ما هو المنزل إذا لم يكن مرتبطًا بالأرض التي بُني عليها والسكّان الذين يشغلونه؟ دمجت العمارة العضوية بين البناء وموقعه العام (الطبيعة) والسكان. بحيث يمكن أن يعملوا معًا لكي تتحسّن وتتطوّر كلُّ واحدةٍ منهم من خلال العلاقة القائمة بينهم. واستخدمت أحيانًا التناقضات والأحجام المتداخلة والألوان الفاتحة والداكنة، وذلك لأخذ صاحب المبنى في رحلة كما لو أنه داخل الطبيعة.
محتويات المقال :
أسهم المعماري القوطيّ «يوجين فيوليه لو دوك-Eugène viollet le-duc » جنبًا إلى جنب مع العديد من منظري القرن الـ19 بدراسة الأشكال العضوية. إذ اقتنع بأن العمارة على عكس الرسم والنحت يجب ألا تقلِّد الطبيعة ببساطة ولكن يجب أن تحاكي قوانينها. ووفقًا للو دوك فإن قوانين الطبيعة تقف في ترابط رياضي وفيزيائي ووظيفي معقّد، بينما الصنع البشريّ يمكن أن يكون ضعيفًا وهزيلًا أمام الطبيعة. وأصرّ على أن موادّ البناء يجب أن تستَخدَم بصدق لكي تعكس البناء العقلاني.
كما أثّر الناقد والمفكّر «جون راسكن-john Ruskin» بقوّة على المعماريين عن طريق مقاله «مصابيح العمارة السبعة». إذ اعتبر أن الجمال يجب أن ينبع من الطبيعة ثمّ يصمّم ليتناسب مع البشر، وأكّد كذلك على أهمّيّة العرض الصادق لموادّ البناء وقوّة الطبيعة.
وبذلك تكون أفكار لو دوك وراسكن قد أثّرت على أجيال بكاملها في أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20. ففي البداية اكتسبت منشوراتهم شعبيةً في أمريكا وبدأت تدخل تدريجيًا في تصميم زخارف محدّدة. ثمّ تجذّرت بالكامل بأعمال معماريين مشاهير.[1] وانتشرت «العمارة العضوية-organic architecture» كأسلوب تعبيري رمزي، وحاولت اقتراح لغة جديدة تتميّز بأشكال مستوحاة عضويًا، والتي أصبحت قابلة للتنفيذ بسبب تطوّر تقنيّات وأساليب الإنشاء.[2]
قدّم رائد مدرسة شيكاغو «لويس سوليفان-louis Sullivan» أوّل تعريف للعمارة العضوية. إذ عرّف مفهوم العضوية في ارتباط مع مفاهيم أخرى مثل الكائن الحي، والهيكل، والوظيفة، والنموّ، والتطوّر، والشكل. واعتبر أنه حتّى يكون العمل عضويًا يجب أن يكون لوظيفة الأجزاء نفس جودة وظيفة الكلّ.[1] على الرغم من ذلك يبقى تلميذه المعماري «فرانك لويد رايت-frank Lloyd Wright» رائد العمارة العضوية. فقد رفض رايت نسخ أشكال الماضي عند التصميم وتأثّر بلو دوك، وعمارة وفن اليابان. وعندما ننظر إلى المفهوم الأساسي للعضوية في عمل رايت من خلال العدسة المعاصرة نستطيع رؤية التصميم المستدام والاستدامة. ربّما لهذا السبب ازدادت أهمّيّة أعماله في وقتنا الحالي.
