ما هي الحرب بالوكالة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

حروب أهلية وصراعات على مناطق نفوذ وثورات وانقلابات عسكرية بقيت آثارها لعقود وغيّرت الخارطة السياسية لعدّة دول ومصائر شعوب بأكملها. وفي كثير من الأحيان تحدث تلك الحروب تحت مسميات وشعارات خلابة، ولكن في حقيقتها لم تكن أكثر من وسيلة وأداة في أيدي القوى العظمى لتحقيق استراتيجياتها التوسعية. فمن صراع الكوريتين إلى باكستان وأفغانستان والشرق الأوسط ووصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية. قائمة تطول من حروب دامية وصراعات طويلة الأمد وجميعها تصنف كحروب بالوكالة، فما هي الحرب بالوكالة؟ هذا ما سنتعرف عليه في مقالنا هنا.

ما هي الحرب بالوكالة؟

تحدث الحرب بالوكالة عندما تحرّض قوّة عظمى أو تلعب دورًا رئيسيًا في دعم وتوجيه طرف ما إلى نزاع. ولكنها لا تقوم إلا بجزء صغير من القتال الفعلي نفسه. [1] وتتناقض الحرب بالوكالة ليس فقط مع الحرب التقليدية – عندما تتحمل الدولة عبء دفاعها (أو الهجوم) – ولكن أيضًا مع مفهوم التحالف. أي لا يمكننا تصنيف أي تحالف كحرب بالوكالة. [1]

وقد تم استخدامها لقرون عدّة لكن استخدامها بالشكل السائد الذي نعرفه بدأ بشكل خاص منذ عام 1945. [2] ومن وسائلها الدعم اللوجستي وتقديم المعلومات الاستخباراتية واستخدام قوات العمليات الخاصة والطائرات بدون طيار. حيث يقوم الوكيل بكامل المهام القتالية والعمليات المباشرة على الأرض.

ما أسباب لجوء الدول إلى الحرب بالوكالة؟

وصف الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور الحروب بالوكالة ذات مرة بأنها “أرخص تأمين في العالم”. بينما قال الرئيس الباكستاني ضياء الحق عنها أنها “تبقي النزاع متأججًا” في مناطق الصراع القائمة [2]. وتلجأ الدول إلى اعتماد هذه الاستراتيجية لعدّة أسباب وهي:

  • أنّ قتال السكان المحليين سيخفف الخسائر البشرية للقوى العظمى الداعمة لهم [1]. ولأنّ الوكلاء في الغالب أكثر قبولًا في مجتماعتهم المحلية.
  • ويمكّن الوكيل الراعي من الحصول على معلومات أكثر عن المجتمعات المحلية وخاصة إذا ما كان الوكيل قوّة حرب عصابات. فالعصابات المحلية تملك معرفة كاملة بتضاريس وسكان البلد ويمكنهم الاندماج مع السكان المحليين بطريقة يستحيل أن تفعلها قوة أجنبية.
  • هذا النوع من الحروب يقلل من احتمالية تحفيز رد فعل قومي أو وطني والذي غالبًا ما يحصل عند التدخلات الأجنبية. [1]
  • افتقار الدول إلى القوة العسكرية اللازمة للقيام بتدخل مباشر أو حرب شاملة يدفعها إلى التأثير عبر الحدود باستخدام وكلاء لها. مثل دعم طهران للحوثيين في اليمن الذي يمنحها نفوذًا هناك.[1]
  • كما أن الحرب بالوكالة تعد حربًا رخيصة [2] مقارنة بالتدخل العسكري المباشر.
  • وقد تساعد الإيديولوجيا المشتركة سواء أكانت إيديولوجيا دينية أو سياسية.
  • يمكن استخدام الوكيل لحسم الصراع أو جعله مقتصرًا على نطاق جغرافي أو بشري.[1]
  • نقل مناطق الصراع إلى أراضي الوكيل الذي قد تصبح أرضه ساحة معركة. مما يجعل أطراف النزاع الحقيقيين محافظين على قوتهم البشرية المحاربة وبنيتهم التحتية وسلامة مواطنيهم.

وقد توجد عوامل تخص دولة بعينها لاستخدام هذا النوع من الحروب كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية عرّابة الحروب بالوكالة. حيث أنّ خسارتها في حرب فيتنام [3]، دفعتها للجوء إلى استراتيجيات أقل تكلفة. إضافة إلى زيادة مكانة وأهمية الشركات العسكرية الخاصة في القتال الحربي المعاصر, كما جاء الاستخدام المتزايد للفضاء السيبراني كمنصة لشن الحرب بشكل غير مباشر وصعود الصين كقوة عالمية عظمى من الأسباب المهمة. [2]

سلبيات لجوء الدول إلى الحرب بالوكالة

على الرغم من كل ما سبق إلّا أن الحرب بالوكالة تنضوي على الكثير من المخاطر وهي:

