ما هي الحرب الهجينة وخصائصها ولماذا هي مهمة اليوم؟

هذه المقالة هي الجزء 10 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

تُظهر الدراسات الحديثة حول الحروب في أفغانستان والعراق مدى تكلفة الحروب الشاملة من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بغض النظر عن مدى تفاوت قدرات الأطراف المتصارعة أو الخصوم. بسبب التقدم التكنولوجي السريع وظهور الحرب غير المتكافئة، يمكن أن تكون الحروب الشاملة غير فعّالة حتى في مواجهة القوى التي لديها موارد ونفوذ أقل نسبيًا. وبالتالي، قد يصبح النصر احتمالًا صعبًا للغاية.

لكن هذا لا ينذر بتلاشي الصراعات، بل بتغير ديناميكيات الحرب. وظهور استراتيجيات جديدة كاستراتيجية الحرب الهجينة وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

مفهوم الحرب الهجينة

لا يعد مفهوم الحرب الهجينة مفهومًا جديدًا، فهو قديم قدم الحرب، ولطالما لجأ الإنسان إلى أساليب الخداع والمناورة.

“إخضاع العدو دون قتال هو ذروة المهارة”.

صن تزو في كتابه “فن الحرب” [1]

شاع المفهوم الحديث للحرب الهجينة من قبل فرانك هوفمان في عام 2007، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية وباحث دفاعي. وعرّفها قائلًا “تتضمن الحروب الهجينة مجموعة من أنماط الحرب المختلفة، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية، والعنف العشوائي والإكراه والفوضى الإجرامية.” [1]

ويمكن القول إن تكامل الأساليب التقليدية وغير النظامية للحرب ميّز هذه الحروب الهجينة عن أشكالها التاريخية. [3] ويحاول مصطلح الحرب الهجينة فهم التعقيد الذي تتسم به حروب القرن الـ21، والتي تتضمن تعدد الفاعلين، ويطمس الفروق التقليدية بين أنواع النزاع المسلح، وحتى بين الحرب والسلام.

كما يُستخدم أيضًا لوصف الطابع المتغير للحرب المعاصرة، لأسباب ليس أقلها التعقيد والفتك المتزايدين للجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية، والإمكانات المتزايدة للحرب السيبرانية.[3] لكن على الرغم من التعريفات الكثيرة لها، إلّا أنّ مفهومها متنازع عليه ولا يوجد لها تعريف متفق عليه عالميًا. وتعرضت للكثير من الانتقادات بسبب افتقارها إلى الوضوح المفاهيمي. [2] لذا، فمن المهم إيجاد تعريف واضح ومحدد لها، لتتمكن الدول من إدراك التهديدات الهجينة وتفعيل آليات للاستجابة لها ولأدواتها.

أدوات الحرب الهجينة

تستلزم الحرب الهجينة تفاعلًا أو اندماجًا بين أدوات القوة التقليدية وغير التقليدية وأدوات التخريب. ويتم مزج هذه الأدوات والوسائل بطريقة متزامنة لاستغلال نقاط ضعف الخصم. وتشمل مجموعة متنوعة من الأنشطة وتستخدم الأدوات المختلفة لزعزعة استقرار المجتمع من خلال التأثير على صنع القرار فيه. وتشمل الأدوات التالية:

  • التدخل في الانتخابات.
  • التضليل ونشر الأخبار الكاذبة.
  • الهجمات السيبرانية.
  • هجمات الطائرات بدون طيار.
  • التأثير المالي والضغط الاقتصادي. [4]
  • التدريبات العسكرية على الحدود وواسعة النطاق، والاستعراضات العسكرية والإكراه والتخويف.[2]
  • زعزعة الثقة بين الحكومات والشعوب، وإفقاد السلطة للشرعية.[2]
  • استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية للتأثير على الشعوب.[2]

وتمنح هذه الأدوات الحروب الهجينة القدرة على تحقيق النصر بدون قتال. وتميزها بخصائص تجعلها حروب قادرة على تغيير موازين القوى لصالح الطرف الأضعف في الحروب غير المتكافئة.

