ما هو الاتجاه الوظيفي في العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

غيّر التقدّم التقني في أوائل القرن ال20 المجتمع الغربي بسرعة مذهلة، فاستولت الآلات المتمثّلة في السيارات والهواتف وغيرها على مخيّلة الجمهور. ونشأ اتجاه يعرف باسم الاتجاه الوظيفي في عمارة الحداثة. ووصف المعماري لو كوربوزييه المنزل بأنه آلة للعيش فيها. إذ يجب أن يُصمّم المنزل بشكل مثالي مثل مظهر الآلة، كذلك يجب أن تعتمد صناعة البناء على أساليب الإنتاج الضخم للصناعات مثل صناعة السيارات. والتي يمكن بدورها أن تحل مشاكل الإسكان المزمنة في البلدان الصناعيّة، كما تعيد الطبيعة إلى حياة الناس. ويحدث ذلك عن طريق التخلّص من المدن التي وصفوها بالسجون الفوضويّة المظلمة. وبالتالي تخطيط المدن تخطيطًا عقلانيًا ووظيفيًا باستخدام أنواع المساكن الموحّدة التي تقدِّم بديلًا صحّيًا وإنسانيًا. [1] فماذا يقصد بالاتجاه الوظيفي في العمارة وكيف أثّر على عمارة الحداثة؟

ما هو الاتجاه الوظيفي؟

تعدّ « الوظيفية في العمارة- Functionalism architecture » أو المدرسة الوظيفية من أبرز اتجاهات عمارة الحداثة. والاتجاه الوظيفي في العمارة هو المبدأ القائل بأن شكل المبنى يجب أن يتحدّد عن طريق اعتبارات عمليّة مثل الاستخدام، والمواد، والهيكل. ويجب أن يعكس تصميم المبنى الغرض منه ووظيفته. ويمكن التعبير عن الفكرة الرئيسيّة في الوظيفية بشعار “الشكل يتبع الوظيفة” والذي صيغ في ثمانينيات القرن 19 من قبل المعماري الأمريكي «لويس سوليفان- louis sullivan» رائد مدرسة شيكاغو.[2]

تاريخ قديم وتنوع مذهل

لا يمكن اعتبار الوظيفية مفهومًا حديثًا وحصريًا، وبصرف النظر عن حقيقة أنه حتّى أكثر المباني الخياليّة تمتلك من دون أدنى شك اعتبارات وظيفية وأسباب لكي تتنفّذ. ولكن وُجِدَت أوقات في الماضي حينما هيمنت فيها الوظيفية على الوسط المعماري، بينما اختلف الطابع الفني من وقت لآخر. فابتداءً من مساكن كهوف العصر الحجري، واستمرارًا بالتحصينات والقنوات الرومانية، وقلاع القرون الوسطى، والعمارة الصناعية والتجارية في القرن 19. استمرت العلاقة الوثيقة بين الشكل والوظيفة وبذلك يكون الاتجاه الوظيفي قديمًا كقِدَم البناء نفسه.

مع ذلك ترتبط الوظيفية على نحوٍ خاص مع عمارة الحداثة والتي تطوّرت خلال الربع الثاني من القرن ال20. وانتشر الاتجاه الوظيفي ليؤثّر على مجموعة متنوّعة من المدارس المعمارية والمعماريين. إذ أثّر على العمارة العضوية لفرانك لويد رايت، والعقلانية الكلاسيكية لميس فان دير روه، والعمارة التعبيرية لإريك مندلسون، وهندسة لو كوربوزييه وغيرهم أيضًا الكثير. وبذلك يمكنكم تخيل حجم هذا التنوع! [2][3]

ما هي أسباب نشأة الاتجاه الوظيفي في العمارة؟

ظهر حجم الدمار الهائل بعد الحرب العالمية، وبالطبع ظهرت معه الحاجة الملحّة إلى إعادة الإعمار. وأبدى المعماريون استياءهم آنذاك من الإحيائيّة التاريخيّة والعمارة الاصطفائيّة. إذ كانت قد ظهرت تقنيّات وأنواع جديدة للبناء، وتغيّرت معها المُثل الثقافيّة والجماليّة. ونتيجةً لذلك بدأت عمليّة البحث عن فكر حديث في ظلِّ واقع احتوى على القليل من المال والكثير من المشاكل مثل أزمة السكن. لذلك ظهرت الوظيفية في العمارة والتي كان من المفترض أن تكون أكثر هندسية وأقلّ فنية. حيث تمَّ وضع الاهتمام بالأشكال جانبًا بينما أعطوا الأولوية للمسكن الفعّال الذي يستخدم أقلّ قدرٍ ممكنٍ من الموارد سواءً كانت مادّيةً أو ماليةً أو بشريةً مع تحقيق أفضل النتائج المرغوبة. [4]

بم يتميز الاتجاه الوظيفي في العمارة؟

أصرَّ المعماريون على أن عمليّة التصميم تبدأ مع تحليل وظيفة المبنى ومن ثمَّ اختيار أفضل الوسائل التقنيّة لتلبية تلك الوظائف. وأكّد مؤيّدو الاتجاه الوظيفي بأن العمارة الجيّدة تنتج تلقائيًا من خلال تلبية الاحتياجات العملية، ورغم ذلك لا يزال هناك العديد من البدائل التي يجب على المهندس أن يختار من بينها، وهذا الاختيار قد يحدّد الفرق بين الهندسة المعمارية الجيّدة والسيّئة.

وأيضًا تقدّر الوظيفية الكفاءة والجودة العالية للبناء إضافةً إلى التكلفة الماليّة المنخفضة. ونتيجةً لذلك تغيّرت أشكال ومساقط المباني، فانتشرت الأشكال الهندسية والجدران الخرسانية البسيطة، مع إظهار التركيبات الكهربائيّة والعناصر الإنشائيّة. وأعطت الأولويّة للضوء والتهوية الطبيعيّين، واستخدموا أحيانًا المواد مسبقة الصنع. هكذا تحدّد الطابع الجمالي بالاتجاه الوظيفي باعتباره جزءًا من عملية التصميم، أي أنه يظهر وحده عند تلبية الاحتياجات الوظيفية بدلًا من أن يتمّ تركيبه مع عمليّة التصميم. وبصفة عامّة فإن التركيز على الوظيفة في العمارة الحديثة يعني إعادة توحيد العمارة والهندسة. [2][4]

نقاط لو كوربوزييه الخمسة

حدّد المعماري «لو كوربوزييه- le Corbusier» الخصائص 5 التي تُعرّف عمارة الحداثة. وتمثّلت بمباني مثل منزل citrohan و«فيلا سافوي- villa savoye» والتي تعد أبرز أمثلة الاتجاه الوظيفي. وشملت هذه الخصائص:

Villa savoye من تصميم لو كوربوزييه
  1. رفع المبنى على أعمدة وبذلك يتحرّر الطابق الأرضي ليصبح مساحة مغطّاة تُستخدم لحركة الناس والسيارات، وتوضع بها الأدراج والخدمات اللازمة.
  2. تحرير الواجهات ويحدث هذا عن طريق فصل الجدران عن الجملة الإنشائية، أي لا تكون الجدران حمّالة وكذلك تتراجع الأعمدة أحيانًا عن الجدران الخارجية ممّا يعطي حرّيّة أكثر بتحديد شكل وأبعاد فتحات النوافذ.
  3. جدران خارجيّة بسيطة وغير مزخرفة، إضافةً إلى استعمال نوافذ شريطيّة.
  4. مساقط مفتوحة، وتظهر المرونة في التصميم عند استخدام قواطع خفيفة للفصل بين الفراغات.
  5. أسقف مستوية، مع إمكانية تحويل السطح إلى حديقة، فتصبح الحديقة جزءًا أساسيًا من التصميم. [5]
منزل citrohan من تصميم لو كوربوزييه

منزل سيسيل، فريدا، ودييغو في المكسيك

صمّم «خوان أوجورمان- juan o’gorman» ما يعتقد بأنه أوّل مبنىً يعود للوظيفية في أمريكا اللاتينية، وهو منزل لوالده سيسيل ومن ثمّ أضيف إليه منزل لفريدا كاهلو ودييغو ريفيرا.

