ما هي خصائص الإشعاعات التي تستعمل في العلاج الإشعاعي؟

يحدد طبيب الأورام المعالج نوع العلاج حسب خصائص الإشعاعات التي تستعمل في العلاج الإشعاعي. فالفوتونات ذات الطاقة العالية، تستعمل عادة في علاج الأورام العميقة، بينما تستخدم الإلكترونات في علاج الأورام السطحية. فما هي هذه الخصائص التي تحدد نوعية العلاج الذي سيخضع له المريض؟

خصائص الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي

تتحدد خصائص الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي حسب توزيع الجرعة التي يتلقاها المريض عند تعرضه لحزمة من هذه الإشعاعات. ونقصد بتوزيع الجرعة، الجرعة التي يتلقاها المريض على طول مسار الإشعاعات. ويسمَى المنحنى الذي يصف هذا التوزيع بمنحى جرعة العمق، والذي يمثل الجرعة على طول المحور المركزي للحزمة الإشعاعية (الشكل 1).  ويلعب هذا المنحنى دورًا مهمًا في تحديد نوع وطاقة الإشعاع المستعمل في عملية العلاج [1].

الشكل1 : منحنى جرعة العمق بالنسبة للفوتونات.

خصائص الفوتونات

عندما تدخل حزمة إشعاعية جسم المريض، فإنها تترك جرعة محددة على المساحة الخارجية للمريض (الجلد). تظَل قيمة الجرعة في التزايد مع تعمق الحزمة داخل المريض إلى أن تصِل إلى مستوى معين تنحدِر بعده إلى أن تصِل إلى جرعة الخروج. وهي الجرعة التي تتركُهَا الحزمة عند خروجها من الجانب الآخر للمريض [1].

منحنى جرعة العمق بالنسبة للفوتونات

يتميَز «منحنى جرعة العمق-depth dose curve» بجرعة السطح. وتمثِل الجرعة التي يتلقاها جلد المريض عند مدخل الحزمة الإشعاعية. وبالجرعة القصوى، التي تمثِل أقوى جرعة يتلقاها المرض على طول مسار الحزمة. بالإضافة إلى جرعة الخروج التي تمثِل الجرعة التي تتركها الحزمة في جسم المريض قبل أن تخرُج منه. وتسمى المنطقة المنحصرة بين جرعة السطح والجرعة القصوى بمنطقة التراكم [1].

تختلف قيمة جرعة السطح بالإضافة إلى العمق الذي يمتص الجرعة القصوى (Zmax) حسب طاقة الفوتونات. فبالنسبة للفوتونات منخفضة الطاقة (أصغر من 100keV) تكون الجرعة القصوى على مستوى السطح. بينما تكون جرعة السطح عند الفوتونات عالية الطاقة (أكبر من 1MeV) أصغر بكثير من الجرعة القصوى (الجرعة عند Zmax). وتساعِد هذه الخاصية في حماية الجلد من الجرعات العالية عند علاج الأورام العميقة. إذ تستعمل الفوتونات عالية الطاقة في عملية العلاج [1].

جرعة السطح

تنتج جرعة السطح عن امتصاص «الفوتونات المتناثرة-scattered photons»  عن رأس المسرع وعن الهواء باللإضافة إلى الفوتونات المرتدة من المريض. تسهِم الإلكترونات عالية الطاقة، التي أُنتجَت بواسطة تفاعل الفوتونات مع الهواء أو أحد الأجسام المجاورة للمريض، أيضًا في جرعة السطح [1].

منطقة التراكم

تنتُج «منطقة التراكم-Buildup region » الممتدة من السطح (Z=0) إلى العمق (Zmax) عن الجسيمات المشحونة الثانوية. وهي تنشَأ عن تفاعل الفوتونات مع جسم المريض، والتي تودِع طاقتها في جسد المريض. ويفسر ارتفاع قيمة الجرعة مع تزايد العمق في هذه المنطقة بتزايد هذه الجسيمات الثانوية مع التوغل في جسم المريض. وعلى الرغم من أن دفق الفوتونات يكٌون في أعلى مستوى له عند السطح (وبالتالي أعلى نسبة لإنتاج الجسيمات الثانوية) فإن المسافة التي تقطعُها الجسيمات الثانوية قبل أن تودِع طاقتها في جسد المريض هي ما تسبِب ذلك الفارق في المسافة بين جرعة السطح والجرعة القصوى [1].

 أما ذلك الانخفاض الملاحظ بعد الوصول إلى الجرعة القصوى (عند Zmax)، فإنه ينتُج عن «تثبيط الفوتونات-photon attenuation». الذي يتجلى في تناقص عدد الفوتونات أثناء توغلها داخل جسد المريض. حيث يؤدِي انخفاض عدد الفوتونات إلى انخفاض عدد الجسيمات الثانوية التي تنتجُها. وبالتالي إلى انخفاض الجرعة التي تودعُها هذه الجسيمات الثانوية في جسد المريض [1].

خصائص الإلكترونات

يختلف توزيع الجرعة بالنسبة للإلكترونات عن ذلك الذي لدى الفوتونات. ويرجع هذا إلى طريقة التفاعل المختلفة عن الفوتونات، والتي تأخذ أحد الأشكال التالية:

  • التصادم المرن مع إلكترونات الذرات.، الذي يؤدي إلى تغيير اتجاه الإلكترون دون أي خسارة للطاقة؛
  • التصادم اللامرن  مع إلكترونات الذرات، الذي يخسر فيه الإلكترون جزءا من طاقته لصالح إلكترونات الذرات. مما يؤدي إلى تأيين أو إثارة الذرات؛
  • التصادم المرن مع نويات الذرات، حيث يحافظ فيه الإلكترون على طاقته مع تغيير في الاتجاه؛
  • التصادم غير المرن مع نويات الذرات، الذي يؤدي إلى إنتاج «إشعاع الكبح-Bremsstrahlung radiation» -. وينشأ عن مرور الإلكترون بالحقل الكهربائي لأحد النويات، حيث يسهم هذا الأخير في انحراف الإلكترون عن مساره مع فقدان جزء من طاقته على شكل فوتون من أشعة إكس [1].

منحنى جرعة العمق بالنسبة للإلكترونات

يختلف منحنى جرعة العمق بالنسبة للإلكترونات عن ذلك الذي في الفوتونات. فبالمقارنة مع حزم الفوتونات عالية الطاقة، تكون جرعة السطح عالية، مما يجعلها مفضلة في علاج الأورام السطحية. بالإضافة إلى هذا، تؤدي ظاهرة الكبح إلى ظهور ما يعرف بـ «ذيل إشعاع الكبح-bremsstrahlung tail »، والتي تتمثل في استقرار الجرعة عند قيمة ثابتة في نهاية المنحنى (الشكل 2) [1].

الشكل 2: منحنى جرعة العمق بالنسبة للإلكترونات.
جرعة السطح

على عكس الفوتونات، تكون جرعة السطح عند الإلكترونات كبيرة، حيث تتراوح بين 75% و95% من الجرعة القصوى. كما تتزايد هذه الجرعة مع ارتفاع طاقة الحزمة الإلكترونية عكس ما يحدث لدى الفوتونات. ويفسر هذا بطبيعة التصادمات التي تحدث للإلكترونات منخفضة الطاقة، حيث تنحرف هذه الإلكترونات بزوايا كبيرة مقارنة بالإلكترونات ذان الطاقة العالية. فتخسر جل طاقتها في مسافة قصيرة –أي أن الجرعة تصل إلى القيمة القصوى في مسافة أقل من تلك التي تستغرقها الإلكترونات عالية الطاقة. وهكذا، تكون نسبة جرعة السطح إلى الجرعة القصوى أصغر منها عند الإلكترونات عالية الطاقة (الشكل 3) [1].

الشكل 3: تغير منحنيات جرعة العمق بالنسبة للإلكترونات حسب طاقة الحزم.
منطقة التراكم

يسهم تشتت الإلكترونات في مسارات منحرفة عن المسار الأصلي للحزمة الإلكترونية إلى زيادة في دفق الإلكترونات. مما يؤدي إلى الارتفاع الملاحظ للجرعة، التي تودعها هذه الإلكترونات، في منطقة التراكم. وتتميز منطقة التراكم عند الإلكترونات بكونها أصغر من تلك التي لدى الفوتونات عالية الطاقة (يصغر فارق المسافة بين جرعة السطح عند Z=0 والجرعة القصوى عند Zmax) [1].

بعد تجاوز Zmax، تبدأ الجرعة في الانخفاض لأن الإلكترونات تستمر في خسارة طاقتها أثناء مسارها خلال جسم المريض. في النهاية، تستقر الجرعة على قيمة ثابتة بسبب ظاهرة الكبح. وتنشأ ظاهرة الكبح هذه عن تفاعل حزم الإلكترونات مع رأس المسرع أو مع الهواء الذي بين المريض والمسرع أو مع المريض نفسه [1].

في الختام، نذكر أن العلاج الإشعاعي لا يتأثر فقط بنوع الإشعاع المستعمل، بل بعوامل أخرى كطاقة الحزم الإشعاعية وحجم المجال الذي يحدد هذه الحزم وغيرها.

المصادر

[1] Radiation Oncology Physics : A Handbook for Teachers and Students

ما هي طبيعة الضوء؟

تعتبر سرعة الضوء ثابثا مسلمًا به في الفيزياء الحديثة. فثباث سرعة الضوء هو المبدأ الذي قامت عليه نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين، وهي أقصى سرعة يمكن أن يصل لها شيء. فما هي طبيعة الضوء؟ وهل يمكن تجاوز سرعة الضوء في الفراغ؟

قياس سرعة الضوء

قد يبدو قياس سرعة الضوء قديمًا في القرن السابع عشر أمرا مستحيلًا، ولم يكن محل اهتمام العلماء حينئذ. فقد كانت الإمكانيات المتاحة لا تستطيع قياس مثل تلك السرعات، واعتبرت سرعة الضوء سرعة لانهائية. ولكن استطاع عالم الفلك الدنماركي «أولي رومر – Ole Roemer» قياس سرعة الضوء عام 1676.[1] ولم يكن قياس سرعة الضوء هو ما يَسعى إليه، بل كان يعمل على دراسة أحد مدارات كوكب المشتري مدار «آيو IO».

اهتم رومر بدراسة هذا المدار لأن قياس معدل دوران أقمار ذاك المدار حول المشتري سيساعد المسافرين في تحديد الوقت بدقة. ولكنه اكتشف وجود تأخر في ذلك المعدل حين تبتعد الأرض عن المشتري، فاستنتج من خلال ذلك سرعة الضوء. بعد ذلك، تطورت قياسات سرعة الضوء حتى أصبحت لا تقتصر على القياسات الفلكية، بل على أجهزة معملية كذلك.[2] كتجربة مقياس التداخل للعالمين الأمريكيين «ألبرت ميكلسون – Albert Michelson» و«إدوارد مورلي – Edward Morley».

معادلات ماكسويل

يعتبر العالم «جيمس كلارك ماكسويل – James Clerk Maxwell» واحدا من أهم العلماء في تاريخ الفيزياء. حيث غَير ماكسويل مَجرى الفيزياء تمامًا باستنتاج معادلاته الأربع الشهيرة بـ “معادلات ماكسويل”. وتنص هذه المعادلات على:

  1. الشحنة الكهربائية الخارجة من سطح مغلق تساوي مجموع الشحنات الكهربائية داخل ذلك السطح. وذاك هو قانون جاوس للمجال الكهربائي.
  2. لا يوجد مغناطيس أحادي القطب، فالمغناطيس يحتوي على قطب شمالي وقطب جنوبي. ويسمى ذلك بقانون جاوس للمجال المغناطيسي.
  3. نتيجة للتغير في المجال المغناطيسي ينشأ تيار كهربائي مستحث ليقاوم ذلك التغير. ويدعى قانون فارادي.
  4. أما القانون الرابع فهو قانون أمبير الذي ينص على العلاقة بين المجال الكهربائي الثابت والمجال المغناطيسي. عدل ماكسويل في المعادلة ليجعلها تصف المجال الكهربائي المتغير أيضا. وساعدت المعادلة لاحقًا في استنتاج حركة الضوء في الفراغ.

وحد ماكسويل المجال الكهربائي والمجال المغناطيسي لأول مرة بتلك المعادلات في مجال موحد يسمى المجال الكهرومغناطيسي. ويتحرك المجال الكهرومغناطيسي في الفضاء بسرعة ثابثة تساوي 299792458 متر في الثانية والتي تقترب من سرعة الضوء المقاسة حينها. ومن خلال نموذج ماكسويل للكهرومغناطيسية، فإن طبيعة الضوء ـ حسب ماكسويل ـ ما هي إلا موجة كهرومغناطيسية تسير بسرعة ثابثة هي سرعة الضوء.

الضوء كجسيم وكموجة

طبيعة الضوء كما استنتج ماكسويل هو موجة كهرومغناطيسية. والموجات الكهرومغناطيسية لا تقتصر فقط على الضوء، ولكنها طيف كامل يبدأ من موجات الراديو حتى أشعة جاما. وكل نطاق في ذاك الطيف له تردد معين وطول موجي معين تناظرهم طاقة معينة. وفي ظل عدم احتياج الضوء (أو الموجات الكهرومغناطيسية عمومًا) لوسط تنتقل من خلاله فسرعتها تسجل أعلى مستوياتها في الفراغ.

افترض العالم «ماكس بلانك – Max Planck» أن الموجات الكهرومغناطيسية هي عبارة عن كميات صغيرة من الطاقة. وإذا خصصنا ذلك فقط على الضوء، يمكننا أن نقول إن الضوء عبارة عن كم صغير من الطاقة اسمه فوتون. وبالتالي فالضوء هو جسيم (فوتون) وموجة هي (الموجة الكهرومغناطيسية).

واستنتجت النسبية الخاصة لأينشتاين تكافؤ الطاقة والكتلة في المعادلة الشهيرة (الطاقة = الكتلة X مربع سرعة الضوء)، إذ يجب على جسم ما أن تقترب كتلته من الصفر ليصل إلى سرعة الضوء. معمليًا، فإن إيصال جسيم ما لسرعة الضوء هو أمر مستحيل. أما عن سفر الإنسان بهذه السرعة فيجب أن تقترب كتلته من الصفر كما ذكر. ولكن فرضية الثقوب الدودية توفر فرصة للسفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، ولكن من خلال سرعة عالية، بل باختصار المسافة.[3]

المصادر

[1] Roemer’s Speed of Light
[2] On the relative motion of the Earth and the luminiferous ether
|[3] What is wormhole theory?

