بم تتميز العمارة العضوية organic architecture؟

هذه المقالة هي الجزء 9 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

ما هو المنزل إذا لم يكن مرتبطًا بالأرض التي بُني عليها والسكّان الذين يشغلونه؟ دمجت العمارة العضوية بين البناء وموقعه العام (الطبيعة) والسكان. بحيث يمكن أن يعملوا معًا لكي تتحسّن وتتطوّر كلُّ واحدةٍ منهم من خلال العلاقة القائمة بينهم. واستخدمت أحيانًا التناقضات والأحجام المتداخلة والألوان الفاتحة والداكنة، وذلك لأخذ صاحب المبنى في رحلة كما لو أنه داخل الطبيعة.

كيف ظهرت العمارة العضوية؟

أسهم المعماري القوطيّ «يوجين فيوليه لو دوك-Eugène viollet le-duc » جنبًا إلى جنب مع العديد من منظري القرن الـ19 بدراسة الأشكال العضوية. إذ اقتنع بأن العمارة على عكس الرسم والنحت يجب ألا تقلِّد الطبيعة ببساطة ولكن يجب أن تحاكي قوانينها. ووفقًا للو دوك فإن قوانين الطبيعة تقف في ترابط رياضي وفيزيائي ووظيفي معقّد، بينما الصنع البشريّ يمكن أن يكون ضعيفًا وهزيلًا أمام الطبيعة. وأصرّ على أن موادّ البناء يجب أن تستَخدَم بصدق لكي تعكس البناء العقلاني.

كما أثّر الناقد والمفكّر «جون راسكن-john Ruskin» بقوّة على المعماريين عن طريق مقاله «مصابيح العمارة السبعة». إذ اعتبر أن الجمال يجب أن ينبع من الطبيعة ثمّ يصمّم ليتناسب مع البشر، وأكّد كذلك على أهمّيّة العرض الصادق لموادّ البناء وقوّة الطبيعة.

وبذلك تكون أفكار لو دوك وراسكن قد أثّرت على أجيال بكاملها في أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20. ففي البداية اكتسبت منشوراتهم شعبيةً في أمريكا وبدأت تدخل تدريجيًا في تصميم زخارف محدّدة. ثمّ تجذّرت بالكامل بأعمال معماريين مشاهير.[1] وانتشرت «العمارة العضوية-organic architecture» كأسلوب تعبيري رمزي، وحاولت اقتراح لغة جديدة تتميّز بأشكال مستوحاة عضويًا، والتي أصبحت قابلة للتنفيذ بسبب تطوّر تقنيّات وأساليب الإنشاء.[2]

العمارة العضوية من منظور عدة معماريين

فرنك لويد رايت

قدّم رائد مدرسة شيكاغو «لويس سوليفان-louis Sullivan» أوّل تعريف للعمارة العضوية. إذ عرّف مفهوم العضوية في ارتباط مع مفاهيم أخرى مثل الكائن الحي، والهيكل، والوظيفة، والنموّ، والتطوّر، والشكل. واعتبر أنه حتّى يكون العمل عضويًا يجب أن يكون لوظيفة الأجزاء نفس جودة وظيفة الكلّ.[1] على الرغم من ذلك يبقى تلميذه المعماري «فرانك لويد رايت-frank Lloyd Wright» رائد العمارة العضوية. فقد رفض رايت نسخ أشكال الماضي عند التصميم وتأثّر بلو دوك، وعمارة وفن اليابان. وعندما ننظر إلى المفهوم الأساسي للعضوية في عمل رايت من خلال العدسة المعاصرة نستطيع رؤية التصميم المستدام والاستدامة. ربّما لهذا السبب ازدادت أهمّيّة أعماله في وقتنا الحالي.

متحف Solomon Guggenheim في نيويورك من تصميم فرانك لويد رايت

ركّز رايت على طبيعة الموقع مما استلزم مراقبة التقاليد المحلّيّة، وإنشاء مبنىً من موادّ طبيعيّة فبالنسبة له كان من المهمّ جلب العالم الخارجي إلى المنزل والسماح للمنزل بالخروج. والطبيعة لا تقتصر على السحاب والأشجار والحياة الحيوانية، بل تمتدّ لتشمل طبيعة هذه الأشياء والمبدأ الذي يُشكِّل أو يُعرَف به الشيء. ودعا رايت إلى الإبداع وتصميم التعبيرات الإنسانية من الشكل، على النقيض من الواجهات الجامدة في الاتجاه الوظيفي وعمارة الطراز الدولي، إلا إذا كان وجودها يخدم العمارة الإبداعيّة.[1][3]

أنطوني غاودي

يعتبر المعماريّ الاسبانيّ «أنطوني غاودي-Antoni Gaudi» من روّاد عمارة «الفن الجديد-art Nouveau» وقد تأثّر بشدّة بالعمارة القوطيّة، كذلك يعتبره بعض النقّاد من روّاد العمارة العضوية أيضًا. لا شكّ بأنه قد خلق بنية عضوية فريدة من نوعها ومختلفة عن رايت. وقد تبنّى فكرة راسكن بأن “الزخرفة هي أصل العمارة”. وعلى عكس رايت فغاودي لم يدمج بين المبنى وطبيعة موقعه، بدلًا من ذلك استوحى من مبادئ الطبيعة بشكل عامّ في تصميم هيكل المبنى. واستخدمها كذلك للزخرفة، ولم يفضّل رتابة الألوان لأن الطبيعة برأيه لم تظهر نفسها أبدًا أحادية اللون.[1]

ألفار آلتو

يؤكّد أغلبيّة النقّاد على ثلاثة جوانب في عمارة «ألفار آلتو-Alvar Aalto» تميّزها عن أيّ عمل معماري آخر. فقد اهتمّ آلتو بالصفات الإنسانية للبيئة، وأحبّ الطبيعة، وتراثه الفنلندي. على الرغم من تأثّره الشديد بعمارة لو كوربوزييه والاتجاه الوظيفي إلا أن تصاميمه قد ضمّت قضايا تمّ تجاهلها من قبل المعماريين الآخرين في عصره كالفردية في الإسكان الجماعي على سبيل المثال. دمج آلتو عمومًا في فترة الثلاثينيات الوظيفية مع العضوية، وبرز التكامل بين البناء والطبيعة كموضوع رئيسي في أعماله. واهتم أيضًا بالموادّ الطبيعية مثل الخشب والطوب.

ومن أهمّ أعماله «مكتبة بلدية فيبوري-viipuri municipal library» وقد ابتكر آلتو في الجزء الخاصّ بصالة المحاضرات سقفًا خشبيًا متموّجًا من شرائط خشبية والذي عَمل كجهاز صوتي. إضافةً إلى ذلك صمّم الأثاث الخشبيّ الرقائقيّ المنحني بنفسه، ممّا قدّم شعورًا بالألفة مع اللون الأبيض العامّ للمكتبة. [4][5]

صالة المحاضرات في مكتبة فيبوري من تصميم ألفار آلتو

مميزات العمارة العضوية بالنسبة إلى رايت

كتب رايت بأن معرفة علاقة الشكل والوظيفة لطالما وجدت في جذور عمل المهندس المعماري. وقد صاغ اقتراحات أساسية في التصميم ومنها:

  • تقاس القيمة الحقيقية لأيّ عمل من خلال البساطة والراحة. نتيجةً لذلك ظهرت الحاجة إلى تبسيط تصميم الهيكل، والحدّ من الغرف المتميّزة وإعادة التفكير فيها كمساحات مفتوحة.
  • تعامل الفتحات (النوافذ والأبواب) مثل جزء من زخرفة الهيكل، وكذلك المفروشات. بشكل عامّ تستجيب جميعها لشخصيّة الأفراد المستخدمين لها.
  • يجب أن يبدو التصميم كأنه ينمو بسهولة كجزء من موقعه، وأُنشئ من قبل الطبيعة ومن أجلها في ذات الوقت.
  • يجب أن يشتق اللون من الحقول والأخشاب ويكون متناسبًا معها.
  • احترام طبيعة موادّ البناء والتعبير عنها بحرية.
  • تعكس المباني الإحساس بالإخلاص والصدق والحنان والمحبّة والنزاهة.