خصائص الحرب الهجينة

ما يميّز الحرب الهجينة هي قدرتها على دمج عدّة أساليب في وقت واحد وتحقيق الأهداف بأرخص السبل وبأفضل النتائج. فبخلطها بين الأدوات الحركية وغير الحركية تلحق الضرر بالدولة الخصم بالطريقة المثلى. ومع غياب الحد الفاصل بين الحرب والسلم أو ما يسمى بالمنطقة الرمادية يصبح من الصعب تفعيل الحرب أو المواجهة المباشرة.

تكاليفها ومخاطرها منخفضة بشكل ملحوظ. فبدلًا من إرسال الدبابات والطائرات وخوض معارك دامية، تكتفي هذه الاستراتيجية بتمويل نشر المعلومات المضللة أو التعاون مع أطراف أخرى غير حكومية كحرب بالوكالة. محققة بذلك إخضاعاً للعدو بدون قتال. [2]

من خصائص الحرب الهجينة المميزة أيضًا هو جانب الغموض والإسناد. حيث تنشئ الجهات الفاعلة جانب الغموض بحكمة وتعمل على توسيعه ونشره. بعبارة أخرى، تصبح الدولة المستهدفة إما غير قادرة على اكتشاف هجوم مختلط أو غير قادرة على نسبته إلى دولة قد تكون هي من تقوم به أو ترعاه. ويصبح من الصعب على الدولة المستهدفة تطوير استراتيجية دفاعية مناسبة.

كما تسمح هذه الحرب بتقويض الخصم على جبهتين، الأولى وهي جبهته المادية؛ العسكرية والبنية التحتية والاقتصادية. أمّا الجبهة الأخرى فهو شرعية سلطة وثقة الشعب بها.[2] وبذلك تدمّر العدو المستهدف من الداخل وتجعله مشتتًا بين صراعاته الداخلية ومواجهة هجمات العدو الهجينة. ويسمح تأثير تكنولوجيا المعلومات الناشئة للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية باستهداف صانعي القرار والجمهور من خلال وسائل الإعلام المعولمة والمتشابكة والإنترنت. [4] وتستخدم الحرب الهجينة عدّة تكتيكات عسكرية، فإضافة إلى استخدام الوكلاء قد تلجأ إلى حرب العصابات أوالمتمردين أوالإرهابيين. [3]

ما الذي يجعل هذا الاستراتيجية تحوّلا مهمًا في الصراعات اليوم؟

غيّرت هذه الاستراتيجية الشكل التقليدي للصراع. فقد تمّكن الاتحاد الروسي من ضم شبه جزيرة القرم، مستخدمًا أسلوب التضليل الإعلامي. حيث أنّه في الـ13 من مارس عام 2014، ظهر في شبه الجزيرة مجموعات مسلحة ترتدي الزي العسكري الروسي وتحمل سلاحه ولكن بدون شارات أو دلالات تدل على انتمائه إلى أي طرف، وقامت باحتلال مطار ومجموعة قواعد عسكرية أوكرانية، وأطلق عليهم “الرجال الخضر الصغار”. أظهرهم الإعلام الروسي كدليل على الرضا الشعبي من المدنيين الأوكران فيها. ودعوة منهم للتدخل الروسي والدخول إلى شبه الجزيرة وذلك ما حصل بالفعل.[6]

كما استخدموها في حربهم الحالية ضدّ أوكرانية فمن الهجمات السيبرانية إلى استخدام الطائرات من دون طيّار وغيرها من التكتيكات التي تشير إلى حرب هجينة فيها. وفي المقابل استخدم الأمريكان استراتيجيات مضّادة كحجب المواقع الروسية عن الشبكة أو تدخل شركات عملاقة ك”ميتا” أو نشر الإنترنت الفضائي من قبل المليادير الأمريكي إيلون ماسك. [5]

يمكن لهذا الاستراتيجية تحقيق مكاسب صفرية في مواجهة الخصوم. كضم مناطق كاملة بلا إراقة دماء أو توجيه ضربات موجعة للخصوم قادرة على شلّ حركتهم لفترات طويلة بأرخص السبل وأبسطها.

