ما هي العمارة التعبيرية Expressionist architecture ؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

نستطيع وصف الحداثة بأنها من أكثر الأساليب تفاؤلًا في التاريخ المعماري نتيجة اعتمادها على الابتكار، وإعادة النظر في كيفيّة عيش الناس وعملهم وتفاعلهم مع بعضهم. ولا تزال فلسفة الحداثة تهيمن حتّى اليوم على الكثير من الأعمال المعمارية، بالرغم من أن العوامل التي تسببت في ظهور الحداثة قد تغيّرت تمامًا. وقد نشأت العمارة التعبيرية كمدرسة من مدارس الحداثة وأثّرت وتأثّرت بالعمران من حولها. فماذا يقصد بالعمارة التعبيرية؟ وبم تتميز؟

ما المقصود بالتعبيرية؟

تعد التعبيرية أسلوبًا فنيًا يسعى فيه الفنان إلى تصوير المشاعر والاستجابات الذاتيّة التي تثيرها الأشياء والأحداث داخل الشخص عوضًا عن تصوير الواقع الموضوعي. وحقّق الفن التعبيري هدفه من خلال التشويه والمبالغة والبدائيّة والخيال. وبدأت الموجة الرئيسية للتعبيرية حوالي عام 1905 عندما شكّلَت مجموعة من الفنانين الألمان جمعية دعوها بالجسر. ووقف هؤلاء الرسامون في ثورة ضدّ ما اعتبروه الطبيعة السطحية للانطباعية والأكاديمية. [2]

وتميّزت «العمارة التعبيرية -expressionist architecture» بأشكالها الحيوية والعضوية والعاطفية التي حدّدت نمطها. واستكشفت العمارة التعبيرية الإمكانيات التقنية الجديدة التي ظهرت بسبب الإنتاج الضخم للصلب والزجاج، وأثارت تجمّعاتٍ ومبانٍ غير عاديةٍ ورؤىً مثالية.[1]

نشأة وأهداف العمارة التعبيرية

أدّى الدمار المادي والبشري الهائل بعد الحرب العالمية الأولى إلى خلق واقع يصعب تحمله، ففي تلك السنوات جمد الواقع وخلا من المشاعر والأحاسيس. ولذلك نشأت العمارة التعبيرية كطريقة للتعامل مع مشاكل أوائل العشرينيات، إذ سعت بشدة إلى البحث عن واقع وحس جديد بالحياة. وشعر المعماريون بضرورة أن يتصرّفوا نيابةً عن المجتمع، واعتقدوا أن تحقيق سعادة الناس سيكون من خلال البناء. فلم يعد التمثيل هو الهدف الرئيسي للفن بل أصبح التعبير عن الذات الروحية الداخلية هو الغاية وأصل التصميم.

قبل كل شيء، رفضت التعبيرية الآلة كأساس للإبداع الفني، وتركوا أيديهم ترسم التصاميم تلقائيًا. وحاولوا أيضًا استبعاد العقل من المشاركة في الرسم، إذ أرادوا تحويل الروح إلى واقع، فلا يشعر المرء داخل مباني العمارة التعبيرية بأنه محاط بالجدران والسقف ولكنه يشعر بوجود غشاء يحيط به، يوجب عليه استخدام حواسه لفهم مكان وجوده. ولذلك كانت عمارتهم مبهجةً للفكرِ، فعن طريق الشعور وجد المعماريون التعبيريون حداثتهم. [3]

بمن تأثرت العمارة التعبيرية؟

نشأت العمارة التعبيرية مع مدارس حداثية مثل مدرسة «الباوهاوس-bauhaus» ولكنها لم تستوح من الخطوط المستقيمة النظيفة لبنية الباوهاوس. بينما فضّلت أعمال معماريين مثل «فرانك لويد رايت-Frank Lloyd Wright » و«أوتو فاغنر-otto wagner» وبالأخص مدرسة «الفن الجديد-art Nouveau» لأنها رفضت أساليب البناء الصناعي وعرضت شوقًا رومانسيًا إلى حدٍ ما في الهياكل الزخرفية الطبيعية. وبشكل عام استلهم المعماريون من الأساليب التي اعتمدت الزخرفة، وأيضًا من عمارة الشرق الأقصى. [1][3]

العمارة التعبيرية في ألمانيا

شكّلت مجموعة من المعماريين حلقةً سحريةً بينهم ضمن العالم الصناعي من حولهم. وتشارك معظم الأعضاء الرغبة بتصميم مبانٍ ذات مقاييس أكبر، من شأنها أن تجمع الفنون معًا. ويمكن القول بأن جوهر المشاريع كان فنيًا وليس معماريًا لأنها لا تهدف في المقام الأول إلى أن تتحقق. ولكي يفهم شخص ما تصميم مبنىً عليه فقط أن يتبع محيط الشكل بعينيه.

