الحركة الدادية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 7 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

الحركة الدادية: سلسلة الفن الحديث

في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، بدأت أوروبا تفقد قبضتها على الواقع، فكان عالم أينشتاين أشبه بالخيال العلمي، وقامت نظريات فرويد بوضع العقل في قبضة اللاوعي، وكانت الشيوعية تهدف إلى قلب المجتمع رأسًا على عقب، وبدأت سلالة جديدة من الفنانين في مهاجمة مفهوم الفن نفسه، حتى أن الفنان (مارسيل دوشامب) قام برفض كل اللوحات؛ لأنها صنعت للعين وليس للعقل.

وغالبًا ما كان الفن والشعر والأداء الذي أنتجه فنانو (الحركة الدادية) ساخر وغير منطقي، فقد كان هدفهم تدمير القيم التقليدية للفن وخلق فن جديد يحل محل القديم. فكما كتب الفنان هانز آرب: “لقد كرسنا أنفسنا في زيورخ للفنون بعد مذبحة الحرب العالمية، فبينما كانت البنادق تدق في الساحات، كنا نغني ونرسم ونكتب القصائد بكل قوتنا.”

Fashion Show, By: Hannah Hock, 1935

تأسيس الحركة الدادية

قام الكاتب (هوغو بول) بتأسيس الحركة الدادية عام 1916 بملهى في زيورخ بسويسرا. فكانت الدادية حركة فنية وأدبية نشأت كرد فعل على الحرب العالمية الأولى. وقد تأثرت بحركات حديثة أخرى كالتكعيبية والمستقبلية والتعبيرية، وكان إنتاجها متنوعًا وشاملًا بدءًا من فن الأداء إلى الشعر والتصوير الفوتوغرافي والنحت والرسم والكولاج.

The Art Critic, By: Raoul Hausmann, 1920

وكانت هي الحركة السابقة لحركة الفن المفاهيمي conseptual art، حيث لم يكن تركيز الفنانين على صياغة أشياء مبهجة من الناحية الجمالية، ولكن على صنع أعمال غالبًا ما قلبت الأساسيات وولدت أسئلة صعبة حول المجتمع ودور الفنان وحتى الغرض من الفن. فكان أعضاء الداداية مصممين على معارضة جميع معايير الثقافة لدرجة أن المجموعة كانت بالكاد تؤيد نفسها وقاموا بالهتاف كثيرًا قائلين “الدادية معادية للدادية”.

وقد كان تأسيس المجموعة في ملهى Cabaret Voltaire مناسبًا؛ فقد تمت تسمية الملهى على اسم الكاتب الفرنسي في القرن الثامن عشر فولتير الذي سخرت روايته (Candide) من حماقات مجتمعه.

طبيعة الحركة الدادية

في عام 1919، رسم مارسيل دوشامب شاربًا ولحية صغيرة على طبعة لوحة الموناليزا للفنان ليوناردو دافنشي، وكان تشويه دوشامب متعمدًا ويهدف إلى التعبير عن رفض فناني الدادية لكل من السلطة الفنية والثقافية. وكتب دوشامب لاحقًا: “في عام 1913، كانت لدي فكرة بربط عجلة دراجة بمقعد مطبخ ومشاهدتها وهي تدور.” مما يعتبر مقدمة لكل من الفن الحركي والمفاهيمي.

Marcel Duchamp, L.H.O.O.Q. 1919

وقد أطلق اثنان من القادة العسكريين الألمان على الحرب اسم “معركة المعدات”. لكن الداديين وكما كتب (هوغو بول) في مذكراته: “الحرب مبنية على خطأ فادح، فقد تم الخلط بين الرجال والآلات”.

ولم تكن الحرب فقط هي من أثرت على الحركة الدادية، ولكن تأثير وسائل الإعلام الحديثة والعصر الصناعي الحديث للعلم والتكنولوجيا هو ما أثار فناني الدادية. وقد قيل أن ممثل الإنسان اليوم ليس سوى زر صغير على آلة عملاقة لا معنى لها.

لكن الداديين سخروا من هذا التجرد من الإنسانية، فقاموا بتشبيه الإنسان في أعمالهم بالتروس والبكرات والأقراص والعجلات والرافعات والمكابس. وعندما قام الداديون بتمثيل الشكل البشري، غالبًا ما تم تشويهه وجعله يبدو مصنعًا أو ميكانيكيًا. فكثرة المحاربين القدامى المعوقين بشدة ونمو صناعة الأطراف الاصطناعية ألهم الفنانين المعاصرين لأنهم خلقوا سلالة من الرجال نصف الميكانيكيين.

The Skat Players, By: Otto Dix, 1920

وقد ابتكر أيضًا الفنان (راؤول هاوسمان) عمل فني من دمية ذات شعر مستعار وأشياء غريبة ​​مختلفة – محفظة من جلد التمساح ومسطرة وساعة جيب- وأطلق عليها اسم (رأس ميكانيكي – The Mechanical Head).

Raoul Hausmann, The Mechanical Head, 1920

أشهر أعمال الدادية

لكن يعد العمل الفني Fountain واحدًا من أشهر أعمال (مارسيل دوشامب – (Duchamp ويُنظر إليه على أنه رمز لفن القرن العشرين وبداية فن ما بعد الحداثة. فقد قام بتقديم (مبولة) كعمل فني إلى جمعية الفنانين المستقلين – الملتزمة بدستور يقبل كل ما يقدمه الأعضاء-، لكنهم قاموا برفضها مبررين ذلك بأنه لا يمكن اعتبار قطعة من الأدوات الصحية عملاً فنياً.

Fountain, By: Marcel Duchamp, 1917

ذكر دوشامب لاحقًا أن فكرة Fountain نشأت من مناقشة مع جامع التحف (والتر أرينسبيرج) والفنان (جوزيف ستيلا) في نيويورك. فقد اشترى مبولة من مورد أدوات صحية وقدمها كعمل فني من تصميم R. Mutt لجمعية الفنانين المستقلين، والتي ساعد دوشامب نفسه في تأسيسها والترويج لها.

وبعد مناقشةٍ وتصويت، قرر المديرون الحاضرون نيابة عن مجلس الإدارة استبعاد تقديم العمل الفني. فقام دوشامب وأرينسبيرج بالاستقالة احتجاجًا على قرار مجلس الإدارة.

لم يعلق دوشامب صراحة على سبب رغبته في اختبار مبادئ زملائه من أعضاء مجلس الإدارة، ولكن ربما نشأ ذلك من تجربته في صالون باريس عام 1912 عنما قدم لوحته الشهيرةNude Descending a Staircase إلى الصالون، وعلى الرغم من إدراج العمل في الكتالوج، فإن المنظمين لم يكونوا راضين عن موضوع اللوحة وعنوانها، فقام إخوة دوشامب -الذين كانوا فنانين- ، بالطلب منه بسحب العمل قبل أيام قليلة من افتتاح العرض. وقد قام بفعل ذلك بهدوء، لكنه اعتبر ذلك بمثابة خيانة غير عادية ووصفها لاحقًا بأنها نقطة تحول في حياته.

وبالتالي يمكن اعتبار تقديم Fountain جزئيًا على أنه تجربة قام بها لإعادة عرض هذا الحدث، واختبار التزام المجتمع الأمريكي الجديد بحرية التعبير وتحمله للمفاهيم الجديدة للفن.

وعلى الرغم من كل ذلك الازدحام، واعتبار الحركة بأنها واحدة من أكثر الفنون تأثيرًا في الفن الحديث، حيث أنذرت بقدوم الفن التجريدي والمفاهيمي، وفن الأداء، والعمليات، وفن البوب، لكنها انتهت في أقل من عقد من الزمان ولم تمتلك هذا النوع من المتاحف الكبرى بالشكل الذي تستحقه حتى الآن.

المصادر:
The Art Story
Tate
smithsonian mag
Tate

المدرسة المستقبلية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 6 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

ظهرت المدرسة المستقبلية في أوائل القرن العشرين، وكانت حركة فنية إيطالية تهدف إلى التقاط ديناميكية وطاقة العالم الحديث في الفن بالإضافة إلى الصناعة والتكنولوجيا، وقد خلقت المستقبلية لوحاتٍ تعبر عن فكرة ديناميكية وطاقة وحركة الحياة الحديثة.

وقد سعى المستقبليون إلى التخلص من المفاهيم الفنية التقليدية بالتركيز على التقدم والحداثة وعصر الآلة. فقد تم التركيز على خلق رؤية فريدة للمستقبل، فأنتج الفنانون لوحات للمناظر الحديثة بالإضافة إلى التقنيات الجديدة: كالقطارات والسيارات والطائرات.

وقد طورت المجموعة عددًا من التقنيات الجديدة للتعبير عن السرعة والحركة والديناميكية، بما في ذلك التمويه والتكرار واستخدام الخطوط القوية. وقد تم تطوير هذه الطريقة الأخيرة من عمل التكعيبيين وأصبح إدراج هذه الخطوط سمة من سمات الصور المستقبلية.

“il Trittico della Velocità: Il Via”, By: Gerardo Dottori 1927

تأسيس المدرسة المستقبلية

أسس الكاتب الإيطالي (فيليبو توماسو مارينيتي) المدرسة المستقبلية عن طريق بيان صحفي والذي قام فيه بمطالبة الثقافة الإيطالية بتبني الحداثة والتوقف عن النظر للخلف، والتخلي عن المواضيع التقليدية والكلاسيكية بتصوير الحياة الحديثة التي أحاطت بهم بدلاً من ذلك.

وقد عبر فيه عن مشاعر الكره لكل شيء قديم، خاصة التقاليد السياسية والفنية. فقد قال في البيان: “لا نريد جزءًا من الماضي، نحن المستقبليون، الشباب والأقوياء!” فقد أضمر المستقبليون إعجابًا شديدًا بموضوعات بالسرعة والتكنولوجيا والمدن الصناعية والآلات الحديثة كالسيارة والطائرة، وقد اعتبروا كل ذلك بمثابة الانتصار التكنولوجي للبشرية على الطبيعة.

كانت المجموعة في أوج نفوذها بين عامي 1909 و1914، ولكن أعاد مارينيتي إطلاقها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. جذب هذا الإحياء فنانين جدد وأصبح يعرف بالجيل الثاني من مستقبلية، وعرضت أعمالهم في جميع أنحاء أوروبا.

“Trasvolatore”, By: Gerardo Dottori , 1931

وبمجرد انتشاره سرعان ما انضم إليه عدد من الفنانين بينهم: (أمبريتو بوكيوني)، و(كارلو كارا) و(جياكومو بالا). وقد تأثر المستقبليون بحركات فنية أهمها (ما بعد التأثيرية) و(التكعيبية)، لكن كانت لوحاتهم أكثر ديناميكية وحركة من لوحات (بابلو بيكاسو) و(جورج براك).

أهم فناني المدرسة المستقبلية

أمبرتو بوكيوني

كان أمبرتو بوكيوني رسامًا ونحاتًا التقى بالكاتب مارينيتي بعد انتشار البيان الصحفي وأصبح من أهم مؤسسي الحركة المستقبلية. وكان اهتمام بوكيوني بالتكعيبية واضحًا، فقد دمج الطريقة التكعيبية في رسمه للأشخاص بالكولاج والخطوط المستقيمة القوية التي أدت إلى إظهار الحركة.

ولم يكن غرضه تحليل وتقديم أحجام العناصر بشكل كامل، ولكن التقاط وتمثيل الديناميكية والحركة. كما قدمت إنارة الشوارع التي تم تركيبها مؤخرًا في ميلانو للفنان مواضيع جديدة ليعمل عليها، بالإضافة إلى تأثيرات ضوئية جديدة. وقد رسم مشهدين في غاية الجمال من الأحداث بعد حلول الظلام.

Simultaneous Visions“, By Umberto Boccioni, 1912
“Unique Forms of Continuity in Space”, By: Umberto Boccioni, 1913

جياكومو بالا

كان بالا رسامًا إيطاليًا ومعلمًا للفنون وشاعرًا معروفًا كمؤيد رئيسي للمستقبلية. وقد صوّر في لوحاته الضوء والحركة والسرعة.

كان أحد الأعضاء الأكبر سنا في الحركة المستقبلية. وقبل الانضمام إلى المستقبليين، كان يتبع حركة (ما بعد الانطباعية)، وخصوصًا الأسلوب المسمى بالـ (تقسيمية) –الذي سمي بذلك لاعتماده على تقسيم الألوان إلى الأجزاء المكونة لها على اللوحة وترك ضربات الفرشاة مرئية بدلاً من مزجها-.

“Street Light”, By: Giacomo Balla, 1911 

ونظرًا لأن لوحة “Street Light” قد تم رسمها في وقت مبكر من الحركة المستقبلية، فإن أسلوبه هنا لا يزال في الأساس تقسيميًا. فقد استخدم ضربات فرشاة واضحة وجريئة على شكل V متكرر لتوضيح الضوء والطاقة المنبعثة من المصباح. لكنه قد تخلى عن الأسلوب التقسيمي في النهاية لأنه بدا في النهاية غير تابع (للمستقبلية) بل مرتبطًا بالأجيال الماضية.

وبعد أن زار المستقبليون باريس معًا، تأثر العديد منهم بالتكعيبية. وعلى الرغم من تغييرهم للتقنية وتركيزهم بشكل أكبر على الموضوعات المستقبلية، بدأ بالا في استكشافات لرسم الحركة بطرق أخرى. وقد ظهر أسلوب جديد منهم في لوحة “Dynamism of a Dog on a Leash”. وفي وقت لاحق، بدأ مرحلة تجريدية استكشافية رسم فيها حركة السيارات وطيران الطيور وحركة الضوء نفسها.

“Dynamism of a Dog on a Leash”, By: Giacomo Balla, 1912

تظهر هذه اللوحة امرأة وهي تمشي مع كلبها الصغير الأسود على رصيف المدينة. ويظهر في اللوحة طريقة ضرب أقدام المرأة على الأرض، إلى جانب الطيات السفلية لملابسها السوداء، وكذلك أقدام الكلب وذيله وأذنه المرنة وتصويرها عن قرب شديد، وبدرجات متفاوتة من الشفافية والعتامة. وقد تحول الحبل المعدني الواحد إلى أربعة منحنيات متكافئة تربط المرأة بالكلب، وقد أدى خلق هذا التكرار للعناصر المتحركة إحساسًا بحركتهم الأمامية التي تتعارض مع الخطوط الرصيف.

وقد كان (بالا) يأخذ نوع من الموضوعات التي تخصصت فيه الانطباعية، لكن يقع الاختلاف اختياره لتفصيلية ومقطع واحدة فقط يقوم باختياره عشوائيًا ويجعله محور اللوحة الكاملة، فيقوم بذلك بجعل موضوع تافه حدثًا رئيسيًا.

المصادر:
The Art Story
TATE
MET MUSEUM

المدرسة التكعيبية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 5 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

غالبًا ما تأتي المدرسة التكعيبية أو -التجريدية- في المقدمة حين يذكر الفن التشكيلي، ولعل سبب شهرة الفن التكعيبي هو اختلافه الكبير عن بقية الفنون الحديثة، وسرعة انتشاره وتأثر الكثير من الفنانين به، مما أدى إلى تأثر الناس به سواء كانوا محبين للفنون أم لا. وقد أدت بشكل رئيسي إلى تشكيل اتجاه الفن الحديث والمعاصر عبر العقود.

فتعتبر المدرسة التكعيبية هي واحدة من أكثر المدارس تأثيراً في القرن العشرين، وقد بدأت في حوالي عام 1907. وقد ابتكرها كلًا من “بابلو بيكاسو” و”جورج براك”. واستمد اسم (التكعيبية) من تعليق أدلى به الناقد “لويس فوكسيلز” عند رؤية بعض لوحات الفنان “جورج براك” عام 1908 بأنها اختزلت كل شيء إلى أشكالٍ هندسية و مكعبات.