  • يتصرف الوكلاء بشكل ثابت وفقًا لمصالحهم ودوافعهم، مما يخلق توترًا لراعي الوكيل. فالراعي قد لا يتمكن من السيطرة على الوكيل نهائيًا وخاصة إذا ما كان الوكيل قويًا.
  • قد يجر الراعي إلى صراع غير مرغوب فيه نيابة عن وكيله. أو قد يتصرف الوكيل بتهور بسبب ثقته العمياء في أنّ راعيه سيقدم له دعمًا ويجعلهم آمنين من المشاكل.
  • غالبًا ما يكون الوكلاء فاسدين ووحشيين وغير كفؤين، وخاصة في حال كانوا ميليشيات مسلحة أو قوة حرب عصابات غير مدربة بشكل كامل.
  • إضافة إلى اساليبها الهمجية التي تسيء لسمعة الراعي في المحافل الدولية.
  • غالبًا ما يدفع حصول وكيل ما على دعم من قبل دولة ما إلى تحرك الدول الأخرى لزيادة دعم وكلائها (كما حدث في لبنان على سبيل المثال). وهذا ما يؤدي إلى تفاقم الصراع وزيادة قوة الوكيل الذي يتعامل مع فوضى الرعاة هذه على أنها ورقة رابحة لزيادة استقلاليته.
  • بمجرد أن يبدأ الراعي بتمويل الوكيل يصبح مضطرًا إلى الاستمرار في ذلك لمدى طويل.
  • صعوبة الحصول على وكلاء جيدين وقادرين على تزويد الراعي بالمعلومات الدقيقة.
  • قد يحدث صدام مع وكيل الراعي الخصم والذي سيكون مسيئًا وغير كفؤ بالضرورة. مما قد يؤثر على قدرة الدولة على تحقيق أهداف سياستها الخارجية المرجوة.

أدّت الحروب بالوكالة إلى أزمات إنسانية لا حصر لها، ونزوح أعداد هائلة من السكان المحليين خارجيًا وداخليًا. فعلى سبيل المثال، قدّرت الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 12 مليون شخص فروا من ديارهم منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. [4] إضافة إلى أزمات الوقود والأزمات الاقتصادية والتي من المحتمل أن تتضاعف تأثيراتها في المستقبل. لذا فمن الضروري فهم وقراءة هذه الحروب بشكل جيد لأنّ احتمال استمرارية حدوثها في المستقبل كبير.

المصادر:

  1. brookings
  2. Tandfonline
  3. Wikipedia
  4. bbc

كيف بدأت الحرب ولماذا تحدث؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

الحرب كلمة ذات وقع قاس ومليء بمشاهد الدمار والحزن والعنف غير المبرر. فهي أعلى درجات النزاع بين الدول والجماعات، ووسيلة الدول لبسط هيمنتها ونفوذها. وهي حالة النزاع المسلح بين دولتين أو أكثر أو مجموعات داخل بلد ما.[2] لذا سنعرف في هذا المقال كيف بدأت الحرب ولم تحدث؟

ما هو تعريف الحرب؟

عادة ما يستخدم العسكريون هذا المصطلح للإشارة إلى الأعمال العدائية بين الجماعات المتنافسة المتساوية في درجة القوة بدرجة كافية لجعل نتيجة صراعها غير مؤكدة لبعض الوقت. [1] ويضاف إلى هذا التعريف عند دراسته من منظور العلوم الاجتماعية شروط محددة. فغالبًا ما يستخدم علماء الاجتماع هذا المصطلح للإشارة إلى النزاع الذي يبدأ وفقًا للإجراءات والصيغ المعترف بها اجتماعيًا. [1]

إلّا أنّ التعريف الأكثر انتشارًا للحروب، هي أنّها صراع طويل الأمد بين الجماعات السياسة متضمنًا أعمالًا عدائية طويلة الأمد ومهولة. [1]

لم تحدث الحروب؟

هناك العديد من الأسباب الممكنة لتفسير الحروب مثل:

  • التنافس على الأراضي والموارد.
  • المنافسات التاريخية.
  • الدفاع عن النفس ضد معتدٍ أو معتدٍ محتمل.[2]

ولا بدّ أنّ أسباب قيام الحروب في الوقت الحالي أكثر تعقيدًا مما سبق. فغالبًا ما كان الصراع يحدث للحصول على الموارد وخاصة في فترات الأوبئة والجفاف. أو للاستحواذ على الأراضي الأكثر خصوبة أو الثروات كالذهب. وصولًا إلى الحروب التي حدثت بغرض التوسع أو تحقيق الطموحات السياسية.

أمّا في الوقت الراهن قد تحدث الحروب لأسباب اقتصادية أو صراعات دينية أو بغرض تجارة السلاح. وقد يكون سبب الحرب هو ردع خصم محتمل أظهرت مؤشرات ما أنّه قد يكون معتديًا في وقت ما في المستقبل.

