مترجم: عن أولغا توكارتشوك الحائزة على نوبل في الأدب، عالم جديد من نافذتي

بقلم: الفائزة بجائزة نوبل للأدب 2018 «أولغا توكارتشوك-OLGA TOKARCZUK»

من نافذتي يمكنني أن أرى شجرة «توت-mulberry» أبيض وهي شجرة تفتنني -أحد الأسباب التي جعلتني أعيش هنا. فالتوت نبات كريم؛ طوال فصلي الربيع والصيف يقدم ثمارهُ الحلوة الصحية لعشرات من عائلات الطيور. في الوقت الحالي لم يستعيد التوت أوراقه بعد، لذلك أرى امتداد الشارع الهادئ الذي نادرًا ما يجتازه الناس في طريقهم إلى الحديقة. الطقس في«فروتسواف- Wrocław» يكاد يكون صيفيًا: شمس باهرة، وسماء زرقاء وهواء نظيف. اليوم بينما كنت أسير مع كلبي رأيت اثنين من طيور «العقعق-magpies» تطاردان بومة من عشها، وعلى بعد قدمين فقط نظرت أنا والبومة في عيون بعضنا البعض؛ يبدو أن الحيوانات أيضًا تنتظر بترقب وتتساءل عما سيحدث لاحقًا.

لوقت طويل شعرت بأن هناك الكثير من العالم؛ كثير جدا، وسريع جدا، وصاخب جدا. لذلك لا أعاني من «صدمة العزلة» وليس من الصعب علي عدم رؤية الناس. لا يؤسفني إغلاق دور السينما، ولا أبالي تمامًا بإغلاق مراكز التسوق. أنا قلقة بالطبع من التفكير في كل الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم. ولكن عندما علمت بالحجر الصحي الوشيك شعرت بشيء من الارتياح، أعلم أن الكثير من الناس شعروا بالمثل حتى لو خجلوا من ذلك. إن انطوائيتي التي خنقت طويلاً أسيئت معاملتها من قبل الانبساطيين المفرطين النشاط قد انتفضت وخرجت من الخزانة.

أشاهد جارنا من النافذة، وهو محام مرهق من كثرة العمل رأيته مؤخرًا يتجه إلى العمل في الصباح يرتدي رداء قاعة المحكمة فوق كتفه، الآن أراه ببدلة رياضية فضفاضة يحارب غصنًا في الفناء؛ يبدو أنه يقوم بترتيب المكان، أرى شابين يخرجان كلبًا كبيرًا في السن بالكاد قادر على المشي منذ الشتاء الماضي؛ الكلب يتهادى ببطء ومرافقيه يسيرونه بصبر و بأبطأ وتيرة. وبكثير من الصخب تقوم شاحنة القمامة بإلتقاط النفايات.

عالم جديد من نافذتي، من نافذتي يمكنني أن أرى شجرة «توت-mulberry» وهي شجرة أنا مفتونة بها

تستمر الحياة، لكن كيف؟ بإيقاع مختلف تمامًا؛ رتبت خزانة ملابسي وأخرجت الصحف التي قرأناها ووضعناها في سلة إعادة التدوير، أعدت ترتيب الزهور، التقطت دراجتي من المتجر حيث تم إصلاحها، وأصبحت أستمتع بالطهي.

صور من طفولتي تستمر في العودة إلي، كان الوقت أكثر من ذلك بكثير، وكان من الممكن «إهداره» و«قتله»، وقضاء ساعات في التحديق من النافذة، أو مراقبة النمل، أو الاستلقاء تحت الطاولة وتخيلها كتابوت، وقراءة الموسوعات.