وفي الختام لا تغيّر الحرب الهجينة طبيعة الحرب. حيث يظل الإكراه في صميم الحرب الهجينة كما هو الحال مع أي شكل من أشكال الحرب. ويبقى الهدف هو نفسه، وهو اكتساب ميزة جسدية أو نفسية ليخسر الخصم. ومما لا شك فيه أنها تمثل تحديًا لمؤسسات الأمن القومي لمواجهة مجموعة واسعة من التهديدات التي يمكن وصفها بالحرب الهجينة. وخاصة أنّها قد تؤذن بصعود قوى عالمية جديدة قد تلقي بعصر القطبية الواحدة في غياهب النسيان.

المصادر:

1- Economist
2- Nato.int
3- marshallcenter
4- carnegieeurope
5- orfonline
6- e-ir.info

كيف بدأت الحرب ولماذا تحدث؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

الحرب كلمة ذات وقع قاس ومليء بمشاهد الدمار والحزن والعنف غير المبرر. فهي أعلى درجات النزاع بين الدول والجماعات، ووسيلة الدول لبسط هيمنتها ونفوذها. وهي حالة النزاع المسلح بين دولتين أو أكثر أو مجموعات داخل بلد ما.[2] لذا سنعرف في هذا المقال كيف بدأت الحرب ولم تحدث؟

ما هو تعريف الحرب؟

عادة ما يستخدم العسكريون هذا المصطلح للإشارة إلى الأعمال العدائية بين الجماعات المتنافسة المتساوية في درجة القوة بدرجة كافية لجعل نتيجة صراعها غير مؤكدة لبعض الوقت. [1] ويضاف إلى هذا التعريف عند دراسته من منظور العلوم الاجتماعية شروط محددة. فغالبًا ما يستخدم علماء الاجتماع هذا المصطلح للإشارة إلى النزاع الذي يبدأ وفقًا للإجراءات والصيغ المعترف بها اجتماعيًا. [1]

إلّا أنّ التعريف الأكثر انتشارًا للحروب، هي أنّها صراع طويل الأمد بين الجماعات السياسة متضمنًا أعمالًا عدائية طويلة الأمد ومهولة. [1]

لم تحدث الحروب؟

هناك العديد من الأسباب الممكنة لتفسير الحروب مثل:

  • التنافس على الأراضي والموارد.
  • المنافسات التاريخية.
  • الدفاع عن النفس ضد معتدٍ أو معتدٍ محتمل.[2]

ولا بدّ أنّ أسباب قيام الحروب في الوقت الحالي أكثر تعقيدًا مما سبق. فغالبًا ما كان الصراع يحدث للحصول على الموارد وخاصة في فترات الأوبئة والجفاف. أو للاستحواذ على الأراضي الأكثر خصوبة أو الثروات كالذهب. وصولًا إلى الحروب التي حدثت بغرض التوسع أو تحقيق الطموحات السياسية.

أمّا في الوقت الراهن قد تحدث الحروب لأسباب اقتصادية أو صراعات دينية أو بغرض تجارة السلاح. وقد يكون سبب الحرب هو ردع خصم محتمل أظهرت مؤشرات ما أنّه قد يكون معتديًا في وقت ما في المستقبل.

لا تأتي الحروب عادة من العدم، فهي غالبًا ما تكون نتيجة خلاف متصاعد يؤدي لحدوث تفاقم للنزاع ومن ثمّ الحرب. وتختلف الآليات وجملة التطورات التي قد تؤدي إلى الحروب. وغالبًا ما تكون معقدة وتستلزم دراسة متعمقة للتاريخ البشري. [2] ولكن كيف بدأت الحرب في تاريخ البشر؟

