من أين اقتبس صنّاع صراع العروش شخصية جوفري براثيون؟

تثير الشخصية السادية المشاكل بشكل مستمر. وتشكّل في كثير من الأحيان خطرًا على المجتمع. فماذا لو كانت تلك الشخصية حاكمًا أو ملكًا تتعلق مصائر الناس بقراراته؟ ولا يختلف الأمر في مسلسل صراع العروش عن الحياة الواقعية البتة، بل ربما يأخذ الأمر منحى أكثر درامية وعدالة. وتعدّ شخصية جوفري براثيون مثالًا حيًا على شخصية الملك السادي عديم الرحمة. فمن أين اقتبس صنّاع المسلسل الشهير شخصيته؟

جوفري براثيون

جوفري براثيون هو ابن الملك روبرت براثيون وسيرسي لانيستر في المسلسل. تولّى جوفري الحكم بعد وقت قصير من وفاة والده. وسرعان ما ظهرت طبيعته السادية من خلال إعدام نيد ستارك الذي كان مستشار والده.

اتُّهم بأنه ملك غير شرعي وأنه نتيجة زنا محارم بين والدته وخاله جيمي لانيستر. وأدى هذا الاتهام -إضافة إلى إعدامه لنيد ستارك- إلى نشوب حرب الملوك الخمسة. وانتهت هذه الحرب بسلسلة من المكائد التي قادها جده تايوين لانيستر المتسبب في مذبحة الزفاف الأحمر التي قضت على أعدائه الشماليين ونصف عائلة الستارك. وعلاوة على ذلك انتصاره على عمه ستانيس براثيون في معركة خليج بلاك ووتر.

وبعد أن أحكم قبضته على الحكم بفضل دعم عائلته أعلن خطوبته من مارغري تايريل.

قُتل في زفافه بعد أن دسّت له عائلة تايريل السم في كأسه. وانتهى بذلك عهده المليء بالطغيان والظلم والدم، الذي استمر على مدى أربعة مواسم من المسلسل الشهير.[1]

وتعدّ شخصية جوفري براثيون من الشخصيات المركبة المميزة في تاريخ التلفزيون. ويذكر معجبوا المسلسل ردود أفعاله وتعقيداته وصرخاته بعبارة “اقتلوهم جميعًا”، التي أمر بها جنوده بقتل شعبه ليتوارد إلى أذهان قارئي التاريخ الملوك السفاحين الذي عاثوا في بلدانهم فسادًا وقتلًا ورعبًا. وأمثلتهم في التاريخ كثيرة.

جوفري براثيون ومارغري تايريل

إدوارد لانكستر

للملك جوفري، الذي يعدّ أحد أكثر الشخصيات الخيالية كرها في التاريخ، نظير تاريخي وهو أمير ويلز إدوارد لانكستر (المعروف أيضًا باسم إدوارد من وستمنستر). وقد يعدّ أقرب الشخصيات له من ناحية الخط الزمني، لأنّ الكاتب آر مارتن سبق وصرّح أنّه اقتبس الكثير من أحداث صراع العروش من صراع عائلتي اللانكستر عائلة إدوارد وعائلة اليورك “حرب الوردتين“.

وكان إدوارد، كجوفري، ساديًا قاسيًا متعطشًا للدماء. وقد تحدّث عنه سفير دوقية ميلان الإيطالية في زيارة إلى إنجلترا عام 1467 قائلًا: “هذا الصبي، رغم أن عمره 13 عامًا فقط، إلا أنّه لا يتحدث إلّا عن قطع الرؤوس أو شن الحروب كما لو كان يتحكم بكل شيء، أو كأنه آلهة الحرب أو الوريث السلمي لذلك العرش”. [2]

وكما اتهم جوفري بأنه ولد غير شرعي لروبرت براثيون، تردد أن إدوارد لانكستر كان نتاج علاقة غير شرعية بين والدته وأحد مؤيديها المخلصين. قيل أنّه إدوارد بوفورد، دوق سومرست الثاني أو جيمس بتلر، دوق أورموند الخامس.[3]