فتحت التكعيبية أبوابًا لإمكانياتٍ جديدة لوصف ومعالجة الواقع بشكل فني، واعتُبرت نقطة البداية للعديد من الأساليب التجريدية في وقت لاحق.

Painter and Model”, 1928, By: Pablo Picasso”

مميزات المدرسة التكعيبية

أكدت المدرسة التكعيبية على التسطيح والشكل ثنائي الأبعاد للعناصر والأقمشة بدلاً من خلق وهم العمق والمنظور، فكان هذا بمثابة انفصال ثوري عن الشكل الأوروبي التقليدي المتمثل في خلق وهم الفراغ والعمق باستخدام أدوات تساعد على ذلك كالمنظور الهندسي، والذي سيطر على الفن منذ عصر النهضة. وتتميز التكعيبية أيضًا بالكتل المفككة بطريقة تمكنك من رؤيتها من عدة زوايا في آنٍ واحد.

“Bread and Fruit Dish on a Table”, 1909, By: Pablo Picasso

ما الذي ألهم ظهور التكعيبية؟

تأثرت المدرسة التكعيبية جزئيًا بالأعمال المتأخرة للفنان “بول سيزان” أبو الفن الحديث، وأبرز فنان في حركة (ما بعد التأثيرية) حيث قام برسم عناصر وأشياء من وجهات نظر مختلفة قليلاً.

وقد استلهم بابلو بيكاسو أعماله أيضًا من الأقنعة القبلية الأفريقية والتي تظهر بشكل متكلف وغير طبيعي قليلًا، لكن تظهر الأشكال بشرية حية في اللوحات رغم ذلك، فقد قال بيكاسو: “لا يعتبر الوجه إلا مسألة عيون وأنف وفم يمكن توزيعهم بأي طريقة تريدها.”

“Dora Maar au Chat”, 1941, By: Pablo Picasso

بابلو بيكاسو

كان بيكاسو فنانًا مبتكرًا لحدٍ كبير، فقد قام بتجارب وابتكارات كثيرة خلال سنواته التي تزيد عن 92 عامًا على الأرض. ولم يكن رسامًا فحسب، بل كان نحاتًا وشاعرًا، وأنتج أعمالًا خزفية ومطبوعة. ومن الجدير بالذكر أن بيكاسو عاصر الحربين العالميتين، وتوفي عام 1973.

فترات بيكاسو الفنية

عرفت أول مرحلة لأعمال بيكاسو باسم (المرحلة الزرقاء). وقد امتدت تلك الفترة الفنية المعروفة باسم (الفترة الزرقاء) من عام 1901 إلى عام 1904. وخلال هذا الوقت، تميزت لوحاته بظلال من اللون الأزرق، مع لمسات من ألوان دافئة نوعًا ما. فقد تميز مثلًا العمل الفني الشهير عام (The Old Guitarist) بجيتار بألوان بنية أكثر دفئًا وسط الأشكال الزرقاء.

وغالبًا ما يُنظر إلى أعمال على أنها كئيبة، يعزو المؤرخون الفترة الاكتئاب الواضح الذي أصابع للفنان بعد انتحار صديق له. وكانت الموضوعات المتكررة بالفترة الزرقاء هي العمى والفقر.

أما الفترة التي تلتها فتسمى الفترة الوردية، وقد استمرت من 1904 حتى 1906. وتميزت لوحات تلك الفترة بأجواء أكثر دفئًا وأقل حزنًا من لوحات الفترة الزرقاء. أما موضوعاتها فقد كانت في الغالب عن المهرجين والسيرك.

أما بالنسبة للتكعيبية فقد بدأت أخيرًا في تلك الفترة في عام 1907 حين التقى براك ببيكاسو. وفي ذلك الوقت، كان بيكاسو ينتج أعمالًا في فترة سميت بالـ (الفترة الأفريقية)، حيث كانت أعماله تتميز بطابع بدائي متأثرةً بالأقنعة والنحت الأفريقي. وقد بدأت التكعيبية مع لوحة بيكاسو الشهيرة (آنسات آفنون) Demoiselles D d’Avignon والتي تضمنت أشكالًا تكعيبية ومستوحاة من الفن الأفريقي.

Les Demoiselles d’Avignon“, 1907,

لكن من المحتمل أن يكون عمل بيكاسو الأكثر شهرة، هي اللوحة الجدارية Guernica والتي تعد أقوى تصريح سياسي له، فقد تم رسمها كرد فعل لحادثة القصف المدمرة للنازيين على بلدة جيرنيكا خلال الحرب الأهلية الإسبانية.

تظهر هذه اللوحة مآسي الحرب والمعاناة التي ألحقتها بالأفراد والمدنيين الأبرياء. وقد اكتسب هذا العمل وضعًا هائلاً وأصبح تذكيرًا دائمًا بمآسي الحرب ورمزًا رافضًا للحرب وتجسيدًا للسلام.

وقد تم عرض اللوحة عند انتهاءها حول العالم في جولة قصيرة، وأصبحت مشهورة ومعروفة على نطاق واسع، والتي ساعدت في لفت انتباه العالم إلى الحرب الأهلية الإسبانية.

“Guernica”,1937 

جورج براك

أمضى “براك” معظم حياته المهنية في العمل مع “بيكاسو” عندما ركزا على تطوير نمط جديد من الفن وتقديمه إلى العالم. طور الاثنان مواضيع جديدة وخطوط جريئة وسلسلة منظمة من الألوان الداكنة، وخلقوا أسلوب التكعيبية. وقد كان هدفهم هو تطوير طريقة جديدة تعكس العصر الحديث. قام “براك” أيضًا بدمج الملصقات في اللوحة بأكملها.

وكان فن (الكولاج) إضافة جديدة وقتها وأسلوبًا رئيسيًا اتبعته خلال هذه الفترة في أعماله الفنية أيضًا. وكان براك وبيكاسو أول من استخدموا الكولاج وقتها وقاموا بدمج مختلف الخامات والوسائط على اللوحة غير اللون.

Houses at Estaque“, 1908, By: Georges Braque

وقد مرت التكعيبية بمرحلتين: التحليلية والتركيبية. تُعرف المرحلة الرسمية الأولى للحركة باسم التكعيبية التحليلية، وتتميز بلوحات فوضوية لأشياء مجزأة تم عرضها بألوان محايدة. طبق بيكاسو أيضًا مبادئ التكعيبية التحليلية على ممارسته للنحت، والتي ظهرت بشكل واضح في مجموعة من التماثيل النصفية.

أما التكعيبية التركيبية هي المرحلة الثانية للحركة التكعيبية، وخلال هذا الوقت، قام بيكاسو وبراك وجريس وغيرهم من الفنانين بتبسيط تراكيبهم وإضاءة لوحات الألوان الخاصة بهم.

المصادر:
TATE
My Modern Met
Georgesbraque.org
PabloPicasso.org

آيا صوفيا، رحلتها من كاتدرائية إلى مسجد

تُعتبر آيا صوفيا تحفة معمارية ضخمة في مدينة إسطنبول التركية. تم بناؤها في الأساس ككنيسة مسيحية منذ حوالي 1500عام. تضاهي في شهرتها برج إيفل في باريس أو البارثينون في أثينا. وكان لها دور مهم في تاريخ إسطنبول، حيث ارتبطت بالسياسة الدولية والدين والفن والعمارة.


تقع آيا صوفيا في المدينة القديمة بإسطنبول، وبقيت لقرون كمعلم هام للمسيحين الأرثوذوكس والمسلمين، وتحول دورها بتحول الأحوال السياسية والثقافية في تركيا.
تمتد إسطنبول على مضيق البوسفور، وهو ممر مائي يشكل حداً جغرافياً ما بين أوروبا وآسيا. يبلغ عدد سكان هذه المدينة التي تمتد على قارتين 15 مليون نسمة.

الجدل الحاصل بخصوص إعادة آيا صوفيا كمسجد


تعرضت آيا صوفيا منذ إنشائها إلى عدة تغيرات في دورها الوظيفي، فقد بدأت ككنيسة في الفترات البيزنطية، وتم تحويلها إلى جامع على يد العثمانيين، ثم تحولت لمتحف بعد تأسيس الجمهورية التركية، وتم إدراجها ضمن لائحة مواقع التراث العالمي. وفي يوليو عام 2020م، تمت إعادة تصنيفها كمسجد. مما أثار الكثير من الجدل في الأوساط الدينية والسياسية.


ليست آيا صوفيا هي المبنى الوحيد الذي تعرض لعدة تغيرات في أدوراه الوظيفية عبر تاريخه، حيث يُعتبر الجامع الأموي الكبير في دمشق من أشهر الأمثلة على تغير دوره الوظيفي خلال الزمن، فقد كان موقعه بالأساس معبداً للإله “حدد الآرامي” وهو إله للخصب والرعد والمطر، يعود تاريخ المعبد إلى 1200 قبل الميلاد، وقد بقي حجر واحد من المعبد الآرامي يعود لحكم الملك حازائيل، وهو موجود في متحف دمشق الوطني. وبعد غزو الرومان لدمشق عام 64م قاموا بتحويل معبد حدد إلى معبد للإله جوبيتر، وتم تحويله إلى كاتدرائية القديس يوحنا بأمر من الإمبراطور ثيودوسيوس الأول الذي حكم بين ( 379 _395)م. وأمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (705–715)م ببناء المسجد في موقع الكاتدرائية البيزنطية في عام 706 م.

ويعتبر مسجد قرطبة الكبير الذي تحول إلى كاتدرائية سيدة الانتقال، ومسجد قصر الحمراء في غرناطة الذي تحول إلى كنيسة سانتا ماريا بعد حروب الاسترداد من أبرز الأمثلة على تحول وظيفة الأبنية الدينية.

بقايا معبد جوبيتير في دمشق

تاريخ آيا صوفيا


كانت آيا صوفيا عند نشوئها كاتدرائية أرثوذكسية يونانية، وتغيرت وظيفتها عدّة مرات منذ ذلك الحين. كلف الإمبراطور البيزنطي قسطنطين ببناء آيا صوفيا للمرة الأولى في عام 360م، كانت تُعرف إسطنبول في تلك الفترة باسم القسطنطينية، حيث أخذت اسمها من والد قسطنطين، وهو قسطنطين الأول؛ أول حاكم للإمبراطورية البيزنطية.


تميزت أيا صوفيا الأولى بسقفها الخشبي. تم حرق البناء بالكامل في عام 404م خلال أعمال الشغب التي وقعت في القسطنطينية نتيجة للصراعات السياسية داخل عائلة الإمبراطور آركاديوس، الذي تميز عهده بالاضطرابات (395م-408م).


أعاد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني _ خليفة أركايوس _ بناء آيا صوفيا للمرة الثانية، وتم الانتهاء من البناء الجديد في عام 415م. كان لأيا صوفيا مدخل ضخم تمت تغطيته أيضاً بسقف خشبي.
ويُعتبر السقف الخشبي من العيوب القاتلة التي أدت لحرق الكنيسة للمرة الثانية بعد أكثر من قرن خلال ما يسمى بـ”ثورات نيكا” ضد الامبراطور جستنيان الذي حكم خلال (527م-565م).

مشهد داخلي للقبة


أمر جستنيان بهدم آيا صوفيا في عام 532م بسبب عدم إمكانية إصلاح الأضرار التي تسبب بها الحريق. كلف المهندسين المعماريين المشهورين أيسيدروس الميليتوس وأنتيميوس الترالليسي ببناء كاتدرائية جديدة.


اكتمل بناء آيا صوفيا للمرة الثالثة في عام 537م وأقيمت أولى الشعائر الدينية فيها في 27 ديسمبر من نفس العام والتي لاتزال قائمة حتى اليوم.
قام السلطان محمد الفاتح بتحويلها إلى مسجد بعد سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين عام 1453. تم تحويل المبنى لمتحف من قبل الحكومة الوطنية في عام 1935م، بعد تسع سنوات من تأسيس أتاتورك للجمهورية التركية. وتم إدراج المتحف لدى منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) في قائمة مواقع التراث العالمي.
في يوليو عام 2020، ألغى قرار المحكمة التركية وضع المبنى كمتحف، وأمر مرسوم لاحق من رئيس تركيا بإعادة تصنيف آيا صوفيا كمسجد.

تصميم آيا صوفيا


كانت آيا صوفيا عند افتتاحها للمرة الثالثة تحفة فنية رائعة. جمعت بين عناصر التصميم التقليدية للكنيسة الأرثوذوكسية مع قبة ضخمة، ومذبح نصف مقبب مع شرفتين. كانت الأقواس الداعمة للقبة مغطاة بفسيفساء لستة ملائكة مجنحة تسمى hexapterygon.


وفي محاولة من جستنيان لإنشاء كاتدرائية كبرى تمثل الإمبراطورية البيزنطية بالكامل، أصدر مرسوماً يطلب من جميع المقاطعات الواقعة تحت حكمه بإرسال قطع معمارية لاستخدامها في المبنى.
تم إنتاج الرخام المستخدم للأرضيات والسقف في الأناضول وسوريا، بينما أُحضر الطوب المستخدم في الجدران وأجزاء من الأرضيات من مناطق بعيدة مثل شمال أفريقيا، أما أعمدة آيا صوفيا الـ 104 فقد تم إحضارها من معبد الإلهة أرتميس في أفسس، وكذلك من مصر.

وفي فترة الحكم العثماني، عندما تحولت آيا صوفيا من كاتدرائية إلى مسجد، غطى العثمانيون العديد من الفسيفساء ذات الطابع الأرثودوكسي بالكتابات الإسلامية.
وعُلقت لوحات على الأعمدة في صحن الكنيسة؛ تحمل أسماء الله الحسنى، واسم النبي محمد والخلفاء الراشدين الأربعة، وحفيدي الرسول. وتمت إضافة محراب يشير للقبلة في مدينة مكة.


قام السلطان سليمان القانوي (1520م_1566م) بإضافة مصباحين برونزيين على جانبي المحراب، وأضاف السلطان مراد الثالث (1574م_1595م) مكعبين من الرخام من مدينة برغامون التركية، يعود تاريخهما إلى السنة الرابعة قبل الميلاد. وتمت إضافة أربعة مآذن على الطراز العثماني (بشكل أقلام رصاص).
خلال حكم السلطان عبد المجيد(1847م_1849م) تم تجديد آيا صوفيا بشكل كامل بإشراف المهندسين المعماريين السويسريين الإخوة فوساتي.

المصادر:

1- Ancient History Encyclopedia

2- History

3- BBC

4- CNN

5- UNESCO

ما هو فن الروكوكو وكيف انتشر؟

فن الروكوكو ينتمي إلى التصميم الداخلي، والفنون الزخرفية، والرسم، والهندسة المعمارية، والنحت. كانت بداية ظهوره في باريس في أوائل القرن الثامن عشر، ولكن سرعان ما تم تبنيه في جميع أنحاء فرنسا، ولاحقًا في بلدانٍ أخرى، كألمانيا والنمسا بشكلٍ خاص. فما هو فن الروكوكو وكيف انتشر؟

مميزاته وبدايته

يتميز الركوكو بالخفة والأناقة والاستخدام الحافل للأشكال الطبيعية ذات المنحنيات غير المتكافئة في الزخرفة، واستخدامه للألوان الفاتحة، الأبيض العاجي والذهبي، وكثيرًا ما استخدم مصممو الروكوكو المرايا لتعزيز الشعور بالمساحة المفتوحة.

كلمة Rococo في الأصل مشتقة من الكلمة الفرنسية- Rocaille والتي تشير إلى العمل الصخري المغطى بالصدف، والذي استخدم لتزيين الكهوف الاصطناعية والنوافير.