ومن وجهة نظر رايت فالشكل لا يتبع الوظيفة، بل هما واحد.[1]

خطوط حرة في التصميم

طرح الفنان «فريدينسريج هاندرتاوس -friedensreich hundertwass» فكرة التعبير عن طريق خطوط حرّة منحنية، فتشكلت آفاق جديدة في العمارة العضوية. وشعر أن المبنى يجب أن يلبّي الحاجة إلى الحماية والمأوى فيكون مثل كهف آمن. وعكس ذلك في تصميمه لمنزل «حلزون الغابة- waldsporale» في دارمشتات، ألمانيا. فمَثَّل الشكل الحلزوني المأوى، ورتّب النوافذ ذات الأحجام والارتفاعات المختلفة في الجدار بطريقة هندسية غير منتظمة ومنظّمة. ذلك لأنها على ما يبدو تخدم الداخل وليس المراقبين في الخارج.[1]

منزل waldsporale في دارمشتات، ألمانيا

منزل الشلال كأيقونة للعمارة العضوية 1937

كلّفت عائلة كوفمان المعماري فرانك لويد رايت بتصميم منزلهم في ولاية بنسلفانيا، أمريكا. وتوقّعت العائلة منزلًا مطلًا على شلالهم المفضّل، لكنهم فوجئوا عندما وجدوا منزلهم فوق الشلال مباشرةً. إذ عكس تصميم «منزل الشلال-fallingwater house» رؤية رايت الجريئة. فلم يرغب أن يكون الشلال مجرّد منظر يُشاهد من بعيد، بل أراد أن يجلبه إلى الحياة اليومية للأسرة عن طريق سماعهم الدائم لحركة المياه.

منزل الشلال في بنسلفانيا، أمريكا.

تبدو مصاطب المنزل وكأنها تعوم فوق المياه، إلا أنها في الواقع مثبّتة بالمدخنة الحجريّة المركزية في المنزل باستخدام الأسلاك. اعتقد رايت بأن المدفأة هي المنطقة المحورية لأيّ منزل لذلك يتوسّع المنزل حولها. وأراد أيضًا أن يشعر المرء بالانضغاط عند الدخول، على عكس الإحساس بالتوسّع والانشراح عند الاقتراب من الهواء الطلق. ولذلك تحتلّ الشرفات حوالي نصف المبنى في حين أن المساحات الداخلية صغيرة مع أسقف منخفضة ممّا يخلق الإحساس بالكهف المحميّ وسط المناظر الطبيعية. استخدم رايت التكوينات الصخرية في الموقع كعناصر زخرفية في الداخل، خاصّةً حول المدفأة. ولم يصمّم الأثاث لكي يتناسب مع المنزل فقط، بل جعله غير مريح إلى حدٍّ ما حتّى يشجّع الضيوف على المشي وتقدير الموقع عوضًا عن الاستقرار والاسترخاء.

جزء من التصميم الداخلي لمنزل الشلال في بنسلفانيا، أمريكا.

استمرّت العائلة بالإقامة في المنزل ولكنهم سرعان ما لاحظوا أن الشرفة الرئيسية بدأت بالتدهور. وتبيّن لاحقًا بأن رايت أصرَ على أن يجعل الأساسات رقيقةً قدر الإمكان، كذلك كان تسليح الشرفات قليلًا على الرغم من احتجاج المهندس المنفّذ. دُعمت الشرفات في وقتٍ لاحقٍ بواسطة أسلاكٍ فولاذيةٍ وافتتح المنزل كمتحف عام 1964. [6][7]

متحف سولومون غاغينهايم

يقع متحف «سولومون غاغينهايم-solomon R.Guggenheim» في مدينة نيويورك، وافتتح للجمهور عام 1959. وقد صمّمه فرانك لويد رايت على النقيض تمامًا من شبكة نيويورك الصارمة، إذ يتّخذ المتحف شكل المنحنيات العضوية. واقترح رايت وجود مساحة كبيرة واحدة في الطابق الواحد. فعند الدخول يوجد على الجانب منحدر اصطناعي (رامب) يستمرّ إلى 6 طوابق. فيصعد المنحدر من طابق إلى طابق بمسار دائري، ويختبر الزائر الفن المعروض على طول الجدران أثناء الصعود إلى الأعلى، أو النزول إلى الأسفل عبر المنحدر. بينما فتح رايت الطوابق على بعضها في المركز، ممّا سمح للزوّار بالتفاعل فيما بينهم على مختلف الطوابق والارتفاعات. وينتهي سقف مركز المتحف بقبّة زجاجيّة تسمح بعبور الضوء الطبيعي.

منظور داخلي لمتحف Solomon Guggenheim في نيويورك.

بالرغم من المساحة المهيبة داخل المتحف والفراغ المذهل إلا أنه لم يكن ناجحًا تمامًا من حيث الوظيفة. ذلك لأنه كان من الصعب تثبيت اللوحات بسبب تقعّر الجدران. كذلك جادل بعض النقّاد بأن المبنى نفسه يتنافس مع الأعمال الفنية التي من المقرّر عرضها. في نهاية المطاف أُنشِئ ملحق للمتحف عام 1992، فحلّل المعماريون المكلّفون رسومات رايت الأصليّة وصمّموا برجًا من الحجر الجيري مكوّنًا من 10 طوابق من جدران مسطّحة أكثر ملاءمةً لعرض اللوحات.[2][8]

متحف Solomon Guggenheim في نيويورك من تصميم فرانك لويد رايت.

كيف تطورت مفاهيم العمارة العضوية عبر الزمن؟

بشكلٍ عامٍّ تشمل العمارة العضوية التي تطوّرت في القرن الـ20 ثلاثة مفاهيم أساسية:

  • تعني العمارة العضوية دمج الطبيعة في تصميم المبنى. حيث رأى رايت أنها مزيج من مبنى مع محيطه بينما بحث غاودي عن القوانين الطبيعية التي يمكن إدراجها في تصميم المباني (أوائل القرن الـ20).
  • أصبحت العضوية نمطًا من العمارة القائمة على الأشكال الطبيعية والتي لم تكن مستقيمة، وتعرف من خلال القوانين الرياضية والهندسية التي تنشأ أيضًا من الطبيعة (منتصف ونهاية القرن الـ20).
  • استندت العمارة العضوية على التقليد الحيوي والبحث عن نماذج من الكائنات الحية، وترجمة هذه الأنماط إلى الجوانب التصميمية أو الوظيفية أو التقنية للمبنى (القرن الـ21).

ومع ذلك فإن الحدود بين هذه المفاهيم ليست واضحة دائمًا، وفي الواقع نادرًا ما يستبعد كلّ منها الآخر. فعادةً ما تتداخل أو تكمل بعضها البعض في الحياة الواقعية.[1] ولا تزال العمارة العضوية تؤثِّر على التصاميم المعمارية حتّى يومنا هذا.

المصادر

  1. Research gate
  2. archdaily
  3. frank Lloyd Wright
  4. architecture history
  5. britannica
  6. britannica
  7. the gurdian
  8. arch daily

ما هي العمارة التعبيرية Expressionist architecture ؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

نستطيع وصف الحداثة بأنها من أكثر الأساليب تفاؤلًا في التاريخ المعماري نتيجة اعتمادها على الابتكار، وإعادة النظر في كيفيّة عيش الناس وعملهم وتفاعلهم مع بعضهم. ولا تزال فلسفة الحداثة تهيمن حتّى اليوم على الكثير من الأعمال المعمارية، بالرغم من أن العوامل التي تسببت في ظهور الحداثة قد تغيّرت تمامًا. وقد نشأت العمارة التعبيرية كمدرسة من مدارس الحداثة وأثّرت وتأثّرت بالعمران من حولها. فماذا يقصد بالعمارة التعبيرية؟ وبم تتميز؟

ما المقصود بالتعبيرية؟

تعد التعبيرية أسلوبًا فنيًا يسعى فيه الفنان إلى تصوير المشاعر والاستجابات الذاتيّة التي تثيرها الأشياء والأحداث داخل الشخص عوضًا عن تصوير الواقع الموضوعي. وحقّق الفن التعبيري هدفه من خلال التشويه والمبالغة والبدائيّة والخيال. وبدأت الموجة الرئيسية للتعبيرية حوالي عام 1905 عندما شكّلَت مجموعة من الفنانين الألمان جمعية دعوها بالجسر. ووقف هؤلاء الرسامون في ثورة ضدّ ما اعتبروه الطبيعة السطحية للانطباعية والأكاديمية. [2]

وتميّزت «العمارة التعبيرية -expressionist architecture» بأشكالها الحيوية والعضوية والعاطفية التي حدّدت نمطها. واستكشفت العمارة التعبيرية الإمكانيات التقنية الجديدة التي ظهرت بسبب الإنتاج الضخم للصلب والزجاج، وأثارت تجمّعاتٍ ومبانٍ غير عاديةٍ ورؤىً مثالية.[1]

نشأة وأهداف العمارة التعبيرية

أدّى الدمار المادي والبشري الهائل بعد الحرب العالمية الأولى إلى خلق واقع يصعب تحمله، ففي تلك السنوات جمد الواقع وخلا من المشاعر والأحاسيس. ولذلك نشأت العمارة التعبيرية كطريقة للتعامل مع مشاكل أوائل العشرينيات، إذ سعت بشدة إلى البحث عن واقع وحس جديد بالحياة. وشعر المعماريون بضرورة أن يتصرّفوا نيابةً عن المجتمع، واعتقدوا أن تحقيق سعادة الناس سيكون من خلال البناء. فلم يعد التمثيل هو الهدف الرئيسي للفن بل أصبح التعبير عن الذات الروحية الداخلية هو الغاية وأصل التصميم.