استخدم المعماريون الزجاج بكثرةٍ حيث رمز إلى وعي وتصميم أوضح واعتبروه توضيحًا للروح. واعتقدوا بأن الزجاج يمكن أن يكون محفّزًا اجتماعيًا حيث تجبر هذه المادة الشفّافة المستخدمين على التواصل باستمرار مع بيئتهم سواءً كانت الطبيعة أو الجوار المبني. واعتقد البعض بأن الزجاج يشبه العاطفة ويشير إلى مساحة لا نهائية في شكله وهكذا أصبح الزجاج رمزًا للحياة الجديدة. ومن جهةٍ أخرى، استخدم بعض المعماريين الطوب بكثرة كذلك، لأنه يشير إلى الحرفة التقليدية، وفي بعض الأحيان كان أكثر ملاءمةً للمناخ. على سبيل المثال chile house في مدينة هامبورغ 1923 من تصميم فريتز هوغر. يستحضر المبنى صورة سفينة بزواياها الحادة، وبصفة عامة يلمح الشكل إلى العديد من الصور الأخرى مثل الأسماك.

chile house في هامبورغ، ألمانيا 1923

وقد تبدو العديد من التصاميم التعبيرية وكأنها على استعداد للمغادرة وذلك لكي توحي بالتحول والتسامي. وانتشرت أفكار المعماري «هيرمان فينستيرلين- Hermann Finsterlin» الذي كان مفهومه للعمارة بيولوجيًا تقريبًا، فقد اعتبر أن تصاميمه هي كائنات حية طبيعية مجمعة من أشكال أساسية. [3]

برج أينشتاين لإريك مندلسون افتتح عام 1924

يعدّ المعماري الألماني «إريك مندلسون-Erich mendelsohn» من أبرز روّاد العمارة التعبيرية. وقد كُلّف بتصميم برج أينشتاين، فرسم مندلسون العديد من الرسومات في محاولةٍ لخلق بنيةٍ ديناميكيةٍ من شأنها أن توحي بنظريات أينشتاين. وانتهى تصميم المرصد الفلكيِّ على شكل برج مرفوع فوق مصطبة ضمّت المختبرات، وتشير بشكلها إلى موجة. واستخدم مندلسون الزوايا المنحنية إضافةً إلى قبّة تسمح للراصد بمراقبة السماء. وحاول تمثيل الطاقة من خلال كتلة المبنى، فشكل البرج يوحي للبعض بقدرته على الحركة أو القفز إلى الأمام. ويعد المبنى من أشهر مباني العمارة التعبيرية حتّى يومنا هذا.[4]

برج أينشتاين في ألمانيا من تصميم إريك مندلسون.

العمارة التعبيرية في هولندا

اختلفت العمارة التعبيرية الهولندية عن الألمانية، ونُظر إلى التصميم في المقام الأوّل على أنه صراع فردي داخلي من رؤية المهندس المعماري ضد المواد وواقع البناء. وامتازت عمارتها بالتركيز على القوّة في شكل المباني، وصمّمت المباني وفقًا للنمو العضوي في الطبيعة ونتيجةً لذلك أصبحت تشبه النحت. واستخدم المعماريون الطوب والبلاط المشكّل يدويًا بألوان مختلفة وشكّلت مع المداخن والشرفات والأبراج والزخرفة إضافات نحتية. وبهذه الطريقة حوّلوا الأجزاء الوظيفية من المباني إلى جوانب رمزية عبّروا بها عن بهجة الحياة اليومية.

استخدم المعماريون بشكل عام خطوطا بسيطة وحازمة ولكنها مفصّلة في إيقاعات متقطّعة ممّا سمح لهم بعرض العاطفة في تصاميمهم، ومنحت مبانيهم طابعًا فريدًا. وعكست مباني التعبيرية الهولندية الحنين إلى النسيج الاجتماعي في القرون الوسطى. وحاول بعض المعماريين ومنهم بييت كرامر وميشيل د.كليرك تجديد تقاليد الإسكان الجماعي الهولندية القائمة بدلًا من اختراع شيء جديد تمامًا. فاستخدموا المواد التقليدية وأنظمة البناء على حساب المواد والهياكل الصناعية الجديدة. [3]

