إلى أين تقودنا الثقوب السوداء؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

ها أنت ذا على وشك القفز داخل ثقب أسود. إذا اعتبرنا أنك وبطريقة ما استطعت البقاء على قيد الحياة، فما الذي ينتظرك هناك؟  أين سينتهي بك المطاف؟ وما القصص العجيبة التي سترويها للناس عند عودتك؟ ربما تكون أبسط إجابة على ذلك أن “لا أحد يعلم!” فالعلماء حتى الآن غير متيقنين من طبيعة الثقوب السوداء. كما أن عبور أفق حدث ثقب ما –إن لم يمزقك إربًا بسبب الجاذبية- يمنعك من إرسال أي رسالة للعالم الخارجي. فلا شيء يعود من ثقب أسود!

من المتوقع أن تكون الإجابة السابقة محبطةً ومؤلمةً بعض الشيء. فقد توقعت نظرية النسبية العامة لأينشتاين وجود الثقوب السوداء، عندما اعتبرت أن الجاذبية تؤثر في نسيج المكان-الزمان. ومنذ ذلك الوقت؛ عرفنا تشكل الثقوب السوداء بعد موت النجوم. حيث تموت النجوم هائلة الكتلة مخلفةً وراءها نواةً صغيرة وكثيفة من المادة. وإذا ما كانت كتلة هذه النواة أكبر من ثلاثة أضعاف كتلة الشمس أي «حد تشاندراسيخار-Chandrasekhar limit»؛ ستطغى الجاذبية وينهار النجم على نفسه في نقطة واحدة تدعى «المتفردة-Singularity».

ينتج عن كل ذلك ثقب أسود له قوة جاذبية هائلة، حتى أن الضوء لا يمكنه الهرب منه. أما «أفق الحدث-Event horizon» فهو حد من الثقب الأسود؛ وأي شيء يتجاوزه لا يستطيع العودة أبدًا. لا مهرب من أفق الحدث!

وبمجرد وصولك لأفق الحدث ستعمل قوى الجاذبية على تمزيقك لخيوط من الذرات فيما يعرف ب «تأثير السباجيتي-Spaghettification»، ثم ستعمل المتفردة على تحطيم ما تبقى منك. يبدو أن فكرة إمكانية الخروج من الثقب الأسود لمكان آخر أقرب إلى الخيال، فحتى لو قادك الثقب لمكان آخر؛ لن تصمد إلى ذلك الحين! [1]

ماذا عن الثقوب الدودية؟

منذ سنوات؛ درس العلماء احتمالية كون الثقوب السوداء ثقوبًا دوديةً تقودنا لمجرات أو عوالم أخرى. فقد حاول «ألبرت أينشتاين-Albert Einstein» بمساعدة «ناثان روزن-Nathan Rosen» وضع فرضية عن “جسور” تربط بين نقاط مختلفة من نسيج المكان-الزمان عام 1935. كما طرحت الفكرة مجددًا لافي الثمانينيات عندما قام الفيزيائي «كيب ثورن-Kip Thorne» بمناقشة إذا ما ستستطيع الأجسام عبور هذه الجسور. [2]

لكننا حتى الآن لم نرصد أي دليل على وجود هكذا جسور أو ثقوب دودية! فقد كتب ثورن في كتابه «The science of interstellar» عام 2014: “لا نرى أي أجسام يمكنها التحول لثقوب دودية في كوننا.” تكمن المشكلة في عدم قدرتنا على الاقتراب كفاية من الثقوب السوداء لنرى بأنفسنا، حتى أن أول صورة لثقب أسود التقطت مؤخرًا عام 2019.، أي بعد حوالي قرن من اقتراح فكرة الثقوب السوداء!

كما يعتقد «دوغلاس فينكبينر-Douglas Finkbeiner» وهو بروفيسور الفيزياء والفلك في جامعة هارفرد أننا حتى ولو اقتربنا؛ لن نستطيع رؤية رائد فضاء يسقط في الثقب الأسود. يمكننا فقط رؤيته يصبح باهتًا وأحمرًا مع اقترابه من أفق الحدث، نتيجةً لتأثير الانزياح نحو الأحمر بسبب الجاذبية. كما أنه وبمجرد سقوطه داخل الثقب؛ سيبقى محتجزًا فيه إلى الأبد. وكأن الثقوب السوداء تقود لنهاية الزمن! [3]

قد تقود الثقوب السوداء إلى ثقوب بيضاء

إذا قادتنا الثقوب السوداء لجزء آخر من المجرة أو إلى كون آخر؛ فلا بد من وجود شيء يقابلها في الجهة الأخرى. فهل يكون ذلك «ثقب أبيض-White hole»؟ وضع عالم الكونيات الروسي «إيغور نوفيكوف-Igor Novikov» فرضيته عام 1964، واقترح فيها أن الثقب الأسود يرتبط بثقب أبيض موجود في الماضي. وعلى عكس الثقوب السوداء؛ تسمح البيضاء للمادة والضوء بالخروج منها وتمنعها من الدخول. [4]

استمر العلماء بدراسة العلاقة المحتملة بين الثقوب السوداء والثقوب البيضاء. وفي دراسة نشرت في مجلة «Physical review D» عام 2014؛ ادعى الفيزيائيان «كارلو روفيلي-Carlo Rovelli»  و «هال م.هاغارد-Hal M. Haggard» أنه يوجد مقياس كلاسيكي متوافق مع معادلات أينشتاين تنهار فيه المادة داخل ثقب أسود ثم تنبثق من ثقب أبيض. أي أن كل المادة التي ابتلعها ثقب أسود ما يمكن أن تخرج من ثقب أبيض، كما أن الثقوب السوداء قد تتحول لبيضاء عندما تموت. وبعيدًا عن تدمير المعلومات التي تدخله؛ قد يتوقف انهيار الثقب الأسود، وقد يحدث نوع ما من الارتداد الكمي الذي سيسمح للمعلومات بالخروج. [5]

إشعاع هوكينج

تلقي الفكرة السابقة الضوء على مقترح عالم الكونيات الشهير ستيفن هوكينج، والذي ناقش في السبعينيات إمكانية إطلاق الثقوب السوداء جسيمات وإشعاع حراري فيما يعرف ب«إشعاع هوكينج-Hawking’s radiation». وبحسب هوكينج لا تدوم الثقوب السوداء إلى الأبد. فقد وجد أنها تفقد طاقتها نتيجة إطلاقها الإشعاع، وتتقلص تدريجيًا حتى تختفي. [6]

لكنه يقترح كذلك أن الإشعاع المنطلق عشوائي تمامًا ولا يتضمن أية معلومات عما سقط في الثقب. وكأن موت الثقب الأسود يمحي كمًا هائلًا من المعلومات. مما يعني أن فكرة هوكينج تتعارض مع نظرية الكم التي تشترط عدم ضياع أو تدمير المعلومات. قاد هذا التعارض لما يعرف بمفارقة معلومات الثقب الأسود، وحتى الآن لا نعرف إلام سيقود! [7]

فهل نعود لفكرة الثقوب البيضاء التي تشع معلومات محفوظة؟ ربما. في دراسة نشرت عام 2013 في مجلة «Physical Review Letters»؛ قام العالمان «خورخي بولين-Jorge Pullin» و«رودولفو غامبيني-Rodolfo Gambini» بتطبيق فكرة الجاذبية المكمّمة على ثقب أسود، ووجدوا أن الجاذبية ازدادت باتجاه المركز ثم تناقصت ملقيةً كل ما دخل الثقب في مكان آخر من الكون. أعطت نتائج الدراسة مصداقيةً أكبر لفكرة كون الثقوب السوداء بوابة. واعتبر العلماء أن المتفردة غير موجودة في الدراسة السابقة، وبالتالي لن يكون هناك حد فاصل يدمر كل المعلومات. [8]

قد لا تقودنا الثقوب السوداء لأي مكان

يعتقد العلماء أحمد المهيري و«دونالد مارلوف-Donald Marlof» و«جوزيف بولشينسكي-Joseph Polchinski» و«جيمس سولي-James Sully» أن هوكينج لم يكن مخطئًا تمامًا. فقد عملوا على فرضية تعرف باسم «جدار النار-AMPS Firewall». ووفقًا لحساباتهم؛ يمكن لميكانيك الكم أن تحول أفق الحدث إلى جدار عملاق من النار يحرق كل ما يلمسه بلمح البصر. وفي هذه الحالة؛ لا تقودنا الثقوب السوداء لأي مكان لأننا لا نستطيع دخولها حتى!

لكن هذا الادعاء يتعارض مع نظرية النسبية العامة؛ التي تقول أن الجسم الذي يعبر أفق الحدث يكون في حالة من السقوط الحر ويخضع لقوانين الكون المعروفة. وحتى لو لم يتعارض ذلك مع النسبية؛ فهو يقترح ضياع المعلومات، مما يخالف ميكانيك الكم. [9]

وفي جميع الأحوال؛ لا ننصحك بالاقتراب من ثقب أسود!

المصادر:

Space1 [1]

Space2 [2]

Space3 [3]

Space4 [4]

Physical Review D [5]

Nature [6]

Nature [7]

Physical Review Letters [8]

ScienceDirect [9]

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تعكس حركة المحيط بمدها وجزرها جوهر الحياة ذاتها، حيث يمثل تدفق المياه فيها الطبيعة الدورية التي تحكم الكون، وكل ذلك تشهد عليه حتى أكثر الشواطئ انعزالاً، فهل تكون الحياة نفسها محض صدفة أنتجت المد والجزر؟ إذا كان ذلك صحيحاً؛ فهل يكون القمر مسؤولاً عن أصل الحياة على الأرض؟ وماذا سيحدث لو لم يكن موجوداً؟ أو بمعنى أدق ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تشكل القمر

بحسب النظرية، اصطدم كوكب بحجم المريخ بالأرض منذ حوالي 4.5 مليار سنة؛ مما أدى لتسريع دوران الأرض فأصبح طول اليوم 12 ساعة فقط. أما الحطام الناتج فنُثر في مدار الأرض القريب والتحم مشكلاً القمر. وبعد عدة ألاف من السنين؛ بدأت الأرض بالتبرد إلى أن ظهرت الحياة بعد حوالي 700 مليون سنة؛ أي منذ 3.8  مليار سنة.

المد والجزر

تقوم جاذبية القمر بشد الأرض، لاسيما قسمها الأقرب إليه. وترتفع القشرة الأرضية قليلاً (سنتيمترات معدودة) بسبب قوة الشد هذه مما يسبب حدوث ظاهرة «المد والجزر-Tides» في البحيرات والأنهار والمحيطات وغيرها.

يحدث «المد-High Tide» وهو ارتفاع مستوى مياه المحيط عندما يدور القمر حول الأرض ويسحب خلفه المياه، بينما على جانب الأرض المقابل له تكون الجاذبية أقل من أي جزء آخر من الأرض فتُترك مياه المحيطات وراءً ويحدث «الجزر-Low tide».

للقمر التأثير الأكبر على حركة المد والجزر بسبب قربه الشديد من الأرض. تؤثر الشمس أيضاً بقوة جذب كبيرة على الأرض تبقيها في مدار ثابت حولها، كما تسحب هذه القوة مياه المحيطات نحوها. لكن الفرق في الشد بين الجانب المقابل والمعاكس للشمس يكون ضئيلاً، حيث تساهم الشمس بحوالي ثلث ارتفاع المد فقط.

تأثيره في التنوع الحيوي

تشكلت المحيطات على الأرض منذ حوالي أربعة مليارات سنة، أي عندما كان القمر أقرب بمرتين مما هو عليه الآن، وبالتالي كانت قوة المد والجزر أكبر بكثير.

يعتقد العلماء أن تدفق المد والجزر ساهم في نقل الحرارة من المنطقة الاستوائية إلى القطبين، وأنه زاد حدة التقلبات المناخية في العصر الجليدي و«الفترات بين الجليدية-Interglacial». أثر ذلك في تشكل التكتلات الجليدية التي أدت لهجرة الأنواع النباتية والحيوانية وبالتالي إغناء التنوع الحيوي. كما نوه الباحثون أنه بدون المد والجزر القمري لكانت البيئة البحرية فقيرة جداً بالأنواع الحيوانية.

ولكن هل يكون القمر مسؤولاً عن الحياة ذاتها؟

دورالقمر في نشأة الحياة

من جهة، قد تكون الحياة تشكلت حول فوهات المياه الحارة في المحيطات، وعندها يكاد ينعدم دور المد والجزر في ذلك. أما إذا تشكلت ضمن مياه المد والجزر يكون لقمرنا دور رئيسي في ذلك.

تشكل الحموض النووية الريبية الDNA والRNA أساسيات الحياة التي نعرفها. وهي غالباً أخذت وتطورت من مجموعة كبيرة متنوعة من جزيئات «الحموض النووية الأولية-protonucleic acids»، ولكن لأجل أن تتطور منها يجب أولاً أن تكون قادرة على الاستنساخ. الأمر الذي يتضمن تنظيم عملية النسخ عن طريق تجمع الجزيئات وتفككها دورياً.