شرح مبسط لجائزة نوبل في الفيزياء 2022 وسبب الفوز بها

باستخدام التجارب الرائدة، أظهر كلا من آلان أسبكت وجون كلاوزر وأنتون زيلينجر، الحائزين على جائزة نوبل في الفيزياء 2022، إمكانية التحقيق والتحكم في الجسيمات الموجودة في حالات التشابك. حيث ما يحدث لجسيم واحد في زوج متشابك يحدد ما يحدث للآخر حتى لو كان أحدهما بعيدًا عن الآخر على نحو كبير جدًا. فما طوره العلماء الحائزين على نوبل في الفيزياء 2022 للأدوات التجريبية بمثابة الأساس لعصر جديد من تكنولوجيا الكم.

قوة التشابك الكمي هو سر نوبل في الفيزياء 2022

لا تمثل ميكانيكا الكم مجرد نظرية أو قضية فلسفية! بل هناك بحث وتطوير مكثف للاستفادة من الخصائص الخاصة بأنظمة الجسيمات الفردية. كل ذلك يصب في مصلحة بناء حواسيب كمية وتحسين القياسات وبناء شبكات كمية وإنشاء اتصال آمن مُشفر كميًا. وتعتمد الكثير من التطبيقات على تقنية الكم، إذ تسمح لجسيمين أو أكثر بالوجود في حالة متشابكة وذلك بغض النظر عن مدى تباعد كلا منهما عن الآخر. يُعرف ذلك باسم «التشابك-Entanglement» والذي أثار جدل واسع في ميكانيكا الكم منذ أن صيغت النظرية.

تحدث ألبرت أينشتاين عن تلك الحركة الخفية عن بُعد. كما قال إروين شرودنجر إنها أهم سمة لميكانيكا الكم. وهذا العام استكشف الفائزون بجائزة نوبل في الفيزياء 2022 هذه الحالات الكمية المتشابكة. ووضعت تجاربهم الأساس للثورة القائمة حاليًا في تكنولوجيا الكم.

ما هو التشابك الكمي؟

حين يتشابك جسيمان كميًا، يمكن للشخص الذي يقيس خاصية لجسيم واحد أن يحدد على الفور نتيجة قياس مكافئ للجسيم الآخر. يحدث الأمر دون الحاجة إلى التحقق، فهو مضمون. وقد يكون ذلك عجيب على مسامعك بالبداية! لكن إذا فكرنا في الكرات بدلاً من الجسيمات. فيمكننا تخيل تجربة يتم فيها إرسال كرة سوداء في اتجاه ما وكرة بيضاء في الاتجاه المعاكس. ويمكن للمراقب الذي يمسك كرة ويرى أنها بيضاء أن يعرف على الفور أن الكرة التي تحركت في الاتجاه الآخر سوداء.

فما يجعل ميكانيكا الكم مميزة هو أن مكافئتها للكرات ليس لها حالات محددة حتى يتم قياسها. قد يبدو الأمر كما لو أن كلتا الكرتين ذو لون رمادي، حتى ينظر شخص ما إلى أخر. بعد ذلك، يمكن أن يأخذ بشكل عشوائي كل الأسود الذي يمكن لزوج الكرات الوصول إليه أو يمكن أن يظهر أنه أبيض. فتتحول الكرة الأخرى على الفور إلى اللون المعاكس.

ولكن كيف يمكن معرفة أن الكرات لم يكن لها لون محدد من البداية؟ حتى لو بدت رمادية اللون، فربما كانت تحتوي على ملصق مخفي بالداخل. يشير إلى اللون الذي يجب أن تصبح عليه عندما ينظر إليها شخص ما.

هل هناك لون ما من الأساس في حالة غياب المراقبة؟

كي نفهم الأمر، يمكن مقارنة الأزواج المتشابكة لميكانيكا الكم بآلة ترمي كرات ذات ألوان متناقضة في اتجاهات متعاكسة نحو طفلين وهما بوب وأليس. وعندما يمسك “بوب” الكرة ويرى أنها سوداء، يعرف على الفور أن “أليس” قد التقطت كرة بيضاء.

نظريًا، عند استخدام المتغيرات الخفية بدلًا من الألوان المحددة من البداية، بدا أن الكرات تحتوي دائمًا على معلومات خفية حول اللون الذي يجب إظهاره لبوب أو أليس. وعلى الرغم من ذلك، تقول ميكانيكا الكم أن الكرات كانت رمادية اللون بشكل ما، إلى أن نظر إليها أحدهما. وعندما تحولت إحداهما إلى اللون الأبيض بنظر أليس إليها، أصبحت الأخرى سوداء. وتفترض مبرهنة بيل لعدم التساوي أن هناك تجارب يمكن أن تفرق بين هذه الحالات. ولكن ما سنراه لاحقًا، أن تلك التجارب أثبتت أن وصف ميكانيكا الكم هو الصحيح وليس مبرهنة بيل.

المتغيرات الخفية وميكانيكا الكم

سبب منح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2022

يُعدّ جزء مهم مما تمت مكافأة العلماء الثلاثة عليه بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2022 هو الإطاحة بمبرهنة عدم التساوي لبيل. إذ تسمح مبرهنة عدم التساوي لبيل بإمكانية التفريق بين “اللا تحديد المسبق للجسيمات في ميكانيكا الكم” من جهة و”الوصف البديل باستخدام تعليمات سرية أو متغيرات خفية” من جهة أخرى. حيث أظهرت التجارب أن الطبيعة تتصرف كما تنبأت ميكانيكا الكم وليس كما توضح المبرهنة. فالكرات رمادية اللون، وبدون معلومات سرية، والمصادفة وحدها هي التي تحدد اللون الأسود والأبيض في التجربة. أي أنه لا توجد حالة أساسية محددة للون الكرات قبل إطلاقها!

طرق جديدة من خلال الحالات الكمية

يمكننا من خلال الحالات الكمية المتشابكة إيجاد طرق جديدة لتخزين المعلومات ونقلها ومعالجتها. وتحدث أشياء مثيرة للاهتمام إذا كانت الجسيمات في زوج متشابك وتتحرك في اتجاهين متعاكسين. فإذا التقى أحدهما بجسيم ثالث بطريقه تصبح متشابكة معهم. ثم يدخلون مع بعضهم في حالة مشتركة جديدة. فيفقد الجسيم الثالث هويته، لكن خصائصه الأصلية انتقلت الآن إلى الجسيم المنفرد من الزوج الأصلي.

هذه الطريقة لنقل حالة كمية غير معروفة من جسيم إلى آخر تسمى النقل الآني الكمي. كان هذا النوع من التجارب أجراه أنتون زيلينجر وزملاؤه في عام 1997. ومن اللافت للنظر أن النقل الآني الكمي هو الطريقة الوحيدة لنقل المعلومات الكمية من نظام لآخر دون أن يفقد أي جزء منها. حيث من المستحيل تمامًا قياس جميع خصائص النظام الكمي ثم إرسال المعلومات إلى المستلم الذي يريد إعادة بناء النظام. وذلك لأن النظام الكمي يمكن أن يحتوي على عدة نسخ من كل خاصية في وقت واحد، حيث يكون لكل نسخة احتمالية معينة للظهور أثناء القياس. وبمجرد إجراء القياس، تبقى نسخة واحدة فقط، وهي النسخة الذي قرأتها أداة قياس. لقد اختفى الآخرون ومن المستحيل معرفة أي شيء عنهم. وعلى الرغم من ذلك، يمكن نقل الخصائص الكمية غير المعروفة تمامًا باستخدام النقل الآني الكمي وتظهر سليمة وكاملة دون فقدان في جسيم آخر، مع ملاحظة أنها تُدمر في الجسيم الأصلي.

هل أمكننا تطبيق الانتقال الآني عمليًا؟

بمجرد عرض الانتقال الآني بشكل تجريبي، كانت الخطوة التالية هي استخدام زوجين من الجسيمات المتشابكة. فإذا تم تجميع جسيم واحد من كل زوج معًا بطريقة معينة، فيمكن للجسيمات غير المضطربة في كل زوج أن تتشابك على الرغم من عدم ملامستها أبدًا لبعضها البعض. تم توضيح تبادل التشابك هذا لأول مرة في عام 1998 من قبل مجموعة أنتون زيلينجر البحثية.

تمكن الفريق من إرسال أزواج الفوتونات المتشابكة وجزيئات الضوء في اتجاهين متعاكسين من خلال الألياف الضوئية لتعمل كإشارات في شبكة كمية. ويتيح التشابك بين الزوج من تمديد المسافات في مثل هذه الشبكة. فهناك حد للمسافة التي يمكن أن ترسل فيها الفوتونات عبر الألياف الضوئية قبل امتصاصها أو فقدان خصائصها. كما يمكن تضخيم الإشارات الضوئية العادية. لكن هذا لم يحدث مع الأزواج المتشابكة. إذ يجب على المضخم أن يلتقط ويقيس الضوء الذي يكسر التشابك. ومع ذلك، فإن تبادل التشابك يعني أنه من الممكن إرسال الحالة الأصلية إلى أبعد من ذلك، وبالتالي نقلها عبر مسافات أطول مما كان ممكنًا.

أجسام تتشابك دون اتصال!

ينبعث زوجان من الجسيمات المتشابكة من مصادر مختلفة. حيث يتم تجميع جسيم واحد من كل زوج معًا بطريقة خاصة تجعلهم متشابكين مع بعضهم البعض، ثم يتشابك الجسيمان الآخران (مثل 1 و 4 في الرسم التخطيطي) أيضًا. على هذا النحو، يمكن أن يتشابك جسيمان لم يكونا على اتصال مطلقًا.

من التناقض إلى اللا مساواة

أينشتاين أخطأ

نحن نسلم بأنه لا يمكن أن يتأثر شيء ما بحدث يقع في مكان آخر دون أن تصل إليه أي إشارة أولًا؟ كما لا يمكن للإشارة أن تنتقل أسرع من الضوء. هذا المبدأ، الذي يسميه الفيزيائيون بالمحلية، كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه افتراض أساسي حول قوانين الفيزياء. لكن ميكانيكا الكم دائمًا مبهرة وعجيبة! فقال ألبرت أينشتاين أن ميكانيكا الكم تسمح “بعمل مخيف عن بعد” -وهو التشابك الكمي-، على حد تعبير أينشتاين. في ميكانيكا الكم، لا يبدو أن هناك حاجة لإشارة لتوصيل الأجزاء المختلفة لنظام ما. حيث أن التشابك الكمي كسر تصور لازمية وجود إشارة وأن تكون أسرع من الضوء، لإنه بالفعل يحدث بسرعة كبيرة. وهذا التناقض مع المحلية محير بالنسبة لإينشتاين وغيره، نظرًا لعدم معرفة ماهية هذا التشابك.

قدم أينشتاين وزملائه منطقهم في عام 1935، بأنه لا يبدو أن ميكانيكا الكم تقدم وصفًا كاملاً للواقع. وذلك أصبح يسمى بمفارقة EPR -الاسم من عدد الأحرف الأولى من أسماء الباحثين-. كما وضحوا أن هناك «متغيرات خفية محلية-local hidden variables».

ما هي المتغييرات الخفية؟

لنفرض أن لديك زوج من الإلكترونات والذي إجمالي دورانهما يساوي صفر وذلك يعني أنه عند قياس دوران أي منهم على طول محور معين سيؤول لنتائج معاكسه للآخر، نظرًا لدورانهما عكس بعضهم البعض. وعلى الرغم من أن الدوران الكلي له قيمة محددة لكن الدوران الفردي لكل إلكترون غير محدد.

الآن لنفرض أنك فصلت هذه الإلكترونات المتشابكة ونقلتها إلى مختبرات بعيدة عن بعضها وأن فرقًا من العلماء في هذه المختبرات يمكنها إجراء قياسات الدوران. فعندما يقيس كلا الفريقين على طول نفس المحور، فإنهما يحصلان على نتائج معاكسة بنسبة 100٪ أيضًا.

يقترح أينشتاين أنه يمكن أن يأتي كل زوج من الإلكترونات مع مجموعة مرتبطة من “المتغيرات الخفية” -كما وضحنا- التي تحدد دوران الجسيمات على طول جميع المحاور في وقت واحد. لكن هذه المتغيرات الخفية غائبة عن الوصف الكمي للحالة المتشابكة، حيث يمكن للمتغيرات الخفية أن تفسر لماذا تؤدي قياسات المحور نفسه دائمًا إلى نتائج معاكسة دون أي انتهاك للمحلية -والمحلية توضح أنه لا يوجد شيء أسرع من الضوء-، قياس إلكترون واحد لا يؤثر على الآخر ولكنه يكشف فقط عن القيمة الموجودة مسبقًا لمتغير خفي.

بيل يستبعد المتغييرات الخفية

أثبت الفيزيائي جون بيل أنه يمكن استبعاد المتغيرات الخفية المحلية أي استبعاد الموقع تمامًا، عن طريق قياس دوران الجسيمات المتشابكة على طول محاور مختلفة. إذ أنه أليس من الممكن أن يكون السبب في النتائج المعاكسة دائمًا هم الأشخاص ذاتهم، ففي المثال السابق علماء المختبر هم المتحكمين في الدوران وقد يتفقوا على قياسات معينة. كما وضح اختلاف عالم الكم عن العالم الكلاسيكي، وأن ميكانيكا الكم غير متوافقة مع المتغييرات الخفية المحلية، لإن التشابك الكمي كسر مبدأ المحلية في العالم الكلاسيكي. ووضح كل ما ذكرناه من خلال مبرهنته عدم التساوي أو عدم المساواة والتي تبيّن أن جميع النظريات ذات المتغيرات الخفية، يكون الارتباط بين نتائج القياسات أقل من قيمة معينة أو مساوي لها على الأكثر. وهذا ما يسمى عدم التساوي لبيل. وعلى الرغم من ذلك، يمكن لميكانيكا الكم أن تنتهك المبرهنة والتنبؤ بقيم أعلى للارتباط بين النتائج مما هو ممكن من خلال المتغيرات الخفية.

تجارب لاختبار عدم التساوي لبيل

أصبح جون كلاوزر مهتمًا بأساسيات ميكانيكا الكم عندما كان طالبًا في الستينيات، ولم يستطع التخلص من فكرة جون بيل بمجرد أن قرأ عنها. في نهاية المطاف، تمكن هو وباحثين آخرين من تقديم اقتراح لنوع واقعي من التجارب يمكن استخدامه لاختبار عدم التساوي لبيل.

تتضمن التجربة إرسال زوج من الجسيمات المتشابكة في اتجاهين متعاكسين. في الممارسة العملية، يتم استخدام الفوتونات التي لها خاصية تسمى الاستقطاب. فعندما تنبعث الجسيمات، يكون اتجاه الاستقطاب غير محدد، وكل ما هو مؤكد هو أن للجسيمات استقطاب متوازي.

يمكن التحقق من ذلك باستخدام مرشح يسمح بالاستقطاب الموجه في اتجاه معين. هذا هو التأثير المستخدم في العديد من النظارات الشمسية، والذي يحجب الضوء الذي تم استقطابه في مستوى معين.

