مساحات خضراء حضرية حول العالم

منذ تشكّل أول مدينة في العالم –أوروك– حوالي 4000 سنة قبل الميلاد وحتى الآن يزداد التحضر أكثر فأكثر على حساب الريف. وأصبحت الحاجة إلى المساحات الخضراء الحضرية ذات أهمية متزايدة، إذ لا توفر قيمة جمالية فحسب بل تساهم أيضًا في صحة السكان ورفاهيتهم. وقد تتخذ المساحات الخضراء الحضرية أشكالًا مختلفةً من الحدائق العامة إلى الجدران الخضراء، والمنتزهات والأسطح الخضراء. وسوف نستكشف في هذا المقال بعض الأمثلة عن المساحات الخضراء مع التركيز على تصميمها، وتنفيذها، وتأثيرها على البيئة والمجتمع.

حديقة بنجاكيتي في بانكوك

تقع حديقة «بنجاكيتي-Benjakitti» في بانكوك عاصمة تايلاند، وهي منتزه متاح للجميع. وتعاني تايلاند بشكل عام من الرياح الموسمية، والفيضانات، والجفاف. نتيجةً لذلك، صمّمت الحديقة لتعمل كإسفنجة تحتفظ بمياه الأمطار في موسم الأمطار، من ثم تصرف المياه في موسم الجفاف بسعة مائية تبلغ 128 ألف متر مكعب. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الحديقة في تنقية مياه قناة مجاورة لها ملوثة بالجريان السطحي، ومياه المجارير. مما ينتج حوالي 1600 متر مكعب من المياه النظيفة يوميًا.[1]

حديقة بنجاكيتي في بانكوك عاصمة تايلاند.

احتوى موقع الحديقة على مستنقعات مع مستويات عالية من المياه الجوفية. واستخدمت طريقة الزراعة التقليدية التايلاندية للحفاظ على جذور الأشجار أعلى من المستنقعات من أجل تجنب الفيضانات. وتمتلك أيضًا مسارات تساعد على تصريف المياه، وقنوات الري. وقد قام المشروع بتحويل التربة السطحية الطينية إلى موئل رطب وإسفنجي مما سمح بنمو النباتات المحلية بأقل قدر من الري. فزرع حوالي 5600 شتلة من 360 نوع وهي أشجار أصلية نادرة في حوض النهر المركزي، مختلطةً مع نباتات صغيرة ومتوسطة الحجم توفّر الظل. كما تم الحفاظ على جميع الأشجار الموجودة سابقًا في الموقع، وأدمجت في تصميم الحديقة.[1]

مسطّح تاينان

تقع مدينة تاينان في تايوان، وتميّزت أساسًا في الصناعات البحرية وصيد الأسماك منذ القرن ال17. لكن شهدت المدينة في الثمانينيات خروجًا عن هذا النهج الحضري التاريخي، فبني مركز تسوّق الصين-تايوان على قمة الميناء القديم عام 1983. وبعد مرور الوقت أصبح عبارة عن هيكل تجاري كبير لم يعد يخدم الغرض المقصود منه. لذلك سعت المدينة إلى إزالة المركز وإعادة تدويره بدقة. فقامت شركة MVRDV المعمارية بتصميم وتنفيذ مشروع Spring Tainan.

Spring Tainan في تايوان.

حوّلت الشركة موقف السيارات تحت الأرض إلى ساحة عامة يهيمن عليها حمام سباحة، ومناطق خضراء تحيط بها ممر مظلّل. وخطّطت بعناية لجعلها بقعة تجمّع مثالية لجميع الفصول، إذ يرتفع منسوب المياه، وينخفض استجابةً لمواسم الأمطار والجفاف. كما يقلّل الرذاذ من درجة الحرارة في الطقس الحار، ويقلّل من استخدام التكييف في أشهر الصيف. ويضم الموقع ملاعب، ومساحات تجمّع، ومسرح للعروض. كما يحتوي على مناطق يمكن تحويلها لاحقًا إلى محلات تجارية، وأكشاك، وأمور إضافية.[2]

Spring Tainan في تايوان.

سعى المشروع إلى جلب الخضرة إلى المدينة، وإدخال مساحات واسعة مزروعة بالنباتات المحلية. وأثّر بالمجمل على المنطقة فانخفضت حركة المرور في الشوارع. وفي حين تعذّر إزالة عناصر البنية التحتية السابقة للمشروع، فطُليت بلون موحّد في محاولة للتقليل من وجودها البصري. من ثم اختارت المدينة عددًا من الفنانين المحليين لتزيين هذه الهياكل. كما كشف عن جزء من هيكل الطابق السفلي الثاني باستخدام أرضية زجاجية مما يسمح للناس فهم تاريخ الموقع، وتقديره كجزء مهم من تاريخ المنطقة.[2]

Spring Tainan في تايوان.

ساحة الوحدة في ليتوانيا

أرادت مدينة كاوناس في ليتوانيا إعادة تصميم ساحة الوحدة المغمورة بالتاريخ بمبانيها المنتمية لعصور مختلفة. واستقر المشروع على شركة 3DELUXE ودعي باسم V-plaza. أرادت الشركة خلق مساحة حيوية تفاعلية تواكب احتياجات الشباب المتغيرة.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

طورت الشركة مستويين من التصميم أحدهما خطي ويشكل السياق التاريخي، حيث تؤخذ محاور الرؤية والحركة الموجودة سابقًا في الاعتبار. بينما صمّمت المستوى الثاني ليكون عضويًا، ومائعًا، ويعكس التدفقات الطبيعية لحركة المارة. وتضم البنية بالإضافة إلى الممرات أماكن لسير الدراجات الهوائية والنارية، وقسم المقاهي، والمطاعم. إضافةً إلى مسطّحات مائية، وأماكن خاصة بالتزلج، وأضيف مدرج جديد يمكن استعماله للعروض.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

تحتوي الساحة على مسطّحات خضراء مائلة بلطف، وأحواض مائية تربط مستويات الساحة المختلفة. ويستند اختيار النباتات على الأنواع المحلية بسبب ذلك يكثر الصنوبر والبتولا مع الأعشاب، والشجيرات الصديقة للحشرات. وقد نفّذت الساحة بمواد الجرانيت الخفيف، والخشب، والخرسانة البيضاء لخلق جو مرحب بالزوار. وتستخدم الساحة اليوم للاحتفالات، والمهرجانات، والأسواق، وتعد عمومًا موقعًا مناسبًا كمنطقة ترفيهية يومية للسكان.[3]

الحديقة الأسترالية

اكتملت الحديقة الأسترالية عام 2012، وهي أكبر حديقة نباتية مخصّصة للنباتات الأسترالية المحلية. تتيح للزوار أن يتابعوا عبر مسار مائي المناظر الطبيعية للبلاد من الصحراء إلى الطرف الساحلي، ويجمع هذا المشهد التكامل بين البستنة، والهندسة المعمارية، والبيئة، والفن.[4]

الحديقة الأسترالية.

يضم الجانب الشرقي من الحديقة معارض الحدائق والمناظر الطبيعية، ومصفوفات الغابات بطريقة توضّح ميل الشعب إلى ترتيب المساحات الخضراء الحضرية بطريقة رسمية. بينما يضم الجانب الغربي الحدائق التي تستلهم من الدورات الطبيعية، وأشكال الزهور غير المنتظمة. ويلعب الماء دور الوسيط بين الجانبين.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعد المشي في المشهد الأسترالي رحلةً من التحولات والقفزات المستمرة، فالمرء لا يسافر أبدًا في خط مستقيم. وتعترض النباتات الطريق كثيرًا، وتتغير المسارات وفقًا للمشهد الطبيعي، وأحيانًا لا يبقى المسار ظاهرًا حتى. نتيجةً لذلك لا يحمل كل زائر إلى بيته الرسالة نفسها، إذ يختبر كل شخص تجربةً مختلفةً وفريدةً.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعتبر هذا المشروع أكبر حديقة نباتية مكرّسة لعرض النباتات الأسترالية، كما تلعب دورًا مهمًا في حماية التنوع البيولوجي. وتستخدم كذلك لأغراض علمية وتعليمية، بالإضافة إلى التسلية من خلال حلقات العمل التفاعلية، والسينما، والأسواق، والمقاهي.[4]

سنترال بارك في نيويورك

دفع التوسع الحضري المتزايد في أربعينيات القرن ال19 في مانهاتن الأمريكية إلى الدعوة لبناء حديقة جديدة كبيرة. وانتهى شراء الأراضي حوالي عام 1856 وبدأ بناء حديقة «سنترال بارك- Central park» وتعتبر اليوم أكبر وأهم حديقة في مانهاتن. فتبلغ مساحتها 340 هكتارًا، وهي واحدة من أوائل الحدائق الأمريكية المطوّرة باستخدام مبادئ هندسة المناظر الطبيعية.[5]

Central park في نيويورك.

نُقل خلال بناء الحديقة ملايين عربات الأتربة والتربة السطحية لتنفيذ التضاريس. وزرع حوالي 5 مليون شجرة وشجيرة، كما وضع نظام إمدادات المياه، وشيّد العديد من الجسور والأقواس والطرق.[5]

افتتحت سنترال بارك رسميًا عام 1876 ولاتزال واحدةً من أعظم الإنجازات في المناظر الطبيعية الاصطناعية. حيث تتنوّع تضاريسها ونباتاتها بشكل كبير وتتراوح من منحدرات عشبية مسطحة إلى وديان صخرية حادة، ونوافير و3 بحيرات صغيرة. وتحتوي الحديقة على العديد من الحصون التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن ال19، وإبرة كليوباترا وهي مسلة مصرية قديمة.[5]

منتزه سيرينغيتي الوطني في تنزانيا

تأسس منتزه «سيرينغيتي- Serengeti» الوطني عام 1951 في شمال وسط تنزانيا، ويغطي مساحة 14.763 كم. ويعد من أفضل المراعي في أفريقيا، ويشتهر بقطعانه الضخمة من الحيوانات. حيث يعتبر المكان الوحيد في أفريقيا الذي لايزال يجري فيه هجرات واسعة للحيوانات البرية.[6]

منتزه Serengeti الوطني في تنزانيا.

يضم المنتزه أنواع كثيرة من الحيوانات مثل الغزلان، والأفيال، والزرافات، والحمير الوحشية، والأسود، والضباع، والنمور، والفهود، والتماسيح. كما يسجّل أكثر من 350 نوعًا من الطيور بما فيها النعام والنسور. بلا شك يمتلك المنتزه أهميةً بيئيةً كبيرةً، ويساعد في حماية التنوع الحيوي، وقد أُدرج ضمن قائمة اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي.[6]

يمكننا ضمان حياة كريمة للأجيال القادمة من خلال العناية بالاستدامة، والاستثمار في المساحات الخضراء الحضرية. وسواء كنت تتمتع بنزهة قصيرة في حديقة مجاورة أو أعجبت بمنتزه ضخم فإن هذه المساحات الخضراء تذكرنا دائمًا بأهمية الطبيعة في حياتنا.

