5 أسباب جعلتنا لا نملُك علاج واحد لكل أنواع السرطان

5 أسباب جعلتنا لا نملُك علاج واحد لكل أنواع السرطان!

يُصيب السرطان 1 من كل 3 أشخاص في الولايات المتحدة [1]، ويمكن علاجه بنجاح في العديد من الحالات. في الواقع يعيش اليوم عدد أكبر من مرضى السرطان حياة كاملة بعد علاج السرطان أكثر من أي وقت مضى، فعلى سبيل المثال تضاعَفَ معدل البقاء على قيد الحياة لمصابي السرطان في المملكة المتحدة في الأربعين عامًا الماضية، ففي سبعينيات القرن الماضي نجا 25٪ فقط من المصابين بالسرطان لمدة 10 سنوات أو أكثر بعد تشخيصهم أما اليوم فارتفعت هذه النسبة لحوالي 50%. [2]

على الرغم من كل هذا التقدم في علاج السرطان إلّا أنّنا لا زلنا لا نملك علاج واحد لكل أنواع السرطان. لفهم هذا الأمر دعونا أولًا نعرف كيف يحدث السرطان؟

كيف يحدث السرطان؟

يعتبر السرطان مرضًا متعدد العوامل ناتجًا عن التأثير المشترك للعديد من العوامل الوراثية والعوامل البيئية مثل الأشعة فوق البنفسجية، ودخان السجائر والفيروسات، وتعتبر 10% فقط من السرطانات وراثية بينما 90% تحدث بطريقة فردية ليست لها علاقة بالوراثة. [3]

يتكون جسدك من تريليونات من الخلايا التي تنمو وتنقسم بشكل طبيعي على مدار حياتك حسب الحاجة، وتموت هذه الخلايا عندما تصبح غير طبيعية أو تتقدم في السن، ولكن بعض الطفرات الّتي تحدُث تُحدِث خطأً في هذه العملية، فتستمر خلاياك في تكوين خلايا جديدة، والخلايا القديمة أو غير الطبيعية_السرطانية_ لا تموت عندما ينبغي، وبالتالي تنمو هذه الخلايا السرطانية خارج نطاق السيطرة، وعندها تُزاحم الخلايا الطبيعية وتُهاجمها، فيصعب على الخلايا الطبيعية أن تؤدي وظيفتها بالشكل المطلوب. [1]

ترتبط غالبًا نشأة السرطان بحدوث طفرات في فئة واحدة أو أكثر من 3 فئات من الجينات: «الجينات المسرطنة-oncogenes»، و«الجينات الكابتة للورم-tumor suppressor genes»، و«جينات إصلاح تلف الحمض النووي- DNA repair genes»، ولكن في الحقيقة لا يحدث السرطان نتيجة طفرة واحدة، وإنما نتيجة عدة طفرات متراكمة تُكسِب الخلية خصائص سرطانية مثل قدرة الخلية على الانقسام ذاتيًا وبشكل لا محدود، ومقاومة الخلايا للموت فتعيش الخلايا السرطانية لفترات طويلة أو تصبح خالدة، والقدرة على تخليق أوعية دموية يتغذى السرطان عن طريقها، والقدرة على مهاجمة الخلايا الطبيعية. [3]

على سبيل المثال؛ تكون «جينات إصلاح تلف الحمض النووي- DNA repair genes» مسؤولة على تصحيح الأخطاء الّتي تحدث في الحمض النووي أثناء تصنيعه خلال انقسام الخلايا، وبالتالي فإن حدوث طفرة في هذا الجين سيسمح بحدوث الأخطاء في الحمض النووي بدون تصحيح، وقد ينتج عن هذه الأخطاء حدوث طفرات أخرى تُكسِب الخلية الخصائص السرطانية.