إذا تم إرسال كلا الجسيمين في التجربة نحو المرشحات التي يتم توجيهها في نفس المستوى على نحو عمودي، وانزلق أحدهما عندئذٍ سيمر الآخر أيضًا. إذا كانوا في زوايا قائمة لبعضهم البعض، فسيتم إيقاف أحدهم بينما يمر الآخر. الحيلة هي القياس باستخدام المرشحات الموضوعة في اتجاهات مختلفة بزوايا منحرفة، إذ يمكن أن تختلف النتائج بعد ذلك. فمثلًا، أحيانًا ينزلق كلاهما وأحيانًا واحدًا فقط وأحيانًا لا شيء. يعتمد عدد المرات التي يمر فيها كلا الجسيمين عبر المرشح على الزاوية بين المرشحات.

فتؤدي ميكانيكا الكم إلى ارتباط بين القياسات. تعتمد احتمالية الحصول على جسيم واحد على زاوية المرشح، التي اختبرت استقطاب شريكه على الجانب الآخر من الإعداد التجريبي. هذا يعني أن نتائج كلا القياسين في بعض الزوايا، تنتهك تساوي بيل ولها ارتباط أقوى مما لو كانت النتائج محكومة بمتغيرات خفية وتم تحديدها مسبقًا عند انبعاث الجسيمات.

انتهاك عدم التساوي

بدأ جون كلاوزر على الفور العمل على إجراء هذه التجربة. قام ببناء جهاز يُصدر فوتونين متشابكين في وقت واحد، وكل منهما باتجاه مرشح يختبر استقطابهما. في عام 1972، مع طالب الدكتوراه ستيوارت فريدمان (1944-2012)، كان قادرًا على إظهار نتيجة تمثل انتهاكًا واضحًا لعدم التساوي لبيل واتفق مع تنبؤات ميكانيكا الكم.

في السنوات اللاحقة، واصل جون كلاوزر وغيره من الفيزيائيين مناقشة التجربة وحدودها. كان أحدها أن التجربة كانت عمومًا غير صحيحة. حيث تم أيضًا ضبط القياس مسبقًا مع وجود المرشحات عند زوايا ثابتة. لذلك كانت هناك ثغرات، حيث يمكن للمراقب أن يشكك في النتائج وأنه ماذا لو الإعداد التجريبي بطريقة ما اختار الجسيمات التي تصادف أن يكون لها ارتباط قوي ولم تكتشف الجسيمات الأخرى؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد لا تزال الجسيمات تحمل معلومات خفية.

كان القضاء على هذه الثغرة بالذات أمرًا غاية في الصعوبة. لأن الحالات الكمية المتشابكة هشة للغاية ويصعب إدارتها، ومن الضروري التعامل مع الفوتونات الفردية. بعدها قام طالب الدكتوراه الفرنسي آلان أسبكت ببناء نسخة جديدة من الإعداد قام بتحريرها على عدة تكرارات. في تجربته، تمكن من تسجيل الفوتونات التي مرت عبر المرشح وتلك التي لم تمر. هذا يعني أنه تم اكتشاف المزيد من الفوتونات وكانت القياسات أفضل.

في النهاية، كان قادرًا أيضًا على توجيه الفوتونات نحو مرشحين مختلفين تم ضبطهما في زوايا مختلفة. تمثلت البراعة في الآلية التي غيرت اتجاه الفوتونات المتشابكة بعد تكوينها وانبعاثها من مصدرها. كانت المرشحات على بعد ستة أمتار فقط، لذا يجب أن يحدث التبديل في بضعة أجزاء من المليار من الثانية. إذا كانت المعلومات حول أي فوتون سيصل إليه، أثرت في كيفية انبعاثه من المصدر، فلن تصل إلى هذا المرشح. ولا يمكن أن تصل المعلومات المتعلقة بالمرشحات الموجودة على جانب واحد من التجربة إلى الجانب الآخر وتؤثر على نتيجة القياس هناك.

بهذه الطريقة، أغلق آلان أسبكت ثغرة مهمة وقدم نتيجة واضحة جدًا، وهي أن ميكانيكا الكم صحيحة ولا توجد متغيرات خفية.

شرح لتجارب كلا من جون كلوزر وآلان أسبكت وأنتون زيلينجر بالرسوم

  • استخدم جون كلاوزر ذرات الكالسيوم التي يمكن أن تصدر فوتونات متشابكة بعد أن أضاءها بضوء خاص. أقام مرشحًا على كلا الجانبين لقياس استقطاب الفوتونات، وبعد سلسلة من القياسات، كان قادرًا على إظهار أنها انتهكت عدم التساوي لبيل.
تجربة جون كلاوزر
  • طور آلان أسبكت هذه التجربة، باستخدام طريقة جديدة لإثارة الذرات بحيث تنبعث منها فوتونات متشابكة بمعدل أعلى. يمكنه أيضًا التبديل بين الإعدادات المختلفة، لذلك لن يحتوي النظام على أي معلومات مسبقة يمكن أن تؤثر على النتائج.
تجربة آلان أسبكت
  • أجرى أنتون زيلينجر في وقت لاحق المزيد من الاختبارات حول عدم التساوي لبيل. حيث قام بإنشاء أزواج متشابكة من الفوتونات عن طريق تسليط ليزر على بلورة خاصة. واستخدم أرقامًا عشوائية للتبديل بين إعدادات القياس. استخدمت إحدى التجارب إشارات من مجرات بعيدة للتحكم في المرشحات والتأكد من أن الإشارات لا يمكن أن تؤثر على بعضها البعض.
تجربة أنتون زيلينجر

في النهاية

وضعت هذه التجارب والتجارب المماثلة التي سبقتها الأساس للبحث المكثف الحالي في علم المعلومات الكمي. حيث تتيح لنا القدرة على معالجة الحالات الكمية وإدارتها والوصول إلى أدوات ذات إمكانات غير متوقعة. هذا هو أساس الحساب الكمي ونقل وتخزين المعلومات الكمية وخوارزميات التشفير الكمي. الأنظمة التي تحتوي على أكثر من جسيمين وكلها متشابكة وقيد الاستخدام الآن، وكان أنتون زيلينجر وزملاؤه أول من استكشفها.

فتعمل هذه الأدوات المحسنة بشكل متزايد على تقريب التطبيقات الواقعية من أي وقت مضى. حيث تم الآن إظهار حالات الكم المتشابكة بين الفوتونات التي تم إرسالها عبر عشرات الكيلومترات من الألياف الضوئية وبين قمر صناعي ومحطة على الأرض.

يمكنك أيضًا قراءة: ما هو الانتقال الآني الكمي؟

المصدر: موقع جائزة نوبل.

هل النيوترينو سر بقاء المادة؟

واحدة من أهم ألغاز الفيزياء حاليًا هي سبب تكون كل شيء حولنا من المادة وليس من المادة المضادة. وحسب دراسات يابانية حديثة فحل تلك المعضلة يكمن في جسيم النيوترينو. فهل النيوترينو هو سر بقاء المادة؟

معضلة المادة والمادة المضادة

تتكون الأشياء من حولنا من مواد مختلفة وتتكون تلك المواد من جسيمات صغيرة مختلفة. وأشهر تلك الجسيمات مثلًا الإلكترون والبروتون. وفي عام 1928 افترض العالم الإنجليزي «بول ديراك – Paul Dirac» وجود جسيم مماثل تمامًا للإلكترون، ولكنه عكسه في الشحنة وهو مضاد الإلكترون. ومن نفس المنطلق لكل جسيم نعرفه يوجد جسيم مضاد، وكذلك إذا كانت المواد التي نعرفها تتكون من الجسيمات فلابد من وجود مواد تتكون من مضادات الجسيمات. [1]

فمثلًا، نرى حولنا الأرض والهاتف وأي شيء حولنا حتى نحن مكونين من مادة، من جسيمات صغيرة. ولكن هل رأيت كوكب ما مكون من مادة مضادة؟ هل رأيت حولك شيء يتكون من مادة مضادة؟ هل استطاع العلماء اكتشاف أي شيء يتكون من مادة مضادة؟ الإجابة لا. ومن جانب آخر، يفترض النموذج المعياري للجسيمات تساوى الجسيمات مع الجسيمات المضادة في الكون. وتسمى تلك المعضلة بمعضلة المادة والمادة المضادة وهي واحدة من أهم ألغاز الفيزياء التي لم تحل حتى الآن.

عندما يجتمع الجسيم مع الجسيم المضاد له فإنهما يلاشيان بعضهما ويتحولا لكم من الطاقة. وإذا تعمقنا في تلك العملية سنجد أن مع تساوي عدد الجسيمات مع الجسيمات المضادة، فلما لم يختف الكون في بداية نشأته؟ وكيف لم تلاش كل الجسيمات نظائرها من الجسيمات المضادة؟ وهو الذي يجعلنا نفكر فيما قد يحدث في ذلك الوقت يمنع عملية التلاشي. أو وجود جسيم قادر على أن يتخطى تلك المرحلة لينجو بالجسيمات لبر الأمان ونرى كوننا كما نراه الآن.

عملية الإبادة: اتحاد الإلكترون مع الإلكترون المضاد ينتج عنهما كم معين من الطاقة

النيوترينو

يعد النموذج المعياري للجسيمات هو أكثر نموذج مقبول في فيزياء الجسيمات. ويقسم النموذج المعياري الجسيمات لعائلات رئيسية تبعًا لإحدى خصائص الجسيمات. واحدة من تلك العائلات تسمى اللبتونات. تحتوي عائلة اللبتونات على (إلكترون – ميوون- تاو – نيوترينو إلكترون – نيوترينو ميوون – نيوترينو تاو) والجسيمات المضادة لهم. والنيوترينو هو جسيم كتلته تكاد تكون صفر واثناء تحركه يتغير من نوع لآخر، أي يتحول من نيوترينو إلكترون إلى نيوترينو تاو مثلا.

ولكن الخاصيتين التي تجعلنا نفكر في النيوترينو كحل لمعضلة المادة والمادة المضادة هما:

  1. أن النيوترينو المضاد والنيوترينو لهم متعادلان أي يحملان نفس الشحنة.
  2. وأن النيوترينو نادرًا ما يتفاعل مع المادة حيث يمر في أجسامنا يوميًا العديد من تلك الجسيمات، ولكنها لا تتفاعل معها.

والآن كيف يمكن للنيوترينو أن يكون حل المعضلة؟

محاولة حل المعضلة بواسطة النيوترينو

يعمل مسرع البروتونات بقرية «توكاي – Tokai» باليابان على إنشاء شعاع مكثف من النيوترينوات ميون ونظيرها المضاد. وتم إرسال ذلك الشعاع إلى كاشف «كاميوكاند الفائق Super-Kamiokande». ولذلك اسم المشروع T2K أي من توكاي إلى كاميوكاند. [2]

خلال رحلة النيوترينوات تتغير دوريًا من نيوترينو ميوون إلى نيوترينو إلكترون. والنيوترينو المضاد ايضًا يتغير بنفس الهيئة من نيترينو مضاد ميوون إلى نيوترينو مضاد إلكترون. وهنا يظهر الأختلاف. فدراسة مشروع T2K وجدت اختلاف في زمن تحول النيوترينو عن نظيره المضاد بحوالي دقيقة. ومازالت الأبحاث والتطويرات في المشروع قائمة لأثبات ذلك الاختلاف. فوجود ذلك الاختلاف يعطي الأفضلية للمادة أن تتكون في بداية الكون أسرع من المادة المضادة مما يفسر ما نراه حاليًا.

ولكن تعمل الدراسة حاليًا على إيجاد نتائج أكثر دقة حتى يتم الاعتراف بها في مجتمع الفيزياء. فمن خلال النظريات الحالية لإيجاد سر بقاء الكون، هل ترى أن النيوترينو يمكن أن يكون هو سر بقاء المادة؟ شاركنا برأيك في التعليقات.

المصادر

[1] Antimatter

[2] The T2K Experiment

كيف يتم إنتاج الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي؟

أثناء عملية العلاج الإشعاعي، يتلقى المريض حزما من الإشعاعات التي تستعمل لقتل الخلايا السرطانية. ويختلف نوع الحزم المستعملة حسب المنطقة المعالجة. فكيف يتم إنتاج الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي؟

كيفية إنتاج الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي

تعتمد تقنية العلاج الإشعاعي على قتل الخلايا السرطانية بفعل الطاقة التي تتركها الحزم الإشعاعية في الورم. ويختلف تأثير الحزم الإشعاعية حسب نوعها. فبعضها يترك معظم طاقته فور دخوله جسم المريض (الإلكترونات)، بينما تخترق أخرى عدة سنتيمترات من جسم المريض قبل أن تخسر طاقتها (الفوتونات). وباختلاف نوع الحزم أيضًا، تختلف طرق إنتاجها. فإنتاج الإلكترونات ليس كإنتاج أشعة غاما، وإنتاج الأشعة السينية ليس كإنتاج الجسيمات الثقيلة.

الأشعة السينية

تعتبر الأشعة السينية الأكثرَ استعمالا في مجال العلاج الإشعاعي. ويتم إنتاجها من خلال قذف هدف بحزم من الإلكترونات التي تتراوح طاقتها بين 10keV و50MeV. بعد اصطدام الإلكترونات بالهدف، تنبعث كمية كبيرة من الطاقة على شكل حرارة (أكثر من %99)، بالإضافة إلى نسبة ضئيلة من الأشعة السينية (أقل من %1) [1].

هناك نوعان من الأشعة السينية، ويختلف باختلاف نوع التفاعل: «الأشعة السينية المميزة-Characteristic X rays » و«الأشعة السينية الانكباحية-Bremsstrahlung X rays ». تنتج الأشعة السينية المميزة عن تفاعل الإلكترون المقذوف مع إلكترونات المادة الهدف، حيث تقتلع طاقة التصادم أحد إلكترونات المادة الهدف من مساره مخَلِّفة فجوة مكانه. بعدها، ينزل أحد إلكترونات المستويات الأعلى لملء هذه الفجوة محررًا معه طاقة -تساوي الفرق الطاقي بين المستويين- على شكل فوتون (الشكل 1).

الشكل1: ظاهرة انبعاث الأشعة السينية المميزة

أما الأشعة السينية الانكباحية، فتنتج عن تفاعل الإلكترون مع المجال الكهربي لنواة الذرة. فبعد دخول الإلكترون للمجال الكهربي للنواة، يتباطأ الإلكترون محررًا معه ما فوتونًا بطاقة تتراوح بين الصفر والطاقة الحركية للإلكترون المقذوف (الشكل 2) [1].