في البداية؛ كان أسلوب الروكوكو يمثل ردة فعل ضد التصميم المدهش لقصر فرساي في عهد لويس الخامس عشر والفن الباروكي الرسمي في عهده.
يرجع الفضل في نشأة هذا الطراز الفريد من نوعه في الرقة والأسلوب المبتكر إلى المصور انطوان واتو، الذي تعد أعماله بمثابة تحول كبير في أسلوب الفن إلى اتجاهه الجديد.

ذروة فن الروكوكو

بلغ فن الروكوكو ذروته بلوحات أبدعها الفنان فرانسوا باوتشر، وانتهت بمشاهد الأنواع المطلية بحرية لجان أونوريه فراجو نارد. حيث اتسم هذا النوع من الفن بأنه ذا طابع دنيوي سقط منه كل إدراك للمقدسات. حلّق فيما وراء الطبيعة؛ بما في ذلك الأساطير القديمة، رغم أن آثاره ظهرت في التصوير والنحت ولكنها اتخذت شكلًا دنيويًا مسرحيًا.

ظهر الأسلوب الجديد بعد أن وصل فن الباروك إلى أقصى درجة ممكنة من الزخرفة خارج العمائر فبدأ ينعكس عليها من الداخل. بذلك بدأ الأسلوب الجديد (الروكوكو) في التزيين، والانتشار. قصد منه تجميل القصور وكان هدفه الأساسي المتعة والترفيه والاستحواذ على استحسان المجتمع الطبقي الجديد. لم يكن فن الروكوكو فن الملوك كما كان فن الباروك، وإنما كان فن الطبقة الأرستقراطية والطبقة الوسطى الكبيرة.

تاريخ انتشار فن الروكوكو

من فرنسا؛ انتشر أسلوب الروكوكو في ثلاثينيات القرن التاسع عشر إلى الأراضي الكاثوليكية الناطقة بالألمانية. حيث تم تكييفه مع نمط رائع من الهندسة المعمارية الدينية التي جمعت الأناقة الفرنسية مع خيال ألمانيا الجنوبية. وكذلك مع اهتمام الباروك المستمر في التأثيرات المكانية والدرامية.

بعض أجمل مباني الروكوكو خارج فرنسا يمكن رؤيتها في ميونيخ- على سبيل المثال Amalienburg (1724-1739) في حديقة Nymphenburg. وأيضًا Residenztheater (1750- 1753) التي أعيد بناؤها بعد الحرب العالمية الثانية من قبل فرانسوا دي كوفيليس.

من بين أفضل كنائس الحج الألمانية هي Vierzehnheiligen (1743- 1772) بالقرب من Lichtenfels في بافاريا. صممها Balthasar Neumann، و Wreskirche التي بدأت عام ( 1745- 1754) بالقرب من ميونيخ والتي بناها Dominikus Zimmermann وزينها شقيقه الأكبر يوهان المعمدان زيمرمان.
كما تم إنشاء العديد من المباني البارزة على ذات الطراز، والتي استفادت من وفرة الجص والديكورات الأخرى.

في إيطاليا؛ تم تركيز أسلوب الروكوكو بشكلٍ أساسي في البندقية. حيث تم تجسيده من خلال اللوحات الزخرفية واسعة النطاق لجيوفاني باتيستا تيبولو. كما تأثرت المشاهد الحضرية لفرانشيسكو جواردي وكاناليتو بالروكوكو.

وفي الوقت نفسه في فرنسا؛ بدأ النمط بالفعل في الخفوت بحلول عام 1750، عندما تعرض لهجوم من النقاد بسبب تفاهته وتجاوزاته. وبحلول الستينيات من القرن التاسع عشر، بدأت الحركة الجديدة الأكثر صرامة في الكلاسيكية الجديدة تحل محل الروكوكو في فرنسا.

الروكوكو في الموسيقى

يستخدم مصطلح الروكوكو في بعض الأحيان للدلالة على الموسيقى الخفيفة والأنيقة والزخرفية للغاية. تم تكوين تلك الدلالة في نهاية فترة الباروك- أي من 1740 إلى 1770. يمكن تسمية الموسيقى السابقة لجوزيف هايدن، والشاب فولف جانج أماديوس موتسارت بالروكوكو. على الرغم من أن عمل هؤلاء الملحنيين ينتمي بشكل أكثر ملاءمة إلى النمط الكلاسيكي الناشئ.

المصادر
britannica
theartstory
wikipedia

المدرسة التعبيرية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 4 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

كانت المدرسة التعبيرية من أكثر تيارات الفن إثارة للجدل وواحدة من أهم التيارات الرئيسية للفن الحديث في القرنين الـ19 والـ20 لعدة أساب؛ فقد نشأت في جو كان يسوده الظلم والقهر، وكان ذلك في ظل الحرب العالمية الأولى والثانية، بالإضافة إلى خصائصها في التعبير عن الشخصية  والذات العميقة.

فهو الأسلوب الفني الذي لم يسع فيه الفنان إلى تصوير الواقع، بل صوّر العواطف والاستجابات التي تثيرها الأحداث داخل الشخص. ويعتبر هو الهدف الذي يحققه الفنان من خلال التشويه والمبالغة والبدائية والخيال، والتطبيق العنيف والديناميكي للعناصر.

Tired Of Life“, By: Ferdinand Hodler, 1892

ولادة المدرسة التعبيرية

على الرغم من أن مصطلح التعبيرية يمكن إطلاقه على الأعمال الفنية من أي عصر، إلا أنه مرتبط بشكل محدد بالفن الألماني الذي ظهر في القرن العشرين. وقد ظهرت التعبيرية كرد فعل على الانطباعية والفن الأكاديمي. وظهرت بشكلٍ أساسي من فن فان جوخ ضامة العديد من الفنانين: إدوارد مونش وجيمس إنسور وهودلر وهنري ماتيس – رائد المدرسة الوحشية- وإيجون شيلي وماكس بيكمان وبابلو بيكاسو وبول كليي وغيرهم.

وقد طور كل منهم أسلوبًا شخصيًا للغاية مستغلين التعبيرات التي تنتجها الألوان والخطوط لعرض الموضوعات الدرامية المليئة بالعاطفة، أو لنقل تعبيرات الخوف والرعب والبشاعة، أو ببساطة لعرض قوة الهلوسات والحالات الذهنية وما تفعله الطبيعة بالشخصية والذات الداخلية.

Anxiety“, 1894, By: Edvard Munch
Self-Portrait with Lowered Head“, 1912, By: Egon Schiele

وكان هؤلاء الرسامين في ثورة ضد ما اعتبروه الطبيعة الطبيعية السطحية للانطباعية الأكاديمية. فقد شعروا أن الفن الألماني يفتقر إلى الروحية، وسعوا للقيام بذلك من خلال تعبير عصري وبدائي وعفوي وشخصي للغاية.

صفات اللوحات التعبيرية

تم استوحاء المدرسة التعبيرية من التيارات الحديثة السابقة، وسرعان ما طور التعبيريون أسلوبًا ملحوظًا لقسوته وجرأته وكثافته البصرية؛ فاستخدموا خطوطًا خشنة ومشوهة بفرشاة سريعة وخشنة وتضارب الألوان لتصوير مشاهد موضوعات عصرية مختلفة في تركيبات مزدحمة تتميز بعدم الاستقرار وبالأجواء المشحونة بالعاطفة.

Tavern“, 1909, By: Ernst Ludwig Kirchner

وقد عبرت العديد من أعمالهم عن الاستجابة للقبح والابتذال الفاحش، والتناقضات التي يواجهونها في الحياة الحديثة، بالإضافة إلى الإحباط والقلق والاشمئزاز والسخط والعنف، خصوصًا أن تلك الحركة نشأت في فترة الحرب العالمية الثانية. وقد طور الفنانون التعبيريون نمطًا قويًا من النقد الاجتماعي بأعمالهم الحيوية والألوان الجريئة.

استمرت المدرسة التعبيرية وانتشرت في جميع أنحاء أوروبا، وقد نبع منها في وقت لاحق العديد من الفنانين والتيارات الفرعية مثل: التعبيرية التجريدية والتعبيرية الجديدة ومدرسة لندن.

“Self-Portrait with a Model”, 1910, By: Ernst Ludwig Kirchner
The Intrigue“, 1890, By: James Ensor

الفن التعبيري والنازية

شنت النازية سلسلة من الحملات الشنيعة ضد الفن التعبيري أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى تدمير وحرق الأعمال الفنية وطرد الفنانين من التدريس ومنعهم من ممارسة الفن حتى في بيوتهم بالإضافة إلى النفي. ويعد أشهر ما حدث هو التشهير بالفن التعبيري على الملأ بطريقة لم يتوقعها أحد!

فقد عُقد في ميونيخ عام 1937 معرضين على بعد بضع مئات الأمتار من بعضهما فقط، كان أحدهما (المعرض الكبير للفن الألماني) الذي قام بعرض أمثلة رائدة للفن الحديث. وكان الآخر معرض (الفن المنحط)الذي قدم جولة عبر الفن الذي رفضه النازيون لأسباب أيديولوجية.

وقد كانت المرئيات مهمة للنازيين، وكان هتلر نفسه رسامًا، لذلك لم يكن من الغريب أن تكرس النازية موارد كبيرة للترويج لأفكارهم من خلال الفن، والتي ظهرت بوضوح في معرض الفن الألماني الذي أقاموه. فقد أظهر ذلك المعرض أعمالًا بالسمات الكلاسيكية، ومنحوتات كبيرة ذات أجسام عضلية مثالية، ولوحات للجنود والأبطال، والتي كانت تدعوا للتفاؤل والشباب والبهجة.

معرض الفن المنحل

أما معرض (الفن المنحل)، فقد عرضت فيه الأعمال التعبيرية وبعض من التجريدية. والتي كانت أعماله تخاطب الذات والغرائز وتعبر عن القبح والفساد الداخلي والخارجي، بل وتقوم بانتقاد المجتمع بجرأة.

ورغم أن الكثير من تلك الأعمال الفنية مفضلة للكثير من النازيين قبل أن توضع في ذلك المعرض،  فقد تلاعب معرض (الفن المنحل) بالزائرين ليكرهوه ويسخروا منه من خلال محو معانيه الأصلية، بل وتم تعزيز قيمة الصدمة من خلال عدم السماح لمن دون سن الـ18 بالدخول. وقد تمت إهانة الأعمال الفنية به عن طريق إخراج العديد منها من إطاراتها ووضعها بشكلٍ عشوائي على جدران كتب عليها شعارات غاضبة.

فبدلا من أن تُرى تلك الأعمال باحترام، خدع القائمين على ذلك المعرض الزوار وأصبحوا يرون الأعمال كقمامة خطيرة وشنيعة، وفقدت مكانتها كأعمال فنية عظيمة. وقبل أن يقام ذلك المعرض، عرضت تلك الأعمال الفنية في أعظم المتاحف في البلاد.

وقد استمرت العشوائية النازية بعد إغلاق هذه المعارض، حتى أن الفنان إيميل نولده تم منعه من الرسم في بيته، فقد كان يتلقى زيارات دائمة من الشرطة السرية والتي كانت تأتي لتلمس فرشه للتأكد من أنها لم تستخدم! لكن احتال نولده عليهم أحيانًا حين رسم بالألوان المائية، والتي كانت تجف فرشها بشكل أسرع من الألوان الزيتية.

أما الفنان كريشنر، فقد انضم انضم إلى الجيش الألماني لكنه عانى في النهاية من انهيار عصبي. وعلى الرغم من اعتلال الصحة ومحاولاته للتعافي، استمر في إنتاج الأعمال الفنية بشراهة. كن ضم النازيون أعماله في معرض (الفن المنحل)، وتمت إقالته من أكاديمية برلين للفنون. وفي عام 1937، تم مصادرة أكثر من 600 من أعماله وتدميرها أو بيعها، وبعدها بعام واحد فقط أدت المعاناة النفسية التي سببتها له السلطات النازية وتشتت أعماله وتدميرها، والاحتلال النازي للنمسا بالقرب من منزله إلى انتحاره في نهاية المطاف.

المصادر:

Britannica
The Art Story
Khan Academy
NGA gov

نصائح غذائية للتغلب على الإرهاق أثناء ممارسة الرياضة!

نصائح غذائية للتغلب على الإرهاق أثناء ممارسة الرياضة!

الغذاء الصحيح قبل وأثناء وبعد التمرين الرياضي يقودك إلى صحة جيدة ومظهر عضلي ممتاز، فالغذاء جزء لا يتجزأ من الرياضة ولكن هل تتبع الطريق الصحيح فى تناوله؟ هذا ما سنتناوله فى المقال التالي حيث سنعرض ثلاث نصائح غذائية للتغلب على الإرهاق أثناء ممارسة الرياضة!

قبل التمرين:

– الشائع: عدم الأكل قبل التمرين بعدة ساعات!
– الصواب: يجب أن تكون كمية الطعام المستهلكة في مستوى نشاطك الرياضي؛ حيث يكون الجهد المبذول أثناء التمرين يساوي كمية السعرات الحرارية التي تناولتها حتى لا تشعر بالإرهاق مُبكرًا والذي لا يتم إلا عند إتباعك للنصائح الآتية:

● من 3:4 ساعات قبل التمرين: تناول الوجبة الرئيسية والتي يجب أن تحتوي على “الكربوهيدرات أو النشويات” بنسبة عالية و”البروتين” بنسبة متوسطة و تُقلل الدهون. [1]

● قبل التمرين بساعتين: يتم تناول وجبة خفيفة تحتوي على “الكربوهيدرات” بصفة أساسية والابتعاد عن السكريات مثل حبوب الشعير وكوب من اللبن.

● قبل التمرين بساعة إلى 45 دقيقة: على عكس الشائع يجب أن تتناول طعام خفيف لا يحتوي على السُكر المُصنع أو الدهون أو البروتين ثمرة فاكهه مثل الموز ستكون كافية [2]
وكلما اقتربت أكثر من ميعاد التمرين يجب تقليل كمية الطعام المُستهلكة.

أثناء التمرين:

– الشائع: عدم شرب الماء لتجنب وصول الدم إلى المعدة وتركيزه على العضلات فقط.
– الصواب: يفقد جسمك الكثير من الماء والأملاح أثناء عملية التعرق والتي ينتج عنها عدم إتزان السوائل والاملاح بداخله مثل الصوديوم [4] والنتيجة هي إنخفاض كلاً من:

  • كمية البلازما بالدم ”plasma volume”
  • حجم النفضة القلبية “stroke volume”
  • معدل ضربات القلب “heart rate”

والنتيجة هي عدم تحمل جسمك للتمارين والشعور ببعض أعراض الجفاف مثل الدوار والإعياء و الإرهاق وقد يصل إلى الإغماء، ناهيك عن أعراض الجفاف التي يمكن أن تُصاب بها إذا تكرر الأمر.
لذا ينصح خبراء التغذية بشرب القدر الكافي من الماء أو المشروب الرياضي وهو من نصف كوب إلى كوب كل ربع ساعة من التمرين. [3]

بعد التمرين:

– الشائع: الإسراف في تناول البروتين والاعتماد عليه اعتماد كُلي بعد التمرين وعدم تناول أياً من الكربوهيدرات أو الدهون!
– الصواب: يجب أن تتناول كمية كبيرة من الكربوهيدرات والتي تحتوي على الجلوكوز بمده لا تزيد عن ساعتين بعد انتهاء التمرين ويُفضل أول نصف ساعة من انتهائه [2] حيث يتم تحفيز هرمون الأنسولين لخروجه من قبل الكربوهيدرات والجلوكوز، وتوجد علاقة وطيدة بين إفراز هرمون الأنسولين والتمارين الرياضية حيث يُحفز الأنسولين الخلايا العضليّة على سحب الجلوكوز المتواجد في الدّم إليها و يُحفز الجلوكوز في الخلايا العضليّة سحب الأحماض الأمينيّة من الّدم لتصنيع البروتينات وتخزينها ومن ثَم تزداد قوة العضلة وحجمها. [4]

ويجب ألا ننسى أن البروتين أيضاً له دور أساسي فى عملية تكوين العضلة، ولكن لن يستفيد جسمك من الإسراف فيه فسيعتبره زائد عن حاجتك وسيقوم بإخراجه. لذا ننصحك بتناول الكربوهيدرات والبروتين بوجبة ما بعد التمرين حيث تصل نسبة تواجد الكربوهيدرات إلى البروتين 4:1. ويمكن أن يحتوي طعامك على البروتين ليس فقط بعد انتهاء التمرين ولكن أيضاً يستطيع جسمك تخزين البروتين لتكوين العضلات لمده قد تصل إلى 24 ساعة بعد انتهائه.
اقرأ أيضا: قواعد ممارسة الرياضة للحامل

المصادر:

[1] Physiopedia


[2] NHS UK


[3] WebMD


[4] PubMed

الحركة الرمزية وحركة الانفصال الفيينية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 3 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

مقدمة

ظهرت الحركة الرمزية في الفترة التي خضع فيها الفن في القرن العشرين لعملية تغيير مستمر وسريع مثل البيئة الاجتماعية التي أنتج فيها. فلم يعد الواقع يُمثُّل عن طريق الفن في أوروبا. بل كان يتم تسجيل الأحداث التاريخية بدقة من خلال الوسائط الأحدث: كالتصوير الفوتوغرافي والسينما.