ركّز رايت على طبيعة الموقع مما استلزم مراقبة التقاليد المحلّيّة، وإنشاء مبنىً من موادّ طبيعيّة فبالنسبة له كان من المهمّ جلب العالم الخارجي إلى المنزل والسماح للمنزل بالخروج. والطبيعة لا تقتصر على السحاب والأشجار والحياة الحيوانية، بل تمتدّ لتشمل طبيعة هذه الأشياء والمبدأ الذي يُشكِّل أو يُعرَف به الشيء. ودعا رايت إلى الإبداع وتصميم التعبيرات الإنسانية من الشكل، على النقيض من الواجهات الجامدة في الاتجاه الوظيفي وعمارة الطراز الدولي، إلا إذا كان وجودها يخدم العمارة الإبداعيّة.[1][3]
يعتبر المعماريّ الاسبانيّ «أنطوني غاودي-Antoni Gaudi» من روّاد عمارة «الفن الجديد-art Nouveau» وقد تأثّر بشدّة بالعمارة القوطيّة، كذلك يعتبره بعض النقّاد من روّاد العمارة العضوية أيضًا. لا شكّ بأنه قد خلق بنية عضوية فريدة من نوعها ومختلفة عن رايت. وقد تبنّى فكرة راسكن بأن “الزخرفة هي أصل العمارة”. وعلى عكس رايت فغاودي لم يدمج بين المبنى وطبيعة موقعه، بدلًا من ذلك استوحى من مبادئ الطبيعة بشكل عامّ في تصميم هيكل المبنى. واستخدمها كذلك للزخرفة، ولم يفضّل رتابة الألوان لأن الطبيعة برأيه لم تظهر نفسها أبدًا أحادية اللون.[1]
يؤكّد أغلبيّة النقّاد على ثلاثة جوانب في عمارة «ألفار آلتو-Alvar Aalto» تميّزها عن أيّ عمل معماري آخر. فقد اهتمّ آلتو بالصفات الإنسانية للبيئة، وأحبّ الطبيعة، وتراثه الفنلندي. على الرغم من تأثّره الشديد بعمارة لو كوربوزييه والاتجاه الوظيفي إلا أن تصاميمه قد ضمّت قضايا تمّ تجاهلها من قبل المعماريين الآخرين في عصره كالفردية في الإسكان الجماعي على سبيل المثال. دمج آلتو عمومًا في فترة الثلاثينيات الوظيفية مع العضوية، وبرز التكامل بين البناء والطبيعة كموضوع رئيسي في أعماله. واهتم أيضًا بالموادّ الطبيعية مثل الخشب والطوب.
ومن أهمّ أعماله «مكتبة بلدية فيبوري-viipuri municipal library» وقد ابتكر آلتو في الجزء الخاصّ بصالة المحاضرات سقفًا خشبيًا متموّجًا من شرائط خشبية والذي عَمل كجهاز صوتي. إضافةً إلى ذلك صمّم الأثاث الخشبيّ الرقائقيّ المنحني بنفسه، ممّا قدّم شعورًا بالألفة مع اللون الأبيض العامّ للمكتبة. [4][5]
كتب رايت بأن معرفة علاقة الشكل والوظيفة لطالما وجدت في جذور عمل المهندس المعماري. وقد صاغ اقتراحات أساسية في التصميم ومنها:
ومن وجهة نظر رايت فالشكل لا يتبع الوظيفة، بل هما واحد.[1]
طرح الفنان «فريدينسريج هاندرتاوس -friedensreich hundertwass» فكرة التعبير عن طريق خطوط حرّة منحنية، فتشكلت آفاق جديدة في العمارة العضوية. وشعر أن المبنى يجب أن يلبّي الحاجة إلى الحماية والمأوى فيكون مثل كهف آمن. وعكس ذلك في تصميمه لمنزل «حلزون الغابة- waldsporale» في دارمشتات، ألمانيا. فمَثَّل الشكل الحلزوني المأوى، ورتّب النوافذ ذات الأحجام والارتفاعات المختلفة في الجدار بطريقة هندسية غير منتظمة ومنظّمة. ذلك لأنها على ما يبدو تخدم الداخل وليس المراقبين في الخارج.[1]
كلّفت عائلة كوفمان المعماري فرانك لويد رايت بتصميم منزلهم في ولاية بنسلفانيا، أمريكا. وتوقّعت العائلة منزلًا مطلًا على شلالهم المفضّل، لكنهم فوجئوا عندما وجدوا منزلهم فوق الشلال مباشرةً. إذ عكس تصميم «منزل الشلال-fallingwater house» رؤية رايت الجريئة. فلم يرغب أن يكون الشلال مجرّد منظر يُشاهد من بعيد، بل أراد أن يجلبه إلى الحياة اليومية للأسرة عن طريق سماعهم الدائم لحركة المياه.