وعلى عكس جوفري الجبان قتل إدوارد أمير ويلز في ساحة المعركة خلال معركة توكيسبيري عام 1471 عن عمر يناهز الـ17 عامًا قبل أن يصبح ملكًا لإنجلترا. [3]

جوفري براثيون وإدوارد لانكستر

الامبراطور كاليجولا الامبراطور الروماني الثالث

أكد جورج آر مارتن، مؤلف الروايات التي اقتبست منها سلسلة صراع العروش، أنّ تاريخ الإمبراطورية الرومانية كان أحد مصادر إلهامه. فإضافة إلى الجدار الذي يبلغ طوله 117 كيلومترًا والذي بناه الإمبراطور هادريان في شمال إنجلترا في السنوات الـ120 بعد الميلاد الذي أعطاه فكرة الجدار في المسلسل. ظهر تشابه بين العديد من شخصياته وشخصيات من التاريخ الروماني.[4]

فقد ظهر جليًّا التشابه بين شخصية جوفري براثيون والامبراطور كاليجولا. ليس من ناحية الشكل فحسب. بل إنّ الامبراطور كاليجولا لم يكن أقلّ ساديّة وعنفًا وطغيانًا من جوفري.

ورغم أنّ روايات المؤرخين القدماء المتحيزة قد لا تظهر حقيقة كون كاليجولا طاغية أم لا. إلا أنّ الروايات التاريخية أظهرت وجود ميول سادية لديه.

فبعد سبعة أشهر من توليه المنصب، أعاد تنصيب محاكمات ضد من أسماهم بالخونة. وأظهر قسوة شديدة، وانخرط في نزعة استبدادية وحشية.

كما أنّه ادعى الألوهية وظهرت عليه علائم تدلّ على مرض نفسي شديد أو صرع حيث نصّب حصانه قنصلًا.

وعُرف بإسرافه وبذخه مما أضر بخزينة الدولة في عهده (وهكذا كان جوفري في المسلسل). ونتيجة لإسرافه الشديد لجأ إلى ابتزاز المواطنين الرومان البارزين وصادر ممتلكاتهم.

سئم الشعب الروماني من ذلك الطاغية المجنون الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. وحيكت العديد من المؤامرات ضده. وفي عام 41م قُتل كاليجولا في ألعاب بالاتين على يد قائد الحرس الامبراطوري وآخرين كما قتلت زوجته قيسونيا وابنته. وخلفه عمّه كلوديوس كإمبراطور.[5]

جوفري براثيون والامبراطور كاليجولا

لا يخلو التاريخ الإنساني منذ بداياته من العنف والقتل والدمار. وأظهر صنّاع العروش مظاهر مختلفة لوحشية الإنسان بدءًا من قبائل الدوثراكي البعيدة عن مظاهر الحضارة. وصولًا إلى المكائد في حرب الملوك الخمسة والزفاف الأحمر. لكن قد يكون وصول إنسان إلى مقاليد السلطة واستبداده برعيته وأتباعه وجهًا دمويًا آخر. وقد نجح صنّاع المسلسل في إبراز ذلك الجانب من خلال جوفري الذي أثلج موته قلوب المشاهدين جميعًا.

