سلسلة الفن الحديث: فن ما بعد الحداثة

هذه المقالة هي الجزء 10 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

بينما قام (الفن الحديث) على المثالية والعقل، ولدت حركة (ما بعد الحداثة) من التشكيك في العقل والطعن في فكرة وجود الحقائق. فقد اعتمد فن ما بعد الحداثة على الفلسفة، واعتبر أن التجربة الفردية أكثر واقعية من المبادئ المجردة. وبينما دافع اتباع الفن الحديث عن الوضوح والبساطة. احتضنت ما بعد الحداثة معانٍ كثيرة معقدة ومتناقضة في كثير من الأحيان.

يعتبر فن ما بعد الحداثة مجموعة من الأساليب والمواقف المرتبطة في رد فعلها ضد الفن الحديث. وقد تم استخدام المصطلح لأول مرة عام 1970. وتعتبر حركة فنية تتحدى التعريف إلى حد ما، حيث لا يوجد أسلوب أو نظرية واحدة تعبّر عنها أو تتوقف عليها.

Wooden Gallop, By: Robert Rauschenberg, 1962

تتبنى الحركة العديد من الأساليب المختلفة لصنع الفن، ويمكن القول إنها بدأت بفن البوب في الستينيات. احتضنت الحركة الكثير مما تبع فن البوب، بما في ذلك الفن المفاهيمي  conceptual art والتعبيرية الجديدة والفن النسوي.

الفرق بين الفن الحديث وفن ما بعد الحداثة

كانت ما بعد الحداثة رد فعل ضد الحداثة التي استندت على المثالية والمجتمع والإيمان بالتقدم. فقامت بافتراض أن بعض المبادئ أو الحقائق المطلقة كالتي صاغها الدين أو العلم يمكن استخدامها لفهم أو تفسير الواقع.

بالإضافة لقيام أتباع الفن الحديث بتجربة الشكل والتقنية بدلاً من التركيز على الموضوعات، معتقدين أن باستطاعتهم إيجاد طريقة تعكس العالم الحديث تمامًا.

Soundproof Aesthetic of Luxuriety, By: Lubo Kristek, 1976
Too Obvious, By: David Hammons, 1996

وعلى النقيض من ذلك، تميزت حركة ما بعد الحداثة بالتشكيك في الأفكار الرئيسية التي تم تبنيها خلال العصر الحديث، وأهمها فكرة أن كل تقدم – وخاصة التكنولوجي- إيجابي.

فمن أواخر القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، تم تعريف الفن والأدب والعلوم والفلسفة من خلال الإحساس بالتقدم التكنولوجي الناجم عن الثورة الصناعية والانتماء إلى إيجابية الحياة الحديثة.

ومن خلال رفض تلك الأفكار، يرفض أتباع تلك الحركة فكرة تضمين المعرفة العامة أو التاريخ العالمي في الأعمال الفنية، ويؤكدون على وجوب احتضان الأفكار المحلية والمؤقتة والسريعة بدلًا من ذلك.

Torn And Twisted Curtain, By: Joseph Havel, 2004-2005

ذلك بالإضافة لرفض فكرة التطور الفني باعتباره موجهًا نحو هدف معين، كالأفكار القائلة بأن الرجال فقط هم العباقرة في الفن، والافتراض الاستعماري العنصري بأن الأجناس غير البيضاء هي أدنى مرتبة، وهكذا. لذلك غالبًا ما يتم تضمين الفن النسوي وفن الأقلية الذي يتحدى طرق التفكير التقليدية تحت عنوان ما بعد الحداثة، أو بأنها تقوم بتمثيلها.

مفهوم الأعمال الفنية

قامت حركة ما بعد الحداثة بقلب فكرة وجود معنى واحد متأصل لعمل فني، أو أن هذا المعنى حدده الفنان في وقت انشاء ذلك العمل. بل أصبح المشاهد -بدلاً من ذلك- محددًا مهمًا للمعنى، حتى أن بعض الفنانين قاموا بالسماح للمشاهد بالمشاركة في العمل. وقد ذهب فنانون آخرون إلى أبعد من ذلك من خلال إنشاء أعمال تتطلب تدخل المشاهد لإنشاء أو إكمال العمل الفني! والذي يعرف باسم” Participatory Art” الفن التشاركي.

Art Experiment: Taking inspiration from the universe, 2013
Landscape Non Grata, By: Lubo Kristek, 2014

وقد كانت فكرة تحطيم الفروق بين مراتب الفنون بدمج عناصر الثقافة الشعبية في الأعمال الفنية عنصرًا أساسيًا في ما بعد الحداثة، كوضع بابلو بيكاسو كلمات الأغاني الشعبية على لوحاته مثلًا. فجميع تلك الأفكار تعزز الفكرة القائلة بأن الثقافة المرئية لا يجب أن تكون صحيحة أو جميلة، لكن يمكن أيضًا تقديرها والاستمتاع بها دون أي تدريب جمالي، مما يجعل مفهوم القيم الفنية للأعمال أكثر نضوجًا.

Requiem for Mobile Telephones V, By: Lubo Kristek, 2010

وقد سعى فنانين مثل بول سيزان وبيت موندريان لإيجاد وسيلة عالمية للتعبير من خلال التجريد المتزايد لموضوعهم. وكان يُنظر إلى الفنانين الآخرين الذين ركزوا على الذات والنفس والغرائز، كسلفادور دالي أو مارسيل دوشامب أنهم متطرفون لعدم تركيزهم على العقلانية، وأصبحت أعمالهم  فيما بعد مقدمة لما بعد الحداثة.