المصادر

  1. Archdaily
  2. MVRDV
  3. 3DELUXE
  4. Archdaily
  5. Britannica
  6. Britannica

ما دور المساحات الخضراء في العمارة المستدامة؟

يسيطر الفولاذ، والخرسانة، والزجاج على أفق مدننا الصاخبة، وقد يبدو الزحف العمراني أحيانًا بلا نهاية. وتبرز في زحمة المباني الكثيرة المساحات الخضراء كرئتين حيويّتين لمدننا، فتربطنا مع الطبيعة. ولا شك أن العشب والأزهار يثيران مشاعر البهجة والراحة لدينا، فما أهمية المساحات الخضراء في التخطيط العمراني؟

ارتفاع درجات الحرارة في المدن

امتلأ ثلث مركز فينيكس أريزونا للحروق بالمصابين بحروق شديدة إثر سقوطهم على شوارع المدينة الإسفلتية في تموز سنة 2023. وصدرت تنبيهات عامة تحذّر السكان من مخاطر الحرارة المرتفعة للأسفلت والتي قد تصل إلى 82 درجة مئوية في فترة ما بعد الظهر. وقد حدثت هذه الحروق بسبب التعثر العرضي في الشوارع، أو من حالات الإغماء الناجمة عن الحرارة الشديدة. وقد أثبتت أغلب مدننا أنها لا تستجيب للتغيّر المناخي، والاحتباس الحراري الحاصل، لذلك قدّم المخططون العمرانيون المساحات الخضراء كحل محتمل للتخفيف من شدة الإجهاد الحراري في الأماكن العامة. [1]

ماذا يقصد بالمساحات الخضراء؟

خلقت عملية التحضّر السريع بيئةً غير طبيعية، ويتّفق اليوم المخططون، وعلماء البيئة، والاقتصاد، والاجتماع على ضرورة وجود مساحات خضراء تتخلّل المدينة. وتضم المساحات المفتوحة العامة والخاصة التي تغطيها النباتات في المقام الأول، وتشمل المنتزهات، والحدائق، والمزروعات بين فواصل الطرق وعلى جوانب الشوارع، وغيرها من المسطّحات الخضراء.[2]

مستويات المساحات الخضراء

تصنّف المساحات الخضراء عادةً في 3 مستويات؛ على المستوى الإقليمي، ومستوى المدينة، ومستوى الحي، وتختلف نسبتها ومساحتها بحسب مستواها. وتمتلك عمومًا شخصيتين رئيسيتين تميّزها وهما البنية والنمط. فالبنية هي الخصائص الرأسية للمناظر الطبيعية بما في ذلك أنواع النباتات المزروعة، وأنواع الموائل، والأشكال البيئية. بينما النمط هو الخصائص الأفقية مثل الترتيب المكاني للمزروعات، وأحجامها، وربط المناطق البيئية ببعضها.[2]

فوائد المساحات الخضراء

على مستوى البيئة

يعد تلوث الهواء والضوضاء ظاهرةً شائعةً في المناطق الحضرية، وينتجان عن وجود العديد من الآليات التي تطلق أول وثاني أكسيد الكربون، وبسبب انبعاث الغازات من المصانع مثل ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النتروجين التي تعتبر شديدة السميّة للبشر والبيئة على حد سواء. ويمكن أن يقلّل تخضير المناطق الحضرية من ملوثات الهواء عندما تحتجز النباتات جزيئات الغبار والدخان. وقد أظهرت الأبحاث أنه في المتوسط يمكن ترشيح حوالي 85% من ملوثات الهواء في الحدائق. ويمكن كذلك أن تقلّل المسطّحات الخضراء من مستويات الضوضاء اعتمادًا على كميّتها، ونوعيتها، وبعدها عن مصدر التلوث.[2]

تعمل المساحات الخضراء كمركز حماية لتكاثر الأنواع، والحفاظ على النباتات، والتربة، ونوعية المياه. على سبيل المثال؛ تخفّف المساحات الخضراء من مياه العواصف مما يشكّل تدبيرًا جيدًا لتقليل حدّة الفيضانات. كما تعد صلة وصل بين المناطق الريفية، والحضرية فهي تشعر سكانها بالتغيّر الموسمي، وتربط المدن بعالم الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، توفّر المسطّحات الخضراء للمدن خدمات النظام البيئي التي تتراوح من الحفاظ على التنوع البيولوجي إلى تنظيم المناخ.[2][3]
تحدث في المدن ظاهرة الجزر الحرارية إذ تمتص الأسطح البيتونية والزجاجية الحرارة، وتحتفظ بها، وتعكسها. نتيجةً لذلك، ترتفع درجات الحرارة في المدن بمقدار 5 درجات مئوية تقريبًا عن محيطها. وتستطيع الغابات، والغطاء النباتي، والمسطحات المائية تخفيف حدة هذه الظاهرة.[2]

على مستوى الاقتصاد

تُحسّن النباتات دوران الهواء، وتوفّر الظل مما يساعد على التبريد، وخفض درجات الحرارة بالتالي تقليل تكلفة الطاقة اللازمة لتبريد المباني. على سبيل المثال؛ كشفت دراسة في شيكاغو أن زيادة مساحة الغطاء النباتي بنسبة 10% يمكن أن يخفّض إجمالي الطاقة اللازمة للتدفئة والتبريد بنسبة 5-10%. [2]

كما تدل المؤشرات أن المساحات الخضراء تزيد من قيم العقارات، وإعادة التحوّل المالي لمطوّري الأراضي بنسبة تتراوح بين 5-15% بحسب نوع المشروع . فمثلًا أدى تجميل سنغافورة وماليزيا، والاهتمام بالغطاء النباتي إلى جذب استثمارات أجنبية كبيرة ساعدت على النمو الاقتصادي.[2]

على مستوى المجتمع

يلبّي الناس معظم احتياجاتهم الترفيهية داخل المنطقة التي يعيشون فيها، وتوفّر المساحات الخضراء مكانًا مناسبًا لهم. على سبيل المثال؛ أشارت دراسة أجريت في هلسنكي عاصمة فنلندا إلى أن أغلب السكان -حوالي 97% منهم- يشاركون في أنشطة ترفيهية في الهواء الطلق خلال العام. ويقوم نصف النزلاء بزيارات في الهواء الطلق على أساس يومي أو كل يومين. أيضًا تستقطب حديقة Chapultepec في المكسيك 3 ملايين زائر في الأسبوع يستمتعون بمجموعة واسعة من الأنشطة الترفيهية.[2]

حديقة Chapultepec في المكسيك.

يؤثر الغطاء النباتي على الصحة البدنية للإنسان، ويقلّل عمومًا مستوى الإجهاد والضغط. وقد أظهرت دراسة أن المرضى الذين واجهت غرفهم الحديقة في المستشفيات، كان شفاؤهم أسرع بنسبة 10% واحتاجوا إلى 50% دواء أقل قوة لتخفيف ألمهم مقارنةً مع المرضى الذين واجهت غرفهم جدار المبنى.[2]

يؤثر تدهور البيئة في الأحياء السكنية سلبًا على شعور السكان بالأمن، وقد يزيد من احتمال حدوث الجرائم. وتفيد دراسة أمريكية أن تخضير المدن قد يقلّل ذلك، ويرافق ذلك زيادة في النشاط البدني حيث يميل الناس إلى ممارسة الرياضة في بيئة أكثر نظافةً، واخضرارًا، وأمانًا. بالإضافة إلى ذلك، توفّر المساحات الخضراء فرصًا للتفاعلات الاجتماعية مما يساعد في الحد من العزلة، ويعتبر هذا العامل مهمًا بشكل خاص لفئات المسنين.[3]

لماذا يقصد الناس المساحات الخضراء؟

يهتم المخطّطون لفهم سبب ذهاب الناس إلى المساحات الخضراء، وهي أسباب متنوعة على نحو لا يثير الدهشة. وغالبًا ما يكون الغطاء النباتي مكانًا لممارسة الرياضة والنشاط البدني سواءً على أساس فردي أو جماعي. وتشمل الاستخدامات الأخرى الاسترخاء، والحد من الإجهاد أو التواصل مع الطبيعة، أو طريق للتنقّل. ولا يرى جميع المستخدمين المساحات الخضراء بنفس الطريقة، نتيجةً لذلك يستوجب على المخطّطين دراسة تنوّع الأسباب من أجل الوصول إلى التخطيط العمراني الفعّال.[3]

أشارت دراسة أسترالية أن الفئات المختلفة للمستخدمين تمتلك متطلبات مختلفة من المساحات المفتوحة. على سبيل المثال؛ قد يجد البعض أن المسطّحات المائية هادئة، وجذابة في حين قد ينظر إليها آباء الأطفال الصغار على أنها خطر على سلامة أطفالهم.[3]

محدّدات استخدام المساحات الخضراء العامة

تعتبر محدّدات استخدام المساحات الخضراء العامة معقدةً، ومترابطةً، ومتغيرةً كما يحدد حجمها كيفية استخدامها حيث أن المساحات الأكبر تكون عرضةً أكثر للاستخدام في الرياضة. بينما تستخدم المساحات الأصغر في المقام الأول من أجل الراحة والتفاعل الاجتماعي. ذكرت بعض الدراسات كذلك أهمية الوصول إلى المساحات الخضراء، واعتبرت أن المسافة المثلى للوصول تكون أقل من 0.5 كم أو 5 دقائق للمشي. كما أن سهولة الوصول مهمة مثل وجود مسارات للدراجات، والحد الأدنى من العوائق كعدم الحاجة إلى عبور طرق مزدحمة. مثلًا أظهرت دراسة في أودنسي في الدنمارك أن 46% من المستطلعين لم يستخدموا المسطّح الأخضر الأقرب إليهم، بينما وجدوا أن الذين أنجبوا طفلًا دون 6 سنوات، أو يرعون كلبًا، أو يعانون من صحة سيئة هم أكثر احتمالًا لاستخدام أقرب مساحة خضراء إليهم.[3]

تعد مفاهيم النظافة، والأمن، والسلامة محدّدات مهمة، إذ غالبًا ما ترتبط المساحات العامة المهجورة بأنشطة بغيضة مثل القمار غير القانوني، والتشرد، والبغاء فضلًا عن الجريمة، والتخريب. مما ينعكس سلبًا على بعض فئات المستخدمين ولاسيما النساء، والأطفال، والمسنين. بالإضافة إلى ذلك، تلعب مشاعر التماسك الاجتماعي دورًا مهمًا في لجوء الأفراد إلى الحدائق العامة، وقد تكون المجموعات العرقية والأقليات أقل احتمالًا لاستخدامها. [3]

مستقبل مستدام للمدن

في إطار السعي إلى تحقيق التنمية الحضرية المستدامة يبرز الدمج بين الهندسة المعمارية والمساحات الخضراء كأداة قوية لإنشاء مدن فعّالة، ونابضة بالحياة، وشاملة للجميع. فلا يكمن مستقبل العمارة في المباني الشاهقة، وناطحات السحاب فحسب بل في التكامل السلس للطبيعة مع المنشآت المبنية.