إن محاولة علاج أي شخص مصاب بالسرطان تشبه إلى حد كبير محاولة علاج شخص ما من عدوى بكتيرية. كل ما عليك فعله هو قتل جميع الخلايا السيئة، وعدم تدمير الكثير من الخلايا السليمة في هذه العملية. هناك عدة علاجات يمكنها قتل الخلايا السرطانية بأقل أضرار للخلايا الطبيعية، ولكن يعتمد نجاح هذا العلاج على عدة عوامل مثل نوع ومرحلة السرطان. كذلك من الصعب أن يتأكد الطبيب أن هذا الشفاء نهائي بدون عودة السرطان مرة أخرى. [4]

لماذا لايوجد علاج واحد ناجح لكل أنواع السرطان؟

تُنفَق مليارات الجنيهات وتُستَثمر في أبحاث السرطانات على مدى عقود عديدة، ولكن لايزال علاج السرطان صعب لعدة أسباب أهمها:

1. السرطان ليس مرضًا واحدًا

لفهم سبب عدم علاجنا لكل أنواع السرطان بعلاج واحد حتى الآن، فإن أهم شيء يجب معرفته هو أن السرطان ليس مرضًا واحدًا. بدلاً من ذلك، فهو مصطلح شامل لأكثر من 200 مرض مختلف يحتوي كل نوع واسع من أنواع السرطان على العديد من الأنواع الفرعية، وكلها تبدو وتتصرف بشكل مختلف لأنها مختلفة على المستوى الجيني والجزيئي فمثلما ذكرنا بأن السرطان ينتج عن حدوث طفرات في خلايا أجسامنا، وبالتالي يختلف السرطان حسب نوع الخلايا. لذلك يمكن أن يكون كل سرطان مختلفًا ومتنوعًا مثل اختلاف وتنوع الناس.

2. يحدث السرطان بسبب عدد لا يحصى من الطفرات

يوجد عدد لا يحصى من الطفرات الجينية المختلفة الكامنة وراء أكثر من 200 نوع من أنواع السرطان المختلفة. كل سرطان ناتج عن مجموعة مختلفة من الطفرات، ومع نمو السرطان تتراكم المزيد والمزيد من الطفرات. هذا يعني أن كل سرطان لديه مجموعة فردية من الطفرات لذا فإن الدواء الذي يعمل مع مريض سرطان واحد قد لا يكون له أي تأثير على الإطلاق على آخر.

3. الخلايا السرطانية داخل الورم الواحد ليست متطابقة

لن يكون لكل خلية سرطانية في الورم نفس الطفرات الجينية مثل الخلايا السرطانية المجاورة، وهذا يعني أن العلاجات يمكن أن تقتل غالبًا نوعًا واحدًا من الخلايا في الورم بينما تنجو الخلايا الأخرى من العلاج مما يسمح للسرطان بالنمو مرة أخرى.

4. قد تُطوّر الخلايا السرطانية مقاومة ضد العلاج

قد تحدث طفرات جينية للخلايا السرطانية تجعلها تغير طريقة تصرفها بمرور الوقت. يمكن أن تكون هذه مشكلة صعبة للغاية أثناء العلاج لأن الطفرات أحيانًا تؤدي إلى جعل الخلايا السرطانية مقاومة للعلاج مما يجعل العلاج غير فعال. إذا حدث ذلك فسيتعين عندئذٍ إخضاع المريض لعلاج مختلف، ولكن مرة أخرى يمكن أن يطور السرطان مقاومة للعقار الجديد.

5. الخلايا السرطانية تقاوم الموت الخلوي

تمتلك الخلايا الطبيعية آليات معينة تمنعها من النمو أو الانقسام أكثر من اللازم، ولكن تفقد الخلايا السرطانية آليات التحكم هذه ويمكنها تطوير عدة حيل لتجنب الموت. [2]

إقرأ أيضًا: لماذا سمي السرطان بهذا الاسم؟

مصادر 5 أسباب جعلتنا لا نملُك علاج واحد لكل أنواع السرطان:
[1] Cancer.org
[2] Worldwidecancerresearch.org
[3] Britannica.com
[4] Discover magazine

علاج السرطان بالمناعة، من الحُلم إلى نوبل في الطب

علاج السرطان بالمناعة، من الحُلم إلى نوبل في الطب

لطالما كان السرطان في عصرنا الحالي من أكثر الأمراض فتكاً بصاحبها بما يعانيه من أعراضٍ المزعجة والتي قد تسبب موته، والأسوأ ما يعانيه صاحبه في رحلته العلاجية المحفوفة بالمخاطر. وبوصول الأعداد المصابة بذلك المرض المميت إلى 18 مليون في عام 2018 من بينهم 9.6 مليون قتيل، أصبح البحث عن علاجات جديدة أمر بالغ الأهمية لا يمكن التساهل فيه. وقد لفتت المناعة نظر الباحثين كمفتاح محتمل للغز العلاج في العقود الأخيرة إلا أن ما بين أيدينا اليوم استطاع أن يبهر المجتمع العلمي لدرجة حصوله على جائزة نوبل عام 2018.