وقد تطورت الأعمال الفنية بناء على تلك الأفكار حتى أصبحت عملية الرسم التي كانت وسيلة لتصوير موضوع من خلال استخدام الخط واللون والشكل، هي الموضوع نفسه.

مصادر:

The Art Story
Google Arts&Culture
TATE

المدرسة السريالية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 8 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

سعى فنانو المدرسة السريالية إلى إطلاق العنان لقوة الخيال من اللاوعي في فنهم، وذلك لتأكيد قيمة اللاوعي والأحلام. فقاموا بإبعاد العقلانية والواقعية تمامًا معتقدين أن التفكير العقلاني يقمع قوة الخيال، ويثقل كاهلها بالمسلمات، وكانوا يأملون بأن تتمتع نفس الإنسان بالقدرة على كشف التناقضات الموجودة في الأحداث اليومي، مما أدى إلى إحداث ثورة في التجارب الإنسانية. وقد وجد شعراء وفناني الحركة السحر والجمال في كل ما هو غريب وغير متوقع، وبالتأكيد غير تقليدي.

ماهي السريالية؟

يشير مصطلح (السريالية) إلى وصف ما وراء الواقع، وقد صاغه الشاعر الفرنسي “غيوم أبولينير – Guillaume Apollinaire” عام 1917. لكن “أندريه بريتون – André Breton” -زعيم مجموعة من الشعراء والفنانين- قام من بعده بتعريف السريالية عام 1924 على أنها: “آليّة نفسية خالصة يقوم من خلالها المرء التعبير شفهيًا أو كتابيًا أو بأي طريقة أخرى، عن الأداء الحقيقي للفكر في غياب كل سيطرة يمارسها العقل، وذلك بالابتعاد عن الانشغال الجمالي والأخلاقي للأشياء.”

The Persistence of Memory, 1931, By: Salvador Dalí

لكن ببساطة يعبر مصطلح “سريالية” عن (الغرابة) أو (ما يشبه الأحلام)، وهي حركة فنية تطورت من الحركة (الدادية) التي ظهرت كرد فعل على عنف وأحداث الحرب العالمية الأولى، ويقوم فيها الفنان بقمع التحكم الواعي والسماح للعفوية بالانطلاق.

كان بريتون والسرياليين عمومًا متأثرين بعدة أشخاص كان لهم تأثيرًا عميقًا في نفوس السرياليين، وكان من أهمهم كارل ماركس في عالم السياسة والفكر، فكان يتمنى بريتون دائمًا أن تكون السريالية حركة ثورية قادرة على تحرير عقول الجماهير من النظام العقلاني للمجتمع.

لكن عند دخولنا عالم الأحلام والتحليلات النفسية، فقد كان لـ “سيغموند فرويد – Sigmund Freud” النصيب الأكبر في التأثير العميق على السرياليين، ولا سيما كتابه (تفسير الأحلام) والذي شرح فيه فرويد أهمية الأحلام واللاوعي على أنهما شيئان صحيحان عن المشاعر والرغبات الإنسانية، مما أدى إلى تقديم مادة خصبة من العوالم الداخلية المعقدة والرغبات المختلفة المقموعة لكثير من السرياليين.

Personal Values, 1952, By: René Magritte

اللوحات السريالية

ربما تكون اللوحات السريالية هي العنصر الأكثر تميزًا في الحركة، ورغم ذلك فهي أكثر العناصر صعوبة التعريف. فقد اعتمد كل فنان على أساليبه المتكررة الناشئة من أحلامه أو عقله اللاواعي. وفي الأساس، تكون الصور غريبة ومحيرة، لإبعادها المشاهد عن افتراضاته المريحة. وكان السريالي “رينيه ماغريت – René Magritte” من أهم الفنانين الذين قاموا بتطبيق تلك الفكرة بوضوح.

فعند رؤيتنا للغيوم والغليون والقبعات والتفاح الأخضر، نستطيع على الفور معرفة انتمائها لـ “ماغريت”. فقد أنتج مجموعة من الأعمال التي جعلت مثل هذه الأشياء المألوفة غريبة ، حيث قام بتقسيمها إلى مشاهد غير مألوفة، أو تعمّد تصنيفها بشكل خاطئ لجعل معظم الأشياء اليومية تصرخ بصوت عالٍ على حد تعبيره. فبألغازه التصويرية واللغوية، جعل ماغريت المألوف مزعجًا وغريبًا وطرح أسئلة حول طبيعة التصوير والواقع.

The Son of Man, 1964, By: René Magritte

وكانت اللوحة السريالية تميل نحو أسلوب التجريد حتى أواخر العشرينيات، والذي غالبًا ما تم تطبيقها من خلال تقنيات تلقائية يُفترض أنها خارج السيطرة الواعية للفنان، لكن الفنان ماغريت قام بتطوير أسلوب تصويري يتحدى العالم الحقيقي من خلال تصوير طبيعي ومفصل للغاية للأشياء والموضوعات العادية.

فلم يختر كل فنان إنشاء مثل هذه الأعمال المجردة، وأدرك العديد منهم أن تمثيل المظهر الفعلي لشيء ما في العالم المادي قد يستحضر بشكل أكبر ارتباطات للمشاهد؛ حيث تكشف حقيقة أعمق عن نفسها. وقد ابتكر فنانون مثل دالي وماغريت رؤى واقعية للغاية تشبه الحلم تشكل نوافذ إلى عالم غريب يتجاوز حياة اليقظة، على سبيل المثال ، حيث يرسم فنان طائرًا أثناء طيرانه بينما ينظر إلى بيضة تجلس فوق طاولة، تشير إلى مشهد أحلام أو حالة هلوسة.