وبما أن اليوم الأرضي كان حوالي 12 ساعة في ذلك الوقت؛ وفر ذلك مد وجزر أسرع وذو نطاق أوسع، حيث غطت المياه الأرض الحارة فتبخرت وزاد تركيز الملوحة عند الجزر. أمنت هذه البيئة المالحة مكاناً مناسباً للحموض النووية الأولية لترتبط وتتجمع في جزيئات خيطية.

أما عند حدوث المد؛ فستتفكك هذه الجزيئات نتيجة انخفاض تركيز الملح، ويعتقد أن آلية الاستنساخ هذه أسهمت في تشكيل الDNA من الحموض النووية الأولية.

تأثيره على حياتنا اليوم

طول اليوم

دارت الأرض بشكل أسرع في المراحل الأولى من عمرها، ولكن بفضل جاذبية القمر؛ تباطأ دوران الأرض تدريجياً مع ابتعاده في مدارات أعلى وأعلى فحصلنا على يوم طوله 24 ساعة.

أما بدونه فستهب الرياح بسرعة 100 متر في الساعة، وسيصبح طول اليوم حوالي 8 ساعات، مما سيؤثر على أنماط نوم واستيقاظ وحياة الأحياء.

الفصول المستقرة

يعتقد أن الاصطدام العنيف الذي شكّل القمر أمال محور الأرض 23.5 درجة مما تسبب في حدوث ظاهرة الفصول الأربعة. كما أن وجود القمر يساعد في الحفاظ على استقرار هذا الميلان فيتغير بحوالي 3 درجات فقط كل 41000 سنة.

بدون وجوده؛ لاستمر محور الأرض بالتذبذب بين 0 و 80 درجة عبر العصور. وما كان للحياة أن تتكون تحت هذه الظروف المناخية القاسية إلا إن كانت بكتيريا وأشكال الحياة الأولية فقط.

ضوء القمر

يعكس القمر ضوء الشمس مثلما تفعل الكواكب. ورغم تبيان دراسات إحصائية دقيقة عدم وجود أية علاقة بين البدر والسلوكيات الغريبة، إلا أن ضوءه يسهل الرؤية على البشر والحيوانات، وقد سجلت الدراسات تغيرات في معدل نجاح عمليات الافتراس عند الحيوانات المفترسة بسبب الضوء المضاف.

أطوار القمر

لطالما ألهم القمر وأطواره المتغيرة القصص والأساطير والأغاني والقصائد وحتى الكلمات مثل كلمة «Month»  الانكليزية والتي تعني شهر. كما استعين به لتحديد الوقت في التقويم القمري.

ويجدر الذكر أن القمر ذاته لا يتغير، وإنما المقدار الذي نراه منه عند النظر من الأرض هو ما يتغير خلال دورة تتكرر كل شهر.

تأثير القمر في النهضة العلمية

أحدث القمر ثورة علمية حقيقية. فرؤية غاليليو لسطح القمر الخشن عن طريق تلسكوبه زعزع الإيمان السائد عن كمال السماء. كما أن الأحجار القمرية المجلوبة في مهمات «أبولو-Apollo» أزاحت الستار عن أصل الفوهات القمرية وكذلك الموجودة على عطارد والزهرة والمريخ. بالإضافة لأهمية ذلك في معرفة كيفية تشكله.

وأخيراً؛ إذا كان القمر جزءاً أساسياً من عملية تطور الأحياء على كوكبنا، ربما يجدر بنا الأخذ بوجود قمر مماثل كمعيار في بحثنا عن حياة أخرى في الكون…

المصادر:
ScientificAmerican
LPI

أدلة المادة المظلمة، أعظم ألغاز علم الكونيات

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

افترض العلماء منذ عشرينيات القرن الماضي وجود مادة تختلف عن تلك التي نراها بالعين المجردة، وقد بينت الأبحاث الفلكية الأخيرة وجود مادة غريبة تسيطر على 80% من الكون. أطلق عليها اسم «المادة المظلمة-Dark matter»، فما هي؟ وما الذي يدفعنا للاعتقاد بوجودها؟

ما هي المادة المظلمة؟

لا نعلم الكثير حتى الآن، ولكننا نعلم أنها لا تصدر أو تمتص أي ضوء لأننا لا نراها. وبما أنها لا تحجب عنا أي جسم آخر فلا بد أن تكون شفافة. نعلم أيضاً أنها موزعة على أطراف جميع المجرات في الكون، بينما يقل تركيزها في وسطها.

في الحقيقة، يمكننا معرفة القليل عما في الكون الآن عن طريق العودة بالزمن للمراحل الأولى من عمر الكون، عندما كان مفاعلاً نووياً كبيراً بعد دقيقة واحدة من الانفجار العظيم. ويمكننا أن نحسب بدقة عدد الذرات في ذلك الوقت أو كما تسمى بالمادة الباريونية (مثل البروتونات والنيوترونات).

وعند القيام بهذه القياسات نجد أن الكون احتوى في ذلك الوقت على سُبع المادة والجاذبية الموجودة في وقتنا الحالي. لذلك فإن بعض المادة المظلمة مكون من الذرات العادية أي البروتونات والنيوترونات، إلا أن الغالبية العظمى منها شيء مختلف لا يتفاعل نووياً؛ سمي ب«المادة المظلمة غير الباريونية-Non-baryonic dark matter».

من الممكن أن تكون هذه المادة كتلاً تعرف باسم «أجسام الهالة المضغوطة العملاقة-MACHOs»، وقد تكون ثقوباً سوداء تدور حول أطراف المجرة بأعداد كبيرة. كما أن المقترحات الممكنة تتضمن الأقزام البنية الخافتة والأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية.

أدلة المادة المظلمة

تخيل أنه طلب منك حساب وزن مجرة ما، ولتكن مجرة قريبة بما يكفي لتسطيع دراستها عن كثب كمجرة المثلث (M33) مثلاً، وبما أنها واحدة من أقرب المجرات إلى درب التبانة يمكنك تمييز كل نجم فيها. والآن قد يخطر لك طريقتان؛ الأولى إحصاء عدد النجوم وكمية الغاز والغبار فيها ثم تقدير كتلتها بناءً على ذلك.

مجرة المثلث M 33
حقوق الصورة: https://stsci-opo.org/STScI-01EVSXBKFSDW3V458533P4SV7A.png

أما الطريقة الثانية فتعتمد على الجاذبية؛ كل ما عليك هو إيجاد جسم قريب من المجرة وتحديد قوة السحب التي تطبقها عليه، ثم يمكنك حساب الكتلة من قانون نيوتن للجاذبية. بالضبط!

ذلك ما فعله العلماء؛ لكن النتائج كانت صادمة.

توصل العلماء لنتيجتين مختلفتين تماماً باستخدام الطريقتين السابقتين، فالكتلة المحسوبة من قانون الجاذبية كانت أضعاف تلك المقدرة بناءً على الرصد.

ولفهم النتيجة السابقة لا بد من تحليل الطريقتين. الأولى تعتمد على الرصد المباشر لما نراه في المجرة، والثانية تعتمد على تأثير محتويات المجرة على الأجسام المحيطة بها، أي أن التأثير كان أكبر من الكتلة المرصودة. فما السبب؟

وليزداد الغموض أكثر؛ تكررت النتيجة السابقة عند دراسة أية مجرة في كوننا، كأن ما سبق مرتبط ببنية المجرات بشكل خاص. وبعد دراسات عدة لهذا التناقض بين الكتلة المرصودة وتأثيرها؛ تبين أنه ليس بكبير في المناطق الداخلية للمجرة، وإنما يزداد بشكل هائل على أطرافها! وكأنّه هنالك مادة مظلمة ما متناثرة على أطراف المجرة تزيد من كتلتها.

دلائل أخرى

ولم يكن ما سبق الدليل الوحيد على وجودها، من الدلائل الأخرى:

التعدس الثقالي

نصّت نظرية النسبية العامة لأينشتاين أن الجاذبية تسبب انحناء الزمكان، وبالتالي تنبأت بانحراف الضوء عن مروره قرب الأجسام الثقيلة في الفضاء. و«التعدس الثقالي-Gravitational lensing»هو انحراف الضوء بتأثير الجاذبية الهائلة مشكلاً ما يشبه العدسة.

والآن إذا طبقنا ذلك على المجرات سنجد مجرة تحني الفضاء بما يكفي لنرى الضوء آتياً من ورائها كالعدسة، ثم يمكننا حساب كتلة المجرة من معادلات حقل أينشتاين.

وكما هو متوقع، توقعت الحسابات كتلة أكبر بكثير مما هو مرصود في المجرة.

حرارة الغاز

عند تشكل المجرات يبدو الغاز وكأنه يتساقط فيها ليتجمع في وسطها ويبدأ تشكل النجوم. أما ما تبقى من الغاز فينضغط باستمرار وترتفع درجة حرارته بشكل كبير حتى يبدأ بإصدار «الأشعة السينية-X rays» مما يمكننا من تصويره في تلك الأطوال الموجية.

يمكننا الاستدلال على أن الغاز هذا في حالة توازن مع الجاذبية، لأنه إن لم يكن سينفجر بشكل كرة كبيرة بسبب الضغط. والآن لحساب كتلة المجرة؛ كل ما علينا هو معرفة درجة حرارة الغاز وضغطه عن طريق صورة الأشعة السينية وموازنته مع كمية الجاذبية اللازمة لحصول التوازن السابق.

وقد تبين أن هذه الطريقة تعطي نتيجة مماثلة للنتائج السابقة.

قد لا نتمكن من معرفة ماهية هذه المادة يوماً، ولكننا متأكدين أنها تسيطر على كوننا…

المصادر:
Space
Nature

الانقراض الأوردوفيشي، عندما انتقمت النجوم لموتها!

تعرضت الحياة على الأرض لخمسة انقراضات جماعية كبرى قتلت نسبة كبيرة من الكائنات الحية. يعد الانقراض الأوردوفيشي ثاني أكبر انقراض في تاريخ الأرض، حيث سبب اختفاء أكثر من 100 فصيلة من اللافقاريات البحرية منها «الترايلوبيت-Trilobite» المعروف بثلاثي الفصوص، وقد حدث في نهاية «العصر الأوردوفيشي-Ordovician period» منذ حوالي 440 مليون سنة متضمناً حدثي انقراض أساسيين بينهما حوالي 0.5-2 مليون سنة. يرجع العلماء السبب وراء الانقراض الثاني لفترة مفاجئة من التبريد السريع متبوعةً بفترة من الارتفاع الحراري السريع.

مستحاثة الترايلوبيت
حقوق الصورة:
https://static.wikia.nocookie.net/dinosaurs/images/0/03/Trilobite.jpg/revision/latest?cb=20130718022622

لطالما كانت احتمالية تأثر الحياة على الأرض بالأحداث الكونية أمرًا واردًا؛ حيث يعتقد الباحثون أن اصطدام كويكب عملاق سبب انقراض الديناصورات قبل حوالي 65 مليون عام. تقترح الفرضية التالية علاقة بين «التبريد العالمي-Global cooling» و«انفجارات أشعة غاما-Gamma-rays bursts».

كيف لانفجار أن يسبب انقراضًا؟

تنتج انفجارات أشعة غاما مقداراً هائلاً من الإشعاع في أحداث فلكية مهيبة قابلة للرصد في كوننا المنظور، بينما قد تشكل هذه الانفجارات تهديداً للحياة على الأرض إذا ما حدثت ضمن مجرتنا وتحديداً ضمن نطاق لا يتجاوز 10 آلاف سنة ضوئية من الأرض. وبحسب المعطيات الحالية؛ يقدر العلماء أن انفجاراً خطيراً قد يحدث بمعدل مرتين أو أكثر كل مليار سنة. أما شدة الخطر فتعتمد على المسافة أولاً، ومقدار الطاقة المتجهة نحو الأرض ثانياً لا على مقدار الطاقة الكلية المنتشرة في كل الاتجاهات. كما أن معدل حدوث انفجارات أشعة غاما كان أكبر في الماضي حين كان معدل تشكل النجوم أعلى.

ما هذه الانفجارات؟

وبالعودة لانفجارات أشعة غاما فهي شبيهة لحد ما ب«المستعر الأعظم-Supernovae»؛ ينهار النجم مخلفاً مادته وينتج وميضاً خاطفاً من أشعة غاما، ولكن هناك اختلافًا بسيطًا:  يكون المستعر الأعظم مجرد مفرقعات مقارنة بانفجار أشعة غاما! ولك أن تتخيل قوتها؛ فهي مرئية عبر مسافات شاسعة بسبب طاقتها الهائلة المتدفقة خلال ثوانٍ معدودة.

