ما بعد التأثيرية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 1 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

في تسعينيات القرن الـ19، وبعدما سيطرت المدرسة التأثيرية على الفن في فرنسا، ظهرت عدة تيارات متطورة منها والتي أدت في النهاية إلى بداية عالم الفن الحديث. فقد أدى ذلك إلى ظهور تيارين فنيين، وهما: 

  • التأثيرية الحديثة
  • ما بعد التأثيرية

التأثيرية الحديثة

اعتمد فنانو ذلك التيار على علم البصريات واللون لصياغة تقنية جديدة للرسم متجنبين عفوية التأثيريين. فقد تبنى العديد من الفنانين في السنوات التالية تقنية من أهم تقنيات ذلك التيار والمسماة “بالتنقيطية”، وهي عبارة عن تطبيق نقاط صغيرة من اللون بجانب بعضها، بغرض رؤية المشاهد لها عندما يبتعد ألوانًا ممزوجة متناسقة.

فبالاعتماد على قدرة المشاهد على مزج نقاط الألوان ببصره على اللوحة، سعوا لخلق لوحات أكثر إشراقًا تصور الحياة العصرية بالإضافة لخلق سطح لامع ومضيء من خلال وضع الألوان المتناقضة بشكل مبتكر، مما أدى إلى المزيد من الاستكشافات للألوان والوصول للفن التجريدي في نهاية المطاف.

Place des Lices, 1893, By: Paul Signac, Location: Carnegie museum of art

ومن أهم فناني ذلك التيار:

  • بول سينياك – Paul Signac
  • جورج سورا – George Saurat
Le Cirque, 1891, By: George Seurat.

ما بعد التأثيرية

ما هي ما بعد التأثيرية؟

شعر العديد من الفنانين بأن هناك خطأً في تركيز التأثيريين على الأسلوب (التركيز على تأثيرات الضوء) بدلاً من الموضوع، مما أدى إلى ظهور تيار ما بعد التأثيرية. وهي حركة فنية تتميز بالرؤية الشخصية للفنان، حيث اختار الفنانون إثارة العواطف في أعمالهم وإظهار تصوراتهم الشخصية عن العالم، وقد اختلفت أساليب كل منهم لكن اشتركت لوحاتهم في بعض الصفات، مما أدى إلى جمعها تحت هذا الاسم.

وقد تشكلت هذه المجموعة من عمالقة الفن المعروفين اليوم: بول سيزان وجوجان وفان جوخ ولوتريك وهنري روسو وغيرهم.

ويعتقد فنانو ما بعد التأثيرية أن جمال الفن متأصل في الإدراك وليس في نقل الموضوع. ويشرح الناقد الفني والمؤرخ (روجر فراي-Roger Fry) في مقال عن علم الجمال قائلًا: 

“إن الفن ليس نسخة مطابقة للحياة الواقعية، بل هو تعبير ومحفز للحياة الخيالية”. 

The Dream, 1910, Henri Rousseau

خصائص ما بعد التأثيرية

العاطفة: كما أوضح (فراي)، يعتقد ما بعد التأثيريين أن العمل الفني لا يجب أن يدور حول الأسلوب، بل أن يركز على الرمزية وتوصيل الرسائل من العقل الباطن. فبدلاً من استخدام الموضوع كوسيلة بصرية يتم رؤيته ونقله على اللوحة، رأوا أنه وسيلة لنقل المشاعر. فبحسب بول سيزان: “إن العمل الفني الذي لم يبدأ بالعاطفة ليس عملاً فنياً”.

الألوان: استخدم ما بعد التأثيريين ألوانًا متكلفة ومصطنعة عمدًا كوسيلة لإظهار تصوراتهم الشخصية عن العالم. فقد ظهرت الأشكال في معظم لوحاتهم بشكلٍ متعدد الألوان، مما أثبت نهجهم المبتكر والخيالي في تصوير الأشياء.