Clairvoyance, 1936, By: René Magritte

وقد استخدم العديد من الفنانين السرياليين الرسم أو الكتابة التلقائية لتمثيل الأفكار من اللاوعي، وسعى آخرون إلى تصوير عوالم الأحلام أو التوترات النفسية المخفية. وقد جذبت الكتاب والفنانين والمصورين وصانعي الأفلام من جميع أنحاء العالم الذين شاركوا هذا الرفض العدواني للقيم الفنية والأخلاقية التقليدية. وكان من أهمهم الفنان الاسباني الأشهر “سلفادور دالي – Salvador Dali”.

سلفادور دالي

يعد دالي من أكثر الفنانين الأكثر تنوعًا وانتاجًا في القرن العشرين والأكثر شهرة من السرياليين. وعند وفاته في 1989، كان قد ابتكر إرثًا مذهلاً لا يشمل فقط لوحاته السريالية الأكثر شهرة، بل يشمل أيضًا النحت والأفلام والتصوير الفوتوغرافي وغير ذلك الكثير. وتُظهر لوحاته أيضًا افتتانًا بالفن الكلاسيكي وعصر النهضة.

The Elephants, 1948, By: Salvador Dali

وقد اشتهر دالي بشخصيته المتوهجة بقدر ما اشتهر ببراعته الفنية التي لا يمكن إنكارها، وكشخصية غريبة الأطوار منذ الطفولة ، أحب دالي تخطي الحدود في حياته الشخصية والمهنية. وكان أيضًا محتالًا وأستاذًا في الترويج الذاتي. وقد طُرد دالي من مدرسة الفنون مرتين، أحدهما بسبب مشاركته في إحدى الاحتجاجات الطلابية، والآخر لعدم موافقته أداء الامتحانات الشفوية مبررًا ذلك: “أنا أكثر ذكاءً من هؤلاء الأساتذة الثلاثة ، وبالتالي أرفض أن يتم فحصي من قبلهم. أنا أعرف هذا الموضوع جيدًا.”

ولم يستخدم أي مواد مخدرة لتغيير حالته الذهنية. وقد قال:”أنا لا أتعاطى المخدرات، بل أنا المخدرات.” لكن لتحفيز إبداعه ، قام بتطوير طريقة سمحت له بالوصول إلى عقله الباطن، وكانت مساهمة كبيرة في الحركة السريالية، وكانت إحدى الطرق التي أبقى بها نفسه في حالة تشبه الحلم عبارة عن التحديق بثبات في شيء معين حتى يتحول إلى شكل آخر، مما أثار نوعًا من الهلوسة.

المصادر:

Tate
Artsy
The Art Story
MetMuseum
MoMa
Britannica
The Art Story

الحركة الدادية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 7 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

الحركة الدادية: سلسلة الفن الحديث

في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، بدأت أوروبا تفقد قبضتها على الواقع، فكان عالم أينشتاين أشبه بالخيال العلمي، وقامت نظريات فرويد بوضع العقل في قبضة اللاوعي، وكانت الشيوعية تهدف إلى قلب المجتمع رأسًا على عقب، وبدأت سلالة جديدة من الفنانين في مهاجمة مفهوم الفن نفسه، حتى أن الفنان (مارسيل دوشامب) قام برفض كل اللوحات؛ لأنها صنعت للعين وليس للعقل.

وغالبًا ما كان الفن والشعر والأداء الذي أنتجه فنانو (الحركة الدادية) ساخر وغير منطقي، فقد كان هدفهم تدمير القيم التقليدية للفن وخلق فن جديد يحل محل القديم. فكما كتب الفنان هانز آرب: “لقد كرسنا أنفسنا في زيورخ للفنون بعد مذبحة الحرب العالمية، فبينما كانت البنادق تدق في الساحات، كنا نغني ونرسم ونكتب القصائد بكل قوتنا.”

Fashion Show, By: Hannah Hock, 1935

تأسيس الحركة الدادية

قام الكاتب (هوغو بول) بتأسيس الحركة الدادية عام 1916 بملهى في زيورخ بسويسرا. فكانت الدادية حركة فنية وأدبية نشأت كرد فعل على الحرب العالمية الأولى. وقد تأثرت بحركات حديثة أخرى كالتكعيبية والمستقبلية والتعبيرية، وكان إنتاجها متنوعًا وشاملًا بدءًا من فن الأداء إلى الشعر والتصوير الفوتوغرافي والنحت والرسم والكولاج.

The Art Critic, By: Raoul Hausmann, 1920

وكانت هي الحركة السابقة لحركة الفن المفاهيمي conseptual art، حيث لم يكن تركيز الفنانين على صياغة أشياء مبهجة من الناحية الجمالية، ولكن على صنع أعمال غالبًا ما قلبت الأساسيات وولدت أسئلة صعبة حول المجتمع ودور الفنان وحتى الغرض من الفن. فكان أعضاء الداداية مصممين على معارضة جميع معايير الثقافة لدرجة أن المجموعة كانت بالكاد تؤيد نفسها وقاموا بالهتاف كثيرًا قائلين “الدادية معادية للدادية”.

وقد كان تأسيس المجموعة في ملهى Cabaret Voltaire مناسبًا؛ فقد تمت تسمية الملهى على اسم الكاتب الفرنسي في القرن الثامن عشر فولتير الذي سخرت روايته (Candide) من حماقات مجتمعه.