المصادر:

1- Who has been on the Iron Throne in Game of Thrones since season 1? | Metro News
2- www.guidelondon.org.uk
3- Game of Thrones The RealLife Inspiration Behind Joffrey Baratheon – pokemonwe.com
4- Ambition, greed and death: the Roman roots of ‘Game of Thrones’ (theconversation.com)
5- Caligula | Biography & Facts | Britannica

القصة الحقيقية وراء الزفاف الأحمر في صراع العروش

كانت إحدى أكثر اللحظات وحشيةً وإبهارًا في تاريخ الدراما التلفيزيونية هي ذروة الموسم الثالث من مسلسل صراع العروش Game of Thrones، وهي حلقة حفل الزفاف الأحمر الرهيب بعنوان “Rains of Castamere” قبل نهاية الموسم. ولم يكن المذهل فيها التحول الجذري في الأحداث ولا نحر شخصيات رئيسية بالجملة فحسب، بل حقيقة أنّ أحداثًا مشابهة قد حدثت بالفعل. وهذا ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا، القصة الحقيقية وراء الزفاف الأحمر!

ما هو الزفاف الأحمر؟

هو مذبحة وقعت خلال حرب الملوك الخمسة في مسلسل صراع العروش. نظمها اللورد والدير فراي مع اللانيسترز انتقامًا من روب ستارك، ملك الشمال ووريث نيد ستارك، لخرقه عقد الزواج بين عائلة ستارك وعائلة فراي.

بعد أن تخلى عن روب ستارك نصف جيشه لجأ إلى والدير فراي، الذي كان قد سحب دعمه لقضية الشمال عندما نكث روب بوعده بالزواج من إحدى بناته. وكتعويض عن انتهاك الاتفاقية، طلب اللورد فراي أن يتزوج إدمور تولي خال روب إحدى بناته. ويقام حفل الزفاف في قلعة اللورد فراي، ويحضر الزفاف عدد من لوردات الشمال.

يصيب روب شعور زائف بالثقة باللورد فراي، الذي يتعهد بضمان سلامة ضيوفه وفقًا لحق الضيف. ورغم دراية روب ووالدته بطبيعة مضيفهما، إلّا أنهما لم يتخيلا أنّ هذا الرجل الحقير سيكسر مثل ذلك الميثاق المقدس. لكن حدثت الخيانة بعد المراسم الرسمية، حيث ابتعد إدمور وعروسه بسلام في جزء آخر من القلعة لإتمام زواجهما. بينما أغلق بلاك والدر باب القاعة الكبرى على الحضور.

في تلك الأثناء، تمركز روس بولتون ورجاله حول القاعة، مسلحين ومدرعين سراً. وبحذر شديد، جلسوا جميعًا خلف منبر آل ستارك وامتنعوا عن تناول أي كحول، وذلك للحفاظ على توازنهم. ورغم احساس والدة روب بالخطر إلّا أنّه كان متأخرًا. فقد أعطى اللورد فراي إشارة بدء المذبحة التي قتل فيها روب وجيشه ومؤيدوه بالكامل. [1]

الليدي كاتلين تذبح في العرس الأحمر

لكن اقتبس الكاتب هذا الحدث من حدثين اسكتلنديين تاريخيين، وهما العشاء الأسود، ومذبحة غلينكو من عام 1691. [2] فلم تكن حرب الوردتين والخريطة البريطانية هما عاملا الجذب الوحيدين في التاريخ لآر مارتن، كاتب رواية أغنية الجليد والنار التي اقتبس منها مسلسل صراع العروش.

الحدث الأول: العشاء الأسود

كان الملك جيمس الثاني ملك اسكتلندا (1430 – 1460 م) من سلالة ستيوارت هو ابن الملك جيمس الأول وجوان بوفورت. خلف والده في السادسة من عمره بعد اغتيال الملك جيمس الأول عام 1437 م في نفق للصرف الصحي. وبسبب سنه الصغير، منحت الوصاية على الملك الصبي إلى أرشيبالد دوغلاس. ترأس أرشيبالد الحكومة الاسكتلندية بصفته حاميًا للمملكة خلال فترة حكم جيمس حتى عام 1439 م.[3]