تفاعل المناعة مع الأجسام الغريبة:

هناك مراحل عديدة لتفاعل الجهاز المناعي مع الجسم الغريب وعند قولنا الجسم الغريب نقصد أي جسم قادر على استثارة جهاز المناعة حتى يتخلص منه قبل أن يضر المضيف، وتتم الاستثارة عن طريق تعرف المناعة على بعض المركبات المميزة لذلك الجسم الغريب تسمى تلك المركبات بالمتسضدات أو الأنتيجن. ونحن نستطيع القول أن الكثير من البكتيريا والفيروسات أجسام غريبة مسببة للمرض، وكذلك الخلايا السرطانية حيث تمتاز تلك الخلايا بعدد ضخم من الطفرات الجينية التي قد تنعكس على سطحها الخارجي، فيكون مستفز للجهاز المناعي. وقد يسبب انقسامها الزائد عن الحد الغير منظم إلى وجود مركبات حُرة مثل الأحماض النووية تتعرف عليها المناعة.

لكن كيف تهاجم المناعة؟ في حالة الخلايا السرطانية تتولى بعض الخلايا الهجوم عليها أو تحفيز خلايا مناعية أخرى للهجوم عليها. وتُعتبر أهم خلية في ذلك السياق هي الخلايا التائية التي تنقسم بدورها إلى «خلايا تائية مساعدة- T helper cells» و «خلايا تائية قاتلة-T cytotoxic cells». تمر الاستجابة المناعية بعدة مراحل؛ في البداية تلتهم بعض الخلايا المناعية البلعمية الخلايا السرطانية، وتحصل على الأنتيجن الذي من شأنه استفزاز الجهاز المناعي، لمهاجمة الخلايا السرطانية. تقوم الخلايا البلعمية بعرض تلك المركبات على سطحها حتى تتعرف عليها الخلايا التائية المساعدة وفي بعض الأحيان الخلايا التائية القاتلة أيضاً. حتى تنشط الخلايا التائية وتدخل في معركة قوية ضد السرطان، وذلك بإفراز بعض المركبات المناعية من الخلايا التائية المساعدة التي تحفز المزيد من الخلايا البلعمية؛ لأداء وظيفتها بقوة، وكذلك تحفز الخلايا التائية القاتلة التي تقتل الخلايا الغريبة بطرق مختلفة كإفراز السموم. وتقوم الخلايا التائية المساعدة بتحفيز خلايا مناعية أخرى مختلفة الأنواع. ولكن هل يتطلب تحفيز الخلايا التائية مجرد التعرف على الأنتيجن؟ في الحقيقة لا؛ فيتطلب أيضا وجود بعض الإشارات المحفزة لمستقبلات على سطح الخلايا التائية بفعل ارتباطها ببعض المركبات الموجودة على سطح الخلايا البلعمية، دعني أضرب لك مثالاً لتوصيل الفكرة:

بروتين B7: يتواجد على سطح بعض أنواع الخلايا البلعمية بروتين يُسمى B7 يرتبط ببروتين آخر يتواجد على سطح الخلية التائية المُراد تحفيزها يُسمى CD28، يساهم ذلك الارتباط في تنشيط الخلية التائية. هناك أكثر من محفز آخر غير B7 إلا أن هذا أكثر ما يهمنا في حديثنا اليوم. تلك الارتباطات ضرورية جدا لنشاط الخلايا التائية وغيابها يعني بالضرورة عدم تنشيط الخلايا التائية.

عزيزي القارئ، هل يمكنك تخيل وجود مركبة سباق بلا فرامل؟ بالطبع لا؛ فالأمر عندما يزيد عن الحد بالضرورة سيؤدي لضرر صاحبه إذا هل يمكن ترك المناعة بلا فرامل؟ بالطبع لا، فلو ظل رد الفعل المناعي زائدا عن الحد في الأوضاع الطبيعية سيؤدي ذلك بالضرورة للإضرار بالجسم، إذا للمناعة فرامل.