طبيعة الحركة الدادية

في عام 1919، رسم مارسيل دوشامب شاربًا ولحية صغيرة على طبعة لوحة الموناليزا للفنان ليوناردو دافنشي، وكان تشويه دوشامب متعمدًا ويهدف إلى التعبير عن رفض فناني الدادية لكل من السلطة الفنية والثقافية. وكتب دوشامب لاحقًا: “في عام 1913، كانت لدي فكرة بربط عجلة دراجة بمقعد مطبخ ومشاهدتها وهي تدور.” مما يعتبر مقدمة لكل من الفن الحركي والمفاهيمي.

Marcel Duchamp, L.H.O.O.Q. 1919

وقد أطلق اثنان من القادة العسكريين الألمان على الحرب اسم “معركة المعدات”. لكن الداديين وكما كتب (هوغو بول) في مذكراته: “الحرب مبنية على خطأ فادح، فقد تم الخلط بين الرجال والآلات”.

ولم تكن الحرب فقط هي من أثرت على الحركة الدادية، ولكن تأثير وسائل الإعلام الحديثة والعصر الصناعي الحديث للعلم والتكنولوجيا هو ما أثار فناني الدادية. وقد قيل أن ممثل الإنسان اليوم ليس سوى زر صغير على آلة عملاقة لا معنى لها.

لكن الداديين سخروا من هذا التجرد من الإنسانية، فقاموا بتشبيه الإنسان في أعمالهم بالتروس والبكرات والأقراص والعجلات والرافعات والمكابس. وعندما قام الداديون بتمثيل الشكل البشري، غالبًا ما تم تشويهه وجعله يبدو مصنعًا أو ميكانيكيًا. فكثرة المحاربين القدامى المعوقين بشدة ونمو صناعة الأطراف الاصطناعية ألهم الفنانين المعاصرين لأنهم خلقوا سلالة من الرجال نصف الميكانيكيين.

The Skat Players, By: Otto Dix, 1920

وقد ابتكر أيضًا الفنان (راؤول هاوسمان) عمل فني من دمية ذات شعر مستعار وأشياء غريبة ​​مختلفة – محفظة من جلد التمساح ومسطرة وساعة جيب- وأطلق عليها اسم (رأس ميكانيكي – The Mechanical Head).

Raoul Hausmann, The Mechanical Head, 1920

أشهر أعمال الدادية

لكن يعد العمل الفني Fountain واحدًا من أشهر أعمال (مارسيل دوشامب – (Duchamp ويُنظر إليه على أنه رمز لفن القرن العشرين وبداية فن ما بعد الحداثة. فقد قام بتقديم (مبولة) كعمل فني إلى جمعية الفنانين المستقلين – الملتزمة بدستور يقبل كل ما يقدمه الأعضاء-، لكنهم قاموا برفضها مبررين ذلك بأنه لا يمكن اعتبار قطعة من الأدوات الصحية عملاً فنياً.

Fountain, By: Marcel Duchamp, 1917

ذكر دوشامب لاحقًا أن فكرة Fountain نشأت من مناقشة مع جامع التحف (والتر أرينسبيرج) والفنان (جوزيف ستيلا) في نيويورك. فقد اشترى مبولة من مورد أدوات صحية وقدمها كعمل فني من تصميم R. Mutt لجمعية الفنانين المستقلين، والتي ساعد دوشامب نفسه في تأسيسها والترويج لها.

وبعد مناقشةٍ وتصويت، قرر المديرون الحاضرون نيابة عن مجلس الإدارة استبعاد تقديم العمل الفني. فقام دوشامب وأرينسبيرج بالاستقالة احتجاجًا على قرار مجلس الإدارة.

لم يعلق دوشامب صراحة على سبب رغبته في اختبار مبادئ زملائه من أعضاء مجلس الإدارة، ولكن ربما نشأ ذلك من تجربته في صالون باريس عام 1912 عنما قدم لوحته الشهيرةNude Descending a Staircase إلى الصالون، وعلى الرغم من إدراج العمل في الكتالوج، فإن المنظمين لم يكونوا راضين عن موضوع اللوحة وعنوانها، فقام إخوة دوشامب -الذين كانوا فنانين- ، بالطلب منه بسحب العمل قبل أيام قليلة من افتتاح العرض. وقد قام بفعل ذلك بهدوء، لكنه اعتبر ذلك بمثابة خيانة غير عادية ووصفها لاحقًا بأنها نقطة تحول في حياته.

وبالتالي يمكن اعتبار تقديم Fountain جزئيًا على أنه تجربة قام بها لإعادة عرض هذا الحدث، واختبار التزام المجتمع الأمريكي الجديد بحرية التعبير وتحمله للمفاهيم الجديدة للفن.

وعلى الرغم من كل ذلك الازدحام، واعتبار الحركة بأنها واحدة من أكثر الفنون تأثيرًا في الفن الحديث، حيث أنذرت بقدوم الفن التجريدي والمفاهيمي، وفن الأداء، والعمليات، وفن البوب، لكنها انتهت في أقل من عقد من الزمان ولم تمتلك هذا النوع من المتاحف الكبرى بالشكل الذي تستحقه حتى الآن.

المصادر:
The Art Story
Tate
smithsonian mag
Tate

المدرسة المستقبلية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 6 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

ظهرت المدرسة المستقبلية في أوائل القرن العشرين، وكانت حركة فنية إيطالية تهدف إلى التقاط ديناميكية وطاقة العالم الحديث في الفن بالإضافة إلى الصناعة والتكنولوجيا، وقد خلقت المستقبلية لوحاتٍ تعبر عن فكرة ديناميكية وطاقة وحركة الحياة الحديثة.

وقد سعى المستقبليون إلى التخلص من المفاهيم الفنية التقليدية بالتركيز على التقدم والحداثة وعصر الآلة. فقد تم التركيز على خلق رؤية فريدة للمستقبل، فأنتج الفنانون لوحات للمناظر الحديثة بالإضافة إلى التقنيات الجديدة: كالقطارات والسيارات والطائرات.