كيف بدأت الحرب؟

تشير المصادر التاريخية إلى أنّ أول حرب “مسجلة” في التاريخ، حدثت في إحدى أقدم الحضارات في العالم وهي حضارة ما بين النهرين. وهي معركة حدثت بين سومر وعيلام في عام 2700 ق.م. وسُجّل فوز السومريين في تلك المعركة. [2] وقد أكدّت التنقيبات الأثرية أنّ العنف الجماعي موغل في القدم، فقد سبق أن حدث في فترات زمنية أقدم. إذ قدّمَت رفات 61 فردًا مدفونين في مقبرة جبل الصحابة دليلًا فريدًا وجوهريًا على ظهور العنف الجماعي في وادي النيل في نهاية أواخر العصر الجليدي أي حوالي 11000 ق.م. [4] والذي سجّل كأقدم مثال على العنف الجماعي في التاريخ البشري واعتبر كأقدم حرب في مصادر أخرى.

تميزت نهاية العصر البليستوسيني المتأخر وبداية الهولوسين بتغيرات مناخية كبيرة. وكانت الظروف المناخية شديدة الجفاف في وادي النيل خلال النصف الثاني من العصر الجليدي. [4] مما يقدم سببًا للنزاع بين جماعات الصيادين المتواجدة هناك والتي على ما يبدو أنّها كانت في حالة صراع على الموارد. وقد أكدّت الدراسات والتحليلات وجود حالة من العنف المتكرر بين تلك الجماعات [4]. مما يؤكد أنّ حالة الصدام تلك لم تحدث بشكل عشوائي. وما أكدّ أنّها حالة عنف جماعية هو ظهور دلائل على رابطة قوية تجمع بين تلك الوحدات الاجتماعية. مثل وجود مجموعات حجرية يعتقد أنّها تمثل تقليدًا ثقافيًا يعكس هوية المجموعة. إضافة إلى وجود مقابر كبيرة.

منذ اكتشاف مقبرة جبل الصحابة في الستينيات من القرن الماضي، تم اعتبارها أقدم دليل على الحرب المنظمة الناجمة عن القيود البيئية. [4]

هل الحرب قاصرة على البشر؟

في الحقيقة لا، فحالة العنف الجماعي تلك موجودة أيضًا في مملكة الحيوانات الوحشية. حيث تتجمع الشمبانزي لتوسيع الأراضي، ويغزو النمل مستعمرات أخرى لأخذ العبيد. [3] كما تقوم الدبابير اليابانية العملاقة بمهاجمة خلايا النحل والتي ترد بدورها بأعمال انتقامية منها عبر حرق الدبابير بحرارة أجسادها.

بالعودة للشمبانزي، الأقرب للبشر، ينفذ الشمبانزي غارات متعمدة على المجتمعات المجاورة، لضم الأراضي. [3] وأكدّت الدراسات أنها قادرة على القتل العمد لأبناء جنسها، وساهمت تلك الدراسات في فهم تطور العنف البشري [6]. وبالتأكيد لم يتعلم الشمبانزي ذلك السلوك من البشر، حيث أكدّت الأبحاث ذلك بعد جدال طويل أُثبت من خلاله أنّ سلوكها ليس تقليدًا للبشر الذين دمروا موائلها [5]. حيث لم تظهر حالة العنف هذه لدى أنواع الأخرى من القرود كالمكاك وغيرها.

ووفقًا للدراسات، فإن القتل استراتيجية تكيفية توفّر فوائد إنجابية مهمة بالمعنى التطوري. مما يزيد من الوصول إلى الموارد مثل الأرض أو الطعام أو الزوج. وبالتالي يزيد من فرص عيش الأفراد لفترة كافية للتكاثر ونقل جيناتهم إلى أجيال المستقبل. [6]

ورغم دموية هذا الصراع إلا أنّه لا يمكننا أن ننكر دوره في نشأة الحضارات التي قامت على التوسع والسيطرة على الأراضي والثروات. بالإضافة إلى دور تلك الحضارات التوسعية في نشر الثقافات والاندماج الحضاري. وفي جميع الأحوال يدرك الإنسان المعاصر حجم الخسائر الذي قد تسببه الحروب في أيامنا هذه لذا يجب أن تصبح آخر ما قد يلجأ إليه لحل الصراعات.