ما هي فرامل رد الفعل المناعي؟

هناك العديد من الأمور التي تثبط رد الفعل المناعي بعد فترة من نشاطه؛ من أهمها أحد أنواع الخلايا التائية التي تسمى «الخلايا التائية المنظمة-regulatory T cells»، المفرزة لبعض المواد المثبطة للمناعة عن طريق الحد من النشاط الخلايا التائية الأخرى. بالإضفة لذلك يوجد بعض البروتينات على سطح الخلايا التائية القاتلة خاصةً، وأحياناً الخلايا التائية المساعدة من شأنها الحد من نشاط تلك الخلايا. البروتينات المعنية حديثة الاكتشاف؛ فقد تم اكتشافها في أواخر القرن الماضي ومنهم:

  1. بروتين CTLA-4: يمنع ذلك البروتين التفاعل بين B7 وCD28 بالطبع كما ذكرنا من قبل تلك أحد أهم التفاعلات التي تصب في صالح تنشيط الخلايا التائية، وبغيابها يغيب نشاط تلك الخلايا كُلياً.
  2. بروتين PD-1: يتواجد ذلك البروتين أيضاً على سطح الخلايا التائية المساعدة والقاتلة كذلك، ومن شأنها أن تتسبب في إبطال نشاط تلك الخلايا وتُسبب موتها.

تلك الفرامل غاية في الأهمية لكبح نشاط الخلايا المناعية الذي قد يؤدي إلى الإضرار بالجسم نفسه، ولكن ماذا لو كنا نحتاج لذلك النشاط في بعض المواقف؟ دعنا نستعرض الصورة سوياً: الجسم لايزال يُعاني من السرطان حيث تتواجد تلك الخلايا السرطانية في نفس الوقت يقل نشاط الخلايا التائية بفعل تلك البروتينات، إذا كيف سيموت السرطان؟ بالطبع لن يموت لأن النشاط المناعي بدأ يقل في الوقت الذي يزداد فيه النشاط السرطاني. الأمر عزيزي القارئ أشبه بالضغط على فرامل مركبة السباق قبل بلوغ خط النهاية بكثير هل ستفوز حينها؟ بلا محالة لا. إذاً فما الحل؟

كيف نتحكم بالفرامل؟

كانت الإجابة على يد كلاً من الأمريكي «جيمس أليسون-james allison»، واليباني «تاسوكو هونجو-Tasuku Honjo» الحائزين على جائزة نوبل بالتقاسم عام 2018. فقد استطاع كلاً منهما التحكم بالفرامل لصالح القضاء على السرطان، وقد نجحا في ذلك نجاحاً مستحقاً لجائزة نوبل، فماذا فعلا؟

الأمريكي «جيمس أليسون-james allison»، واليباني «تاسوكو هونجو-Tasuku Honjo»

1. التحكم ببروتين CTLA-4:

قام جيمس أليسون وفريقه بعمل جسم مضاد لذلك البروتين قادر على منع نشاطه، واختبروا كفاءته على الفئران. قاموا بحقن الفئران ببعض الخلايا السرطانية، وعالجوا بعضهم بمضاد CTLA-4 والبعض الآخر لم يُعَالج تماماً، أو تم علاجه بمضاد CD28. فلاحظوا أن المجموعة المُعَالجة بمضاد CTLA-4 أظهرت تحسناً قوياً بالمقارنة مع باقي المجوعات. ثم تم اختبار الفئران الناجية بحقنهم بالخلايا السرطانية مرةً أخرى، فأظهرت الفئران التي تم علاجها في التجربة السابقة بمضاد CTLA-4 حماية قوية ضد السرطان مقارنة بباقي المجموعات. وبعد ذلك تم اختبار إذا كان رد الفعل ذلك ناجم عن تقديم مضادات CTLA-4 باكراً بعد حقن الخلايا السرطانية أم لا؟ فتم حقن فئران بالخلايا السرطان وتعريض أحد المجموعات لمضادات CTLA-4 في نفس اليوم، وتعريض المجموعة الثانية للمضادات بعدها بسبعة أيام. كانت النتيجة أن كلا المجموعتين كان لهم رد فعل قوي ضد السرطان بل أن تأخر العلاج قد يكون له رد فعل أقوى. بعد نجاح تلك الدراسة وتقديمها لنتائج جيدة للغاية تم تجربة ذلك النوع من العلاج على مرضى سرطان الجلد من نوع «ميلانوما-Melanoma»، وهو نوع خطير من سرطان الجلد إلا أن تقديم ذلك النوع من العلاج كان له أثر إيجابي ملحوظ.