وقد انتقل سوق الفن أيضًا من الصالونات العامة الكبرى إلى نظام صالات العرض الخاصة. فأصبح حجم اللوحات أصغر، ومواضيعها شخصية بشكل أكبر واستطاعت أن تكون حرة وأكثر تجريبية. وقد مكّن ذلك الفنانين من الاستجابة للواقع المتغير من حولهم وجعلهم مواكبين للعصر. مما أدى إلى إنتاج لوحات مبتكرة ومليئة بالتأثيرات والمعاني الجديدة.

الحركة الرمزية

تطورت الحركة الرمزية في البداية كحركة أدبية فرنسية في ثمانينيات القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من ذلك، فقد تبعها جيل من الرسامين ممن رفضوا تمثيل الواقع والطبيعة. فقد اعتقد رساموا الرمزية أن الفن يجب أن يعكس عاطفة أو فكرة بدلاً من تمثيل العالم الطبيعي بطريقة المدرستين الواقعية والانطباعية.

وقد قامت الرمزية بالتمرد على العقلانية والمادية التي هيمنت على ثقافة أوروبا الغربية. وهي نفس الفلسفة التي شملت اقتناع الشاعرالفرنسي الرمزي (ستيفان مالارميه – Stéphane Mallarmé) بأن الواقع تم التعبير عنه بشكل أفضل من خلال الشعر، لأنه يوازي الطبيعة بالمعاني والعواطف بدلاً من تكرارها وتقليدها.

وغالبًا ما كانت اللوحة المرتبطة بالحركة الرمزية قائمة على الموضوعات الأدبية والأساطير، لكنها قامت أيضًا على الخيال الشخصي والحلم.

Angel, I will follow you, By: Jacek Malczewsk, 1901

وقد فكر الفنان الفرنسي (موريس دنيس – Maurice Denis) في إمكانية التقليل من الحاجة إلى الواقعية في الفن باستخدام الخط واللون بشكل أساسي. فشملت لوحاته موضوعات مألوفة -كالمشاهد الدينية، ونساء في الغابات. لكن تم تصويرها بألوان غير واقعية تحدها الخطوط الزخرفية المتدفقة. فلا يجب أن يتم وصف الحقيقة بشكل واضح ومباشر؛ بل يمكن للعقل البشري أن يفهمها من خلال الاستعارة الرموز.

بم تميزت الحركة الرمزية؟

ومما ميز الرمزية هو ابتعادها عن المبالغة لاستحضار المزاج أو الشعور. فكانت فكرتها الشائعة هي وجود مجموعة من الشخصيات التي لا تتفاعل بأي طريقة مباشرة. فلا تلتقي أعينهم أو تشير إيماءاتهم ونظراتهم لشيء، بل تدل على غوص كل واحد في خياله الخاصة.

The Yellow Sail, Odilon Redon, 1905, Pastel On paper
Mystical Conversation, By: Odilon Redon, 1896

فالتكوينات –العناصر والأشخاص والخلفية- في اللوحات الرمزية مصطنعة وليست واقعية. ويزداد هذا الإحساس من خلال التركيز على اللون والخط، وعلى الطرق التي ترتبط بها أجزاء اللوحة المختلفة مع بعضها البعض ضمن شكل عام.

كانت الحركة الرمزية موجهة نحو موضوعات نفسية معاصرة غذت أعمال الفنانين والكتّاب الرمزيين وكانت من المحرمات: كالرغبات الجنسية والشهوة والانحراف والحب والخوف والكرب، أو الصوفية الدينية والسحر.

Danaë, By: Gustav Klimt, 1908
Spirit of the Dead Watching, By: Paul Gauguin, 1892
قال غوغان أن العنوان قد يشير إما أن الفتاة تتخيل الشبح، أو أن الشبح يتخيلها.

حركة الانفصال الفيينية

في نفس الفترة الزمنية، ظهر بالتوزاي مع الرمزية حركة فنية جديدة تسمى (حركة الانفصال الفيينية). ومثلها أعمال الفنانين الشبان في (فيينا) الذين انفصلوا عن طرق وأساليب الأكاديمية المحافظة للفنون في المدينة. إذ ظلت مدارس فيينا الفنية وصالونها السنوي مرتبطين بالنمط الفني الأكاديمي القديم. وكان من أهم المؤسسين لتلك المدرسة (غوستاف كليمت – Gustav Klimt). يعتبر كليمت أشهر فنان في فيينا في ذلك الوقت. وكانت مكانته كبيرة كواحد من أعظم المصورين وفناني الديكور في القرن العشرين. وقد انتشر أسلوب الانفصال عن الأكاديميات عمومًا في العديد من المدن في جميع أنحاء أوروبا.

Death and Life, By: Gustav Klimt, 1908–1915

لم تكن هناك خصائص موحدة للتصوير أو النحت أو حتى العمارة لتلك الحركة. لكن التزم أعضاؤها بدلًا من ذلك بتحديث الفن من خلال التعرف على حركات الفن الحديث كما بعد التأثيرية. بالإضافة إلى الأنماط العصرية للفن الزخرفي كـ (الفن الجديد – Art Nouveau).

نشأت تلك الحركة وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بذلك الأسلوب (Art Nouveau) لمصممين ملّوا من الكلاسيكية الجديدة والموضوعات التاريخية. أرادوا نقل العصر لاتجاه التصميم الحديث. فقد نظروا للتصميم على أنه أكثر من مجرد تطبيق للجماليات، وسعوا إلى دمج الموضوع والجماليات والتصميم في أشكال متناغمة.

Beethoven Frieze, By: Gustav Klimt, 1902

واصل كليمت تحسين الصفات الزخرفية بحيث أصبحت الأنماط المسطحة والمتلألئة لأعماله شبه مجردة. وتعرف الآن باسم “المرحلة الذهبية”، والتي تعتبر في النهاية الموضوعات الحقيقية للوحاته. وعلى الرغم من كونه فنانًا تابعًا “للفنون الجميلة”، إلا أنه كان من الدعاة البارزين للمساواة بين الفنون الجميلة والزخرفية.

اعتقد فنانو تلك الحركة بأن الفن يمكن أن يلعب دورًا مركزيًا في التحسن الاجتماعي. مما أدى إلى شمول جميع أنواع الفن وليس فقط التخصصات الأكاديمية كالتصوير والنحت. فقد أدرجت جميع الفنون التي طبقت ذلك المبدأ من الرسم إلى العمارة تحت ذلك العنوان. فحتى الحرف اليدوية والتي لم تكن تعتبر فنًا قامت تلك الحركة الجديدة باحتضانها كجزء منها.

وقد جاء في بيان مبكر نشرته المجموعة:

“نحن لا ندرك أي فرق بين الفنون العظيمة والثانوية، بين فن الأغنياء والفقراء. الفن ملك للجميع.”

تبعات الثورة الصناعة على الحركة الرمزية

وقد أدت الثورة الصناعية والإنتاج الضخم إلى استنساخ التحف القديمة بشكل سيئ، فحاولت تلك الحركة إحيائها لكن بدقة وحرفية شديدة. فقد أرادوا إحياء ذلك بعهد جديد من التصميم الذي يرفض العبث بأسس جماليات الشيء.

أشهر من قدموا إسهاماتٍ في هذا المجال هو (لويس كومفورت تيفاني – Louis Comfort Tiffany) أحد أشهر الفنانين الأمريكيين. تبنى كومفورت كل وسيلة فنية وزخرفية تقريبًا. وقام بتوجيه مرسمه لإنتاج نوافذ زجاجية وفسيفساء ووحدات إضاءة وزجاج وفخار وأعمال معدنية ومجوهرات وديكورات داخلية.

وبصفته نجل (تشارلز لويس تيفاني) مؤسس متجر السلع الفاخرة (Tiffany & Co)، تحوّل إلى شركة المجوهرات والفضة الشهيرة اليوم. واختار متابعة اهتماماته الفنية بدلاً من الانضمام إلى الأعمال العائلية.

water-lily table lamp, Designed by: Louis Comfort Tiffany, 1904–1915
وهو أحد أنجح تصاميم تيفاني التي تم تنفيذها لمنتجات شركته المعروفة المصنوع بخامة الزجاج المعشّق بالرصاص.

كانت الرمزية والفن الجديد (Art Nouveau) حركات فنية متزامنة موجودة كل منها بمفردها، لكنها غالبًا ما وجدت سويًا في قطعة فنية واحدة. بينما ركزت الرمزية على الاستخدام المجرد للرموز للتعبير عن الواقع الروحي وراء العالم المادي، حين سعت الأخرى إلى جلب الحداثة والأناقة للتكوين والتصميم. عندما أرادت الرمزية تكوين صور من الأحلام، ساعدتها الحركة الأخرى كثيرًا حين وفّرت لها خلفية مثالية بالخطوط الدائرية والطبيعة الأثيرية.

_____________

المصادر:

All art
MetMuseum
TATE
The Artist
Visual Arts Cork
The Art Story

رحلة المافيا في عالم السينما: كيف تطورت أفلام المافيا ؟

يؤثر الفن السابع منذ ابتكار الصور المتحركة motion pictures عام 1927م على حياتنا الاجتماعية وعالمنا الفكري والنفسي بطرق مختلف.، خصوصا أنه يسافر بنا إلى عوالم وثقافات وبلدان لم يكن متاحًا لنا التعرف عليها لولا عدسات الكاميرات وعيون الشاشات، تاركًا بذلك انطباعات سلبية أو إيجابية عنها في أذهاننا. هذا هو تحديدًا ما فعلته أفلام المافيا التي أخذتنا لعالم العصابات والجريمة وأسرت من خلال شخصياتها قلوب ملايين المشاهدين حول العالم والذين راقبو تطورها عبر عقود عدة. لنصعد سويا آلة الزمن ونسافر عبرها بين أفلام المافيا ونشاهد تغيرات صناعتها.

بداية المافيا

بدأت القصة مع هجرة الإيطاليين عام 1920م إلى أمريكا، حيث فتحت بابا لعالم جديد من الأفكار والخيالات والإبداعات الدرامية أمام صناع السينما من خلال حكاوي “المافيا” خاصة.

عكست أولى أفلام العصابات Gangster movies فترة الكساد الاقتصادي ناقلة مشاعر الغضب والإحباط المرافقين لها في أفلام مثل Little Caesar 1931 و The Puplic Enemy 1931 و Scarface 1932.

إيطاليون-أمريكيون هم أبطال أفلام المافيا . ويعانون جميعا من نتائج تجاوزهم للقانون.

Scarface 1932: الفلم من بطولة Paul Muni وإخراج Howard Hawks & Richard Rosson ويروي قصة تسلق رجل عصابات عنيف لسلم النجاح في عالم المافيا. وهو مقتبس من قصة صعود Al Capone.

بقيت المافيا مسيطرة على الأفلام حتى سنة 1942م، حيث حل مكانها النازيون والوحوش Monster movies على الشاشة. لكن هذا لم يدم طويلا!

1950م، عام أعاد إلى أفلام المافيا مكانتها السينمائية، فما الذي حصل في ذلك العام؟!

قامت لجنة خاصة تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي في تلك السنة بعقد جلسات استماع عامة غايتها مناقشة الجريمة المنظمة.

تسمر ملايين الأمريكيين أمام الشاشات ليشاهدوا افراد عصابات حقيقيين أمثال فرانك كوستيللو أثناء الإدلاء بشهادتهم في جلسات الاستماع.

Frank Costello: زعيم عائلة لوسيانو الإجرامية المنتمية للمافيا الإيطالية الأمريكية

ثم ظهر في بداية الستينات Joseph Valachi – جندي في عائلة Luciano – ليصبح نجم جلسات الاستماع، حيث تعرف العالم من خلاله على لقب المافيا الشهير La Casa Nostra.

ألهمت جلسات الاستماع هذه والاعترافات الكتاب وصناع السينما في مجال أفلام المافيا ليصدر عام 1969م كتاب ” أوراق فالاتشي Valachi Papers ” لكاتبه بيتر ماس Peter Maas وهو سيرة ذاتية عن حياة Joseph Valachi.

صدرت في ذات العام رواية ستغير للأبد ملامح السينما عامة وأفلام العصابات خاصة. إنها رواية “العراب The Godfather” لكاتبها Mrio Puzo والتي بنيت عليها ثلاثية السينما الأشهر والتي تحمل ذات الاسم.

كيف كتب Mario Puzo رواية العراب ؟!

رغم أن Puzo لم يكن خبيرا في تاريخ صقلية ولا في المافيا وعلاقاتها، إلا أنه كتب الرواية تحت الضغط الشديد والحاجة الملحة للمال، وتبعا له فإنه لم ينل أي مساعدة في كتابة الشخصيات ورسم خصوصيات أفراد عصابات المافيا، ويقول أنها كلها من نسج مخيلته.

حسنا، إن لم يكن لدى Mario أي معلومات عن المافيا، فكيف تمكن من رسم شخصياتهم وأفكارهم وتصرفاتهم بدقة بالغة دفعت أفرداها أنفسهم للاعتراف بصحة ما ورد في الرواية والفلم؟

يفسر لنا رأي أكاديمي ذلك بأن Puzo غاص في الطبيعة البشرية عميقا، ليحلل بأسلوب ناقد ودقيق المواقف تبعا لمعرفته بالسلوك البشري والانفعالات. كي نكون أكثر وضوحا فإن Puzo طرح هنا حالة بشرية هي “المافيا” وتعامل مع ما تفرضه من مواقف بناء على الفهم والتحليل النفسي لردات الفعل البشرية. قد يكون هذا ما جعل من الرواية والفلم لاحقا تصويرا واقعيا ومقنعا لعالم الجريمة المنظمة.

من عراب على الورق إلى عراب السينما التاريخي:

يروي Mario في “العراب” قصة المهاجر الصقلي Vito Corleone وعائلته، والعمل الذي بناه في نيويورك، وصراع ابنه مايكل الذي سيخلفه.