المصادر

  1. Archdaily
  2. Research Gate
  3. National Library of medicine

ما أهمية مراعاة الضوء الطبيعي في العمارة؟

يتمتع الناس بثمار الحضارة مع تقدّم العلم والتقنيات الذكية، بينما يعانون في نفس الوقت من العقوبات الطبيعية مثل أزمة الطاقة والاحتباس الحراري والتغيّر المناخي. نتيجةً لذلك، نشأت فكرة العودة إلى الطبيعة ويثير هذا النوع من التفكير رغبة الإنسان في إعاده بناء بيت أخضر. إلا أن الأضرار التي تلحق بالبيئة في تزايد مستمر، وأصبح الناس يبتعدون أكثر فأكثر عن الشمس، والهواء. بسبب ذلك يفكر المعماريون اليوم في كيفية دمج العمارة مع الطبيعة، وإدخال الضوء الطبيعي في العمارة.

أهمية الضوء الطبيعي في العمارة

يعتبر الضوء الطبيعي في العمارة عاملًا أساسيًا للرفاهية البصرية، والصحية، ويعزز كذلك الاستهلاك الرشيد للطاقة. وقد أبرزت بعض الدراسات أهمية ضبط، وتصميم الضوء الطبيعي للحد من استهلاك الكهرباء، وضمان توفر ظروف الإنارة المناسبة لمختلف الأنشطة، والوظائف ولاسيما في المدارس من أجل نهج تصميم أكثر استدامة.[1]

الإشعاع الضوئي والاستضاءة

يعد الإشعاع الضوئي، والاستضاءة المفهومين الأولين الذين يجب النظر فيهما من أجل مراعاة إدخال الضوء الطبيعي في العمارة. ويشير مصطلح الإشعاع إلى الطاقة الكلية التي يعكسها، أو ينقلها، أو يستقبلها سطح ما لكل زاوية في كل منطقة. وهو مقياس يُقيّم مستويات معينة من الضوء في يوم ووقت محددين مسبقًا محاكيًا ظروف السماء المحلية.[2]

من ناحية أخرى، تقيس الاستضاءة كمية الضوء المنبعث من مصدر ما، والمستقبل من سطح ما. أي التدفق الضوئي في وحدة المساحة، وتقاس باللوكس (لومن لكل متر مربع). [2]

نمذجة ضوء النهار

يعتمد المهندسون المعماريون اليوم على برامج محاكاة 3D متقدمة لتصميم مشاريعهم. وتقدّم بعضها خيارات تسمح بنمذجة ضوء النهار من خلال تحديد موقع المشروع بدقة، والعوامل المحيطة. ويستطيع المعماريون تقييم، ومقارنة خيارات التصميم المختلفة، مثل توجه المبنى، أو حجم النوافذ ومواقعها، أو مواد البناء. وتمكّنهم كذلك من التحقق من مستويات الإنارة في المساحات، أو حتى التنبؤ بمصادر الوهج المفرط، والتي تكون غير سارة للشاغلين.[2]

تقدّم أنظمة تقييم المباني الخضراء GBRSs أيضًا لوائح تتعلق بالضوء الطبيعي في العمارة لمنح درجات الاستدامة مثل BREEAM، وLEED، وCHPS.

مقاييس الإضاءة الرئيسية

الإضاءة النهارية المفيدة UDI

يحسب المقياس النسبة المئوية للمساحة التي تقع في مستوى الاستضاءة المطلوب خلال أكثر من نصف الوقت المدروس. وتعد عمومًا مستويات لوكس التي تكون أقل من 100 غير كافية لمعظم المهام. في حين أن 200-300 لوكس كافية لكن قد تتطلب إضاءة اصطناعية إضافية. ويقع مستوى الاستضاءة المطلوب في نطاق 300-3000 لوكس، بينما تجاوز هذا الحد قد يؤدي إلى عدم الراحة البصرية والحرارية.[2]

صورة توضح مقياس UDI على مسقط مبنى.

استقلالية حيز ضوء النهار SDA

يقيس SDA كمية الضوء الطبيعي النهاري على مدار السنة، والتي تتجاوز الاستضاءة فيها المستوى المطلوب. على سبيل المثال 300 لوكس في منطقة معينة خلال 10 ساعات في اليوم على مدار السنة.[2]

صورة توضح مقياس SDA على مسقط مبنى.

التعرض السنوي للضوء ASE

يساعد ASE على الحد من التعرض المفرط لضوء الشمس، والذي يمكن أن يسبب الوهج، وزيادة الحرارة. ويمثل المقياس النسبة المئوية للمساحة التي يتجاوز فيها التعرض المباشر لأشعة الشمس مستوى استضاءة محدد مسبقًا. على سبيل المثال، 1000 لوكس لعدد معين من الساعات خلال السنة.[2]

صورة توضح مقياس ASE على مسقط مبنى.

احتمال الوهج البصري DGP

يساعد هذا المقياس على تحديد مناطق الوهج التي تعتبر مصدر قلق وخاصةً في مجالات العمل، والدراسة. وتتراوح درجاته من ملاحظ إلى اضطراب، وغير محتمل.[2]

صورة توضح مقياس DGP على مسقط مبنى.

ضرورة وجود الضوء الطبيعي في العمارة

يعتبر الضوء الطبيعي في العمارة مصدرًا آمنًا، ونظيفًا للإنارة إذ يسمح للناس بإدراك الحجوم، والأشكال، والنسب، والألوان، وما إلى ذلك. ويتميز بخصائص الإضاءة الموحدة، وإمكانية الوهج المنخفض، واللون الجيد. بالإضافة إلى ذلك، يوفر الضوء الطبيعي الموارد والطاقة. فبدأ المزيد من المعماريين باستخدام الإنارة الطبيعية من أجل تحسين راحة المستخدمين، والحد من استهلاك الكهرباء. ووفقًا لإحصاء اللجنة الدولية للإضاءة، يستهلك العالم حوالي 23.398 مليار كيلو واط ساعة من الكهرباء سنويًا، منها أكثر من 15% على الإضاءة الاصطناعية. وسوف يطلق هذا أكثر من 10 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وأكثر من 10 ملايين طن من الغازات الضارة مثل ثاني أكسيد الكبريت. [3]

لطالما أساء الناس فهم الضوء الطبيعي بسبب تأثيره الحراري لأنه يُسخن الفراغ. لكن في الواقع، إذا تم توفير نفس الاستضاءة من منبع طبيعي وآخر صناعي، فستكون الحرارة الناتجة عن الضوء الطبيعي أقل من معظم منابع الضوء الاصطناعي. نتيجةً لذلك، تساعد النسبة الفعّالة من الضوء الطبيعي في العمارة على تقليل حمل تكييف الهواء. لذلك يعتبر التأثير الحراري للضوء سيف ذو حدين، فقد تختلف نتائجه بسبب اختلاف زاوية الإشعاع الشمسي، أو الوقت، أو التوجيه. بينما يستطيع توفير حرارة مجانية للمبنى في المناطق المعتدلة، والباردة.[3]

التأثير السلبي للضوء الطبيعي في العمارة

  • التلوث الضوئي: تشرق الشمس بقوة فتعكس الجدران الزجاجية، وجدران الطوب والرخام المصقول الضوء الأبيض الساطع مما يبهر أعين الناس. ووجدت الدراسات أن الأشخاص الذين يعملون، ويعيشون في بيئة التلوث الضوئي الأبيض لفترة طويلة سيعانون من درجات متفاوتة من تلف شبكية العين والقزحية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتلوث الأبيض أن يعرض الناس للدوخة، والقلق، والأرق، وحتى انخفاض الشهية، والاكتئاب.
  • الإشعاع المفرط: يسبب آثارًا سلبيةً ولاسيما في مناطق الصيف الحار والشتاء البارد. حيث تستمر درجة الحرارة العالية لفترة طويلة في الصيف، ويدخل الإشعاع الشمسي المباشر الغرفة ويتداخل بشكل كبير مع جهود أجهزة التبريد. كما يفاقم الزجاج أحادي الاتجاه هذه المشكلة.
  • الجزر الحرارية الحضرية: تحدث عندما تحل المدن محل المساحات الخضراء، فتزداد الأرصفة، والمباني البيتونية التي تمتص الحرارة وتحتفظ بها. وتخزن المباني الزجاجية كذلك المزيد من الحرارة، وينعكس هذا الإشعاع الحراري بين المباني فترتفع درجات الحرارة.[3]

اعتبارات تصميمية مهمة

ينبغي عند دراسة الإنارة الطبيعية النظر في عوامل مثل وظيفة المبنى، والمناخ، واتجاه الرياح السائد، والطبوغرافيا. ويمكن التعامل مع كل اتجاه من المنشأة بشكل مختلف مثل اختيار النوافذ، والشرفات، والكاسرات الشمسية المناسبة.[1]

يجب عند تصميم غرفة ما توزيع الاستضاءة بشكل متساوٍ لتجنب التعب البصري وتداخل الوهج. وتلعب أبعاد الغرفة وارتفاعها عاملًا رئيسيًا في عملية التصميم، واختيار حجم، واتجاه، وأبعاد النوافذ. على سبيل المثال؛ تتطلب غرفة القراءة نسبة استضاءة عالية، ويجب أن تمثل النوافذ بين 1/4-1/6 من مساحة الغرفة. بينما تمتلك غرفة المعيشة متطلبات منخفضة نسبيًا للاستضاءة، وتحتاج النوافذ فقط إلى 1/8-1/10 من مساحة الغرفة.[3]

لا يتطلب تصميم الضوء الطبيعي الناجح بالضرورة نوافذ واسعة النطاق، إذ تعتبر الموازنة بين المتطلبات الوظيفية، والمناخ المحلي العامل الأهم للتصميم الجيد. ويمكن كذلك الاعتماد على نوافذ السقف لإنارة المساحات الكبيرة والعميقة مثل قاعات العرض، والمصانع، والمباني العامة. كما قد تحتاج إلى مناور وباحات مكشوفة.[3]

التأثير البصري للضوء الطبيعي في العمارة

يؤثر الضوء الطبيعي على كيفية إدراكنا وتفاعلنا مع الفراغ من حولنا. مثلًا صمم ستيفن هول مهجع الطلاب في جامعة MIT في أمريكا على شكل هيكل مسامي ليعمل كإسفنجة تمتص الضوء من خلال سلسلة من الفتحات الكبيرة. وأشار إليها في رسوماته الأصلية على أنها رئتا المبنى لأنها ستجلب الضوء الطبيعي، والتهوية. لكن لسوء الحظ لم يُنفذ التصميم الأولي بسبب لوائح مكافحة الحرائق، إلا أن هول حافظ على المفهوم الأساسي بالاعتماد على نوافذ أصغر، فخلقت النوافذ وميضًا مستمرًا من الضوء. [4]

مهجع جامعة MIT في بوسطن بأمريكا.