2. التحكم ببروتين PD-1:

أظهرت دراسة منشورة سنة 2004-2005 -شارك فيها «تاسوكو هونجو-Tasuku Honjo»- أن التحكم ببروتين PD-1 باستخدام أجسام مضاده له يُعد طريقة واعدة بقوة في علاج السرطانات التي تنتشر عبر الدم، وأن ذلك النوع من العلاج قد يكون أقوى حتى من مضادات CTLA-4؛ فهو أكثر قدرة منه على محاربة السرطان المنتشر في الدم فقد يكون علاج قوي مستقل بذاته على عكس العلاج بمضادات CTLA-4 المُحتاج إلى علاجات مساندة له. ويعتمد ذلك العلاج على إطالة فترة نشاط الخلايا التائية، وزيادة أعداد الخلايا المناعية النشطة، فيعطي فرصة أكبر لقتل السرطان كما أن السرطانات التي تنتقل في أنحاء الجسم عن طريق الدم قد يسهل القضاء عليها باستخدام الخلايا المناعية؛ لتوافرها في الدم وقتها. وقد أظهرت بعض الدراسات الأخرى أن تقديم هذين النوعين من العلاج سويا قد يكون أقوى من تقديم أحدهم فقط.

في الحقيقة ذلك النوع عن العلاجات ليس بالشهرة الواسعة حتى الآن، ولايزال يحتاج للعديد من الدراسات لتقصي الأضرار الجانبية التي قد تنتج عنه؛ فزيادة النشاط المناعي بشكل مبالغ فيه قد ينجم عنه تدمير للأنسجة الطبيعية بالغة الأهمية. فلذلك ما زال ميدان البحث واسع للوصول للحقيقة الكاملة إلا أن الآمال عالية جداً، وخصوصا بعد جائزة نوبل في الطب عام 2018.

مصادر(علاج السرطان بالمناعة، من الحُلم إلى نوبل في الطب):

Cancer research UK

Nobel prize 2018

Oxford academia

Science

أقرأ المزيد:

الملاريا من السحر والخرافات إلى نوبل في الطب

الأجسام المضادة الثلاثية – خطوة جديدة في العلاج المناعي للسرطان

الأجسام المضادة الثلاثية – خطوة جديدة في العلاج المناعي للسرطان

يحمل الجسم آليات دفاعية عديدة لمجابهة الأورام السرطانية، ورغم ذلك تتغلب الأخيرة على هذه الدفاعات إما عن طريق التنكر أو إضعافها كليًا، مما دفع العديد من العلماء لمحاولة تنشيط هذه الدفاعات ضد الخلايا السرطانية فيما يسمى بالعلاج المناعي، ولكن هذه المحاولات اقتصرت فقط على أنواع معدودة من الأورام بالإضافة إلى خطر الإصابة بأمراض مناعية أخرى، دعونا نتعرف سويا في هذا المقال على الأجسام المضادة الثلاثية ، التي يعتبرها البعض خطوة جديدة في العلاج المناعي للسرطان .

بحث جديد

لحسن الحظ فتح بحث نشر بدورية نيتشر لعلوم السرطان الباب أمام المزيد من التقدم عن طريق إعداد أجسام مضادة تستطيع أن تمسك بالخلايا المناعية والخلايا السرطانية في وقت واحد، جاعلة الخلايا المناعية أكثر قدرة على قتل الخلايا السرطانية.