وجدت Paramount Pictures هذه القصة مثيرة جدا لتنال بذلك حقوق الرواية من أجل تحويلها إلى فلم سينمائي. وعين لهذه الغاية مدير الأستوديو Robert Evans المبدع Francis Capola ذو الأصل الإيطالي الأمريكي ليكون مخرجا للعمل. أما بالنسبة للسيناريو فقام كل من Mario Puzo و Capola بكتابته، فيما قام Marlon Brando بدور Don Corleone و Al Pacino بدور Michael. وتم إطلاق الفلم سنة 1972م.

العراب The Godfather

الفيلم الحائز على ثلاث جوائز أوسكار إلى جانب ست وعشرين جائزة أخرى وثلاثين ترشيحا: ما الذي جعله مختلفا؟!

” إن الرجل الذي لا يقضي وقتا مع عائلته، لا يمكن أبدا أن يكون رجلا حقيقيا”

Don Corleone, The Godfather

قدم هذا الفلم لمحة أعم وأشمل وأكثر أصالة وعاطفية عن التجربة الإيطالية-الأمريكية رغم تقديمها من منظور عالم الجريمة المنظمة. حيث رسمت لمحة عن رجل المافيا كشخص متناقض، فهو عنيف مع أعدائه ولكنه مخلص لعائلته وأصدقائه. كما نظر “العراب” للمافيا من الداخل للخارج From inside out على عكس ما فعلته الأفلام السابقة التي تناولتها من وجهة نظر القانون.

توالت أفلام المافيا بعد النجاح الكبير الذي حققه “العراب” لعقود عدة، وكان من أهمها “Goodfellas” الصادر عام 1990 من إخراج مارتن سكورسيزي.

مسلسل The Sopranos

مسلسل من ست مواسم أراد له صناعه في البداية أن يكون فيلما، ظهر ليستحوذ على عقول المشاهدين حتى اللحظة.

لقد نقل هذا المسلسل عبر أجزائه الستة المافيا من البيئة الحضرية “المدنية” التقليدية إلى بيئة الضواحي في نيو جيرسي، حيث يزور الشخصية الرئسية “توني سوبرانو” معالجة نفسية ليتعامل مع ضغوط العمل والعائلة، ويحاول مع رفاقه في عالم المسلسل تحقيق ذات الإنجازات ونمط الحياة الذي يعيشه زملاؤهم في الضواحي.

تميزت هذه السلسلة بإشارتها لأعمال خالدة عن عالم المافيا مثل The Godfather و Goodfellas و Public Enemy اعترافا منها بجميل هذه الأعمال على الثقافة الشعبية والفنية.

ماذا عن المافيا في السينما الإيطالية؟ كيف ظهرت؟!

عرض صناع السينما الإيطالية أفراد المافيا كأشخاص باهتين وغامضين ومفتقدين للجاذبية متأثرين بجرائمهم على أرض الواقع. ولكن مسلسل The sopranos غير نظرتهم واتجاهاتهم بعد أن أثبت لهم أنه ليس من الضروري أن تكون الشخصية التلفزيونية جيدة لتصبح شهيرة، عليها فقط أن تكون ساحرة. ففي عام 2005م أطلق المخرج Michele Placito فلمه Romanzo Criminale والذي تمتعت شخصياته بالجاذبية السينمائية وانتشرت بعدها المسلسلات والأفلام المشابهة في طريقة العرض رغم اعتراض العديد من الإيطاليين على ذلك خاصة ممن فقدوا أحبتهم بسبب عصابات المافيا.

مشدودون جميعا وسعيدون وربما في قمة نشوتنا السينمائية عند مشاهدة هذه الأعمال الخالدة. لكن ككل شيء جميل في هذا العالم، هناك جانب مظلم! إنه ال Stereotype أو الصورة النمطية، فما هو؟!

إنه اعتقاد أو فكرة أو إيمان معد مسبقا عن فرد ما أو مجموعة اجتماعية. وقد تكون هذه الصورة النمطية إيجابية، أو يغلب أن تكون سلبية.

ويتم تنميط Stereotyping ( أي إلباسهم صفة عامة) بناء على جنسهم أو عرقهم أو هويتهم أو عمرهم أو لغتهم أو حالتهم الاجتماعية والاقتصادية.

للإيضاح نذكر الأمثلة التالية:

يشيع في المجتمع أن اللون الزهري هو المحبب عند الفتيات، لذلك يقوم صناع الألعاب بجعل ألعاب الفتيات تحمل اللون الزهري غالبا. يقوم الأهل بشراء الألعاب الحاملة لهذا اللون بناء على هذه الصورة النمطية عن الفتيات، رغم أن بناتهم قد يرغبن بلون آخر (الأحمر أو الأزرق مثلا!!).

مثال آخر، يعتقد الغربيون أن أغلب العرب يعيشون في الصحراء وفي بيئة أكثر رجعية من الواقع، فيقوم صناع السينما بتصوير العرب في العديد من أفلامهم في الخيم!

ينقلنا هذا المثال إلى فكرتنا الرئيسية وهي أن التنميط يمارس بشكل أوسع وأكثر أهمية من خلال شاشات الفن السابع.

” في عالم تكنولوجي، تملك وسائل الإعلام أثرا على الأفكار الثقافية والإيديولوجيات أكبر مما تملكه المدارس والديانات والعائلة مجتمعة” من كتاب America on Film ل Benshoff & Griffin.

تلعب وسائل الإعلام دورا كبيرا في خلق صورة طويلة الأمد عن الأقليات المختلفة والتي قليلا ما يحتك الناس معها، مما يدفعهم لبناء وجهة نظرهم تبعا لما يشاهدونه. إن هذا ينقلنا في الحقيقة إلى مصطلحين آخرين:

Media Portrayal التصوير الإعلامي

وهو يعبر عن الطريقة التي يتم بها تمثيل أو وصف شخص أو شيء ما في وسائل الإعلام المختلفة من مسلسلات أو أفلام أو أخبار. ( أي كيف يقوم الإعلام برسم هذا الشخص أو الشيء عبر شاشته).

Cultivation Theory نظرية الغرس الثقافي

تبعا لهذه النظرية، كلما أمضى الناس ساعات أكثر أمام شاشات التلفاز، يزيد احتمال رؤيتهم للعالم الحقيقي وتشكيل وجهة نظر عنه بناء على الصور والتصورات والقيم والإيديولوجيا المعروضة عبر هذه الشاشات.

بالعودة للصورة النمطية Stereotype، كنا قد ذكرنا إمكانية سلبيته أو إيجابيته. وفيما يخص الأقليات كالأفارقة الأمريكيين والآسيويين الأمريكيين واللاتينيين والأمريكيين الأصليين والإيطاليين الأمريكيين، فقد تم معاملتهم في السينما باحترام أقل من الذي يناله البيض دون أي تصوير دقيق لما هم عليه حقا.

حيث بينت دراسة أجريت على 1078 فلما عن الإيطاليين الأمريكيين من إنتاج هوليوود في الفترة بين 1931م و 1998م أنه تم إظهار الأبطال بصورة سلبية بنسبة 73%.

هذا وقد عززت وسائل الإعلام هذه النظرة بدلا من العمل على تغييرها، حيث نجد أنماطا مختلفة من الصور السلبية للإيطاليين الأمريكيين كإظهارهم مجنانين أو غير متعلمين في بعض الأفلام. ولكن تبقى صورة رجل العصابات هي التنميط الرئيسي لهم.

أدى تنميط Stereotyping الإيطاليين الأمريكيين بصورة رجل المافيا إلى انزعاج هذه الأقلية، ودفعهم لمقابلة العراب و The Sopranos بطريقة مختلفة:

عقدت في الحقيقة الرابطة الإيطالية-الأمريكية للحقوق المدنية مسيرة عام 1970م للمطالبة بإيقاف إنتاج The Godfather. فيما اعترضت المؤسسة الوطنية للإيطاليين الأمريكيين على عرض The Sopranos باعتباره تصويرا كاريكاتوريا مسيئا، كما رفض منظمو موكب Columbus Day المقام في نيويورك انضمام فريق عمل The Sopranos إليه لسنوات عدة.

وهكذا نجد أن أفلام المافيا ومسلسلاتها مرت برحلة طويلة قبل أن تتبلور بشكلها الحالي، وقوبلت تغيراتها من الناس بطرق مختلفة، ولكن دون أن يؤثر ذلك على شهرتها بين عشاق الفن السابع.

المصادر:

History

University of Michigan

Elon University: Portrayals of Italian Americans in U.S.-Produced Films

IMDB

Stereotype: Cambridge Dictionary

Ohio State University

اقرأ المزيد:

ما هي رحلة المافيا إلى عالم الجريمة المنظمة؟

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “جيوتو”

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “جيوتو”

في كل تغيير أياً كان نوعه لابد أن يكون له مؤسسين حتي تتبلور صفاته وملامحه التي سيتطور خلالها فيما بعد، وهذا بالضبط ما حدث في بداية عصر النهضة فقد حاول العديد من الفنانين الخروج من التقليدية والسطحية المصاحبة للفن البيرزنطي نحو مزيد من التجسيد والواقعية، ولكن لم ينجحوا في ذلك كما نجح جيوتو الذي استطاع أن يضيف عمق لأعماله وجعلها ثلاثية الأبعاد بمقاييس ذلك العصر حتى وكأن الواقف أمامها يستطيع أن يتلمسها بأنامله، ويشعر بها. فكان بذلك مؤثرا في عباقرة القرون التالية له مثل مايكل أنجلو وليونارو دافنشي.

نشأته وحياته:

اسمه جيوتو دي بوندوني ولد عام 1266 في بيئة ريفية بجانب فلورنسا حيث كان أبوه فلاحاً، وكان جيوتو يساعده في رعاية المزرعة وبحسب رواية فيرساري فقد تكشفت موهبة جيوتو منذ نعومة أظافرة حيث كان يرسم الخراف والزهور على الأحجر حتى رآه تشيمابويه -أحد أقوى الفنانين في ذلك الوقت- وهو يرسم، فطلب أن يأخذه تلميذاً عنده. إلا أن بعض المصادر تشكك في تلك القصة، وتعتبرها محض أسطورة فتقول أن عائلة جيوتو كانت ميسورة الحال واستطاعت أن تنتقل من الريف للحياة في فلورنسا وهناك تم إرسال جيوتو لتشيمابويه، وقد أظهر جيوتو براعة لا مثيل لها وهو لايزال تلميذاً.

وبعدها بفترة سافر تشيمابوية بصحبة تلميذه النجيب جيوتو إلى ميدنة أسيزي في إيطاليا لتزيين بازيليكا القديس فرنسيس، حيث كان هناك راهب ذائع الصيت اسمه فرنسيس اشتهر بحبه للخير والزهد. بعد وفاته تم جمع أموال التبرعات من الحجاج لتشييد مبني كبير في مدينة أسيزي تخليداً لذكراه، وكان هذا المبني هو البازيليكا المتكون من كنيستين الكبرى أو العليا للحجاج والصغرى أو السفلى للرهبان وشرع الفنانين لتزيين ذلك المبني بالغ الجمال، وبالطبع كان من بينهم تشيمابويه وتلميذه جيوتو، ويُنسب إلي جيوتو مجموعة من اللوح عن حياة القديس فرنسيس، ولكن حتي يومنا هذ لا يمكننا إثبات ذلك النسب بشكل لا يخالطه الشك؛ نتيجة لتضارب الوثائق وكذلك لاختلاف أسلوب تلك اللوح عن غيرها من أعمال جيوتو فيما بعد اختلافاً ملحوظاً. في حقيقة الأمر تلك اللوح كانت مختلفة عن أسلوب العصر وعن ما يجاورها من لوح في البازيلكا فقد امتازت بقدرة كبيرة جدا على التجسيد وإظهار المشاعر، وذلك كان ثورياً وقتها؛ فقد كان الفن اليزنطي المسيطر علي الساحه في ذلك الوقت يتميز بالجمود والرتابة ونقص القدرة التعبيرية وكانت شخوصه مسطحه لا توحي بأي تجسيد. أما ما فعله جيوتو هو أنه أضاف للعمل الفني العمق والجمال والقدرة التعبيرة الخلاقة بإضافته لبعد ثالث في اللوحه فاقتربت أكثر نحو الواقعية، والتأثيرالقوي.

بازيليكا القديس فرنسيس

وظل جيوتو يرسم العديد من الأعمال الإبداعية في مختلف الكنائس، وعمل في روما بين عامي 1297 و 1300 وهناك رسم بعض الأعمال الإبداعية مثل فسيفساء المسيح يمشي على الماء. ولكن منها من تأثر بقوة بعوامل التعرية وتم ترميمه مراراً. وعلي الأرجح أنه في تلك الفترة أيضاً رسم بعض الأعمال لدور العبادة بفلورنسا مثل لوحة صلب المسيح تلك التحفة الفنية المرسومة لكنيسة سانتا ماريا نوفيلا، ويبلغ طول تلك اللوحة خمسة أمتارتقريباً. وتقول بعض المصادر أن تلك التحفة الفنية تم رسمه في عام 1290 أي قبل ذهابه الي روما وكانت من اوائل أعماله بحسب رواية فيرساري.

صلب المسيح

اشتهر جيوتو أكثر وأكثر وطُلب منه العمل في العديد من الكنائس، وكانت من بينهم مصلي سكورفيني في مدينة بادوا padua. حيث كان هناك رجل مرابي اسمه سكورفيني سيئ السمعه لدرجة أن دانتي وضع اسمه في الدرجة السابعه من الجحيم. بعد وفاته أراد ابنه إرينكو أن يحسن صورته فبنى كنيسة باسم والده والتي لم تكن تحفة معمارية، ولكن ما فعله جيوتو بداخلها جعلها من أجمل ما يكون حيث قام جيوتو برسم حياة العذراء والمسيح في 37 لوحة. ورسم لوحة ضخمة جداً تُدعى الحساب الأخير تملأ جداراً كاملاً وحدها. فكانت تلك الكنيسة تحتوي على كنز فني حقيقي يمثل ما امتاز به جيوتو فعلاً وجعله يطلق العنان لإبداع عصر النهضة كما نعرفه. تلك الكنيسة تُسمى أيضا آريانا Arena ومعناها الحلبة لأنه تم تشييدها علي أنقاض حلبة مصارعه رومانية قديمه. وبعدها عام 1306 حتى عام 1311 عاد جيوتو مرةً أخرى إلى أسيزي التي رسم فيها مجموعة من اللوح عن حياة المسيح وغيرها في الكنيسة السفلى أو الصغرى بالبازيليكا. وبعدها انتقل جيوتو الي فلورنسا عام 1311 أو عام 1314 ومكث هناك حتي عام 1320 حيث قام بتزيين بعض المحاريب لأربع عائلات من فلورنسا في كنيسة الصليب المقدس Santa Croce. وتم استدعائه من قبل الملك روبرت ملك نابولي في ذلك الوقت للقيام ببعض الأعمال الفنية بمساعدة تلاميذه، وظل هناك حتي عام 1333 وقد حظى بتقدير كبير من الملك روبرت الذي أعطاه لقباً شرفياً وراتب تقاعد سنوي. وأخيراً ذهب جيوتو إلى فلورنسا وعمل هناك بالمعمار حيث شيد برج الأجراس الذي يعد جزء من مبني كاتدرائية فلورنسا وأيضاً حظى بتكريم كبير في فلورنسا؛ حيث أُطلق عليه لقب معماري المدينة نتيجة لأعماله المتميزة خاصةً في مجال الفن.

برج الأجراس

أبرز أعماله:

في حقيقة الأمر تمتلأ الكنائس الايطالية بجميل أعمال جيوتو وتتجلي فيه عبقريته بشدة، وهناك بعض الأمثلة التي قد تُظهر إبداعه القوي الذي تميز به بقوة.