يرجح العلماء أن انفجاراً كهذا حدث قبل 440 مليون سنة ودفق كميات كبيرة من الإشعاع الضار إلى الجانب المواجه له من كوكب الأرض مسبباً مقتل الأحياء دون تمييز، بينما انتقلت العوامل الضارة الناتجة للنصف الآخر من الكوكب وجعلت منه عرضةً للأشعة فوق البنفسجية التي دمرت الأحياء البحرية.

إن معظم طاقة أشعة غاما تُمتص في منتصف طبقة «الستراتوسفير-Stratosphere» حيث تكون تركيزات غاز الأوزون مرتفعة، ويعمل كل فوتون منها على تأيين وتفكيك جزيئات هذا الغاز ويكون معظم تأثيرها على طبقة الأوزون. أما أهمية هذه الطبقة فتعود لامتصاصها 98% من الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس وحمايتها الأرض من أضرارها، وفي حالة تخربها تكون العواقب وخيمة! حتى أن الزيادة الضئيلة في وصول الأشعة فوق البنفسجية لسطح الأرض (10-30%) يمكن أن يكون ساماً للعديد من الأحياء مثل «العوالق النباتية-Phytoplankton»؛ التي تشكل الغذاء الأساسي للكائنات البحرية بالإضافة إلى دورها في إنتاج غاز الأوكسجين اللازم للتنفس.

إلا أن الأشعة فوق البنفسجية تجتاز عشرات الأمتار من الماء فقط، فتسبب موت الكائنات البحرية عند تلك الأعماق، أما تلك الأنواع التي تعيش في المياه العميقة فتنجو. وبذلك نجد أن الكائنات التي تعيش في المياه الضحلة عانت أكثر من قريبتها التي تعيش في المياه الأعمق ضمن فترة الانقراض الأوردوفيشي.

التأثيرات الأخرى

يمكن للماء حماية الأحياء البحرية من حرارة انفجارات أشعة غاما ولكنه يعجز عن صد تأثيراتها الأخرى. حيث تحول أشعة غاما النيتروجين والأوكسجين في الغلاف الجوي إلى ثنائي أوكسيد النيتروجين وهو ذاته الغاز البني المتواجد في «الضباب الدخاني-Smog» في المناطق المدنية حالياً. يشكل ثنائي أوكسيد النيتروجين حاجزاً يمنع مرور الأشعة الشمسية مما يجعل السماء مظلمة ويسبب انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة من جهة أخرى. يستطيع هذا التأثير التبريدي أن يحفز عصراً جليدياً، ولابد من ذكر وجود دليل على عملية تجلد اجتاحت العالم قبل 440 مليون سنة سميت العصر الجليدي الأوردوفيشي؛ مما يدعم الفرضية.

كما تسبب أكاسيد النيتروجين الأمطار الحامضية التي قد تكون عاملاً إضافياً للانقراض بالإضافة لانخفاض منسوب المياه المترافق مع التبريد العالمي، تعتبر هذه التأثيرات (تخرب طبقة الأوزون و الأمطار الحامضية والتبريد العالمي) تأثيرات طويلة الأمد، ويمكنها أن تنتشر لجميع أنحاء الأرض عن طريق الرياح القوية وغيرها.

يمكن الكشف عن الآثار الداعمة لحدث كهذا عبر جمع معلومات أكثر عن النمط الجغرافي للانقراض الأوردوفيشي؛ وحتى ذلك الوقت يبقى كل ذلك مجرد فرضية! فرضية جديرة بالثقة كما يدعي الباحثون.

المصدر:

Cornell university

انفجارات أشعة غاما، أعنف انفجارات الكون

هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تعد «انفجارات أشعة غاما-Gamma rays burst» أعنف وأقوى الانفجارات في الكون، كما شكل رصدها ثورة علمية حقيقية وفتح آفاق واسعة أمام العلماء لحل غموضها. فما هذه الانفجارات؟ كيف تحدث؟ وكيف كاد اكتشافها أن يسبب حرباً عالمية ثالثة؟

اكتشاف انفجارات أشعة غاما

كان اكتشاف انفجارات أشعة غاما مفاجأة حقيقية للعلماء؛ فعلى عكس الكثير من الاكتشافات العلمية لم يسبق وأن توقع وجودها في الكون. أما قصة ذلك فتعود لأيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد توقيع الطرفين على معاهدة حظرت إجراء التجارب النووية، فقد تخوف كل منهما من إجراء الآخر تجارباً لقنابل نووية في الغلاف الجوي؛ مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق أقمار صناعية للتأكد من ذلك. سميت تلك الأقمار ب «أقمار فيلا الصناعية-vela satellites» وقد اعتمدت في عملها على كواشف لرصد أشعة غاما التي تنتج بشكل رئيسي عن الانفجارات النووية.

حدثت المفاجأة عام 1967 حيث استشعرت الأقمار موجة قوية من الإشعاع، أوه لا بد أنهم السوفييت!

ولكن لحسن الحظ أننا نفهم الفيزياء بشكل كافي لنعرف أن مصدر الإشعاع ليس أرضياً وأنه ليس صادراً عن انفجار نووي؛ وإلا لكان العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة!

لكن ما هي أشعة غاما؟

يتدرج «الطيف الكهرومغناطيسي-Electromagnetic spectrum» بدءاً من أمواج الراديو ذات الأطوال الموجية الكبيرة جداً؛ والتي قد تصل لكيلومترات عدة، نزولاً إلى أمواج تبلغ سنتيمترات معدودة والتي تعرف باسم الأمواج الميكروية، والأشعة تحت الحمراء بطول يتراوح بين 5 إلى 10 ميكرون، والضوء المرئي عند نصف ميكرون، ثم الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وصولاً لأقصرها وهي أشعة غاما؛ مع طول موجي أقل من نصف قطر الذرة!

الطيف الكهرومغناطيسي

وبما أن أمواجها قصيرة فإن طاقتها عالية جداً وبالتالي ليس من السهل إنتاجها، قد تظن أنه من الممكن ذلك بتسخين جسم ما؛ نعم ذلك صحيح! ولكن ذلك الجسم لن يشع غاما قبل أن يبلغ مئات الملايين من درجات كلفن! ذلك أكثر حرارة من مركز الشمس وأعلى من أي شيء سبق اكتشافه في الكون. لذلك لم يتوقع العلماء رصد أشعة غاما من الفضاء. والآن عن لم يكن السوفييت؛ فمن إذاً؟

دراسات

أجريت دراسات عديدة لحل هذا الغموض، كما اقترحت عدة فرضيات لتفسير هذا القدر الكبير من الطاقة. إلا أن محدودية البيانات شكلت عائقاً في طريق اختيار التفسير الأنسب. كنا قد عرفنا بعض المعلومات فقط، مثل وجود نوعين من هذه الأمواج؛ قصيرة المدة وقوية وأخرى طويلة المدة وضعيفة، وأنها غير موزعة بشكل منتظم في الكون بل وتأتي من كل مكان.

الأمواج الضعيفة طويلة المدة

تتميز هذه الانفجارات بأن جميعها يتبع بانفجار «مستعر أعظم-Supernova» قوي مصحوب بشعاع من الضوء المرئي. يجدر الذكر أن كلمة ضعيفة تعني ضعيفة مقارنة بأمواج غاما الأخرى. أما مقارنة بأي شيء أخر لا تزال قوية جداً، فقد أطلق أحد هذه الانفجارات طاقة هائلة خلال دقائق تعادل ما تطلقه الشمس خلال ثلاثة مليارات سنة!

ومع تطور التلسكوبات، تمكن العلماء من تقدير الكتلة التي تحولت لطاقة لإنتاج هكذا أمواج قوية. بلغت تلك الكتلة حوالي 2.7 كتلة شمسية. والآن، بعدما أصبحنا نعرف هذا القدر من المعلومات؛ بات من الممكن أن نختار النموذج المناسب لتفسير تشكل الأمواج الضعيفة طويلة المدة والذي تبين أنها تشّكل ثقب أسود في المراحل المتقدمة من حياة نجم ثقيل جداً.

الأمواج القوية قصيرة المدة

لعل أكثر ما يميزها عن النوع الآخر أنها لا تتبع بأي انفجار مستعر أعظم. معظمها يحدث في مجرات بيضاوية، ولفهم ذلك تجدر الإشارة إلى أن المجرات البيضاوية عجوزة أي لا تحتوي أية نجوم عملاقة باقية لتشكل ثقوباً سوداء. وهو ما يتعارض مع النموذج المطروح لتفسير الظاهرة.

والتفسير في هذه الحالة أن الانفجار نتج عن اندماج نجمين نيوترونيين تشكلا بانفجار مستعر أعظم عندما كانت المجرة شابة. وفي عام 2020 تم رصد أمواج ثقالية ناتجة عن اندماج مشابه تبين أنه انفجار غاما قوي وقصير المدة.

وما يميز نموذج الاندماج النيوتروني أنه يقدم إجابة لسؤالين مهمين:

أولهما التساؤل عن السبب وراء عدم رؤية ضوء مرئي يتبع الانفجار. وللإجابة عن ذلك، تخيل اندماج نجمين نيوترونيين وتناثر محتوياتهما من مواد ثقيلة ونيوترونات. عند تصادم النيوترونات بذرات العناصر سيتشكل عنصر أقل ثباتاً والذي بدوره سيضمحل. ولكن تتبقى الكثير من النيوترونات بعد؛ بالتالي ستستمر هذه العملية بالتكرر وقد تتمكن من إنتاج أي عنصر تريد مثل اليورانيوم. هذه العناصر الثقيلة المشعة ستستمر بامتصاص الطاقة الناتجة عن الانفجار فلن تر أي ضوء مرئي.

ثانيهما كيفية تشكل المواد الثقيلة، لتلك اللحظة توصل العلماء لطريقة تكون العناصر حتى الحديد في أنوية النجوم الثقيلة. ولكن بقي التساؤل عن تشكل العناصر الأثقل كالذهب مثلاً قائماً. يرجح أنها تشكلت بالطريقة السابقة، حيث استمرت عملية الاضمحلال واصطدام النيوترونات وصولاً للعناصر الأثقل.

أجل؛ يمكن القول أن جرة الذهب لا تقبع أسفل نهاية قوس قزح؛ بل في نهاية انفجار غاما القوي قصير المدة!

المصادر:
annual review
iop science
iop science
oxford academic

ما هي الكوكبات النجمية وما أهميتها؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

استحوذت سماء الليل بأجرامها الرائعة على اهتمام البشر منذ أول تجوالٍ لهم على الأرض. ومنذ فجر الإنسانية وعبر حضاراتها المختلفة نسب الإنسان أسماءً وقصصًا شاعرية أسطورية لها. ولا سيما للأشكال التي ترسمها النجوم في السماء والتي نعرفها اليوم باسم الكوكبات النجمية أو الأبراج الفلكية. فما هذه الكوكبات؟ وما أهميتها في حياتنا المعاصرة؟

ما هي الكوكبات؟

«الكوكبة النجمية-Constellation» أو البرج الفلكي هي مجموعة من النجوم البعيدة التي ترسم شكلاً معينًا في السماء واستطاع علماء الفلك إطلاق اسم محدد عليها.


وكون هذه النجوم مجتمعة ضمن برج فلكي معين لا يعني بالضرورة وجود أي ارتباط بينها في الواقع. فبالرغم أن بعضها يكون قريبًا أو متجمعًا ضمن عنقود كما هو الحال في عنقود وكوكبة الثريا؛ إلا أنها غالبًا ما تكون بعيدة جدًا عن بعضها البعض. ولكن منظورنا الأرضي هو ما يجعلنا نراها متقاربة ونضمها في مجموعات. فإذا قمت برسم خطوط خيالية بين تلك النجوم؛ فغالبًا ما سترى شكلًا قابلاً للتمييز قد يكون إنسانًا أو حيوانًا أو جمادًا حتى!

وفي وقتنا الحالي يوجد 88 كوكبة مصنفة بشكل رسمي من قبل الاتحاد «الفلكي الدولي-IAU».

أصلها وأقدم تسجيل لها

يعتقد بحسب الدراسات الأثرية أن أول تسجيل فعلي للأنماط النجمية يعود إلى ما قبل 17300 عام. حيث سجل أسلافنا رؤيتهم لعنقود الثريا على جدران كهف في منطقة «لاسكو –Lascaux» جنوب فرنسا.

كما تعود أكثر من نصف الكوكبات الرسمية للحضارة الإغريقية، التي استكملت بذلك عمل الحضارة البابلية والمصرية والأشورية. بالإضافة إلى ذلك؛ فقد سجل بطليموس 48 كوكبة فلكية ضمن الكتابين السابع والثامن من أطروحته المعروفة ب «الماجست-almagest»، وعلى الرغم من كل ذلك فلا تزال الأصول الدقيقة لتلك الأبراج غير مؤكدة.