قبل كل شيء، رفضت التعبيرية الآلة كأساس للإبداع الفني، وتركوا أيديهم ترسم التصاميم تلقائيًا. وحاولوا أيضًا استبعاد العقل من المشاركة في الرسم، إذ أرادوا تحويل الروح إلى واقع، فلا يشعر المرء داخل مباني العمارة التعبيرية بأنه محاط بالجدران والسقف ولكنه يشعر بوجود غشاء يحيط به، يوجب عليه استخدام حواسه لفهم مكان وجوده. ولذلك كانت عمارتهم مبهجةً للفكرِ، فعن طريق الشعور وجد المعماريون التعبيريون حداثتهم. [3]

بمن تأثرت العمارة التعبيرية؟

نشأت العمارة التعبيرية مع مدارس حداثية مثل مدرسة «الباوهاوس-bauhaus» ولكنها لم تستوح من الخطوط المستقيمة النظيفة لبنية الباوهاوس. بينما فضّلت أعمال معماريين مثل «فرانك لويد رايت-Frank Lloyd Wright » و«أوتو فاغنر-otto wagner» وبالأخص مدرسة «الفن الجديد-art Nouveau» لأنها رفضت أساليب البناء الصناعي وعرضت شوقًا رومانسيًا إلى حدٍ ما في الهياكل الزخرفية الطبيعية. وبشكل عام استلهم المعماريون من الأساليب التي اعتمدت الزخرفة، وأيضًا من عمارة الشرق الأقصى. [1][3]

العمارة التعبيرية في ألمانيا

شكّلت مجموعة من المعماريين حلقةً سحريةً بينهم ضمن العالم الصناعي من حولهم. وتشارك معظم الأعضاء الرغبة بتصميم مبانٍ ذات مقاييس أكبر، من شأنها أن تجمع الفنون معًا. ويمكن القول بأن جوهر المشاريع كان فنيًا وليس معماريًا لأنها لا تهدف في المقام الأول إلى أن تتحقق. ولكي يفهم شخص ما تصميم مبنىً عليه فقط أن يتبع محيط الشكل بعينيه.

استخدم المعماريون الزجاج بكثرةٍ حيث رمز إلى وعي وتصميم أوضح واعتبروه توضيحًا للروح. واعتقدوا بأن الزجاج يمكن أن يكون محفّزًا اجتماعيًا حيث تجبر هذه المادة الشفّافة المستخدمين على التواصل باستمرار مع بيئتهم سواءً كانت الطبيعة أو الجوار المبني. واعتقد البعض بأن الزجاج يشبه العاطفة ويشير إلى مساحة لا نهائية في شكله وهكذا أصبح الزجاج رمزًا للحياة الجديدة. ومن جهةٍ أخرى، استخدم بعض المعماريين الطوب بكثرة كذلك، لأنه يشير إلى الحرفة التقليدية، وفي بعض الأحيان كان أكثر ملاءمةً للمناخ. على سبيل المثال chile house في مدينة هامبورغ 1923 من تصميم فريتز هوغر. يستحضر المبنى صورة سفينة بزواياها الحادة، وبصفة عامة يلمح الشكل إلى العديد من الصور الأخرى مثل الأسماك.

chile house في هامبورغ، ألمانيا 1923

وقد تبدو العديد من التصاميم التعبيرية وكأنها على استعداد للمغادرة وذلك لكي توحي بالتحول والتسامي. وانتشرت أفكار المعماري «هيرمان فينستيرلين- Hermann Finsterlin» الذي كان مفهومه للعمارة بيولوجيًا تقريبًا، فقد اعتبر أن تصاميمه هي كائنات حية طبيعية مجمعة من أشكال أساسية. [3]

برج أينشتاين لإريك مندلسون افتتح عام 1924

يعدّ المعماري الألماني «إريك مندلسون-Erich mendelsohn» من أبرز روّاد العمارة التعبيرية. وقد كُلّف بتصميم برج أينشتاين، فرسم مندلسون العديد من الرسومات في محاولةٍ لخلق بنيةٍ ديناميكيةٍ من شأنها أن توحي بنظريات أينشتاين. وانتهى تصميم المرصد الفلكيِّ على شكل برج مرفوع فوق مصطبة ضمّت المختبرات، وتشير بشكلها إلى موجة. واستخدم مندلسون الزوايا المنحنية إضافةً إلى قبّة تسمح للراصد بمراقبة السماء. وحاول تمثيل الطاقة من خلال كتلة المبنى، فشكل البرج يوحي للبعض بقدرته على الحركة أو القفز إلى الأمام. ويعد المبنى من أشهر مباني العمارة التعبيرية حتّى يومنا هذا.[4]

برج أينشتاين في ألمانيا من تصميم إريك مندلسون.

العمارة التعبيرية في هولندا

اختلفت العمارة التعبيرية الهولندية عن الألمانية، ونُظر إلى التصميم في المقام الأوّل على أنه صراع فردي داخلي من رؤية المهندس المعماري ضد المواد وواقع البناء. وامتازت عمارتها بالتركيز على القوّة في شكل المباني، وصمّمت المباني وفقًا للنمو العضوي في الطبيعة ونتيجةً لذلك أصبحت تشبه النحت. واستخدم المعماريون الطوب والبلاط المشكّل يدويًا بألوان مختلفة وشكّلت مع المداخن والشرفات والأبراج والزخرفة إضافات نحتية. وبهذه الطريقة حوّلوا الأجزاء الوظيفية من المباني إلى جوانب رمزية عبّروا بها عن بهجة الحياة اليومية.

استخدم المعماريون بشكل عام خطوطا بسيطة وحازمة ولكنها مفصّلة في إيقاعات متقطّعة ممّا سمح لهم بعرض العاطفة في تصاميمهم، ومنحت مبانيهم طابعًا فريدًا. وعكست مباني التعبيرية الهولندية الحنين إلى النسيج الاجتماعي في القرون الوسطى. وحاول بعض المعماريين ومنهم بييت كرامر وميشيل د.كليرك تجديد تقاليد الإسكان الجماعي الهولندية القائمة بدلًا من اختراع شيء جديد تمامًا. فاستخدموا المواد التقليدية وأنظمة البناء على حساب المواد والهياكل الصناعية الجديدة. [3]

عقارات إيجين هارد في هولندا 1913-1921

تعتبر عقارات Eigen haard للإسكان من تصميم ميشيل د.كليرك من أشهر مباني التعبيرية الهولندية. واستعمل البلاط والطوب متعدد الألوان لتوفير الانطباعات اللازمة. وتؤكّد الأشكال الأسطوانية على زوايا المباني، واستخدمها للتعبير عن المداخل المشتركة. كما تهدف أشكال الأبراج إلى التعبير عن طبيعة القرية، وبصفة عامة يشير مجمّع البناء بأكمله وتفاصيله إلى بقايا من ثقافات العصور الوسطى الماضية.[3]

عقارات Eigen haard للإسكان في هولندا 1913-1921
عقارات Eigen haard للإسكان في هولندا 1913-1921

كنيسة غروندفيغ في كوبنهاغن، الدنمارك

لم يقتصر وجود العمارة التعبيرية على ألمانيا وهولندا بل انتشرت في العديد من الدول الأخرى مثل النمسا والتشيك والدنمارك. وتشتهر مدينة كوبنهاغن بكنيسة «غروندفيغ-Grundtvig» من تصميم «بيدر جنسن كلينت- peder jensen klint» وأثار جنسن كلينت في تصميمه نوعًا من الرومانسية القومية إذ دمج بين الشكل التقليديّ للكنائس والتقاليد الدنماركية مع التعبيرية. فعكس تصميم الكنيسة بمداخلها وعناصرها الرموز الدينية. كما احترم قوانين البناء لذلك استخدم الطوب الأصفر المصنوع يدويًا، واعتمد كذلك على النسب التقليدية. وتكاد تخلو جدران الكنيسة من أيّ زخرفة، فأصبحت نصبًا تذكاريًا للثقافة الدنماركية والروح التعبيرية.[5]