القديس فرنسيس يخرج عن طوع أبيه:

كان القديس فرنسيس شاباً في مقتبل عمره ووالده كان تاجراً، وفي أثناء مروره بجانب كنيسة سمع صوتاً من السماء يأمره بإصلاح الكنيسة فقام القديس بأخذ بعض البضائع من مخزن أبيه خفيةً ليبيعها لإصلاح الكنيسة، فغضب الوالد بشدة وذهب بابنه للقسيس حتي يطالب الفتي بالبعد عما فيه من نعيم والده. فقام القديس فرنسيس بخلع ملابسه قائلاً لأبيه (أنه متجه لخدمة ربه الذي في السماء) الأمرالذي أثر في القسيس بشدة فخلع عبائته حتي يغطي بها الفتي. وإذا نظرت للوحة ستجد أنه استطاع تمثيل كل تلك التفاصيل ببراعة شديدة مخرجا مشهداً درامياً قمة في الجمال، فيظهر القديس فرنسيس رافعاً يده للسماء شوقا لربه، ويقف أمامه أبوه الذي ارتسمت عليه ملامح القلق وقد أراد أن يزجر ابنه ولكن أحد الواقفين خلفه قد منعه. والملاحظ في تلك اللوحة أن جيوتو قد قسمها إلى جزئين الأمر الذي يدل على الفرق بين التلعق بالدنيا الممثل في الأب وجماعته، والتوجه للدين الممثل في القديس فرنسيس ومن خلفه ليبرز صراعاً قوياً يستحق الإعجاب، وكانت تلك اللوحة إحدى اللوح المنسوبة إليه في بازيليكا القديس فرنسيس بأسيزي.

أعماله في مصلي سكورفيني:

كما ذكرنا من قبل تفصايل حكاية أعماله في مصلي سكورفيني قد بلغت قدراً عالياً جداً من الجمال فمثلاً لوحة الحساب الأخير تحمل تفاصيل غاية في الجمال والبراعه؛ مثل منظر الابن أرينكو في أسفل اللوحة وهو يهدي نموذج الكنيسة لرسل أو ملائكة الرب حيث قد نزل أرينكو علي ركبتيه في خشوع يظهر على وجهه عاكساً أفكاره، وعواطفه وقد حمل نموذج الكنيسة أحد أتباع أرينكو علي كتفه في نفس الوقت الذي يمد فيه أرينكو يده لأحد الملائكة كإشارة أنه تم قبول القربان الأمر الذي كان يرغب فيه أرينكو بشده.

ولا ننسى أيضاً في كنيسة آرينا مجوعة لوح جيوتو عن الفضيلة والرذيلة التي لو اكتفي المشاهد بالنظر إليها لعرف بوضوح ما تتكلم عنه اللوحه، وفيما يدور موضوعها فمثلاً لو نظرت للوحة الممثلة لرذيلة الظلم: يظهر رجل ضخم، وقوي البنيان، وقد ارتسمت عليه ملامح السيطرة والكبر. وأمسك بسيف في يده وفي اليد الأُخرى ذات المخالب الظاهرة أمسك برمح وذلك تعبيراً منه عن القوة والكبر، ويظهر أسفل منه أتباعه من الجنود يجردون أحد المارة من ثيابه ويأخذون منه حصانه في مشهد لا يمكن وصفه بأي كلمة أخرى غير (الظلم).

ولو نظرت إلى تمثيله لفضيلة الإيمان لوجدت الأمر نفسه فتظهر أنثى ممسكة ببردية أو مخطوطة، وفي اليد الثانية تمسك بالصليب فلا حاجة للمشاهد لأي شرح حتي يعرف أن تلك اللوحة تعبرعن “الإيمان”.

وفاة القديس فرنسيس:

كانت إحدى اللوح التي أبدعها جيوتو في كنيسة الصليب المقدس التي تتنوال موضوع وفاة القديس الزاهد فرنسيس، وعلى الرغم ما فعلته عوامل التعرية بتلك اللوحة التي تم ترميمها عدة مرات على مدار أعوام طويلة إلا أنها لازالت تحتفظ بجمالها، وقدرتها التعبيرية حيث يظهر القديس فرنسيس وجميع شخوص اللوحة متوجهة إليه حتي الصليب يميل في اتجاهه والجميع ينظرون لأسفل في شكل يدل على الحزن الشديد وقد حقق الفنان في تلك اللوحة وحدة بين الأشخاص والوحده المعمارية من خلفهم فهم يظهرون كأنهم جزء من الأعمدة في الخلفية، ومع ذلك المشهد الحزين يلتفت نظر المشاهد للشخص الموجود خلف رأس القديس فرنسيس الذي استثناه جيوتو من بين باقي عناصر اللوحة وجعله ينظر إلى أعلى نحو النجم السماوي الصاعد، وقد ارتسمت على وجهه ملامح من الدهشة وهو يشير نحو السماء. فجعل تلك اللوحة تحتوي على تجسيد لعدة مشاعر من الحزن والأسى وحتى الإندهاش من الأمور الروحية الغريبة الملازمة للقديس فرنسيس على مدار حياته حتى لحظة وفاته. وبذلك أرسى جيوتو دعائم نهضة حقيقية استمرت علي مدار قرون فكان حقاً أباً روحياً لعصر النهضة ومؤثراً حقيقياً في مسار التاريخ الفني.

مصادر سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “جيوتو”:

BIOGRAPHY OF GIOTTO DI BONDONE

Britannica

Scrovegni Chapel

web gallery

الفن في عصر النهضة لثروت عكاشة

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “ليوناردو دافنشي”

سلسة أهم الفنانين على مر العصور “ليوناردو دافنشي”

كان رجل العبقرية الغير مكتملة، سابق لعصره بسنين وقرونٍ طويلة، لم يكن فناناً بشكل أساسي؛ فقد كان كل شيئ مخترعاً، ومهندساً، جيولوجي، مهتم بالتشريح، مهتم بالفلسفة….إلخ. كان ليوناردو مهتم بكل شيئ، وأي شيئ. وعلى الرغم من أن الفن لم يكن اهتمامه الأول إلا أنه ساهم فيه بشكل ضخم، وحفر اسمه كفنان قوي، ومؤثر فى عصر النهضة بل حفر اسمه في صفحات التاريخ إلى ما لا نهاية. وسوف نركز في السطور القادمة على الجانب الفني في حياة دافنشي.

نشأته وحياته :

ولد ليوناردو في عام 1452 في منتصف شهر إبريل، وكان ابن غير شرعي لكاتب العدل «ser piero-سير بيرو» تربى في منزل والده كابنٍ شرعي؛ فحصل على تعليمه الأساسي من القراءة، والكتابة، ولكنه لم يتعلم اللاتينية وقتها بشكلٍ كافي، وكذلك بعض العلوم الأخرى من الهندسة، والحساب.

عندما كان ليوناردو في الخامسة عشر من عمره بدأ في دراسة الفن على يد الفنان الفلورنسي «أندريا ديل فيروتشيو- Andrea del verrocchio» حيث تعلم الرسم، النحت، الميكانيكا. وفي عام 1472 تم قبول ليوناردو في نقابة الفنانين بفلورنسا، ولكنه ظل في ورشة فيروتشيو خمسة أعوام أخرى. بعدها ظل يعمل بمفرده في فلورنسا حتى عام 1481 وخلالها اكتسب معرفة واسعة في الميكانيكا، الأسلحة،وغيرها.

في عام 1482 انتقل ليوناردو إلى مدينة ميلان حتي يعمل بشكل أساسي كمهندس للأسلحة. وقد كانت المدينة محكومة بواسطة الدوق لودوفيكو سفورزا، وعلى الرغم من أن ليوناردو أراد العمل بشكل أساسي في صناعة الأسلحة، ولكنه عمل أغلب الوقت في الرسم والنحت، حيث رسم أجمل لوحاته «السيدة والحمل» والعشاء الأخير، وغيرهم من روائعه.

السيدة والحمل

والمشروع الأعظم على الإطلاق الذي لم ينتهي إلى الأبد هو تمثال ضخم من البرونز لوالد الدوق «فرانسيسكو سفورزا» الذى قضى ليوناردو أعواماً طويلة على العمل عليه حتى أنتج نموذج ضخم من الصلصال للحصان عام 1493، ولكن بسبب خطر الحرب مع فرنسا تم توقف العمل علي التمثال لاستغلال المعدن في صناعة الأسلحة، والمدافع، وتم هزيمة الدوق عام 1499، وتدمير نموذج الصلصال مع كل أسف وقد كنا لنشهد تحفة فنية خالدة لولا تلك الأحداث.

ديسمبر عام 1499 أو يناير عام 1500 انتقل ليوناردو دافنشي إلى فلورنسا حيث تم الترحيب به بحفاوة. وعمل خبير في لجنة تحقيقات عن الأضرار التي لحقت بكنيسة سان فرانسيسكو وقتها، ولكن في عام 1502 ترك ليوناردو فلورنسا مرةً أخرى وذهب في خدمة واحد من أسوأ ، وأبغض رجال عصره وهو القيصر بورجيا ابن البابا ألكسندر السادس كان للقيصر طموح في الاستيلاء على مساحات كبيرة من رومانيا؛ لذلك استغل دافنشي كمهندس عسكري،وظل ليوناردو يعمل معه مدة 10 أشهر. وبعدها عاد لفلورنسا حيث عمل على مشاريع لن يتم تنفيذها أو لم يكملها من الأساس، ولكن تلك الفترة رسم فيها واحده من أجمل أعماله وهي الموناليزا، ودرس حركة الطيور ونماذج للطيران ودرس جسم الإنسان تشريحاً ووظيفة، ودرس حركة المياه، والكثير من الأمور الأخرى. وبعدها انتقل إلى ميلان مرة أخرى لفترة شهد فيها نشاط علمي قوي، ولم ينجز فيها الكثير كفنان. وانتقل إلى روما وأقام هناك فترة ثلاث سنوات. حتى انتقل إلى فرنسا عام 1516 في استضافة الملك فرانسيس الأول الذي لقبه بالرسام، والمعماري، والمهندس الأول للملك. وقد عامله الملك باحترام شديد وقام ببعض الأعمال الفنية، ولكن أغلب اهتماماته كانت علمية في ذلك الوقت كعادته حتى توفي عام 1519.

أبرز أعماله :

1. تقديم المجوس الهدايا للطفل اليسوع:

فى عام 1481 تم تكليف ليوناردو برسم لوحة جدارية عن تقديم المجوس الهدايا للطفل اليسوع أو «adoration of magi- حب المجوس» التي بالفعل بدأ العمل بها مستخدماً في ذلك تقنية قد ابتكرها في استخدام الظل والضوء، حيث كان التلاعب بالظل والضوء بالنسبة لليوناردو ليس أمراً فرعية لزيادة واقعية اللوحة، بل غاية في الأهمية في التجسيد وكان باستخدام تلك التقنية المسماه سفوماتو يستطيع أن يضيف الغموض للعمل الفني الذي بدوره يضيف الحياة. وبعد فترة من بداية العمل انتقل إلى ميلان دون أن يكمل اللوحة فتظهر بعض الشخصيات تكاد تكون منتهية وأخرى لم يبدأ فيها حتى، وكذلك الخلفية غير مكتملة، ويظهر بوضوح مباني مقوضة وأخرى يتم العمل على إنشائها، وفي قلب اللوحة يوجد المسيح علي حجر أمه وقد تضرع له من حوله وهي يشير إليهم ليمنحهم البركة.

2. العشاء الأخير :

(يروي الإنجيل حكاية العشاء الأخير حيث يجلس المسيح ومن حوله الحواريين ويقول لهم أن أحدهم سيخونه، فبدأوا بالتجادل والتساؤل عن هوية هذا الشخص) . علي أساس تلك القصة بني ليوناردو لوحته الشهيرة، حيث يجلس المسيح في المنتصف ناظراً للأسفل بعد أن قال كلمته، والحواريين من حوله يتجادلون محركين أيديهم، وأفواههم في صورة تشع بالحركة، والحياة، والملحمية،وقد ركز المشهد علي المسيح وتلاميذه حتى أنه جعل حجم المائدة إصغر من الواقع أصغر؛ من أن تتسع إثنى عشر شخصاً معطياً انطباعا بالتزاحم وكثرة العدد،وقد نجح في تركيز نظر المتأمل على المسيح ليس فقط بجعله فى المنتصف، بل بالمحافظة الموجودة خلفه أيضاً.

3. الموناليزا :

بملامح هادئة وابتسامة غريبة ونظرة غامضة كانت أجمل لوحات ليوناردو دافنشي ومن أعظم الأعمال على مر التاريخ، فباستخدام تقنية السفوماتو التي ذكرناها آنفاً استطاع أن يعطيها تجسيداً بالواقعية، وقد ارتسمت خلفية جميلة وراء الموناليزا وكأنه الأفق الغير منتهي، وأحاط فم الموناليزا، وعيناها بظلٍ خافت مما أعطاها ذلك الانطباع بالغموض فكان هو سر حياة اللوحة فلاتدري أهي تسخر منك، أم تبتسم إليك أم ماذا؟! وقد ظهرت البساطة الشديدة في اللوحة من حيث الملابس وعدم وجود مجوهرات من أي نوع. وإلى الآن غير معروف من هي السيدة بالصورة.

4. القديسة حنة والعذراء والطفل :

فى مشهد معقد، ولكن جميل يحيطه الطبيعة التي لطالما عشقها وولع بها ليوناردو، تظهر العذراء على حجر القديسة حنّة، وكلاهما متشابهتان جداً في الملامح، وقد انحنت العذراء حتي تمسك بالطفل المسيح الذي كان ممسكاً بعنق الحمل الصغير، وأظهرت اللوحة البهجة في وجوههم مشعة بالحياة. وأثّر عشق ليوناردو للجيولوجيا في رسم الصخور بين أقدام القديسة حنّة فريدة المظهر غير المتكررة في لوح غيره.

وبذلك يتضح أن ليوناردو لم يكن اهتمامه الأول الفن بل كان أمرا ثانوياً يجسد من خلاله حبه للتأمل فقد كان ليوناردو عالماً، مهندسا، ومخترعاً من الدرجة الأولى وعلى الرغم من ذلك فبلا سك هو من أهم فنانين العصر.

مصادر سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “ليوناردو دافنشي” :

Britannica

Khanacademy

الفنون في عصر النهضة ثروت عكاشة

Uffizi

إقرأ أيضاً :

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور رافائيل

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “رافائيل”

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “رافائيل” :

عصر النهضة كان بمثابة مسرحية ضخمة تضم أكثر الممثلين إبداعاً يتسابقون فيما بينهم ليبرز كلاً منهم أعظم قدراته مستخدمين في ذلك ما يميزهم حقاً، فمثلاً مايكل أنجلو كان الأعنف في تصويراته فما يلبث المرأ أن يشاهد تمثال ديفد أو لوحة خلق آدم حتى يشعر بعنفٍ في التصوير فيصاب الشخص بالإنبهار بضخامة أعماله وجرأة ألوانه ومواضيعه. علي الصعيد الآخر كان دافنشي رجل العبقرية الغير مكتملة فأعماله تحتاج من المشاهد تركيز كبير في كل تفاصيلها الجميلة ولكن مع الأسف ترك الكثير منها ناقصة. أما رافائيل فقد كان فنان الخيال والروح كان رفائيل قادر على إضافة حياة لشخوصه قادر على تجسيدها بدقة في شكل مثالي غير ممل، رفائيل كان تلميذاً لكل ما هو جميل فقد تأثر بالكثير من الفنانين على مدار حياته مثل العملاق مايكل أنجلو، والعبقري ليناردو دافنشي ولكن كانت له شخصيته المميزة التي أسرت عقول الملايين على مر التاريخ.