الشكل2: ظاهرة انبعاث الأشعة السينية الانكباحية

وتختلف عملية إنتاج الأشعة السينية حسب الطاقة المراد تحصيلها. حيث ينتِج «أنبوب الأشعة السينية-X-ray tube» إشعاعات ذات طاقة منخفضة (أصغر من keV100). بينما يستعمَل المُسرِّع الخطي في إنتاج إشعاعات عالية الطاقة (أكبر من MeV1). بالنسبة لأنبوب الأشعة السينية، يتم تسخين سلك معدني من أجل إضعاف طاقة الربط بين ذرات السلك والإلكترونات الخارجية لهذه ذرات. بعدها، يطبَّق فرق جهد بين السلك والمادة الهدف من أجل توجيه هذه الإلكترونات نحو الهدف لخلق التفاعل (الشكل 3). وبما أن كمية كبيرة من الحرارة تنتج عن هذا التفاعل، فإن أنبوب الأشعة السينية يكون دائما مصحوبًا بنظام تبريد، بالإضافة إلى مولّد من أجل تطبيق فرق الجهد. بالنسبة للمسرع الخطي، فقبل أن تصل الإلكترونات إلى الهدف، يتم تطبيق نظام لتسريع الإلكترونات حتى تصل لطاقات عالية من أجل الحصول على أشعة سينية ذات طاقة عالية [1].    

الشكل3: أنبوب الأشعة السينية

الإلكترونات

يعتمد إنتاج حزم الإلكترونات المستعملة في العلاج بالإشعاعي على نفس المبدإ الذي يقوم عليه إنتاج الأشعة السينية، فبعد تحرير الإلكترونات من مداراتها بتسخين سلك معدني، يتم تسريعها إلى أن تصل إلى الطاقة المرغوب استعمالها في العلاج. وتتم عملية التسريع باستعمال مسرعات خطية، حيث تتّبِع الإلكترونات مسارًا مستقيمًا تتسارع فيه بفضل الطاقة التي تستمدها من موجات لاسلكية قصيرة ينتجِها ما يسمى بموجه الموجة. وعادة ما تستعمَل نفس الآلة من أجل إنتاج حزم الإلكترونات والأشعة السينية. حيث يوضع هدف في مواجهة الإلكترونات المُسَرّعة من أجل إنتاج الأشعة السينية، في حين تتم إزالتها في حالة إنتاج الإلكترونات [1].

أشعة غاما

تستعمل أشعة غاما في العلاج الإشعاعي باستغلال خاصية الانحلال الإشعاعي لبعض المواد المشعة. حيث تتحول نواة أصلية إلى نواة متولدة مثارة من خلال التحلل بيتا. ثم تتخلص النواة المثارة من الطاقة الزائدة من خلال بعث أشعة غاما (التحلل غاما). ويعتبر الكوبالت-60 المادة الأكثر استعمالًا نظرًا لميزاته التي تناسِب عملية العلاج الإشعاعي، حيث يملك طاقة عالية ونشاطًا إشعاعيًا كبيرًا بالإضافة لعمر نصف طويل نسبيًا (أكثر من خمس سنوات) [1].

يغلَّف المنبع المشع في كبسولة فولاذية مقاومة للصدإ، ويوضع داخل جهاز للعلاج الإشعاعي الخارجي مخصص لهذا الغرض. ويتكون الجهاز بشكل رئيسي من المنبع المشع، وحامل لهذا المنبع، بالإضافة إلى مسدد الحزم الذي يحدد الحقل الإشعاعي. يتموضع المنبع في حامل المنبع المصنوع من الفولاذ والرصاص من أجل منع الإشعاعات من التسرب خارجًا. ويمكن تحريك المنبع المشع نحو الفتحة التي ينبعث منها الإشعاع أثناء عملية العلاج بفضل جهاز تحريك يعمل ككابس (الشكل 4) [1].

الشكل 4: جهاز للعلاج الإشعاعي البعادي

حاليًا، تم استبدال هذه الأجهزة بالمسرعات الخطية نظرًا لأن هذه الأخيرة أكثر عملية وأقل كلفة [1].

البروتونات والنيوترونات والأيونات الثقيلة

تستعمِل عدة مراكز في العالم الجسيمات الثقيلة، بما فيها البروتونات والنيوترونات والأيونات الثقيلة كالهيليوم والكربون، في العلاج الإشعاعي. وتتميز هذه الجسيمات بفعالتيها في علاج الورم السرطاني مع الحفاظ على الأعضاء المعرضة للضرر  مقارنة بالإلكترونات والأشعة السينية وأشعة غاما. لكن كلفتها باهضة مقارنة بهذه الأخيرة[1].

ومن أجل إنتاج هذه الجسيمات الثقيلة، يستخدَم المسرع الدوراني الذي يسرِّع الجسيمات على طول مسار لولبي. توجَه الجسيمات داخل غرفتين نصف دائريتين مفرغتين من الهواء وخاضعتين لمجال مغناطيسي ثابت. تفصل الغرفتان فجوة خاضعة لمجال كهربي. حيث يسرِّع المجال الكهربي الجسيمات، بينما يغير المجال المغناطيسي مسارها. وهكذا، فإن الجسيمات تنحرف داخل إحدى الغرفتين في مسار دائري. وحين تصل إلى الفجوة تتسارع إلى أن تتجاوزها، ثم تدخل الغرفة المقابلة -حيث تكون سرعة الجسيمات ثابتة- متتبعة مسارا دائريا إلى أن تعود للفجوة مرة أخرى فتتسارع من جديد. وهكذا دوايك إلى أن تصل إلى الطاقة المطلوبة (الشكل 5) [1]. 

الشكل 5: مبدأ عمل المسرع الدوراني

في النهاية، مهما كان النوع المستخدم في عملية العلاج، فإن الدور الأهم في تحديد فعالية العلاج يبقى لعملية تخطيط العلاج.

المصادر

       [1] Radiation Oncology Physics : A Handbook for Teachers and Students

أنظمة إيصال الدواء النانوية قادرة على تحقيق ثورة طبية!

أصبح علم النانو نعمة للبشرية من خلال ما يقدمه من مزايا وخاصة في مجال الطب. حيث أدى التقدم الكبير في هذا المجال لتحفيز التفكير لابتكار آلية فعالة لمحاربة الأمراض والاضطرابات الصحية المزمنة. وقد استُخدم طب النانو لتطوير أنظمة إيصال للدواء تستخدم مع مجموعات كبيرة من الأمراض. فما هي أنظمة إيصال الدواء النانوية؟ وما الهدف منها؟ وما هي تطبيقاتها؟

ما هي أنظمة إيصال الدواء النانوية؟

تعد أنظمة إيصال الدواء النانوية علمًا جديدًا وسريع التطور لعلاج الأمراض المختلفة. حيث تستخدم مواد نانوية صغيرة لإيصال الأدوية وعلاج الأمراض في المناطق المستهدفة بطريقة مدروسة وخاضعة للرقابة. ويتم في هذه الأنظمة دمج الأدوية في هيكل الجسيم النانوي أو يربط الدواء مع سطح الجسيم النانوي.

تعمل الجسيمات النانوية المستخدمة كوسيلة لتوصيل للأدوية عمومًا أقل من 100 نانومتر. وتتكون من مواد مختلفة قابلة للتحلل الحيوي مثل البوليمرات الطبيعية أو الاصطناعية أو الدهون أو المعادن. وأكثر الجسيمات النانوية أهمية هي الجسيمات الشحمية، واتحادات البوليمر، والجسيمات النانوية المعدنية (على سبيل المثال ، AuNPs)، وغيرها. ويتم امتصاص الجزيئات النانوية بواسطة الخلايا بشكل أكثر كفاءة من الجزيئات الدقيقة الأكبر، وبالتالي يمكن استخدامها كنظم نقل وإيصال فعّالة.

ما هي الحاجة إلى تقنيات إيصال الدواء النانوية؟

يؤدي رش الحديقة بالمبيدات الكيماوية لموت الأعشاب الضارة، ولكن تُُقتل معها الزهور الجميلة. هذا نفس ما تفعله جرعات الكيماوي المستخدمة في علاج السرطانات، فعند إطلاقها بشكل حر في الجسم تقوم بقتل الخلايا السرطانية الضارة والخلايا السليمة. كما أن إطلاقها بشكل حر هكذا في الجسم يؤدي لتحلل الجرعة في الجسم، فتصل مخففة وضعيفة للكتلة السرطانية. يؤدي ذلك إلى الحاجة لجرعات أكبر، وكذلك تواتر أكثر من الجرعات مما يؤدي لمزيد من الضرر.

من هذا المثال نستنتج الحاجة الماسة لإنشاء جسيمات نانوية محملة بعلاجات محددة ولها أهداف دقيقة معروفة. مما يحسّن من خصائص العلاجات الدوائية ويزيد من ثباتها ضمن الجسم وتوزعها البيولوجي وقابليتها للذوبان. والأهم من ذلك هو إطلاق جرعات أعلى من الدواء في الموقع المستهدف. وتتمثل الفائدة الأساسية من هذه الأنظمة في تقليل الآثار الضارة للأدوية التقليدية. كما تقلل من كمية الجرعة المستخدمة، وتحسّن من امتصاص الخلايا المستهدفة للدواء المرسل. وتتيح إمكانية عبور الحواجز البيولوجية وتقليل سمية الدواء الحر للخلايا غير المستهدفة. وسيؤدي كل ذلك لزيادة فعالية ونجاح العلاج المقدم. كما ستزيد المدة بين الجرعات، مما يؤدي لفعالية علاجية كبيرة (على سبيل المثال استهدافالخلايا السرطانية).

طرق إيصال الدواء باستخدام الجسيمات النانوية

عن طريق الفم

يعتبر الطريق الفموي أشهر الطرق استخدامًا، وأكثرها ملاءمة وأمان وسلامة. نظرًا لسهولة استخدامها وقبول المريض لها. كما أن طرق تصنيعها غير مكلفة وأرخص في الإنتاج. وتستحب الطريقة الفموية بسبب طبيعتها غير الغازية، حيث يقدم المسار الفموي ميزة تجنب الألم وعدم الراحة المرتبطة بالحقن والتلوث.

فمثلا، يجب أن تقاوم الأدوية النشطة بيولوجيًا مثل الببتيدات والبروتينات بيئات المعدة والأمعاء. لذلك لا تتوافر الببتيدات والبروتينات دوائيًا بشكل فموي. يرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض نفاذية الغشاء المخاطي لها، وعدم الاستقرار في بيئة الجهاز الهضمي. مما يؤدي إلى تدهور المركب قبل امتصاصه. ركزت العديد من الدراسات ولسنوات عديدة على تحسين توصيل الببتيدات العلاجية والبروتينات عن طريق الفم. وهكذا تم تطوير استراتيجيات مختلفة لتعزيز إعطاء الدواء واللقاحات عن طريق الفم. لذلك يؤدي ارتباطهم بحاملات غروية مثل الجسيمات النانوية البوليمرية كأحد الأساليب العديدة المقترحة إلى تحسين التوافر البيولوجي عن طريق الفم.

الأنسولين هو الدواء الأكثر فعالية في خفض مستوى الجلوكوز في الدم لعلاج داء السكري. ومن المعروف بالطبع أن حقن الإنسولين واحدة من أشهر العقاقير للتعامل مع السكري. وقد وجدت الدراسات أن للإدخال المبكر للأنسولين قدرة على حماية الجزر الفارزة للإنسولين من موت الخلايا المبرمج، وبالتالي زيادة تجديد خلايا β في مرض السكري من النوع 2. وقد بقيت حقن الأنسولين تحت الجلد هي الطريقة السائدة لتعاطي مرضى السكري للإنسولين، ولكنها غالبًا ما تؤدي إلى ضعف استجابة المريض. ويبدو أن إعطاء الأنسولين عن طريق الفم سيكون الطريقة الأكثر ملاءمة ويمكن أن يحاكي الإنتاج الداخلي للأنسولين. ومع ذلك فإن تركيبة الأنسولين الموثوقة للإعطاء عن طريق الفم تواجه بعض العوائق في الجهاز الهضمي مثل التحلل الأنزيمي في الجهاز الهضمي وضعف نفاذية الأنسولين من خلال نظام الجهاز الهضمي. ولكن يمكن عن طريق النظم النانوية التغلب على تلك المشاكل.

عن طريق الحقن

ظهرت حقن الجسيمات النانوية في بداية التسعينيات كنظام جديد لتوصيل الأدوية الغروية مع مزايا مثل عدم السمية والتوافق الحيوي الممتاز. والتطبيق بالحقن هو مجال واسع، حيث يمكن استخدام الحقن تحت الجلد وداخل الصفاق وداخل المفصل. كما يعتبر الحقن في الوريد أمراً جذاباً للمرضى. وبعد إعطاء حقن الجسيمات النانوية في الجسم الحي، يمكن للدم توزيعها على جميع أعضاء وأنسجة الجسم. كما يمكن للجسيمات النانوية الدهنية الصلبة أن تحمي الدواء المدمج من التحلل الكيميائي في البيئات المختلفة قبل وصولها للهدف بفضل تصميمها المتماسك.

التطبيق الموضعي كالكريمات والمراهم

يسمح التطبيق الموضعي باستخدام دواء قوي نسبيًا مع حد أدنى من مخاطر السمية. حيث يتميز المسار عبر الجلد لتوصيل الدواء بمزايا فريدة من نوعها، حيث يتجاوز الدواء عملية التمثيل الغذائي الأول ويصل إلى الدورة الدموية الجهازية مباشرة. كل هذا يؤدي إلى تعزيز التزام المريض خاصة عند الحاجة إلى علاج طويل الأمد كما هو الحال في علاج الآلام المزمنة وعلاج الإقلاع عن التدخين. ويتضمن التوصيل عبر الجلد تطبيق مركب فعال دوائيًا على سطح الجلد لتحقيق مستويات امتصاص الدم العلاجية لعلاج الأمراض البعيدة عن موقع التطبيق.

ومنذ الموافقة على Transderm-Scop، كأول نظام لتوصيل الأدوية عبر الجلد (TDDS) في عام 1981 ، تفجرت الأبحاث في هذا المجال. وظهرت مجموعة متنوعة من الحالات السريرية المناسبة لتطبيق تلك الطريقة السهلة. حيث يوفر تطبيق اللصقات غير المؤلم وغير الجراحي والصديق للمريض وسيلة مناسبة ومريحة له. كما يسهل إزالة اللصقات في حالة فرط أنسولين الدم مثلا.

ومن أجل تحسين الانتشار الموضعي للعلاجات، كان المسار الموضعي أحد أكثر خيارات التوصيل غير الغازية الواعدة. أدى ذلك إلى تحسين تجاوب المريض. كما أدى إلى تحسين الديناميكية الدوائية للمركبات القابلة للتحلل وتقليل الآثار الجانبية التي تحدث بشكل متكرر. ومع ذلك لا تزال الطرق الموضعية للدواء تواجه تحديًا في المستحضرات الصيدلانية بسبب الصعوبات في ضبط اختراق الجلد، وتحديد وإعادة إنتاج الكمية الدقيقة من الدواء الذي يصل إلى الطبقات بالعمق المطلوب.