في 24 نوفمبر 1440، كان ملك اسكتلندا جيمس الثاني يقاتل عشيرة بلاك دوغلاس، لكنه في النهاية مد يده لصنع السلام. ودُعى دوغلاس الشاب إلى قلعة إدنبرة وأقيمت له وليمة رائعة. وأثناء وجوده هناك، قبض عليه رجال كريشتون واتهموه ومن معه بالخيانة، وتم إعدامهم بإجراءات سريعة. وتشير المصادر إلى أن زوجات دوغلاس قد تم التخلص منهن على حين غرّة وبلا تهم واضحة. ومع ذلك، قام المؤرخون اللاحقون بتزيين هذه الرواية المجردة بشكل كبير، مدعين أن الإخوة كانوا يتناولون الطعام في حضور جيمس الثاني نفسه عندما وضع كريشتون رأس ثور (رمز لإعدام الخونة) على الطاولة. ثم تم جرهم إلى محاكمة صورية قبل قطع رأسهم على تل القلعة. [4]

الملك جيمس الثاني، ملك اسكتلندا

مذبحة غلينكو

حدثت مذبحة غلينكو، (13 فبراير 1692) في اسكتلندا أيضًا. وهي مذبحة قُتل خلالها أكثر من 30 شخص من أعضاء عشيرة جلينكو ماكدونالدز على يد قوات الحكومة الاسكتلندية، بحجة عدم ولائهم للملوك الجدد، ويليام الثاني وويليام الثالث وماري الثانية.

صعد تيار يدعى بتيار اليعاقبة في عام 1689 في اسكتلندا، لكنه لم يعد يمثل تهديدًا خطيرًا حتى مايو 1690. استمرت الاضطرابات في المرتفعات النائية التي استهلكت فيها الموارد خلال حرب التسع سنوات. وفي أواخر عام 1690، وافقت الحكومة الاسكتلندية على دفع 12000 جنيه إسترليني لعشائر اليعاقبة مقابل قسم الولاء. لكن احتدم النزاع بين رؤساء العشائر حول تقسيم الأموال، ولم يصلوا لتوافق بينهم. ونتيجة احتدام الصراع بين العشائر، قرر الملك معاقبة عشيرة المكدونالدز وذبحهم بطريقة وحشية، أخافت أعداءه ورسخت حكمه. [5]

رسم متخيل لضحية من ضحايا مجزرة غلينكو

محمد علي يذبح المماليك

كان محمد علي المقدوني الأصل والد مصر الحديثة. ذهب إلى مصر عام 1801 كقائد ثانٍ للوحدة الألبانية للجيش العثماني لاستعادة السيطرة على البلاد بعد الاحتلال الفرنسي. وسرعان ما قُتل قائده وخلِفه محمد علي. وبمزيج قوي من الدهاء والقسوة والسحر، شق طريقه سريعًا حتى عام 1805 حيث عيِّن والي العثمانيين على البلاد.

شقّ محمد علي طريقه بتشكيل تحالفات مع مجموعة من المعارضين المحتملين ضد الآخرين والقضاء على مجموعة تلو الأخرى. كان لديه عقبة رئيسية في المماليك.

بحلول عام 1811 كان محمد علي قوياً بما يكفي للتعامل مع المماليك. قام بتنظيم موكب احتفالي كبير في القاهرة دعا إليه حوالي 500 من أعيان المماليك.

وفجأة أغلقت البوابات في كل طرف وظهر جنود الوالي فوق الجدران وفتحوا نيران البنادق عليهم. وقُتل جميع المماليك أو ربما جميعهم باستثناء واحد. وسرعان ما تم مطاردة وقتل المزيد من المماليك في القاهرة وأماكن أخرى في مصر، ليصل العدد القتلى الإجمالي إلى 3000.[6]

محمد علي

يذهلنا التاريخ دائمًا بدمويته ويجعلنا شاخصي الأعين أمام مقدار العنف الذي يسيّره. لم يظهر الكاتب الهمجية في حكايته عن قبائل الدوثراكي وحدها، ولا حجم الخداع في معركة خليج بلاك ووتر فحسب. بل وصل إلى ذروة الأمرين في حلقة الزفاف الأحمر مبينًا جانبًا قبيحًا لا يؤتمن في خبايا النفس البشرية.

