عادة مع متلازمة حذف 22q11.2

ومن أهم التقنيات المستخدمة في التشخيص هي:

الوميض الصبغي بتهجين الفلوريسنت fluorescent in situ hybridization -FISH والذي يبين الحذف الجزئي لمقطع بالصبغي 22 حيث يتم تشخيص الحذف الجزئي للذراع الطويلة في هذا الكروموسوم. [2][1]

كما يمكن عمل الفحص الوراثي بعد عمل انتساخ للحامض النووي عن طريق التفاعل المتسلسل المتضاعف (polymerase chain reaction (pcr.

ملاحظة: عندما تكون الأعراض والعلامات موجودة دون وجود الحذف الجزئي بالصبغي 22, تكون أسباب أخرى هي التي تفسر وجود الأعراض, مثل وجود نقص بالصبغي 10, أو التعرض قبل الولادة للكحول, أو للأيزوتريتينون, أو ارتفاع مستوى السكر بالدم.

يمكن أيصًا استخدم قياس الانسياب الخلوي flow cytometry لتقدير عدد الخلايا التائية, والاستجابات التكاثرية لمحدثات الاستحالة أو التفتل mitogens والمستضدات antigens.

إضافة إلى إمكانية استخدام فحوض الأشعة كالرنين المغناطيسي في تأكيد وتقييم الحالة…

العلاج:

بالرغم من عدم وجود علاج لمتلازمة دي جورج، إلا أن العلاجات يمكنها عادةً علاج المشكلات الخطيرة، مثل عيب القلب أو الحنك المشقوق. جيث يمكن معالجة المسائل الصحية والمشاكل النمائية، أو مشاكل الصحة العقلية أو المشاكل السلوكية الأخرى أو متابعتها وفقًا للحاجة.

ربما تتضمن العلاجات (العلاج المخصص) تدخلات لعلاج الأمور التالية:

  • قُصورُ الدُّرَيْقات. يمكن التغلب على قُصورُ الدُّرَيْقات عادةً من خلال مكملات الكالسيوم ومكملات فيتامين (د).
  • عيوب القلب. تتطلب معظم عيوب القلب جراحة بعد الولادة مباشرة لعلاج القلب وتحسين مستوى وصول الدم الغني بالأكسجين.
  • قصور وظيفة الغدة الزعترية. إذا كان طفلك يعاني من بعض القصور في وظيفة الغدة الزعترية، فربما تكون حالات العدوى متكررة، ولكن دون وجود خطورة بالضرورة. يتم علاج حالات العدوى المذكورة — نزلات البرد والتهابات الأذن عادةً — بوجه عام كما هو الحال مع أي طفل. يتبع معظم الأطفال المصابين بقصور وظيفة الغدة الزعترية جدول التطعيمات الطبيعي. بالنسبة لمعظم الأطفال الذين يعانون من قصور وظيفة الغدة الزعترية بصورة معتدلة، يتحسن أداء الجهاز المناعي مع التقدم في العمر.
الخلية التائية
  • خلل الغدة الزعترية الشديد. إذا كان خلل الغدة الزعترية شديدًا أو في حالة عدم وجود غدة زعترية، فيكون طفلك معرضًا لمخاطر الإصابة بمجموعة من الأمراض الخطيرة. يتطلب العلاج زراعة نسيج الغدة الزعترية، أو خلايا متخصصة من النخاع العظمي أو خلايا الدم المتخصصة المقاومة للأمراض.
  • حنك مشقوق. يمكن علاج الحنك المشقوق أو غير ذلك من اضطرابات الحنك والشفة عادةً من خلال التدخل الجراحي.
  • التطوير الشامل. من المحتمل أن يستفيد طفلك من مجموعة من العلاجات، بما في ذلك العلاج التخاطبي، والعلاج المهني والعلاج النمائي. في الولايات المتحدة، تتوفر برامج التدخل المبكر التي توفر الأنواع المذكورة من العلاج من خلال الإدارة الصحية بالمدينة أو الولاية.
  • رعاية الصحة النفسية. ربما يوصى بالعلاج إذا تم تشخيص حالة طفلك فيما بعد على أنها إصابة باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، أو اضطراب طيف التوحد، أو الاكتئاب، أو غير ذلك من اضطرابات الصحة العقلية أو الاضطرابات السلوكية.
  • إدارة الحالات الأخرى. ربما تتضمن الحالات المذكورة علاج المسائل المتعلقة بالتغذية والنمو، والمشاكل السمعية أو البصرية، وغير ذلك من الحالات الطبية. [3][2][1]

ملاحظة:

توجد محاولات ناجحة لزراعة الغدة التيموسية للأطفال الذين تكون عندهم الغدة غير موجودة, حيث أنه أثناء عمل جراحة للقلب, يؤخذ جزء من الغدة التيموسية من طفل حديث الولادة لأسرة متبرعة, وبعد فحصها والتأكد من خلوها من الأمراض, يتم زرع أجزاء صغيرة منها بعضلات الساق, وفي دراسة تم إجراؤها في شهر أغسطس سنة 2003 تبين أن جميع الأطفال الذين تم علاجهم بهذه الطريقة, قد حدث عندهم تطور لجهاز مناعي فعال, وهذه الأبحاث تعطى أمل, أن الأطفال المتأثرين بشدة بتشوه دي جورج من الممكن أن يعيشون حياة صحية.