كيف يحارب جسم الإنسان السرطان؟

يُعَدُّ جسم الإنسان من أعتد الأنظمة الحية التي تتعاون جميع أجزاءها لتحافظ على سلامة الجسد التي هي جزء منه، ولذلك يمتلك الجسم نظامًا محكمًا للخلايا المكونة له لضمان سلامتها، فإن توقفت عن العمل أو أصابها خلل تفعَّلت آلياتها المبرمجة داخلها لضمان تقلصها وانتهائها، لكن بعض الخلايا تهرب من عملية الموت الخلوي المبرمج هذه «Apoptosis»، وتنمو وتنقسم على حساب غيرها من الأنسجة السليمة، وهو ما يسمى بالورم «Tumor»، هنا يأتي دور جهاز المناعة ليهجم على الورم بشديد قوته ويقضي على تلك الخلايا الأبية للموت، رغم ذلك فبعض المجموعات من خلايا الجسم المختلفة تخدع جهاز المناعة، إما بأن تتخفى برداء وتتنكر في شكل الخلايا الطبيعية في الجسم موحية للخلايا المناعية أن كل الخلايا الموجودة سليمة لم يصبها شيء، او عن طريق تثبيط جهاز المناعة مباشرة؛ في هذه الحالة فتسمى خلايا الورم بالخلايا السرطانية «Cancerous Cells».

العلاقة بين الأورام وجهاز المناعة

يُقسّم العلماء العلاقة بين الأورام وجهاز المناعة إلى ثلاثة مراحل:

فالأول أن يكون جهاز المناعة قادرًا قدرة تامة على القضاء على الورم المتكون، فيقرأ المستقبلات الغريبة عن الجسم الظاهرة على أغلفة الخلايا «Non-self receptors»، فيسلط عليها آلياته المناعية مثل الخلايا التائية «T Lymphocyets» التي تلتصق بخلية الورم لتفرز عليها من الأسلحة والإنزيمات ما يمزق خلايا الورم إلى فتات صغير يتخلص منه الجسد فيما بعد.
أما المرحلة الثانية فحين ينمو الورم بدرجة كبيرة، ويكاد الجهاز المناعي يواكب معدل النمو هذا بتدمير خلايا الورم، فتصبح معدلات نمو الورم تساوي قدرة جهاز المناعة للقضاء على الورم، فيظل حجم الورم ثابتًا.
أما المرحلة الثالثة حينما يستمر الورم في النمو مجتازًا قدرة جهاز المناعة على المواكبة، في هذه الحالة يزداد حجم الورم ويتحول إلى ورم سرطاني، وخلال نموه يطور وسائل مختلفة لخداع جهاز المناعة، فقد يعرض على غشاءه الخلوي مستقبلات كتلك التي في الخلايا الطبيعية «Self receptors»، أو يخفي المستقبلات على غشائه الخلوي كليًا فلا يعرف جهاز المناعة بوجوده أصلًا، أما بعض الأورام فتفرز رسائل للخلايا المناعية لتخبرها -مجازًا- لأن تتوقف عن العمل والانتشار ومحاربة الجسد، مما يتيح الفرصة للسرطان بالنمو والانتشار.

حرب على السرطان باستخدام المناعة

كل ذلك دفع العلماء إلى تطوير علاجات تنشط جهاز المناعة ليكون أكثر قدرة على محاربة الأورام السرطانية فيما يسمى بالعلاج المناعي «Immunotherapy»، وذلك عن طريق تصميم مركبات كيميائية تسمى بالأجسام المضادة antibody، وتوجد في الجسم طبيعيًا وتساعده في التعرف على الأجسام الغريبة الموجودة داخله – كالميكروبات والخلايا السرطانية- وحصارها وجعلها فريسة سهلة للاستجابات المناعية، للأجسام المضادة يدان وتشبه حرف الـ Y في اللغة الانجليزية، في العلاج المناعي، يعدّل العلماء الأجسام المضادة تلك لتمسك إحدى يديها بالخلية السرطانية، أما اليد الأخرى فتمسك بالخلية التائية، مما يجعل المسافة بين الخليتين صغيرة جدًا فتستطيع الخلية التائية أن تفرز إنزيماتها لتدمر الخلية السرطانية.
في الواقع لا تعتمد فاعلية العلاج المناعي فقط على تقريب الخلية المناعية من الخلية السرطانية لممارسة مهمتها، ولكن لفهم ما يحدث علينا أولًا فهم كيف تتواصل الخلايا مع بعضها البعض.