المصادر

1- Britannica
2- Owlcation
3- Nationalgeographic
4- Nature
5- sciencedaily
6- sciencedaily

نيكولا تسلا: عبقرية منسية وصراع مع إديسون

يعد العبقري المنسي، نيكولا تسلا، من أشهر وأهم العلماء المهضوم حقهم في التاريخ، ولولا إسهاماته لما كنا لنقرأ هذا المقال، ولما كنا في هذه الرفاهية من الأساس. لذلك حُق علينا أن نسأل أنفسنا: من هو نيكولا تسلا؟ وما قصة صراعه مع إديسون؟

نيكولا تسلا: عالم من النور

تبدأ قصة نيكولا تسلا في عام 1856، بالتحديد في العاشر من يوليو، عندما ولد المهندس والعالم الفذ بقرية سميلجان، بكرواتيا. كان والد تسلا كاهنًا في الكنيسة الأرثوذكسية، وكانت ووالدته غير متعلمة، ولكنها متقدة الذكاء. فكانت تتمتع بذاكرة فوتوغرافية قوية ورثتها لولدها الاستثنائي. يوم ميلاد الطفل لم يكن عاديًا. كانت هناك عاصفة شديدة من البرق في ذلك اليوم جعلت الخادمة في بيت تسلا تتخذ من مولد العبقري نذير شؤم قائلة بأنه “طفل الظلام”، لتقاطعه والدة نيكولا “بل طفل النور”. [1] [2]

أراد والد تسلا من ابنه أن يصبح كاهنًا -مثله-، ولكن نيكولا كان مولعًا بالهندسة. أصُيب تسلا بالكوليرا في سن المراهقة، وكاد يموت، فقطع والده عهدًا على نفسه بأن يرسل ولده إلى كلية الهندسة إذا شُفي من المرض. تاعفى بعدها تسلا بأعجوبة وذهب إلى كلية جراتس، بالنمسا، ليدرس الهندسة. رأى تسلا هناك “آلة غرام”، وهي عبارة عن محرك يمكن تحويله إلى مولد كهربائي، ليبتكر طريقة يستخدم بها التيار المتردد ويبدأ رحلته في إنارة حياة البشر.  [3]

توماس إديسون: مخترع المصباح الكهربائي

ولد العالم الشهير توماس إديسون في الحادي عشر من فبراير، عام 1847، بمدينة ميلان بولاية أوهايو الأمريكية. اشتهر إديسون بالكثير من الاختراعات مثل المصباح الكهربي، والفونوغراف (الجرامافون)، والمرسل الكربوني، وغيرها الكثير من الاختراعات.[4]

في عام 1854، انتقلت عائلة إديسون إلى مدينة بورت هورون بولاية ميشيغان، ليلتحق بالمدرسة العامة هناك لمدة 12 أسبوعًا. إديسون كان مفرط النشاط ويتشتت بسهولة ووصفه معلمه بأنه “صعب”.

أخرجته أمه من المدرسة في سن الحادية عشر، وعلمته في المنزل. امتلك إديسون شهية شرهة للتعلم وكان يقرأ الكثير من الكتب في مجالات مختلفة. بعدها بعام، أي في سن الثانية عشر، أقنع إديسون والداه ببيع الصحف في السكك الحديدة وأسس صحيفة صغيرة خاصة به. أطلق عليها Grand Trunk Herald.

انتهز إديسون فرصة العمل في السكة الحديدية، وأنشأ مختبر صغير في عربة إحدى القطارات ليختبر بعض التفاعلات الكيميائية. لسوء حظ إديسون، شب حريق في العربة مما جعل المحصل يهرع إلى مصدر الحريق ليجد إديسون ويصفعه على صدغه. يُعتقد أن تلك الصفعة هي من تسببت في إصابة إديسون بالصمم في إحدى أذنيه، ولكن ذلك لم يمنعه من صناعة المجد الذي نرى أثره إلى يومنا هذا.  [5]

نيكولا تسلا وصراع مع إديسون

بدأت قصرة الصراع بوصول تسلا إلى بودابست، أوروبا، ليعمل كمهندس كهربائي في شركة للهواتف النقلة. وفي يوم عادي، وبينما كان يتنزه في إحدى شوارع المدينة، خطرت له فكرة توليد الكهرباء باستخدام التيار المتردد.