ما الكوكبات التي نراها ليلاً؟

يعتمد ذلك على عاملين رئيسين: أولهما موقع الأرض في مدارها حول الشمس أو الوقت من السنة. فنتيجة دوران الأرض حول الشمس تكون الأرض في موقع مختلف كل ليلة وبالتالي تختلف رؤيتنا للسماء بشكل ضئيل. حيث تنزاح النجوم بشكل بسيط إلى الغرب عما كانت عليه الليلة الماضية. على سبيل المثال، إذا نظرت إلى السماء يوم 21 سبتمبر سترى غالباً كوكبة الحوت، لكنك لن تتمكن من رؤية كوكبة العذراء لأنها ستكون من جهة الشمس؛ أي تظهر في السماء خلال فترة النهار مع ظهور الشمس وبالتالي لن تراها بسبب ضوء الشمس.

وثانيهما موقع الراصد على كوكب الأرض. فنتيجة ميلان محور الأرض بمقدار 23.5 درجة؛ يكون النصف الشمالي من الأرض موجهًا باتجاه مختلف عن النصف الجنوبي. لهذا السبب يرى فلكيو أستراليا كوكبات مختلفة عما يراه فلكيو أمريكا!

ما أهمية الكوكبات في علم الفلك الحديث؟

استُخدمت الكوكبات النجمية في الملاحة منذ قديم الزمان، حيث اعتمد البحارة والمسافرون عامة عليها في تحديد الاتجاهات معتبرين السماء خريطتهم، أما الآن ومع تطور نظم الملاحة الحديثة يكاد ينعدم استخدامها إلا في نطاقات محدودة.

ولعل أبرزها استخدامها كنقاط استدلال في السماء، فالكوكبات تبقى ثابتة في مكانها المحدد لسنوات طويلة، ولا تتحرك في السماء إلا على مدار اليوم نتيجة دوران الأرض حول نفسها، ونتيجة لذلك فقد تم تسمية العديد من النجوم والسدم وغيرها من الأجرام السماوية تبعًا للكوكبة النجمية التابعة لها.

فمثلًا اعتمد علماء الفلك على تسمية زخات الشهب حسب اسم الكوكبة التي تبدو الشهب آتية منها، فشهب «الجباريات-orionids» التي تحدث في شهر أكتوبر سنويًا تظهر وكأنها قادمة من كوكبة الجبار.

والجدير بالذكر أن دور الكوكبات في الملاحة لم ينته بعد، فلا تزال ناسا تدرب رواد الفضاء التابعين لها على الاستدلال بالنجوم أو ما يعرف باسم “الملاحة السماوية” وذلك استعدادًا لأي خطر طارئ قد يحدث في أجهزة الملاحة المتقدمة التي يستخدمونها.

المصادر:

NASA
IAU

ما هي البقع الشمسية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

تلعب الشمس دورًا هامًا في تحديد مناخ كوكب الأرض لا سيما أنها مصدر الطاقة الحرارية الرئيسي له. ولدراسة تأثيرها على المناخ؛ يلجأ علماء الفلك لقياس مستوى النشاط الشمسي عن طريق حساب عدد البقع الشمسية. فما هذه البقع وكيف تتشكل؟ وكيف يُحسب عددها؟

ما هي البقع الشمسية وكيف تتشكل؟

من المعروف أن الشمس لا تدور ككيان واحد؛ فمناطقها الاستوائية تدور أسرع من القطبية. كما تمتلك الشمس مجالاً مغناطيسياً قوياً تتصل خطوط حقله بالقطب الشمالي للشمس من جهة وبالجنوبي من جهة أخرى. إلا أن اختلاف سرعة الدوران تلك تؤدي إلى فتل ولوي خطوط الحقل المغناطيسي فتخرج من سطح الشمس في بعض المواقع مشَكِّلةً أزواجاً من البقع الداكنة تعرف ب«البقع الشمسية-Sunspots».

ونتيجة لقوة الحقل المغناطيسي في هذه البقع؛ لا تنتقل التيارات الحرارية بشكل جيد من داخل الشمس إلى سطحها؛ مما يجعلها أبرد وأقل توهجًا من غيرها من المناطق الأخرى من الشمس، حيث يبلغ متوسط درجة حرارتها حوالي 4500 درجة مئوية (أي أقل ب1500 درجة من متوسط حرارة سطح الشمس). يمكن أن تظهر البقع في أي مكان من سطح الشمس ويمتد ظهورها من عدة ساعات لعدة أشهر، كما تتميز بأنها غير ثابتة الشكل أو الموقع؛ حيث تتوسع وتتقلص أثناء حركتها وقد يصل طول قطرها إلى 80,000 كيلومتر.

أول رصد للبقع الشمسية

في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد، سجّل الصينيون رؤيتهم لبقع داكنة على الشمس. ولكن أول رصد فعلي للبقع الشمسية يعود لعام 1610م، حين قام كل من الإيطالي «غاليليو غاليلي-Galileo Galilei» والهولندي «يوهانس فابريسيوس-Johannes Fabricius» والألماني «كريستوفر شينر-Christopher Scheiner» والإنكليزي «توماس هاريوت-Thomas Harriott» برصدها كل منهم على حدى، فقد رصد كل من الرجال الأربعة بقع على الشمس عن طريق تلسكوباتهم، ورسموا مخططات توضح تغيرات أشكال هذه البقع ومواقعها.

رسم يوضح تغيرات البقع الشمسية من قبل غاليليو غاليلي عام 1612

الدورة الشمسية

تمتلك الشمس في بعض الأحيان عددًا كبيرًا من البقع الشمسية؛ بينما يقل ذلك العدد حتى ينعدم في أحيان أخرى. وفي عام 1843م اكتشف الكيميائي والفلكي الألماني «هنريك شويب-Heinrich Schwabe» وجود نظام دوري لتغير أعداد البقع الشمسية كل 11 سنة وأسماه ب«الدورة الشمسية-Solar Cycle». تسمى الفترة من الدورة الشمسية التي ينخفض فيها نشاط البقع ب «الحد الأدنى من الطاقة الشمسية-Solar Minimum»، بينما تعرف الفترة الدورية ذات النشاط الشمسي المرتفع ب«الحد الأعلى من الطاقة الشمسية-Solar Maximum».

أما حالياً فيحسب عدد البقع من العلاقة:

R=K(10g+s) حيث:

K  عامل التحجيم المتغير (غالباً <1) يشير إلى مجموعة عوامل منها ظروف الرصد وحالة التلسكوب.
G  عدد مجموعات البقع.
S  عدد البقع المنفردة في كل مجموعة.

مخطط الفراشة

يبين «مخطط الفراشة-Butterfly Diagram» -الذي سمي نسبة لشكله- مواقع توضح البقع لكل دورة شمسية منذ عام 1874م، ويظهر أن تجمعات البقع تنشأ على خطوط العرض الوسطى للشمس، ثم تتوسع وتتحرك باتجاه خط الاستواء خلال فترة الدورة الشمسية.

عندما تصل البقع إلى خط الاستواء تكون الدورة الشمسية في مرحلة أدنى حد للطاقة، وعندها تبدأ بقع جديدة بالتشكل قرب خطوط العرض الوسطى.

مخطط الفراشة

التوهجات الشمسية وآثارها

خلال مدة الدورة الشمسية تحدث انفجارات ضخمة على سطح الشمس تدعى «التوهجات الشمسية-Solar flares»، قد تستمر هذه التوهجات الهائلة لعدة دقائق أو عدة ساعات وتصدر طاقة تعادل انفجار مليار طن من الديناميت! تحدث التوهجات الشمسية قرب البقع الشمسية وغالبًا ما تكون على طول الخط الفاصل بين المناطق ذات الأقطاب المغناطيسية المتعاكسة، أما التوهجات الأكبر فتحدث خلال السنين التالية للحد الأعلى من الطاقة الشمسية.

تعد التوهجات الشمسية هي السبب الأساسي في التشويش الذي يصيب إشارات الراديو الأرضية. فعند انبعاث الطاقة منها إلى خارج الشمس تتحول إلى رياح شمسية. والتي تتكون من جسيمات عالية الطاقة قادرة على اجتياز طبقة الغلاف الجوي الأرضي المسماة «الأيونوسفير-Ionosphere». وبما أن طبقة الأيونوسفير تلعب دورًا هامًا في نقل الإشارات الراديوية عن طريق عكسها لتعود إلى سطح الأرض. فإن التشويش الذي تحدثه الرياح الشمسية يمكن أن يؤدي إلى ضياع الإشارة الراديوية بشكل كامل.  

بالإضافة إلى ما يمكن أن تسببه الرياح الشمسية من تعطيل شبكات الطاقة المغذية للأقمار الصناعية. ففي عام 1979م تعطلت «محطة سكايلاب الفضائية-Skylab space station» ودخلت الغلاف الجوي للأرض نتيجة تعرضها لنشاط شمسي عالي الطاقة، وتناثر حطامها فوق المحيط الهندي وأجزاء من أستراليا الغربية.

وبذلك نرى أن أعظم التكنولوجيا الأرضية قد تتعطل من نشاط نجم يبعد عنا حوالي 150 مليون كيلومتر!

المصدر:

NASA

كرة دايسون، مصدر طاقة لا تنتهي

يرتب «مقياس كارداشيف-Kardashev scale» الحضارات الفضائية الافتراضية إلى ثلاث أنواع رئيسية بناء على مقدار الطاقة التي يستخدمها كل منهم، على النحو التالي:
• النوع الأول، يستطيع هذا النوع السيطرة على كافة أشكال الطاقة المتاحة على كوكبه.


• النوع الثاني، يستطيع هذا النوع السيطرة على كل الطاقة القادمة من النجم الذي يدور حوله كوكبه.

• النوع الثالث، يستطيع هذا النوع السيطرة على كل الطاقة التي تحتويها مجرته.

ونحن كبشر لم نبلغ النوع الأول، ولكن كيف لنا أن نسيطر في يوم من الأيام على طاقة الشمس الكاملة؟
الحل في بناء كرة دايسون

ما هي كرة دايسون؟

كرة دايسون هي بناء تخيلي يُبنى في الفضاء، حيث يكون عبارة عن كرة تحيط بالنجم لاستخراج طاقة ذلك النجم الضوئية، تماما مثلما نفعل مع الخلايا الشمسية، ولكن بالطبع على مقياس أكبر.

تم تقديم نموذج كرة دايسون عام 1960 على يد الفيزيائي «فريمان دايسون-Freeman Dyson»، حيث افترض وجود حضارة فضائية تسعى لإيجاد طاقة تناسب معدلات استهلاكها المتزايدة، وكان الحل الذي اقترحه هو بناء كرة حول النجم الذي يدور حوله كوكبهم.

لماذا نحتاج إلى كرة دايسون؟

نحن في حاجة دائمة إلى الطاقة، فعدد البشر يتزايد بشكل مستمر، كما أن مخزون كوكبنا من الوقود الأحفوري على وشك الانتهاء، لذا فنحن نحتاج إلى مصدر طاقة نظيفة عظيمة.

ولك أن تفكر فيما يمكننا تحقيقه إذا وضعنا يدنا على هذه الكمية الكبيرة من الطاقة، فهذه الطاقة كافية لتنقلنا إلى حضارة من النوع الثاني، حيث سنمتلك وقتها الطاقة الكافية لتحويل المريخ، والسفر إلى النجوم الاخرى، وغيرها الكثير من الأمور التي نحلم بها.

كيف نقوم ببناء كرة دايسون؟

علينا أولًا أن نرى مدى صلاحية نموذجنا عنها، فهناك العديد من المشاكل في نموذج الكرة، حيث أنه سيكون مغلقًا ومتماسكًا، وهو ما يصعب بناءه ليحيط بنجم، بالإضافة إلى إمكانية تأثير جاذبية النجم عليه مما قد يؤدي إلى انهياره باتجاه النجم وهو ما سيسبب كافة أنواع المشاكل غير المرغوبة، بالإضافة إلى كمية الكويكبات الكبيرة التي تدور حول الشمس، حيث سيكون اصطدام كويكب بالكرة كافيًا لتفكيكها وانهيارها.

النموذج الغير مناسب


نحتاج إلى شيء أخف، ربما ليس كرة، ولكن سرب، نحتاج إلى سرب دايسون، وهو عبارة عن سرب كبير من الخلايا الشمسية التي تدور حول الشمس لاستخراج طاقتها الكبيرة، وتوجيه هذه الطاقة نحو نقطة مركزية لإعادة توجيهها نحو الأرض لاستخدامها في كافة أنواع الاستخدامات المختلفة.