عن طريق الأنف والرئة

يوفر توصيل الدواء من خلال المسار الرئوي العديد من المزايا مثل زيادة التركيز الموضعي للدواء في الرئتين، وتحسين عمل المستقبلات الرئوية. كما تزيد من الامتصاص بسبب مساحة السطح الشاسعة والجرعة المنخفضة والتوصيل الموضعي والجهازي للدواء وتقليل الآثار العكسية الجهازية.

 ومع ذلك، لا يزال توصيل الدواء من خلال المسار الرئوي يواجه تحديات أيضًا، مثل الإزالة المخاطية الهدبية، والبلعمة بواسطة البلاعم السنخية، والتي يمكن أن تسبب تدهور الدواء في موقع الامتصاص. وتذوب الجزيئات الكبيرة في سائل القصبات الهوائية (BALF) وتنتشر عبر الظهارة السنخية، حيث يمكن أن يتسبب وجود البلاعم السنخية هنا في تدهور تركيزات الدواء مما يؤدي إلى انخفاض التوافر البيولوجي. وبالتناوب، تمتص الجزيئات الصغيرة بسرعة من خلال ظهارة الرئة والتي يمكن أن تكون مفيدة للإفراز الفوري، ولكنها قد لا تفيد في الإطلاق المستمر. كلتا الحالتين ستنتهي بزيادة وتيرة الجرعات، مما قد يؤدي إلى صعوبة تعاطي العلاج.

درس العلماء التعاطي عن طريق الأنف بسبب سهولة الوصول إليه وطبيعته غير الغازية. كما يسمح مسار الأنف بالتوصيل الموضعي إلى الجهاز التنفسي العلوي (أي منطقة الأنف والأنسجة الأنفية وسوائل الأنف). ويسمح الأنف أيضًا بالتوصيل الدموي وإيصال الأدوية للجهاز العصبي المركزي بسبب مساحة السطح الكبيرة وطبيعة الأوعية الدموية الكثيفة في تجويف الأنف والوصول المباشر إلى منطقة حاسة الشم. وقد أظهر تعاطي الدواء عن طريق الأنف نجاحًا على مر السنين. مما يسمح بتجنب تأثير المرور الأول، وتقليل الآثار الجانبية الجهازية وتجاوز الحاجز الدموي الدماغي (BBB) ​​وزيادة التوافر البيولوجي.

إن توصيل الأدوية الموصلة عن طريق الأنف له أهمية كبيرة محتملة فيما يتعلق بنقل الأدوية مباشرة إلى الدماغ عبر منطقة الشم. فأثبتت الجسيمات النانوية PLGA فعاليتها في توصيل عامل نمو الأرومة الليفية الأساسي (bFGF) مباشرةً إلى الدماغ والمستخدم لعلاج مرض ألزهايمر. كما يمكن أن يكون خيارًا علاجيًا أفضل حتى بالمقارنة مع تعاطي الدواء الحر و/أو الجسيمات النانوية المحملة بالدواء.

وقد تم تطوير الجسيمات النانوية لإنتاج لقاحات على شكل قطرات أنفية بسيطة. وبالتالي يمكن استخدام لقاحات الأنف في المناطق الفقيرة أو الريفية حيث يوجد نقص في عاملي الرعاية الصحية الضروريين لحقن اللقاحات بطرق آمنة.

نظم الإيصال المزروعة (الغرسات)

تعمل الغرسة في الموقع المستهدف بشكل أساسي على توصيل جرعة الدواء من الخزان الخارجي إلى الموقع المستهدف. وقد تحتوي على وظائف أخرى مثل الاستشعار والتحكم في التدفق. ويحتوي الخزان الخارجي على مضخة أو آلية تمكنه من توصيل الدواء إلى الغرسة في الموقع المستهدف عبر قسطرة متصلة بين الجزئين. وقد ظهر هذا النهج لعلاج داء السكري خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يوجد خزان مضخة الأنسولين في المنطقة تحت الجلد للمريض بدلاً من زرعها في الموقع المستهدف. مما يتيح لها الحصول على المزيد من الأدوية المتاحة للعلاج.

تطبيقات إيصال الدواء

في الوقت الحاضر يطبق طب النانو في أنظمة توصيل الأدوية لعلاج العديد من الأمراض بما في ذلك السرطان والاضطرابات التنكسية العصبية والسكري والأمراض المعدية.

لعلاج السرطان

منذ اكتشافه يعتبر العلاج الكيميائي هو العلاج الأكثر فعالية لعلاج جميع أنواع السرطانات. وفي الوقت الحاضر، يتم استخدامه قبل كل شيء في الحالات المتقدمة من المرض. ومع ذلك فإن الانتقائية الضعيفة للعلاج الكيميائي ضد الأنسجة تؤدي إلى تدمير الأنسجة السليمة. وتزداد أهمية هذه الآثار الجانبية عندما يكون من الضروري زيادة جرعات الدواء من أجل توفير تركيز مناسب في منطقة الورم. لهذا السبب تمثل تقنية النانو القائمة على أنظمة التوصيل بديلاً محتملاً لإحداث تأثير كبير في علاج السرطان.

خلال العقدين الماضيين، تمت دراسة أنظمة إيصال الدواء النانوية لعلاج السرطان. وتمت الموافقة على بعضها بالفعل من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لإعطائها للمرضى. وما زال البعض الآخر قيد الدراسات ما قبل السريرية. وتتمثل المزايا الرئيسية لاستخدام أنظمة توصيل الأدوية الدقيقة النانوية في انتقائيتها العالية ضد الخلايا السرطانية التي تقلل إلى حد كبير الآثار الجانبية السامة لعوامل العلاج الكيميائي (مثل السمية الكلوية، والسمية العصبية، والسمية القلبية، وما إلى ذلك). بالإضافة إلى سماحها بتقليل كمية الدواء الذي يتم تناوله لأن حبسه في حامل النانو يحسن من استقرار الدواء، مما يساهم أيضًا في تقليل التأثيرات السامة في الأنسجة السليمة. وتتنوع أنظمة توصيل الأدوية للتطبيقات المضادة للسرطان بين جسيمات شحمية، وجسيمات نانوية بوليمرية، وجسيمات نانوية غير عضوية/المعدنية أو جسيمات نانوية بكتيرية، وغيرها.

لعلاج ألزهايمر

التحدي الأكثر صعوبة الذي يجب على علاج ألزهايمر مواجهته هو عبور الحاجز الدموي الدماغي (BBB). حيث يمنح ذلك الحاجز الجهاز العصبي المركزي (CNS) حيزًا مناعيًا متميزًا، ويمكن تحقيق ذلك العبور باستخدام الجسيمات النانوية. لكن ما زالت المواد المعالجة لألزهايمر غير مكتشفة بعد بسبب التعقيد الهائل للمرض.

لعلاج السكري

أحد أهداف الطب النانوي المطبق على مرضى السكري هو تقليل تواتر الحقن عن طريق استخدام صيغة الجسيمات النانوية طويلة المفعول للأدوية المضادة لمرض السكر. وقد يصبح إعطاء الأنسولين عن طريق الفم الشكل الأكثر تفضيلاً للأدوية المزمنة. ومع ذلك تقلل الحواجز الفيزيائية والكيميائية الحيوية في الجهاز الهضمي من فعاليته. ومن المتوقع أن يؤدي تطبيق أنظمة إيصال الدواء النانوية إلى تحقيق وصول الأدوية سليمة إلى الموقع المستهدف.

نشهد، مع تطور تقنيات النانو، ثورة في تركيب الأدوية بحق، حيث يعد طب النانو بالحل لمشكلة توصيل الدواء إلى خلايا بعينها، وتسهيل انتقال الأدوية عبر الحواجز المختلفة في الجسم بسهولة. وكما رأينا، تمتلك الجسيمات النانوية إمكانات هائلة كنظام فعال لتوصيل الأدوية في حالات الالتهاب والسرطان. ولكن لا تزال هناك حاجة إلى فهم أكبر للآليات المختلفة للتفاعلات البيولوجية وهندسة الجسيمات.

المراجع

jnanobiotechnology

pdfdrive.com: drug delivery approaches and nanosystems

كواشف الإشعاعات النووية

تعدد استعمال كواشف الإشعاعات النووية بدءا بالاستعمال الطبي إلى المفاعلات النووية. وبسبب اتساع نطاق الطاقة المستعمل في هذه المجالات، وجب استعمال كواشف ملائمة لكل مجال على حدة. فماهي أهم أنواع كواشف الإشعاعات النووية؟ وكيف تعمل هذه الكواشف؟

كواشف الإشعاعات النووية

تستعمل كواشف الإشعاعات النووية من أجل قياس النشاط الإشعاعي لعينة ما أو من أجل التأكد من وجود نشاط إشعاعي مرتفع في منطقة ما. وتعمل هذه الكواشف كمستشعرات للإشعاعات النووية، حيث يؤدي امتصاص الإشعاع داخل الكاشف إلى نشوء إشارة قابلة للقياس. وحسب نوع هذه الإشارة وكيفية حدوثها، يمكننا تقسيم الكواشف إلى ثلاثة أنواع: الكواشف المملوءة بالغاز وكواشف أشباه النواقل والكواشف الوميضية [1].

الكواشف المملوءة بالغاز

تقوم «الكواشف المملوءة بالغاز-Gas Filled Detectors» على قياس التيار الكهربائي الذي ينتج عن تفاعل الإشعاعات مع الغاز. وتتكون هذه الكواشف من أسطوانة مليئة بالغاز يخترقها سلك من محورها المركزي. ويعمل هذا السلك كقطب كهربائي حيث يتم تطبيق فرق جهد كهربي بينه وبين جدار الأسطوانة من أجل التقاط الشحنات والحصول على تيار كهربائي. فحينما يمتص الغاز إشعاعًا نوويًا، تنتقل الطاقة إلى إلكترونات الذرات التي تُكوِّن هذا الغاز. فتتحرر الإلكترونات (سالبة الشحنة) من مداراتها مخلفة وراءها أيونات موجبة (الذرات التي سُلِبت إلكتروناتها)، وهو ما يعرف بالزوج الأيوني (الأيون+الإلكترون). عند تطبيق فرق جهد بين السلك وجدار الأسطوانة، تنجذب الإلكترونات نحو القطب الموجب، بينما تنجذب الأيونات نحو القطب السالب متسببة في ظهور تيار كهربائي يمكن قياسه [1].

وحسب قيمة فرق الجهد المطبق، يمكن تمييز عدة أصناف من الكواشف المملوءة بالغاز. فحين يكون فرق الجهد منخفضًا، لا تنجح الشحنات في بلوغ القطبين، بل تلتحم مع بعضها لتعود ذرات محايدة مجددًا. ومع زيادة فرق الجهد، تنجح مزيد من الشحنات في الوصول إلى القطبين إلى أن تصير كلها قادرة على الوصول إلى القطبين عند تجاوز فرق جهد معين. وفي هذا المجال، يدعى الكاشف «غرفة تأين-Ionization Chamber »[2].

في حال الاستمرار في زيادة الجهد، تصير الإلكترونات التي أنتجها الإشعاع قادرة على إنتاج أزواج أيونية جديدة تسهم بدورها بإنتاج أخرى. تساعد هذه الشحنات الثانوية في تضخيم التيار الكهربائي الذي تكون شدته متناسبة مع طاقة الإشعاع الممتص. ويدعى الكاشف عندها «عدادًا تناسبيًا-Proportional Counter»[2].

مع زيادة فرق الجهد، يظل عدد الأزواج الثانوية في الازدياد إلى أن يصل إلى مرحلة يصير فيها عدد الأزواج المنتجة غير مرتبط بطاقة الإشعاع. ويسمى الكاشف في هذه المنطقة بـ «عداد جيجر مولر-Geiger Mueller Counter»[2].

الشكل1: نطاقات عمل الكواشف المملوءة بالغاز بدلالة الجهد المطبق

كواشف أشباه النواقل

تتبع «كواشف أشباه النواقل-semiconductor detectors» نفس المبدإ الذي تقوم عليه الكواشف المملوءة بالغاز. حيث ينتج الإشعاع تيارًا كهربائيًا مع وجود فرق جهد في طرفي الكاشف. وبسبب البنية البلورية لأشباه النواقل، تختلف الشحنات التي يخلفها الإشعاع عن تلك التي تكون بكواشف الغاز. فبدل الزوج الأيوني، تتأين كواشف أشباه النواقل مشَكِّلة الزوج إلكترون-ثقب. ذاك أن الإلكترونات في البنيات البلورية، تتموضع في نطاقات من الطاقة تفصل بينها فجوات يحظر على الإلكترون التواجد بها. وتحدث ظاهرة التأين حين ينتقل الإلكترون من آخر نطاق مرتبط بالذرة –وهو ما يعرف بنطاق التكافؤ- إلى نطاق التوصيل الذي يكون فيه الإلكترون حرًا. يترك الإلكترون خلال عملية الانتقال هذه ثغرة تسمى الثقب والتي يمكن اعتبارها شحنة موجبة تقابل الأيون الموجب في الغاز. وفي وجود مجال كهربائي ناتج عن فرق الجهد، تنطلق الشحنتان في اتجاهين متعاكسين لتوليد تيار كهربائي قابل للقياس [3].

الشكل 2: نطاقات الطاقة في أشباه النواقل

الكواشف الوميضية

تقوم «الكواشف الوميضية-Scintillation Detectors » على ظاهرة الوميض التي تحدث لبعض المواد حيث تبعث الضوء بشكل فوري حين تستقبل إشعاعًا ما. وعلى المستوى الذري، فإن ذرات هذه المواد التي تكون مثارة بسبب الإشعاع تعود إلى حالتها المستقرة من خلال التخلص من الطاقة الزائدة على شكل انبعاثات ضوئية. ومن أجل كشف هذا الوميض، ترتبط هذه المواد بـ «أنابيب المضاعفة الضوئية-Photomultiplier tubes» التي تعمل على تحويل الضوء إلى تيار كهربائي قابل للقياس. فحين يدخل الضوء لهذه الأنابيب، يتفاعل مع «مهبط ضوئي- photocathode» يحول الإشعاع الضوئي إلى إلكترونات باستعمال ظاهرة التأثير الكهرضوئي. بعدها، تدخل هذه الإلكترونات إلى «مضاعف الإلكترونات-Electron Multiplier» الذي يقوم بمضاعفة كمية الإلكترونات من أجل زيادة شدة التيار الكهربائي التي تكون ضعيفة في البداية [2].

في النهاية، إذا كنت مصابًا برهاب الإشعاعات النووية، ولا حيلة لك في معرفة مكان تواجدها. فكل ما عليك هو أن تحمل مادة وميضية أينما ذهبت، وتطلق ساقيك للريح كلما رأيت وميضًا ينبعث منها.