منازل Cecil, Diego and Frida من تصميم خوان أوجورمان
منازل Cecil, Diego and Frida من تصميم خوان أوجورمان

وركّز أوجورمان على احتياجات المكسيك مع الأخذ بعين الاعتبار الثقافة المحلّيّة، لهذا السبب كان للمنازل ألوان مختلفة نابضة بالحياة. واختار النباتات المحلية للحدائق من أجل أن تنمو من تلقاء نفسها دون الحاجة إلى عناية خاصّة. واستخدم الصبّار ليكون سياجًا عوضًا عن الجدران. ورفع المنزل على الأعمدة ممّا سمح له بتحرير الطابق الأرضي.[4]

مشروع وحدة السكن في مرسيليا، فرنسا

كُلّف لو كوربوزييه بتصميم مشروعٍ سكنيٍّ لعائلات مرسيليا «وحدة السكن- unité d’habitation». ليستوعب تقريبًا 1600 ساكن. واختار لو كوربوزييه الامتداد الشاقولي بدلًا من الأفقي في تصميمه لذلك ارتفع المبنى ليضمَّ 18 طابقًا. وتمثّلت فكرته بتخصيص فراغ سكني خاصّ، ولكن خارج هذا الفراغ صمّم أماكن عامّة مشتركة احتوت على فراغات للتسوّق والأكل والرياضة والاجتماعات. كذلك شَكَّل السطح شرفة لحديقة بها مضمار للجري وروضة أطفال ومسبح ونواد. إضافةً إلى ذلك احتوى المجمّع على محلات تجارية ومرافق طبّيّة وحتّى فندق صغير. فأصبح مبنى وحدة السكن كمدينة داخل مدينة يتمّ تطويرها وفق الاحتياجات المكانيّة والوظيفيّة للسكّان. [6]

وحدة السكن في مرسيليا، فرنسا من تصميم لو كوربوزييه

آلة ولكن

كثيرًا ما تُنتقد الوظيفية في أوروبا بوصفها وكأنها مثل الآلة، خاليةً من الروح، أو أنها ابتعدت عن الفنّ في سبيل تحقيق عدّة احتياجات. ولكن بالرغم من ذلك لا نستطيع إنكار الدور الرئيسي الذي لعبته في حلّ أزمة السكن المنتشرة. وما قدّمته من إلهام إلى مدارس عمارة الحداثة والتخطيط العمراني عمومًا.

المصادر

  1. Le Corbusier – OpenLearn – Open University
  2. Functionalism | architecture | Britannica
  3. MODERNISM (architecture-history.org)
  4. Architecture or Revolution: Frida Kahlo’s Houses and the Functionalist Movement | ArchDaily
  5. Le Corbusier – The first period | Britannica
  6. AD Classics: Unite d’ Habitation / Le Corbusier | ArchDaily

10 صفات للمعلم الناجح، تعرف عليها

هذه المقالة هي الجزء 1 من 18 في سلسلة مقدمة في التدريس للبالغين

لطالما كان رمز المعلم جليًا في المدارس في جميع الحضارات. فهو صورة أفلاطون في ميدان الأجورا، وصورة شيخ العمود في الجامع يلتف حوله تلاميذه، والمُعلم في المدرسة في العالم الحديث. وإذا دققنا في الصورة، سينبثق في عقولنا هذا السؤال: ما الذي يجذب هؤلاء لهذا؟ ما الذي يجبر الطلاب على الالتفاف حول ذلك المعلم دون ذاك؟ الرغبة في الحصول على العلم، بالطبع! وعلى الرغم من بديهية إجابة السؤال، إلا أن الإجابة أعمق من ذلك بكثير. فهي عدة صفات في المُعلم تجذب طالبي العلم، وتجعل آخرين ينفرون منه. وفي هذا المقال نسرد بعض تلك الصفات التي يجب أن يتحلى بها المُعلم في العالم الحديث أو دعونا نقول صفات للمعلم الناجح.

1- خبيرًا

إن لم يكن المُعلم ما يحمله لقبه، فما الفائدة؟ فمن صفات المعلم الناجح أن يكون مُلمًا ليس فقط بما يُقدم، بل بجوانب ما يقدم. فالعلم وحدة واحدة، وكلٌ يصب في الإناء ذاته بشكل أو بآخر. وشرح المعلم لما يقدمه في سياق وفي علاقة اتصاله بما حوله يمنح الطالب منظورًا واسعًا وشاملًا للعالم. ويزيد ذلك من فضول الطالب لاكتشاف العالم من حوله، ويضع قدميه على ثوابت تساعده في رحلته فيما بعد. 

ولا يكفي معرفة المُعلم بمادته، بل عليه أيضًا أن يعرف كيف يوصّل هذه المعلومة في صورة سهلة سلسة بسيطة يشترك في فهمها المُعلم وطالبه. ولكن كيف سيشتركان فيها دون علاقة تميزها الثقة بينهما؟ هذه هي المهارة الثانية.

2- يعرف كيف يبني علاقة بينه وبين الطالب

يُقال إن المعرفة تتبع الأصالة. في بحث نشرته مجلة National Communication Association، Communication Education، يرى الطلاب امتلاك المعلم لأسلوب يميّز تدريسه شيئًا إيجابيًا. ولكن يبقى السؤال، كيف للمُعلم بناء علاقة بأسلوب أصيل ومميز بينه وبين الطلاب[1]. يقول البروفيسور زاك جانسون من جامعة كاليفورنيا والبروفيسور سارة لابيل من جامعة تشابمان في دراستهما أن على المُعلم استغلال الوقت قبل وبعد الفصل الدراسي للتحدث مع طلابه في حوار تشاركي لتبادل الخبرات. لا يكون ذلك بشكل مُفتعل أو باهتمام زائف، بل بالقدر الذي تسمح به شخصية المُعلم، وهذا هو مفهوم الأصالة بعينه.

عند سؤال الطلاب المشاركين في هذه الدراسة عما يعتبروه أصيلًا في شخصية المعلم، صرحوا قائلين أن من صفات المعلم الناجح أن يكون شغوفًا، ومنتبهًا، وخبيرًا، يشاركهم تفاصيلًا من حياته ويمازحهم، ويعترف بأخطائه إن أخطأ. كما يفضل أن يهتم لأمرهم أكاديميًا وعلى المستوى الإنساني كذلك، كأن يراسلهم ليطمئن عليهم إذا علم بمرضهم. ويشير الباحثين أن الطلاب قد تطرقوا لفكرة التفرّد، وهو أن يعاملهم المُعلم كأفراد مستقلين، يرى كل ما يميز كل واحد منهم، وعمومًا، أن ينظر المُعلم للطالب بمنظور أوسع من دوره في الفصل الدراسي.

3- خفة الظل

قد يبدو ذلك غريبًا، ولكن حس الدعابة ظاهرة إنسانية ترتبط بكل مناحي حياة الإنسان، فهي نوع من أنواع التواصل الإنساني يضحك فيه طرف واحد على الأقل. وهذه الظاهرة توضح مستوى شعور الإنسان بالرضا. في بحث أجرته جاليلوفا جاليلوفنا، أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة بخارى في أوزباكستان، ناقشت جاليلوفنا أهمية حس الدعابة في تدريس اللغات وقدرة الطلاب في اكتساب اللغة، وقوة هذه الصفة في بناء بيئة تعلم ودية آمنة ومناخ دراسي لطيف خالي من الخوف والقلق يساعد على تعزيز القدرات الإبداعية عند الطلاب وتحفيزهم .[2] فإذا استخدم المُعلم الفكاهة وبعض من الـ«الميمز» في العرض التقديمي الخاص به، لتذكر الطلاب ما قد شرح. فاستخدام المألوف بين التلاميذ على مواقع التواصل الاجتماعي يعزز التجربة التعليمية. ففي هذه المرحلة سيضيف المُعلم المرح إلى العملية التعليمية، ويلتقي بالطلاب في باحة من الأفكار المشتركة التي يستخدمها في توصيل ما يرغب.