النموذج المناسب


لنقوم بعملية البناء نحتاج إلى كميات كبيرة من الموارد والطاقة، وهو ما لا نجده على كوكبنا، لذا فالحل سيكون في اختيار أحد كواكب المجموعة الشمسية لتفكيكه واستخدام موارده لبناء كرة دايسون، ويبدو عطارد كاختيار مثالي، حيث أنه يحتوي على الكثير من المعادن، بالإضافة إلى قربه من الشمس وامتلاكه لجاذبية ضعيفة مقارنة بالأرض، مما سيتيح إطلاق الخلايا الشمسية إلى مدار الشمس بسهولة.

ولكننا نحتاج طاقة كبيرة كذلك لتفكيك كوكب عطارد، وهو ما سيجعل من بنائها مهمة صعبة، حيث أنها قد تتطلب عقودًا لإتمام عملية البناء التي ستتم على النحو التالي:

نقوم بوضع خلايا شمسية على سطح كوكب عطارد، وهو ما سيوفر الطاقة للبدء في عملية التعدين وإعادة تشكيل المعادن لصناعة الخلايا الشمسية الخاصة بكرة دايسون، ثم نقوم بإطلاق عدد صغير من الخلايا الشمسية التي صنعناها نحو مدار الشمس، ونستخدم الطاقة التي ستحصل عليها هذه الخلايا لصنع المزيد من الخلايا، حيث ستوفر خلية شمسية تدور حول الشمس الطاقة اللازمة لبناء واحدة مثلها، وستوفر اثنتان ما يكفي لبناء اثنتين مثلهم، وستوفر أربعة الطاقة اللازمة لصنع أربعة مثلهم، وهو ما يعرف ب«النمو الأسي-Exponential growth»، وعلى هذا النحو قد ننتهي من بناء كرة دايسون بعد 10 أعوام من البدء.

قد يبدو حلم كرة دايسون بعيد المنال في الوقت الحالي، لكنه لن يكون بذلك البعد على أحفادنا، فأجدادنا لم يكونوا قادرين على الحصول على المعلومات التي نستطيع الحصول عليها الآن بنقرة زر، وهي فكرة تدعو للتأمل.

المصادر

space
earthsky
nerdist

كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

خطى الإنسان أولى خطواته على عالم غير عالمنا في أواخر ستينيات القرن الماضي، عندما خطى أول خطوة على القمر كنا ندرك أن هذه ليست سوى خطوة صغيرة في طريق طويل بانتظارنا، عوالم كثيرة بانتظار من يستكشفها ومن يخلّد التاريخ اسمه كأول من خطاها بقدميه، ولكن ماذا عن ما وراء مجموعتنا الشمسية؟ هل سنزور النجوم التي نراها في سماء الليل يومًا ما؟ أم أنها ستظل حلمًا بعيد المنال؟ وكيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

لماذا قد نذهب إلى النجوم؟

أولى الأسباب هي الفضول البشري، فما العلم بكل ما قدم لنا من اختراعات واكتشافات إلا نتيجة للفضول البشري، وهنا يجب أن نرد على ما يقوله البعض بشأن علم الفلك، فيقولون أن إنفاق الأموال على الأبحاث المتعلقة بعلم الفلك عديمة الجدوى فهو فرع من العلوم لا يمس حياتنا بأي شكل من الأشكال، إلا أن في هذا الطرح ضيق أفق، حيث لم يكن مايكل فاراداي يملك أدنى فكرة عما نفعله اليوم باستخدام الكهرباء عندما كان يجري تجاربه البسيطة، ولم يكن يدري نيوتن أن قوانين الحركة الخاصة به هي التي سنستخدمها لمغادرة كوكبنا والتطلع إلى العوالم الأخرى، فالسؤال عن الجدوى لا يجب أن يكون مطروحًا.

ثم أن موارد كوكبنا تنقص يومًا بعد يوم نتيجة لزيادة عدد البشر وزيادة معدلات الاستهلاك، فنحن في حاجة للسكن في عوالم أخرى، للبحث عن موارد جديدة

ولعلك تتساءل عن عنوان المقال “كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟” وهو ما سنشرحه بعد قليل.

كيف نذهب إلى النجوم؟

لسوء الحظ، لن تجدي الطريقة المعهودة نفعًا عند السفر إلى النجوم، فلا يمكننا الاعتماد على الوقود الأحفوري، حيث يُعد نجم «قنطور الأقرب-Proxima Centauri» أقرب النجوم إلى مجموعتنا الشمسية، حيث يبعد عنّا 4 سنوات ضوئية فقط، إلا أن أسرع صواريخنا (أبولو 10) – والذي كان يتحرك بسرعة تقارب 40,000 كم/ساعة – سيحتاج إلى 100,000 سنة للوصول إليه!

وهنا يحين الوقت للكشف عن سر عنوان مقالنا الغريب.

ندما أبحر كولومبوس نحو الأمريكيتين كان يبحر بالسفن الشراعية، استخدم كولومبوس الأشرعة الهوائية لتحريك سفينته وسط أمواج المحيط حتى وصل إلى العالم الجديد، ونحن أيضًا يمكننا الذهاب إلى عالمنا الجديد باستخدام الأشرعة، ولكنها لن تكون أشرعة هوائية، بل ستكون أشرعة ضوئية.

كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

يكمن السر في قانون نيوتن الثالث الذي ينص على أن لكل فعل رد فعل معاكس له في الاتجاه ومساوي له في مقدار القوة.

فكّر في الأمر، إذا قمت ببذل أي مقدار من الطاقة في أي اتجاه في الفضاء سيُدفع بك في الاتجاه المعاكس بنفس المقدار الذي بذلته، أي أنك إن أضأت مصباحًا في الفضاء الخارجي، فسيؤدي هذا إلى دفعك في الاتجاه المعاكس للاتجاه الذي توجه فيه المصباح، ولكن ببطئ شديد بالطبع.

إذا فنحن نحتاج إلى أشرعة ضخمة لتجميع أكبر قدر من الضوء لإعطائها أكبر دفعة ممكنة نحو النجم الذي نرجو الوصول إليه، ولكي تنطلق الأشرعة عليها أن تعكس الضوء، وهو ما سيتطلب أن تكون هذه الأشرعة ذات سطح ناعم يعكس الضوء بسهولة، كالمرايا، لذا سنقوم بكسوة هذه الأشرعة الخفيفة بطبقة عاكسة للضوء.

ولكن من أين نحصل على الضوء؟

تُعد هذه الخطوة هي الخطوة الأصعب، حيث سنحتاج إلى طاقة ضوئية كبيرة، قد نحتاج هنا إلى بناء جهاز ليزر ضخم على سطح القمر، وهذا الليزر سيُزوّد بالطاقة عن طريق مفاعلات نووية موجودة على القمر، حيث أن تربة القمر غنية بنظير الهيليوم «هيليوم 3-Helium 3» نتيجة لتعرض تربته لأشعة الشمس المباشرة على مدى ملايين السنين.

قد نستخدم الهيليوم 3 في المفاعلات النووية التي سنبنيها على سطح القمر لتزويد جهاز الليزر العملاق بالطاقة اللازمة لإطلاق كمية كبيرة من الضوء لتحريك الأشرعة باتجاه النجوم بسرعة كافية، وهذا قد يعني أننا علينا أن ننتظر استعمار القمر وبناء المستوطنات عليه حتى نفكّر في السفر إلى النجوم، وهو ما قد يبدو محبطًا، إلا أنه ليس بعيد المنال، فأولى خطوات بناء المستعمرات هي الهبوط والاستكشاف، وهي ما بدأنا فيها من القرن الماضي وما زلنا نفعلها إلى الآن.

لم يفكر أجدادنا عندما اكتشفوا إمكانية استخدام الأقمشة لصنع أشرعة تستغل حركة الهواء لتحريك سفنهم في البحار أن أحفادهم سيستخدمون نفس الطريقة، ولكن هذه المرة ليس للتنقل في مياه البحار، ولكن في ظلام الفضاء، وليست من يابسة إلى يابسة، ولكن من نجم إلى نجم آخر.

المصادر

esa
space
nasa
sciencedirect

5 تنبؤات صحيحة قام بها أينشتاين

إذا سألت الناس عن أذكى رجل في التاريخ، سيجيبك معظمهم عن أينشتاين، ذلك الرجل الذي غيّر مفاهيمنا عن الكون بطريقة ثورية.
ولا يمكن ذكاء أينشتاين في نظرياته واكتشافاته وحسب، بل أنه قد تنبأ بأشياء اكتُشفت بعد وفاته، وسنتعرف اليوم على أبرز 5 تنبؤات له.

«الطاقة المظلمة-Dark energy»

عندما صاغ أينشتاين معادلات نظرية النسبية العامة، اكتشف أن وجود الكُتل الكبيرة على نسيج الزمكان ستؤدي مع الوقت إلى سقوط بعضها نحو بعض، فافترض وجود طاقة تتسبب في تمدد الكون، لتؤدي إلى التوازن الذي يمنع الكون من الانهيار على نفسه، ولكن المجتمع العلمي رفض هذه الفرضية، إلا أنه في عام 1998 اكتُشفت الطاقة المظلمة، وهي الطاقة التي تتسبب في تسارع تمدد الكون، أي أن أينشتاين كان على صواب حتى عندما أخطأ!

تمدد الكون

«تمدد الزمن-Time dilation»

تنبأت نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين بأن الوقت يتحرك بشكل أبطأ عند التحرك بسرعة أكبر، فإذا كان الجسم أ يتحرك بسرعة أعلى من الجسم ب، فإن الوقت يمر بشكل أبطأ على الجسم أ من مروره على الجسم ب، كما كان في فيلم Interstellar، وهو ما أُثبت في تجربة العالمين «جوزيف هافل-Joseph Hafele» و«ريتشارد كيتينج-Richard Keating»، حيث قاما بوضع ساعة ذرية في طائرة، وساعة ذرية أخرى على الأرض، وعند هبوط الطائرة وُجد فرق في حساب الوقت بالفعل.

تمدد الزمن

«عدسة الجاذبية-Gravitational lensing»

عندما يأتينا الضوء من النجوم أو المجرات البعيدة فإننا نراها في مكانها (على افتراض أنها ثابتة)، ولكن ماذا يحدث إذا كان هناك جسم ذو كتلة كبيرة بيننا وبين الشيء الذي نرصده؟

سيجذب هذا الجسم أشعة الضوء القادمة من الجسم المرصود، وبالتالي انحناء أشعة الضوء وهذا يؤدي بدوره لتشوه الصورة القادمة إلينا، فنرى الجسم في غير مكانه، أو نحصل على صورة مشوّهة، كان هذا ما تنبأت به نظرية النسبية العامة لأينشتاين، وهو ما أثبتته المشاهدات مرارًا وتكرارًا.

شرح ظاهرة عدسة الجاذبية
صورة مشوهة لمجرة

«الثقوب السوداء-Black holes»

الثقوب السوداء هي أجسام ذات كتلة كبيرة وكثافة عالية وبالتالي قوة جاذبية كبيرة، تؤدي إلى تشوه نسيج الزمكان، ولا يستطيع أي شيء الهروب من جاذبيتها بما في ذلك الضوء.

كانت نظرية النسبية العامة لأينشتاين هي أول ما تنبأ بوجود مثل هذه الأجسام وتنبأت بتأثيراتها الغريبة على الضوء، ولا نحتاج إلى القول بوجود الثقوب السوداء، فقد التُقطت أول صورة لثقب أسود عام 2019، لتثبت وبدون شك صدق تنبؤات أينشتاين.

أول صورة لثقب أسود

«موجات الجاذبية-Gravitational waves»

افترض أينشتاين قبل 100 عام حدوث تموجات في نسيج الزمكان إثر تصادم أجسام ذات كتلة كبيرة، وهو ما أُثبت في عام 2016 في مرصد «ليجو-LIGO»، حيث رصد الباحثون أثر موجات جاذبية ظلت تُسافر في الفضاء لمدة 1.3 بليون سنة، نتيجة لتصادم اثنين من الثقوب السوداء في الماضي السحيق.

موجات الجاذبية

قوة العلم

لم تكن تنبؤات أينشتاين -والتي تزيد عن الخمسة المذكورة أعلاه- نتيجة لقدرات سحرية، وإنما هو سحر العلم والرياضيات، واللذان عن طريقهما ندرس ما كان، لنتنبأ بما هو آت.

المصادر

earthlymission
nasa
worldscientific

لماذا سماء الليل مظلمة؟

 نعيش اليوم في كون لا نهائي من النجوم والمجرات، وأينما نظرنا في سماء الليل نرى نجمة أو مجرة منها، يشبه الأمر الوقوف في غابة لا منتهية من الأشجار؛ حتماً سترى شجرة في كل مكان! فلماذا إذاً تكون سماء الليل مظلمة مع كل هذا الحشد من النجوم؟

قد تعتقد أن ضوء المجرات البعيدة يخفت في طريقه إلينا؛ لكن سماءنا تذخر بعدد كبير من المجرات يزداد كلما نظرنا في أعماقها والذي يكفي لإنارة سماء الليل بأكملها.