كنيسة Grundtvig من تصميم peder jensen klint

واقع جديد

أدّى كلٌ من إعادة الاستقرار الجزئيّ في ألمانيا بعد عام 1924، والواقع السياسي الجديد، والواقعية الاجتماعية إلى تسريع تراجع التعبيرية في أواخر العشرينيات. ولكن يمكننا القول بأنه تمّ القضاء على التعبيرية بعد وصول النازيين إلى السلطة وتحديدًا عام 1933. حيث وصفت مجمل الأعمال التعبيرية بأنها منحطّة، ومُنعت من النشر أو العرض أو حتّى العمل بها. وفي نهاية المطاف ذهب العديد من روّاد التعبيرية إلى المنفى في أمريكا وبلدان أخرى.[2]

ختاما، جسّدت العمارة التعبيرية فكرًا معماريًا مختلفًا تمامًا عن حركات الحداثة الأخرى، وأصبحت إحدى المدارس المعمارية المبدعة في فترة العشرينيات فكانت مصدرًا للإحساس والشعور وسط الزخم الصناعيّ والآليّ.

المصادر

  1. archdaily
  2. Britannica
  3. architecture history
  4. archdaily
  5. archdaily

كيف نشأت العمارة البنائية constructivist architecture وبم تميزت ؟

هذه المقالة هي الجزء 6 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

سعى السوفييت بعد الحرب العالمية الأولى إلى إعادة بناء مجتمعهم بالكامل، بما في ذلك العلاقات الإجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، وأيضًا البنية التحتية للمدن. وأي وسيلة أفضل من الهندسة المعمارية لتحقيق ذلك؟ لذا، ظهرت المدرسة البنائية في العمارة. وغالبًا ما يتم ذكرها بشكل نظري، حيث لم يبنَ مبنيين من مبانيها الأكثر شهرةً على مستوى أكبر من النماذج. فما هي العمارة البنائية constructivist architecture وما أبرز خصائصها؟

نشأة العمارة البنائية constructivist architecture

نشأت العمارة البنائية في أعقاب الثورة الروسية عام 1917. وسعت على مدى 15 عام تقريبًا من وجودها إلى تغيير مفاهيم الفضاء المعماري، وذلك لكي تخلق بيئة جديدة للقيم الاجتماعية الجديدة للمجتمع الروسي. وتستخدم في نفس الوقت العناصر الإنشائية والتكنولوجية المتقدمة. [2]

وتميزت العمارة البنائية بدمج مكونات الثقافة الجديدة، فمثلًا دمجت الرسومات والإعلانات مع مكونات معمارية جديدة مثل هوائيات الراديو وخطوط التوتر والإطارات الخرسانية والعوارض الفولاذية. ونتيجةً لذلك احتلّ معماريو المدرسة البنائية الريادة في صنع أشكال جديدة من البناء، من خلال تجميع وظائف غير ذات صلة مع بعضها. ومن الأمثلة على ذلك قصر العمل 1923، وهو تصميم لم ينفذ على أرض الواقع أبدًا. [2]

بمن تأثرت العمارة البنائية؟

تأثرت العمارة البنائية بعمل فنانين « التكعيبية المستقبلية- cubo-futurism» الذين أملوا وسعوا لاستخدام الفن كمنصة لتحفيز التغييرات في المجتمع.[1] واعتمد المعماريون الروس نظريًا على وظيفة لو كوربوزييه ومدرسة « باوهاوس- bauhause»، ولكنهم فصلوا أنفسهم عنهم في نفس الوقت. [3]

أهداف العمارة البنائية

تبنت العمارة البنائية تجارب سينمائية ومسرحية ومساكن مجتمعية بالإضافة إلى نادي العمال، لكي تساهم في خلق رجل الحياة الشيوعية المتطور والمتعدد الأوجه. وأيضًا هدفت إلى إنشاء مراكز للحياة الإجتماعية. [1] ومجّدت أعمال المعماريين البنائيين المنطق الصارم للشكل غير المزخرف كامتداد للمادة، من أجل تشكيل المجتمع السوفييتي. بينما تتحدد فكرة الجمال لديهم بالقدرة على توليد عمليات إنتاج وممارسات اجتماعية جديدة. [2][3]

انقسام العمارة البنائية إلى فريقين

ارتبطت العمارة البنائية في مرحلتها الأولى بمؤسسة دُعيت VKhUTEMAS كاختصار لورش العمل الفنية والتقنية العليا. وسُميت فيما بعد VKhUTEIN وأغلقت لاحقًا عام 1930. وفيما يخص الاتجاه النظري فتوفر من قبل «معهد الثقافة الفنية- INKhUK»، الذي تأسس أيضًا عام 1920.

وفي أوائل العشرينيات، مر تطور الأفكار في INKhUK بعدّة مراحل. فتأثر بعمل الفنان فاسيلي كاندينسكي، والذي عمل في مجال الفن التجريدي. وعارضه الإنتاجيون المرتبطون بالجهة اليسارية للفنون، والذين توقعوا عصرًا من المهندسين المشرفين على الإنتاج الضخم للأشياء المفيدة غير الفنية. وأدى رد الفعل لكلا الطرفين في عام 1921 إلى تشكيل فريقين. وتشارك الفريقان الاهتمام بالعلاقة بين الهندسة المعمارية والتخطيط الإجتماعي. وأصروا كذلك على كتلة هيكلية محددة بوضوح على أساس أشكال هندسية غير مبهمة.

اكتسبت العمارة البنائية عام 1924 قيادة قوية في أشخاص «ألكسندر فزنين- Alexander vesnin» و«مويسي جينزبورج- moisei ginzburg». وفي الحقيقة لم يكن لدى البنائية حتّى عام 1925 سوى القليل من البناء الفعلي لتظهره. إذ كانت أكثر الأعمال الإنشائية تقدمًا في أوائل العشرينيات من تصميمات خشبية. ولكن بحلول عام 1925 تغير الوضع وتأسس «اتحاد المعماريين المعاصرين- OSA» والذي بدأ في العام التالي بنشر مجلة العمارة المعاصرة. [2]

ما هي الصفات التي تميز العمارة البنائية؟

حُددت عدد من العناصر التي تشكل علامات مرئية يمكن التعرف عليها من نمط العمارة البنائية ومنها:

  • الجدران الناعمة الملساء.
  • استخدام الزجاج الشريطي من أجل فتحات النوافذ.
  • أسقف مسطحة.
  • استخدام زوايا مستديرة.
  • اعتماد التراكيب غير المتماثلة وذلك عن طريق استخدام أحجام متعددة الأشكال.
  • اعتماد تخطيط مفتوح.
  • ينطلق شكل المبنى وواجهاته أولًا من وظيفته.
  • تعتبر البنائية أن فكرة زخرفة الواجهة في حد ذاتها فكرة زائفة وقد عفا عليها الزمن.
مبنى دار العدل من تصميم سيرغي زاخاروف بني عام 1932

وبالرغم من وجود هذه الصفات التي تحدد العمارة البنائية، إلّا أن من المستحيل فهم الأبنية من دون مراعاة واستيعاب الدور الاجتماعي الذي لعبته. [3]

عمارة على ورق

تشتهر البنائية بالعديد من المباني التي لم تنفذ أبدًا، وعلى سبيل المثال برج فلاديمير تاتلين والذي يعرف باسم Monument to the third international. وهو عبارة عن نصب تذكاري لذكرى المؤتمر الاشتراكي العالمي الثالث. وكان من المقرر أن يرتفع هذا البرج بنحو 400 م. ويتكون من إطارين حلزونيين يضمان 4 حجوم هندسية، ألا وهي مكعب، وهرم، وإسطوانة ونصف كرة. ومن المفترض أن يدور كل منها حول محورها بحيث يتم دورة كاملة في فترة زمنية محددة.