أليس من الممكن أننا نعود الأن إلى إيقاع الحياة الطبيعي؟ ألا يعني ذلك أن الفيروس ليس اختلالًا في القاعدة، بل العكس هو الصحيح؛ أن العالم المحموم قبل وصول الفيروس كان غير طبيعي؟

لقد ذكّرنا الفيروس بكل ما كنا ننكره بشغف شديد: أننا مخلوقات رقيقة تتكون من أكثر المواد هشاشة، أننا نموت، أننا محض بشر!. أننا لسنا منفصلين عن «البشرية» ولسنا استثنائيين، ولكن العالم بدلاً من ذلك شبكة عظيمة نختلط فيها جميعًآ، ونرتبط بكائنات أخرى بخيوط غير مرئية من الاعتماد والتأثير، أنه بغض النظر عن مدى البعد عن البلدان التي نأتي منها، أو اللغات التي تتحدثها، أو لون بشرتنا، فإننا نمرض بنفس الأمراض ونتشارك نفس المخاوف؛ ونموت…نفس الموت.

لقد جعلنا ندرك أنه بغض النظر عن مدى ضعفنا وهشاشتنا في مواجهة الخطر، فإننا محاطون بأشخاص أكثر ضعفًا والذين تعتبر مساعدتنا لهم ضرورية، وقد ذكّرنا بمدى هشاشة آبائنا وأجدادنا، ومدى حاجتهم لرعايتنا. لقد أظهر لنا أن حركاتنا المحمومة تعرض العالم للخطر. وقد أثار سؤالًا نادرًا ما كانت لدينا الشجاعة لطرحه على أنفسنا: ما هو بالضبط الذي نواصل البحث عنه؟

لقد ذكرنا الخوف من المرض بالأعشاش التي نشيدها ونشعر بالأمان فيها في مثل هذه الحالة، حتى أكثر المسافرين شغفًا يعودون دائمًا إلى نوع من المنزل. وفي الوقت نفسه اكتشفنا حقائق حزينة؛ أنه في لحظة الخطر لجأ فكرنا مرة أخرى محدودية وحصرية حدود الدول. في هذا الوقت العصيب رأينا مدى ضعف الممارسة العملية لفكرة المجتمع الأوروبي، الاتحاد الأوروبي: انسحب من المباراة.

وفوض اتخاذ القرارات وقت الأزمة للدول القومية، لقد عادت الشوفينية القديمة، عادت إلى الانقسام بين «من يخصنا» و«الأجنبي» وبعبارة أخرى؛ بالضبط ما قاتلنا ضده العقود الماضية على أمل أنه لن يشكل تفكيرنا مرة آخرى. أثار الخوف من الفيروس القناعة اللاذعة بأنه يجب إلقاء اللوم على الأجانب، وأنهم هم الذين يشكلون التهديد. في أوروبا: الفيروس «من مكان آخر». في بولندا: يعتبر كل من يعود من الخارج مشبوهًا. يذكرنا الفيروس: بأن الحدود موجودة، وهم على ما يرام.

أخشى أيضًا أن الفيروس سوف ينبهنا إلى حقيقة قديمة أخرى: إلى أي مدى نحن غير متساوين؛ في حين أن البعض منا يطير على متن طائرات خاصة إلى منازلهم في الجزر أو في عزلة الغابات، سيبقى البعض الآخر في المدن وتشغيل محطات توليد الطاقة ومحطات المياه. لا يزال البعض الآخر يخاطرون بحياتهم في العمل في المتاجر والمستشفيات. سيجني البعض المال من الوباء بينما سيفقد البعض الآخر كل شيء لديهم. ستقوض الأزمة القادمة كل المبادئ التي بدت لنا ثابتة، لن تتمكن العديد من البلدان من التعامل وفي مواجهة حالة السقوط، سوف تستيقظ أنظمة جديدة، كما هو الحال غالبًا بعد الأزمات.

نعتقد أننا سنبقى في المنزل نقرأ الكتب ونشاهد التلفاز ولكن في الواقع نحن نعد أنفسنا لمعركة حول واقع جديد لا يمكننا حتى تخيله، بينما نستوعب ببطء أن لا شئ سيعود إلى ما كان عليه على الإطلاق. قد تجعلنا حالة الحجر الإلزامي وتكديس العائلات في المنازل ندرك أشياء لا نرغب في الاعتراف بها: أن عائلتنا تستنزفنا، وأن روابطنا بأزواجنا قد اضمحلت منذ فترة طويلة، وسوف يخرج أطفالنا من الحجر الصحي مدمنين على الإنترنت، وسوف يدرك الكثير منا الاحساس بعقم وسخافة حياتنا التي نبقي عليها بطريقة ميكانيكيًا وبقوة الجمود/لاأراديًا. وماذا لو زاد عدد حالات القتل والانتحار و المعانين من أمراض عقلية؟