لا تأتي الحروب عادة من العدم، فهي غالبًا ما تكون نتيجة خلاف متصاعد يؤدي لحدوث تفاقم للنزاع ومن ثمّ الحرب. وتختلف الآليات وجملة التطورات التي قد تؤدي إلى الحروب. وغالبًا ما تكون معقدة وتستلزم دراسة متعمقة للتاريخ البشري. [2] ولكن كيف بدأت الحرب في تاريخ البشر؟

كيف بدأت الحرب؟

تشير المصادر التاريخية إلى أنّ أول حرب “مسجلة” في التاريخ، حدثت في إحدى أقدم الحضارات في العالم وهي حضارة ما بين النهرين. وهي معركة حدثت بين سومر وعيلام في عام 2700 ق.م. وسُجّل فوز السومريين في تلك المعركة. [2] وقد أكدّت التنقيبات الأثرية أنّ العنف الجماعي موغل في القدم، فقد سبق أن حدث في فترات زمنية أقدم. إذ قدّمَت رفات 61 فردًا مدفونين في مقبرة جبل الصحابة دليلًا فريدًا وجوهريًا على ظهور العنف الجماعي في وادي النيل في نهاية أواخر العصر الجليدي أي حوالي 11000 ق.م. [4] والذي سجّل كأقدم مثال على العنف الجماعي في التاريخ البشري واعتبر كأقدم حرب في مصادر أخرى.

تميزت نهاية العصر البليستوسيني المتأخر وبداية الهولوسين بتغيرات مناخية كبيرة. وكانت الظروف المناخية شديدة الجفاف في وادي النيل خلال النصف الثاني من العصر الجليدي. [4] مما يقدم سببًا للنزاع بين جماعات الصيادين المتواجدة هناك والتي على ما يبدو أنّها كانت في حالة صراع على الموارد. وقد أكدّت الدراسات والتحليلات وجود حالة من العنف المتكرر بين تلك الجماعات [4]. مما يؤكد أنّ حالة الصدام تلك لم تحدث بشكل عشوائي. وما أكدّ أنّها حالة عنف جماعية هو ظهور دلائل على رابطة قوية تجمع بين تلك الوحدات الاجتماعية. مثل وجود مجموعات حجرية يعتقد أنّها تمثل تقليدًا ثقافيًا يعكس هوية المجموعة. إضافة إلى وجود مقابر كبيرة.

منذ اكتشاف مقبرة جبل الصحابة في الستينيات من القرن الماضي، تم اعتبارها أقدم دليل على الحرب المنظمة الناجمة عن القيود البيئية. [4]

هل الحرب قاصرة على البشر؟

في الحقيقة لا، فحالة العنف الجماعي تلك موجودة أيضًا في مملكة الحيوانات الوحشية. حيث تتجمع الشمبانزي لتوسيع الأراضي، ويغزو النمل مستعمرات أخرى لأخذ العبيد. [3] كما تقوم الدبابير اليابانية العملاقة بمهاجمة خلايا النحل والتي ترد بدورها بأعمال انتقامية منها عبر حرق الدبابير بحرارة أجسادها.

بالعودة للشمبانزي، الأقرب للبشر، ينفذ الشمبانزي غارات متعمدة على المجتمعات المجاورة، لضم الأراضي. [3] وأكدّت الدراسات أنها قادرة على القتل العمد لأبناء جنسها، وساهمت تلك الدراسات في فهم تطور العنف البشري [6]. وبالتأكيد لم يتعلم الشمبانزي ذلك السلوك من البشر، حيث أكدّت الأبحاث ذلك بعد جدال طويل أُثبت من خلاله أنّ سلوكها ليس تقليدًا للبشر الذين دمروا موائلها [5]. حيث لم تظهر حالة العنف هذه لدى أنواع الأخرى من القرود كالمكاك وغيرها.

ووفقًا للدراسات، فإن القتل استراتيجية تكيفية توفّر فوائد إنجابية مهمة بالمعنى التطوري. مما يزيد من الوصول إلى الموارد مثل الأرض أو الطعام أو الزوج. وبالتالي يزيد من فرص عيش الأفراد لفترة كافية للتكاثر ونقل جيناتهم إلى أجيال المستقبل. [6]

ورغم دموية هذا الصراع إلا أنّه لا يمكننا أن ننكر دوره في نشأة الحضارات التي قامت على التوسع والسيطرة على الأراضي والثروات. بالإضافة إلى دور تلك الحضارات التوسعية في نشر الثقافات والاندماج الحضاري. وفي جميع الأحوال يدرك الإنسان المعاصر حجم الخسائر الذي قد تسببه الحروب في أيامنا هذه لذا يجب أن تصبح آخر ما قد يلجأ إليه لحل الصراعات.

المصادر

1- Britannica
2- Owlcation
3- Nationalgeographic
4- Nature
5- sciencedaily
6- sciencedaily

Exit mobile version