تحتوي كل غرفة سكن على 9 نوافذ قياس كل منها حوالي 60*60 سم، ويمكن فتحها بشكل منفصل. فيستطيع الطلاب بهذه الطريقة اختيار النافذة وفقًا لاحتياجاتهم الخاصة.[4]

داخل غرفة سكن في جامعة MIT.
فراغ داخلي منار من مهجع جامعة MIT.

يتمكن المعماريون من جذب انتباه الناس عن طريق كسر وحدة الفضاء المتجانس، والضوء هو أفضل طريقة لخلق الاختلاف. فيمكن تشكيل تباين بصري بين اللون الفاتح والداكن عن طريق إضاءة نقطة معينة، وغالبًا ما يضاء الجزء الذي يحتاج المعماري إلى إبراز أهميته وتأكيده. على سبيل المثال؛ كنيسة جامعة MIT في أمركيا من تصميم إيرو سارينين، حيث صنع سارينين فتحةً دائريةً فوق المذبح مباشرةً من أجل السماح للضوء الطبيعي بالسقوط رأسيًا على المذبح.[3]

فتحة السقف في كنيسة جامعة MIT.

بالإضافة إلى ذلك، فقد علّق العديد من العاكسات المصنوعة من الأسلاك الحريرية الرفيعة كحاملات للضوء. وعند مقارنة المذبح مع محيطه المعتم فهو واضح جدًا، وإيجابي، ومليء بالسحر.[3]

كنيسة جامعة MIT في أمريكا.

بشكل عام يعد الضوء الطبيعي قضيةً يجب الاهتمام بها، حيث ينبغي وزن الإيجابيات، والسلبيات وفقًا لعوامل شاملة مثل وظيفة المبنى، والبيئة، والاقتصاد، من ثم اختيار التصميم المستدام الأفضل.

المصادر

  1. sustainable buildings journal
  2. Archdaily
  3. Research Gate
  4. Archdaily

ما هي الجدران الخضراء في العمارة؟

تقدر وكالة حماية البيئة أن الأمريكيين يقضون 90% من وقتهم في الداخل. يجعلنا إنفاق هذا القدر من الوقت في الداخل بالانفصال عن العالم الخارجي مما يؤثّر في كل شيء من إنتاجنا إلى صحتنا العقلية، ناهيك عن المخاوف الصحية البدنية أيضًا. أحد الطرق لإعادة بناء صلتنا بالطبيعة هي استخدام العناصر الحية مثل الجدران الخضراء، والأسطح الخضراء.[1] فما الذي تعرفه عن الجدران الخضراء وما أهمّيتها في العمارة؟

دور النظم الخضراء في الاستدامة

منذ وقت ليس ببعيد لم تعتبر استدامة المباني أولويةً في التصميم على الرغم من أنها أُخذت في الاعتبار إلى حدّ ما. لكن ارتفع مستوى الاستدامة المطلوب ارتفاعًا حادًا في السنوات الأخيرة، إذ أصبحت المباني ذكيةً، وأكثر اكتفاءً ذاتيًا، وأكثر ملاءمةً للبيئة. وبدأ الخبراء البحث عن حلول جديدة للاستدامة مثل استخدام الأسطح العمودية والأفقية للمبنى.[2]

أصبح من الشائع في ممارسات البناء الحالية رؤية المبنى كهدف كامل، والتركيز كذلك على جوانب مثل المجال الاقتصادي، والتأثير البيئي، وتكامل نظام التدفئة والتكييف. على الرغم من ذلك، لا يعد التفكير في الأنظمة الخضراء كمفهوم شامل من الممارسات الراسخة حتى الآن، إذ ينبغي النظر إليها على الصعيد العالمي خلال عملية التشييد برمّتها. بتعبير آخر ينبغي النظر إليها باعتبارها جزءًا من دورة حياة البناء بأكملها وليس مجرّد تطبيق إضافي قصير الأجل.[2]

ماذا يقصد بالجدران الخضراء؟

يستخدم المؤلّفون العديد من التسميات عند الإشارة إلى جميع أنواع الجدران الخضراء، فيستخدم البعض مصطلح الحديقة الرأسية في حين يدعوها آخرون نظم التخضير الرأسية أو نظم الخضرة الرأسية. يشير مفهوم الجدران الخضراء في الواقع إلى جميع الأنظمة التي تسمح بخضرنة سطح عمودي مثل الواجهات، أو الجدران، أو القواطع مع مجموعة مختارة من أنواع النباتات بغرض زراعة النبات على أو أعلى أو داخل جدار المبنى.[3]

بدأت الجدران الخضراء الخارجية في الظهور باعتبارها جزءًا مخطّطًا ومرغوبًا به من السكان في فترة «الفن الجديد-Art Nouveau» أي في مطلع القرن ال19 والقرن ال20. حيث كان من المفترض أن تكون النباتات وسيلة اتصال طبيعية بين الحديقة والمنزل.[4] والمدهش أن الجدران الخضراء مفهوم جديد نسبيًا فيرجع البعض انتشار هذه الفكرة لأوّل مرّة إلى عالم النبات الفرنسي باتريك بلانك في الثمانينيات.[5]

أنواع الجدران الخضراء

تنقسم الجدران الخضراء عادةً إلى «جدران حية-Living walls» و«واجهات خضراء-Green facades» ومزيج منهما.[4] يكمن الفرق الرئيسي بين الجدران الحية والواجهات الخضراء في هيكلها، والطريقة التي تدمج بها الغطاء النباتي في تصميم المبنى. فتغطّى الجدران الحية بالنباتات التي تنمو على التربة أو الزراعة المائية، وتعد مكتفيةً ذاتيًا، وتشمل مجموعةً متنوعةً من أنواع النباتات.[3]

بينما تعتمد الواجهات الخضراء على تسلّق النباتات أو تعليقها على طول الجدار. فيمكن للنباتات أن تنمو إلى أعلى السطح العمودي مثل الأمثلة التقليدية، أو تنمو إلى الأسفل في حالة تعليقها على ارتفاع معيّن. ويمكن تصنيف الواجهات الخضراء إلى نوعين: مباشرة وغير مباشرة. والواجهات الخضراء المباشرة هي تلك التي تعلّق النباتات مباشرةً على الجدار في حين تشمل الواجهات الخضراء غير المباشرة بنيةً داعمةً للنباتات.[3]

تردّ اختلافات أساسية أخرى بين أنواع الجدران الخضراء يمكن ملاحظتها في الجدول التالي[4]

يوضح الجدول الاختلافات القائمة بين الواجهات الخضراء والجدران الحية.

دورة حياة الجدران الخضراء

تنقسم دورة حياة الجدران الخضراء إلى 4 فئات رئيسية وهي:

مرحلة المشروع

وتعد بداية دورة حياة الجدران الخضراء، وتلقي أكبر عبء على العملية بأكملها من حيث إنتاج الغازات الدفيئة. وتشمل إنتاج المواد بما في ذلك الجزء النباتي الحي، والهيكل الداعم، ويجب بناء نظام الدعم قبل الجزء النباتي بكثير. ويوجد مجموعةً واسعةً من أنظمة الدعم في السوق لمختلف أنواع الجدران الخضراء بعضها مصنوع من البلاستيك، والبعض الآخر من هياكل فولاذية. وعند الاختيار من الضروري الأخذ في الاعتبار إمكانيّة إعادة تدويرها.[2]

مرحلة عملية البناء

تضمّ هذه المرحلة تركيب الأنظمة لإنشاء جدار أخضر مستدام مثل نظام توصيل المياه. وتعد مياه الأمطار الأكثر شعبيةً للري إذ يوصى بشدّة الري بمياه الأمطار لأن المعادن المذابة طبيعيًا الموجودة في المطر تزوّد النباتات بالمواد المغذية مما يقلّل من كمية السماد اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، يكتسب استعمال المياه الرمادية للري المزيد من الشهرة. وتتحدث بعض الأبحاث عن الإمكانات الكبيرة لتصميم الجدران الخضراء كنظم لمعالجة المياه الرمادية، لكن يوجد نقص حاليًا في المؤلفات العلمية التي تخصّ الموضوع.[2]

مرحلة الاستغلال

تتكوّن هذه المرحلة من عدّة أجزاء وهي المرحلة الأولية التي تقاس مدّتها بالسنوات والعقود. وتشمل استخدام الجدار الأخضر، والصيانة، والإصلاح، والاستبدال، والتجديد. ويعتمد طول الحياة عمومًا في المقام الأول على أنواع النباتات المختارة.[2]

مرحلة الإغلاق

وهي نهاية عمر الجدار الأخضر، والتخلّص السليم من النفايات. وقد يتأخّر العمر الافتراضي بسبب الصيانة، والتصميم الملائمين إلا أنه لا يمكن تجنّبه. ويمكن استخدام نفايات النباتات الميتة ككتل حيوية. وتشمل المرحلة أيضًا هدم الجدار الأخضر، والآثار البيئية المرتبطة بالتخلص من المكوّنات، أو إعادة تدويرها، أو استعمالها.[2]

خيارات متنوعة للنباتات

يؤثر نوع النبات على عمر الجداران الخضراء، بسبب ذلك يتطلّب اختيارها أكبر قدر من الاهتمام. مثلًا تتمتع المتسلقات بطول العمر، ويمكن للشجيرات العيش لعدّة سنوات مع الصيانة المناسبة، فيجب إزالة الأجزاء القديمة من أجل توفير مساحة للأجزاء الجديدة. وتعد الحوليات الأفضل من الربيع إلى الخريف، وثنائيات الحوليات من الخريف إلى الربيع. ويمتد عمر النباتات المعمرة بين 3-10 سنوات، بينما تتجدّد النباتات المزهرة، وتتغيّر باستمرار.[2]