المصادر

[1] Nuclear Medicine Physics: A Handbook for Teachers and Students

[2] Principes de radioprotection – réglementation

[3] An Introduction to Radiation Protection

لغز وجود الكون، هل كان لكوننا أن ينشأ من البداية؟

تشير أحدث الدراسات في مختبر Cern بسويسرا إلى أن الكون لم يكن من المفترض أن يوجد من الأساس. فحتى الآن لا يوجد سبب واضح لوجود الكون حاليًا. إذن فما هو لغز وجود الكون؟ وما الحلول الممكنة لذلك اللغز؟

عملية الإبادة

“ماذا إذا التقيت بالشخص المضاد لك في مكاٍن ما من الكون؟ ستختفي أنت وهو وتتحول أجسامكما إلى طاقة”.

يعتمد ذلك السؤال، الفلسفي، وأجابته على ما توصل له علماء فيزياء الجسيمات. إذ يتكون الكون من عنصرين أساسيين، مادة و طاقة، وكلٍ منهما يتكون من جسيمات أصغر تسمى جسيمات أولية. ويقسم علماء فيزياء الجسيمات تلك الجسيمات الأولية من خلال نموذج يسمى «النموذج المعياري – The standard model». وأشهر الجسيمات الأولية التي تتكون منها المادة، مثلي أنا وأنت والأرض، هي البروتونات والإلكترونات. [1]

وفي عام 1928، اقترح العالم الإنجليزي «بول ديراك – Paul Dirac» وجود جسيم مماثل للإلكترون، ولكنه موجب، أي عكسه في الشحنة. وتم تأكيد فرضية ديراك عام 1932 عن طريق العالم الأمريكي «كارل أندرسون – Carl Anderson». وفتح ذلك الاكتشاف الباب لوجود جسيمات أولية مماثلة للجسيمات المعروفة، ولكنها معاكسة لها في الشحنة، وأطلق عليها الجسيمات المضادة.

وعند اجتماع الجسيم مع الجسيم المضاد له يلاشيان بعضهما البعض، وينتج كم من الطاقة في عملية تسمى «الإبادة – Annihilation». تخيل إذا التقيت بشخص مماثل لك تمامًا، ولكنه مكون من مادة مضادة، فسيلاشي كل منكما الأخر وتتحول أجسامكما لطاقة. وتلك هي معضلة نشأة الكون!

يفترض النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات تساوي عدد الجسيمات والجسيمات المضادة عند الانفجار العظيم. ولكن كيف لم تتلاش الجسيمات مع الجسيمات المضادة عند نشأة الكون في عملية تمنع الكون من أن يكون موجودًا من الأساس؟

البحث عن حل

حاول علماء فيزياء الجسيمات التجريبية خلال السنوات الماضية البحث فيما إذا كان هناك أي عدم تماثل بين الجسيمات والجسيمات المضادة. فوجود عدم تماثل بينهما يعني وجود أفضلية لوجود المادة حولنا بعكس المادة المضادة، أي وجود الكون كما نراه على حساب دماره عند النشأة. وكانت أخر تلك التجارب عام 2017 في مختبر «سِرن – CERN» في سويسرا والتي كانت بهدف قياس العزم المغناطيسي للبروتون المضاد. وكانت من أصعب تجارب سِرن، ولكنها تمت بدقة وصلت ل 68%. وجاءت نتيجة البحث على تشابه العزم المغناطيسي للبروتون والبروتون المضاد والذي يقربنا جدًا من استنتاج التماثل التام بين خصائص الجسيمات والجسيمات المضادة. [2]

عدم التناظر عند الانفجار العظيم

واحد من أهم مبادئ فيزياء الجسيمات هو تناظر «الشحنة – Charge» و«التكافؤ – Parity» و«الوقت – Time» أو الCPT. ويعنى ذلك المبدأ أن إذا انعكس الكون واستُبدلت المادة بالمادة المضادة ورجع الزمن للوراء لن يحدث تغيير في قوانين الفيزياء. وعلى ذلك فإن عدم التماثل سيخل بمبدأ ال CPT. والقليل من عدم التناظر كافي لتفسير سبب وجود كميات من المادة حولنا مقارنة بالمادة المضادة، فلم نرصد حتى الآن كوكب من مادة مضادة مثلًا! ولكننا لم نرصد غياب التناظر حتى الآن. وعلى جانب آخر، لا نعلم ما حدث بالفعل في اللحظات الأولى من الانفجار العظيم. بل وتبقى صحة نظرية الانفجار العظيم محل جدل حتى الآن.

هل عجزنا عن تفسير لغز نشأة الكون؟

ليست نهاية المطاف بعد، إذ يعمل الباحثون على تطوير التجارب ويستمرون في البحث عن أي دليل بخصوص عدم التماثل. ويحاول علماء فيزياء الجسيمات التجريبية حاليًا دراسة تأثير قوة الجاذبية في حالة الجسيمات المضادة. فنحن نعلم مثلًا أن الأرض (مادة) تجذب الإنسان (مادة)، أي أن المواد تجذب بعضها البعض من خلال قوى الجاذبية. فماذا عن المواد المضادة؟ هل تجذب المادة المضادة بعضها أم تتنافر؟ وهل تنجذب أم تتنافر المادة مع المادة المضادة؟ [3] [4]

من المتوقع أن يكون التفاعل بين المادة المضادة والمادة هي قوة تجاذب عند المسافات القصيرة. وأن قوة الجاذبية للمواد المضادة مع بعضها هي قوة جذب لا تنافر. ولكن حتى يظهر أي دليل سيبقي واحد من أهم الألغاز في الفيزياء الحديثة هو لغز وجود الكون. [4]  

المصادر
[1] The Standard Model: How far can it go and how can we tell?
[2] A parts-per-billion measurement of the antiproton magnetic moment
[3] LHCb sees new form of matter–antimatter asymmetry in strange beauty particles
[4] Gravitational matter-antimatter impact interactions

عوامل تباين نانوية تغير مستقبل التصوير الطبي مع تقنية النانو

يعد التشخيص والكشف المبكر عن الأمراض واحد من أهم تطبيقات طب النانو. كما يعتبر الكشف المبكر عن المرض وتشخيصه عاملًا مهماً في الشفاء خاصةً بالنسبة لمرضى السرطان.

فعلى سبيل المثال، لوحظ في دراسة دامت عامين أن معدل البقاء على قيد الحياة لمرضى سرطان الجهاز الهضمي الذين استفادوا من الكشف المبكر أعلى بكثير من أولئك الذين لم تكشف إصاباتهم مبكرًا بنسب بلغت 92.3% مقابل 33.3% [4]. بالإضافة إلى أن معدل الوفيات المدروس لمدة 10 سنوات لمرضى سرطان الثدي انخفض بنسبة 17-28% لدى المرضى الذين استفادوا من الكشف والتشخيص المبكر [2].

وغالبًا ما تلعب تقنية التصوير الطبي الدور الأكثر أهمية في الكشف والتشخيص المبكر عن لأمراض المختلفة. ويتم حاليًا العمل على تكييف أساليب التصوير الطبي المختلفة بحيث تعمل ضمن المقاييس النانوية وذلك بتحسين قدرتها على تتبع الجسيمات النانوية المحقونة ضمن الجسم والمستخدمة كعوامل تباين نانوية. إذ يوفر التصوير الطبي بالمقاييس النانوية صور أكثر تفصيلاً للعمليات الخلوية مما يتيح إمكانية التشخيص المبكر بفعالية أكبر [1].

عوامل التباين في التصوير الطبي

وفقاَ لما تَقَدم فإن الحاجة الملحة للكشف المبكر عن الأمراض وتشخيصها تدفع باستمرار لتطوير طرق التصوير الطبي المختلفة وبالأخص تطوير عوامل التباين. ويمكن تعريف عوامل التباين بأنها مواد تستخدم للحصول على معلومات تشريحية ووظيفية أكثر دقة في التصوير الطبي للتمييز بين الأنسجة الطبيعية والأنسجة غير الطبيعية [2].

مواد التباين المستخدمة حاليا لها استقلاب ودوران سريع داخل الجسم، ولها توزع غير محدد وسمية محتملة. لذا لا تزال التحديات الحالية قائمة للحصول على تصوير طبي سريع وأكثر تفصيلًا للبنى المجهرية للأنسجة. ويتم ذلك من خلال تطوير عوامل تباين غير سامة ولها وقت دوران أكبر داخل الجسم [2].

تتيح الجسيمات النانوية هذه القدرة، إذ تعود عوامل التباين القائمة على الجسيمات النانوية بفائدة كبيرة على العمليات السريرية، فنظرًا لصغر حجمها تُظهر الجسيمات النانوية تأثيرات نفاذية وبقاء معززة في الأورام. وتستخدم مع العديد من تقنيات التصوير الطبي مثل (التصوير الفلوري، والتصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي المحوسب، والتصوير بالأمواج فوق الصوتية،PET، SPECT) [2].

إحصائيات عن تقنية النانو في التصوير الطبي

بالنظر إلى حدود عوامل التباين الحالية، والمزايا المحتملة للجسيمات النانوية كعوامل تباين للتشخيص المبكر وتصوير البنية المجهرية، نلاحظ تزايد الاهتمام بتكنولوجيا النانو في التصوير الطبي الحيوي بسرعة كبيرة، إذ يُظهر البحث عن مصطلح “الجسيمات النانوية والتصوير الطبي” في PubMed زيادة ملحوظة مؤخرًا في عدد المنشورات ذات الصلة مما يبرز الجهود المكثفة المبذولة في هذا المجال.

عدد الأبحاث المنشورة عن تقنية النانو والتصوير الطبي في PUBMED نلاحظ التزايد السنوي السريع وبالأخص للتصوير الفلوري والرنين المغناطيسي.

اعتبارات تصميم عوامل التباين القائمة على الجسيمات النانوية

  • اختيار الجسيمات النانوية: تم اقتراح مجموعة واسعة من الجسيمات النانوية لاستخدامها كعوامل تباين، وتتطلب طرق التصوير المختلفة جسيمات نانوية ذات خصائص مختلفة لإنتاج التباين [3].
  • أنواع الطلاء: الكثير من المواد النشطة وظيفيًا والمستخدمة لتوليد التباين في التصوير الجزيئي لها توافق حيوي منخفض جدًا مما يؤدي إلى إفراز سريع خارج الجسم وعمر نصف منخفض واستقرار منخفض وسمية محتملة. لذلك تم بذل جهود كبيرة لجعل هذه المواد قابلة للتطبيق بيولوجيًا. وتم اكتشاف مجموعة متنوعة من الأساليب المختلفة باستخدام مواد مثل الفوسفوليبيدات وديكستران وبولي فينيل بيروليدون أو السيليكا كطلاء. وتتمثل الاستراتيجية البديلة للطلاء الاصطناعي في استخدام الجسيمات النانوية الطبيعية مثل الفيروسات أو البروتينات الدهنية وبالتالي تجنب تعرف أنظمة الدفاع في الجسم عليها [3].
  • استراتيجيات استهداف الخلايا والمناطق الهدف: إما الاستراتيجية الفعالة أو السلبية، وتحدد الأولى بربط الجسيمات النانوية بأنواع مختلفة من الجزيئات كالـ(البروتينات والببتيدات وغيرها). في حين تحدد الثانية من خلال الطلائات كال( ديكستران ) مثلا [3].
  • تأثير الحجم: يلعب حجم الجسيمات النانوية دورًا مهمًا في عدد من الجوانب بما في ذلك أنواع الخلايا التي يمكن استهدافها ونفاذيتها ضمن الأنسجة واستقلابها في الجسم وقوة وجودة التباين الناتج [3].

    فمثلا، حجم الجسيمات النانوية مهم في إفراز الجسيمات من الجسم. حيث يتم إزالة الجسيمات النانوية من الجسم عبر الجهاز الكلوي [3]. و باستخدام تقنيات التألق تبين أن الجسيمات النانوية التي تساوي أو تقل عن 5.5 نانومتر يتم إفرازها من خلال الجهاز الكلوي في حين أن الجسيمات الأكبر من ذلك ينتهي بها الأمر في الكبد والطحال. هنا يتم استقلابها وإفرازها أو تتراكم وقد تصبح سامة للجسم. من ناحية أخرى إذا كانت الجسيمات صغيرة بما يكفي لإفرازها كلويًا فسيقل نصف عمرها [3].
أول تقنيات التصوير القائمة على الجسيمات النانوية، A فلوري، B المقطعي المحوسب، C المرنان، D الإيكو، E التصوير بالأصدار البوزيتروني، F التصوير المقطعي المحوسب بالإصدار البوزيتروني.

استخدام الجسيمات النانوية في التصوير الفلوري

يتمتع التصوير الفلوري بمزايا تغلغل أكبر ضمن الأنسجة، وتألق أقل للأنسجة غير المرغوبة [2]. ولكن يعيبه عمق اختراقه المحدود وتعيق عملية التشتت ضمن النُسج المختلفة النفع المحتمل من المعلومات السريرية التي يقدمها. وكما يؤدي التألق المحدود في المرض المستهدف والتبييض الضوئي لحساسية منخفضة للكشف عن الأمراض الشاذة [2].

وهنا يأتي دور الجسيمات النانوية التي تتميز بخصائص مفيدة للتغلب على القيود المحتملة للتصوير الفلوري. فعلى سبيل المثال يمكن تحميل عدد أكبر من جزيئات الصبغة الفلورية في الجسيمات النانوية لتوفير المزيد من الإشارات. بالإضافة إلى ذلك يمكن تعديل (أو هيكلة) الجسيمات النانوية من أجل منع الإخماد المحتمل عند الحاجة. علاوة على ذلك يمكن استخدام بعض الاستراتيجيات لزيادة تركيزات الجسيمات النانوية في الأمراض ومن ثم زيادة تركيز الصبغة الفلورية للمشكلة المحلية. كما تتميز الجسيمات النانوية بقضائها وقتًا طويلًا نسبياً في الدورة الدموية، مما يعطي امتصاصاً أكبر للأمراض المستهدفة. ويمكن أيضاً تصميم الجسيمات النانوية لتحويل فوتونات الطاقة المنخفضة إلى فوتونات ذات طاقة أعلى وهو أمر مهم لتقليل تأثيرات الوميض والتبييض الضوئي [2].

وقد تم استخدام الجسيمات النانوية كعوامل تباين في التصوير الفلوري في الكثير من الموضوعات. مثل الكشف عن الجينات، وتحليل البروتين، وتقييم نشاط الإنزيم، وتتبع العناصر، وتتبع الخلايا، وتشخيص الأمراض في مرحلة مبكرة، والبحوث المتعلقة بالأورام، ومراقبة التأثيرات العلاجية في الوقت الحقيقي [2].