يعرف هذا التناقض بين المنطق الذي يخبرنا أن سماءنا يجب أن تكون منيرة والواقع المتمثل بظلمتها باسم «مفارقة أولبرز-Olbers’ paradox» نسبة للفلكي الألماني «ه.و.م أولبرز-H.W.M. Olbers»، فما هي حلول هذه المفارقة؟ وما أبرز الفرضيات التي فشلت بحلها عبر التاريخ؟

أبرز الحلول الفاشلة

1.  المسافة

لقد كان «توماس ديغز-Thomas Digges» أول من لاحظ مشكلة أولبرز وكتب عنها عام 1576م، كما اقترح أول حل لها حيث اعتقد أن النجوم بعيدة جداً ويخفت ضوءها في طريقه إلينا لدرجة لا نتمكن من رؤيته نهائياً.

كما أعيدت صياغة هذه الفكرة بشكل أكثر تعقيداً في نظريات الضوء المنهك.

2.  الضوء المنهك

تعود الفكرة إلى «رينيه ديكارت-Rene Descartes»، إلا أنها اقترحت كحل للمفارقة لأول مرة من قبل «نيكولاس هارتسويكر-Nicolaas Hartsoeker»، الذي حاجج أن ضوء النجوم يمكن أن يخف ويصبح «منهكاً-Tired» في طريقه إلينا حتى يختفي تماماً عند وصوله للأرض.

وقد أعيد ذكر هذه الفكرة في القرن العشرين عند محاولة بعض الفيزيائيين تفسير الانزياح الأحمر للمجرات دون اعتبار تمدد الكون.

3. الامتصاص

كتب «جان فيليب لويس دو شيزو-Jean-Philippe Loys de Chéseax» عام 1744م أن طاقة الضوء قد تتناقص بمعدل أكبر مما ينص عليه قانون التربيع العكسي إذا كان الفضاء مكوناً من مائع قادر على امتصاص مقدار قليل من طاقة الضوء.

أعجب أولبرز بهذه الفكرة وتبناها عام 1823م كحل محتمل لمفارقته، إلا أنها فشلت في ذلك لأن الوسط المائع سترتفع حرارته بعد امتصاص الضوء وسيبدأ بالتوهج بنفس مقدار الضوء الذي امتصه سابقاً بحسب قانون «حفظ الطاقة».

 *قانون فيزيائي ينص على أن كمية أو قوة فيزيائية معينة تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة إلى مصدر هذه الكمية الفيزيائية 

4. التوزيع التجزيئي

نشر «هرشل-Herschel» نظريته عن الكون التجزيئي عام 1848م، والتي وصفت كوناً منظماً بمجموعات تجزيئية؛ فالنجوم منظمة ضمن مجرات والمجرات ضمن عناقيد مجرية وهكذا.. 

يمكن لفكرة هرشل عن الكون أن تفسر كون سماء الليل مظلمة؛ فيمكن افتراض أن المادة موزعة بشكل معين في الكون بحيث تكون بعض الاتجاهات فارغة ومظلمة تماماً.

قد تبدو الفكرة صحيحة نظرياً ولكنها تتعارض مع الواقع؛ فالكون يبدو متناظر بشكل مثالي تقريباً على المقياس الكبير (أي نفسه في كل الاتجاهات).

5. الفضاء المنحني

في عام 1872م اقترح «ج.ك.ف زولنر-J.K.F. Zöllner» حلاً مهماً للمفارقة افترض فيه أن أبعاد الفضاء الثلاثة كلها منحنية بحيث يمكن للخطوط المتوازية أن تلتقي، فالفضاء غير محدود ولكن مصادر ضوئه محدودة.

يفشل هذا التفسير عملياً لأن أمواج الضوء قد تنحرف بسبب الجاذبية وتصل إلينا من كل الجهات.

وعلى رغم فشل فكرة زولنر في حل مفارقة أولبرز؛ إلا أنه توقع خلالها انحناء الفضاء قبل أينشتاين بـ 43 عام!

6. الفراغات الأثيرية

وفي عام 1878م قدم «س. نيوكام-S. Newcomb» حلّه الجديد للمفارقة، حيث افترض أن الأثير الكوني* غير موزّع بشكل متساوً في أنحاء الكون؛ بل يتخلله في بعض الأماكن فراغات خالية منه تدعى «الفراغات الأثيرية-Ether voids»، والتي تشكل حواجز تمنع مرور الضوء.

ثم اقترح «ج.ي غور-J.Y. Gore» أن مجرة درب التبانة محاطة كلياً بفراغ أثيري لجعلها مناسبة أكثر لتفسير كون سماء الليل مظلمة.

فشلت هذه الفكرة في حل المفارقة لأنها لو كانت صحيحة فالفراغ الأثيري المحيط لدرب التبانة سيمنع الضوء الموجود فيها من الخروج جاعلاً إياه يرتد عن الحاجز الأثيري مضيئاً السماء بأكملها.

*مادة كان يُعتقد أنها تملأ كل الفضاء الكوني

الحلول الجديدة

1. العمر والطاقة المحدودة

بما أن سرعة الضوء محدودة فإن ضوء النجوم والمجرات البعيدة يحتاج لوقت كبير ليصل إلى الأرض، بالتالي تكون السماء مظلمة لأن غالبية النجوم بعيدة بشكل كبير بحيث لم يصل ضوءها لنا بعد. أعجب «جون مادلر-Johann Mädler» بهذه الفكرة وربطها مع فكرة عمر الكون المحدود لتقديم حجة أقوى؛ فكوننا ونجومه صغيرة في العمر بحيث لم يحصل ضوءها على الوقت الكافي لينير سماءنا بعد!

ومن جهة أخرى طاقة النجوم أيضاً محدودة ولا تملك الطاقة الكافية لإنارة كامل السماء، وقد دعم «هاريسون-Harrison» هذا الحل حسابياً عندما أثبت أن النجوم تحول 0.1% من كتلتها إلى طاقة، ولكن حتى لو حولت كامل كتلتها لن تسطيع إضاءة السماء أكثر مما يفعل القمر.

2. توسع الكون

وأخيراً قدم «ه. بوندي-H. Bondi» و«ت. غولد-T. Gold» و«ف. هويل-F. Hoyle» حلاً للمفارقة عام 1948م، حيث اعتقدوا أن الكون يبدو متماثلاً في كل الأوقات وكل الجهات «نظرية الحالة المستقرة-Steady State Theory»، كما أنه يتوسع بشكل مستمر جاعلاً الأمواج الضوئية تمتط ومُبعِداً فوتونات الضوء عن بعضها البعض، كلا التأثيرين يقللان من شدة الضوء الذي يصلنا من النجوم البعيدة بنسبة 40% مما يجعل السماء مظلمة.

رغم دحض نظرية الحالة المستقرة؛ إلا أن توسع الكون لا يزال مقبولاً كأفضل حل لمفارقة أولبرز.

وفي الختام نرى كيف يكمن وراء ظاهرة بسيطة كظلام الليل أحد أكبر أسرار الكون!

المصدر:

Towson university

كيف تُكتشف الكواكب الخارجية؟

كيف تُكتشف الكواكب الخارجية؟

ما هي الكواكب الخارجية؟

يطلق مصطلح «الكواكب الخارجية-Exoplanets» أو «الكواكب غير الشمسية-Extrasolar planets» على الكواكب المختلفة الموجودة خارج مجموعتنا الشمسية. يدور كل منها في نظامه النجمي الخاص باستثناء «الكواكب المشرّدة-Rogue planets»؛ التي تدور حول مركز المجرة دون أن تتبع نظاماً نجمياً محدداً.

تتنوع مكونات الكواكب الخارجية فتتدرج من كواكب صخرية كلياً تشبه الزهرة والأرض، وصولاً إلى كواكب غنية بالغاز أمثال المشتري وزحل، فلا يوجد تركيب محدد لها، رغم أن العناصر المكونة لها شبيهة جداً بتلك المكونة لمجموعتنا الشمسية؛ إلا أن طريقة تمازج هذه العناصر وتكوينها لمركبات متنوعة تختلف من كوكب لآخر. [1]

كيف تُكتشف الكواكب الخارجية؟

قام العلماء بتطوير طرق غير مباشرة لرصدها أهمّها:

 1. «السرعة القطرية-Radial velocity»

تؤثر قوة الجاذبية بين كل من النجم والكوكب؛ فيدور الكوكب حول نجمه لأنه أثقل منه وحقل جاذبيته أكبر، بينما يكون تأثير الكوكب على النجم ضئيل كَونَ حقل جاذبيته أضعف بكثير، ولكن إذا ما أخذنا هذا التأثير الضئيل بالحسبان نجد أنه يسبب تمايلاً في حركة النجم يتناسب طرداً مع كتلة الكوكب المؤثر؛ فالكواكب الصغيرة كالأرض مثلاً تملك تأثيراً ضئيلاً جداً يكاد لا يُلاحظ..

يتم الكشف عن تمايل النجم عن طريق رصد «تأثير دوبلر-Doppler effect»، الذي يعرف بأنه تمدد أو انضغاط الأمواج نتيجة حركة مصدرها؛ حيث تصبح الأمواج الضوئية أكثر تمدداً (تميل للأحمر) بابتعاد المصدر، وتنضغط (تميل للأزرق) باقتراب المصدر.

تعد هذه الطريقة إحدى أكثر طرق الكشف عن الكواكب الخارجية فعالية فهي تساعدنا في التعرف على كتلة الكوكب وخصائص مداره.

2. «القياسات الفلكية-Astrometry»

يمكن رصد التمايل النجمي السابق بطريقة أخرى تعرف باسم القياسات الفلكية؛ حيث يظهر التمايل بشكل تغيرات في موضع النجم الظاهري في السماء، تعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على تصوير النجم المراد دراسته ومقارنة الصور بشكل مستمر للكشف عن أي تغير في المسافات بينه وبين النجوم القريبة منه، ثم تحليل بيانات هذا التغير -إن وجد- في سبيل البحث عن الكواكب الخارجية التي سببته.  

تتميز هذه الطريقة بصعوبتها؛ فالنجوم تتمايل بمقادير صغيرة جداً صعبة الملاحظة خاصةً إذا كان الكوكب المؤثر على النجم صغير الكتلة، إضافة لأنها تتطلب عدسات فائقة الدقة عند التصوير. ويزداد الأمر صعوبة عند التنفيذ من الأرض؛ لأن الغلاف الجوي يقوم بتشويه الضوء وحنيه.

3. «التصوير المباشر-Direct imaging» 

تعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على التقاط صور النجوم، ثم إزالة الوهج الشديد المنبعث منها بحثاً عن الكواكب التي قد تكون بجوارها، فرغم أن الكواكب الخارجية البعيدة خافتة جداً مقارنة بنجومها الساطعة والتقاط صور لها شبه مستحيل؛ إلا أن التقنيات الحديثة جعلت ذلك ممكناً. حيث يستعمل الفلكيون تقنيتين رئيستين لتخفيف وهج النجوم المرصودة وهما:

1. «الكورونجراف-Coronagraph»:

جهاز يوضع داخل التليسكوب لحجب وهج النجم قبل وصوله إلى حساس التلسكوب. 

2.«ستارشيد-Starshade»:

جهاز يوضع بحيث يحجب وهج النجم قبل وصوله إلى التليسكوب. 

4. «ظاهرة العبور الفلكي-Transit»

يشبه العبور الفلكي إلى حد كبير ظاهرة الكسوف؛ حيث يمر القمر بين الأرض والشمس بشكل يحجب ضوء الشمس عن الأرض مؤقتاً، أما في العبور الفلكي يمر الكوكب أمام نجمه حاجباً ضوءه بمقدار ضئيل جداً يكون غير مرئي في حالة الكواكب الخارجية البعيدة، ولكن إذا ما قمنا بمراقبة كمية الإشعاع المنبعث من النجم بشكل مستمر نستطيع ملاحظة أي تناقص في كمية الإشعاع؛ والذي بدوره يدلنا على وجود كوكب ما يدور حول النجم.

تفيد هذه الطريقة في معرفة بعض خصائص الكوكب المكتشف عن طريق قياس مقدار تناقص الضوء ومدة استمرار الظاهرة للتوصل إلى معلومات متعلقة بحجم الكوكب ومداره وبعده عن نجمه. كما قد نتمكن من معرفة مكونات غلافه الجوي ودرجة حرارته من خلال تحليل «طيف الضوء-Spectrum of light» المنعكس من الكوكب.