المزايا البيئية المرتبطة بالجدران الخضراء

تضيف الجدران الخضراء قيمةً جماليةً بصريةً إلى المدن لا يمكن إنكارها، إذ تجعل المدن أكثر اخضرارًا وأجمل للعيش فيها. وينظر إليها على أنها وسيلة لزيادة استهلاك غاز ثاني أكسيد الكربون إلى أقصى حد دون التضحية بالمساحة الأرضية القيمة. ففي حين أن الشجرة تمتص حوالي 5.5 كغ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، يُعتقد أن 1 متر مربع من الجدار الأخضر يمكن أن يمتص ما يصل إلى 2 كغ. كما يحسن نوعية الهواء عن طريق القضاء على السموم الضارّة.[5]

تعطي الجدران الخضراء طبقةً من التظليل، وتمدّد عمر الواجهات عن طريق الحماية من الأشعة فوق البنفسجية. كذلك تظهر دراسة قدرتها على الحد من فقدان الحرارة بنسبة تزيد على 30%. نتيجةً لذلك توفر أنظمة الغطاء النباتي العمودي الطاقة من خلال تقليل الكمّية المطلوبة لتبريد أو تدفئة المبنى. وتمتلك النباتات الخضراء عمومًا القدرة على خفض درجة الحرارة في المدن، والحد من تأثير الجزر الحرارية. علاوةً على ذلك من المعروف أن تخضير المناطق الحضرية يعزّز التنوع البيولوجي.[5]

اعتبارات تصميمية يجب مراعاتها

يجب مراعاة العديد من الاعتبارات أثناء تصميم الجدران الخضراء، وخاصةً الظروف المناخية مثل التيارات الهوائية، ودرجات الرطوبة. ويلزم ضمان التعرّض الكافي لأشعة الشمس لتجنب خطر الاحتفاظ بالرطوبة أو الأوراق. ومن المهم اختيار نوع النباتات بما يتناسب مع الموقع على سبيل المثال؛ زرع نباتات تتحمّل الجفاف في الأماكن التي تفتقر إلى مياه الأمطار. ويلزم كذلك وضع نظم فعّالة لإدارة المياه لتجنب الري اليدوي، والإفراط في الري. ويجب صيانة النباتات كالتنظيف، والتشذيب لتبقى على قيد الحياة أطول فترة ممكنة.[5]

طحالب على الجدران

تعد الطحالب من أكثر النباتات قدرةً على الصمود حيث تفتقر إلى الجذور مما يتطلّب منها البحث عن كل المواد المغذية من الهواء. وتنمو على أي سطح تقريبًا، ويمكنها البقاء على قيد الحياة في حالة سبات لسنوات من ثم تنتعش مجددًا عند تعرّضها للرطوبة.[1]

جدار طحلب.

يعتبر جدار الطحالب في البيئة الداخلية مثاليًا لإضافة مساحة خضراء صحية، فقد تبيّن أنه يقلل من الإجهاد، ويحسن المزاج، ويرفع التركيز، والوظائف المعرفية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، توفّر الطحالب نظامًا إضافيًا لتنقية الهواء، حيث تمتص الملوثات أثناء إنتاج الأكسجين. وأظهرت بعض الأبحاث التي أجريت عام 2018 أنه بعد 3 أيام من تركيب جدار الطحلب انخفض مستوى ثاني أكسيد الكربون. ويقدّم جدار الطحالب بديلًا أرخص من أشكال الجدران الحية الأخرى. على عكس الأنواع التقليدية، لا تحتاج جدران الطحالب صيانةً مستمرةً، أو استبدالًا منتظمًا للنبات، أو المبيدات الحشرية. ويتوقّع الخبراء ازدياد شعبيتها في العمارة البيئية.[1]

جدار حي مصمم للفيضانات

كشف فندق The palace في لندن عن أكبر جدار حي في المدينة، يتألّف من 16 طنًا من التربة، و 10 آلاف نبتة. ويستغرق بناء وتغطية مساحة 32.5 متر مربع شهرين، وسيعمل الجدار الذي يبلغ ارتفاعه 21 مترًا على تجميل المدينة على مدار العام مع الزهور الموسمية، والعتلة المائية، وإبرة الماء.[6]

أكبر جدار حي في لندن في فندق The palac.

يكافح الجدار الفيضانات في المنطقة الحضرية مع صهاريج تخزين المياه الخاصة. فيمكن تخزين ما يصل إلى 10 آلاف لتر من المياه. من ثم توجّه بعد ذلك لري النباتات فيحافظ الجدار على الشوارع المحيطة خاليةً من الفيضان.[6]

انتقادات كثيرة تطال الجدران الخضراء

لم تحصّن الجدران الخضراء ضد الانتقادات لذلك لم تكتسب مكانةً راسخةً من وجهة نظر الاستدامة. يجادل البعض على سبيل المثال بأن المزايا الرئيسية التي تجلبها المساحات الخضراء الأفقية إلى المدن كالتظليل، أو تصريف التربة تُفقد عند رفع النبات عن الأرض. بعبارة أخرى يجب أن تركّز المدن على تحسين، أو خلق المزيد من المساحات المفتوحة بدلًا من النظم الخضراء الرأسية.[5]

يرى آخرون أن الجدران الحية يجب أن تعتبر عناصر بصرية فقط، لأنها على الرغم من أنها تقلل درجات الحرارة، وتعزل المباني إلا أن نجاحها محدود بسبب الظروف المناخية والمحيطة التي قد تضرّ بالهيكل والنبات. وينتشر نقد آخر يتعلق بالاستهلاك المفرط للمواد كالمياه، والمواد، والطاقة والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إبطال المزايا البيئية.[5]

بطبيعة الحال لا تعني بالضرورة هذه التحديات، والشكوك أنه لا ينبغي استعمال، أو تشجيع المساحات الخضراء الرأسية. بل إنها لا تكفي وحدها لتعزيز مدن أكثر صحةً وخضرةً. فلا بد من أن تأتي الجدران الخضراء جنبًا إلى جنب مع جهود ومبادرات أخرى مثل الأسطح الخضراء، والمنتزهات من أجل إحداث تأثير جماعي كبير.[5]

المصادر

  1. Archdaily
  2. IOP science
  3. Research Gate
  4. MDPI
  5. Archdaily
  6. Archdaily

ماذا تعرف عن الأسطح الخضراء؟

هل مللت من النظر إلى أسطح المباني التقليدية، وهل تريد إضافة بعض الخضرة إلى مدينتك؟ إليك الحل إنها الأسطح الخضراء.

[iframe src=”https://app.powerbi.com/view?r=eyJrIjoiMGY4YzVjZmItNzJiNi00ZWViLWE5MjktYWNhYTY1ZTg2NTUxIiwidCI6ImRmODY3OWNkLWE4MGUtNDVkOC05OWFjLWM4M2VkN2ZmOTVhMCJ9″ width=”800″ height=”600″]

تكتسب مشكلة التلوث البيئي أهميةً كبيرةً في الوقت الراهن، وتبرز العمارة البيئة كطريقة جديدة للحياة والتفكير. وسنتحدث في هذا المقال عن السطح الأخضر ودوره في البناء.

ما هي الأسطح الخضراء

تعني الأسطح الخضراء زراعة الخضرة على الأسطح، أي ملء السطح بشكل جزئي أو كامل بالنباتات الحية. وتزرع النباتات مباشرةً في التربة، حيث تُثبّت طبقة غشائية مقاومة للماء بينها وبين والسقف.[1]

مكونات السطح الأخضر.

انتشرت هذه التقنية مؤخرًا لكن الأسطح الخضراء لديها بالفعل تاريخ قديم، إذ استخدمت قبل عدّة قرون. لأنها تمتلك خصائص عزل حراري ممتاز، فساعدت على إبقاء المنازل دافئةً في البلدان الباردة كإسكندنافيا أو آيسلندا. بينما أبقت على الغرف باردةً في البلدان الحارة مثل تنزانيا. ظهرت تقنيات الزراعة الحديثة في الستينيات في ألمانيا بسبب تدهور الوضع البيئي في المدينة. وانتشرت في العقود التالية في جميع أنحاء العالم، وتعد اليوم هذه التقنية الأكثر شعبيةً في المدن الضخمة. إذ تنتشر فوق مراكز التسوق، والمباني المكتبة والسكنية العالية.[1]

أهمية الأسطح الخضراء في المدن

من المتوقّع أن يعيش حوالي 6.68 مليار شخص في المناطق الحضرية بحلول عام 2050، وهو ما يمثِّل 68% من سكان العالم. وقد أدى هذا التوسّع الحضري السريع مقترنًا بتغير المناخ إلى عدّة آثار سلبية مثل الفيضانات، والجزر الحرارية، وفقدان التنوّع البيولوجي، وتلوث الهواء. مما يترتّب نتائج سلبيةً على الصحة البدنية، والعقلية لسكان الحضر.[2] على سبيل المثال؛ تمتص أسطح المباني الإشعاع الشمسي، وتعيد إشعاعه بسبب ذلك تكون متوسط درجات الحرارة في هذه المناطق أعلى دائمًا من المناطق الطبيعية المحيطة مما يخلق تأثير الجزر الحرارية. وتضمّ المدن ما يقارب 50% من الأسطح غير المستخدمة، نتيجةً لذلك يسعى الخبراء لتحويل السطح إلى مساحة متعددة الوظائف في المدن باستخدام النباتات. وقد انتشرت هذه الممارسة على نطاق واسع في ألمانيا لأكثر من 30 عام، وفي عام 2002 احتوت أكثر من 12% من أسطح المنازل المسطّحة في ألمانيا على النباتات.[3]

أنواع الأسطح الخضراء

تنقسم الأسطح الخضراء عادةً إلى فئتين رئيسيّتين، وهما الواسعة والكثيفة. تحتوي «الأسطح الخضراء الواسعة-Extensive green roofs» على طبقة ركيزة رقيقة (5-15)سم، وأنواع نباتات محددة. لكنها تتطلّب تكاليف أقل نسبيًا، وتمتلك أوزانًا في الحدود الدنيا. ينتشر هذا النوع في ألمانيا ويمثل أكثر من 80% من جميع الأسقف الخضراء.[3]

على النقيض من ذلك، يشار إلى «الأسطح الخضراء الكثيفة-Intensive green roofs» أحيانًا باسم حدائق الأسطح. إذ تحتوي على ركيزة أعمق، أكبر من 15 سم، مما يتيح إمكانيةً أكبر لزيادة تنوع النباتات. لكنها تأتي مع زيادة في الوزن، وارتفاع التكلفة، ومتطلّبات الصيانة.[3]

تُصنِّف بعض الدراسات نوعًا ثالثًا من الأسطح وهو «السطح الأخضر نصف الكثيف- Semi-intensive green roofs». ويعتبر هذا النوع متوسّطًا بين النوعين، فيملك خيارات أكثر من السطح الواسع بسبب ازدياد عمق التربة، لكنه لا يتناسب مع الأشجار والشجيرات الطويلة.[4]

تصنيف الأسطح الخضراء وفق بعض الدراسات.