النصب التذكاري لذكرى المؤتمر الاشتراكي العالمي الثالث من تصميم فلاديمير تاتلين

وعرض تاتلين عام 1920 نموذج للتصميم في موسكو بارتفاع 5 م. وعرض لاحقًا عام 1925 نموذج آخر بارتفاع 3 م في معرض دولي أقيم في باريس، وهيكله الحلزوني مختلف جذريًا عن النموذج الأول. ورُفض البرج عندما جُلب إلى موسكو من أجل المناقشة وذلك لأنه غير ممكن من الناحية التكنولوجية. ولكن بالرغم من رفض البرج وغيره من المشاريع المصممة على الورق إلا أنهم قدموا إشعارًا بوجود حركات حديثة وعصرية. إذ ارتفع فوق نموذج تاتلين راية كتب عليها “المهندسون يصنعون الأشكال الجديدة”. [3][4]

مدينة يكاترينبورغ

على الرغم من هيمنة عمارة النماذج الورقية في تاريخ البنائية إلّا أنه يوجد مدينة واحدة شهدت ثمار هذه الحركة إلى درجة لا مثيل لها، وهي مدينة «يكاترينبورغ-yekaterinburg». وتعد رابع أكبر مدينة في روسيا، كما أنها أكبر تجمع للعمارة البنائية من أي مكان آخر في العالم مع ما يقارب 140 مبنى. [1]

وكانت مدينة يكاترينبورغ سابقًا مدينة خشبية تتكون مبانيها من طابق واحد في أغلب الأحيان. ولكن تحولت لاحقًا إلى مركز إقليمي وذلك مع تطوير شامل للبنية التحتية. فسعَت الخطة الجديدة إلى تنظيم الحياة بأكملها والمساهمة في تدفق الطاقة الاجتماعية لحل مهام الإنتاج، وليس فقط لتحرير العمال ولكن أيضًا بهدف المساعدة في تشكيل الشخصية الجديدة للمواطنين في المجتمع الشيوعي. [3] لذلك نفذت البنائية مبانٍ تكونت من 4 و5 طوابق ذات أشكال هندسية واضحة. واستخدموا أحيانًا زوايا حادة إضافةً إلى النوافذ الشريطية مع الحد الأدنى من الزخارف.[1]

رفض أولي وشعبية متأخرة

بالرغم من انتشار موجة الحماس الأولية بين المعماريين الروس إلّا أنه سرعان ما استنكر الزعيم الروسي الحركة. وبسبب المعارضة التي جاءت في وقت مبكر بدا وكأن العمارة البنائية ستفشل. ولكن استمر أشد أنصار الحركة تطرفًا بالعمل بها، وبالتالي استمرت الحركة وازدهرت في العقد التالي.[1]

اعتمد التصميم المعماري السوفييتي خلال الثلاثينيات بشكل متزايد على النهج التاريخية في تصميم الهياكل المعمارية. فعلى سبيل المثال، تم استخدام أشكال مختلفة مستمدّة من الكلاسيكية الجديدة. وفي الستينيات، بدأت الاهتمام بمفاهيم وأفكار العمارة البنائية بالانتعاش على الرغم من تجاهل هذا الإرث لفترة طويلة من الزمن. [2] وبصفة عامة يمكن تحديد الممارسات التي سعَت إلى زيادة الاهتمام بالحركة البنائية، وهي:

  • الدراسة المعمارية، وخاصةً دراسة الحلول التصميمية المعتمدة.
  • ممارسات تفاعلية مثل تخصيص حافلة لمشاهدة المعالم السياحية، وصنع أفلام وثائقية وشعبية تُعرّف بالبنائية وغيرها الكثير.
  • تنظيم معارض تُعرّف بتراث المدينة.
  • ممارسات التنشيط التي تدعو المواطنين لدخول معالم العمارة البنائية المهجورة.[3]

دراسة مشروع معماري كتجربة اجتماعية

مجمع بلدة تشيكيست chekist عام 1929-1936

بني مجمّع في مدينة يكاترينبورغ وعرف بين عامة الناس باسم بلدة تشيكيست، وشمل المشروع مباني سكنية وعامة بما في ذلك مراكز ثقافية ومرافق صحية وتعليمية. وسعى المصممون للتخلص من عدم المساواة في توزيع المساحات المعيشية ورفضوا النظام الأسري السابق. ومن اللافت للنظر عدم وجود مطابخ في شقق المجمع السكني بسبب أن وظيفة الطهي كان من المفترض أن تكون وظيفة اجتماعية. وبالتالي لزم على سكان المجمّع أن يأكلوا في المقصف، مع توفير موقد صغير للغاز في ممر هذه الشقق لتسخين بعض الطعام عند الحاجة. وخلت الشقق كذلك من الحمامات، لِحَّث السكان على الاغتسال في الحمامات العامة. وبعد دراسة تجربة الحياة في المجمّع تبين أن الفكرة الاجتماعية لم تترسخ. ففضل الناس الطبخ والاستحمام في منازلهم ولذلك احتاجوا لإعادة ترتيب المساحات من أجل تخصيص ركن للمطبخ.

واحتوت البلدة أيضًا على متحف، كان قد ضمَّ في وقت من الأوقات دار للثقافة ومقهى عام. ويمكن لسكان الحي الوصول إلى المقهى مباشرةً من منازلهم عبر ممر خاص وسلالم حلزونية.

مهجع uralblsovnarkhoz عام 1930-1933

صمم المعماري جينزبورج مساكن في مدينة يكاترينبورغ، واحتوى أحد المباني على حل مدهش وتصميم فريد للشقق. إذ يحتوي المبنى 1 على ردهتين فقط في كامل الطابق 3 و6، وتوفر الردهة الوصول إلى كل خلية (مسكن) من النوع F في طابقين. وعلى الرغم من وجود بعض العيوب ولكن للتصميم حل مميز. فالتصميم متعدد المستويات وتميز بوجود نوافذ كبيرة وأسقف عالية في غرف المعيشة من جهة، وأسقف منخفضة ونوافذ أصغر في غرف النوم من جهة أخرى. وذلك أتاح زيادة مساحة الأرضية مّما أعطى خلايا سكنية أوسع.

في البداية، صمم جينزبورج مطبخ وحمام لكل خلية. ولكن قررت الإدارة المحلية أثناء مناقشة المشروع وضع مطبخ وحمام في نهاية كل ردهة جاعلةً منها عناصر عامة. وبالطبع أصبحت النتيجة النهائية لهذا القرار هي التحول التدريجي من مهاجع إلى مكاتب، إذ أصبحت مخصصة لأعضاء نقابة الرسامين. [3][5]

فندق Iset

يعد فندق Iset مبنى مشهور من نمط العمارة البنائية. ويتخذ الفندق شكل حدوة الحصان، حيث وضع الممر على الجانب المقعر من المسقط. وقد تراجعت أهمية الفندق نتيجة ظهور ناطحات السحاب والفنادق الجديدة. ومن ثم بدأ العمل الفني المسمى همس الضوء بإعادة أهمية الفندق من خلال تغطية النوافذ المطلّة على الفناء الداخلي بغشاء ملون رقيق. وعند إضاءة المبنى في المساء تظهر النوافذ مضاءة بألوان مختلفة مّما أدى إلى جذب انتباه الجمهور. لذلك جاء العديد من الناس خصيصًا لالتقاط صور للفندق.[3]

الواجهة الأمامية لفندق Iset في مدينة يكاترينبورغ
الواجهة الخلفية لفندق Iset بعد مشروع العمل الفني همس الضوء

تبين لنا العمارة البنائية في النهاية أنه لا تكفي دراسة المخططات المعمارية لكي نفهم نمط معماري معين بل يجب علينا عيش التجربة الاجتماعية التي يقدمها.