5. «التعدس الثقالي الدقيق-Gravitational microlensing»

تتميز الجاذبية بقدرتها على حني نسيج الكون «الزمكان-Spacetime» وتسبب اعوجاجاً فيه، وعند مرور شعاع ضوئي قرب جسم ثقيل يتأثر بجاذبيته فينحرف ويغير اتجاههينتج عن هذا الانحراف تأثيرات عديدة منها التعدس الثقالي؛ حيث تتصرف جاذبية نجم أو كوكب ما كالعدسة المكبرة جاعلةً الضوء القادم من نجم أبعد يتركز ويبدو أكثر سطوعاً لفترة مؤقتة، أما بالنسبة للراصد فيبدو تأثير التعدس كنجمة بعيدة يزداد سطوعها تدريجياً ثم تتلاشى، وإذا ما أثّر التعدس على كوكب سيبدو كومضة سريعة للضوء تسطع ثم تخفت، كما أن غالبية الكواكب المرصودة بهذه الطريقة هي كواكب مشردة تُحدِث ومضات ثقالية سريعة. [2]

تستمر جهود العلماء في البحث وتطوير تقنيات جديدة سعياً وراء اكتشاف حياة فضائية قد تكون مختبئة في إحدى زوايا الكون المظلمة…

المصدر:

[1] NASA

[2] NASA

إشعاع هوكينج | تأثير الكم في الثقوب السوداء

هذه المقالة هي الجزء 9 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

إشعاع هوكينج | تأثير الكم في الثقوب السوداء

في عام 1975 نشر العالم ستيفن هوكينج دراسة صادمة: الثقوب السوداء ليست سوداء حقاً بل تصدر إشعاعاً حرارياً! فما علاقة الكمّ والنسبية وكيف جمعت هذه الدراسة بينهما؟ كيف يحدث الإشعاع؟ وما أهم المشكلات المتعلّقة به؟

النسبية وأفق الحدث

بشكل عام تبدو علاقة النسبية واضحة هنا، فالإشعاع صادر عن الثقوب السوداء التي تُعتَبر إحدى أهم تطبيقات النظرية النسبية، أما بشكل خاص فغالبية الأمر متعلق بأفق الحدث، الذي يعرف بأنه منطقة حول الثقب الأسود تشكل الحد الذي لا يمكن لأي شيء أن يفلت منه؛ حيث تتجاوز سرعة الإفلات سرعة الضوء التي لا يمكن تجاوزها بحسب النسبية الخاصة [3].

ولكن ما علاقة نظرية الكم؟

في الحقيقة إن ادعاء هوكينج يستند بشكل أساسي إلى ميكانيك الكم؛ حيث أثبتت نظرية الكم أن الفضاء الفارغ ليس فارغ حقاً في المستويات دون الذرية، فحتى أكثر المناطق فراغاً في الكون تتذبذب فيها حقول الطاقة مؤديةً لتشكل أزواج من الجسيمات الافتراضية بشكل مستمر، يتكون كل زوج منهما من جسيمين متكافئين في الكتلة ومتعاكسين في الطاقة يشكلان ما يعرف بزوج جسيم-مضاد جسيم؛ ونتيجة لطاقتهما المتعاكسة يُفنيان بعضهما فوراً في حادثة تعرف باسم «الفناء-annihilation»، حتى أن سبب تسميتهم بالجسيمات الافتراضية يعود لنفس السبب؛ فهذه الجسيمات تفنى قبل أن تصبح حقيقية [2].

كيفية حدوث إشعاع هوكينج

تتشكل الجسيمات الافتراضية السابقة قرب الثقوب السوداء كأي منطقة أخرى في الكون إلا أن الجاذبية الفائقة للثقب الأسود تحدث الفرق. فقد لاحظ هوكينج أنه عند تشكل زوج جسيم-مضاد جسيم قرب منطقة أفق الحدث تقوم قوى الجذب بفصل الجسيمين قبل أن يفنيان بعضهما. يسقط مضاد الجسيم (سالب الطاقة) في الثقب الأسود تاركاً قرينه الجسيم (موجب الطاقة) يغادر الثقب الأسود بشكل إشعاع هوكينج الذي يتكون من الفوتونات وجسيمات «النيوترينو- neutrino» وغيرها من الجسيمات الثقيلة. وتنص قوانين الكم على أن الجسيم الساقط في الثقب الأسود هو دوماً سالب الطاقة. وبالتالي سيقوم بإنقاص كتلة الثقب الأسود الذي سقط فيه فيبدو وكأنه ينكمش بمرور الزمن. [1] [2]

كيف يمكن لجسيم سالب الطاقة أن يكون حقيقاً ليؤثر في كتلة الثقب الأسود؟


رغم أن الجسيمات السالبة الطاقة لا يمكن لها التواجد بشكل حقيقي خارج منطقة أفق الحدث. إلا أنها تصبح حقيقية عندما تسقط في الثقب الأسود، بدايةً ليكون الجسيم حقيقياً يجب أن يملك طاقة موجبة بالنسبة إلى إحداثيات الزمن. أي أن يتحرك إلى الأمام من الحاضر إلى المستقبل لا العكس. وفي الثقب الأسود تجبر جاذبيته الجسيمات على ذلك بغض النظر عن طاقتها. [3]

لماذا الجسيم السالب هو من يسقط وليس الموجب؟

لا يمكن للجسيم الموجب أن يتجاوز أفق الحدث بينما يبقى الجسيم السالب خارجاً، لأن الجسيم السالب الطاقة لا يمكنه التواجد كجسيم حقيقي خارج منطقة أفق الحدث [3].

مفارقة معلومات الثقب الأسود:

وبالعودة إلى ميكانيكا الكم نجد أكبر المشكلات التي تحيط بفكرة إشعاع هوكينج وهي«مفارقة معلومات الثقب الأسود-black hole information paradox». فبحسب قوانين الكم لا يمكن أن تضيع المعلومات. ولا بد من وجود طريقة لاستعادة المعلومات، كمعرفة ما يدخله عبر قياس الحالة الكمية للإشعاع الصادر عنه. إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة؛ فقد أوضح هوكينج أن الإشعاع الصادر شديد العشوائية بحيث لا يمكننا استخلاص أي معلومات مفيدة منه حتى ولو راقبنا الثقب الأسود يتبخر كاملاً! وقد قسمت هذه المفارقة العلماء إلى مجموعتين. منهم يدعي أن المعلومات ستختفي بموت الثقب الأسود والذي يتعارض مع قوانين ميكانيكا الكم. وحينها على العلماء إيجاد قوانين جديدة أفضل! والمجموعة الأخرى تتمسك بقوانين الكم التقليدية. وما زلنا بانتظار الدراسات أو الاكتشافات الجديدة التي ستثبت خطأ أحدهما وتحدث ثورة في هذا المجال. [1]

المصادر:

[1] nature
[2] nature
[3] springer

انعكاس المجال المغناطيسي للأرض، سببٌ أخر لفناء البشرية.

منذ 42 ألف سنة تقريبًا، وفي الوقت الذي كان يعيش فيه إنسان النياندرتال جنبًا إلى جنب مع الإنسان العاقل في أوروبا. انعكس المجال المغناطيسي الأرضي وضعف تدريجيًا، سامحًا للجسيمات دون الذرية الأتية من الشمس أن تخترق غلافنا الجوي. مما سبب كارثة مناخية على الأرض أدت إلى عدة انقراضات وربما تكون هي من قتل إنسان النياندرتال. فهل سيكون انعكاس المجال المغناطيسي للأرض سببًا أخر لفناء البشرية؟

المجال المغناطيسي للأرض

يحمي المجال المغناطيسي كوكب الأرض من الجسيمات دون الذرية الأتية من الشمس. هذه الجسيمات شديدة التأثير على الإنسان وعلى كافة أنواع الحياة الأخرى. فكوكب المريخ مثلا يفتقر اليوم إلى مجال مغناطيسي قوي، وتعتبر الظروف الموجودة على سطحه مدمرة جدًا للحياة لدرجة أن أي ميكروبات قد تعيش على المريخ ستعيش تحت سطحه. أما على الأرض، فيضمن المجال المغناطيسي وجود الحياة واستمرارها.

انعكس المجال المغناطيسي الأرضي أكثر من مرة سابقًا وسينعكس مستقبلًا. ومع انعكاسه فإنه يضعف ويتلاشى في بعض الأحيان. وفي كوكب يدعم الحياة مثل كوكب الأرض فإن اختفاء المجال المغناطيسي سيسبب حتمًا كارثة على الحياة فيه.

المجال المغناطيسي يحمي الأرض من الجسيمات دون الذرية الأتية من الشمس

الأشجار أرشيف للغلاف الجوي

تقدم ورقة بحثية نُشرت في مجلة《 Science》 تأريخًا دقيقًا بشكل مثير للإعجاب لأخر انعكاس للحقل المغناطيسي للأرض. عبر دراسة حلقات أشجار ماتت منذ عشرات ألاف السنين تبين أن الفترة التي انعكست فيها الأقطاب المغناطيسية للأرض حصل فيها أيضا تغير واضح في المناخ.

التقط العلماء المشاركون في الدراسة دليل هذا التغير من أشجار《كوري-kauri》، التي تعتبر أحد الأنواع المميزة الأصلية لنيوزيلندا. هذه الأشجار كبيرة جدًا وطويلة العمر، ويصل عمرها إلى أكثر من 1000 عام. وغالبًا ما يبقى خشب الشجرة مدفونًا في المستنقعات، حيث يبلغ عمر بعض العينات عشرات الآلاف من السنين.

يقول 《فلوريان أدولف- Florian Adolphi》، عالم المناخ القديم في معهد ألفريد فيجنر، إن أشجار الكوري شبه الأحفورية هي أرشيف مثير لتكوين الغلاف الجوي. يمكن أن تعيش هذه الأشجار لعدة آلاف من السنين. وتسجل التغيرات السنوية لكمية الكربون المشع في الغلاف الجوي أثناء نموها، وهو ما قاسه فريق البحث بدقة.

أشجار الكوري.

يعود تاريخ الأشجار المدروسة إلى وقت حدث 《Laschamps》 ، وهو الإسم الذي يطلق على حدث الأقطاب المغناطيسية الأرضية، وحدث ذلك منذ حوالي 40 ألف عام. تم تأريخ العينة باستخدام تقنية الكاربون 14، وحسب حلقات الأشجار الفردية تم استنتاج الظروف المناخية التي كانت سائدة في السنوات الفردية في تلك الفترة.

يمكن أن توفر دراسة النظائر الأخرى الموجودة في الخشب تقديرات تقريبية لكل شيء. من النشاط الشمسي في تلك الفترة إلى أنماط هطول الأمطار.

وجد الفريق أن كمية الكربون 14 في حلقات الأشجار المترسبة في ذلك الوقت شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، بما يتفق مع وصول المزيد من الجسيمات دون الذرية إلى الأرض بسبب تلاشي مجالها المغناطيسي.

ثقب الأوزون

لم يقتصر الأمر على زيادة نسبة الكربون. فباستخدام نموذج لكيمياء الغلاف الجوي، وجد الباحثون أن هذه الجسيمات الأتية من الشمس يمكن أن تولد مواد كيميائية تدمر طبقة الأوزون. وفقًا لغافن شميدت من ناسا، فإن ثقب الأوزون الناتج عن ذلك ليس كبيرًا مقارنة بثقب الأوزون الحالي.

كان الإشعاع غير المفلتر من الفضاء يكسر جزيئات الهواء في الغلاف الجوي للأرض، ويفصل الإلكترونات بحيث تخرج منها فوتونات الضوء وهي عملية تسمى التأين. أدى ذلك إلى موجة من التغيرات في الغلاف الجوي، بما في ذلك زيادة الضوء المبهر الذي نسميه بالشفق القطبي، والذي ربما لوحظ في ذلك الوقت ليس فقط بالقرب من القطبين ولكن في جميع أنحاء العالم.

تحليل  النتائج

بغض النظر عن نسبة الضرر الذي من الممكن أن يسببه هذا الحدث. إن الباحثين اليوم يحاولون ربطه بجميع الأحداث مجهولة الفاعل التي حصلت في تلك الفترة كإنقراض إنسان النياندرتال مثلًا.

كما أن أستراليا في تلك الفترة قد شهدت انقراضًا كبيرًا للحيوانات الضخمة. مما يشير إلى وجود ارتباط بين الانقراض ونسبة هطول الأمطار المتغيرة في نصف الكرة الجنوبي الذي يعتقد أن الإنعكاس المغناطيسي قد سببه. إنها فكرة مثيرة للإهتمام، على الرغم من أن أحداث الانقراض مثل هذه تمتد عادةً على فترات زمنية طويلة.

في ذات الفترة تقريبًا انتقل الإنسان العاقل من أفريقيا ومنطقة شبه الجزيرة العربية إلى أوروبا. وانقرض إنسان نياندرتال بعد ذلك بوقت قصير. في حين أنه من المعقول الشك في أن هذين الحدثين الأخيرين مرتبطان، إلا أنه ليس من الواضح سبب ارتباط أي منهما بانقلاب المجال المغناطيسي وأي تأثير له على المناخ. لكنه يبقى احتمالًا ضعيفًا.