في أغلب الحالات يجب تجنب التطعيم للأطفال المصابين بتشوه دي جورج بلقاحات الفيروسات الحية.

مصير المرضى:

يعتمد مصير المرض على مدى الإصابة ومدى اعتلال القلب والجهاز المناعي.

أغلب الأشخاص الذين يعيشون يكون عندهم صعوبات بسيطة في التعلم ويكون نموهم طبيعي.

الأطفال المتأثرين بشدة بالمتلازمة يكون عندهم مشاكل شديدة, مثل أمراض القلب أو غياب الغدة التيموسية, ورغم العلاج فإنهم لا يعيشون أكثر من سنوات قليلة.

أمراض وراثية أخرى ذات صلة:

متلامة تيرنر

مرض ترسب الأصبغة الدموي الوراثي

متلازمة مارفان

مراجع ومصادر:

1- ncbi

2- omim

3- medline plus

ماذا تعرف عن الأسطح الخضراء؟

هل مللت من النظر إلى أسطح المباني التقليدية، وهل تريد إضافة بعض الخضرة إلى مدينتك؟ إليك الحل إنها الأسطح الخضراء.

[iframe src=”https://app.powerbi.com/view?r=eyJrIjoiMGY4YzVjZmItNzJiNi00ZWViLWE5MjktYWNhYTY1ZTg2NTUxIiwidCI6ImRmODY3OWNkLWE4MGUtNDVkOC05OWFjLWM4M2VkN2ZmOTVhMCJ9″ width=”800″ height=”600″]

تكتسب مشكلة التلوث البيئي أهميةً كبيرةً في الوقت الراهن، وتبرز العمارة البيئة كطريقة جديدة للحياة والتفكير. وسنتحدث في هذا المقال عن السطح الأخضر ودوره في البناء.

ما هي الأسطح الخضراء

تعني الأسطح الخضراء زراعة الخضرة على الأسطح، أي ملء السطح بشكل جزئي أو كامل بالنباتات الحية. وتزرع النباتات مباشرةً في التربة، حيث تُثبّت طبقة غشائية مقاومة للماء بينها وبين والسقف.[1]

مكونات السطح الأخضر.

انتشرت هذه التقنية مؤخرًا لكن الأسطح الخضراء لديها بالفعل تاريخ قديم، إذ استخدمت قبل عدّة قرون. لأنها تمتلك خصائص عزل حراري ممتاز، فساعدت على إبقاء المنازل دافئةً في البلدان الباردة كإسكندنافيا أو آيسلندا. بينما أبقت على الغرف باردةً في البلدان الحارة مثل تنزانيا. ظهرت تقنيات الزراعة الحديثة في الستينيات في ألمانيا بسبب تدهور الوضع البيئي في المدينة. وانتشرت في العقود التالية في جميع أنحاء العالم، وتعد اليوم هذه التقنية الأكثر شعبيةً في المدن الضخمة. إذ تنتشر فوق مراكز التسوق، والمباني المكتبة والسكنية العالية.[1]

أهمية الأسطح الخضراء في المدن

من المتوقّع أن يعيش حوالي 6.68 مليار شخص في المناطق الحضرية بحلول عام 2050، وهو ما يمثِّل 68% من سكان العالم. وقد أدى هذا التوسّع الحضري السريع مقترنًا بتغير المناخ إلى عدّة آثار سلبية مثل الفيضانات، والجزر الحرارية، وفقدان التنوّع البيولوجي، وتلوث الهواء. مما يترتّب نتائج سلبيةً على الصحة البدنية، والعقلية لسكان الحضر.[2] على سبيل المثال؛ تمتص أسطح المباني الإشعاع الشمسي، وتعيد إشعاعه بسبب ذلك تكون متوسط درجات الحرارة في هذه المناطق أعلى دائمًا من المناطق الطبيعية المحيطة مما يخلق تأثير الجزر الحرارية. وتضمّ المدن ما يقارب 50% من الأسطح غير المستخدمة، نتيجةً لذلك يسعى الخبراء لتحويل السطح إلى مساحة متعددة الوظائف في المدن باستخدام النباتات. وقد انتشرت هذه الممارسة على نطاق واسع في ألمانيا لأكثر من 30 عام، وفي عام 2002 احتوت أكثر من 12% من أسطح المنازل المسطّحة في ألمانيا على النباتات.[3]

أنواع الأسطح الخضراء

تنقسم الأسطح الخضراء عادةً إلى فئتين رئيسيّتين، وهما الواسعة والكثيفة. تحتوي «الأسطح الخضراء الواسعة-Extensive green roofs» على طبقة ركيزة رقيقة (5-15)سم، وأنواع نباتات محددة. لكنها تتطلّب تكاليف أقل نسبيًا، وتمتلك أوزانًا في الحدود الدنيا. ينتشر هذا النوع في ألمانيا ويمثل أكثر من 80% من جميع الأسقف الخضراء.[3]

على النقيض من ذلك، يشار إلى «الأسطح الخضراء الكثيفة-Intensive green roofs» أحيانًا باسم حدائق الأسطح. إذ تحتوي على ركيزة أعمق، أكبر من 15 سم، مما يتيح إمكانيةً أكبر لزيادة تنوع النباتات. لكنها تأتي مع زيادة في الوزن، وارتفاع التكلفة، ومتطلّبات الصيانة.[3]

تُصنِّف بعض الدراسات نوعًا ثالثًا من الأسطح وهو «السطح الأخضر نصف الكثيف- Semi-intensive green roofs». ويعتبر هذا النوع متوسّطًا بين النوعين، فيملك خيارات أكثر من السطح الواسع بسبب ازدياد عمق التربة، لكنه لا يتناسب مع الأشجار والشجيرات الطويلة.[4]

تصنيف الأسطح الخضراء وفق بعض الدراسات.