أمام أعيننا؛ يتصاعد الدخان من النموذج الحضاري الذي شكلنا على مدى المائتي عام الماضية: أننا أسياد الخلق، وأننا نستطيع أن نفعل أي شيء، وأن العالم ينتمي إلينا، العصر الجديد يقترب…

عالم جديد من نافذتي: ترجمته من البولندية: «جنيفر كروفت-Jennifer Croft».

المصدر: The New yorker

أولغا توكارتشوك الفائزة بجائزة نوبل للآداب لعام 2018 المعلن عنها اليوم

فازت الروائية البولندية، أولغا توكارتشوك، بجائزة نوبل للآداب لعام 2018.

وتم تأجيل الإعلان عن الفائز بالجائزة العام الماضي بسبب الفضيحة المالية والجنسية التي هزت لجنة التحكيم، لكن تم الأعلان اليوم عن فائزيين أحدهم لعام 2018 والأخر لعام 2019.

وصفت لجنة التحكيم نتاج الروائية الفائزة بـ: «إن الخيال الروائي الممزوج بالشغف المعرفي الجامح الذي يتجاوز الحدود هو شكل من أشكال الحياة».

أولغا توكارتشوك برلين 2017

من هي ؟

«أولغا توكارتشوك -Olga Tokarczuk» مواليد 29 يناير 1962 هي كاتبة بولندية وناشطة ومفكرة وصفت بأنها واحدة من أكثر المؤلفين نجاحًا في جيلها على المستوى الأدبي والتجاري. ففازت بجائزة مان بوكر الدولية عن روايتها «الترحال» عام 2018 ، لتصبح أول كاتبة بولندية تحصل عليها كما حصلت اليوم على جائزة نوبل في الأدب لعام 2018 (منحت في عام 2019)، وهي غزيرة الإنتاج ورواياتها دائما الأكثر مبيعا في بلدها ونالت العديد من الجوائز عن أعمالها.

وإلى جانب عملها في الكتابة الروائية تقوم توكارتشوك بالإشراف على مهرجان أدبي قرب محل سكنها في جنوب بولندا، كما أن لها موقف حاسم مناهض لموقف الحكومة البولندية اليمينية المحافظة. 

وقالت في مقابلة لها على التليفزيون الحكومي عام 2014 إن بلادها ارتكبت أعمالا فظيعة عبر تاريخها واستعمرت دولاً أخرى، واضطر ناشر أعمالها إثر ذلك لتوفير حراسة شخصية لها لحمايتها وصرحت فيما بعد: «لقد كنت ساذجة جدا. ظننت إننا بتنا قادرين على مناقشة الصفحات السوداء في تاريخنا».

بدايتها:

ولدت أولغا في سولتشوف ببولندا لأبويين معلمين، كما عمل والدها كأمين مكتبة المدرسة مما شجعها على القراءة كثيرًا وفتح شهيتها الأدبية بشكل كبير. 

وبعد أن دراست علم النفس في جامعة وارسو بدأت عملها الأدبي المتأثر بدراستها الجامعية لعلم النفس، فأول أعملها هو مجموعة شعرية نشرت عام 1989، بعدها نشرت حتى الآن أكثر من 8 أعمال روائية إلى جانب مجموعتين قصصتين.

الرواية الأولى:

روايتها الخيالية الأولى المسماه «رحلة القراء» نشرت عام 1993 وتدور أحداثه في فرنسا وإسبانيا بالقرن السابع عشر وبها تبحث مجموعة من الشخصيات عن كتاب غامض في جبال البرانييه الخلابة، نجح الكتاب وحصل على جائزة الناشر البولندي لأفضل ظهور أول بين عامى 1993-1994. 