فوائد متعددة

تنظيم دراجات الحرارة: يمكن للسطح الأخضر خفض درجات حرارة الهواء المحيط، وحرارة السطح نتيجةً لذلك يقل تأثير الجزر الحرارية في المناطق الحضرية. يقلل هذا بدوره الحرارة المنتقلة إلى المباني مما يؤدي إلى تقليل كمّية الطاقة اللازمة للتبريد. بسبب ذلك تنخفض تكاليف الكهرباء فضلًا عن الحد من تلوث الهواء الناتج عن محطّات توليد الطاقة.[5]

كفاءة البناء: توفّر التربة والنباتات العزل والظل، فيقل انتقال الحرارة من الخارج إلى الداخل من خلال السقف. يؤدي ذلك إلى انخفاض الحاجة إلى التكييف، والتدفئة. إضافةً إلى ذلك، تقل الضوضاء، فيعد هذا السقف مثاليًا للأبنية الواقعة قرب خطوط السكك الحديدية، والمطارات، والطرق السريعة. [5][1]

تحسين جودة الهواء: يقلل السطح الأخضر تركيز ملوّثات الهواء لأن النباتات تنقي الهواء، وتحتفظ بنحو 20% من الشوائب الضارّة.[1]

إدارة مياه الأمطار: تحتفظ الأسطح الخضراء بمياه الأمطار لفترة كافية، من ثم تطلّقها من خلال التبخر النتح مما يساعد على منع الجريان السطحي من مياه الصرف الصحي، وتقليل كمية المعالجة. كما تجهّز بعض الأسطح لتجميع مياه الأمطار كبديل لاستعمالها في وقت لاحق. وعادةً ما تستخدم للري، وتدفّق المراحيض، وغيرها من الأغراض غير الصالحة للشرب.[5]

الاستجمام، والترفيه: تمكّن حدائق السطح سكان المدن الوصول إلى الطبيعة فتتحسن نوعية حياة الناس عن طريق تخفيف الضغط، وزيادة الترفيه. كما تؤدي عناصر التصميم الأخضر في مكان العمل إلى خفض الإجهاد، والتوتّر، وزيادة الإنتاجية.[5]

مقارنة بين السطح الأخضر والسطح التقليدي.

تحديات وعوائق

تجدر الإشارة أيضًا إلى مساوئ السطح الأخضر، فيمكن أن يشكل الوزن الإضافي للسقف حاجةً إلى الدعم الهيكلي، وتعزيز هيكل المبنى. كما يصعب إقامة هذا النوع في المناطق المعرّضة للزلازل. علاوةً على ذلك، يحتاج السقف الأخضر تكلفةً أوليةً عاليةً حيث ذكرت شركة Green roofs for healthy cities أن تركيب متر مربع من السطح الأخضر قد يكلّف حوالي 120-180 دولار، ولا يشمل السعر المادة المقاومة للماء. وتتوقّف تكلفة التركيب بشكل مباشر على نوع النباتات، ومواد العزل، ومدى تعقيد تركيب الهياكل الداعمة. كما يعد من الضروري إنفاق المال على إزالة الأعشاب الضارة سنويًا من النباتات، وتخصيب التربة.[1]

اعتبارات تصميمية

ينبغي الأخذ بعين الاعتبار عدّة عوامل عند تصميم الأسطح الخضراء ومنها:

  • تحليل الموقع: وهو العامل الأكثر أهميةً، إذ يجب النظر في النطاق الإقليمي، والمناظر الطبيعية المحيطة بالموقع. من أجل اختيار النوع المناسب من السطح الأخضر.[6]
  • اختيار النبات: تستعرض أنواع النباتات على أساس متطلّبات ضوء الشمس، والماء، والقدرة على تحمّل البرد. وينبغي اختيار النباتات، ونوع الركيزة، وعمقها اعتمادًا على المبادئ التوجيهية المتاحة محليًا. ويعتمد الاختيار عمومًا على ظروف الموقع، وأهداف التصميم. وتعد المعرفة الواسعة بانتقاء النباتات العامل الحاسم أثناء تصميم السطح الأخضر وبقائه على قيد الحياة.[6]
  • خصائص إنشائية: يجب دراسة الخصائص الهيكلية الجديدة أو القائمة للمبنى الذي ستوضع النباتات عليه. فينبغي دراسة حجم، وانحدار الركيزة، ومقدار الحمل الذي تُحدّثه. وبحسب الميزانية، والتحميل قد تتاح فرصةً لدمج الألواح الشمسية مع السطح. كما يجب النظر في إمكانية الوصول، والصيانة طويلة الأجل.[6]
  • الصيانة، والمياه: يلزم صيانة المحطّات، وشبكات الري، والصرف الصحي، والنظر في الجوانب المتعلّقة بالمياه من تسريب، وري، وتصريف.[6]

أسطح خضراء حول العالم

مدرسة نانيانغ للفنون Nanyang school of art

تتكوّن المدرسة من 5 طوابق على شكل قوسين منحدرين محدّدي الشكل يتشابكان مع قوس ثالث أصغر. تمنع الأسطح المنحنية فقدان المساحة المفتوحة، كما تقدّم فوائد بيئية عديدة. على سبيل المثال؛ تزيد الأعشاب الكثيفة الممزوجة بعشب Voysia matrella من كفاءة المدرسة البيئية من خلال المساعدة على امتصاص أشعة شمس سنغافورة الشديدة. في نفس الوقت عزّز العشب الأخضر كمساحة تجمع خارجية الإبداع لدى الطلاب، وقدم مساحات تزيد التفاعل بينهم.[7]

Nanyang school of art في سنغافورة.

متحف موسغارد Moesgaard museum

يقع متحف موسغارد في آرهوس في الدنمارك، وصممه المعماري هينينغ لارسن. وصنع سطحه منحدرًا لاستخدامه في النزهات الصيفية، والتزلّج في فصل الشتاء.[8]

متحف موسغارد في الدنمارك.

أكاديمية كاليفورنيا للعلوم

صمم الأكاديمية رينزو بيانو، واتّبع سطح المبنى شكل مكوّناته، ويغطى ب 1,700,000 نبتة محلية. السطح مسطح في محيطه، لكنه يصبح متموجًا على نحو متزايد عند الابتعاد عن الحافة ليشكّل مجموعةً من القباب مختلفة الأحجام. وحصل المشروع في النهاية على شهادة لييد البلاتينية.[9]

أكاديمية كاليفورنيا للعلوم.
قباب أكاديمية كاليفورنيا للعلوم.

شعبية متزايدة

ازدادت شعبية الأسطح الخضراء في الآونة الأخيرة، وأخذت بالانتشار على نطاق واسع. فصدر قانون في فرنسا يقضي بتغطية أسطح المباني التجارية إما بالنباتات أو بالألواح الشمسية. واعتمدت مدينة سيدني عام 2014 سياسة السقف، والجدران الخضراء.[6]

كذلك أصبح تركيب السطح الأخضر إلزاميًا في بعض البلديات الألمانية تحت عقوبة الغرامة لجميع مالكي الأسطح المسطحة. مثلًا في محيط شتوتغارت تغطى حتى المخازن الضخمة بالعشب. بينما بدأت تنتشر في روسيا في المدن الكبرى مثل موسكو، وسانت بطرسبرغ، وكالينينغراد وغيرها. خلاصة القول، تنفيذ هذا النوع من المشاريع ليس مهمةً سهلةً، لكن إذ حسب حساب كل شيء بشكل صحيح ستكون الاستثمارات مبررةً تمامًا.[1]

المصادر

  1. IOP Science
  2. Science direct
  3. Research Gate
  4. MDPI
  5. United States environmental protection agency
  6. Scholarly community encyclopedia
  7. Archdaily
  8. The guardian
  9. Archdaily

ما هي مواد البناء المستدامة في العمارة؟

انظر تحت قدميك، وابنِ! هذا ما يدعونا إليه المعماري حسن فتحي. مشيرًا إلى أهمية الرجوع إلى طبيعة الموقع، وانتقاء مواد البناء الأولية منها. فكيف تؤثّر مواد البناء المحلّية على الاستدامة؟ وما هي مواد البناء المستدامة في العمارة الخضراء؟

مواد البناء المستدامة

يكاد يكون تعريف الاستدامة مهمّةً مستحيلةً بسبب جميع المفاهيم المسبقة المرتبطة بالمصطلح. إذ يعد أحد أكثر المصطلحات الشائعة في زماننا. مع ذلك نستطيع اعتبار العمارة القديمة البدائية (العمارة قبل المهندسين)، والتي بُنيت باستخدام التقنيات والموارد المحلية وحدها عمارةً مستدامةً. لكن وفي وقت لاحق، بعد مؤتمر ريو لعام 1992 ظهرت تعريفات أكثر تحديدًا للعمارة المستدامة. مثل تخطيط المساحات بكفاءة، وتحديد نسبة الإشغال، واعتماد مواد البناء المحلية، وإعادة التدوير. عمومًا مواد البناء المستدامة في العمارة هي المواد التي تُقلّل البصمة الكربونية للمباني، وانبعاث الغازات الدفيئة من قطاع الإنشاء. والتي تمثِّل حوالي 35-50% من انبعاث الغازات الدفيئة العالمي، وذلك بحسب كيفيّة الحساب في الدراسة. [1]

أهمية مواد البناء المستدامة

تساعد مواد البناء المستدامة في الحدّ من التأثير البيئي السلبي للمباني من خلال الكفاءة والاعتدال في استخدام المواد والطاقة. على سبيل المثال؛ تستطيع تنظيم درجة حرارة المبنى تقليل الحاجة إلى أنظمة التبريد والتدفئة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تصنع المواد المستدامة من مواد طبيعية بديلة لا تحتوي على مواد كيميائية ضارة، فيؤدّي ذلك إلى الحدّ من البصمة الكربونية للمباني. [2][3] كما تشكِّل مواد البناء المستدامة منشآت جذّابةً بصريًا تنسجم وتتناغم مع محيطها، ونرى ذلك بوضوح في العمارة العضوية.