عقارات إيجين هارد في هولندا 1913-1921

تعتبر عقارات Eigen haard للإسكان من تصميم ميشيل د.كليرك من أشهر مباني التعبيرية الهولندية. واستعمل البلاط والطوب متعدد الألوان لتوفير الانطباعات اللازمة. وتؤكّد الأشكال الأسطوانية على زوايا المباني، واستخدمها للتعبير عن المداخل المشتركة. كما تهدف أشكال الأبراج إلى التعبير عن طبيعة القرية، وبصفة عامة يشير مجمّع البناء بأكمله وتفاصيله إلى بقايا من ثقافات العصور الوسطى الماضية.[3]

عقارات Eigen haard للإسكان في هولندا 1913-1921
عقارات Eigen haard للإسكان في هولندا 1913-1921

كنيسة غروندفيغ في كوبنهاغن، الدنمارك

لم يقتصر وجود العمارة التعبيرية على ألمانيا وهولندا بل انتشرت في العديد من الدول الأخرى مثل النمسا والتشيك والدنمارك. وتشتهر مدينة كوبنهاغن بكنيسة «غروندفيغ-Grundtvig» من تصميم «بيدر جنسن كلينت- peder jensen klint» وأثار جنسن كلينت في تصميمه نوعًا من الرومانسية القومية إذ دمج بين الشكل التقليديّ للكنائس والتقاليد الدنماركية مع التعبيرية. فعكس تصميم الكنيسة بمداخلها وعناصرها الرموز الدينية. كما احترم قوانين البناء لذلك استخدم الطوب الأصفر المصنوع يدويًا، واعتمد كذلك على النسب التقليدية. وتكاد تخلو جدران الكنيسة من أيّ زخرفة، فأصبحت نصبًا تذكاريًا للثقافة الدنماركية والروح التعبيرية.[5]

كنيسة Grundtvig من تصميم peder jensen klint

واقع جديد

أدّى كلٌ من إعادة الاستقرار الجزئيّ في ألمانيا بعد عام 1924، والواقع السياسي الجديد، والواقعية الاجتماعية إلى تسريع تراجع التعبيرية في أواخر العشرينيات. ولكن يمكننا القول بأنه تمّ القضاء على التعبيرية بعد وصول النازيين إلى السلطة وتحديدًا عام 1933. حيث وصفت مجمل الأعمال التعبيرية بأنها منحطّة، ومُنعت من النشر أو العرض أو حتّى العمل بها. وفي نهاية المطاف ذهب العديد من روّاد التعبيرية إلى المنفى في أمريكا وبلدان أخرى.[2]

ختاما، جسّدت العمارة التعبيرية فكرًا معماريًا مختلفًا تمامًا عن حركات الحداثة الأخرى، وأصبحت إحدى المدارس المعمارية المبدعة في فترة العشرينيات فكانت مصدرًا للإحساس والشعور وسط الزخم الصناعيّ والآليّ.

المصادر

  1. archdaily
  2. Britannica
  3. architecture history
  4. archdaily
  5. archdaily

كيف أثر دي ستايل de stijl على العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

تربط دائمًا علاقة بين الشكل والمحتوى في التصميم والفن، وبعبارة أخرى قدرة الشكل على تجسيد مفاهيم وأفكار التصميم. ونشأت «دي ستايل-de stijl» كحركة أثّرت في الفنون عمومًا، وتصميم الأثاث، والهندسة المعماريّة. وسلّطت الضوء على الاندماج بين الشكل والمحتوى. وسعت إلى تحقيق التوازن والوئام، بحيث تنطبق أفكارها على الفن والحياة. [1]

نشأة طراز دي ستايل de stijl

نشأ طراز دي ستايل de stijl في هولندا عام 1917 ويحتلّ دورًا مركزيًا في تاريخ الفن والعمارة الحديث. ويعد مزيج من أفكار وأهداف مجموعة صغيرة من الفنّانين والمهندسين المعماريين والمنظّرين الهولنديين. [1]

ويعتبر دي ستايل استجابة لفوضى الحرب العالميّة الأولى. ويعتقد الكثير من الباحثين أنّه وقف ضدّ الفن الزخرفي «أرت ديكو-art deco» الذي هيمن على التصميم الغربي في ذلك الوقت. بينما تأثّر بالفن التكعيبي، ودعا إلى النقاء النسبي للأشكال والفن التجريدي. [2]

ويعتبر الرسّام «بيت موندريان-piet Mondrian» والفنّان «تيو فان دوسبورخ-theo van doesburg» والمعماري «غيريت ريتفيلد-gerrit rietveld» من أبرز روّاد طراز دي ستايل.