4- لديه مهارات حل المشكلات

طرأت العديد من التقنيات والتطورات على الفصل الدراسي الحديث، لا سيما في عصر ما بعد الكورونا. ووسط كل هذه التطورات ومحاولات تنفيذها تظهر العديد من المشكلات المفاجئة، سواء أكانت تقنية ومتعلقة بوسائط التعلم كمشاكل الطابعة والكومبيوتر وجهاز العرض والإنترنت، أو في التغير الجذري الذي حدث في عقول الطلاب وتصرفاتهم تجاه بعضهم البعض وتجاه معلميهم. وفي كلتا الحالتين، وجميع الحالات، على المُعلم الناجح أن يتحلى بسرعة البديهة ومهارات حل المشكلات. ونحن لا نعني هنا أن عليه أن يعمل بجميع الوظائف وكل ما ليس في اختصاصه، بل نقترح المعرفة بالشيء؛ لأن انتظار من سيصلحه قد يضيع الكثير من الوقت. كذلك من صفات المعلم الناجح أن يكون مرنًا ويضع دائما خطة بديلة؛ إذ قد تتعطل خطته الأصلية بسبب هذه المشكلات. وبما أننا تطرقنا إلى المشكلات التي قد تطرأ في الصف، فإن أول ما يطرأ عقولنا عند ذكره هو إدارة الصف، وهي المهارة التالية.

5- يمتلك مهارات إدارة الصف

تضم إدارة الصف العديد من المهارات والاستراتيجيات تحتها. وأهم ما يميز هذه المهارة أنها تستبعد تمامًا صفات مثل العضلات المفتولة أو الصوت العالي والجهوري أو اللسان السليط وحب السيطرة. إذ إن هذه ليست بالطريقة الفعالة أو المثلى لإدارة الصف. على العكس تمامًا، لأنها تخلق مناخًا مشحونًا ملئ بالقلق والخوف؛ وذلك يثبط من حماس الطلاب وبالتالي يعرقل سريان العملية التعليمية بسهولة. لكنها تتضمن مهارات عقلية ووظيفية أكثر. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، بدلًا من أن تصرخ على الطلاب ليكفوا عن الحديث حينما تتحدث، عليك أن تشاركهم المناقشة. وبدلًا من أن تنادي عليهم بصوت عالي لتجعلهم ينصتون إليك، قد تكون فكرة أفضل أن تسن نغمة ليجتمعوا عليها، مثل تلك التي اجتمع عليها ثلاثي أضواء المسرح. ولتقليل التشاحن بين الطلاب، قد يعزز التواصل ومشاركة الأفكار العلاقة بينهم بدلًا من إعطاء محاضرة تسرد فيها أهمية احترام الآخر. فبالتواصل يصل الطلاب لهذه المحصّلة تلقائيًا، إذ يدركون بعضهم بشكل أفضل وأعمق من أحكامهم المسبقة. [6]

6- متواصل

في ورقة بحثية قدمها دكتور كليمنت، والسيد رولاند رينسيويغ بمركز التطوير الوظيفي، معهد SRM للعلوم والتكنولوجيا، تشيناي، أجرى دكتور كليمنت استبيان عن أهم الصفات التي على المُعلم أن يتحلى بها. وأتت مهارة التواصل الفعال في المرتبة الثالثة بموافقة 44.7% من المشاركين أن على المُعلم أن يتحلى بمهارات التواصل الفعال. وعلى المُعلم أن يكون خبيرًا في التواصل بالأربع مهارات، القراءة، والسمع، والتحدث والكتابة. كما أن عليه اتقان مهارات توصيل المعلومات وتسهيلها بطرق فعالة. وعليه؛ فمن المهم أن يفهم أن طرق الطلاب في استيعاب الأشياء مختلفة مثل اختلاف طرق تعلمهم. فلا تهم المعلومات طالما احتكرها عقل المُعلم وحده عاجزة عن الوصول لعقول طلابه. ولا يعني التواصل فقط بداخل الصف، بل وكذلك طرق التواصل مع الطلاب على المستوى الشخصي، ومعهم ومع ذويهم إن كانوا قصارًا أو أطفالًا، فيفهم وجهات نظرهم، وأوجه اعتراضهم، فيكون قادرًا على شرح المنطق وراء قرارته المتعلقة بالصف.  [6] [4]

7. يتقبل الاختلاف

كقاعدة عامة، لا فرق بين عربي وأعجمي عند المُعلم. فليس هناك مجال لذلك أصلُا. أولًا: في الدراسة، يساعد المُعلم كل الطلاب بشكل سواء. حتى وباختلاف قدراتهم الفردية في التعلم والتحصيل وإن كان الأذكى هو الأسهل والأكثر تفضيلًا لأنه يساعد المعلم في إنجاز درسه. على المعلم أن يتفهم ذلك الاختلاف العقلي كل التفهم؛ فيشجع المتقدم، ويدفع المتأخر، ويقدم المساعدة عن قرب لأولئك الذي تخلفوا عن زملائهم لأسباب دراسية أو نفسية. ثانيُا، على المستوى الشخصي -وكما ذكرنا سابقًا-يعامل المُعلم طلابه كل فرد على حده، كلٌ بميوله وأفكاره واهتماماته وأحلامه. ولا يحق للمعُلم إصدار الأحكام عليهم تحت أي مسمى؛ إذ قد يسبب ذلك اهتزازًا في نفس الطلاب أو رغباته للارتقاء إلى مستوى تقبلك أو تقبل المجتمع لدرجة تنسيهم أنفسهم. فمهمة المعلم الأساسية هي تقديم الإرشاد، والنصح، إن طلب منه ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.

8- ذكي عاطفيًا

يعرّف ماير وسالوفي الذكاء العاطفي بأنه القدرة على إدراك الانفعالات بدقة، وتقويمها والتعبير عنها، والقدرة على فهم الانفعال والمعرفة العاطفية، بما يعزز النمو العاطفي والعقلي للفرد. وقد ربط عبد الناصر غربي في دراسة أجراها بين مستوى الذكاء العاطفي للمعلم والأمن النفسي للطلاب في الصف، إذ إن الأخير نتيجة لحسن استخدام الأول في الصف الدراسي؛ ويضمن التناسب الطردي بين هذين العاملين صف دراسي آمن وفعال ومردود إيجابي في تحصيل الطلاب. [7] [6]

9- مقيّم

إذا ذُكر تحصيل الطلاب، ذكر التقييم والتقويم. فمن صفات المُعلم الناجح أن يكون قادرًا على قياس التقدم ونقاط القوة والضعف لدى طلابه. فقط من خلال تقييم الطلاب بشكل صحيح يمكن للمعلم تقديم المساعدة اللازمة لسد الثغرات في معرفتهم ومساعدتهم على التعلم بشكل أفضل للحاق بأقرانهم. ليس ذلك فقط، بل عليه كذلك أن يتقن عدة طرق للتقييم، ويحوز الذكاء الكافي لإجراء هذا التقييم بما يناسب الطلاب واختلافهم. فقد يفزع البعض من الاختبارات، ويندمج ويستمتع بالمناقشة، على عكس نظيره الذي يعشق إجابة الأسئلة كتابيًا مثلًا. لذا؛ فإن توفير الأداة المناسبة للتقييم عاملًا فعالًا جدًا في الحصول على نتائج دقيقة.

10- مُتعلم

تناولنا فيما سبق صفات المعلم الناجح، ولكن الصفة الوحيدة التي تضمن استمرار هذا النجاح هي استمرار المُعلم في التعلّم. فلا يكف المعلم عن التوسع في مجاله وطرق تدريسه. إذ إن القدرة على التفكير الانعكاسي ونقد ما قد قدمه بحيادية وتقييم نفسه لهي أهم مفاتيح التطور واستمرار النجاح. ففي هذه المرحلة يفكر المُعلم فيما كان فعالًا وما ليكون أكثر فاعلية، فيذكر لنفسه الطرق الأفضل لتدريس النقطة (س) ويبحث عنها، ورد فعل الطلاب في النقطة (ص) ليتجنبه إن كان سلبيًا، أو على النشاط (ع) ويعيده إن كان إيجابيًا ويتجنب أخطاءه في المستقبل. هنا يخلع المعلم رداء الكبرياء ويعترف بأخطائه ليحسنها وليضمن عملية تعليمية أفضل في المستقبل. ويظل المعلم دائما في عملية تعليمية داخليًا وخارجيًا متطورًا ومتطلعًا وباحثًا يعمل ما يقول ويقول ما يعمل ممثلًا في كيانه أكبر قدوة لطلابه.