أنواع مواد البناء المستدامة

المواد المستصلحة

تشير «المواد المستصلحة- Reclaimed materials» إلى المواد التي سبق استخدامها في البناء، ويعاد استخدامها في مشاريع البناء الجديدة، وتشمل عناصر متنوعة كالصلب، والزجاج. تكمن أهمّيتها في خفض كمّية النفايات، والأثر البيئي السلبي للبناء، بسبب قدرتها على استغلال المواد من مدافن القمامة، وتقليل الحاجة إلى إنتاج مواد جديدة.[4]

على سبيل المثال؛ يعد الخشب موردًا متجدّدًا، وخيارًا شعبيًا في العمارة المستدامة، بالرغم من ذلك قد يَصعُب إعادة تدويره. وتميل البلدان التي تبني بالكثير من الخشب إلى حرقه في نهاية دورة حياته. لكن يعد اليوم إعادة الاستخدام خيارًا جيدًا للحد من الانبعاثات الناتجة عن عملية التصنيع. [5]

تمثل الصورة سلسلة تعاقبية مثالية للأخشاب من إعادة الاستخدام إلى الحرق، الصورة من Daishi sakaguchi.

المواد المتجدّدة

يقصد «بالمواد المتجدّدة- Renewable resources» المواد التي يمكن تجديدها أو استبدالها بشكل طبيعي مع مرور الوقت دون استنزاف للموارد. وغالبًا ما تستعمل كبديل للمواد غير المتجددة من موارد محدودة. وتستخدم في مجموعة متنوّعة من التطبيقات بما في ذلك البناء، والتصميم الداخلي، والصناعات الغذائية. [6]

ومن الأمثلة؛ الخشب، حيث اعتمد عليه الإنسان لعدّة قرون، فبنى به المصريون القدماء أنوعًا من الأعمدة في عمارتهم السكنية. كما أن الخشب مصدر متجدد ذو تأثير بيئي منخفض. يطوّر العلماء حديثًا كذلك أسمنت عضوي صالح للأكل مصنوع من مخلّفات الطعام مثل قشور البرتقال، والبصل، والموز.

مواد البناء المعاد تدويرها

تضمّ إعادة التدوير مراحلًا أساسيةً وهي جمع النفايات، وتجهيزها، لتحويلها إلى منتجات جديدة من ثم يمكننا شراء هذه المنتجات وإعادة تدويرها لاحقًا. تشمل المواد المعاد تدويرها الحديد، والصلب، وعلب الألمنيوم، والورق، والزجاجات، والخشب واللدائن. وتعتبر بديلًا للمواد الخام التي نحصل عليها من الموارد الطبيعية والتي تزداد ندرتها. يساعد إعادة التدوير في الحدّ من كمّية النفايات الصلبة المترسّبة في مدافن القمامة، إذ يصبح التخلّص منها مكلّفًا، ويلوث البيئة. [7]

يمكن إعادة تدوير الحديد والصلب عن طريق إعادة الصهر والصقل، وهذه العملية أرخص بكثير من إنتاج معدن جديد. أما بالنسبة للزجاج فهو يشكّل حوالي 6% من وزن المواد في مجاري نفايات البلدية، بالرغم من ذلك لا يعاد تدوير قسم كبير منه حتى الآن. يرجع ذلك إلى أن مواد الزجاج الخام رخيصة الثمن إلى الحد الذي يجعل الدوافع الاقتصادية لإعادة تدويره ضئيلةً للغاية. بالإضافة إلى ذلك، يصعب فصل الزجاج عن غيره من النفايات وفرزه بحسب اللون (أي النقي، والأخضر، والبني). بالرغم من هذه الصعوبات تعمل بعض الدول اليوم على تدوير 35-90% من الزجاج المكسور. [7]

يمكن استعادة حطام البناء والهدم مثل الطوب، والخرسانة، والأسفلت، والمعادن وإعادة استخدامها. ويتألّف الحطام الخرساني في معظمه من الرمال والحصى التي يمكن سحقها وإعادة استخدامها كحصويات الطرق الفرعية. كما يمكن تكسير الخشب النظيف وصنع فرش للحيوانات منه. [7]

التصميم من أجل التفكيك DfD

تهدف حركة «التصميم من أجل التفكيك- Design for Deconstruction» إلى إدارة مواد البناء الهالكة، وتقليل استهلاك المواد الخام عند التشييد. ويتحقق ذلك من خلال تحسين المواد المزالة أثناء عمليات الهدم، واستكشاف سبل لإعادة استعمالها في مشروع بناء آخر، أو إعادة تدويرها لتحويلها إلى منتج جديد.[8]

وضع مجلس الحركة دليلًا عمليًا للهدم المستدام يسلّط الضوء على خطط عمل لمختلف أصحاب المصلحة. فيقترح الدليل بالنسبة للمهندسين تصميم مبانٍ مرنة، وقادرة على التكيُّف لأداء وظائف متنوّعة، وتعمل لأطول فترة ممكنة. ويسمح الدليل بتجميع وتركيب إنشاءات مسبقة الصنع إذ تعتبر أسهل عند الهدم. كما يدعم البناء المعياري موحّد القياسات، وهو عبارة عن لوحة مبسّطة من المواد والمكونات تعتمد على أدوات التثبيت الميكانيكية بدلّا من المواد اللاصقة. تضمن أدوات التثبيت الميكانيكية سهولة تفكيك عناصر البناء وإعادة استخدامها دون فقدان قيمتها. أما بالنسبة لمستخدمي المباني، فيوصي الدليل بالصيانة الاستباقية، وتوثيق التحديثات. وأخيرًا، بالنسبة لفرق التفكيك، فيوصي بإعداد الوسائل الشاملة، وخطّة العمل استنادًا إلى رسومات البناء الأصلية، والحالة الراهنة. [8]

بناء معياري موحّد القياسات بأدوات تثبيت ميكانيكة.

من الأمثلة عن حركة DfD مبنى Triton square من تصميم ARUP الذي بني عام 1998، من ثم احتاج إلى تعديلات لأنه لم يعد يلبي الاحتياجات الوظيفية. احتفظ القائمون على العمل بجزء كبير من الهيكل القديم فشمل ذلك 88% من البنية التحتية، وأعيد تركيب 3000 متر مربع من ألواح الواجهة الأصلية. فوفر المشروع 40 ألف طن من انبعاثات الكربون، وخفض التكاليف بنسبة 43% مقارنةً بالمبنى التجاري النموذجي. [8]

مبنى Triton square من تصميم ARUP.

تحديات البناء بمواد مستدامة

1. الحواجز الاقتصادية والتكاليف

تتراوح التكلفة المقدّرة للبناء المستدام بين 1-25% أكثر من البناء التقليدي، بسبب تعقيد عملية التصميم عندما تُقترن بالنمذجة والممارسات الخضراء. بالإضافة إلى أن مواد البناء المستدامة تكلّف أكثر بنحو 3-4% من المواد التقليدية. فتؤثّر هذه النفقات الباهظة على فريق إدارة المشروع لأنه سيعتبر مسؤولًا عن تسليم البناء في إطار ميزانية محدّدة مسبقًا. [9]

كما يعتقد الخبراء أن أساس تشكّل التحديات الاقتصادية يرجع إلى عدم وجود معلومات دقيقة وشاملة فيما يتعلّق بالآثار الاقتصادية للمباني الخضراء. ولا يوجد نماذج تكلفة تساعد المطوّرين على فهم التكاليف والفوائد الحقيقية لهذه المباني. حيث تعد التكلفة الأولية الشغل الشاغل للمؤسّسات المالية والمستثمرين. [10]

2. جمع المعلومات

لا تتوافق الآراء حتى الآن حول ما تعنيه الاستدامة، وهناك خلاف بشأن تحديد المعايير الدنيا للبناء المستدام، وكيفية تقييمه. زيادةً على ذلك، لدينا نقصًا في البحوث والدراسات حول أداء المباني الخضراء، لذلك ليس من الممكن دائمًا التنبّؤ بما إذا كان المبنى سيؤدي الدور الذي توقّعه المصممون. [10]

3. تحديات مرحلة التصميم والتشييد

يتعيّن على المعماري تحديد تقنيات البناء المستدام، والمواد اللازمة لكنه لا يمتلك معيار تقييم قياسي للمنتجات. بالتالي يتوجّب عليه استثمار الكثير من الوقت والجهد لتقييم المواد والتقنيات. [10] كما يلزم على إدارة المشروع أن تمر بعمليات ومعاملات طويلة للحصول على موافقات لعمليات البناء. [9]

تواجه مرحلة التشييد صعوبات لا تقلّ عن مرحلة التصميم، ومنها الافتقار إلى العمالة الماهرة اللازمة لتركيب وصيانة التقنيات الجديدة. أما بالنسبة للتفكيك فقد يكلّف أكثر من الهدم بسبب زيادة عدد العمّال الإضافيين، والوقت اللازم لإتمام العمل. [10]

اختيار مواد البناء المناسبة

تتأثّر جميع التحديات السابقة بانتقاء مواد البناء والتقنيات المناسبة للبناء بها. فلا يكفي اختيار مادة بناء مستدامة فحسب، بل يجب أن تكون صديقةً لبيئة موقع المشروع، ومن المهم أن تكون المادة متاحةً محلّيًا، إذ تخلق عملية نقل المواد عن طريق البر أو البحر أو الجو تلوثًا كبيرًا مما يجعل اختيار المواد صعبًا إلى حدّ ما. [10]

تستطيع ممارسات البناء المستدامة أن تحدث فرقًا هائلًا في الاستدامة البيئية العالمية. لكننا بحاجة ماسّة إلى زيادة الوعي العام لأهمية هذه الممارسات من أجل غد أفضل، بالإضافة إلى مواجهة التحديات وإيجاد حلول حقيقية لها.

المصادر

  1. MDPI
  2. IOP science
  3. IOP science
  4. Semantic scholar
  5. Semantic scholar
  6. Taylor and Francis
  7. Britannica
  8. archdaily
  9. Science direct
  10. Research Gate

ما هي فوائد العمارة الخضراء؟

تزداد شعبية العمارة الخضراء بين المعماريين شيئًا فشيئًا، فصمم البعض مبانٍ تُغطّيها النباتات تمامًا. ويقع أحد هذه المباني في مدينة ميلانو الإيطالية، ويدعى الغابة العمودية. ويتكوّن من برجين بطول 80، و112 م، ويحتويان على 780 شجرة بمختلف الأحجام، و11 ألف نبتة معمرة ونباتات تغطية، إضافةً إلى 5 آلاف شجيرة. إلى جانب الفوائد البيئية يعزّز البرجان التفاعل الاجتماعي بين السكان، وتعد الغابة العمودية معلمًا دائم التطوّر، والذي تتغير ألوانه اعتمادًا على الموسم، والطبيعة المختلفة للنباتات المستخدمة.[1] فما الفوائد البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية التي ترافق العمارة الخضراء؟

أهمية العمارة الخضراء للمدن

مع ازدياد توسّع المدن تصبح التنمية الحضرية المستدامة أداةً متزايدة الأهمية لمواجهة الآثار الضارّة للزحف الحضري العشوائي. وهنا يأتي دور العمارة الخضراء التي تدمج المواد المستدامة، وأنظمة كفاءة الطاقة، والمساحات الخضراء. من أجل تحويل البيئات الحضرية إلى أماكن أكثر جاذبيةً، وصحيةً، ومرغوبةً للعيش فيها، فضلًا عن الفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي توفرها.[2]

مبنى الغابة العمودية في مدينة ميلانو الإيطالية.