نشأته وحياته :

ولد رافائيل عام 1483 في «أوربينو- urbino» وكان والده فنان محلي يسمى جيوفاني سانتي، لم يكن فنان ذو تأثير ملحوظ ولكنه كان على اتصال بالفن الحديث، ومحب للثقافة وكان مُعلم رافائيل في سنين حياته الأولى. توفي في عام 1494 عندما كان رافائيل في الحادية عشر من عمره، انتقل رافائيل إلى مدينة «Perugia-بيروجيا» بعدها بفترة وتتلمذ على يد أشهر الفنانين وقتها وهو بيروجينو وقد تأثر رافائيل بشكل غريب وملحوظ بعمله حتى كانت أعماله مطابقه لأستاذه وظلت هكذا فترة ليست بقصيرة حتى تفوق التلميذ على معلمه في لوحة زواج العذراء

فكانت تلك اللوحة مشابهة لحد كبير مثيلاتها لبيروجيني «المسيح يعطي بطرس مفاتيح ملكوت السماء» ولكنها كانت تشع بالحياة والروح أكثر منها فيظهر في قلب اللوحة الكاهن كحلقة وصل بين يوسف ومريم العذراء فكان يوسف يمد يده ليلبس مريم العذراء ذات الوجه البريئ حاتم الزفاف ممسكاً بهما الكاهن الذي قد التوى يجزاه ناحية يوسف حتى يجعله يلبس العروس الخاتم. ومن حولهم يوجد الضيوف والحضور متراصين في تناسق جميل ولكن غير ممل حيث جعل رافائيل أحد الشباب يكسر الغصن برجله أسفا أنه لن يتزوج العذراء مريم. تلك اللوحة توضح مدى تأثر رافائيل بمعلمه فقد استخدم أبعاد مشابهة جدا ونفس الأسلوب ولكنه أضاف ما يميزه وهو الروح.

بعدها انتقل رافائيل إلى مدينة فلورنسا،التي كان يسيطر عليها أعظم فنانين عصر النهضة ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو، وأخد رافائيل يتعلم من أعمالهم ويقتبس منها حتى استطاع أن ينتج أسلوبه الفريد في النهاية ولكن لا شك أن فضل عبقرية دافنشي وإبداع مايكل أنجلو على رافائيل كان ضخما. في تلك المرحلة أنتج رافائيل مجموعة من اللوح تسمى «Madonna-السيدة العذراء» وكانت تلك اللوح متأثرة بشدة بأعمال ليوناردو دافنشي ولكن كالعادة كانت موهبة رافائيل في إضافة الروح لشخصياته في أدق ملامحهم البريئة وحركاتهم الخفيفة واضحة ومميزة. وقد تدرج رافائيل في رسم العذراء وطفلها من أبسط الوضعيات مثل «عذراء غراندوق- grand duke’s Madonna» حيث ظهرت العذراء بملامح بريئة جدا تنحني رأسها جهة طفلها المتشبث بصدرها في ضمة تشع بالحنان

وبعدها أضف المزيد من التعقيد الملازم لوجود حياة أكثر فرسم «العذراء فوق الكرسي – Madonna Della seggiola» وقد ضم إليهما القديس يوحنا.

ثم خرج إلى الطبيعة فرسم العذراء في الحديقة مع الطفلين في شكل هرمي وقد أمسكت العذراء بكتاب، وتنحى عن كتفها طرف العباءة حتى يلتفت نظر المشاهد لما احتوته تلك اللوحة من حياة. وكذلك ظل يرسم العذراء في مختلف الأوضاغ والصور والطفلين من حولها تارة علي الجانبين وتارة علي جانب واحد. فأصبحت رسمة العذراء لرافائيل مميزة حتى يومنا هذا.

وفي عام 1508 تم استدعاء رافائيل من قبل البابا يوليوس الثانى حتى يزين غرف قصره في الفاتيكان وهذا ما فعله في غرفة التوقيعات «stanza della segnatura» وكانت قاعة مهمة جدا حيث أنها محل توقيع البابا لرسومه ومكان اجتماعه برجال الفكر في الدولة، وقد أبدع رافائيل فيها بشكل ملحوظ فاحتوت تلك القاعة علي جميل اللوح مثل مدرسة أثينا ولوحة احتفال الآلهة وغيرها وقد انبهر البابا بعمله بشده، وطلب منه تزيين قاعات أخرى حتى أنه أسند إليه رسم بورتريه شخصي له، والذي أبدع فيه رافائيل بشدة، وظل رافائيل مقرباً من البابا حتى وفاته.

وقد تولى بعده البابا ليو العاشر الذى قد طلب من رافائيل رسم سبع كرتونات لتزيين كنيسة سيستين، وكانت جميلة بشكل ملحوظ من معجزة شبكة الصيد، لموت حنانيا وغيرها التي بلغت فيها عبقرية رافائيل ذروتها وقد فرغ منها رافائيل بعدها بفترة وجيزة ظل يعمل على لوحات مطلوبة منه من كبار رجال الدولة، وحتى أنه عمل بالمعمار لفترة.

حتى عام 1520 وهو في السابعه والثلاثين من عمره توفي رافائيل تاركاً ورائه إرث بالغ العظمة والجمال والذي سنذكر البعض منه في السطور القادمة.

أهم أعماله :

مما لاشك فيه أن أعمال رافائيل تصلح أن يؤلف عنها كتب عدة تتراكم فيها المعلومات عن مدرسة أثينا، ومعجزة شبكة الصيد، وانتصار جالايطا وغيرهم الكثير.

1. مدرسة أثينا :

هي أحد اللوح التي رسمها رافائيل في قاعة التوقيعات للبابا يوليوس الثاني، والتي ضمت فلاسفة ورياضيين وعلماء ومبدعين في شتي المجالات حتى أنه رسم نفسه فيها. ويظهر في صدر اللوحه أرسطو وأفلاطون يتجادلون وقد تباينت حركات أيديهم والإشارات للسماء والأرض، حتى يعبر عن موقف كلاً منهما من المادية والروحانية وكأنه نقاش حيّ بالتفاصيل، ويظهر كذلك فيثاغورس يكتب في الزاوية من حوله عدة علماء، وفلاسفة من بينهم ابن رشد وفى منتصف اللوحة، يوجد على السلم الفيلسوف ديوجين مسترخياً علي الدرج بملابس بالية منعزلا عما يدور من حوله يقرأ. وتظهر شخصية على يسار ديوجين على ملامحها شيئ من الغضب أو الإرهاق وكأنه عامل بناء بعد يومٍ طويل، تقول بعض المصادر إنه مايكل أنجلو وتقول أخرى إنه الفيلسوف هرقليطس ولكن بوجه مايكل أنجلو، على أية حال تلك الشخصية الغريبة لابد أنها توضح إعجاب رافائيل بإبداع مايكل أنجلو. تتميز مدرسة أثينا بتفاصيل جميلة في الشخصيات، ولكن أيضا تتميز بتخطيط جميل فمثلا حتى لا تضيع رؤية أرسطو و أفلاطون وسط الزحام جعل فوقهما قوس وكأنه برواز يضمهما. فكانت تلك اللوحة ساحرة بحقٍ لما يبحث عن التفاصيل الفنية، أو من يبحث عن المعلومات التاريخية فهي مبهرة لأي عقل مهما كان.

2. معجزة شبكة الصيد :

معجزة شبكة الصيد الزاخرة بالسمك أو miraculous fraught of fishes هي أحد الكارتونات السبع التي طلبها الباب ليو العاشر، والتي تظهر إبداع رافائيل بشكل واضح حيث يظهر قاربين في أحدهما يجلس المسيح وبطرس راكعا أمامه ومن خلفه أندراوس الذى يمثل حلقة الوصل بين القاربين، ويمثل إضافة وجدانية جميلة للوحة فكأن أندراوس هو بطرس قبل أن يركع أمام المسيح، وفى القارب الآخر يوجد الصيادون يحاولون شد شبكة الصيد التي امتلأت بالسمك مع الحفاظ على وضع القارب بالدفة، وقد انعكس شكل الشخصيات علي الماء بشكل جميل جدا، واستطاع رافائيل أن يحافظ على تركيز المشاهد على المسيح عن طريق تصغير حجم القوارب الملحوظ والطير المتجهة صوب المسيح وكذلك اتجاه حركة الشخصيات إليه. كانت تلك اللوحة ممثلة لأحد قصص الإنجيل الشهيرة : كان المسيح يعظ الناس علي مقربة بحيرة فلما اشتد الزحام ركب المسيح في قارب بطرس وأمره أن يرمي شبكته، وهو يقول ما من مخلوق يصطاد شيئا إلا بأمر اليسوع وكانت المعجزة أن امتلئت الشبكة بالسمك، فنادى على رفاقه حتي يعاونوه وفى أثناء ذلك ركع بطرس أمام المسيح.

3. عذراء سيستينا :

وكأنك نائم تحلم بالعذراء فهي تتجلى من السماء على السحاب وقد حملت الطفل بين يديها، وينظر إليها البابا سيستو ثاني في تقديس وقد انحنى جسمه مشيرا إلى الأمام وقد نظر إلى من الأعلى ناحية العذراء، وعلى الجانب الآخر القديسة تنظر إلى الأسفل يميل جسدها ناحية أعلى، حتى تكون في وضع شبه معاكس لوضع البابا المقابل أما فى صدر اللوحة ظهرت العذراء محدقة وهي طفلها غير مرسل الشعر كبير الحجم نسبياً إلى الأمام مباشرة كأنها تحدق في الناظرللوحة وقد انطوت رجلها، وتراجع ثوبها للوراء حتي تشعر بالحركة في اللوحة وهذا ما يتميز به رفائيل وهو إضافة الروح والجمال للشخصيات الممثلة.

وبذلك نقش رافائيل اسمه الذي لن ينتهي صداه للأبد، فهو الرسام صاحب الخيال الأجمل والتصوير الأروع والأكثر رقة.

مصادر سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “رافائيل” :

  1. Britannica
  2. raphael
  3. فنون عصر النهضة لثروت عكاشة
  4. Raphael sanzio
  5. Khan academy

أقرأ أيضا :

نبذة مختصرة عن مايكل أنجلو

مترجم: عن أولغا توكارتشوك الحائزة على نوبل في الأدب، عالم جديد من نافذتي

بقلم: الفائزة بجائزة نوبل للأدب 2018 «أولغا توكارتشوك-OLGA TOKARCZUK»

من نافذتي يمكنني أن أرى شجرة «توت-mulberry» أبيض وهي شجرة تفتنني -أحد الأسباب التي جعلتني أعيش هنا. فالتوت نبات كريم؛ طوال فصلي الربيع والصيف يقدم ثمارهُ الحلوة الصحية لعشرات من عائلات الطيور. في الوقت الحالي لم يستعيد التوت أوراقه بعد، لذلك أرى امتداد الشارع الهادئ الذي نادرًا ما يجتازه الناس في طريقهم إلى الحديقة. الطقس في«فروتسواف- Wrocław» يكاد يكون صيفيًا: شمس باهرة، وسماء زرقاء وهواء نظيف. اليوم بينما كنت أسير مع كلبي رأيت اثنين من طيور «العقعق-magpies» تطاردان بومة من عشها، وعلى بعد قدمين فقط نظرت أنا والبومة في عيون بعضنا البعض؛ يبدو أن الحيوانات أيضًا تنتظر بترقب وتتساءل عما سيحدث لاحقًا.

لوقت طويل شعرت بأن هناك الكثير من العالم؛ كثير جدا، وسريع جدا، وصاخب جدا. لذلك لا أعاني من «صدمة العزلة» وليس من الصعب علي عدم رؤية الناس. لا يؤسفني إغلاق دور السينما، ولا أبالي تمامًا بإغلاق مراكز التسوق. أنا قلقة بالطبع من التفكير في كل الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم. ولكن عندما علمت بالحجر الصحي الوشيك شعرت بشيء من الارتياح، أعلم أن الكثير من الناس شعروا بالمثل حتى لو خجلوا من ذلك. إن انطوائيتي التي خنقت طويلاً أسيئت معاملتها من قبل الانبساطيين المفرطين النشاط قد انتفضت وخرجت من الخزانة.

أشاهد جارنا من النافذة، وهو محام مرهق من كثرة العمل رأيته مؤخرًا يتجه إلى العمل في الصباح يرتدي رداء قاعة المحكمة فوق كتفه، الآن أراه ببدلة رياضية فضفاضة يحارب غصنًا في الفناء؛ يبدو أنه يقوم بترتيب المكان، أرى شابين يخرجان كلبًا كبيرًا في السن بالكاد قادر على المشي منذ الشتاء الماضي؛ الكلب يتهادى ببطء ومرافقيه يسيرونه بصبر و بأبطأ وتيرة. وبكثير من الصخب تقوم شاحنة القمامة بإلتقاط النفايات.

عالم جديد من نافذتي، من نافذتي يمكنني أن أرى شجرة «توت-mulberry» وهي شجرة أنا مفتونة بها

تستمر الحياة، لكن كيف؟ بإيقاع مختلف تمامًا؛ رتبت خزانة ملابسي وأخرجت الصحف التي قرأناها ووضعناها في سلة إعادة التدوير، أعدت ترتيب الزهور، التقطت دراجتي من المتجر حيث تم إصلاحها، وأصبحت أستمتع بالطهي.

صور من طفولتي تستمر في العودة إلي، كان الوقت أكثر من ذلك بكثير، وكان من الممكن «إهداره» و«قتله»، وقضاء ساعات في التحديق من النافذة، أو مراقبة النمل، أو الاستلقاء تحت الطاولة وتخيلها كتابوت، وقراءة الموسوعات.

أليس من الممكن أننا نعود الأن إلى إيقاع الحياة الطبيعي؟ ألا يعني ذلك أن الفيروس ليس اختلالًا في القاعدة، بل العكس هو الصحيح؛ أن العالم المحموم قبل وصول الفيروس كان غير طبيعي؟

لقد ذكّرنا الفيروس بكل ما كنا ننكره بشغف شديد: أننا مخلوقات رقيقة تتكون من أكثر المواد هشاشة، أننا نموت، أننا محض بشر!. أننا لسنا منفصلين عن «البشرية» ولسنا استثنائيين، ولكن العالم بدلاً من ذلك شبكة عظيمة نختلط فيها جميعًآ، ونرتبط بكائنات أخرى بخيوط غير مرئية من الاعتماد والتأثير، أنه بغض النظر عن مدى البعد عن البلدان التي نأتي منها، أو اللغات التي تتحدثها، أو لون بشرتنا، فإننا نمرض بنفس الأمراض ونتشارك نفس المخاوف؛ ونموت…نفس الموت.

لقد جعلنا ندرك أنه بغض النظر عن مدى ضعفنا وهشاشتنا في مواجهة الخطر، فإننا محاطون بأشخاص أكثر ضعفًا والذين تعتبر مساعدتنا لهم ضرورية، وقد ذكّرنا بمدى هشاشة آبائنا وأجدادنا، ومدى حاجتهم لرعايتنا. لقد أظهر لنا أن حركاتنا المحمومة تعرض العالم للخطر. وقد أثار سؤالًا نادرًا ما كانت لدينا الشجاعة لطرحه على أنفسنا: ما هو بالضبط الذي نواصل البحث عنه؟

لقد ذكرنا الخوف من المرض بالأعشاش التي نشيدها ونشعر بالأمان فيها في مثل هذه الحالة، حتى أكثر المسافرين شغفًا يعودون دائمًا إلى نوع من المنزل. وفي الوقت نفسه اكتشفنا حقائق حزينة؛ أنه في لحظة الخطر لجأ فكرنا مرة أخرى محدودية وحصرية حدود الدول. في هذا الوقت العصيب رأينا مدى ضعف الممارسة العملية لفكرة المجتمع الأوروبي، الاتحاد الأوروبي: انسحب من المباراة.