المصادر

[1] Authentic’ teachers are better at engaging with their students — ScienceDaily
[2] A sense of humor as an essential component of pedagogical optimism
[3] Future Educators
[4] (PDF) Qualities of Effective Teachers: students’ Perspectives (researchgate.net)
[5] What Makes a Successful Teacher? | Northcentral University (ncu.edu)
[6] Skills Needed to Be a Teacher: 25 Helpful Things to Learn (careeraddict.com)
[7] علاقة الذكاء العاطفي للمعلم بالأمن النفسي لتلاميذ الخامسة ابتدائي د/ عبدالناصر غربي (cerist.dz)

كيف يدخل الواقع الافتراضي في العلاج النفسي؟

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تؤثر الاضطرابات النفسية في واحد من كل ثمانية أشخاص في العالم. [1] مما يجعل الاضطرابات النفسية أكثر القضايا أهمية في يومنا هذا. إذ أدى انتشار الحروب وعدم الاستقرار الاقتصادي والتوترات الاجتماعية وحالات العنف العشوائي في جميع أنحاء العالم إلى زيادة الاضطراب النفسي وتأثيره على الكثيرين. فهل يقدم الواقع الافتراضي أملًا جديدًا في علاج الاضطرابات النفسية؟  

ما هو الواقع الافتراضي؟  

قد لا يعَدُّ مفهوم الواقع الافتراضي حديثًا، فقد اعتاد البشر على خلق عوالم مختلفة في مخيلتهم. فجميعنا -ربما- نخفي عوالم كاملة في مخيلاتنا ولكنها غير ملموسة أو مرئية. ولكن ليس هذا ما نعنيه عند التحدث عن الواقع الافتراضي. قد يكون التفكير في ألعاب الكومبيوتر و«الأفاتار – avatar»  (الذي هو تجسيد افتراضي في العوالم الرقمية)، الأقرب لماهية الواقع الافتراضي. حيث لا يختلف كثيرًا عن العوالم التي يمكننا صنعها في خيالنا، لكنه يجعل منها عوالم مرئية وأحيانًا ملموسة. 

فالواقع الافتراضي هو تقنية حاسوبية تحاكي الواقع وتوفر بيئة ثلاثية الأبعاد. تمكًن المستخدم من العيش فيها والتفاعل معها من خلال أدوات كالنظارات وسماعات الرأس والقفازات وبدلات الجسم.  

تاريخ الواقع الافتراضي في العلاج النفسي

لا يعتبر العلاج النفسي باستخدام الواقع الافتراضي تقنية جديدة. إذ بدأ المعالجون النفسيون باستخدامها منذ بداية التسعينيات. وفي عام 1995، قدمت عالمة النفس «باربرا روثباوم – Barbara Rothbaum» وعالم الكومبيوتر «لاري هودجز – Larry Hodges» أول دراسة لاختبار فاعلية علاج الاضطرابات النفسية بالواقع الافتراضي. وقد أجريت الدراسة على شاب في ال19 من العمر كان يعاني من رهاب المرتفعات – الخوف من المرتفعات – وخاصًة المصاعد. أظهرت نتائج الدراسة أن الواقع الافتراضي يمكنه مساعدة المرضى في التغلب على مخاوفهم. حيث استطاع الشاب في النهاية ركوب مصعد زجاجي في أحد الفنادق حيث أقام في الطابق الثامن. [2]

وفي عام 1996، نشر عالما النفس «ألبرت كارلين – Albert Carlin» و«هنتر هوفمان – Hunter Hoffman» دراسة نشِرت في مجلة Behavior Research and Therapy. اختبرت الدراسة فاعلية العلاج بالواقع الافتراضي في رهاب العناكب. وقد أظهرت هذه النتائج أيضا أن الواقع الافتراضي يمكن أن يساعد المرضى في علاج رهاب العناكب. [3] 

بالرغم من أنه تم تصميم الواقع الافتراضي في البداية لعلاج الرُهاب، إلا أنه توسع ليستخدَم في الاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات الطعام والوزن والتوحد وغيرها. فمنذ إجراء الدراسة الأولى منذ ما يقرب 30 عامًا، تم نشر أكثر من 300 دراسة لاختبار استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي. وقد أظهرت نتائج الدراسات أن استخدام الواقع الافتراضي فعّال في اضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة. وهناك أدلة متزايدة فيما يتعلق باضطرابات الطعام والوزن والإدمان. كما تعَد نتائج الدراسات حول استخدام الواقع الافتراضي في الذهان واضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واعدة. [4] 

مجالات استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي

العلاج بالتعرض – Exposure Therapy  

العلاج بالتعرض هو نوع من أنواع العلاج النفسي. يساعد المرضى في التغلب على الأشياء أو الأنشطة أو المواقف التي تسبب الخوف أو القلق لديهم، من خلال دفعهم وتعريضهم بشكل تدريجي لمخاوفهم. عادة يكون العلاج بالتعرض من خلال مواجهة المرضى لمخاوفهم في الحياة الواقعية مع وجود الدعم العاطفي من المعالج. أو إذا كان قلقهم مرتبطًا بذكرى مؤلمة، فعادة ما يعيدون بناء الحدث في مخيلاتهم.

لا يختلف الواقع الافتراضي عن طرق العلاج بالتعرض التقليدية من حيث المبدأ. ويعد وسيلة تحاكي المخاوف والذكريات. وقد أجريت الدراسات على أنواع الرهاب المختلفة مثل رهاب الأماكن المغلقة، ورهاب القيادة، ورهاب المرتفعات، ورهاب الطيران، ورهاب العناكب. 

القلق الاجتماعي

في الآونة الأخيرة، اختبر الباحثون الواقع الافتراضي في مساعدة الأشخاص الذين لديهم مخاوف أكثر تنوعًا، مثل القلق الاجتماعي أو اضطراب الوسواس القهري. اختبر «ستيفن بوشارد – Stéphane Bouchard» وزملاؤه استخدام الواقع الافتراضي في القلق الاجتماعي من خلال وضع المرضى بمواقف اجتماعية افتراضية تدعوهم للتوتر مثل مقابلة عمل.

قام الباحثون بتقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات كالآتي: 17 شخصًا للعلاج بالواقع الافتراضي. و22 آخرين للعلاج بالتعرض التقليدي، الذي يتضمن تمارين مثل التحدث إلى الغرباء في الأماكن العامة. أما المجموعة الثالثة فتم تخصيصها لقائمة الانتظار ولم تحصل على علاج.

عبّر المشاركون في البداية عن درجة قلقهم وتجنبهم للمواقف الاجتماعية من 0 إلى 144، حيث 144 هي أعلى درجة للقلق. وقد تراوحت الدرجات بين 75 و85. بعد 14 جلسة علاج أسبوعية، انخفضت درجات القلق عند المشاركين الذين حصلوا على العلاج بالواقع الافتراضي بمتوسط 33 نقطة. بينما انخفضت عند المشاركين في العلاج التقليدي بمعدل 19 نقطة. بينما بقيت المجموعة الأخيرة على حالها تقريبًا. تشير هذه النتائج التي نشِرت في المجلة البريطانية للطب النفسي في أبريل 2017، إلى أن الواقع الافتراضي فعّال في معالجة القلق الاجتماعي. [5] 

اضطراب ما بعد الصدمة

بينما كرّس عالم النفس «ألبرت ريزو Albert Rizzo» الكثير من حياته المهنية لتطوير الواقع الافتراضي لعلاج قدامى المحاربين الذين يعانون من «اضطراب ما بعد الصدمة – PTSD». في عام 2004، تعاون ريزو مع روثباوم لبناء واقع افتراضي يمثل العراق وأفغانستان. حيث تكون البيئة الافتراضية مليئة بالصحاري والجبال ومدن الشرق الأوسط.