أمثلة من مجموعة دراسات لخصها المرجع [2] في الجدول 1 لاستخدام الجسيمات النانوية في التصوير الفلوري، وتتضمن اسم عامل التباين في التصوير، وحجم الجسيمات النانوية، والتطبيقات الطبية الحيوية، وما إذا كان قد تم التجريب في الجسم الحي أو في المختبر [2].

Experimental modelApplicationsSize (nm)Imaging agent
SK-BR-3 human cancer cells, CHO-K1 Chinese hamster ovary cellsDetecting early stage breast cancer120UCNP
Mice bearing SCC7 tumorsDetecting protease activity20Cy5.5
HeLa cellsTesting caspase-3 to identify apoptosis activity in cells37.8Cy5.5
SCC-7 cells, 293T cells and athymic BALB/c nude mice bearing SCC-7 cellsDetecting tumor and guiding therapy141PLNP
HepG2 cellsTracking ion of Zn and Cu in alive cell13FAM,Cy5
A549 lung cancer cellsMonitoring therapeutic drug delivery90.9FITC
Athymic nude miceMonitoring drug diffusion30 ,200Cy7.5
Swiss nude mice bearing HCT-116 cellsMonitoring NP accumulation and dissociation kinetics in tumor20Cy7
BALB/c mice, athymic nude mice bearing SKOV3 tumorsTargeted imaging tumor cells12Quantum dots
Breast cancer cells (MCF-7)Detecting MCF-7 cell in breast cancer120PFVBT
Breast cancer cells (MCF-7)Imaging double-stranded DNA3.6Ethidium bromide
HeLa cellsDetecting nanotoxicity in alive cells18, 70Perylenediimide
TT cells (human thyroid cancer cells), athymic nude mice bearing TT cellsMonitoring cellular uptake of nanoparticles and combined with therapy14UCNP
Nude miceDetecting lymph node55IR
الجدول 1: لاستخدام الجسيمات النانوية كعوامل تباين في التصوير الفلوري.

استخدام الجسيمات النانوية في التصوير بالرنين المغناطيسي MRI

التصوير بالرنين المغناطيسي MRI هو طريقة تصوير قوية تستخدم منذ فترة طويلة في التشخيص السريري. يعتمد على دوران البروتون عند وجود مجال مغناطيسي خارجي، حيث تتم إثارته بنبض ذو تردد راديوي. اعتمادًا على إشارة الرنين المغناطيسي النووي الصادرة عن البروتونات في الأجسام البشرية يوفر التصوير بالرنين المغناطيسي دقة مكانية عالية ودقة زمنية وتباينًا ممتازاً للأنسجة الرخوة. كما أن لديه القدرة على إظهار المعلومات التشريحية المقطعية في شكل ثلاثي الأبعاد. تشمل حدود التصوير بالرنين المغناطيسي التكلفة وأوقات التصوير الطويلة نسبياً وحدود الأجهزة والأعضاء المزروعة المحتمل وجودها لدى المرضى. تساعد عوامل التباين في التصوير بالرنين المغناطيسي بشكل كبير في اكتشاف الآفات والتمايز عن الأنسجة السليمة [2].

يمكن لعوامل التباين الجديدة بمقياس نانو متر أن تتيح استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي على مستويات الجينات والبروتين والخلية والأعضاء كما تعتمد التطبيقات الأخرى على الامتصاص الخلوي غير المحدد مثل تصوير الالتهاب وتحديد العقدة الليمفاوية الخبيثة وتتبع الخلايا الجذعية ومراقبة الغرسات الحيوية [2].

تم تلخيص أمثلة عن التصوير بالرنين المغناطيسي مع استخدام عوامل تباين نانوية بواسطة المرجع [2] أيضا في الجدول 2 بما في ذلك تكوين الجسيمات النانوية وطرق التصوير وحجم الجسيمات النانوية والتطبيقات الطبية الحيوية وما إذا كان قد تم تجريبه في الجسم الحي أو في المختبر.

Experiment modelImagingApplicationssize (nm)NP
VX-2 rabbitT1Imaging angiogenesis273Alpha(nu)beta(3)-Gd (paramagnetic particle)
SD ratsT1Imaging placenta as blood-pool contrast125Liposomal gadolinium
NIH/3T3 and T6–17 cellsT2Imaging target cells74Her2/neu-Oleosin-30G (Micelles)
RAW264.7 cells, BALB/c miceT1,T2New T1/T2 MRI contrast agent50.4G4.5-Gd2O3-PEG
GFP-R3230Ac cell lineT2Tracking GFP gene marker70-140SPIO
ApoE-/- miceT1Imaging and characterizing atherosclerotic plaques14-17rHDL-Gd
MouseT1,T2Blood-pool contrast with longer life-time60RBC encapsulated iron particles
HeLa cellsT2Determining nanoparticle vehicle unpackaging for gene100USPIO-PEI
Mice bearing C26 and HT-29 cellsT1,T2PH-activatable contrast in cancer60PEGMnCaP NPs
BALB/c nude miceT1,T2Imaging lymph node100Mn-nanotexaphyrin
RabbitT2Delivering drug and MRI imaging15-300Micelles with PTX and SPIO
Porcine vascular smooth muscle cellsT1Evaluating and quantifying drug delivery system for vascular restenosis250TF-biotinylated perfluocarbon-(Gd-DTPA-BOA)@(doxorubicin /paclitaxel)
MouseT2Detecting and imaging thrombus40FibPep-ION-Micelles
C57BL/ 6 miceT2Imaging post-stroke neuroinflammation50P-selectin-MNP(iron oxide)-PBP
In vivoT2High power liver imaging contrast80Mn-SPIO micella
BALB/c nude miceT1,T2Imaging pancreatic islet graft44TMADM-03
Swiss miceT2Imaging and tracking stem cells88.2DHCA functioned IONP labeled hMSCs
LNCaP and PC3 cell lineT1,T2Imaging prostate cancer cells and chemotherapy66.4TCL-SPION-Apt
Mice bearing MDA-MB-468 cellsF-MRIDetecting breast cancer7.8HBPFPE-aptamer
الجدول 2 : لاستخدام الجسيمات النانوية في التصوير بالرنين المغناطيسي MRI.

استخدام الجسيمات النانوية في التصوير المقطعي المحوسب CT

يستفيد التصوير المقطعي المحوسب (CT) من توهين الأشعة السينية في الأنسجة لإنشاء صور مقطعية وثلاثية الأبعاد. نتيجة لسرعة الفحص وانخفاض التكلفة، وتحسين الكفاءة، وزيادة الدقة المكانية للتصوير السريري، سرعان ما حل التصوير المقطعي محل التصوير الشعاعي للفيلم العادي رغم الكميات الأكبر من التعرض للإشعاع المؤين [2].

تلعب عوامل التباين المقطعي المحوسب دورًا مهمًا في التمييز بين الأنسجة ذات معاملات التوهين المماثلة. حاليًا تعتمد عوامل التباين المقطعية المحوسبة في الوريد أساسًا على اليود. تشمل حدود عوامل التباين الميودنة الإزالة السريعة من الجسم والتسمم الكلوي المحتمل والتوزيع غير النوعي في الدم والأحداث الضارة الموثقة والحساسية المفرطة. نتيجة لذلك تم إدخال عوامل التباين النانوية للتغلب على هذه القيود وزيادة نطاق التصوير المقطعي المحوسب [2].

تم استخدام عوامل التباين النانوية في التصوير المقطعي المحوسب في أدوار متعددة بناءً على امتصاصها الخلوي، والقدرة على توليد توهين قوي للتصوير المقطعي المحوسب، وقدرات الاستهداف الخاصة بها. على سبيل المثال، تم استخدام جزيئات الذهب النانوية التي تبتلعها خلايا الدم الحمراء لتصوير تدفق الدم. اليود الشحمي مع وقت دوران طويل وتقوية التصوير المقطعي المحوسب قد تم استخدامه لتقييم الأوعية الورمية وتم استخدامه لتصوير سرطان البروستاتا. وأخيراً تم استخدام تراكم الجسيمات النانوية لثاني أكسيد الزركونيوم لتصوير الورم ومراقبة توزيع الأدوية [2].

يوضح الجدول 3 من المرجع [2] أمثلة عن التصوير المقطعي المحوسب مع استخدام عوامل تباين نانوية ويعرض تكوين الجسيمات النانوية وحجم الجسيمات النانوية والتطبيقات الطبية الحيوية وما إذا كان قد تم تجريبه في الجسم الحي أو في المختبر.

Experiment modelApplicationsSize (nm)NP
LNCaP and PC3 prostate cancer cellsImaging prostate cancer cells29.4PSMA-specific aptamer conjugated AuNP
Apolipoprotein E-deficient miceImaging macrophage-rich atherosclerotic plaques400Liposomal iodine
Balb/c mice bearing 4T1/Luc cellsIdentifying tumor vascular structure100Liposomal-iodine
In vitroProducing greater imaging capability than iodine<6Tantalum oxide
In vitroIncorporating RBC to image blood flow20AuNP
Mice bearing EMT-6 and CT-26 cellsLabelling tumor cells to image tumor growth1AuNP
B6C3f1 mice bearing Tu-2449 cellsImaging brain malignant gliomas and enhancing radiotherapy11AuNP
MiceAuNP with CT contrast capability27-176AuNP
Rat bearing R3230 AC cellsImaging tumor113Liposomal iodine
FSL ratTracking mesenchymal stem cells20AuNP
الجدول 3: لاستخدام الجسيمات النانوية في التصوير المقطعي المحوسب CT.

استخدام الجسيمات النانوية في التصوير بالأمواج فوق الصوتية US

التصوير بالموجات فوق الصوتية US هو أحد أكثر طرق التصوير التشخيصي الطبي استخدامًا نظرًا لقابليته للنقل وعدم التوغل في الجسم والدقة المكانية العالية والتكلفة المنخفضة وخصائص التصوير في الوقت الفعلي. تم تطوير عوامل التباين المستخدمة في الموجات فوق الصوتية لتعزيز اختلاف الإشارات الصوتية بين الأنسجة السليمة والآفات المستهدفة. تتكون عوامل التباين بالموجات فوق الصوتية المتوفرة تجارياً من فقاعات صغيرة تتراوح في مقياس من 1 إلى 8 مايكرومتر. وقد تم استخدام تقنية النانو للتغلب على القيود المحتملة لعوامل التباين الحالية، فالجسيمات النانوية كعوامل تباين بالتصوير في الموجات فوق الصوتية أصغر بكثير من عوامل التباين بالموجات فوق الصوتية المستخدمة حالياً. فكما هو الحال مع الجسيمات النانوية الأخرى فإن الحجم الصغير يسهل استهداف الآفات، وتشمل التطبيقات تصوير الخلايا الجذعية واكتشاف الالتهاب وتوصيل الأدوية. ومع ذلك من أجل الحصول على ما يكفي من الانعكاس الصوتي تحتاج الجسيمات النانوية في الأمواج فوق الصوتية عادة إلى أن تكون أكبر من الجسيمات النانوية منها في CT أو MRI والتي تتراوح من مئات إلى آلاف النانومتر [2].

تم تلخيص أمثلة على عوامل التباين بالموجات فوق الصوتية للجسيمات النانوية في الجدول 4 حيث ذكر تكوين الجسيمات النانوية وتصنيفها وحجم الجسيمات النانوية والتطبيقات الطبية الحيوية وما إذا كان قد تم تجريبه في الجسم الحي أو مختبر [2].

Experiment modelClassificationApplicationsSize (nm)NP
Bel7402 and L02 cellsLiquidMolecular tumor imaging agents229.5FA-PEG-CS and perfluorooctyl bromide nanocore
In vitroGasUltrasound imaging agents with potential therapeutic applications3000Silica coated NP into perfluorobutane microbubble
Wister ratGasUltrasound imaging agents152C3F8-filled PLGA
Label human mesenchymal stem cells and inject into nude miceSolidStem cell imaging agent30-150Exosome-like silica NP
Rabbit vx2 tumorSolidUltrasound imaging agents260Rattle-type MSN
C3H/HeN mice bearing SCC-7 cellsGasPH related contrast agents in tumor290Gas-NP
SKBR-3 and MDA-MB-231 human breast cancer cellsSolidSpecific detection of tumor molecular marker250PLA-herceptin
Athymic mice bearing N2a cellsGasPH related contrast agents in tumor220RVG-GNPs
Chicken embro HT1080-GFP and Hep3-GFP tumorGasTumor imaging contrast agent185Porphyrin nanodroplet
CD1 miceGasUltrasound imaging agents100-200PFC-NP(C4F10)
الجدول 4: لاستخدام الجسيمات النانوية في التصوير بالأمواج فوق الصوتية US.

استخدام الجسيمات النانوية PET\SPECT

التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) هو تقنية طب نووي قوية ومستخدمة على نطاق واسع مع اختراق عالي للأنسجة وحساسية عالية وتصوير في الوقت الحقيقي. إلى جانب المعلومات التشريحية قد توفر PET أيضًا معلومات بيولوجية على المستوى الجزيئي بناءً على تتبع النويدات [2].

التصوير المقطعي المحوسب بانبعاث فوتون واحد (SPECT) هو تقنية أخرى للطب النووي مستخدمة على نطاق واسع ولها مزايا مماثلة مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني حيث يمكنها اكتشاف الوظيفة كيميائية حيوية غير الطبيعية قبل حصول التغييرات في علم التشريح [2].

تشمل قيود PET / SPECT التكلفة العالية والتعرض الإشعاعي العالي [2].

تُستخدم الجسيمات النانوية في PET / SPECT بشكل أساسي في الكشف عن الأورام [2].

تم تلخيص أمثلة عن الجسيمات النانوية المستخدمة في التصوير PET\SPECT في الجدول 5 بما في ذلك تكوين الجسيمات النانوية والحجم والتطبيقات الطبية الحيوية وما إذا كان قد تم اختباره في الجسم الحي أو في المختبر [2].

Imaging modalityExperiment modelApplicationsSize (nm)NP
PETMice bearing U87MG tumorImaging tumor100-150F-labeled DBCO-PEGylated MSN
PETMiceDetecting pulmonary inflammation200I-labeled anti-ICAM-1/PVPh-NP
PETMice bearing neuro2A tumorMonitoring pharmacokinetics and tumor dynamics37Cu labeled IT-101
PETAthymic mice bearing CWR22 tumor cellsImaging natriuretic peptide clearance receptor in prostate cancer16-22Cu labeled CANF-comb nanoparticle
PETC57BL/6 mice deficient in apolipoprotein EImaging macrophages in inflammatory atherosclerosis20Cu-TNP
PETC57BL/6 recipients of BALB/c allografts in miceDetecting rejection and immunomodulation in cardiac allografts20Cu labeled CLIO-VT680
PETC57BL/6 mice deficient in apolipoprotein EImaging atherosclerosis in artery16-22Cu labeled CANF-comb nanoparticle
SPECTBALB/C miceMonitoring distribution of nanoparticles12I silver nanoparticle
SPECTU87MG, MCF7 cells and nude mice bearing U87MG cellsDetecting cancer cells and imaging tumor sites31I labeled cRGD-PEG-AuNP
SPECTC57BL/6 mice, nude mice and BALB/c mice bearing 4T1-Luc2-GFP cellsImaging lymph node metastasis25In labeled lipid/calcium/phosphate NPs
SPECTNude mice bearing U87MG cellsTracking glioblastoma70In-MSN labeled neural stem cells
SPECT4T1 TNBC mouseTargeted imaging tumor5AuNPs(DAPTA)
الجدول 5: لاستخدام الجسيمات النانوية في التصوير PET\SPECT.