المصادر:

1- Red Wedding | Game of Thrones Wiki | Fandom
2- BBC Radio 4 – Radio 4 in Four – The real historical events that inspired Game of
3- BBC Radio 4 – Radio 4 in Four – The real historical events that inspired Game of Thrones
4- The Black Dinner – An event that inspired the “Red Wedding” in Game of Thrones – HeritageDaily – Archaeology News
5- Scottish History at a Glance: The ‘Black Dinner’ of 1440 (dundeescottishculture.org

6- https://www.historytoday.com/archive/mamelukes-are-massacred-egypt?fbclid=IwAR2_RA-bwJzlAcF8mbUuZzKhnGtC_4fVCSDoz8q9qnLs3nY_qnW9DyrtVVk

كيف ألهم حصار العرب للقسطنطينية صنّاع صراع العروش؟

لم يقتصر مسلسل صراع العروش على المكائد والصراعات العائلية، بل برز الجانب الحربي فيه أيضًا. ورغم مخيلة صنّاعه المذهلة في تخطيط الكثير من المعارك في المسلسل الشهير، إلّا أن الواقع قد يكون أكثر إذهالًا. ويعتبر حصار العرب للقسطنطينية 717-718 (المعروف بالحصار العربي الثاني) الذي يعد من أهم المعارك في تاريخ أوروبا، مثالَا حيّا على ذلك. كيف لا وهي المعركة التي أنقذت الامبراطورية البيزنطية من الزوال. وسمحت لها بالاستمرار لأكثر من 600 عام. [1] وتظهر نقاط تشابه كثيرة بين الحصار ومعركة بلاك ووتر الشهيرة في مسلسل صراع العروش. وهذا ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

معركة بلاك ووتر

تعدّ معركة بلاك ووتر، التي تسمى أيضًا معركة خليج بلاكووتر، أكبر معركة في حرب الملوك الخمسة. وقادها ستانيس باراثيون الساعي للسيطرة على كينغز لاندينج “العاصمة” والاستيلاء على العرش الحديدي من الملك جوفري باراثيون. وكان لديه من القوات والسفن ما يكفي للنصر بينما كان جيش جوفري يقتصر على بعض القوات العاجزة عن التصدي لهجوم مماثل.

اجتاح أسطول ستانيس الطامع بالحكم، خليج بلاكووتر ليقترب من المدينة. لكن تيريون لانيستر مستشار الملك وضع خطة محكمة لحماية المدينة وكانت استخدام مادّة حارقة وتشتعل حتى فوق المياه. وسميت في المسلسل بالنار الجامحة.

تجسيد فني لمعركة بلاك ووتر في مسلسل صراع العروش ومشهد احتراق السفن. حقوق: (pinimg.com)

وبناء على خطته تلك، أمر المستشار تيريون سفينة صغيرة بإلقاء مادة النار الجامحة في مياه خليج بلاك ووتر الملاصق للمدينة. فأحرقت أسطول ستانيس براثيون عن بكره أبيه، مسببة تحولَا جذريًا في أحداث المسلسل. كما أدت إلى خسارة كبيرة لستانيس الذي لم يفكر في احتلال كينغز لانديغ مرة أخرى. ورسخّت حكم جوفري براثيون المتكبر. [3]

حصار العرب الثاني القسطنطينية 717 – 718

استعدّ الخليفة الأموي الخليفة سليمان بن عبد الملك بحلول السنوات الأولى من القرن الثامن للإجهاز النهائي على الإمبراطورية البيزنطية. وكانت القسطنطينية عاصمةً للامبراطورية وسقوطها سيكون المسمار الأخير في نعشها وسيقضي عليها بالكامل. وكانت الامبراطورية البيزنطية في ذلك الوقت قد أنهكتها الحروب الأهلية، كما انهارت دفاعاتها الشرقية نتيجة هجمات العرب المتتالية على أراضيها.