المصادر

  1. archdaily
  2. architecture history
  3. Research gate
  4. tate
  5. archdaily

ما هو الطراز الدولي international style في العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 10 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

هل زرت يومًا ما مدينة في بلدك غير مدينتك، أو ربما في بلد آخر، وتساءلت إلى أي حد تشبه مدينتك؟ ماذا لو كانت الأبنية جميعها متشابهة في الطراز، ولا تعرف حدودًا اجتماعية، أو إقليمية، أو دينية، أو حتّى سياسية. فهل ستكون مميّزة أم ستخلق مشهدًا مملًا رتيبًا؟ حسنًا هذا ما دعا إليه معماريو الطراز الدولي. فماذا يقصد بالطراز الدولي في العمارة، وكيف نشأ؟

ما هو الطراز الدولي؟

استُخدم مصطلح « الطراز الدولي – international style » لأوّل مرّة عام 1932. وذلك لوصف المعماريين الذين ارتبطوا بحركة الحداثة، والذين تشاركت تصاميمهم ذات الصفات البصرية. وعقِد معرض MoMA في نيويورك عام 1932، ويعتبر أوّل معرض معماري ضمّ المهندسين المعماريين المرتبطين بحركة الحداثة. وقد صيغ مصطلح الطراز الدولي من قبل المعماري فيليب جونسون وهنري راسل هيتشكوك في مقالتهما، والتي كانت بمثابة نشرة للمعرض. وبصفة عامة ينظر إلى الطراز الدولي على أنّه يحوِّل بمفرده أفق كل مدينة رئيسيّة في العالم إلى أشكال مكعّبة بسيطة. [1]

العوامل التي أدَّت إلى نشوء الطراز الدولي

نشأ الطراز الدولي بسبب 3 ظواهر أساسيّة واجهت المعماريين في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، ألا وهي:

  • تزايد عدم رضى المعماريين على الاتجاه المعماري المنتشر في تلك الفترة. إذ استمرَّ استخدام مزيج من العناصر الزخرفية التي تعود إلى فترات وأنماط معمارية مختلفة، لكي يتشكّل منها مبانٍ جديدة. و يدعى هذا ب: «الانتقائية في العمارة- eclecticism in architecture» ولم يظهر هذا الاتجاه علاقة مباشرة بين شكل المبنى ووظيفته. فأدّت هذه الأسباب إلى رفض المعماريين إحياء الأساليب التاريخية، وبدلًا من ذلك، دعوا للعودة إلى أساس العمارة؛ الشكل والهيكل والتناسب.
  • جميعنا نعرف ما تخلّفه الحروب من تشرّد، وأزمات اقتصادية، ودمار. وبالطبع تطلّبت الحياة بعد الحرب العالميّة حلولًا جديدة في العمارة، لاسيما بعد توجّه العالم نحو الكثير من إعادة الإعمار وإعادة التأهيل. إذ احتاجت الدول إلى مبانٍ اقتصادية منخفضة التكاليف، وتخدم مجتمعا سريع التصنيع.
  • شكّلت التكنولوجيا عاملًا حاسمًا، خاصّةً نتيجة توفّر الحديد والفولاذ المنتج بكمّيات كبيرة ورخيصة الثمن. فبدأ المهندسون بدمج هذه المواد في الأبنية، فارتفعت أوّل ناطحة سحاب في ذلك الوقت والتي تعود لمدرسة شيكاغو.

لذلك أدّت هذه الظواهر إلى البحث عن عمارة صادقة، واقتصادية، ونفعيّة من شأنها تلبية احتياجات البناء الجديدة من جهة. بالإضافة لجاذبية المنظر من جهة أخرى.[2][3]

بمن تأثّر الطراز الدولي؟

نما الطراز الدولي نتيجة عمل مجموعة صغيرة من المعماريين في العشرينيات، الذين واصلوا تحقيق تأثير كبير في مجالهم. وتعتبر مدرسة «باوهاوس-Bauhaus» الألمانية من أكبر المؤثّرين على نشوء الطراز الدولي. خاصة بسبب أعمال مديرها «فالتر غروبيوس-walter gropius»، الذي اشتهر بالجدران الستائرية. ويقصد بها الغلاف الخارجي للمبنى الذي تكون جدرانه الخارجية غير إنشائية، ويمكن صنعها من مواد خفيفة الوزن كالزجاج مثلًا. والمعماري «ميس فان دير روه- Mies van der rohe ». وكذلك المعماري الهولندي «يعقوب أود- jacobus oud» الذي جلب المزيد من الأشكال الدائرية إلى الطراز. بالإضافة للمعماري «لو كوربوزييه-le corbusier» الذي أضاف مفهوم النسبة المعيارية من أجل الحفاظ على مقياس إنساني في عمله. وغيرهم من معماريي الحداثة الذين ساهموا في نشر مبادئ الطراز الدولي. والذي شكّل بدوره أساس المفردات المعمارية لناطحات السحاب في أمريكا خلال فترة الخمسينيات والستينيات. [2]

مبادئ الطراز الدولي

رأى فيليب جونسون أن هذه الاتجاهات التي تبنّاها المعماريون في جميع أنحاء العالم من شأنها أن تؤدي إلى عمارة حديثة، وخالية من المواد المحليّة والعناصر الشخصيّة والإقليمية. ورأى آخرون أن الطراز الدولي قد أعلن استقلاله عن المتطلّبات الفريدة للثقافة، والمناخ، والمكان والزمان أيضًا. [3]

وعمومًا اعتمد الطراز الدولي عدّة مبادئ أساسيّة. فقد ركّز على الحجم بدلًا من الكتلة، أي على التعامل مع الحيّز والمستويات التي يشغلها المبنى. وأكّد على الانتظام، حيث يعكس الشكل البصري للمبنى الإيقاع المنتظم للنظام الإنشائي. إضافةً إلى ذلك استخدم المعماريون مواد أنيقة تحقّق نسبا جميلة بدلًا من اعتماد الزخرفة المنتشرة. وغالبًا ما ارتبطت المرونة مع هذه المبادئ، ولاسيّما مرونة المخطّطات. [3][4]

بماذا تتميّز عمارة الطراز الدولي؟

تتميّز عمارة الطراز الدولي بعدّة صفات وعناصر تحدّدها وتميّزها عن غيرها، منها:

  • بدت هياكل الطراز الدولي عديمة الوزن بصريًا، نتيجة الاستخدام الواسع للزجاج والصلب.
  • اعتماد هياكل إطارية معدنية بدلًا من الجدران الحمّالة. وعكِس هذا بدوره على المساقط من جهة، إذ يتحقّق مسقط حر خالٍ من العديد من الجدران، وعلى الواجهات من جهة أخرى حيث يمكن للنوافذ أن تمتدَّ من طرف إلى آخر بدون إعاقة الجدران.
  • استُخدمت غالبًا الخطوط المستقيمة أي المستطيلات أو المربّعات، بدلًا من المساقط الدائرية. وفضِّلت الخطوط المستقيمة أكثر من الأقواس لتشكيل الفتحات (الأبواب والنوافذ).
  • تجنّب الأسقف المتعرّجة والبارزة، وبالتالي تفضيل الأسقف المستوية، ممّا شجّع على إدخال الأسطح المتدرّجة (المصاطب).
  • تجنّب الزخرفة وتزيين الجدران والأسطح، حيث استخدموا أحيانًا الفنون الناعمة للزينة، وفضّلوا الطلاء أحادي اللون، خاصّةً اللون الأبيض.
  • حلَّت بعض الاعتبارات مثل الجمالية، والوظيفية، واعتماد التقنية، وبساطة التفاصيل في نهج التصميم.
  • لا يعترف الطراز الدولي بالتسلسل الهرمي لأنواع المباني.
  • تخفيض تكلفة البناء وتقليص زمن البناء، إذ استخدموا في الغالب مواد مسبقة الصنع.
  • لا تتوافق المباني مع المناخ، مما يجعلها تتطلّب تطويرًا وضوابط واسعة للمناخ الداخلي، مثل استعمال مكيّفات الهواء والسخّانات وغيرها العديد.
  • فقدت المباني خصوصيّتها وشعورها بالأمان وذلك لأن معظم الواجهات كانت زجاجية.
  • اعتمدت على التوحيد، حيث كثيرًا ما تشابهت المباني.[3]

انتقادات شديدة

فشل الطراز الدولي في الانتشار في كل أنحاء العالم، لأنّه لم يأخذ تأثير البيئة السياسية بعين الاعتبار. التي أثّرت على وصوله لعدة دول مثل روسيا، والصين، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا. وتلقّى أيضًا انتقادات واسعة من معماريين مشهورين مثل «فرانك لويد رايت- Frank Lloyd Wright ». إذ وصف الطراز الدولي بالصيغة السهلة التي يمكن لأي شخص نسخها. بينما رأى آخرون أن عمارتها هي عمارة بلا مشاعر إنسانية. حيث تمّ تجاهل الغموض والمفاجأة والبهجة في العمارة باعتبارها غير ذات صلة. وبدت الصناديق المصنوعة من الفولاذ والزجاج محبطة ورسمية، ومن ناحية أخرى، لم يحترم الطراز الدولي التقاليد والبيئة المحلية للموقع. فانتشرت مبانيه في الكثير من المدن دون النظر إلى الثقافة المادية والمحلية والاجتماعية للشعوب. وعلى الرغم من ذلك، فقد قبلت بعض دول العالم الثالث هديّة العمارة الأجنبية كدليل على الوصول إلى الساحة السياسية الدولية.