تشهد هذه الفترة أيضًا نموًا في مدى وتطور فن الكهوف من قبل مجموعات البشر العقلاء المهاجرة. ومرة أخرى، يحاول الباحثون ربط هذا التطور الفني بالإنعكاس المغناطيسي. فبرأيهم إن البشر قد لجأوا إلى الكهوف هربًا من الإشعاعات القاتلة. واستخدموا المغرة الحمراء كواقي من أشعة الشمس القاتلة، وهكذا اكتشفوا هذه المادة التي استعملوها في الفن أيضًا.

الحقيقة هي أن البشر والنياندرتال كانوا يستخدمون المغرة الحمراء لأسباب فنية لعشرات الآلاف من السنين في تلك المرحلة كما أنهم سكنوا الكهوف لفترة طويلة.

يمكنك أن تقرأ أيضًا: الإنسان الأخير .. كيف انقرض إنسان النياندرتال؟

في المقابل فإن العديد من علماء المناخ وعلماء الأنثروبولوجيا قد أعربوا عن الكثير من الشكوك حول هذه الادعاءات. على الرغم من أن عددًا منهم وجد المزاعم الفردية مثيرة للاهتمام وتستحق المتابعة. لكن الاختبار الحقيقي لبعض هذه الأفكار سيأتي عندما يستخدم الباحثون الكربون 14 في تأريخ عينات أخرى تسجل التغيرات البيئية في تلك الفترة. سيعطينا هذا صورة أوضح عما إذا كانت الأحداث التي وقعت في نفس الوقت تقريبًا هي نتيجة لهذا الانعكاس القطبي أم لا.

مستقبل الأرض

هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الأقطاب المغناطيسية للأرض تتجه نحو انعكاس آخر. إذا حدث ذلك، فسيؤدي إلى كارثة عالمية تجعل من الفيلم 《 The day after tomorrow》 ليس سوى يوم ثلجي عادي.

حسب ما قال 《آلان كوبر- Alan Cooper》 المؤلف المشارك للدراسة إذا حدث شيء مماثل اليوم، فستكون العواقب وخيمة على المجتمع الحديث. الإشعاع الكوني القادم من شأنه أن يدمر شبكات الطاقة الكهربائية وشبكات الأقمار الصناعية التي تعتبر ركيزة حضارتنا اليوم.

بالطبع، مع انتشار جائحة عالمية اليوم، وتهديد مستمر للأرض من أخطار الإحتباس الحراري، وتخوف من حرب نووية مدمرة. فإن الانعكاس المغناطيسي كسبب لنهاية العالم يعتبر شيئًأ جديدًا علينا.

المصادر:

دراسة بحثية منشورة في مجلة Science.

تعدين الكويكبات، كنز في السماء

بلغت ثروة «جيف بيزوس-Jeff Bezos» صاحب شركة أمازون 190.8 بليون دولار، مما قلّده المركز الأول ضمن قائمة أغنى رجال العالم، إلا أن ثروات البشر على مدار التاريخ لم تبلغ التريليون الواحد، فلم يسبق أن امتلك فرد تريليون دولار من قبل، وفي حال كنت تريد أن تصبح أول تريليونير في التاريخ، فننصحك بتعدين الكويكبات.

ما هي الكويكبات؟

الكويكبات هي بقايا عملية تكوين نظامنا الشمسي، حيث بردت كتل الغازات إلى أن تصلبت، لكنها كانت أصغر من أن تكون كوكبًا، وهذا بسبب ضعف قوة الجاذبية الخاصة بها، فلم تستطع أن تتجمع مع بعضها البعض لتكوين كوكب.

وتختلف أحجام الكويكبات بفروقات شاسعة، حيث قد يكون قطر بعضها 10 أمتار فقط، بينما يبلغ حجم البعض الآخر أحجام بعض الدول!

كما أن للكويكبات أنواع مختلفة، حيث تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

• «نوع سي-C type»، وهو نوع من الكويكبات يتكون بشكل أساسي من الكربون والماء (على صورة جليد في أغلب الأحيان).
• «نوع إس-S type»، ويتكون هذا النوع من الصخور والسيليكات مع نسب قليلة من الحديد والنيكل.
• «نوع إم-M type»، وهو نوع من الكويكبات يتكون أغلبه من المعادن مثل الحديد والنيكل وبعض المعادن الأخرى.

وتتواجد الكويكبات في مكانين أساسيين في مجموعتنا الشمسية، وهما حزام الكويكبات بين المريخ والمشترى، وحزام كويبر الذي يحيط بمجموعتنا الشمسية من الخارج.

مما سبق نستنتج أن عملية تعدين الكويكبات هي القيام باستخراج المعادن منها.

لماذا نحتاج إلى تعدين الكويكبات؟

صرح عالم الفيزياء الفلكية الشهير «نيل ديجراس تايسون-Neil deGrasse Tyson» بأن أول تريليونير في التاريخ سيجني ثروته بفضل تعدين الكويكبات، ولا عجب في ذلك، إذ أن كويكب “16 سايك” وحده يحتوي على معادن بقيمة 700 كوينتليون دولار، أي ما يكفي لإعطاء 93 بليون دولار لكل شخص على كوكب الأرض!

يحتوي حزام الكويكبات وحده على ما يزيد عن 150 مليون كويكب، بمتوسط قطر يبلغ 100 متر، وتحتوي هذه الكويكبات على عناصر مهمة مثل الحديد، والنحاس، والقصدير، والنيكل، والذهب، والفضة، والبلاتينيوم، والزنك، والكوبلت، والرصاص.

نحن في أمس الحاجة إلى هذه العناصر والمعادن، فنظرًا للزيادة السكانية المستمرة على كوكب الأرض والتي يتزايد معها معدل استهلاك الموارد الطبيعية للكوكب، أصبح من المتوقع نفاد العناصر الأساسية المستخدمة في الصناعة في خلال 60 عامًا في أفضل الأحوال.

كما تستخدم هذه المعادن في صناعة الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، ولماذا نذهب بعيدًا؟ فجهاز الحاسب الآلي الخاص بك أو هاتفك الذكي الذي تقرأ منه هذا المقال مصنوع من هذه المعادن الثمينة.

ولك أن تتخيل عزيزي القارئ ما بوسعنا أن نصنعه إذا وضعنا أيدينا على هذه الثروة الهائلة الموجودة في الفضاء، فعند حصولنا على هذا الكم من المعادن والعناصر المهمة سيصير بمقدورنا بناء المستوطنات في الفضاء، واستعمار القمر والمريخ، والتوسعة في بناء المستعمرات حتى نبسط نفوذنا على أقمار المشترى وكل المجموعة الشمسية!

ولكن كيف نبدأ بتعدين الكويكبات؟

عملية التعدين

تنقسم عملية التعدين إلى خمس خطوات:

1- تحديد الكويكب المناسب.
2- الهبوط على سطحه.
3- نقل الكويكبات إلى مكان مناسب.
4- استخراج المعادن.
5- نقل المعادن إلى الأرض.

تعالوا لنناقش كل خطوة منها سويًا:

1- تحديد الكويكب المناسب

تتضمن هذه الخطوة دراسة الكويكبات ومكوناتها، ومن ثم تحديد أنسب الكويكبات والتي ستغطي قيمة المعادن المستخرجة منها تكلفة عملية التعدين، وهذا ليس بالأمر الصعب، فنحن بالفعل نستطيع معرفة مكونات الكويكبات عن طريق عملية «التحليل الطيفي-Spectroscopy»، حيث يمكننا تحليل الطيف الضوئي القادم من هذه الكويكبات، وكل مجموعة من الأطوال الموجية تشير إلى عنصر معين، وبهذا نستطيع تحديد مكوناتها.

2- الهبوط على سطح الكويكب

وهذا أيضًا شيء تمكن جنسنا البشري من تحقيقه، حيث كانت أول مرة نفعل فيها هذا في عام 2001 عندما هبطت مركبة وكالة الفضاء الأمريكية ناسا على كويكب “433 إيروس”.

كما نجحت اليابان في إرسال مهمة «هايابوسا-Hayabusa» عام 2003 لتهبط على كويكب «إيتوكاوا-Itokaua» لتقوم بأخذ بعض العينات الصخرية، وبالفعل نجحت المركبة في الهبوط عام 2005، وعادت بالعينات إلى الأرض عام 2010.

نجحت وكالة الفضاء الأوروبية في إرسال مسبار «روزيتا-Rosetta» الذي تمكن من الهبوط على مذنب «تشيريوموف جيراسيمنكو-Churyumov Gerasimenko» أثناء دورانه حول الشمس عام 2014.

فضلًا عن مهمة «أوزيريس ريكس-Osiris REx» التي أرسلتها ناسا، لدراسة كويكب «بينو-Bennu» والحصول على بعض العينات منه عام 2016، والتي من المقرر عودتها عام 2023.

كما أرسلت اليابان مجددًا مهمة «هايابوسا 2-Hayabusa 2» لدراسة كويكب «ريوجو-Ryugu» عام 2019.

وتستعد ناسا لإرسال مهمة «سايك-Psyche»، والتي من المفترض أن تطلق عام 2022 لدراسة كويكب “16 سايك” الذي ذكرناه مسبقًا، ومن المقرر عودتها عام 2026.

ومما سبق نستنتج أن هذه الخطوة ليست صعبة على الإطلاق، فنحن بالفعل نستطيع القيام بها.

3- نقل الكويكب إلى المكان المناسب

في هذه الخطوة سيتوجب علينا بعد الهبوط على سطح الكويكب أن نقوم بنقله من حزام الكويكبات إلى مدار قريب من الأرض لبدء عملية استخراج المعادن، فستقوم المركبات بتشغيل محركاتها لتوجيه الكويكب بعد الهبوط عليه، وبالطبع لن تكون القوة كافية لتدفعه المركبة تجاه الأرض مباشرة، ولكنها ستكون كافية لتغيير مساره ليصل إلى مدار الأرض في عملية طويلة المدى قد تمتد لعدة شهور أو أعوام في بعض الحالات، ولكن الأمر يستحق الصبر بأي حال.

4- استخراج المعادن

تختلف عملية استخراج المعادن على الكويكبات عن تلك على الأرض، حيث يصعب استخدام الحفارات العملاقة لأن هذا قد يؤدي إلى تفكك الكويكب وابتعاد أجزاءه عن بعضها البعض، ولهذا اقترح الباحثون استخدام أشعة الشمس، حيث سنقوم باستخدام المرايا العملاقة لتوجيه ضوء الشمس وتركيزه على نقطة معينة على سطح الكويكب، مما سيؤدي بدوره إلى تسخينها وبالتالي تطاير الغازات الموجودة على سطح الكويكب لفصلها عن المعادن، وهنا يمكننا أن نستخدم حفارات صغيرة بقوة تكفي فقط لتطاير غبار المعادن، ثم نقوم بتجميعها، وباستخدام قوة الطرد المركزي يمكننا فصل العناصر الكثيفة عن الأقل كثافة، وبهذا نحصل على المعدن في صورته الخام.

5- نقل المعادن إلى الأرض

ليست هذه العملية بالغة في الصعوبة، فما علينا بعد استخراج المعادن الخام إلى وضعها في حاويات لإرسالها إلى الأرض، ويكفي فقط أن تُلقى هذه الحاويات في المحيط لتلتقطها السفن بعد ذلك، دون أي تعقيدات أخرى.

مشكلة صغيرة

وفقًا ل «معاهدة الفضاء الخارجي-Outer space treaty» عام 1967، فإنه يُمنع على أي دولة أن تدعي امتلاك أي جزء من الفضاء الخارجي، مما سيجعل الشركات المسئولة عن التعدين تواجه المشكلات القانونية، كما أن الحروب على الأرض يكون سبب أغلبها هو الصراع على الموارد، فهل ينقل تعدين الكويكبات حروبنا إلى الفضاء؟

الخلاصة

نظر الإنسان في الماضي إلى الكويكبات على أنها لعنة من الآلهة لعقاب البشر على خطاياهم، إلا أننا تمكنّا من الهبوط عليها بل وحتى أخذ بعض العينات منها، فما كان غضب الآلهة في الماضي أصبح طريقنا نحو النجوم، وهذا ليس بخيال علمي، فنحن نمتلك التكنولوجيا لتحقيق ذلك في الوقت الحالي، فلم يعد السؤال المطروح هو “متى سنستطيع أن نقوم بتعدين الكويكبات؟”، ولكن أصبح “متى سنبدأ بتعدين الكويكبات؟”، فعلينا أن نتخلى عن خلافاتنا السخيفة، وأن نوجه أعيننا نحو السماء لتحقيق المجد.

المصادر

technologyreview
bbvaopenmind
mining
nasa
sciencedirect
interestingengineering
asteroidmining
armscontrol

Exit mobile version