كان الهدف هو محاكاة تجارب قدامى المحاربين في زمن الحرب من أجل مساعدتهم على مواجهة تلك الأحداث الصادمة. يمكن للمعالجين تحسين محتوى هذه السيناريوهات الافتراضية. وذلك عبر التحكم في الوقت واليوم وعدد الأشخاص والأصوات المحيطة، وغير ذلك بما يتجاوز ما يمكن للمرضى استحضاره بدقة في تخيلاتهم أثناء علاج التعرض التقليدي. اختبر فريق ريزو النظام بدراسة أجريت على 162 فردًا عسكريًا. وتم تصنيفهم إما لقائمة انتظار، أو 10 جلسات علاجية تتضمن استخدام الواقع الافتراضي للعراق وأفغانستان، أو 10 جلسات من العلاج التقليدي. بالنسبة للعلاج التقليدي، قام المعالجون بتعريض المشاركين للذكريات المؤلمة في مخيلتهم وساعدوهم على وضع أنفسهم في المواقف اليومية التي يخشونها بسبب صدماتهم، مثل الأماكن العامة المزدحمة. وقد أظهرت النتائج فاعلية الواقع الافتراضي في معالجة اضطراب ما بعد الصدمة. [6] 

اضطرابات الطعام والوزن  

استُخدم الواقع الافتراضي في معالجة عدة أنواع من اضطرابات الطعام والوزن. حيث قدم الواقع الافتراضي على مدار الـ 25 عامًا الماضية حلولًا مبتكرة لمعالجة اضطرابات الطعام والوزن. عن طريق تقليل الرغبة الشديدة في تناول الطعام. وزيادة الرضا والقبول عن صورة الجسم. بالإضافة إلى تحدي مخاوف الأكل والشكل والوزن وممارسة استراتيجيات تناول طعام أكثر فاعلية. وأظهرت نتائج العديد من الدراسات المحكّمة أن الواقع الافتراضي أكثر فعالية في علاج اضطرابات الطعام والوزن من العلاج السلوكي المعرفي الذي يعَدّ الأفضل في هذا المجال. 

قدم مجموعة من الباحثين في «جامعة كنت-University Of Kent» و «جامعة قبرص-University Of Cyprus» دراسة نشِرَت في مجلة (Human–Computer Interaction).  تم فيها دخول كل من المعالجين والمرضى إلى عالم افتراضي بصورة أفاتار. وتم التعارف فيما بينهم من خلال الواقع الافتراضي ولم يتم التعارف بالواقع الحقيقي. وسمِح للمرضى بتصميم الأفاتار الخاص بهم بالطريقة التي يفضلون الظهور فيها من حيث مظهر الجسد وحجمه ولون البشرة ومظهر الشعر ولونه. وقد اعتمدت الدراسة طريقة العلاج بالتعرض للمرآة ولكن باستخدام الواقع الافتراضي.

واجه المرضى الأفاتار الذي قاموا بتصميمه. وتمت عملية التعرض تدريجيًا عن طريق التقليل التدريجي في ملابس الأفاتار حتى تم ترك الأفاتار في الملابس الداخلية فقط. خلال هذه العملية، يطلَب من المريض النظر بعناية في كل جزء من أجزاء الجسم وإجراء التعديلات المناسبة عليه. ويتخلل ذلك وصف مشاعره وأفكاره واهتماماته ومناقشتها مع المعالج. ويتم هذا التدرج بناءً على التسلسل الهرمي للمخاوف التي سجلها المريض في بداية الجلسة. 

أظهرت نتائج الدراسة أن كلًا من المعالجين والمرضى وجدوا أن هذا النوع من العلاج النفسي مفيد. إذ أتاح للمرضى الكشف على نحو مريح أكثر عن المشاعر والأفكار حول شكل الجسم والوزن، وقبول المناقشة حولها.  كما أظهرت نتائج العديد من الدراسات الأخرى أن الواقع الافتراضي تقنية فعَالة في معالجة اضطرابات الطعام. ولكن ما زالت هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لدعم هذه النتائج. [7] 

الواقع الافتراضي في علاج مشكلات الوزن

التوحد 

تم استخدام الواقع الافتراضي في تقييم وعلاج الأطفال المصابين بالتوحد منذ عام 1996. وذلك لتحسين المهارات الاجتماعية والعاطفية والتواصل. حيث استخدِمت عمليات محاكاة اجتماعية تكرر أحداث الحياة الواقعية، كمحاكاة مقهى افتراضي أو حافلة أو طريق عبور. وذلك لتدريب الأطفال المصابين بالتوحد على إدارة سيناريوهات مختلفة.  تشير النتائج المتاحة إلى أن الواقع الافتراضي هو أداة واعدة لتحسين المهارات الاجتماعية والإدراك عند مرضى التوحد. ومع ذلك، لا توضح الدراسات الحالية ما إذا كان المصابون بالتوحد قادرين على تطبيق المهارات المكتسبة من الواقع الافتراضي في الحياة الواقعية. 

تشخيص المرضى  

لا يتوقف الواقع الافتراضي عند كونه وسيلة للعلاج فقط. إنما يساعد أيضًا أثناء تقييم المرضى وتشخيصهم، حيث يسمح الواقع الافتراضي بإجراء تقييم أكثر دقة. على سبيل المثال، عوضا عن محاولة المريض وصف الرُهاب من الأماكن المغلقة يمكن للمعالج أن يقيّم هذا الرهاب باستخدام مواقف افتراضية. 

بالإضافة لذلك، يساعد الواقع الافتراضي في تقييم المرضى من خلال إمكانية الكشف عن معلومات وتفاصيل قد لا يتذكر المريض حدوثها. 

3 مزايا للواقع الافتراضي في العلاج النفسي

  • الشعور حقيقيّ 

تكمن قوة العلاج بالواقع الافتراضي في حقيقة أن الإنسان يتفاعل تلقائيًا مع مسببات الخوف، حتى لو كانت في بيئة يعرف بالأصل أنها ليست حقيقية. وذلك لأن مركز التحكم العاطفي في الدماغ يستجيب للضغوط في أجزاء من الثانية أسرع بكثير مما يمكن أن يبدأه المنطق، ما يجعل ردود الفعل والاستجابات بدورها حقيقية وقابلة للتقييم والقياس. 

  • يمكن أن تكون مواجهة المخاوف أسهل في الواقع الافتراضي.  

على سبيل المثال، يمكن للمريض الذي يعاني من رهاب الطيران أن يقلع ويهبط عدة مرات في جلسة واحدة باستخدام الواقع الافتراضي دون تكلفة ومتاعب تجربة الرحلات الواقعية. كما يمكن للمحاربين القدامى الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة والذين لا يستطيعون تذكر ذكرياتهم المؤلمة بتفاصيل كبيرة، إعادة تمثيل الوقائع في بيئة افتراضية للحصول على تجربة علاجية أكثر فاعلية. 

  • إمكانية التحكم في بيئة الواقع الافتراضي  

يتيح الواقع الافتراضي إمكانية التحكم في إعدادات البيئة الافتراضية. مما يعني القدرة على تخصيص عالم افتراضي اعتمادًا على المريض. وذلك يساعد في معرفة مخاوف المريض بدقة كما يمكن أيضًا التحكم في المشاهد والأصوات والروائح مما يمكّن المعالج من معرفة ما يسبب أعلى مستوى قلق عند المريض. 

مثلًا لاستعادة المريض لذكرى مؤلمة باستخدام الواقع الافتراضي. أولًا يختار المريض المكان كنقطة تفتيش على الطريق أو مستشفى. ويبدأ بسرد الذكرى بصوتٍ عالٍ، بينما يقوم المعالج بإعداد المشهد. فإذا كان المريض يقول: أنا أقود سيارتي على الطريق وقت الظهيرة، يقوم المعالج بضبط الساعة الافتراضية وفقًا لذلك. إذا كان المريض يتذكر صوت قرقعة السيارة، يرفع المعالج صوت السيارة وهكذا. 