كما شارك دوسبورخ أفكار موندريان الصارمة، وأطلقوا مجلّة دوريّة 1917-1932 والتي وضعت نظريّات ومبادئ طراز دي ستايل. [3]

ما هي مبادئ دي ستايل de stijl ؟

عبّر دوسبورخ عن عناصر دي ستيل عندما قال بأنّه لا يوجد شيء أكثر واقعيّة من اللون، والخط، والسطح. [2]

وصاغ موندريان مصطلح Neoplasticism ليعبّر عن رغبته بتحرير وتجريد العمل الفني من التمثيلات الرمزيّة للواقع. وأراد تقديم رؤيته الحقيقيّة للواقع في لوحاته. ومن وجهة نظره، لم يعد عليه أن يعتمد على الطبيعة في البدء باللوحة. وبدلًا من ذلك، يستطيع أن يستخدم القواعد المجرّدة في الهندسة والألوان. واعتبر هذه اللغة الأكثر فعّالية لنقل رسالته الروحيّة.

وتألّفت لوحات موندريان الأولى من مستطيلات بأشكال ناعمة من الألوان الأساسية (الأصفر، والأحمر، والأزرق). والتي رسمها على خلفيّة بيضاء ومن دون استخدام الخطوط. إلّا أنّه أعاد الخطوط لاحقًا إلى لوحاته، وربط مستويات (سطوح) الألوان بعضها ببعض، وبالخلفيّة أيضًا. من خلال سلسلة من الشرائط السوداء العموديّة والأفقيّة.

Composition with Yellow, Blue, and Red لموندريان

وبالتالي، تكوّنت لوحات موندريان التي تنتمي للفن التجريدي من مستطيلات وخطوط مستقيمة تتقاطع في زوايا قائمة، من أجل تشكيل الإيقاع البصري المجرّد الخاص بها. [4]

بم تميّزت عمارة دي ستايل de stijl ؟

صمّم معماريو دي ستايل مبانيهم على أساس المبادئ التي وضعها الفنّانون المؤسسون، وبالتالي استطاعوا تحويل اللوحات إلى تكوينات ثلاثية الأبعاد تعكس أفكارهم. وعمومًا يبدأ المبنى بصندوق، ومن ثمّ يقوم المعماريّون بتجزئته وتقطيعه ليتشكّل التكوين النهائي. وتندمج الأجزاء (الجدران والأرضيّات) لصنع الشكل العام المتكامل للمبنى. وغالبًا ما يتم طلاء بعض الجدران بالألوان الأساسيّة لتتكوّن السطوح المميّزة لدي ستايل. إلّا أنّه تعتبر هذه الأجزاء أقل أهميّة من الكل، أي من الشكل العام النهائي. أمّا بالنسبة للمساقط، فاعتمد المعماريّون على المساقط المفتوحة في تصميمهم. [5]

ومن ضمن معماريي دي ستايل «يعقوب أود-jacobus oud»، والذي تميّزت مبانيه بتناقضات دقيقة لخطوط أفقيّة ورأسيّة. إذ استخدم جدران طويلة مستقيمة تلتفّ أحيانًا في زوايا مستديرة بسلاسة، لتتشكّل وحدات بناء محاطة بحيّز مفتوح. وحقّقت الأشكال المستقيمة والدائريّة المبسّطة توازنًا على الرغم من ترتيبها غير المتماثل. [6]

Gallery house صممه المعماري يعقوب أود في مقاطعة سكنية في شتوتغارت المانيا

المساقط المفتوحة في عمارة دي ستايل de stijl

يزيل معماريو دي ستايل الحدود الفاصلة بين الخارج والداخل عن طريق فتح الجدران. كما يقضون على الحدود المكانيّة في الفراغ الداخلي من خلال تقسيمه باستخدام الجدران (القواطع) المتحرّكة. [5] ممّا يجعل مسقط المبنى مفتوح، فيكسبه صفة المرونة لأنّه يسمح يتحريك الجدران وبالتالي خلق غرف تختلف مساحاتها حسب الحاجة. وبذلك نجحوا في إلغاء الترتيبات الهرميّة للغرف في مخطّطات الطوابق. [2]

مقهى «الموهبة- l’Aubette» في فرنسا

يختفي مقهى الموهبة خلف واجهة باروكيّة تعود إلى القرن الثامن عشر في ستراسبورغ، في فرنسا. ويعدّ تعبير غير متناسق على نحو مذهل من حركة دي ستايل في عشرينيات القرن الماضي. وقد بُني المقهى عام 1767 بتكليف من الحكومة الفرنسيّة لبناء مبنى يعكس أحدث طراز في ذلك الوقت. وأعيد تصميمه داخليًا من قبل دوسبورخ بمساعدة الفنّان «هانز آرب-hans arp» وزوجته «صوفي تايوبير آرب-sophie taeuber arp». وسعى دوسبورخ إلى القيام بأكثر من مجرّد وضع المشاهد أمام لوحة له، بل أراد تطويقه بها.