ضربات الفرشاة: تتميز معظم لوحات ما بعد التأثيرية بضربات فرشاة واسعة وحادة يمكن تمييزها. فبالإضافة إلى إضفاء الملمس والشعور بالعمق في العمل الفني، فهي تشير أيضًا إلى الصفة الخيالية للوحة، مما يوضح عمدهم بعدم تمثيل الموضوع بشكل واقعي.

Where Do We Come From? What Are We? Where Are We Going? 1897, By: Paul Gauguin

فناني ما بعد التأثيرية وأهم أعمالهم

بول سيزان 

أو كما يلقب ب (أبو الفن الحديث)، هو من أهم وأعظم عمالقة الفن وأكثرهم تأثيرًا في الفن الحديث. وقد صُنفت أعماله بشكل عام بأنها (ما بعد التأثيرية)، لكن طريقته الفريدة وأسلوبه التحليلي أثروا في بناء الشكل مع اللون على المدرسة التكعيبية والوحشية اللاحقتين، وغيرهم من الأجيال اللاحقة من الفنانين.

ومن أكثر ما ميّز سيزان هي لوحات الطبيعة الصامتة التي رسمها. فقد بدأ في خلق أبعاد لعناصره وعالج مشاكل الشكل واللون من خلال الدرجات اللونية المتدرجة والمتنوعة بدقة. وقام أيضًا برفض التباين العالي بين الظل والنور وقام بتجاهل قوانين المنظور التقليدية، ونتيجة لذلك، فجّر سيزان ثورة في عالم الفن الحديث. ولم ينطبق ذلك فقط على الطبيعة الصامتة، ولكن على المناظر الطبيعية أيضًا. فقد أجرى عددًا كبيرًا من لوحات المناظر الطبيعية  والتي ألهمت العديد من التكعيبيين.

Bouilloire et fruits, 1890, By: Paul Cezanne

فينسينت فان جوخ

يعتبر واحدًا من أعظم فناني ما بعد التأثيرية والمؤسس الرئيسي لها مع سيزان، فألوانه المدهشة وضربات فرشاته المؤكدة والأشكال المحددة بقوة في أعماله توضح ذلك. لكن التأكيد على العواطف الشخصية أدت إلى وصف بعض أعماله بالتعبيرية. ويعد من أكثر الفنانين إنتاجًا في تاريخ الفن للوحات الطبيعة الصامتة والحقول والزهور.

تأثر فان جوخ بكل كبير بالواقعيين (خاصة ميليت) طوال حياته. وعندما انتقل إلى باريس تأثر بكلًا من التأثيريين والتأثيرية الحديثة وطوّر أسلوبه. وحينما انتقل إلى “آرل” بجنوب فرنسا، وبفضل الجو المشمس فيها  وألوانها الربيعية النابضة بالحياة، أنتج بها العديد من اللوحات للبساتين والحقول، ذلك بالإضافة لتأثره بالمطبوعات اليابانية.

بول جوجان

مصوّر ونحات فرنسي سعى لتحقيق تعبير “بدائي” عن الحالات الروحية والعاطفية في أعماله. وقد عرف بمنفاه الذي فرضه على نفسه في “تاهيتي”. وقد كان شريكًا لفان جوخ في السكن لفترة، لكن حدثت بينهما العديد من المشاكل والتي أدت إلى انتقال جوجان من عنده. وقد قيل أن السبب هو محاولة قتله لجوجان في إحدى انهياراته العصبية.

تأثر جوجان بكل من المدرستين الرومانسية والواقعية، ودرس على يد الفنان التأثيري “كاميل بيسارو”. وعرض في المعرض الخامس للتأثيريين، لكن بعد ابتعاده عن التأثيرية تأثرت رؤيته الفنية بهوية غريبة، مشيرة إلى أصوله من دولة “بيرو” كشكل من “البدائية”. وقد استمرت أبحاثه عن العودة إلى الفن البدائي وحث على الاعتماد على الشعور أكثر من الملاحظة المباشرة كالتأثيريين. وقد اكتشف قدرة تلك الوسائل التصويرية على إحداث شعور معين في المشاهد.