في عام 1882، عمل تسلا لدى الفرع الفرنسي لشركة توماس إديسون. كان عمله في البداية بسيطًا، فاقتصر على تركيب مصادر الإضاءة كالمصابيح، ولكن لاحظ مدراءه ذكاءه مبكرًا، فأوكلوه مهام أصعب مثل تصميم المولدات والمحركات. أصبح يتردد على الفروع المختلفة من شركات إديسون في جميع أنحاء أوروبا لإصلاح مختلف الأعطال. [6]

بعد عامين من العمل في فروع أوربا، طلب مدير تسلا منه أن يذهب إلى فرع مدينة نيويورك، ووافق تسلا على الحال. [6]

بدأت المشكلة من اختلاف وجهات النظر، وامتلاك كل عالم منظور وطريقة تفكير مختلفة عن الآخر؛ كان تسلا يرى أن التيار المتردد ACهو الأفضل، بينما ذهب إديسون مع التيار المستمر DC. هناك الكثير من الفروقات بينهم، أهمها هي قدرة التيار المتردد AC على تغيير اتجاهه، مما يمكنه من الاستخدام لمسافات بعيدة، على عكس التيار المستمر DC الذي يتميز بثبات اتجاهه، وفي نفس الوقت يحافظ على قيمته مع مرور الزمن. [7]

سبب تمسك إديسون بالتيار المستمر كان يتعلق بالمادة وفقط، فكان إديسون يمتلك الكثير من براءات الاختراع في التيار المستمر، فكان يرى أن اتجاهه للتيار المتردد سيخسره الكثير من الأموال.

إلى الآن، يمكن اعتبار الأمر طبيعيًا، مجرد اختلاف في وجهات النظر. بدأ الخلاف الحقيقي عندما طلب مدير تسلا منه أن يطور طريقة لجعل بعض الآلات تعمل بالتيار المستمر، وإذا نجح تسلا في ذلك، ستتم مكافأته ب 50 ألف دولار، وبالفعل تمكن تسلا من الأمر، ولكن المدير لم يف بوعده، فغضب تسلا وخرج من الشركة. [6]

وهناك رواية أخرى، وفيها يقول إديسون لتسلا “انت لا تفهم روح الدعابة الأمريكية”، أي أن المدير كان يمزح معه.

هبوط وصعود

بعدما استقال تسلا من شركات إديسون، قرر إنشاء شركته الخاصة. أسس نيكولا تسلا شركته الخاصة عام 1885، ولكن سرعان ما خسر تسلا شركته وبراءات اختراعه للمستثمرين. بعدما خسر شركته، اضطر تسلا لحفر الأنفاق في مقابل دولارين في اليوم الواحد ليستطيع مواصلة العيش. [8]

في عام 1887، تمكن تسلا من تصميم موتور يعمل بالتيار المتردد ACويحول الطاقة الكهربية إلى طاقة ميكانيكية. عرض تسلا اختراعه على العديد من المهندسين، وأثار انتباه أحد أهم الشخصيات وقتها، وهو جورج ويستنجهاوس.