وفي خريف عام 717 م، أمر الخليفة سليمان بن عبد الملك، شقيقه مسلمة بمحاصرة القسطنطينية. وترأس مسلمة جيشًا قوامه 80 آلاف جندي وأسطولًا بحريًا مكونًا من حوالي مائتي سفينة. ولأهمية تلك المعركة البالغة، وجّه الخليفة بنفسه الهجوم من دمشق. لكن في الوقت ذاته، كان الامبراطور البيزنطي ليو الثالث جنديًا متمرسًا، وكان مستعدًا لذلك الحصار. فحصّن جدران المدينة، وزودها بمخزون ضخم من الإمدادات. وأمر أي مدني لم يكن لديه ما يكفيه من الطعام لمدة ثلاث سنوات بمغادرة المدينة.

في تلك الأثناء، ورغم ضخامة أسطول الأمويين وجهودهم المستمرة لإغلاق الممر المائي وعزل المدينة عن البحر الأسود، إلّا أن البحرية البيزنطية قاتلت بشراسة وتمكنّت من إبقاء مضيق البوسفور مفتوحًا. ولم يكتفي البيزنطيون بذلك، بل أعدّو أيضًا سلاحًا سريًا، وهو النيران الإغريقية. [1]

النار الإغريقية كلمة السر!

النار الإغريقية هي عبارة تركيبة قابلة للاشتعال، وقد استخدمت في حروب العصور القديمة والعصور الوسطى. وبشكل أكثر تحديدًا، يشير المصطلح إلى خليط ابتكره البيزنطيون في القرن السابع الميلادي.

إن استخدام المواد الحارقة في الحرب قديم جدًا؛ فقد وثّق العديد من مؤرخي العصور القديمة استخدام الأسهم المشتعلة، ومواقد النار التي تحتوي موادً مثل القار، والنفتا، والكبريت، والفحم. وفي القرون اللاحقة، ظهر أيضًا استخدام الملح الصخري وزيت التربنتين. وكانت جملة الخلائط القابلة للاشتعال السابقة معروفة لدى الصليبيين باسم النار الإغريقية أو النار الجامحة. ويُعتقد أيضًا أن النار الإغريقيةكانت خليطًا من النفط، تم اختراعه في عهد الامبراطور قسطنطين الرابع بوغوناتوس (668-685) م على يد رجل يدعى كالينيكوس.

وتميزت النيران اليونانية بقابلة الوضع في أوانِ ويمكن تفريغها عبر الأنابيب وتشتعل فيها النيران بشكل تلقائي ولا يمكن إخمادها بالماء. [2] وقد سمح هذا السلاح للسفن البيزنطية بتدمير العديد من السفن العربية. وفي حين كان البيزنطيون يتلقون إمدادات منتظمة عن طريق البحر، عانى العرب من مشقة الحصول على الامدادات، وخاصة في فصل الشتاء.

نهاية الحصار

بقيت أسوار المدينة صامدة أمام هجمات الجيش العربي رغم التعزيزات التي وصلته. وفي صيف عام 718 م، هاجم البلغار المتحالفون مع البيزنطيين العرب وقتلوا 5000 جندي. ونتيجة لذلك، حوصرت القوات الأموية بين أسوار القسطنطينية الصامدة والبلغار.

أمر الخليفة جيشه بالانسحاب من القسطنطينية، لكن قوات البلغار هاجمتهم وقتلت حوالي 30 ألف جندي قبل أن يتمكنوا من الصعود على متن السفن. وطاردت البحرية البيزنطية البحرية الأموية ودمرت العديد من السفن. فكانت خسارة ضخمة.