كيف تتواصل الخلايا؟

خلايا الجسم كائنات جامدة غير عاقلة، لا تخطط ولا تفكر، ولكنها طورت نظامًا شديد التعقيد والتناسق في التواصل فيما بينها، هذا النظام يشمل المواد الكيميائية مثل الهرمونات وغيرها بالإضافة إلى المستقبلات التي تستقبلها، فتعرض كل خلية بروتينات مختلفة على سطحها تعرف بالمستقبلات، تمثل هذه المستقبلات بريدها التي تستقبل عليه الرسائل من الخلايا الأخرى المجاورة لها أو من الجانب الآخر كليًا من جسد الإنسان، وباقي الخلايا تفرز موادًا كيميائية تتشابك مع هذا المستقبل مثل المفتاح والقفل، والخلايا التائية ليست أجنبية عن ذلك، فهي تحمل مستقبلات مختلفة لرسائل الخلايا المجاورة، فمنها تعرف هل هناك خطر فيجب أن تنقسم وتتنشط لتقضي عليه؟ أم كل تحت السيطرة فلا داعي للنشاط والانقسام، ولكن بعض أنواع الخلايا السرطانية ترسل رسائل كاذبة وتأمر الخلايا التائية بأن يتوقف انقسامها ويقل نشاطها فكل شيءٍ على ما يرام! تكون هذه الرسائل في صورة انترليوكنات «Interleukin» وعوامل كيميائية أخرى، فتهدأ الخلايا التائية تاركة السرطان يفعل ما يحلو له.

كيف يحارب العلاج المناعي السرطانات؟

في العلاج المناعي لا يقوم الجسم المضاد المعدل بتقريب الخليتين من بعضها البعض، ولكنه يمسك في المستقبل المتحكم في تثبيط الخلية المناعية، فمهما أفرز السرطان من رسائل كاذبة ظلت المناعة نشطة تحارب الخلايا السرطانية، ولكن هذا يحمل خطر استمرار نشاطها إن غابت الخلايا السرطانية، مما يجعلها خطرًا على خلايا الجسم السليمة الأخرى فيما يسمى بتسمم المناعة الذاتية «Autoimmune toxicity»، وهنا جاءت الورقة البحثية في دورية نيتشر لعلوم السرطان «Nature Cancer» نوفمبر 2019 لتتقدم خطوة جديدة في العلاج المناعي.

ورقة بحثية جديدة

قام الباحثان لان وو «Lan Wu» و إدوار سون «Edward Sueng» وزملائهما بتطوير أجسام مضادة تعمل على تنشيط الخلايا المناعية بدلًا من منع تثبيطها، تقوم بذلك عن طريق تفعيل مستقبل خلوي يسمى CD28 والذي يعمل كمنشط مساعدة «Co-stimulatory» يساعد على انقسام الخلايا التائية وزيادة نشاطها ومنع موتها، مما يؤدي إلى استجابة مناعية قوية ضد الخلايا السرطانية، يمسك الجسم المضاد مستقبلين آخرين، الثاني هو CD3 في الخلية التائية والذي يعد عنصرًا رئيسيًا في تفعيلها وإطلاق أسلحتها ضد الخلية السرطانية، والثالث هو المستقبل الخلوي CD38 التي تظهره بعض الخلايا السرطانية على سطحها. في تجربتهم، أراد العلماء أن يعرفوا مدى تأثير المستقبل الخلوي CD28 الذي تتفاعل معه الأجسام المضادة على مقاومة جهاز المناعة للخلايا السرطانية، فزرعوا خلايا تائية بشرية وخلايا سرطان دم «Myeloma» بشرية في فئران التجارب، وأضافوا إليها العديد من الأجسام المضادة المختلفة في أطرافها وفي المستقبل التي تتفاعل معه، فوجدوا أن تفاعل الأجسام المضادة المعدلة مع المستقبل CD28 في الخلايا التائية زاد قدرتها على الانقسام و قتل الخلايا السرطانية، سواء في أجسام الفئران أو في المعمل، حتى في الجرعات الصغيرة من الأجسام المضادة.
رغم أن هذه الدراسة لم تقس خطر تكوين الأمراض المناعية نتيجة هذا النشاط الزائد للخلايا التائية، إلا أنها تعتبر خطوة هامة في العلاج المناعي للسرطان، فالأجسام المضادة ثلاثية الرابطة تمنح مرونةً أكبر للتعامل مع أنواع الأورام السرطانية المختلفة، وتفتح الباب أم مستقبلٍ أوسع في العلاج المناعي، جاعلة إياه أكثر فعالية ودقة.

مصادر:
1. Sciencedirect

2. CurrentProtocols

3. Nature

رابط الدراسة:
Nature Cancer

Exit mobile version