فوائد متعددة

تنظيم دراجات الحرارة: يمكن للسطح الأخضر خفض درجات حرارة الهواء المحيط، وحرارة السطح نتيجةً لذلك يقل تأثير الجزر الحرارية في المناطق الحضرية. يقلل هذا بدوره الحرارة المنتقلة إلى المباني مما يؤدي إلى تقليل كمّية الطاقة اللازمة للتبريد. بسبب ذلك تنخفض تكاليف الكهرباء فضلًا عن الحد من تلوث الهواء الناتج عن محطّات توليد الطاقة.[5]

كفاءة البناء: توفّر التربة والنباتات العزل والظل، فيقل انتقال الحرارة من الخارج إلى الداخل من خلال السقف. يؤدي ذلك إلى انخفاض الحاجة إلى التكييف، والتدفئة. إضافةً إلى ذلك، تقل الضوضاء، فيعد هذا السقف مثاليًا للأبنية الواقعة قرب خطوط السكك الحديدية، والمطارات، والطرق السريعة. [5][1]

تحسين جودة الهواء: يقلل السطح الأخضر تركيز ملوّثات الهواء لأن النباتات تنقي الهواء، وتحتفظ بنحو 20% من الشوائب الضارّة.[1]

إدارة مياه الأمطار: تحتفظ الأسطح الخضراء بمياه الأمطار لفترة كافية، من ثم تطلّقها من خلال التبخر النتح مما يساعد على منع الجريان السطحي من مياه الصرف الصحي، وتقليل كمية المعالجة. كما تجهّز بعض الأسطح لتجميع مياه الأمطار كبديل لاستعمالها في وقت لاحق. وعادةً ما تستخدم للري، وتدفّق المراحيض، وغيرها من الأغراض غير الصالحة للشرب.[5]

الاستجمام، والترفيه: تمكّن حدائق السطح سكان المدن الوصول إلى الطبيعة فتتحسن نوعية حياة الناس عن طريق تخفيف الضغط، وزيادة الترفيه. كما تؤدي عناصر التصميم الأخضر في مكان العمل إلى خفض الإجهاد، والتوتّر، وزيادة الإنتاجية.[5]

مقارنة بين السطح الأخضر والسطح التقليدي.

تحديات وعوائق

تجدر الإشارة أيضًا إلى مساوئ السطح الأخضر، فيمكن أن يشكل الوزن الإضافي للسقف حاجةً إلى الدعم الهيكلي، وتعزيز هيكل المبنى. كما يصعب إقامة هذا النوع في المناطق المعرّضة للزلازل. علاوةً على ذلك، يحتاج السقف الأخضر تكلفةً أوليةً عاليةً حيث ذكرت شركة Green roofs for healthy cities أن تركيب متر مربع من السطح الأخضر قد يكلّف حوالي 120-180 دولار، ولا يشمل السعر المادة المقاومة للماء. وتتوقّف تكلفة التركيب بشكل مباشر على نوع النباتات، ومواد العزل، ومدى تعقيد تركيب الهياكل الداعمة. كما يعد من الضروري إنفاق المال على إزالة الأعشاب الضارة سنويًا من النباتات، وتخصيب التربة.[1]

اعتبارات تصميمية

ينبغي الأخذ بعين الاعتبار عدّة عوامل عند تصميم الأسطح الخضراء ومنها:

  • تحليل الموقع: وهو العامل الأكثر أهميةً، إذ يجب النظر في النطاق الإقليمي، والمناظر الطبيعية المحيطة بالموقع. من أجل اختيار النوع المناسب من السطح الأخضر.[6]
  • اختيار النبات: تستعرض أنواع النباتات على أساس متطلّبات ضوء الشمس، والماء، والقدرة على تحمّل البرد. وينبغي اختيار النباتات، ونوع الركيزة، وعمقها اعتمادًا على المبادئ التوجيهية المتاحة محليًا. ويعتمد الاختيار عمومًا على ظروف الموقع، وأهداف التصميم. وتعد المعرفة الواسعة بانتقاء النباتات العامل الحاسم أثناء تصميم السطح الأخضر وبقائه على قيد الحياة.[6]
  • خصائص إنشائية: يجب دراسة الخصائص الهيكلية الجديدة أو القائمة للمبنى الذي ستوضع النباتات عليه. فينبغي دراسة حجم، وانحدار الركيزة، ومقدار الحمل الذي تُحدّثه. وبحسب الميزانية، والتحميل قد تتاح فرصةً لدمج الألواح الشمسية مع السطح. كما يجب النظر في إمكانية الوصول، والصيانة طويلة الأجل.[6]
  • الصيانة، والمياه: يلزم صيانة المحطّات، وشبكات الري، والصرف الصحي، والنظر في الجوانب المتعلّقة بالمياه من تسريب، وري، وتصريف.[6]

أسطح خضراء حول العالم

مدرسة نانيانغ للفنون Nanyang school of art

تتكوّن المدرسة من 5 طوابق على شكل قوسين منحدرين محدّدي الشكل يتشابكان مع قوس ثالث أصغر. تمنع الأسطح المنحنية فقدان المساحة المفتوحة، كما تقدّم فوائد بيئية عديدة. على سبيل المثال؛ تزيد الأعشاب الكثيفة الممزوجة بعشب Voysia matrella من كفاءة المدرسة البيئية من خلال المساعدة على امتصاص أشعة شمس سنغافورة الشديدة. في نفس الوقت عزّز العشب الأخضر كمساحة تجمع خارجية الإبداع لدى الطلاب، وقدم مساحات تزيد التفاعل بينهم.[7]

Nanyang school of art في سنغافورة.