وقد طورت المجموعة عددًا من التقنيات الجديدة للتعبير عن السرعة والحركة والديناميكية، بما في ذلك التمويه والتكرار واستخدام الخطوط القوية. وقد تم تطوير هذه الطريقة الأخيرة من عمل التكعيبيين وأصبح إدراج هذه الخطوط سمة من سمات الصور المستقبلية.

“il Trittico della Velocità: Il Via”, By: Gerardo Dottori 1927

تأسيس المدرسة المستقبلية

أسس الكاتب الإيطالي (فيليبو توماسو مارينيتي) المدرسة المستقبلية عن طريق بيان صحفي والذي قام فيه بمطالبة الثقافة الإيطالية بتبني الحداثة والتوقف عن النظر للخلف، والتخلي عن المواضيع التقليدية والكلاسيكية بتصوير الحياة الحديثة التي أحاطت بهم بدلاً من ذلك.

وقد عبر فيه عن مشاعر الكره لكل شيء قديم، خاصة التقاليد السياسية والفنية. فقد قال في البيان: “لا نريد جزءًا من الماضي، نحن المستقبليون، الشباب والأقوياء!” فقد أضمر المستقبليون إعجابًا شديدًا بموضوعات بالسرعة والتكنولوجيا والمدن الصناعية والآلات الحديثة كالسيارة والطائرة، وقد اعتبروا كل ذلك بمثابة الانتصار التكنولوجي للبشرية على الطبيعة.

كانت المجموعة في أوج نفوذها بين عامي 1909 و1914، ولكن أعاد مارينيتي إطلاقها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. جذب هذا الإحياء فنانين جدد وأصبح يعرف بالجيل الثاني من مستقبلية، وعرضت أعمالهم في جميع أنحاء أوروبا.

“Trasvolatore”, By: Gerardo Dottori , 1931

وبمجرد انتشاره سرعان ما انضم إليه عدد من الفنانين بينهم: (أمبريتو بوكيوني)، و(كارلو كارا) و(جياكومو بالا). وقد تأثر المستقبليون بحركات فنية أهمها (ما بعد التأثيرية) و(التكعيبية)، لكن كانت لوحاتهم أكثر ديناميكية وحركة من لوحات (بابلو بيكاسو) و(جورج براك).

أهم فناني المدرسة المستقبلية

أمبرتو بوكيوني

كان أمبرتو بوكيوني رسامًا ونحاتًا التقى بالكاتب مارينيتي بعد انتشار البيان الصحفي وأصبح من أهم مؤسسي الحركة المستقبلية. وكان اهتمام بوكيوني بالتكعيبية واضحًا، فقد دمج الطريقة التكعيبية في رسمه للأشخاص بالكولاج والخطوط المستقيمة القوية التي أدت إلى إظهار الحركة.

ولم يكن غرضه تحليل وتقديم أحجام العناصر بشكل كامل، ولكن التقاط وتمثيل الديناميكية والحركة. كما قدمت إنارة الشوارع التي تم تركيبها مؤخرًا في ميلانو للفنان مواضيع جديدة ليعمل عليها، بالإضافة إلى تأثيرات ضوئية جديدة. وقد رسم مشهدين في غاية الجمال من الأحداث بعد حلول الظلام.

Simultaneous Visions“, By Umberto Boccioni, 1912
“Unique Forms of Continuity in Space”, By: Umberto Boccioni, 1913

جياكومو بالا

كان بالا رسامًا إيطاليًا ومعلمًا للفنون وشاعرًا معروفًا كمؤيد رئيسي للمستقبلية. وقد صوّر في لوحاته الضوء والحركة والسرعة.

كان أحد الأعضاء الأكبر سنا في الحركة المستقبلية. وقبل الانضمام إلى المستقبليين، كان يتبع حركة (ما بعد الانطباعية)، وخصوصًا الأسلوب المسمى بالـ (تقسيمية) –الذي سمي بذلك لاعتماده على تقسيم الألوان إلى الأجزاء المكونة لها على اللوحة وترك ضربات الفرشاة مرئية بدلاً من مزجها-.

“Street Light”, By: Giacomo Balla, 1911 

ونظرًا لأن لوحة “Street Light” قد تم رسمها في وقت مبكر من الحركة المستقبلية، فإن أسلوبه هنا لا يزال في الأساس تقسيميًا. فقد استخدم ضربات فرشاة واضحة وجريئة على شكل V متكرر لتوضيح الضوء والطاقة المنبعثة من المصباح. لكنه قد تخلى عن الأسلوب التقسيمي في النهاية لأنه بدا في النهاية غير تابع (للمستقبلية) بل مرتبطًا بالأجيال الماضية.

وبعد أن زار المستقبليون باريس معًا، تأثر العديد منهم بالتكعيبية. وعلى الرغم من تغييرهم للتقنية وتركيزهم بشكل أكبر على الموضوعات المستقبلية، بدأ بالا في استكشافات لرسم الحركة بطرق أخرى. وقد ظهر أسلوب جديد منهم في لوحة “Dynamism of a Dog on a Leash”. وفي وقت لاحق، بدأ مرحلة تجريدية استكشافية رسم فيها حركة السيارات وطيران الطيور وحركة الضوء نفسها.