الفوائد البيئية للعمارة الخضراء

تقليل استهلاك الطاقة

تُصمم المباني الخضراء لتكون موفرةً للطاقة، مما يعني أنها تستهلك طاقةً أقل للتدفئة، والتبريد، والإضاءة. ويتحقّق ذلك من خلال مجموعة متنوّعة من خطط التصميم مثل تصميم المبنى وفقًا لطبيعة منطقته المناخية وتوجيهه بالشكل الأمثل للاستفادة بأقصى حد من الطاقة الشمسية في فصل الشتاء، والتقليل منها في فصل الصيف ويمكن استعمال الكاسرات الشمسية لهذا الغرض. عندما نقلّل من كمية الطاقة اللازمة لتشغيل المبنى تنخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وينعكس ذلك بدوره على مشكلة التغيُّر المناخي.[3] والكاسرات الشمسية هي ألواح خارجية ثابتة أو متحرّكة تتوضّع بشكل رأسي أو أفقي، وتوضع على فتحات المبنى (الأبواب، والنوافذ) لتسمح بدخول أشعة الشمس في الشتاء، وتمنعها من الدخول في الصيف.

مبنى The Selcuk Ecza Headquarters في تركيا، وتظهر على الواجهة الكاسرات الشمسية.
مبنى The Selcuk Ecza Headquarters من الداخل.

الحفاظ على الماء

تعزّز العمارة الخضراء ممارسات الإدارة المستدامة للمياه وتستخدم عدّة طرق للحفاظ على الموارد المائية ومنها:

  • تجميع مياه الأمطار، غالبًا ما تتضمّن المباني الخضراء أنظمةً لجمع وتخزين مياه الأمطار لاستخدامها لاحقًا. وقد تشمل براميل المطر، وخزّانات، أو حتى خزّانات تحت الأرض. ويمكن الاستفادة من المياه التي جمعت للريّ، أو لتصريف المراحيض، أو غيرها من الاستعمالات غير الصالحة للشرب.[4][5]
  • تركيبات منخفضة التدفّق، وتشمل المراحيض، والصنابير، ورؤوس الدش التي تستخدم كمّية مياه أقلّ من التركيبات العادية بينما لا تزال توفّر أداءً مناسبًا. [6]
  • إعادة تدوير المياه الرمادية، المياه الرمادية هي مياه الصرف الصحي القادم من مصادر نظيفة مثل الأحواض، والحمامات، والغسالات. والتي يمكن معالجتها وإعادة استخدامها لأغراض غير صالحة للشرب كالري.[4][5]
  • النباتات الخضراء المحلّية، يمكن اعتماد نباتات تتحمّل الجفاف، أو تنمو طبيعيًا في الموقع فتتكيّف مع المناخ المحلي، للتقليل من استهلاك الماء.[5]

تساعد العمارة الخضراء على الحد من الضغط على إمدادات مياه البلدية، وتعتبر هذه الميزة مهمةً على نحو خاص في المناطق التي تعاني ندرة الماء أو الجفاف.[4][5]

تحسين جودة الهواء

يتلوث الهواء داخل المباني من بقايا مواد البناء، والتشطيبات النهائية، والمفروشات. نتيجةً لذلك قد يقلّل البناء بواسطة المواد المتجدّدة من كمية الملوثات المنتشرة في الهواء. كما تساعد التهوية الطبيعية على تحسين نوعية الهواء الداخلي عن طريق جلب الهواء النقي باستمرار.[7]

إضافةً إلى ذلك، يمكن للجدران الخضراء المساعدة على الحد من مستويات ثاني أكسيد الكربون داخل الفراغات. وتساعد النباتات الداخلية في تنقية الهواء الداخلي في نفس الوقت.[8]

تقليل النفايات

تهدف العمارة الخضراء إلى الحد من النفايات عن طريق تصميم المنشآت التي تنتج كميات أقلّ من النفايات أثناء البناء والتشغيل. يمكن تحقيق ذلك باستعمال مكوّنات مسبقة الصنع، أو جعل المكوّنات قابلةً للتفكيك، واستخدام مواد قابلة لإعادة التدوير، لإعادة استخدامها بسهولة في المستقبل. وتسعى كذلك إلى استعمال الموارد بكفاءة من خلال تقليل كمية المواد المستخدمة في البناء، واستخدام المواد المعاد تدويرها أو المتجددة مثل الأسمنت الصالح للأكل.[9]

الفوائد الاقتصادية للعمارة الخضراء

خفض التكاليف

تدمج العمارة الخضراء التقنيات والمواد الموفّرة للطاقة نتيجةً لذلك يقل استهلاك الطاقة، بالتالي تنخفض التكاليف، والفواتير مع مرور الوقت. وتتضمن المباني الخضراء في كثير من الأحيان مصادر الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية، أو توربينات الرياح، مما يقلّل أو يلغي الحاجة إلى الكهرباء التي توفّرها الحكومة. علاوةً على ذلك، يعتمد البناء الأخضر على الموارد المستدامة مثل الصلب المعاد تدويره، والخيزران والتي غالبًا ما تكون أرخص من مواد البناء الأخرى فيؤدي ذلك إلى انخفاض التكلفة عمومًا.[9]

تقدّم العديد من الحكومات حوافزَ ضريبيةً للبناء الأخضر مما قد يساعد على تعويض التكلفة الأوّلية للبناء. وقد تشمل الحوافز الإعفاءات الضريبية، والخصومات، والمنح مثل بعض الولايات الأمريكية. [10]

زيادة قيمة العقار

تجذب المباني الخضراء المشترين، والمستأجرين مما يزيد قيمتها في سوق العقارات، وذلك لأنها توفر المال من تكاليف الكهرباء والماء، وتعتمد نظام تهوية وإنارة فعّال وصديق للبيئة. فيتشكّل بسبب ذلك نظام معيشة، أو بيئة عمل أكثر صحّةً، وراحةً.[11]

تمتلك العقارات الموجودة بالقرب من الحدائق أو المساحات الخضراء قيم ملكية أعلى من غيرها من العقارات. على سبيل المثال؛ وجدت دراسة في بكين أن قيم العقارات السكنية الواقعة على بعد (850-1604)م من الحدائق حقّقت زيادةً بنسبة (0.5-14.1)% في أسعار المبيعات.[11]

فرص عمل جديدة

قد تخلق العمارة الخضراء وظائف جديدةً لأنها مجال متنامٍ، يتطلّب مهارات متخصّصةً. إذ يستخدم روّاد الأعمال المهتمّون بالاستدامة خططًا مختلفةً، وحديثةً لدفع العمارة الخضراء في صناعة البناء مما قد يخلق فرص عمل جديدة.[12]

الفوائد الاجتماعية للعمارة الخضراء

تحسين الصحة والرفاهية

تحسن العمارة الخضراء بشكل عام جودة البيئة الداخلية مثلما ذكرنا سابقًا. ويعد الحفاظ على العلاقة مع الطبيعة أمرًا أساسيًا لصحة الإنسان ورفاهيته. إذ قد تكون المساحات الخضراء، والزرقاء مصدرًا للترفيه، والاسترخاء في المجتمع. لذلك تمتلك المباني الخضراء تأثيرًا مهدّئًا على شاغليها، وتقلّل مستوى الإجهاد لديهم. فتتحسن بسبب ذلك الصحّة النفسية للسكّان.[2]

تهتمّ العمارة المستدامة بمواد البناء غير السامّة، وتسعى للحد من التعرّض للمواد الكيميائية الضارّة. فينعكس ذلك على الصحة العامة للأفراد، ويقلّل خطر الإصابة بالأمراض. كما تشجّع المباني الخضراء النشاط البدني من خلال دمج ميّزات مثل السلالم، ومسارات المشي. فيؤدي ذلك إلى تقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة مثل السمنة المفرطة، وأمراض القلب.[2]

زيادة إنتاجية العمل

تنعكس فوائد العمارة الخضراء، والمستدامة على الموظفين بشكل كبير. بحثت دراسة في آثار تحسين جودة البيئة الداخلية IEQ على الصحة الجسدية والإنتاجية لدى شاغلي المباني الذين انتقلوا من المباني المكتبية التقليدية إلى المباني الخضراء. ووجدت الدراسة أن تحسين جودة البيئة الداخلية ساهم في خفض غياب الموظّفين، وتقليل ساعات العمل المتضرّرة من الربو، والحساسية التنفسية، والاكتئاب، والإجهاد. وأظهرت الدراسة تطوّر جو العمل، وزيادة إنتاجية الأفراد.[13]

فوائد مجتمعية

تساعد الأسطح والجدران الخضراء على الحد من تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية. والتي تحدث عندما تصبح المناطق الحضرية أكثر دفئًا بشكل ملحوظ من المناطق الريفية المحيطة بها، بسبب امتصاص واحتفاظ المباني والأرصفة بالحرارة. وهنا يأتي دور العناصر الخضراء في خفض الآثار السلبية للجزيرة الحرارية الحضرية من خلال توفير الظلّ، وتبريد الهواء. كما توفّر الجدران الخضراء العزل، وتقلّل كمية الحرارة التي تمتصُّها المباني، وتساعد على إدارة مياه الأمطار. وأوضحت دراسة أنواع النباتات، ومعدلات التغطية الفعّالة للسقف الأخضر الأمثل للحد من تأثير الجزر الحرارية الحضرية. وهي 70% من العشب و30% من الأشجار في المناطق المغلقة. و50% من الشجيرات، و50% من الأشجار في المناطق نصف المفتوحة. و70% من العشب مع 30% من الأشجار، أو 30% من العشب مع 70% من الأشجار في المناطق المفتوحة.[14]

إضافةً إلى ذلك، يمكن استخدام العمارة الخضراء كأداة تعليمية لزيادة الوعي حول القضايا البيئية، وتعزيز المعيشة المستدامة من أجل ضمان مستقبل أفضل لأولادنا.

المصادر

  1. Archdaily
  2. Semantic scholar
  3. Semantic scholar
  4. Research Gate
  5. Semantic scholar
  6. national geographic
  7. Semantic scholar
  8. Research Gate
  9. Semantic scholar
  10. SSRN
  11. Research Gate
  12. sage journals
  13. National library of medicine
  14. MDPI
Exit mobile version