متحف موسغارد Moesgaard museum

يقع متحف موسغارد في آرهوس في الدنمارك، وصممه المعماري هينينغ لارسن. وصنع سطحه منحدرًا لاستخدامه في النزهات الصيفية، والتزلّج في فصل الشتاء.[8]

متحف موسغارد في الدنمارك.

أكاديمية كاليفورنيا للعلوم

صمم الأكاديمية رينزو بيانو، واتّبع سطح المبنى شكل مكوّناته، ويغطى ب 1,700,000 نبتة محلية. السطح مسطح في محيطه، لكنه يصبح متموجًا على نحو متزايد عند الابتعاد عن الحافة ليشكّل مجموعةً من القباب مختلفة الأحجام. وحصل المشروع في النهاية على شهادة لييد البلاتينية.[9]

أكاديمية كاليفورنيا للعلوم.
قباب أكاديمية كاليفورنيا للعلوم.

شعبية متزايدة

ازدادت شعبية الأسطح الخضراء في الآونة الأخيرة، وأخذت بالانتشار على نطاق واسع. فصدر قانون في فرنسا يقضي بتغطية أسطح المباني التجارية إما بالنباتات أو بالألواح الشمسية. واعتمدت مدينة سيدني عام 2014 سياسة السقف، والجدران الخضراء.[6]

كذلك أصبح تركيب السطح الأخضر إلزاميًا في بعض البلديات الألمانية تحت عقوبة الغرامة لجميع مالكي الأسطح المسطحة. مثلًا في محيط شتوتغارت تغطى حتى المخازن الضخمة بالعشب. بينما بدأت تنتشر في روسيا في المدن الكبرى مثل موسكو، وسانت بطرسبرغ، وكالينينغراد وغيرها. خلاصة القول، تنفيذ هذا النوع من المشاريع ليس مهمةً سهلةً، لكن إذ حسب حساب كل شيء بشكل صحيح ستكون الاستثمارات مبررةً تمامًا.[1]

المصادر

  1. IOP Science
  2. Science direct
  3. Research Gate
  4. MDPI
  5. United States environmental protection agency
  6. Scholarly community encyclopedia
  7. Archdaily
  8. The guardian
  9. Archdaily

متلازمة تيرنر: فهم الوراثة والتأثير!

تُعدّ متلازمة تيرنر Turner Syndrome واحدة من الاضطرابات الجينية النادرة التي تؤثر على الإناث، وتتميز بوجود تواجد نقصي أو غياب تام لأحد الكروموسومات الجنسية X. يعاني الأفراد الذين يعانون من هذه المتلازمة من مجموعة من التحديات الصحية والاجتماعية. سنتناول في هذا المقال أسباب المتلازمة، أعراضها، التشخيص، وسبل العلاج وغيرها.

تعد متلازمة تيرنر اضطرابًا شائعًا نسبيًا، حيث يصيب حوالي 1 من كل 2500 إلى 3000 فتاة. وفي معظم الحالات، لا يتم تشخيص الإصابة بالمتلازمة حتى عمر المراهقة… [1] [2] 

أسباب متلازمة تيرنر:

تحدث متلازمة تيرنر نتيجة لنقص أو غياب إحدى كروموسومات X عند الإناث. يحدث هذا النقص عادة بصورة عشوائية أثناء تكوّن البويضة أو في الحياة الجنينية المبكرة. ويحدث ذلك نتيجةً لخلل في الحيوان المنوي للأب أو بويضة الأم مما يتسبب في احتواء جميع خلايا الجسم على نسخة واحدة فقط من الكروموسوم ذاته (النمط احادي الصباغ ).

وفي حالات معينة، يمكن أن تحدث نتيجة لاختلال عملية الانقسام الخلوي في المراحل المُبكرة من تطور الجنين مما يتسبب بتواجد خلايا احادية الصبغي ( X ) وأخرى تحمل نسختين منه (النمط الفسيفسائي).

إضافة إلى ذلك يعتقد بعض الباحثين أن بعض العوامل البيئية، مثل التعرض للإشعاع أو المواد الكيميائية، قد تزيد من خطر الإصابة بمتلازمة تيرنر. ومع ذلك، لا يوجد دليل علمي قوي يدعم هذه النظرية.