لوتريك

هنري دي تولوز لوتريك، وهو فنان الفرنسي قام بتوثيق جوانب الحياة الليلية الفرنسية. فقد أبهرته المقاهي والملاهي والفنانين في بلدة “مونامارتر” والحياة البوهيمية بها، وركز اهتمامه على تصوير الفنانين المشهورين والمهرجين. وقد أدى استخدامه للخط الحر إلى التعبير عن التدفق والحركة، وكان التبسيط الشديد بالخطوط العريضة واستخدام المساحات اللونية الكبيرة من أهم مميزات أعماله.

وقد اعتبرت الملصقات (Posters) التي رسمها من أقوى أعماله، بالإضافة للرسوم التوضيحية للأغاني والتسويق للكباريهات. وقد سعى تولوز لوتريك إلى التقاط تأثير حركة الجسم البشري من خلال شكله الأصلي البسيط، ولم تعد خطوطه مرتبطة بما هو صحيح تشريحيا مع التغافل عن المنظور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

The Art Story
Britannica
Britannica
MetMuseum
MetMuseum
MyModernMet

الكورونا تتسبب في سرقة لوحة للفنان فان جوخ

عام 2020 ماذا يحمل بعد من الكوارث؟

بعد إغلاق المتاحف كإجراء احترازي لاحتواء وباء كوفيد-19 العالمي تمت سرقة لوحة أخرى للفنان فان جوخ.

تبدأ عام 2020 الرائعة بأجواء متوترة بين الدول النووية الكبرى و تهديدات بحرب عالمية ثالثة؛ بين قادة يبدون قادمين من أفلام الرعب النفسي، وتجارب علمية غريبة بعضها لتهجين البشر والحيوانات، ثم أمراض غريبة وأوبئة، ومازلنا في بداية العام!.

ماذا ينقصنا بعد؟ نعم، الأن تصل السرقات التي تشبه أفلام هوليود.

في أجواء تبدو مشابهة لبعض تلك الأفلام؛ فرغت شوارع وميادين الدول الكبرى من البشر وكأنهم انقرضوا أو على وشك؛ أغلقت المطاعم والأندية والمسارح والمتاحف وكل ما لا يعد أساسيًا لحياة البشر، الآن نكتشف ما نحتاجه حقًا للبقاء والنجاة كبشر؛ طعام وطاقة والقليل من التواصل الإنساني وكل ما غير ذلك رفاهيات يمكن الاستغناء عنها ببعض السهولة.

أبق في بيتك!

ماذا يحدث إذا في تلك الأماكن الفارغة؟ هل نأمن على التحف والكنوز والتراث الإنساني المخزون حول العالم في المتاحف التي هجرها حرسها؟ حسنا؛ لقد سرقت إحدى هذه القطع أول أمس!.

سرقة يوم ذكرى الميلاد

في ذكرى يوم مولده تمت سرقة إحدى لوحات الفنان الهولندي الشهير «فنسنت فان جوخ- Vincent van Gogh» من متحف «سنجر لارين-Singer Laren» في هولندا، اقتحم اللصوص المتحف في حوالي الساعة 3:15 صباح يوم الاثنين وسرقوا العمل الفني المسمى «حديقة الربيع-Spring Garden».

«فنسنت فان جوخ- Vincent van Gogh»

اللوحة المسروقة

لوحة «حديقة الربيع-Spring Garden» التي تقدر قيمتها بما يصل إلى 5 ملايين جنيه استرليني -حوالي 97 مليون جنيه مصري- كانت معارة لمتحف سينجر لارين من متحف «جرونينجر-Groninger» ولم تتم سرقة أي قطع فنية أخرى.

وهي واحدة من سلسلة أعمال فان جوخ بين عامي 1883 و 1884 عندما كان يقيم مع والديه في مدينة نوينين التي كان والد الفنان الهولندي قسًا بها.

اللوحة المسروقة

متحف «جرونينجر-Groninger»

متحف جرونينجر هو متحف للفنون في مدينة جرونينجن في هولندا، يعرض الفن الحديث والمعاصر للفنانين المحليين والدوليين، افتتح عام 1874 وهو أكبر عدد من أي متحف في مقاطعة جرونينجن والمالك الأصلي للوحة المسروقة.