“Dynamism of a Dog on a Leash”, By: Giacomo Balla, 1912

تظهر هذه اللوحة امرأة وهي تمشي مع كلبها الصغير الأسود على رصيف المدينة. ويظهر في اللوحة طريقة ضرب أقدام المرأة على الأرض، إلى جانب الطيات السفلية لملابسها السوداء، وكذلك أقدام الكلب وذيله وأذنه المرنة وتصويرها عن قرب شديد، وبدرجات متفاوتة من الشفافية والعتامة. وقد تحول الحبل المعدني الواحد إلى أربعة منحنيات متكافئة تربط المرأة بالكلب، وقد أدى خلق هذا التكرار للعناصر المتحركة إحساسًا بحركتهم الأمامية التي تتعارض مع الخطوط الرصيف.

وقد كان (بالا) يأخذ نوع من الموضوعات التي تخصصت فيه الانطباعية، لكن يقع الاختلاف اختياره لتفصيلية ومقطع واحدة فقط يقوم باختياره عشوائيًا ويجعله محور اللوحة الكاملة، فيقوم بذلك بجعل موضوع تافه حدثًا رئيسيًا.

المصادر:
The Art Story
TATE
MET MUSEUM

المدرسة التكعيبية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 5 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

غالبًا ما تأتي المدرسة التكعيبية أو -التجريدية- في المقدمة حين يذكر الفن التشكيلي، ولعل سبب شهرة الفن التكعيبي هو اختلافه الكبير عن بقية الفنون الحديثة، وسرعة انتشاره وتأثر الكثير من الفنانين به، مما أدى إلى تأثر الناس به سواء كانوا محبين للفنون أم لا. وقد أدت بشكل رئيسي إلى تشكيل اتجاه الفن الحديث والمعاصر عبر العقود.

فتعتبر المدرسة التكعيبية هي واحدة من أكثر المدارس تأثيراً في القرن العشرين، وقد بدأت في حوالي عام 1907. وقد ابتكرها كلًا من “بابلو بيكاسو” و”جورج براك”. واستمد اسم (التكعيبية) من تعليق أدلى به الناقد “لويس فوكسيلز” عند رؤية بعض لوحات الفنان “جورج براك” عام 1908 بأنها اختزلت كل شيء إلى أشكالٍ هندسية و مكعبات.

فتحت التكعيبية أبوابًا لإمكانياتٍ جديدة لوصف ومعالجة الواقع بشكل فني، واعتُبرت نقطة البداية للعديد من الأساليب التجريدية في وقت لاحق.

Painter and Model”, 1928, By: Pablo Picasso”

مميزات المدرسة التكعيبية

أكدت المدرسة التكعيبية على التسطيح والشكل ثنائي الأبعاد للعناصر والأقمشة بدلاً من خلق وهم العمق والمنظور، فكان هذا بمثابة انفصال ثوري عن الشكل الأوروبي التقليدي المتمثل في خلق وهم الفراغ والعمق باستخدام أدوات تساعد على ذلك كالمنظور الهندسي، والذي سيطر على الفن منذ عصر النهضة. وتتميز التكعيبية أيضًا بالكتل المفككة بطريقة تمكنك من رؤيتها من عدة زوايا في آنٍ واحد.

“Bread and Fruit Dish on a Table”, 1909, By: Pablo Picasso

ما الذي ألهم ظهور التكعيبية؟

تأثرت المدرسة التكعيبية جزئيًا بالأعمال المتأخرة للفنان “بول سيزان” أبو الفن الحديث، وأبرز فنان في حركة (ما بعد التأثيرية) حيث قام برسم عناصر وأشياء من وجهات نظر مختلفة قليلاً.

وقد استلهم بابلو بيكاسو أعماله أيضًا من الأقنعة القبلية الأفريقية والتي تظهر بشكل متكلف وغير طبيعي قليلًا، لكن تظهر الأشكال بشرية حية في اللوحات رغم ذلك، فقد قال بيكاسو: “لا يعتبر الوجه إلا مسألة عيون وأنف وفم يمكن توزيعهم بأي طريقة تريدها.”

“Dora Maar au Chat”, 1941, By: Pablo Picasso

بابلو بيكاسو

كان بيكاسو فنانًا مبتكرًا لحدٍ كبير، فقد قام بتجارب وابتكارات كثيرة خلال سنواته التي تزيد عن 92 عامًا على الأرض. ولم يكن رسامًا فحسب، بل كان نحاتًا وشاعرًا، وأنتج أعمالًا خزفية ومطبوعة. ومن الجدير بالذكر أن بيكاسو عاصر الحربين العالميتين، وتوفي عام 1973.

فترات بيكاسو الفنية

عرفت أول مرحلة لأعمال بيكاسو باسم (المرحلة الزرقاء). وقد امتدت تلك الفترة الفنية المعروفة باسم (الفترة الزرقاء) من عام 1901 إلى عام 1904. وخلال هذا الوقت، تميزت لوحاته بظلال من اللون الأزرق، مع لمسات من ألوان دافئة نوعًا ما. فقد تميز مثلًا العمل الفني الشهير عام (The Old Guitarist) بجيتار بألوان بنية أكثر دفئًا وسط الأشكال الزرقاء.

وغالبًا ما يُنظر إلى أعمال على أنها كئيبة، يعزو المؤرخون الفترة الاكتئاب الواضح الذي أصابع للفنان بعد انتحار صديق له. وكانت الموضوعات المتكررة بالفترة الزرقاء هي العمى والفقر.

أما الفترة التي تلتها فتسمى الفترة الوردية، وقد استمرت من 1904 حتى 1906. وتميزت لوحات تلك الفترة بأجواء أكثر دفئًا وأقل حزنًا من لوحات الفترة الزرقاء. أما موضوعاتها فقد كانت في الغالب عن المهرجين والسيرك.