ونتيجةً لهذه الأسباب مجتمعة، تشكّل رد فعل ضد عمارة الحداثة. وسعى المعماريون لإنشاء هياكل أكثر حريّة، وأكثر خياليّة، فاستخدموا مواد البناء الحديثة والعناصر الزخرفية لخلق مجموعة متنوعة من التأثيرات الجديدة. وعرفت هذه الحركة باسم «ما بعد الحداثة- postmodernism » وانتشرت على نطاق واسع.[2][3]

منزل ريتشارد ماندل في أمريكا

يعتبر منزل Richard H.Mandel الواقع في نيويورك واحدا من الأمثلة على الطراز الدولي الأمريكي. صمّمه المعماري «إدوارد دوريل ستون- Edward durell stone». ودمج المنزل كفاءة التصميم مع الأناقة، وتأثّر المبنى بجدارنه الخرسانية الجصيّة البيضاء، وشكل الفتحات الشريطية بتصاميم المعماري لوكوربوزييه.[5]

منزل Richard H.mandel في نيويورك

شقق بحيرة شور في شيكاغو

قدّمت «شقق بحيرة شور- lake shore drive apartments» نموذجًا لناطحات السحاب ذات الإطارات الفولاذية. وقد صمّمها المعماري ميس فان دير روه بين عامي 1948-1951. وتتكون من برج مستطيل، مكوّن من واجهات زجاجية ثبِّتت بإطارات معدنية رقيقة موضوعة بنمط شبكي. وبصفة عامة يعكس المبنى مظهرًا أنيقًا وعالي التقنية. [4]

Lake shore drive apartments من تصميم ميس فان دير روه

مبنى سيغرام عام 1958

يقع «مبنى سيغرام- the seagram building» في نيويورك، ويعدّ رمزًا للطراز الدولي. وهو مبنى مكتبي، بنِي من الفولاذ والزجاج. ويتكوّن من 38 طابق، وعبّر مصمّموه عن هيكله الداخلي من خلال استخدام العوارض البرونزية على واجهاته، والتي لا تحمل أوزانًا. وعلاوةً على ذلك، فإنّ المبنى يقع تقريبًا على بعد 30 م من حافّة الشارع. الأمر الذي أدّى إلى خلق ساحة عامّة أمامه. [6]

The seagram building في نيويورك

مبنى ليفر هاوس 1951

يعد مبنى «ليفر هاوس- lever house» أيضًا من أحد رموز الطراز الدولي. وهو عبارة عن هيكل من الفولاذ المقاوم للصدأ، والزجاج المقاوم للحرارة. ويتكوّن من 24 طابق، ويقع فوق قاعدة مرتفعة مستطيلة من طابقين. [6]

Lever house في نيويورك

إيجابيات وسلبيات

يمكن للمرء استنتاج أن الطراز الدولي قد اجتاح بهدوء ولكن تدريجيًا معظم دول العالم. وقد تخلّص من الاستعارات التاريخية في الأبنية. وخدم بشكل فعّال العمارة، وخاصة في كيفية التعامل مع نتائج الحرب. ولكنّه في نفس الوقت كان سينتهي بتدمير تاريخ الشعوب وتراثها، وسحق العمارة المحلية التقليدية. [3]

وأنت، هل تعتقد أن الطراز الدولي قد لعب دورًا إيجابيًا أم سلبيًا في العمارة؟

المصادر

  1. Tate
  2. Britannica
  3. Research gate
  4. architecture history
  5. Research gate
  6. archdaily

كيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

هل شعرت يومًا ما بالملل وأنت جالس على المقاعد المدرسية وتساءلت كيف كانت لحياتك أن تكون لو أن نظام المدرسة قد اختلف؟ حسنًا هذا ما قد حدث بالفعل قبل مئة عام وتحديدًا في ألمانيا. فحلَّ أسلوب التدريس الجديد في مدرسة «باوهاوس-bauhaus» محل العلاقة التقليدية بين التلميذ والمعلم. وظهرت فكرة تجمع مختلف الفنانين الذين يعملون معًا بهدف إعادة الفن إلى الاتصال مع الحياة اليومية. وبالتالي جمعوا بين الهندسة المعمارية وتصميم الأثاث والفنون التطبيقية كالنحت والفخار والنسيج والطباعة والإعلان وغيرها من الحرف. وأعطوها الوزن نفسه كالفنون الجميلة. [1] فكيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

نشأة مدرسة باوهاوس Bauhaus في فايمار

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظهرت حكومة جديدة في ألمانيا، وجاءت معها أفكار مثيرة للجدل. فبدأ الناس بتجربة أفكارهم المختلفة بجرأة واستخدموا الفن والمسرح للتعبير عن معتقداتهم. [2]

وتأسست مدرسة باوهاوس عام 1919 في «فايمار-weimar» من قبل المعماري «فالتر غروبيوس-walter gropius». وجمع فالتر بين أكاديميتين، أكاديمية فايمار للفنون، ومدرسة فايمار للفنون والحرف وأسماها باوهاوس وهي مزيج من الكلمات الألمانية «بناء-bau» و «منزل-haus». واستمرت في فايمار لمدة 6 سنوات. [3]

وقد شجّعت باوهاوس طلابها على النظر إلى العالم من حولهم بطريقة مختلفة، ودرّستهم في ورش العمل العملية، والتي كانت على عكس المحاضرات النظرية النخبوية في العديد من مدارس التصميم المعاصر. وغيّرت نظرة الناس عمومًا حول ما يفترض أن يكون عليه الفن. [2]

أهداف باوهاوس ونظامها التعليمي

هدفت باوهاوس إلى معالجة الانقسام بين الفنون والحرف اليدوية، وإزالة الحواجز الطبقية بينهما. وكان على الطلاب الذين بلغ عددهم 100 طالب أن يتعلموا أن يكونوا على نفس القدرة من الكفاءة في المجالات الفنية المتعددة. كما في تكنولوجيا الإنتاج كذلك، فدرسوا في مناهج متعددة التخصصات. [4]

وقبل قبولهم في ورش العمل، كان على طلاب باوهاوس أن يأخدوا دورة تمهيدية لمدة 6 أشهر في عدة ورش كالنجارة، والمعادن، والفخار، والزجاج الملون، والرسم على الجدران، وغيرها من الفنون. ودُرّست هذه الورش عمومًا بواسطة شخصين، الفنان الذي ركّز على التعليم النظري، والحرفي الذي ركّز على التقنيات والتدريب العملي. [3]

وأصرّ غروبيوس على أن يتقن الطلاب عملية الإنتاج الصناعي من البداية إلى النهاية. بحيث يتم إطلاع حاستهم الفنية على إمكانيات جديدة من خلال التكنولوجيا الحديثة. وشجّعت المدرسة الطلاب على الاتصال مع الشركات الصناعية في جميع أنحاء المدينة. فكان الدافع إلى الإنتاج الضخم وتوحيد المعايير مركزيًا ومهمًا في رؤى المدرسة. [4]

انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو

أعلن غروبيوس إغلاق مدرسة باوهاوس Bauhaus عام 1925 بسبب تخفيض وزارة التعليم لمنحتها المالية. وكان من الممكن أن تنتهي المدرسة تمامًا لولا العرض الذي جاء من مدينة «ديساو-dessau» الصناعية. فانتقلت باوهاوس إلى مدرسة جديدة صمّمها غروبيوس. وتكوّن المبنى من إطارات فولاذية مع جدران كبيرة من الزجاج، وتميز بالعديد من خصائص العمارة الحديثة. [2][4]

وتُعتبر سنوات انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو ذروة إنتاجها فبدأ المعماري «مارسيل بروير-marcel breuer» وطلابه بإنتاج كراسي أنبوبية ثورية وخفيفة الوزن. فأصبح القسم مصدرًا قيّمًا ويوفر دخلًا للمدرسة.