تشمل عوامل الخطر الأخرى المحتملة لمتلازمة تيرنر ما يلي:

  • عمر الأم: تزداد احتمالية إصابة الأطفال بمتلازمة تيرنر إذا كانت والدتهم أكبر من 35 عامًا عند الحمل.
  • الوزن عند الولادة: قد يكون الأطفال الذين يولدون بوزن أقل عرضة للإصابة بمتلازمة تيرنر.
  • مشاكل الحمل: قد تكون النساء اللائي يعانين من مشاكل الحمل، مثل الإجهاض المتكرر أو الولادة المبكرة، أكثر عرضة لأن يكون أطفالهن مصابون بمتلازمة تيرنر. [1] [2] 

أعراض متلازمة تيرنر:

  1. قصر القامة: ويعتبر واحد من أكثر العلامات البارزة لهذه المتلازمة. قد يتطلب العلاج بواسطة هرمون النمو.
  2. مشاكل القلب والأوعية الدموية: يزيد خطر حدوث مشاكل في القلب والأوعية الدموية، ويشمل ذلك التضيق التاجي والاضطرابات في هيكل القلب.
  3. مشاكل التكاثر:
    وذلك بسبب عدم انتظام الدورة الشهرية أو انقطاعها، وربما يحدث العقم في الحالات المستعصيّة… [1] [2]

التشخيص:

يتم تشخيص متلازمة تيرنر عادةً من خلال اختبارات الدم أو التصوير بالموجات فوق الصوتية.

اختبارات الدم

يتم إجراء اختبارات الدم الأكثر شيوعًا لتشخيص متلازمة تيرنر، والمعروفة باسم تحليل كروموسومات. يمكن إجراء هذا الاختبار في أي عمر، ولكنه يتم إجراؤه غالبًا عند الولادة أو أثناء الحمل.

يمكن استخدام تحليل كروموسومات لتحديد عدد الكروموسومات في الخلايا. عادةً ما يكون لدى الفتيات المصابات بمتلازمة تيرنر كروموسوم X واحد فقط في كل خلية. يمكن أن يكشف تحليل كروموسومات أيضًا عن أي مشاكل كروموسومية أخرى قد تكون مرتبطة بمتلازمة تيرنر.

التصوير بالموجات فوق الصوتية

يمكن استخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية لتقييم أعضاء الجسم، مثل القلب والكلى. قد يكشف التصوير بالموجات فوق الصوتية عن بعض المشاكل الصحية المرتبطة بمتلازمة تيرنر، مثل عيوب القلب أو الكلى.

اختبارات أخرى

قد يلزم إجراء اختبارات أخرى لتقييم المشاكل الصحية المرتبطة بمتلازمة تيرنر، مثل مشاكل الغدة الدرقية أو مشاكل السمع.

الخطوات

فيما يلي الخطوات العامة لتشخيص متلازمة تيرنر:

  1. التاريخ الطبي والفحص البدني: سيسأل الطبيب عن تاريخك الطبي وسيقوم بفحص بدني للبحث عن أي علامات أو أعراض لمتلازمة تيرنر.
  2. اختبارات الدم: سيطلب الطبيب إجراء اختبارات دم لتحديد عدد الكروموسومات في الخلايا.
  3. التصوير بالموجات فوق الصوتية: قد يطلب الطبيب إجراء تصوير بالموجات فوق الصوتية لتقييم أعضاء الجسم، مثل القلب والكلى.
  4. اختبارات أخرى: قد يلزم إجراء اختبارات أخرى لتقييم المشاكل الصحية المرتبطة بمتلازمة تيرنر.

التشخيص المبكر

يساعد التشخيص المبكر للمرض في ضمان حصول الفتيات المصابات على الرعاية الطبية المناسبة في وقت مناسب. كما يمكن أن يساعد العلاج بالهرمونات البديلة في تحفيز النمو وتطور الفتاة الجنسية… [1] [2] 

سبل العلاج:

  1. العلاج بواسطة هرمون النمو: يمكن استخدام هرمون النمو لتحسين القامة لدى الأفراد المصابين.
  2. العلاج الهرموني: يمكن تقديم العلاج الهرموني لتعويض الهرمونات الناقصة، والتي قد تساهم في تحسين النمو وتطوير السمات الثانوية الجنسية (لاسيما هرمون الاستروجين)..
  3. الدعم النفسي والاجتماعي:
    يمكن أن يكون الدعم النفسي والاجتماعي حيويًا لتعزيز التكيف الاجتماعي والعاطفي للأفراد المصابين. [1][2] 

أمراض وراثية ذات صلة:

الأبحاث العلمية:

هناك العديد من الأبحاث العلمية الجارية حول هذه المتلازمة، والتي تركز على تطوير علاجات جديدة وفهم أفضل للاضطراب.

علاجات جديدة

أحد المجالات الرئيسية للبحث هو تطوير علاجات جديدة لمتلازمة تيرنر. تركز بعض الأبحاث على استخدام العلاج الجيني لإضافة كروموسوم X إضافي إلى خلايا الفتيات المصابات. تركز أبحاث أخرى على استخدام العلاجات الهرمونية لتحفيز النمو والتطور الجنسي لدى الفتيات المصابات.  [3]

فهم أفضل للاضطراب

تركز الأبحاث الأخرى على فهم أفضل للمتلازمة. حيث يحاول الباحثون تحديد العوامل التي تساهم في تطور الاضطراب وتحديد كيفية تأثيره على نمو وتطور الفتيات المصابات. [4]

التوقعات

يبدو أن الأبحاث الجارية حول المتلازمة واعدة. من المرجح أن تؤدي هذه الأبحاث إلى تطوير علاجات جديدة وفهم أفضل للاضطراب، مما سيحسن حياة الفتيات المصابات بها.

في النهاية، فإن فهم هذا المرض يساعد في توفير الرعاية الفعّالة للأفراد المتأثرين. يتطلب ذلك طرقًا حديثة تساعد في التشخيص المبكر والإدارة الشاملة، وهذا يحتاج إلى تظافر الجهود والتعاون بين الأطباء والمتخصصين في الرعاية الصحية والعائلات.