أما بالنسبة للتكعيبية فقد بدأت أخيرًا في تلك الفترة في عام 1907 حين التقى براك ببيكاسو. وفي ذلك الوقت، كان بيكاسو ينتج أعمالًا في فترة سميت بالـ (الفترة الأفريقية)، حيث كانت أعماله تتميز بطابع بدائي متأثرةً بالأقنعة والنحت الأفريقي. وقد بدأت التكعيبية مع لوحة بيكاسو الشهيرة (آنسات آفنون) Demoiselles D d’Avignon والتي تضمنت أشكالًا تكعيبية ومستوحاة من الفن الأفريقي.

Les Demoiselles d’Avignon“, 1907,

لكن من المحتمل أن يكون عمل بيكاسو الأكثر شهرة، هي اللوحة الجدارية Guernica والتي تعد أقوى تصريح سياسي له، فقد تم رسمها كرد فعل لحادثة القصف المدمرة للنازيين على بلدة جيرنيكا خلال الحرب الأهلية الإسبانية.

تظهر هذه اللوحة مآسي الحرب والمعاناة التي ألحقتها بالأفراد والمدنيين الأبرياء. وقد اكتسب هذا العمل وضعًا هائلاً وأصبح تذكيرًا دائمًا بمآسي الحرب ورمزًا رافضًا للحرب وتجسيدًا للسلام.

وقد تم عرض اللوحة عند انتهاءها حول العالم في جولة قصيرة، وأصبحت مشهورة ومعروفة على نطاق واسع، والتي ساعدت في لفت انتباه العالم إلى الحرب الأهلية الإسبانية.

“Guernica”,1937 

جورج براك

أمضى “براك” معظم حياته المهنية في العمل مع “بيكاسو” عندما ركزا على تطوير نمط جديد من الفن وتقديمه إلى العالم. طور الاثنان مواضيع جديدة وخطوط جريئة وسلسلة منظمة من الألوان الداكنة، وخلقوا أسلوب التكعيبية. وقد كان هدفهم هو تطوير طريقة جديدة تعكس العصر الحديث. قام “براك” أيضًا بدمج الملصقات في اللوحة بأكملها.

وكان فن (الكولاج) إضافة جديدة وقتها وأسلوبًا رئيسيًا اتبعته خلال هذه الفترة في أعماله الفنية أيضًا. وكان براك وبيكاسو أول من استخدموا الكولاج وقتها وقاموا بدمج مختلف الخامات والوسائط على اللوحة غير اللون.

Houses at Estaque“, 1908, By: Georges Braque

وقد مرت التكعيبية بمرحلتين: التحليلية والتركيبية. تُعرف المرحلة الرسمية الأولى للحركة باسم التكعيبية التحليلية، وتتميز بلوحات فوضوية لأشياء مجزأة تم عرضها بألوان محايدة. طبق بيكاسو أيضًا مبادئ التكعيبية التحليلية على ممارسته للنحت، والتي ظهرت بشكل واضح في مجموعة من التماثيل النصفية.

أما التكعيبية التركيبية هي المرحلة الثانية للحركة التكعيبية، وخلال هذا الوقت، قام بيكاسو وبراك وجريس وغيرهم من الفنانين بتبسيط تراكيبهم وإضاءة لوحات الألوان الخاصة بهم.

المصادر:
TATE
My Modern Met
Georgesbraque.org
PabloPicasso.org

المدرسة التعبيرية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 4 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

كانت المدرسة التعبيرية من أكثر تيارات الفن إثارة للجدل وواحدة من أهم التيارات الرئيسية للفن الحديث في القرنين الـ19 والـ20 لعدة أساب؛ فقد نشأت في جو كان يسوده الظلم والقهر، وكان ذلك في ظل الحرب العالمية الأولى والثانية، بالإضافة إلى خصائصها في التعبير عن الشخصية  والذات العميقة.

فهو الأسلوب الفني الذي لم يسع فيه الفنان إلى تصوير الواقع، بل صوّر العواطف والاستجابات التي تثيرها الأحداث داخل الشخص. ويعتبر هو الهدف الذي يحققه الفنان من خلال التشويه والمبالغة والبدائية والخيال، والتطبيق العنيف والديناميكي للعناصر.

Tired Of Life“, By: Ferdinand Hodler, 1892

ولادة المدرسة التعبيرية

على الرغم من أن مصطلح التعبيرية يمكن إطلاقه على الأعمال الفنية من أي عصر، إلا أنه مرتبط بشكل محدد بالفن الألماني الذي ظهر في القرن العشرين. وقد ظهرت التعبيرية كرد فعل على الانطباعية والفن الأكاديمي. وظهرت بشكلٍ أساسي من فن فان جوخ ضامة العديد من الفنانين: إدوارد مونش وجيمس إنسور وهودلر وهنري ماتيس – رائد المدرسة الوحشية- وإيجون شيلي وماكس بيكمان وبابلو بيكاسو وبول كليي وغيرهم.

وقد طور كل منهم أسلوبًا شخصيًا للغاية مستغلين التعبيرات التي تنتجها الألوان والخطوط لعرض الموضوعات الدرامية المليئة بالعاطفة، أو لنقل تعبيرات الخوف والرعب والبشاعة، أو ببساطة لعرض قوة الهلوسات والحالات الذهنية وما تفعله الطبيعة بالشخصية والذات الداخلية.

Anxiety“, 1894, By: Edvard Munch
Self-Portrait with Lowered Head“, 1912, By: Egon Schiele

وكان هؤلاء الرسامين في ثورة ضد ما اعتبروه الطبيعة الطبيعية السطحية للانطباعية الأكاديمية. فقد شعروا أن الفن الألماني يفتقر إلى الروحية، وسعوا للقيام بذلك من خلال تعبير عصري وبدائي وعفوي وشخصي للغاية.