عوائق استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي  

  • التكلفة  

حتى وقتٍ قريب، حدّت تكلفة وتعقيدات معدات الواقع الافتراضي، التي قد تصل قيمتها إلى عشرات الآلاف من الدولارات، من استخدام الواقع الافتراضي. واقتصر استخدامه في عدد قليل من العيادات والمختبرات البحثية. أما الآن، ومع تزايد الإقبال نحو استخدام الواقع الافتراضي. توفرت معدات لا تكلف سوى بضع مئات من الدولارات مثل النظارات من شركة Oculus أو نظارات Samsung Gear التي تحول الهواتف الذكية إلى شاشات واقع افتراضي مقابل حوالي 100 دولار. 

  • الاعتبارات الأخلاقية  

تتضمن الاعتبارات الأخلاقية الخصوصية والسرية وملكية البيانات عندما يتضمن جمع المعلومات الشخصية والوصول إليها عبر الإنترنت. وهناك اعتبار آخر وهو الخوف من الخلط بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي. و يعد ذلك مهمًا لحالات خاصة مثل الذهان، حيث يمثل تشويه الواقع تحديًا بالفعل، وذلك لشدة واقعية الواقع الافتراضي.

كما علق البعض على خطورة إتاحة الوصول المستمر إلى الواقع الافتراضي من قبل المرضى. إذ يحتمَل أن يتسبب الأمر في إدمان الهروب من الإزعاج والتوتر في العالم الحقيقي.

  •  المخاطر الصحية  

المرضى الذين يعانون من نوبات هلع أو أمراض القلب أو الصرع، يمكن أن يكونوا معرضين لخطر الإصابة بالضرر النفسي من استخدام الواقع الافتراضي. بالإضافة إلى إجهاد العين والغثيان عند المصابين بدوار الحركة. 

بالنسبة للمرضى الذين يعانون من دوار الحركة، قد ينتهي بهم الأمر بالتقيؤ. كما حدث مع عالمة النفس روثباوم في بداية دراساتها، وما زال إلى الآن دوار الحركة مشكلة تواجه استخدام الواقع الافتراضي. وجدت روثباوم وزملائها حلًا لهذه المشكلة في دراساتهم اللاحقة من خلال إعطاء المرضى استراحة بعد حوالي 40 دقيقة. وكذا تحذيرهم من عدم تحريك رؤوسهم كثيرًا. 

المصادر:

1- Mental disorders (who.int)
2- Virtual reality graded exposure in the treatment of acrophobia: A case report – ScienceDirect
3- Virtual reality and tactile augmentation in the treatment of spider phobia: a case report – ScienceDirect
4- Virtual Reality Therapy in Mental Health | Annual Review of Clinical Psychology (annualreviews.org)
5- Virtual reality compared with in vivo exposure in the treatment of social anxiety disorder: A three-arm randomised controlled trial | The British Journal of Psychiatry | Cambridge Core
6- APA PsycNet
7- Full article: “Now i can see me” designing a multi-user virtual reality remote psychotherapy for body weight and shape concerns (tandfonline.com)
8- Full article: Virtual reality as a clinical tool in mental health research and practice (tandfonline.com)

كيف أدى استنساخ النعجة دوللي إلى فتح أبواب الهندسة الوراثية؟

نجح العلماء في استنساخ «دوللي_Dolly» عام 1997 من خلال عملية نقل نووي من خلية متمايزة من نعجة أخرى. افترض علماء الأحياء -حتى ذلك الحين- أن الخلايا البالغة تفتقر إلى القدرة على النمو لتصبح كائنًا حيًا جديدًا يعمل بكامل طاقته. وعندما تتمايز الخلايا بشكل لا رجعة فيه إلى خلايا جلد أو كبد أو دماغ، فإن العديد من الجينات تتوقف عن العمل بشكل فعال. ومع ذلك، فإن العديد من تلك الجينات المعطلة ضرورية في الواقع لنمو كائن حي جديد. لهذا السبب فشلت تجارب الاستنساخ السابقة مع الحمض النووي من الخلايا المتمايزة. لكن تمكن العلماء الآن من ذلك، عن طريق نقل الحمض النووي البالغ إلى خلية بويضة منزوعة النواة، حيث تحدد بروتينات الأم وجزيئات الإشارة القطبية “الطرف الأمامي” للجنين وتحفز التعبير عن مجموعات أخرى من الجينات في مناطق محددة. بدون هذه البروتينات والجزيئات، لن يبدأ الجنين في النمو، ومن هنا فتح باب جديد في العلم وهو الهندسة الوراثية. [١]

ما هي الهندسة الوراثية؟

الهندسة الوراثية هي عملية قطع ولصق للحمض النووي من مصادر مختلفة إلى داخل الخلية. ويمكن أن تكون هذه الخلايا جزءًا من كائن حي متعدد الخلايا مثل النبات، أو داخل خلية واحدة، مثل البكتيريا.

إمكانات هائلة للهندسة الوراثية في الطب

1. تطوير عقاقير جديدة

 قبل دوللي بفترة طويلة، تمت هندسة العديد من الحيوانات وراثيًا لأغراض طبية مختلفة، إذ صمّمت الأغنام والماعز لتنتج البروتينات البشرية في حليبها، مثل عوامل التخثر لعلاج أمراض الدم مثل الهيموفيليا. وعُدِّلت أجهزة المناعة لدى الخنازير لتشبه تلك الخاصة بالبشر بحيث يمكن زرع أعضائهم في البشر دون رفض مناعي. وغُيِّرت الفئران وراثيًا لتصبح سمينة أو لتطوّر أمراضًا معينة للسماح للعلماء بدراسة الاضطرابات ذات الصلة في البشر.

التجارب على هذه الحيوانات معقدة وتستغرق وقتا طويلاً. عندما تتكاثر بشكل تقليدي، فإن نسبة من النسل تفقد الصفات المرغوبة. وعلى الناحية الأخرى، تحتفظ الحيوانات المستنسخة بصفاتها الخاصة لأجيال عديدة. كما أن اختبار العقاقير على كميات كبيرة من الحيوانات المتطابقة قدر الإمكان يساعد الباحثين على استخلاص إحصائيات أكثر موثوقية.

2. تربية الماشية

 يمكن استنساخ الماشية أو الخيول أيضًا. وقد تحول منتجو لحوم البقر والألبان إلى شركات خاصة مثل Advanced Cell Technology لاستنساخ أفضل سلالات حيواناتهم، ويتوقعون أن ينتج النسل نفس الإنتاج الضخم من لحم البقر والحليب.

3. الحفاظ على التنوع البيولوجي

استخدم العلماء الاستنساخ بالفعل للحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض. حيث استنسخ الغور الآسيوي (Bos gaurus) وهو نوع ضخم من الماشية البرية، عام 2001 باستخدام بقرة منزلية (Bos taurus) كأم بديلة. وولد الجور بصحة جيدة، لكنه مات من الزحار الشائع بعد 48 ساعة فقط.  

4. إنتاج الأنسولين

 الأنسولين هو بروتين ينظم نسبة السكر في الدم ويفرزه الجسم البشري بكميات مناسبة في الأشخاص الأصحاء. ويفتقد الأشخاص المصابون بمرض السكري من النوع الأول لما يكفي من الأنسولين. لذلك يظل سكر الدم مرتفعًا، إلا إذا قاموا بحقن الأنسولين الخارجي بأجسادهم. يمكن أن يؤدي ارتفاع نسبة السكر في الدم إلى تلف أعضائنا، مثل الكلى والجهاز القلبي الوعائي.

 يُصنَع الأنسولين عادة بواسطة خلايا في البنكرياس، ولكن يصعب نمو هذه الخلايا في المختبر. لهذا السبب، قرر العلماء إيجاد طريقة أسهل لصنع الأنسولين. فقطعوا جزيئًا من الحمض النووي المنتج للأنسولين من خلايا البنكرياس وألصقوها في الخلايا البكتيرية. وبالطبع تنمو البكتيريا بسرعة كبيرة في المختبر عند توفير البيئة المناسبة لها. وبذلك أصبحت البكتيريا المعدلة تنتِج الأنسولين، الذي يمكن عزله بسهولة ثم إعطاؤه للمرضى. باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية، وجد العلماء علاجًا مناسبًا لمرض السكري وبتكلفة زهيدة.