واستقال غروبيوس من منصبه، فعُيّن المعماري السويسري «هانيس ماير-hannes meyer» رئيسًا لباوهاوس عام 1928. وتأثر ماير بالاتّجاه اليساري، وبسبب الصراع السياسي في تلك الفترة، طُلب منه الاستقالة بسبب آرائه السياسية التي جعلته في صراع مع سلطات ديساو. وأتى بعده المعماري «لودفيغ ميس فان دير روه- ludwing mies van der rohe » مديرًا للمدرسة عام 1930. فحظر لودفيغ النشاط السياسي وحوّل باوهاوس إلى مدرسة معمارية أكثر تقليدية في محاولة عقيمة لإنقاذها. [3][4]

كيف أصبحت النهاية نقطة بداية؟

سيطر النازيون عام 1931 على حكومة مدينة ديساو وحاربوا الباوهاوس، فأجبروا بعض المعلمين والأساتذة على المغادرة. ونقل نتيجةً لذلك ميس فان دير روه المدرسة إلى مستودع قديم في برلين عام 1932. وأغلِقت في نهاية المطاف عام 1933. [4] وضمنت باوهاوس في النهاية استمرارها، ونجحت بسبب إغلاقها. فهاجر فنانونها إلى بلدان أخرى، ونشروا أفكارهم في جميع أرجاء العالم. [5]

ألهمت أساليب فنانو باوهاوس العديد من الدول وخاصةً أمريكا وبريطانيا. فأسس الفنان «لاسزلو موهلي ناجي-laszlo moholy nagy » باوهاوس جديد، وأعيد تسميته فيما بعد باسم معهد التصميم في شيكاغو عام 1937. [3]

كيف أثّرت باوهاوس على الفنون والحرف؟

رفضت مدرسة باوهاوس Bauhaus تركيز الفنون والحرف على الأشياء الفاخرة التي يتم تنفيذها بشكل فردي. وأدرك غروبيوس أن إنتاج الآلات يجب أن يكون الشرط المسبق للتصميم. وبالتالي الاستفادة من التقدم التقني في الفنون بصورة شاملة. فوجّه جهود المدرسة نحو التصنيع الشامل والمتعدد. على سبيل المثال، فكّر المصممون منذ ذلك الحين بإنتاج أشياء وظيفية ومُرضية من الناحية الجمالية للمجتمع، بدلًا من تصميم العناصر الفردية لنخبة الأثرياء.

واشتركت منتجات باوهاوس في نمط هندسي صارم، ولكن تميز بالأناقة. وعلى الرغم من أن الأعمال المنتجة في الواقع كانت غنية بالتنوع، لكنهم نفذوها مع مراعاة كبيرة للجانب الاقتصادي. فأثّرت أفكارها على المدى البعيد، فحتى الآن تتم إعادة إنتاج منتجاتها على نطاق واسع. وتُدين التصاميم غير المزخرفة، والبسيطة، والأنيقة ذات الاستخدام اليومي بالكثير إلى مبادئ الباوهاوس. [3]

تأثير مدرسة باوهاوس على العمارة

على الرغم من أن غروبيوس كان معماريًا، ولكن لم تنشأ كلية الهندسة المعمارية إلّا بعد 8 سنوات من افتتاح المدرسة. فافتقرت المدرسة إلى كلية العمارة عندما فتحت أبوابها ومع ذلك تُعتبر العديد من المباني مثل المنازل الرئيسية في ديساو دليل على أهمية البناء بالنسبة لباوهاوس منذ البداية. [5]

أثّرت الباوهاوس وخاصةً في مرحلة ديساو على عمارة الحداثة بشكل كبير. فأصرّوا على توحيد المعايير والتجارب في التصميم، واهتموا بمفهوم التصميم الصناعي. [4] وبالنسبة لأعضائها لم يكن هناك حاجة إلى التزيين أو الزخرفة أو الاكتظاظ. فيمكن أن تكون المباني أحدث وأفضل دون نسخ أو تقليد مبنى قد سبق وصمّم. حيث يولد الجمال من إيجاد جواب للسؤال: ما هو المفيد؟ فارتبطت مباني الباوهاوس بالوظيفية. [6]

وفي الوقت الحاضر تعني باوهاوس أن التصميم يقتصر على أساسيّاته والاستخدام العقلاني والأنيق للمواد الحديثة والتقنيات الصناعية، إضافةً للوضوح والبساطة وأحادية اللون.[7]

وتميز أسلوبها بزوايا قائمة من الزجاج المكوّن «للجدار الستائري-curtain wall» وهو غلاف خارجي للمبنى الذي تكون جدرانه الخارجية غير إنشائية، فتعزل مستخدمي المبنى عن الخارج، ويمكن صنعه من مواد خفيفة الوزن للتقليل من تكاليف الإنتاج. وتستخدم معها الفولاذ والطوب أو البلوك. فتُنشئ مع بعضها أنماطًا في المباني تتّسم بالكفاءة والعقلانية.

وركّز التعليم فيما بعد بشكل أقل على الوظيفة وأكثر على التجريد، لذلك تأثر الفن المنتج بالتعبيرية والمستقبلية إلى جانب أسلوبها الهندسي الذي يشبه قليلًا التكعيبية في بعض الأحيان. [8]

مصنع فاغوس في ألفيد، ألمانيا

يعتبر مصنع فاغوس للأحذية واحد من أقدم مباني الحداثة. وعُهد به أول الأمر إلى المهندس إدوارد فيرنر، ولكن نجح غروبيوس بإقناع صاحب المصنع بأنه يجب أن ينفذ كمشروع فني. إذ شعر غروبيوس أن التصميم الخارجي للبناء يجب أن يكشف عن وظيفة المبنى. وهذا يماثل مبدأ لويس سوليفان رائد مدرسة شيكاغو، الذي عبّر عنه بمقولته الشهيرة “الشكل يتبع الوظيفة”. وأشار غروبيوس لأهميّة تحسين ظروف العمل من خلال زيادة ضوء النهار والهواء النقي، اللذين يؤدّيان إلى زيادة رضى العمّال وبالتالي زيادة الإنتاج الكلّي.

والتزم غروبيوس ومعاونه أدولف ماير بمخططات فيرنر، وركّزوا على التصميم الخارجي والداخلي للمصنع. فاستخدم غروبيوس الطوب الداكن بارتفاع 40 سم، الذي ابتعد 4 سم عن الواجهة، مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء المجمّع.

صورة لجزء من مصنع فاغوس من تصميم فالتر غروبيوس وأدولف ماير، في ألفيد المانيا.

بينما صمّم مبنى المكاتب على عكس المباني الأخرى، فتميّز هذا الجزء بواجهة زجاجية بدلًا من الجدران التقليدية الحمّالة. واتّخذ غروبيوس قرارًا جريئًا ومبتكرًا بوضع أعمدة الخرسانة المسلحة إلى الخلف من الجدران. فحرر الواجهة، واستطاع بذلك خلق زوايا خارجية زجاجية بالكامل. [9]

مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو

تشمل أرض مدرسة باوهاوس Bauhaus في ديساو المدرسة وسكن الطلاب والهيئة التدريسية والمكاتب. واقتبس غروبيوس خطوطه في تصميم المدرسة من شكل مراوح الطائرات، التي صُنعت إلى حد كبير في المناطق المحيطة بديساو. ويتكون المبنى من 3 أجنحة، تتصل جميعها مع بعضها. فمثلًا ترتبط المدرسة مع ورشة العمل من خلال جسر كبير من طابقين، والذي يمثل الإدارة. ووصل غروبيوس المدرسة مع الوحدات السكنية أيضّا ليُسهّل الوصول إلى قاعة الاجتماعات وصالة العروض وقاعة الطعام.

منظور لمجسم يوضح مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو من تصميم فالتر غروبيوس

وأظهر غروبيوس مبادئ باوهاوس بتصميمه من خلال إدراج التطورات الإنشائية والتكنولوجية. فتراجعت هنا أيضًا الجملة الإنشائية الحاملة إلى الخلف، لتفسح المجال أمام الجدران الستائرية الزجاجية لتتموضّع كامتداد واحد. وأكدت تلك الواجهات على الطبيعة المكانية المفتوحة للهندسة المعمارية الجديدة. وبالطبع أمكنت هذه النوافذ الواسعة أشعة الشمس من دخول كل المبنى، ولكنها خلقت كذلك تأثيرًا سلبيًا في أيام الصيف الدافئة.

صورة تظهر قسم الإدارة المرفوع على أعمدة وقسم صالة العروض وقاعة الطعام والاجتماعات في مبنى مدرسة باوهاوس .
صورة تظهر الجزء السكني من مدرسة باوهاوس مع شرفاتها الشهيرة.

وكمحاولة لدمج الطلاب في عملية البناء. نفّذت ورشة الطلاء التصميم الداخلي للمبنى بأكمله. وجهّزت ورشة المعادن الإضاءة. وصنعت ورشة الإعلان والطباعة الحروف. [10] فنستطيع القول بأن باوهاوس قد مثّلت تحولًا ملحميًا في كيفية اقتراب الناس من التصميم والفن. وأثّرت إلى الأبد على أنماط العمارة من بعدها.

المصادر

  1. Tate
  2. B.B.c
  3. Britannica
  4. The open university
  5. Arch daily
  6. The gurdian
  7. The gurdian
  8. History
  9. Arch daily
  10. Arch daily
Exit mobile version