ولا ننسى أن توفير الدعم والفهم للأفراد الذين يعانون منها يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز جودة حياتهم وتحسين فرص تحقيقهم الكامل في مختلف جوانب الحياة.

المراجع:

[1] NCBI

[2] medlinePlus

[3] elesvier

[4]  pubmed

ماذا تعرف عن مملكة كرمة، وأين تقع؟

كان النوبيون مجموعة من القبائل، التي تعيش في مناطق شمال السودان، يعود إلى ما قبل الميلاد بكثير، وتمتد مناطقهم من جنوب مدينة الخرطوم وحتى حدود السودان الشمالية مع مصر. وهذه المناطق بقعة ثرية بالحضارات والممالك كمملكة كرمة التي سنتناول الحديث عنها في هذا المقال.

نشاة مملكة كرمة

نشأت مملكة كرمة في منطقة دونغولا في السودان الحديث، وهي مملكة نيلية أفريقية قديمة، عاصمتها مدينة كرمة، ظهرت في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، وسيطرت في أوج قوتها على العديد من الشلالات على نهر النيل، والتي كانت تغطي أراضي واسعة.

فقد برزت كقوة في المنطقة؛ بسبب موقعها الاستراتيجي الواقع على العديد من طرق القوافل المتجهة إلى مصر، والبحر الأحمر، والقرن الأفريقي. وبذلك فرضوا ضرائب ورسوم باهظة على جميع قوافل التجارة المارة عبر هذه الطرق، وكانت هذه الضرائب السبب الأساسي في ثروة كرمة.[1]

أبرز حكام المملكة

تشير الدراسات إلى وجود العديد من الملوك الذين حكموا مملكة كرمة. فقد بدأ الحكم من عهد الملك كاشتاوتنتهي حتى عهد الملك مالنقين، والقصر الملكي وكانت مروي مركزاً إقليمياً وكانت المقابر الملكية في مدينة الكرو التاريخية. يأتي من بعده الملكة ماكيدا ويحتمل أن تكون هي بلقيس ملكة سبأ.

بالإضافة إلى الملك اسركماني العام 950 قبل الميلاد. وأخيراً كادملو فقد  وجد نحت لها في أحد المعابد القريبة. وقد امتد حكم هؤلاء الملوك لمدة قرن تقريباً ما بين 690 و590 قبل الميلاد، وبما أنهم كانوا يحكمون كلا من مصر والسودان.[2]

مجتمع كرمة

حضارة كرمة كانت ريفية في المقام الأول، حيث كان عدد سكان مدينة كرمة حوالي 2000 نسمة فقط. فقد مارس النوبيون في هذه الفترة الزراعة والصيد وتربية الماشية مثل الأبقار والأغنام، وعملوا في ورش تنتج السلع الخزفية والمعدنية. القطع الأثرية الأكثر ارتباطاً بحضارة كرمة هي على الأرجح الدفوفة (المعابد).

ولذلك أبقت مواد البناء المصنوعة من الطوب اللبن الجزء الداخلي منها باردة على الرغم من الشمس النوبية الحارة، في حين سمحت الأعمدة الطويلة بتدفق هواء أكبر. كانت جدرانها مزينة بالبلاط ومزخرفة برسومات متقنة، وبعضها مبطن بالذهب.[4]

أهم المعالم في مملكة كرمة

أثبتت الدراسات والأعمال الآثرية التي أجريت على مواقع حضارة كرمة. إن هذه الحضارة لها الكثير من المخلفات الآثرية المادية التي تعكس النشاطات المعمارية لأهل هذه الحضارة. هذا بجانب بعض المخلفات التي تصور المخلفات الدينية والممارسات الثقافية التي كانت سائدة. ومن أبرز الآثار الموجودة في المملكة حتى الآن.

الدفوفة الشرقية والغربية

تعتبر من أهم معالم كرمة الآثرية، وأكثر الهياكل غرابة في النوبة والوحيدة من نوعها في الوجود وهما عبارة عن مبنى ومعبد جنائزي كبير من الطوب اللبن التي تبعد حوالي 3,5 كم من مجرى النيل.[3]

فقد تأتي أهمية الدفوفتان على أنهما مدافن حكام وسكان فترات حضارة كرمة المتعاقبة. إضافة إلى وجود المقابر التي تحمل شكل الكوم المستدير من الخارج. أما حفرة الدفن فهي دائرية أو بيضاوية تم فيها دفن صاحب القبر على عنقريب من الخشب ويحيط به الأثاث الجنائزي المكون من عدة أشياء منها الأواني الفخارية وأدوات الزينة.[5]

عادات الدفن في كرمة

تتميز طقوس الدفن في الديفوفة بأنها تحوي ما بين 20 و 30 قبر لملوك ورعايا هذه المملكة، والتي تعتبر شاهداً على طقوس دفن يعود تاريخها إلى حوالي 2500 قبل الميلاد. كما كانت تحتوي على جثمان الشخص المتوفى في وضعية الجنين، حيث يكون رأسه متجها نحو الشرق، ووجهه نحو الشمال.