صفات اللوحات التعبيرية

تم استوحاء المدرسة التعبيرية من التيارات الحديثة السابقة، وسرعان ما طور التعبيريون أسلوبًا ملحوظًا لقسوته وجرأته وكثافته البصرية؛ فاستخدموا خطوطًا خشنة ومشوهة بفرشاة سريعة وخشنة وتضارب الألوان لتصوير مشاهد موضوعات عصرية مختلفة في تركيبات مزدحمة تتميز بعدم الاستقرار وبالأجواء المشحونة بالعاطفة.

Tavern“, 1909, By: Ernst Ludwig Kirchner

وقد عبرت العديد من أعمالهم عن الاستجابة للقبح والابتذال الفاحش، والتناقضات التي يواجهونها في الحياة الحديثة، بالإضافة إلى الإحباط والقلق والاشمئزاز والسخط والعنف، خصوصًا أن تلك الحركة نشأت في فترة الحرب العالمية الثانية. وقد طور الفنانون التعبيريون نمطًا قويًا من النقد الاجتماعي بأعمالهم الحيوية والألوان الجريئة.

استمرت المدرسة التعبيرية وانتشرت في جميع أنحاء أوروبا، وقد نبع منها في وقت لاحق العديد من الفنانين والتيارات الفرعية مثل: التعبيرية التجريدية والتعبيرية الجديدة ومدرسة لندن.

“Self-Portrait with a Model”, 1910, By: Ernst Ludwig Kirchner
The Intrigue“, 1890, By: James Ensor

الفن التعبيري والنازية

شنت النازية سلسلة من الحملات الشنيعة ضد الفن التعبيري أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى تدمير وحرق الأعمال الفنية وطرد الفنانين من التدريس ومنعهم من ممارسة الفن حتى في بيوتهم بالإضافة إلى النفي. ويعد أشهر ما حدث هو التشهير بالفن التعبيري على الملأ بطريقة لم يتوقعها أحد!

فقد عُقد في ميونيخ عام 1937 معرضين على بعد بضع مئات الأمتار من بعضهما فقط، كان أحدهما (المعرض الكبير للفن الألماني) الذي قام بعرض أمثلة رائدة للفن الحديث. وكان الآخر معرض (الفن المنحط)الذي قدم جولة عبر الفن الذي رفضه النازيون لأسباب أيديولوجية.

وقد كانت المرئيات مهمة للنازيين، وكان هتلر نفسه رسامًا، لذلك لم يكن من الغريب أن تكرس النازية موارد كبيرة للترويج لأفكارهم من خلال الفن، والتي ظهرت بوضوح في معرض الفن الألماني الذي أقاموه. فقد أظهر ذلك المعرض أعمالًا بالسمات الكلاسيكية، ومنحوتات كبيرة ذات أجسام عضلية مثالية، ولوحات للجنود والأبطال، والتي كانت تدعوا للتفاؤل والشباب والبهجة.

معرض الفن المنحل

أما معرض (الفن المنحل)، فقد عرضت فيه الأعمال التعبيرية وبعض من التجريدية. والتي كانت أعماله تخاطب الذات والغرائز وتعبر عن القبح والفساد الداخلي والخارجي، بل وتقوم بانتقاد المجتمع بجرأة.

ورغم أن الكثير من تلك الأعمال الفنية مفضلة للكثير من النازيين قبل أن توضع في ذلك المعرض،  فقد تلاعب معرض (الفن المنحل) بالزائرين ليكرهوه ويسخروا منه من خلال محو معانيه الأصلية، بل وتم تعزيز قيمة الصدمة من خلال عدم السماح لمن دون سن الـ18 بالدخول. وقد تمت إهانة الأعمال الفنية به عن طريق إخراج العديد منها من إطاراتها ووضعها بشكلٍ عشوائي على جدران كتب عليها شعارات غاضبة.

فبدلا من أن تُرى تلك الأعمال باحترام، خدع القائمين على ذلك المعرض الزوار وأصبحوا يرون الأعمال كقمامة خطيرة وشنيعة، وفقدت مكانتها كأعمال فنية عظيمة. وقبل أن يقام ذلك المعرض، عرضت تلك الأعمال الفنية في أعظم المتاحف في البلاد.

وقد استمرت العشوائية النازية بعد إغلاق هذه المعارض، حتى أن الفنان إيميل نولده تم منعه من الرسم في بيته، فقد كان يتلقى زيارات دائمة من الشرطة السرية والتي كانت تأتي لتلمس فرشه للتأكد من أنها لم تستخدم! لكن احتال نولده عليهم أحيانًا حين رسم بالألوان المائية، والتي كانت تجف فرشها بشكل أسرع من الألوان الزيتية.

أما الفنان كريشنر، فقد انضم انضم إلى الجيش الألماني لكنه عانى في النهاية من انهيار عصبي. وعلى الرغم من اعتلال الصحة ومحاولاته للتعافي، استمر في إنتاج الأعمال الفنية بشراهة. كن ضم النازيون أعماله في معرض (الفن المنحل)، وتمت إقالته من أكاديمية برلين للفنون. وفي عام 1937، تم مصادرة أكثر من 600 من أعماله وتدميرها أو بيعها، وبعدها بعام واحد فقط أدت المعاناة النفسية التي سببتها له السلطات النازية وتشتت أعماله وتدميرها، والاحتلال النازي للنمسا بالقرب من منزله إلى انتحاره في نهاية المطاف.

المصادر:

Britannica
The Art Story
Khan Academy
NGA gov

Exit mobile version