طلب جورج من تسلا أن يستخدم المحرك الخاص به، ليكمل بذلك نظام متكامل من التيار المتردد يمكنه من منافسة توماس أديسون. وافق تسلا على الفور وتلقى 60 ألف دولار وبعض الملكيات في الشركة، وعينه ويستنجهاوس كمستشار للشركة مقابل 2000 دولار في الشهر، ما يوازي 50 ألف دولار حاليًا. [10]

عندما علم توماس إديسون بصعود شركة ويستنجهاوس، استشاط غضبًا وحاول إسقاط الشركة والتيار المتردد. استغل إديسون كرسي الإعدام الكهربائي والذي اعتمد على التيار المتردد للترويج لوحشية ذلك التيار، كما أعدم فيل يدعى “توبسي” باستخدام التيار المتردد، ولكن لم تسر الأمور كما خطط لها إديسون، ففي ذلك الوقت كان المعرض العالمي الكولومبي يستعد للانعقاد في مدينة شيكاغو للاحتفال بالذكرى ال 400 من وصول كريستوفر كولومبس واكتشافه لأمريكا، وكلت مهمة إضاءة ذلك المعرض إلى ويستنجهاوس وتسلا، وتم الاحتفالية بنجاح، وحازا على ثقة ال 27 مليون مواطن حضر الافتتاح وغيرهم الكثير ممن رأوا في التيار المتردد كل الأمل في إنارة المستقبل. [9]

جاءت الضربة الثانية بعدما فازا الشريكان -تسلا وجورج- مجددًا على تيار إديسون عندما أنشئا أول محطة لتوليد الكهرباء تعمل بالتيار المستمر بجوار شلالات نياجرا، لينيرا مدينة بافلو بنيويورك ويصبح تسلا رائدًا في الطاقة المترددة، ويتم تكريمه بتمثال خاص له على ضفاف شلالات نياجرا بعد ذلك.[9]

وفاء، ومعاناة، وإرث دائم

بعد النجاح منقطع النظير الذي حققه الشريكان، كانت شركة ويستنجهاوس تنهار، فكانت مدانة بأكثر من 10 مليون دولار. طلب جورج من تسلا أن يسترد منه بعض العائدات في محاولة بائسة منه لينقذ الشركة، وتسلا لم يكن ليبيع صديقه وأكثر من آمن بقدراته، فوافق على الفور وأعطاه 12 مليون دولار، ما يكافأ اليوم 300 مليون دولار. في المقابل أعطت الشركة 216 ألف دولار للعالم العبقري.

أنشأ تسلا سلسلة من المختبرات الخاصة به في نيويورك ليقوم ببعض الاختراعات. كان يزوره الكثير من المشاهير والعظماء، مثل مارك توين، أحد أشهر الأدباء في تاريخ أمريكا. اخترع تسلا الكثير وحاز على أكثر من 300 براءة اختراع. وكان رائدًا في التصوير بالأشعة السينية، وأول مخترع للريموت عن بعد، وملف تسلا، وغيرها الكثير من الاختراعات.[2]

في عام 1895، شب حريق في مختبرات تسلا، لتذهب الكثير من أبحاثه دون رجعة. كذلك ثروته، وسكن في فندق كان يدفع إيجاره من مرتبه كمستشار لدى ويستنجهاس. بمرور الوقت تدهورت حالة تسلا، وأصبح مهووسًا بالحمام، كما أصيب بالوسواس القهري.

في السابع من يوليو، عام 1943، وجدت الخادمة تسلا ميتًا في غرفة فندقه، بعمر السادسة والثمانين، لتشهد على ضربة موجعة تلقتها البشرية، بعدما فقدت العبقري. [11]

مات تسلا فقيرًا مديونًا. على الرغم من قدرته على العيش كمليونير. وبالمناسبة كان سيصبح أول بليونير في التاريخ لولا ولاؤه وإخلاصه لوستنجهاوس، ولكن العبقري لم يكن جشعًا، ترك لنا الكثير من العلم والقيم التي اندثرت مع الزمن. أضاء العالم بأفكاره وأفعاله، فمات جسدًا وبقي إرثه وخُلدت ذكراه.[11]

هناك الكثير من العباقرة، وهناك نيكولا تسلا.

المصادر

  1. PBS
  2. Britanica
  3. PBS
  4. Britanica
  5. BIOGRAPHY
  6. PBS
  7. Power & Beyond
  8. HISTORY
  9. HISTORY
  10. Smithsonianmag magazine
  11. BIOGRAPHY
Exit mobile version