كما كان سكان المنطقة يتبعون طقوس دفن خاصة. ومن هذه الطقوس، إحياء مراسيم تأبين متكررة لعدة سنوات. وهي مراسيم تجتمع فيها العائلة حول القبر لمشاركة الميت في مأدبة كبرى. تُترك بعدها الأواني مقلوبة فوق الأرض في دليل على تقاسم الوجبة مع الميت.[4]

علاقة المملكة مع مصر

تشير المصادر التاريخية إلى أن مملكة كرمة ومصر كانتا تتفاعلان بشكل كبير خلال الفترة الزمنية التي امتدت من حوالي 2500 قبل الميلاد إلى 1500 قبل الميلاد. في البداية، استخدم الملوك الكوشيون كرمة للدفن الملكي والاحتفالات الخاصة. مما يوحي ببعض الارتباط فيما بينهم.[3]

كما كان لها صلات تجارية معها وتتمثل في المنتجات الحيوانية والعاج والأبنوس. كما أنشأ المصريون الحصون في الحدود الجنوبية لمصر لتأمين تجارة وتأمين مصر من أي خطر. لأنهم كانوا يتخوفون أي هجمات من الجهة الجنوبية.

سقوط كرمة

غزت المملكة المصرية في عهد الفرعون تحتمس الأول من الأسرة الثامنة عشر في مصر مملكة كرمة في عام 1504 قبل الميلاد، ودمر عاصمتها مدينة كرمة، وأنشأ فيها مستوطنة جديدة، تُعرف اليوم باسم الدقي جل (ومعناها التل الأحمر)، ثم وضعوا نائباً فيها ليحكمها ويحافظ على أراضيها وثرواتها، واستمر المصريون في حكم كرمة، حتى ظهرت مملكة كوش، بعد تفكك المملكة المصرية خلال فترة عرفت باسم انهيار العصر البرونزي.[5]

المراجع

1. Heritagedaily.com
2. Unchicago.edu
3. History.com
4. Thinkafrica.net
5. Thearchaeologist.com

مملكة المناذرة، أول ممالك العرب قبل الاسلام

تعتبر مملكة المناذرة واحدة من الممالك العربية التي حكمت قبل الإسلام. وتميزت بالقوة والحضارة المذهلة التي ما تزال آثارها قائمة إلى هذا اليوم. وفي هذا المقال سنقدم أبرز المعلومات المتعلقة بمملكة المناذرة.

التأسيس والنشأة

المناذرة هم سلالة عربية حكمت العراق قبل الإسلام، ويعود نسبهم إلى بني لخم من تنوخ. هاجر المناذرة من مأرب في اليمن، بعد خراب سد مأرب، وكوّنوا مملكة قوية من أقوى ممالك العراق العربية قبل الإسلام. فكانت هذه المملكة هي امتداد للممالك العربية التي سبقتها مثل مملكة الحضر. وقد امتدت مملكة المناذرة من العراق ومشارف الشام شمالاً، حتى عمان جنوباً، متضمنة البحرين، وهجر، وساحل الخليج العربي. واستمرت مملكتهم في الحيرة حتى احتلها الفرس في مهدها. وبهذا أصبحت مملكة شبه مستقلة وتابعة للفرس، ومع ذلك أكملت الحيرة ازدهارها وقوتها. كان لمملكة المناذرة دور مهم بين الممالك العربية، فقد عززت علاقاتها مع الحضر وتدمر والأنباط والقرشيين. [1]

الحيرة عاصمة المملكة

الحيرة هي عاصمة المناذرة وقاعدة ملكهم، ويرجع أقدم ذكر للحيرة لعام (132م). وقد رابطت بها قوات مملكة تدمر، حيث تقع الحيرة قرب الكوفة حالياً وقريبة من نهر الفرات. ويمر في الحيرة نهر متفرع، كان يروي الحيرة، ومنه كانوا يركبون القوارب حتى الخليج العربي. كانت المملكة تتحدث العربية والآرامية والفارسية، وكان لها إسهامات كبيرة في الحياة الفكرية والدينية. كما اعتن أهل مملكة المناذرة وملوكها الديانة المسيحية التي دخلت إلى العراق في القرن الأول الميلادي، غير إنها انتشرت في القرن الثالث الميلادي. وأسس أهل المناذرة مذهبأ خاصا بهم سمي المذهب النسطوري والذي تمايز عن بعض معتقدات الكنائس الرومانية والقبطية. [3]

ملوك المناذرة

أول من حكم الحيرة كانوا من بني تنوخ، إذ كانت هذه القبيلة قد وصلت إلى البحرين من اليمن واستقرت فيها. ثم انتقل القبيلة إلى العراق بقيام الحرب الأهلية في فارس، فهاجروا إلى منطقة الحيرة والأنبار. وكان اسم الملك الأول “مالك بن فهم” وهو من الأزد، ثم انتقل الحكم بعدها إلى جذيمة الأبرش الذي يعود في نسبه إلى العرب العاربة. وفي مطلع القرن الخامس، يظهر اسم النعمان الأول، وعُرف باسم النعمان السائح؛ لأنه ترك ملكه في أواخر أيام حكمه، وخرج مستخفياً هارباً لا يعلم به أحد. وذكر عن النعمان أنه كان محارباً قوياً ورجلاً حازماً، اشترك في معارك كثيرة مع عرب الشام، كما ينسب إليه بناء قصر الخورنق. [4]