وفوض اتخاذ القرارات وقت الأزمة للدول القومية، لقد عادت الشوفينية القديمة، عادت إلى الانقسام بين «من يخصنا» و«الأجنبي» وبعبارة أخرى؛ بالضبط ما قاتلنا ضده العقود الماضية على أمل أنه لن يشكل تفكيرنا مرة آخرى. أثار الخوف من الفيروس القناعة اللاذعة بأنه يجب إلقاء اللوم على الأجانب، وأنهم هم الذين يشكلون التهديد. في أوروبا: الفيروس «من مكان آخر». في بولندا: يعتبر كل من يعود من الخارج مشبوهًا. يذكرنا الفيروس: بأن الحدود موجودة، وهم على ما يرام.

أخشى أيضًا أن الفيروس سوف ينبهنا إلى حقيقة قديمة أخرى: إلى أي مدى نحن غير متساوين؛ في حين أن البعض منا يطير على متن طائرات خاصة إلى منازلهم في الجزر أو في عزلة الغابات، سيبقى البعض الآخر في المدن وتشغيل محطات توليد الطاقة ومحطات المياه. لا يزال البعض الآخر يخاطرون بحياتهم في العمل في المتاجر والمستشفيات. سيجني البعض المال من الوباء بينما سيفقد البعض الآخر كل شيء لديهم. ستقوض الأزمة القادمة كل المبادئ التي بدت لنا ثابتة، لن تتمكن العديد من البلدان من التعامل وفي مواجهة حالة السقوط، سوف تستيقظ أنظمة جديدة، كما هو الحال غالبًا بعد الأزمات.

نعتقد أننا سنبقى في المنزل نقرأ الكتب ونشاهد التلفاز ولكن في الواقع نحن نعد أنفسنا لمعركة حول واقع جديد لا يمكننا حتى تخيله، بينما نستوعب ببطء أن لا شئ سيعود إلى ما كان عليه على الإطلاق. قد تجعلنا حالة الحجر الإلزامي وتكديس العائلات في المنازل ندرك أشياء لا نرغب في الاعتراف بها: أن عائلتنا تستنزفنا، وأن روابطنا بأزواجنا قد اضمحلت منذ فترة طويلة، وسوف يخرج أطفالنا من الحجر الصحي مدمنين على الإنترنت، وسوف يدرك الكثير منا الاحساس بعقم وسخافة حياتنا التي نبقي عليها بطريقة ميكانيكيًا وبقوة الجمود/لاأراديًا. وماذا لو زاد عدد حالات القتل والانتحار و المعانين من أمراض عقلية؟

أمام أعيننا؛ يتصاعد الدخان من النموذج الحضاري الذي شكلنا على مدى المائتي عام الماضية: أننا أسياد الخلق، وأننا نستطيع أن نفعل أي شيء، وأن العالم ينتمي إلينا، العصر الجديد يقترب…

عالم جديد من نافذتي: ترجمته من البولندية: «جنيفر كروفت-Jennifer Croft».

المصدر: The New yorker

المدرسة الوحشية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 2 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

تعتبر المدرسة الوحشية أول حركة فنية في القرن العشرين في الفن الحديث، وهو الاسم المطلق على الأعمال التي أنتجتها مجموعة من الفنانين من حوالي 1905 إلى 1910، والتي تميزت بشدة بألوانها قوية والفرشاة الشرسة.

وقد استلهم الوحشيون أعمالهم في البداية من فناني ما بعد التأثيرية كـ فان جوخ وبول غوغان وجورج سورا وبول سيزان. وتكونت المدرسة الوحشية من مجموعة من الرسامين الفرنسيين ذوي المصالح المشتركة، والذين اهتموا بالفنون المتحررة (كالبدائية والفطرية وفنون الأطفال).

أُطلق عليهم هذا الإسم عندما صاغه الناقد (لويس فوكسيل) حينما رأى أعمال (هنري ماتيس-Henri Matisse) و(أندريه ديران-André Derain) في صالون (ديوتومني) في باريس عام 1905 وانذعر من الألوان الصارخة التي تغطي الجدران حول تمثال لطفل من البرونز المستمد من عصر النهضة وصاح قائلًا “دوناتللو بين الوحوش!”. وقد ألهمت الوحشية بشكل كبير المدارس اللاحقة كالتكعيبية والتعبيرية والتجريدية وغيرهم.

The Dessert: Harmony in Red, 1906, By: Henri Matisse

صفات المدرسة الوحشية

  • كان من أهم سمات المدرسة الوحشية الرئيسية هو فصل اللون عن العنصر والسماح له بالوجود على اللوحة كعنصر مستقل. فيمكن للون أن يعبر عن مزاجٍ ويؤسس هيكلًا داخل العمل الفني دون أن يكون حقيقيًا كما في العالم الواقعي.
  • يعتبر التوازن الكلي للتكوين من أهم مميزات المدرسة الوحشية، بالإضافة للأشكال المبسطة والألوان البراقة، مما أعطى انطباعًا بصريًا فوريًا للعمل بالقوة والوحدة.
  • استخدام ألوان جريئة وغير طبيعية (غالبًا ما يتم تطبيقها على اللوحة مباشرة من أنابيب الألوان) وتبسيط أشكال الموضوعات أيضًا مما يجعل أعمالهم تبدو مجردة تمامًا.
  • تشارك فنانو المدرسة الوحشية في تحديد الألوان والأشكال بخطوط واضحة كوسيلة للتواصل مع الحالة العاطفية للفنان.
  • كان أهم شيء قامت الوحشية بتقديره هو التعبير الفرد، فقد كانت رؤية الفنان المباشرة في موضوعاته واستجابته العاطفية للطبيعة وحدسه أكثر أهمية من النظرية الأكاديمية أو الموضوعات الكبيرة كالأسطورية والدينية.
Landscape near Chatou, 1904, By: André Derain

هنري ماتيس

يعتبر ماتيس من أهم فناني الوحشية ورائدًا لها. ولد لعائلة من النساجين وتأثر وهو طفل بالألوان والأنماط الزاهية للمنسوجات المحلية. وقد تم إيقاظ إحساسه الفني باللون (أساس الوحشية) حينما أعطته والدته الألوان ليرسم عندما عاد المنزل ليتعافى بعد إجراءه للزائدة الدودية. وقد قال ماتيس عن ذلك في وقت لاحق: “منذ اللحظة التي أمسكت فيها بالألوان بين يدي، علمت أن هذه هي حياتي. فقد ألقيت نفسي بها كوحش يغوص نحو ما يحبه.”

وقد تم وصف طريقته خلال مساره المهني طويل بـ “البناء بالأسطح الملونة”. وظل على هذا المسار خلال المراحل المختلفة من أعماله، بدءًا من لوحاته المُلخصة والدقيقة حتى الديكور الداخلي المضاء بنور الشمس وصولًا إلى القصاصات المبتكرة في آخر حياته. وقد أدى العديد من أفضل أعماله عندما طور أسلوبًا صارمًا أكد فيه على الأشكال المسطحة والنمط الزخرفي.

Die Laute, 1942, By: Henri Matisse

وعلى الرغم من أن معظم أعماله – سواء كان الرسم بالخط السريع أو لوحاته ذات المساحات المسطحة– يبدو كأنه تم تنفيذها بسهولة تامة، فقد نبه ماتيس أن هذا التأثير مجرد “بساطة ظاهرية”. فقد عمل في الواقع بجِد لتحقيق فن التوازن والنقاء الذي طالما حلم به.

ويُنظر إلى ماتيس بشكل عام إلى جانب (بابلو بيكاسو) كواحدٍ من الفنانين الذين ساعدوا في تحديد التطورات الثورية في الفنون البصرية طوال العقود الأولى من القرن العشرين، ومن المسؤولين عن التطورات المهمة في الرسم والنحت.

Still Life With Aubergines
The Pink Studio

بعض الأعمال لأهم فناني الوحشية

أندريه ديران

Portrait of a Man With a Newspaper, 1913
Figures from a Carnival

موريس دي فلامنك

The River Seine at Chatou, 1906, By
Portrait of Derain, 1905

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

Tate
Tate
TheArtStory
MOMA
Guggenheim

صابر صبري وإعادة إحياء العمارة المملوكية في مصر

صابر صبري وإعادة إحياء العمارة المملوكية في مصر

صابر صبري باشا هو مهندس معماري مصري ولد عام 1845 وتوفي عام 1915 على الارجح، وعلى عكس معظم معماريين جيله، لم يدرس بالخارج ولكن تلقى تعليمه في المهندسخانة، عمل عام 1881 كمدرس للرياضيات والهندسة الوصفية في المهندسخانة. تولى وظيفة “باشمهندس نظارة الأوقاف”، وهي أحد أعلى المراتب في النظارة، منذ تولى الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892 حتى عام 1906. إحتوى تقرير قدمه صبري بعد تقاعده، أن الأوقاف مسؤولة منذ عام 1892 عن بناء أو تجديد حوالي مائة مسجد وضريح، في حين تم تجديد أكثر من مائتي مبنى سكني وتجاري. وهذه الأرقام تبدو كبيرة إلى حد ما عند مقارنتها بنشاط الأوقاف في السابق، ففي عهد والده الخديوي توفيق، تم بناء وترميم عشرين مسجدًا وثلاثين مبنى تجاريًا فقط.
لصبري العديد من التصميمات منها: تصميم مسجد أولاد عنان 1894، تصميم مسجد السيدة نفيسة 1895، تصميم مبنى وزارة الأوقاف بالتعاون مع آخرين 1896، تصميم مبنى جامعة القاهرة مع محمود بك فهمي 1914.

الأوقاف في أواخر القرن التاسع عشر

الأوقاف هي هيئة إدارية تشكلت عام 1835 لإدارة المؤسسات الدينية، أُعيد تنظيم الأوقاف في عام 1851 كديوان له سلطة على جميع مباني الأوقاف. وأصبح فيما بعد نظارة أو وزارة عام 1879؛ والأهم أنها اكتسبت، أو بالأحرى استرجعت، استقلالية كبيرة عند تحويلها إلى “هيئة إدارية” في 23 يناير 1884، على اساس أن تُدار الأوقاف وفقًا للشريعة وبالتالي تكون منفصلة تحت الوصاية المباشرة للخديوي. تلك الاستقلالية كانت قصيرة الأجل، حيث تم إعادتها إلى وزارة في 20 نوفمبر 1913.

الطراز المملوكي

الطراز المملوكي هو الطراز الذي تطور في مصر اثناء حكم المماليك (1250-1517) ويعتبره الكثيرون الطراز المعبر بصدق عن مصر العربية والاسلامية حيث أنه استمد سماته من التراث المصري. معظم المباني التي بنيت في الفترة من 1892 حتى 1906 تنتمي الى إعادة إحياء الطراز المملوكي. وذلك بعد سيطرة اتجاهات التغريب على العمارة المصرية في عهد الخديوي اسماعيل.
وبالرغم أن تلك المباني يمكن تمييزها بسهولة من المباني المملوكية الأصلية، إلا انها قدمت نماذج رائعة لفهم الطراز المملوكي وتعبير صادق عن البراعة في فهم خصائص الطراز. نستعرض في المقالة مثالين من ذلك الطراز.

1- تصميم مسجد أولاد عنان

يمثل مسجد أولاد عنان مشروعًا مبكرًا لصابر صبري في الأوقاف. تم بناؤه في باب الحديد، الآن رمسيس، مقابل محطة سكة حديد القاهرة، حيث يقع مسجد الفتح الآن. نجا مسجد أولاد عنان من الهدم لبناء مسجد الفتح، في عام 1979 تم تفكيكه ونقله .إلى الميدان الكبير أسفل القلعة، وأعيد تسميته باسم مسجد السيدة عائشة

مسجد أولاد عنان بُنى مكان ضريح قديم من القرن الرابع عشر تم هدمه اثناء الحملة الفرنسية. انتقلت ملكيته الى الأوقاف عام 1893. وتم البدء في انشاؤه عام 1894 وتم افتتاحه عام 1896 بتكلفة اجمالية بلغت حينها 7000 جنيه مصري.

تم بناء المسجد من الحجر، مع الطبقات المعتادة من الحجر الأحمر والأبيض (المشهر والأبلق) من محاجر المقطم. احتوى التصميم على قاعة صلاة مغطاة، مضاءة بواسطة مِشكاوات (كما كان الحال في العديد من المدارس المملوكية)، كما تضمن كُتاب في الطابق الأول. وكانت عائدات صيانة المبنى تنتج عن طريق إيجار شقة ومخزن ملحق بالمسجد. والتي اضيفت نتيجة الانحراف الناتج عن الدوران لاتجاه القبلة ومحاذاة حدود الشارع.

تظهر الاقتباسات الحرفية من الآثار المملوكية في زخرفة المئذنة، والتي تجمع بين البدن والجزء السفلي من مئذنة قايتباي في الأزهر (1494)، مع الجزء العلوي من مئذنة قايتباي الملحقة بضريحه في المقبرة الجنوبية (1472). كما تستحضر قبة المسجد المنحوتة عمارة قايتباي أيضًا، كما تظهر في موقعها الحالي من القلعة. شكلت العمارة المملوكية المتأخرة المصدر الأساسي لإلهام تصميم مسجد أولاد عنان.

2- تصميم مبنى وزارة الأوقاف

المثال الثاني هو مبنى الأوقاف (1898) وهو مازال قائم في وسط القاهرة حتى الآن، مع إضافات تمت لاحقا عام (1911 و1929). يتوافق المسقط الأفقي مع الوظيفة الإدارية للمبنى، وهي منظمة حول فناء داخلي. تحمل الرسومات هذه المرة اسم مهندس أوروبي غير معروف. والذي يذكر انه رسم ونسخ الرسومات في يونيو 1896. ووقع صابر صبري المشروع في اليوم التالي. وفقا للنقوش على الواجهة، تم الانتهاء من المبنى في عام 1898.

المبنى عبارة عن مجموعة (تلقيطية – Eclectic) من المفرادات المستعارة من آثار مملوكية متنوعة:
فتحات غاطسة، تعلوها نقوش وزخارف جصية واستخدام الأبلق، استخدام تكوين مجموعة نوافذ قلاوون. وتم استخدام التلقيطية في هذه الحالة حيث أنه لا يمكن اللجوء إلى مثال تاريخي لتصميم مثل هذا النوع من المباني. والذي يعني بالضرورة الحاجة الى ابتكارات مختلفة.

توضح (Mercedes Volait) أن تصميمات صبري لمسجد أولاد عنان وجدت طريقها إلى مجلة معمارية فرنسية: وكان هذا وضعًا استثنائيًا لمهندس شرق أوسطي في ذلك الوقت! وبالرغم من ذلك تعرض صبري للنقد عام 1915، فتصميم مسجد أولاد عنان اعتمد بدون شك على نموذج قديم، ولكن كان يُنظر إلى المسجد الآن على أنه ذو مئذنة غير متناسبة ومراجع تاريخية غير صحيحة. وكانت الحداثة التي ستقطع العلاقات بالماضي هي التيار القادم.

في النهاية، إعادة إحياء الطراز المملوكي في القاهرة في نهاية التاسع عشر. يعتبر ظاهرة معقدة إلى حد ما، مع معاني وقراءات محتملة ومتنوعة، تتجاوز الرمزية السياسية بشكل عام المتعلقة بالطراز.

المراجع

.Mercedes Volait. Appropriating Orientalism? Saber Sabri’s Mamluk Revivals in late 19th c. Cairo
Doris Behrens-Abouseif; Stephen Vernoit. Islamic Art in the 19th Century: Tradition, Innovation
.and Eclecticism, Brill, pp.131-155, 2005

محمد فوزي المناوي، جامعة القاهرة في عيدها المئوي، المكتبة الأكاديمية، 2007.

اقرأ أيضًا هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

Exit mobile version