تبدو مصاطب المنزل وكأنها تعوم فوق المياه، إلا أنها في الواقع مثبّتة بالمدخنة الحجريّة المركزية في المنزل باستخدام الأسلاك. اعتقد رايت بأن المدفأة هي المنطقة المحورية لأيّ منزل لذلك يتوسّع المنزل حولها. وأراد أيضًا أن يشعر المرء بالانضغاط عند الدخول، على عكس الإحساس بالتوسّع والانشراح عند الاقتراب من الهواء الطلق. ولذلك تحتلّ الشرفات حوالي نصف المبنى في حين أن المساحات الداخلية صغيرة مع أسقف منخفضة ممّا يخلق الإحساس بالكهف المحميّ وسط المناظر الطبيعية. استخدم رايت التكوينات الصخرية في الموقع كعناصر زخرفية في الداخل، خاصّةً حول المدفأة. ولم يصمّم الأثاث لكي يتناسب مع المنزل فقط، بل جعله غير مريح إلى حدٍّ ما حتّى يشجّع الضيوف على المشي وتقدير الموقع عوضًا عن الاستقرار والاسترخاء.
استمرّت العائلة بالإقامة في المنزل ولكنهم سرعان ما لاحظوا أن الشرفة الرئيسية بدأت بالتدهور. وتبيّن لاحقًا بأن رايت أصرَ على أن يجعل الأساسات رقيقةً قدر الإمكان، كذلك كان تسليح الشرفات قليلًا على الرغم من احتجاج المهندس المنفّذ. دُعمت الشرفات في وقتٍ لاحقٍ بواسطة أسلاكٍ فولاذيةٍ وافتتح المنزل كمتحف عام 1964. [6][7]
يقع متحف «سولومون غاغينهايم-solomon R.Guggenheim» في مدينة نيويورك، وافتتح للجمهور عام 1959. وقد صمّمه فرانك لويد رايت على النقيض تمامًا من شبكة نيويورك الصارمة، إذ يتّخذ المتحف شكل المنحنيات العضوية. واقترح رايت وجود مساحة كبيرة واحدة في الطابق الواحد. فعند الدخول يوجد على الجانب منحدر اصطناعي (رامب) يستمرّ إلى 6 طوابق. فيصعد المنحدر من طابق إلى طابق بمسار دائري، ويختبر الزائر الفن المعروض على طول الجدران أثناء الصعود إلى الأعلى، أو النزول إلى الأسفل عبر المنحدر. بينما فتح رايت الطوابق على بعضها في المركز، ممّا سمح للزوّار بالتفاعل فيما بينهم على مختلف الطوابق والارتفاعات. وينتهي سقف مركز المتحف بقبّة زجاجيّة تسمح بعبور الضوء الطبيعي.
بالرغم من المساحة المهيبة داخل المتحف والفراغ المذهل إلا أنه لم يكن ناجحًا تمامًا من حيث الوظيفة. ذلك لأنه كان من الصعب تثبيت اللوحات بسبب تقعّر الجدران. كذلك جادل بعض النقّاد بأن المبنى نفسه يتنافس مع الأعمال الفنية التي من المقرّر عرضها. في نهاية المطاف أُنشِئ ملحق للمتحف عام 1992، فحلّل المعماريون المكلّفون رسومات رايت الأصليّة وصمّموا برجًا من الحجر الجيري مكوّنًا من 10 طوابق من جدران مسطّحة أكثر ملاءمةً لعرض اللوحات.[2][8]
بشكلٍ عامٍّ تشمل العمارة العضوية التي تطوّرت في القرن الـ20 ثلاثة مفاهيم أساسية:
ومع ذلك فإن الحدود بين هذه المفاهيم ليست واضحة دائمًا، وفي الواقع نادرًا ما يستبعد كلّ منها الآخر. فعادةً ما تتداخل أو تكمل بعضها البعض في الحياة الواقعية.[1] ولا تزال العمارة العضوية تؤثِّر على التصاميم المعمارية حتّى يومنا هذا.
في عالم الكم، لم تعد قواعد الفيزياء الكلاسيكية قابلة للتطبيق. واحدة من أكثر الحالات الرائعة…
أظهرت دراسة جديدة أن المرضى يجدون الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً وتفهماً من الأطباء النفسيين وخبراء…
باتت التجارب الرقمية أكثر عمقًا وانغماسًا مع دمج الحواس البشرية في البيئات الافتراضية. ويأتي نظام…
في اكتشاف رائد، كشف باحثون من جامعة أتينيو دي مانيلا عن أدلة على وجود شكل…
درس العلماء الأسماك الغضروفية الحديثة، مثل أسماك القرش وأسماك الزلاجات. وقارنوها بنظيراتها عديمة الفك، مثل…
تحول دماغ شاب إلى زجاج منذ ما يقرب من 2000 عام، وهي ظاهرة يعتقد العلماء…