5. اللقاحات

تعد اللقاحات إحدى أهم تطبيقات الهندسة الوراثية، حيث تستخدَم تقنية الحمض النووي معاد التركيب في إنتاج اللقاحات ضد الأمراض. وتحتوي اللقاحات على شكلٍ من أشكال الميكروبات المعدية غير القادرة على التسبب بالأمراض، ولكنها تمكن جهازنا المناعي من تكوين أجسامٍ مضادة واقيةٍ ضد الميكروبات المعدية.

يتم تحضير اللقاحات عن طريق عزل المستضد أو البروتين الموجود على سطح الجزيئات الفيروسية. كما ينتَج عدد قليل من اللقاحات عن طريق استنساخ الجينات، كاللقاحات المصنوعة ضد التهاب الكبد الفيروسي، وفيروس الهربس البسيط، ومرض الحمى القلاعية. 

6. الاستنساخ العلاجي 

يستخدم الاستنساخ لأغراض التكاثر والعلاج بنفس الأساليب. لكن يدمر الاستنساخ العلاجي الجنين بعد بضعة أيام من النمو من أجل حصاد الخلايا الجذعية الجنينية. إذ لديها القدرة على النمو كأي نوع من الخلايا في الجسم. على سبيل المثال، يمكن زرع الخلايا الجذعية لتحل محل الأنسجة التالفة في أدمغة المرضى الذين يعانون من أمراض غير قابلة للشفاء مثل مرض باركنسون أو ألزهايمر، أو في كبد الأشخاص الذين يعانون من فشل الكبد. ولكن ما زال هناك جدل حول استخدام الخلايا الجذعية الجنينية في هذه التجارب، لذا تم استبدالها بخلايا أخرى. [٢]

كيف استبدل العلماء الخلايا الجنينية بالخلايا الجذعية المستحثة؟ 

اكتشف الباحثون في السنوات الأخيرة بدائل محتملة للخلايا الجذعية الجنينية. ففي عام 2006، تمكن الباحثون لأول مرة من تحويل خلايا الفئران الجسدية البالغة إلى خلايا جذعية متعددة القدرات، مما يعني أن الخلايا البالغة يمكن أن تتحول إلى أي نوع آخر من الخلايا. كان هذا إنجازًا علميًا عظيمًا بحق! فبعد فترة وجيزة، نجح الأسلوب نفسه مع الخلايا البشرية، مما أدى إلى إنتاج ما يسمى بالخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات (iPS).  وقد صنع الباحثون خلايا iPS عن طريق إدخال أربعة جينات في جينوم الخلايا الجسدية. وترمز هذه الجينات الأربعة لعوامل النسخ وهي المفاتيح التي يمكنها تشغيل أو إيقاف نشاط الجينات الأخرى. ومن المدهش حقًا أن أربعة جينات فقط يمكن أن يؤدوا مثل هذا التغيير الجوهري في أجسادنا.

ما هي مخاطر استخدام الخلايا المستحثة؟

لا تزال هناك مخاطر وتحديات كبيرة، فتوصيل الجينات إلى الخلايا يمثل تحديًا. وقد استخدم العلماء الفيروسات لإدخال الجينات الأربعة، لكن تسبب تلك الفيروسات السرطان في بعض التجارب على الحيوانات. فطُوِّرت طرق أخرى أكثر أمانًا منذ ذلك الحين. وأظهرت تجارب أخرى أنه يمكن استبدال اثنين من الجينات الأربعة بجينات أخرى، ويمكن حذف البعض كذلك.

يمكن أن تؤدي الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات iPS إلى ظهور العديد من أنواع الخلايا المختلفة، ولكنها تختلف عن الخلايا الجذعية الجنينية بشكل كبير، كموقع العلامات فوق الجينية (الإبيجينية) الخاصة بها. من الصعب أيضًا إنتاج حيوانات حية مثل الفئران باستخدام الخلايا الجذعية المستحثة مقارنة بالخلايا الجذعية الجنينية. ويحمل البحث في الخلايا المستحثة آمالا كبيرة للطب التجديدي. ومع ذلك، لن يكون قادرًا -كما يشير بعض العلماء- على استبدال الدراسات على الخلايا الجذعية الجنينية بشكل كامل حتى الآن، فهناك حاجة إلى مزيد من البحث. [٣]

المصادر 

  1. Scientists Made 4 Clones of Dolly The Sheep – Here’s What Happened to Them All : ScienceAlert
  2. genetic engineering – Process and techniques | Britannica
  3. Stem cells: past, present, and future | Stem Cell Research & Therapy | Full Text (biomedcentral.com)

ما هي العمارة التعبيرية Expressionist architecture ؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

نستطيع وصف الحداثة بأنها من أكثر الأساليب تفاؤلًا في التاريخ المعماري نتيجة اعتمادها على الابتكار، وإعادة النظر في كيفيّة عيش الناس وعملهم وتفاعلهم مع بعضهم. ولا تزال فلسفة الحداثة تهيمن حتّى اليوم على الكثير من الأعمال المعمارية، بالرغم من أن العوامل التي تسببت في ظهور الحداثة قد تغيّرت تمامًا. وقد نشأت العمارة التعبيرية كمدرسة من مدارس الحداثة وأثّرت وتأثّرت بالعمران من حولها. فماذا يقصد بالعمارة التعبيرية؟ وبم تتميز؟

ما المقصود بالتعبيرية؟

تعد التعبيرية أسلوبًا فنيًا يسعى فيه الفنان إلى تصوير المشاعر والاستجابات الذاتيّة التي تثيرها الأشياء والأحداث داخل الشخص عوضًا عن تصوير الواقع الموضوعي. وحقّق الفن التعبيري هدفه من خلال التشويه والمبالغة والبدائيّة والخيال. وبدأت الموجة الرئيسية للتعبيرية حوالي عام 1905 عندما شكّلَت مجموعة من الفنانين الألمان جمعية دعوها بالجسر. ووقف هؤلاء الرسامون في ثورة ضدّ ما اعتبروه الطبيعة السطحية للانطباعية والأكاديمية. [2]

وتميّزت «العمارة التعبيرية -expressionist architecture» بأشكالها الحيوية والعضوية والعاطفية التي حدّدت نمطها. واستكشفت العمارة التعبيرية الإمكانيات التقنية الجديدة التي ظهرت بسبب الإنتاج الضخم للصلب والزجاج، وأثارت تجمّعاتٍ ومبانٍ غير عاديةٍ ورؤىً مثالية.[1]

نشأة وأهداف العمارة التعبيرية

أدّى الدمار المادي والبشري الهائل بعد الحرب العالمية الأولى إلى خلق واقع يصعب تحمله، ففي تلك السنوات جمد الواقع وخلا من المشاعر والأحاسيس. ولذلك نشأت العمارة التعبيرية كطريقة للتعامل مع مشاكل أوائل العشرينيات، إذ سعت بشدة إلى البحث عن واقع وحس جديد بالحياة. وشعر المعماريون بضرورة أن يتصرّفوا نيابةً عن المجتمع، واعتقدوا أن تحقيق سعادة الناس سيكون من خلال البناء. فلم يعد التمثيل هو الهدف الرئيسي للفن بل أصبح التعبير عن الذات الروحية الداخلية هو الغاية وأصل التصميم.

قبل كل شيء، رفضت التعبيرية الآلة كأساس للإبداع الفني، وتركوا أيديهم ترسم التصاميم تلقائيًا. وحاولوا أيضًا استبعاد العقل من المشاركة في الرسم، إذ أرادوا تحويل الروح إلى واقع، فلا يشعر المرء داخل مباني العمارة التعبيرية بأنه محاط بالجدران والسقف ولكنه يشعر بوجود غشاء يحيط به، يوجب عليه استخدام حواسه لفهم مكان وجوده. ولذلك كانت عمارتهم مبهجةً للفكرِ، فعن طريق الشعور وجد المعماريون التعبيريون حداثتهم. [3]

بمن تأثرت العمارة التعبيرية؟

نشأت العمارة التعبيرية مع مدارس حداثية مثل مدرسة «الباوهاوس-bauhaus» ولكنها لم تستوح من الخطوط المستقيمة النظيفة لبنية الباوهاوس. بينما فضّلت أعمال معماريين مثل «فرانك لويد رايت-Frank Lloyd Wright » و«أوتو فاغنر-otto wagner» وبالأخص مدرسة «الفن الجديد-art Nouveau» لأنها رفضت أساليب البناء الصناعي وعرضت شوقًا رومانسيًا إلى حدٍ ما في الهياكل الزخرفية الطبيعية. وبشكل عام استلهم المعماريون من الأساليب التي اعتمدت الزخرفة، وأيضًا من عمارة الشرق الأقصى. [1][3]

العمارة التعبيرية في ألمانيا

شكّلت مجموعة من المعماريين حلقةً سحريةً بينهم ضمن العالم الصناعي من حولهم. وتشارك معظم الأعضاء الرغبة بتصميم مبانٍ ذات مقاييس أكبر، من شأنها أن تجمع الفنون معًا. ويمكن القول بأن جوهر المشاريع كان فنيًا وليس معماريًا لأنها لا تهدف في المقام الأول إلى أن تتحقق. ولكي يفهم شخص ما تصميم مبنىً عليه فقط أن يتبع محيط الشكل بعينيه.