يظهر مما سبق التشابه الواضح بين حصار القسطنطينية ومعركة بلاك ووتر في مسلسل صراع العروش. بدءًا بأسلوب القتال والتحوّل المصيري الناتج عنها وانتهاءًا بالسلاح الحاسم المستخدم في كلا المعركتين.

المصادر:

1- How did the Second Arab Siege of Constantinople 717-718, change world history – DailyHistory.org
2 – Greek fire | weaponry | Britannica
3- Battle of the Blackwater | Game of Thrones Wiki | Fandom

ما هو تأثير الجغرافية البريطانية على مسلسل صراع العروش؟

ألهمت الجغرافية البريطانية الكاتب الأمريكي جورج آر آر مارتن في كتابة روايته أغنية الجليد والنار، التي اقتُبس منها مسلسل صراع العروش. لم يكن صراع العائلات البريطانية على الحكم كما ذكرنا في مقال سابق عنصر التشابه الوحيد، فقد ظهرت جليّا عناصر إضافية تُظهر تأثير الجغرافية البريطانية أيضًا في المسلسل. نذكر خريطة ويستروس على سبيل المثال، وهي القارة التي حدثت فيها أحداث المسلسل الشهير، ويقع الجدار العظيم فيهاأيضًا. وسنتعرف أكثر على هذا التشابه في مقالنا هذا:

الخريطة:

تستند خريطة الممالك السبع أو ويستروس في الرواية والمسلسل على خريطة الجزر البريطانية. فما عليك سوى تحريك أيرلندا أسفل إنجلترا وتوسيعها، ثم القيام بعكس صورة الجزيرة الرئيسية.[1] لتتجلّى أمامك ويستروس ومدنها، كما في الخريطة أدناه.

التشابه بين قارة ويستروس والجزيرة البريطانية وموقع جدار هاردين.

وقد كشف كاتب رواية أغنية الجليد والنار جورج آر آر مارتن عن نقاط التشابه بين جغرافية المملكة البريطانية والممالك السبعة. حيث أعاد رسم مقاطعة كري الإيرلندية بشكل مثالي. وقد وضّح أنّ بلدة دينغل الواقعة في تلك المقاطعة هي بحد ذاتها بلدة فنغرز (وهي البلدة التي تنتمي إليها شخصية ليتل فينغر في المسلسل)، وتقع في وادي آيرين في خريطة ويستروس.

كما أنّ موقع “كينغز لاندينغ” العاصمة الرئيسية في الرواية والمسلسل هي في مكان مقاطعة “غالواي” في إيرلندا. وخليج “دونيجال” هو بحر “دورن”. بينما عاصمة إيرلندا الشمالية “بلفاست” هي مدينة “أولد تاون”في المسلسل. وبالنسبة لمدينة “دبلن” فهي “كاسترلي روك”مقر عائلة اللانسترز. [2]

خريطة ويستروس كما ظهرت في المسلسل

تظهر أوجه تشابه مثيرة أخرى تظهِر تأثير الجغرافية البريطانية على صنّاع مسلسل صراع العروش، إذ إن هناك جدارًا حقيقيا عملاقًا بنِي في الجزيرة البريطانية لإبعاد الغزاة الشماليين.

الجدار:

يتجلى الجدار في الرواية كحاجز هائل من الجليد، يمتد غالبه عبر الحدود الشمالية للممالك السبع، ويفصلها عن الأراضي البرية وراءه. ويبلغ ارتفاعه مائة قدم؛ أي (ثلاثمائة ميل) في أغلبه. بينما يصل ارتفاعه لأكثر من سبعمائة قدم عند أعلى نقطة له.[3]

وقد صرّح الكاتب جورج آر آر مارتن أن تاريخ الإمبراطورية الرومانية كان أحد مصادر إلهامه. في الواقع، كان جدار هارديان الذي يبلغ طوله 117 كيلومترًا والذي بناه الإمبراطور هادريان في شمال إنجلترا في السنوات 120 بعد الميلاد هو ما منحه فكرة الجدار الموجود في المسلسل.[4]

الجدار العظيم كما صوّر في مسلسل صراع العروش

وكما كان الهدف من الجدار في الرواية حماية الحضارة المتمدنة من الهمجيين خلف الجدار. بنِي جدار هارديان لحماية الحدود الشمالية الغربية للإمبراطورية الرومانية من هجمات القبائل الغازية.