صرح المسؤولون في متحف جرونينجر الواقع في مدينة جرونينجن الشمالية في بيان: «إن العمل من عام 1884، زيت على ورق (ماروفليه)، وهو اللوحة الوحيدة لفان جوخ في مجموعة المتحف، سرقت اللوحة في اليوم الذي ولد فيه فان جوخ قبل 167 عام»

متحف «جرونينجر-Groninger»

متحف «سينجر لارين -Singer Laren»

«سينجر لارين -Singer Laren» -الذي سرقت منه اللوحة- هو متحف وقاعة للحفلات الموسيقية يقع في وسط مدينة لارين بهولندا، وهو مخصص لعرض الأعمال الأصلية للفنان وجامع اللوحات الأمريكي «وليم هنري سينجر- William Singer» وزوجته «آنا – Anna».

وهذه ليست السرقة الكبرى الأولى من المتحف ففي عام 2007 سرق اللصوص سبعة تماثيل من حديقة المتحف بقيمة تقدر بـ 1.3 مليون يورو بما في ذلك تمثال للفنان الفرنسي اوغست رودان.

تم العثور على التمثال في وقت لاحق في حالة تالف عام 2010 ، وحُكم على اللصوص المسؤولين بالسجن لمدة أربع سنوات خُفضت عند الاستئناف إلى سنتين.

لكن المتحف مغلق حاليًا بموجب إجراءات إبطاء انتشار فيروس كورونا، قبل إغلاقه كان المتحف يستضيف معرضًا بعنوان »مرآة الروح» من أعمال لفنانين تتراوح من «طروب-Toorop» إلى «موندريان-Mondrian» بالتعاون مع متحف «Rijksmuseum – ريجكس» في أمستردام.

متحف «سينجر لارين -Singer Laren»

تصريحات المسؤولين

قال دي لورم مدير متحف جرونينجر المالك الأصلي للوحة: «هذا تحديدًا ما لا تريده كمتحف لديه لوحة مستعارة، لوحة جميلة ومؤثرة لواحد من أعظم رساميينا، سُرقت من المجتمع ويجب أن تعود في أقرب وقت ممكن حتى نتمكن من الاستمتاع بهذا الفن الجميل مرة أخرى» وأضاف «الفن يستحق أن نشاهده ونتشاركه نحن والمجتمع».

أخبر المحقق الفني آرثر براندت صحيفة الجيمين داجبلاد أن «العمل الفني يمكن أن تصل قيمته إلى 6 ملايين يورو/ 5 ملايين جنيه استرليني. رغم بيع عمل آخر من نفس الفترة لـ Van Gogh مقابل 10 ملايين جنيه إسترليني في مزاد هولندي مؤخرًا» مضيفًا «لقد صدمتنا هذه الأخبار، لكن التحقيق يجري على قدم وساق حالياً ولا يمكن قول المزيد عنه لسرية عمليات الشرطة».

وقال إيفرت فان أوس المدير العام للمتحف «إن الإجراءات الأمنية في المتحف كانت قد اتبعت بالكامل وفقًا للبروتوكول».

كما قال متحدث باسم الشرطة في بيان إن «خبراء السطو الفني من إدارة التحقيقات الجنائية الوطنية يساعدون في التحقيق، كما تمت إضافة اللوحة إلى قائمة الإنتربول الدولية للأعمال الفنية المسروقة».

زهرة الخشخاش

تعيد هذه السرقة للأذهان واقعة سرقة لوحة «زهور الخشخاش-Poppy Flowers» المقدر قيمتها بـ 50 إلى 55 مليون دولار والتي سرقت من «متحف محمد محمود خليل-Mohamed Mahmoud Khalil Museum » في القاهرة في أغسطس 2010 ولم يتم العثور عليها حتى الآن!.

لوحة «زهور الخشخاش-Poppy Flowers»
Exit mobile version