استخدم المعماريون الزجاج بكثرةٍ حيث رمز إلى وعي وتصميم أوضح واعتبروه توضيحًا للروح. واعتقدوا بأن الزجاج يمكن أن يكون محفّزًا اجتماعيًا حيث تجبر هذه المادة الشفّافة المستخدمين على التواصل باستمرار مع بيئتهم سواءً كانت الطبيعة أو الجوار المبني. واعتقد البعض بأن الزجاج يشبه العاطفة ويشير إلى مساحة لا نهائية في شكله وهكذا أصبح الزجاج رمزًا للحياة الجديدة. ومن جهةٍ أخرى، استخدم بعض المعماريين الطوب بكثرة كذلك، لأنه يشير إلى الحرفة التقليدية، وفي بعض الأحيان كان أكثر ملاءمةً للمناخ. على سبيل المثال chile house في مدينة هامبورغ 1923 من تصميم فريتز هوغر. يستحضر المبنى صورة سفينة بزواياها الحادة، وبصفة عامة يلمح الشكل إلى العديد من الصور الأخرى مثل الأسماك.

chile house في هامبورغ، ألمانيا 1923

وقد تبدو العديد من التصاميم التعبيرية وكأنها على استعداد للمغادرة وذلك لكي توحي بالتحول والتسامي. وانتشرت أفكار المعماري «هيرمان فينستيرلين- Hermann Finsterlin» الذي كان مفهومه للعمارة بيولوجيًا تقريبًا، فقد اعتبر أن تصاميمه هي كائنات حية طبيعية مجمعة من أشكال أساسية. [3]

برج أينشتاين لإريك مندلسون افتتح عام 1924

يعدّ المعماري الألماني «إريك مندلسون-Erich mendelsohn» من أبرز روّاد العمارة التعبيرية. وقد كُلّف بتصميم برج أينشتاين، فرسم مندلسون العديد من الرسومات في محاولةٍ لخلق بنيةٍ ديناميكيةٍ من شأنها أن توحي بنظريات أينشتاين. وانتهى تصميم المرصد الفلكيِّ على شكل برج مرفوع فوق مصطبة ضمّت المختبرات، وتشير بشكلها إلى موجة. واستخدم مندلسون الزوايا المنحنية إضافةً إلى قبّة تسمح للراصد بمراقبة السماء. وحاول تمثيل الطاقة من خلال كتلة المبنى، فشكل البرج يوحي للبعض بقدرته على الحركة أو القفز إلى الأمام. ويعد المبنى من أشهر مباني العمارة التعبيرية حتّى يومنا هذا.[4]

برج أينشتاين في ألمانيا من تصميم إريك مندلسون.

العمارة التعبيرية في هولندا

اختلفت العمارة التعبيرية الهولندية عن الألمانية، ونُظر إلى التصميم في المقام الأوّل على أنه صراع فردي داخلي من رؤية المهندس المعماري ضد المواد وواقع البناء. وامتازت عمارتها بالتركيز على القوّة في شكل المباني، وصمّمت المباني وفقًا للنمو العضوي في الطبيعة ونتيجةً لذلك أصبحت تشبه النحت. واستخدم المعماريون الطوب والبلاط المشكّل يدويًا بألوان مختلفة وشكّلت مع المداخن والشرفات والأبراج والزخرفة إضافات نحتية. وبهذه الطريقة حوّلوا الأجزاء الوظيفية من المباني إلى جوانب رمزية عبّروا بها عن بهجة الحياة اليومية.

استخدم المعماريون بشكل عام خطوطا بسيطة وحازمة ولكنها مفصّلة في إيقاعات متقطّعة ممّا سمح لهم بعرض العاطفة في تصاميمهم، ومنحت مبانيهم طابعًا فريدًا. وعكست مباني التعبيرية الهولندية الحنين إلى النسيج الاجتماعي في القرون الوسطى. وحاول بعض المعماريين ومنهم بييت كرامر وميشيل د.كليرك تجديد تقاليد الإسكان الجماعي الهولندية القائمة بدلًا من اختراع شيء جديد تمامًا. فاستخدموا المواد التقليدية وأنظمة البناء على حساب المواد والهياكل الصناعية الجديدة. [3]

عقارات إيجين هارد في هولندا 1913-1921

تعتبر عقارات Eigen haard للإسكان من تصميم ميشيل د.كليرك من أشهر مباني التعبيرية الهولندية. واستعمل البلاط والطوب متعدد الألوان لتوفير الانطباعات اللازمة. وتؤكّد الأشكال الأسطوانية على زوايا المباني، واستخدمها للتعبير عن المداخل المشتركة. كما تهدف أشكال الأبراج إلى التعبير عن طبيعة القرية، وبصفة عامة يشير مجمّع البناء بأكمله وتفاصيله إلى بقايا من ثقافات العصور الوسطى الماضية.[3]

عقارات Eigen haard للإسكان في هولندا 1913-1921
عقارات Eigen haard للإسكان في هولندا 1913-1921

كنيسة غروندفيغ في كوبنهاغن، الدنمارك

لم يقتصر وجود العمارة التعبيرية على ألمانيا وهولندا بل انتشرت في العديد من الدول الأخرى مثل النمسا والتشيك والدنمارك. وتشتهر مدينة كوبنهاغن بكنيسة «غروندفيغ-Grundtvig» من تصميم «بيدر جنسن كلينت- peder jensen klint» وأثار جنسن كلينت في تصميمه نوعًا من الرومانسية القومية إذ دمج بين الشكل التقليديّ للكنائس والتقاليد الدنماركية مع التعبيرية. فعكس تصميم الكنيسة بمداخلها وعناصرها الرموز الدينية. كما احترم قوانين البناء لذلك استخدم الطوب الأصفر المصنوع يدويًا، واعتمد كذلك على النسب التقليدية. وتكاد تخلو جدران الكنيسة من أيّ زخرفة، فأصبحت نصبًا تذكاريًا للثقافة الدنماركية والروح التعبيرية.[5]

كنيسة Grundtvig من تصميم peder jensen klint

واقع جديد

أدّى كلٌ من إعادة الاستقرار الجزئيّ في ألمانيا بعد عام 1924، والواقع السياسي الجديد، والواقعية الاجتماعية إلى تسريع تراجع التعبيرية في أواخر العشرينيات. ولكن يمكننا القول بأنه تمّ القضاء على التعبيرية بعد وصول النازيين إلى السلطة وتحديدًا عام 1933. حيث وصفت مجمل الأعمال التعبيرية بأنها منحطّة، ومُنعت من النشر أو العرض أو حتّى العمل بها. وفي نهاية المطاف ذهب العديد من روّاد التعبيرية إلى المنفى في أمريكا وبلدان أخرى.[2]

ختاما، جسّدت العمارة التعبيرية فكرًا معماريًا مختلفًا تمامًا عن حركات الحداثة الأخرى، وأصبحت إحدى المدارس المعمارية المبدعة في فترة العشرينيات فكانت مصدرًا للإحساس والشعور وسط الزخم الصناعيّ والآليّ.

المصادر

  1. archdaily
  2. Britannica
  3. architecture history
  4. archdaily
  5. archdaily
Exit mobile version