يعتبر جدار هادريان من بقايا التحصينات الحجرية التي بنتها الإمبراطورية الرومانية بعد غزوها لبريطانيا في القرن الثاني بعد الميلاد. وقد امتد هيكله الأصلي لأكثر من 70 ميلًا عبر الريف الإنجليزي الشمالي من نهر تاين بالقرب من مدينة نيوكاسل وبحر الشمال، وغربًا إلى البحر الأيرلندي. وتضمن جدار هادريان عددًا من الحصون بالإضافة إلى خندق مصمم للحماية من القوات الغازية. وما تزال بقايا الجدار الحجري مرئية في العديد من الأماكن.[5]

لماذا بنى الرومان جدار هارديان؟

حاول الرومان غزو الجزيرة البريطانية في عام 55 قبل الميلاد، في فترة حكم الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر، إلّا أنّ مناورتهم العسكرية فشلت في السيطرة عليها.

الأمر الذي لم يثن عزيمة الرومان عن احتلال هذه الجزيرة، إذ تمكنوا من ضمها لإمبراطوريتهم في عام 79م، في فترة حكم الإمبراطور أولوس بلوتيوس. ومع ذلك، كانوا ما يزالون يواجهون مقاومة شرسة من المحاربين السلتيك في ما يعرف الآن بشمال إنجلترا.

واظب الرومان على محاولة ضم اسكتلندا أيضًا لأراضيهم. غير أنهم واجهوا مقاومة شرسة من محاربيها الكاليدونيين. حتى تمكنوا أخيرا تحت قيادة يوليوس أجريكولا، من هزيمة الكاليدونيين. مما أسفر عن سقوط  حوالي 30.000 منهم في عام 81 م، آنذاك تمكنت الإمبراطورية الرومانية من السيطرة على جزء على الأقل من اسكتلندا.

ومع ذلك، هرب سكان كاليدونيا الذين نجوا من هجوم أجريكولا إلى التلال، وظلوا معارضين عنيدين للرومان.

بقايا جدار هارديان

على مدى العقود التالية، استمر سكان كاليدونيا في إزعاج الرومان، وشنوا هجمات عديدة عليهم في المنطقة الشمالية للإمبراطورية.

وفي عهد الإمبراطور هادريان بعد توليه سنة 117م، تحول هدف الرومان من توسيع أراضيهم. إلى حمايتها من هجمات سكان كاليدونيا وغيرهم.

لذا شرع حكام بريطانيا الرومان، بأوامر من هارديان في بناء الجدار الذي سمي لاحقًا على اسم الإمبراطور . وذلك للدفاع عن الجزء البريطاني الذي يسيطرون عليه من الهجمات. إذ رغبوا في “فصل الرومان عن البرابرة” في الشمال على حد تعبير هارديان.

كما يعتقد العلماء أيضًا أن الجدار ربما كان بمثابة وسيلة لتقييد الهجرة والتهريب من وإلى الأراضي الرومانية.[5]

لطالما ألهمت الوقائع والأماكن الحقيقية الفنانين وصنّاع الترفيه قديمًا وحديثًا. وهو أمرٌ جليٌ في مسلسل صراع العروش. رغم لا محدودية مخيلة الإنسان إلا إن تقاطع الخيال مع الواقع أحيانا كما في رواية الجليد والنار يعزز جمال الرواية وروعتها، ولا ينفي الإبداع عنها.

المصادر:

1- brilliantmaps

2- irishcentral

3- awoiaf

4- theconversation

5- history

Exit mobile version