وعلى الرغم من أن دوسبورخ وهانز وصوفي عملوا ظاهريًا كفريق واحد، ولكن عمليّة تصميمهم الفعليّة كانت مفكّكة على نحو يثير الدهشة. فيلاحظ المشاهد بأنّ الغرف قد صُمّمت من قبل فنانين مختلفين مع القليل من التعاون المنظّم. ممّا سمح لأنماطهم الشخصيّة بتشكيل فراغات المبنى.

ففي حين عكس عمل هانز وصوفي مشاركتهم السابقة في حركة دادا. نفّذ دوسبورخ تصميمه بطريقة مستقيمة متعامدة، وغطّى الجدران بشبكات كبيرة من المستطيلات الملوّنة. وقد ركّز بعمله التصميمي على استخدام اللون كوسيلة لتفعيل الفراغ، ويعتقد أنّ هذا ساعد المشاهدين على تقدير الشكل المجرّد بشكل أفضل. ولكنّه لم يتقيّد بشكل صارم بمبادئ دي ستايل عندما لم يناسبه ذلك. فلذلك كسرها من أجل خلق المزيد من المساحات الديناميكيّة والتعبيريّة. ومن الأمثلة على ذلك قاعة الرقص، حيث تميل مستطيلات دي ستايل بزاوية 45° ممّا يخلق جذبًا بصريًا مع اتجاه الأبواب والنوافذ. [7]

لقطة داخلية في مقهى الموهبة من تصميم تيو فان دوسبورخ

منزل «شرودر-shroder» في هولندا

صمّم المعماري ريتفيلد منزل شرودر في أوترخت، في هولندا عام 1924. وتجعل مرونة التصميم وأشكال الزوايا والخطوط المنزل فريدًا ومميّزًا. إذ يجسّد أفكار دي ستايل عبر تصميم الجدران في الطابق العلوي بحيث تكون قابلة للطي حول درج مركزي. وقد صمّمها كذلك ليزوّد أطفال شرودر بخيار فتح الغرف على بعضها من أجل تشكيل مساحة لعب مفتوحة وكبيرة. بينما يستطيعون إغلاقها ليلًا لتشكيل غرف نومهم الخاصّة.

وحدّدت السيّدة شرودر 3 معايير حول غرف أطفالها، أوّلًا يجب أن يسمح موقع السرير ليكون في موضعين مختلفين من الغرف. وثانيًا ينبغي أن توجد إمكانيّة للوصول إلى الحمّام من كل غرفة خاصّة. وأخيرًا ينبغي أن تحوي كل غرفة على باب يصلها بالهواء الطلق مباشرةً. وكنتيجة لذلك خطّط ريتفيلد هذا النوع من التفاصيل بشكل جيّد ودقيق. واعتمد على النسبة الذهبيّة أو شكل المربّع في تصميم الفراغات. واستخدم الألوان لتمييز المساحات أو الوظائف المختلفة أثناء طي الجدران. واختار اللون الأسود لطلاء الباب الأمامي باعتباره أكثر استخدامًا وبالتالي سيصبح سهل الاتّساخ.

منزل شرودر من الخارج من تصميم ريتفيلد
جزء من منزل شرودر من الداخل.

واعتمد بلاطات من الخرسانة المسلّحة لبناء الهيكل الرئيسي للمنزل مع عوارض من الفولاذ، وصنع الجدران من الطوب ثمّ طلاها. واختار الخشب لتشكيل إطارات النوافذ والأبواب والأرضيّات. وبالإضافة إلى ذلك، فقد صنع مفاصل النوافذ بحيث تُفتح فقط بزاوية 90° إلى الجدار وذلك للحفاظ على معايير تصميمه الصارمة. [8]

ما جعل منزل شرودر رمزًا لحركة دي ستايل هو نهجه الفريد في التصميم وتكوين الفراغات، فقد نجح هذا التكوين الثلاثي الأبعاد في عكس مفاهيم ومبادئ دي ستايل وحقّق أهدافها عبر سعيه للوصول إلى النقاء والتجريد ليس بالفن فقط بل في الحياة ككل أيضًا.

المصادر

  1. Research gate
  2. Arch daily
  3. Britannica
  4. Britannica
  5. Tylor and francis
  6. Britannica
  7. Arch daily
  8. Arch daily
Exit mobile version