الأنطلاقة الكبرى:

ومع ذلك فإن الأنطلاقة الحقيقية لها جاءت مع روايتها الثالثة «البدائية وأوقات أخرى» عام 2010 والتي تحكي قصة الأجيال المتتالية لعائلة تعيش في أجواء أسطورية مليئة بالرمزية والتفاصيل الواقعية وتبدأ أحداثها عام 1914 وتتناول تاريخ بولندا في القرن العشرين وتعد مثال رائع للأدب البولندي الجديد بعد عام 1989؛ فتقاوم الأحكام الأخلاقية القديمة وترفض الخضوع للسلطة القومية، بدلاً من ذلك تُظهر قدر عظيم من الخيال ودرجة عالية من السمو الفني، وتقول توكارتشوك عنها: 

«أنها محاولة شخصية لفهم الصورة الوطنية للماضي».

 

«منزل الليل ومنزل النهار»

لكن توظيف الروح الأسطورية والراوي كلي العلم وكذلك التيار الميتافيزيقي القوي  تم التخلي عنهم ففي رواية «منزل النهار، منزل الليل» المنشورة عام 1998، هنا نجد مزيج غني من الصور الجمالية المدهشة التي تصور منطقة بأكملها بثقافاتها المتضاربة ومصائر سكانها ووجهات نظرهم، كما أن منظورها مستوحاه من الخرائط والمنظور العلوي لذا تجد عوالمها تبدو ميكرسكوبية كما تتميز أعمالها بأرتباط الأساطير بالواقع ارتباطًا وثيقًا، كما نرى بوضوح في روايتها الثالثة «البدائية هي قرية في خضم الكون»

«قُد محراثك فوق عظام الموتى»

أما روايتها «قُد محراثك فوق عظام الموتى» فقد فازت بجائزة بوكر عام 2009. وهناك فيلم مقتبس عنها تعرض لحملة نقد شديدة من قبل الحكومة وصلت لدرجة أن وكالة الأنباء البولندية وصفت الفيلم بأنه «معاد جدا للمسيحية ويدعو إلى الإرهاب البيئي».

«يعقوب»

لكن أعظم ما أبدعت حتى الآن هي رواية تاريخية مثيرة تسمى «يعقوب» المنشورة عام 2014 والتى تعد تغيرًا كبيرًا في أسلوبها الأدبي واستغرقت عدة سنوات من البحث التاريخي في الأرشيفات والمكتبات لجعل العمل متكامل، وباعت 170 ألف نسخة ونالت عنها جائزة أفضل رواية على المستوى الوطني للمرة الثانية عام 2014.

بطل الرواية هو زعيم طائفة من القرن الثامن عشر كارزمي الشخصية يدعى يعقوب فرانك، يظن أتباعه أنه المسيح الجديد، وباحث خارج وراء الروحية مصممًا على توحيد المذاهب اليهودية والمسيحية والإسلامية، ومن المدهش كيف تتيح لنا قرأة عقول العديد من الأشخاص في هذه القصة المؤلفة من 1000 صفحة 

وتقدم لنا صورة متكاملة للشخصية الرئيسية بينما يصف هو نفسه من الخارج فقط، لكن من الواضح أنه رجل ذو وجوه كثيرة: صوفي ومتمرد ومناور ومحتال. وقد أظهرت توكارتشوك في هذا العمل قدرات راوي أسطورية تمثيل قضية م فهم الإنسان. لكن العمل لا يصور الحياة الغامضة ليعقوب فرانك فحسب، بل يعطينا صورة بانورامية غنية لفصل مهمل تقريبًا في التاريخ الأوروبي.

مجموعة مختارة من أعمالها تنصح لجنة نوبل بقرأتها:

  • «فندق العاصمة» لندن: 2000.
  • «بيت النهار ، بيت الليل» لندن: 2002. 
  • «من إي إي ك الشاطئ الثالث، خيال المرأة من وسط شرق أوروبا» مانشستر: 2007.
  • «البدائية وأوقات أخرى» براغ: 2010
  • «الرحالة» لندن: 2017. 
  • «أدفع محراثك فوق عظام الموتى» لندن: 2018. 

Exit mobile version