الحياة الفكرية والأدبية

كانت الحيرة منبرًا للفكر والمعرفة وزخرت بمعاهد العلم ومدارسه. وقد تلقى إيليا الحيري مؤسس دير مار إيليا دراسته الدينية في إحدى مدارس الحيرة، إضافة إلى مار عبدا الكبير دراسته في إحدى مدارس الحيرة، وكذلك نصير أبو موسى بن نصير فاتح الأندلس. كما تعلم المرقش الأكبر الكتابة وبعض العلوم في الحيرة. [1]

كان لموقع الحيرة بالغ الأثر في تلاقح الحضارات. إضافة إلى اهتمام ملوك الحيرة بالتدوين، إذ أمر النعمان بن المنذر بنسخ أشعار العرب فنسخت له. وقد عثر على بعضها مدفوناً في قصره الأبيض في زمن المختار، وكانوا ملوك المناذرة يشجعون الشعراء بالعطايا. ومن شعراء الحيرة، المثقب العابدي، و النابغة الذبياني، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، وعمرو بن قميئة، وولبيد بن ربيعة. كانت الحيرة مركزاً علمياً هاماً، وملتقى الأدباء في الجاهلية. وكان النعمان بن المنذر يجتمع بأدباء العرب في قصر الخورنق، ويقيم مهرجاناً أدبياً يسمى “المؤتمر”، فكانت الحيرة محجاً للأدباء والمثقفين. [2]

أهم الآثار الموجودة في المملكة

تركت مملكة المناذرة الكثير من الآثار الشاهدة على حضارتها العريقة، من أبرزها ما يأتي:

1. قصر الخورنق

الخورنق هو قصر بُني في نواحي العراق. ويعتقد أنه كان موجوداً قرب ما يسمى حالياً أبو صخير جنوب العراق. بناه النعمان بن امرؤ القيس في القرن الرابع الميلادي، وقد ورد الحديث عنه في أحاديث العرب وأشعارهم. ويُروى أن قصر الخورنق كان أحد أجمل قصور الكوفة، وقد استغرق بناؤه عشرين عاماً. وبعد أن انتهى البناء، عرضه على الملك النعمان، انبهر بن المنذر أشد الانبهار.

جزاء سنمار

وتحكي الروايات أنه قيل للملك أن هناك قطعة حجرية أو عمودًا بالقصر لو زالت لسقط القصر كله، وإنه لا يعلم مكانها غير الباني. وقيل إنه قال: “إني لأعرف في هذا القصر موضع عيب إذا هُدم تداعى القصر بأكمله”. وأضاف: “لقد صممت هذا القصر لك وحدك، ولا يمكن لأي شخص مهما كان أن يشيد مثله. ولقد تركت آجرة (طوبة) في موضع محدد، إن أزحتها من مكانها انهدم القصر برمته. فإن تعرضت مملكتك لغزو، أو تمكَّن الأعداء منك، فما عليك إلا أن تزيلها من موضعها فينهدم القصر فوق رؤوسهم جميعاً، وتهرب أنت ولن يبقى لهم شيء.” فقال النعمان: “ومن يعلم بأمر هذه الآجرة؟!” قال سنمار: “أنا وأنت فقط يا مولاي.” فتوجس الملك منه ريبة وخوفاً، وأحاطت به الوساوس والظنون. ورأى النعمان أن هذا السر الخطير يجب ألا يعلم به أحد؛ فباغته على حين غرة، ودفعه من على قمة القصر فمات. [3]

2. قصر السدير

قصر السدير هو أحد القصور التي بناها المناذرة اللخميون، في الحيرة بالقرب من قصر الخورنق. وينسب بناء قصر السدير إلى الملك النعمان الأول الملقب بالأعور والذي حكم الحيرة (390-420م). ويقع السدير في البرية ما بين الحيرة و بلاد الشام، واشتهر النعمان بن امرئ القيس بانه باني الخورنق والسدير. كانت للقصرين شهرة عظيمة في تاريخ الحيرة. كما يقال أنه شهد أحد أهم المؤتمرات في التاريخ العربي قبل الإسلام وهو «مؤتمر الخورنق». ففي هذا المؤتمر حاول الملك اللخمي توحيد كلمة العرب، للحد من نفوذ الدولة الساسانية. [4]

دير مار إيليا

 هو دير يقع في الجانب الأيمن من نهر دجلة جنوب الموصل، أسسه الراهب ايليا الحيري في نهاية القرن السادس الميلادي والذي جاء من مدينة الحيرة. ترك إيليا كل ما يملكه، ورحل عن مدينته للتنسك، حيث قصد نصيبين، ثم بنى ديره هذا بعد ذلك. وفي دير مار إيليا عدد كبير من الزخارف والنقوش، وفي عام 1743م قام قائد فارسي بتدميره فأوقع فيه الخراب والدمار، وحالياً هو مجموعـة أطلال مهجورة. [4]

انهيار مملكة المناذرة

وفي النهاية يمكن القول أن نهاية مملكة المناذرة جاءت نتيجة لعدة عوامل، منها الحروب والصراعات الداخلية والتحالف مع الفرس والرومان. كما أن الحروب الداخلية بين الأمراء والملوك على السلطة كانت من العوامل التي أدت إلى انهيار المملكة. بالإضافة إلى الحلفاء الفرس والرومان الذين ساهموا في إضعاف المملكة وتقوية منافسيها. [5]

المراجع

1. Britannica.com
2. Iranicaonline
3. Historytoday.com
4. Arabian Chronicle: Lakhmid Kingdo
5. Ancient- epic

Exit mobile version