حاضر ومستقبل تقنية النانو في التصوير الطبي

نستنتج مما تقدم أنه وبالمقارنة مع عوامل التباين التقليدية، أظهرت الجسيمات النانوية المستخدمة كعوامل تباين تحسناً في كثافة الإشارة وقدرة الاستهداف ووقت دوران أطول في الجسم الحي في كل من نماذج الأمراض المختبرية والحيوانية خاصة لتشخيص السرطان وعلاجه. فبمساعدة تقنية النانو أصبحت طرق التصوير الطبي المعروفة أكثر قوة من ذي قبل. وأظهرت تحسنًا واعداً، إذ تقدم تقنية النانو الجسيمات النانوية التي تَعدنا بإمكانيات ثورية لاستخدامها كعوامل تباين في التصوير الطبي لمجموعة متنوعة من التطبيقات السريرية. كما تحسن تصميم هذه الجسيمات بشكل كبير خلال العقد الماضي، مع تعدد الوظائف والاستهداف الأكثر كفاءة والتوافق الحيوي الأفضل، والعوامل المناسبة لكل طريقة تصوير متاحة.

في المرحلة الحالية من التطوير بشكل عام يمكن تصنيع عوامل التباين النانوية التي تمتلك السمات المطلوبة لأي تطبيق مرغوب. حيث يتطلب تصميم عوامل تباين الجسيمات النانوية الفعالة للتصوير دراسة متأنية للخصائص المطلوبة للتطبيق المعني. وبمجرد تحديد الخصائص المطلوبة يمكن تحديد الجسيمات النانوية المرشحة. ويمكن بعد ذلك تحسين تخليق الجسيمات لإنشاء جسيمات تجمع التباين مع العلاجات المضمنة المناسبة وطلاء السطح الأمثل وخصائص الاستهداف والحجم المحدد ودرجة عالية من التوافق الحيوي.

ومع ذلك، ما زال هناك مجال لتحسينات كبيرة في التوافق الحيوي والفعالية والخصوصية واكتشاف المزيد من الأمراض باكرًا. وأخيراً ستستمر تقنية النانو في إنتاج جسيمات جديدة تمتلك خصائص جديدة ومثيرة للاهتمام وسيتم استغلالها في التصوير الطبي. كما سيستمر تطوير طرق التصوير الطبي مما يتطلب تركيب جسيمات نانوية جديدة كعوامل تباين.

المصادر

[1]. AZONANO

[2]. NCBI

[3]. Nanotechnology in Medical Imaging | Arteriosclerosis, Thrombosis, and Vascular Biology (ahajournals.org)

كيف يتم قياس الجرعة الإشعاعية ؟

يعتبر قياس الجرعة الإشعاعية أولوية في المجال الطبي، حيث يمكن لأصغر خطأ في القياس أن يؤثر بشكل كبير على حياة مريض أو يودي بحياته. ومما يزيد الطين بلة، أنه لا يحس بهذه الجرعات التي يتلقاها أثناء عملية العلاج الإشعاعي حتى وإن كانت قاتلة. فما هي الجرعة الإشعاعية؟ وكيف يتم قياسها؟

مفاهيم أساسية في قياس الجرعة الإشعاعية

تم إرساء مجموعة من المفاهيم في علم  قياس الجرعات من أجل قياس الآثار البيولوجية للإشعاعات على الأجسام الحية، بالإضافة إلى قياس الطاقة التي تخلفها هذه الإشعاعات في الجسم المتعرض لها.  

الجرعة الممتصة

تمثل «الجرعة الممتصة (D)-Absorbed Dose» كمية الطاقة التي يمتصها كل كيلوغرام من وسط ما إثر تعرضه لمختلف أنواع الإشعاعات النووية. وتقاس هذه الكمية بوحدة «الغراي-Gray» التي تكافئ جولا واحدًا من الطاقة لكل كيلوغرام [1].

الجرعة المكافئة

تم استحداث مفهوم «الجرعة المكافئة (H)-Equivalent Dose» من أجل الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الأثر البيولوجي باختلاف نوع الإشعاع. فالتعرض لنفس الجرعة الممتصة لا يعني بالضرورة إلحاق نفس الضرر بالأنسجة البيولوجية. ويلعب نوع الإشعاع دورًا مهمًا في تحديد درجة الضرر. فمثلًا، نجد أن 0.5 غراي من إشعاعات ألفا تعادل 1 غراي من إشعاعات غاما من حيث أثرها البيولوجي على الخلايا الحية [1].

وللحصول على الجرعة المكافئة، يجب ضرب الجرعة الممتصة في معامل يدعى «العامل المرجح للإشعاع (WR)- «radiation weighting factor والذي يعكس قابلية نوع محدد من الإشعاع على إحداث ضرر بيولوجي. وتتعلق قيمة WR بكثافة التأيين (فقدان الذرة لأحد إلكتروناتها) الذي يسببه الإشعاع. فعلى سبيل المثال، نجد أن 1=WR لدى جسيمات ألفا التي تنتج كمية هائلة من الأيونات المنتَجَة على طول مسارها في الجسم (مليون زوج أيوني لكل ميليمتر). بينما تأخذ  قيمة 1=WR عند جسيمات بيتا التي تنتج حوالي 10 آلاف زوج أيوني (أيون موجب وآخر سالب) لكل ميليمتر [1].

وتقاس الجرعة المكافئة بوحدة «السيفرت (Sv)-Sievert » في النظام المعياري الدولي [1].

الجرعة الفعالة

تختص الجرعة الفعالة في كونها تأخذ بعين الاعتبار النسيج الذي يحدث فيه التفاعل مع الإشعاع. فلكل نسيج أو عضو من أعضاء الجسم، حساسية مختلفة للإشعاع، حيث تتضرر بعض الأجهزة في الجسم أكثر من غيرها عند التعرض لنفس الجرعة. وتساوي الجرعة الفعالة مجموع الجرعات المكافئة لكل نسيج (HT) مضروبة في «العامل المرجح للنسيج (WT)-The tissue weighting factor» الذي يمثل احتمالية تضرر كل عضو [1].

حيث تمثل DTR الجرعة الممتصة التي يتلقاها النسيج T من الإشعاع ذي النوع R. وتقاس الجرعة الفعالة أيضا بوحدة السيفرت (Sv)

كخلاصة لما سبق، يمكن القول إن الجرعة الممتصة هي الجرعة الفيزيائية التي تم امتصاصها. بينما تعبر الجرعة المكافئة على الضرر البيولوجي لنسيج أو عضو ما. وتمثل الجرعة الالذي يلحق فردًا ما [1].

تقنيات قياس الجرعة الإشعاعية

تتعدد التقنيات المستخدمة في قياس الجرعة الإشعاعية. وتشمل تلك التي تقيس الجرعة في نقطة واحدة، والتي تقدم قياسات في مساحة معينة (على بعدين)، والتي تعطي قياسًا في حجم محدد (ثلاثية الأبعاد). وسنقتصر في هذا المقال على بضعة تقنيات، منها ما يقيس على نقطة واحدة، ومنها ما يقيس على بعدين.

تقنية قياس كمية الحرارة

يقوم مبدأ «تقنية قياس كمية الحرارة-Calorimetry» على الجرعة الممتصة تتحول إلى حرارة في بعض المواد كالغرافيت والماء. وبالتالي يمكن أن نستنتج الجرعة الممتصة من خلال قياس تغير درجة الحاصل للمادة بعد تعرضها للإشعاعات. ويُقاس تَغيُّر درجة الحرارة باستعمال مقاومات حرارية (أنصاف نواقل) تغيِّر من مقامتها بتَغيُّر درجة الحرارة. وهذه التقنية لا تستعمل من أجل أخذ القياسات الروتينية في المجال الطبي، بسبب بطئها في إعطاء النتائج، حيث يجب الانتظار حتى يصل النظام إلى توازن حراري [2].

المقاييس الكيميائية

بالنسبة «للمقاييس الكيميائية-Chemical dosimetry»، تُحدَّد الجرعة من خلال قياس التغير الكيميائي الحاصل في محلول بعد تعرضه للإشعاعات. ويعتبر «مقياس فريكي-Fricke dosimeter» الأكثر شهرة وشيوعًا، حيث يستخدم محلولا يحتوي كبريتات الحديد II التي تتأكسد عند تعرضها للإشعاع متحولة إلى  أيونات الحديد III. وتحدِّد كمية هذا الأخير الجرعة التي تم امتصاصها في المحلول [3].

حجيرات التأين

يقوم مبدأ «حجيرات التأين-Ionization chambers» على قياس الجرعة من خلال قياس طاقة الأيونات التي تتركها الإشعاعات أثناء مسارها في الجهاز. وتتكون حجيرة التأين من وعاء مليء بالغاز يخترقه عمود من الألمنيوم. ويشكل هذا الأخير مع غشاء الوعاء قطبين من أجل تطبيق فرق الجهد اللازم لعمل الجهاز [3].

بعد أن تتجاوز الإشعاعات حجيرة الغاز، تتأين ذرات هذا الأخير مشكلة زوجًا أيونيًا، حيث يتحرَّر أحد إلكترونات الذرة ذي الشحنة السالبة فتصير الذرة موجبة الشحنة، ويكَوِّنان معًا زوجا أيونيًا. وحتى لا تجتمع الأيونات الموجبة مع السالبة مجددًا، يتم تطبيق فرق جهد بين قطبي الجهاز، فتنجذب الأيونات السالبة نحو القطب الموجب والأيونات الموجة نحو القطب السالب. وتؤدي هذه الحركة إلى نشوء تيار كهربائي تتعلق شدته بالجرعة الممتصة [3].

أفلام التصوير

تستخدم أفلام التصوير من أجل إجراء قياس إشعاعي ثنائي البعد وهو ما يميزها عما سبق من التقنيات. ويتكون فيلم التصوير من طبقة بلاستيكية يغطيها طلاء يحتوي بلورات بروميد الفضة الحساسة للإشعاعات. عند تعرضها للإشعاع، تتأين بلورات بروميد الفضة مما يؤدي إلى اسمرار الفيلم بعد تحميضه. وتتناسب شدة الاسمرار -التي تقاس من خلال مقياس للكثافة الضوئية- مع مقدار الجرعة الممتصة [2].

كواشف التألق الحراري

تقوم «كواشف التألق الحراري (TLD)-Thermoluminescent dosimeter» على استخدام مواد بلورية قادرة على تخزين الطاقة التي تمتصها فيما يعرف بالأفخاخ الإلكترونية المنتشرة في بنيتها البلورية. وتتحرر الطاقة المخزنة بشكل تلقائي بعد مدة معينة على شكل ضوء. ومن أجل تسريع عملية تحرير الطاقة يتم تسخين هذه الكواشف، فتنبعث إشعاعات ضوئية يمكن الكشف عنها باستخدام أنبوب مضاعف ضوئي يحول الضوء إلى تيار كهربائي [2] [3].

كواشف أنصاف النواقل

تعتمد هذه التقنية على خصائص أنصاف النواقل في قياس الجرعة، حيث يؤدي التعرض للإشعاع إلى خلق فرق جهد داخل بنية الجهاز. يمَكِّن فرق الجهد هذا من إنتاج تيار كهربائي يتناسب مع الطاقة الممتصة في الكاشف [3].

المصادر

[1] An Introduction to Radiation Protection  

[2] Manufacturing of different gel detectors and their calibration for spatial radiation dose measurements

[3] Review of Radiation Oncology Physics: A Handbook for Teachers and Students 

ما هي الموصلات الفائقة وتطبيقاتها؟

تعتبر المواد فائقة التصويل مواد توصل الكهرباء بصورة عادية في الظروف الطبيعية. ولكن عند ظروف معينة تتحول تلك المواد لمواد بخصائص كهربية ومغناطيسية فائقة. فما هي الموصلات الفائقة؟ وما هي تطبيقاتها؟

توصيلية الموصلات الفائقة ودرجة الحرارة

تنقسم المواد في الطبيعة، من حيث توصيليتها للكهرباء، لثلاثة أنواع: مواد موصلة للكهرباء ومواد عازلة للكهرباء، وأشباه الموصلات. توصل المواد الموصلة للكهرباء الكهرباء بشكل جيد عكس المواد العازلة، أما أشباه الموصلات فتوصيليتها بين المواد الموصلة والمواد العازلة وتوصل الكهرباء عند معالجتها بشوائب معينة. لكن عام 1911 اكتشف العالم الهولندي «هايك أونز – Heike Onnes» نوع آخر من المواد وهي المواد فائقة التوصيل للكهرباء. [1]

كان أونز يعمل على قياس توصيلية المواد عند درجات الحرارة المنخفضة. ولاحظ عند قياسه لتوصيلية الزئبق عند درجة حرارة 4.2 كلفن، انعدام مفاجئ لمقاومة الزئبق للكهرباء. ويفسر اكتشاف أونز أول خاصية فيزيائية للموصلات الفائقة وهي انعدام مقاومتها الكهربية فجأة عند وصولها لدرجة حرارة معينة. وتوضح الصورة التالية كيف تتغير مقاومة الزئبق خطيا مع درجة الحرارة حتى تصل لنقطة تنعدم فيها المقاومة فجأة.  وتسمي درجة الحرارة التي عندها تتحول المادة لموصل فائق «درجة حرارة حرجة – Critical Temperature».

يوضح الشكل كيف تنعدم مقاومة الزئبق فجأة عند درجة الحرارة الحرجة 4.2 كلفن.

النفاذية المغناطيسية المثالية للموصلات الفائقة

تتميز الموصلات الفائقة بخاصية أخرى عن باقي المواد وهي «النفاذية المغناطيسية المثالية – perfect diamagnetism». وتعني النفاذية المغناطيسية المثالية أن المادة لا يخترقها أي مجال مغناطيسي. وذلك لأن المادة تنشأ مجال مغناطيسي عكس المجال المغناطيسي المؤثر عليها فيلاشي تأثيره. وتسمى تلك الخاصية «تأثير مايسنر – Meissner effect» والتي اكتشفها العالمان الألمانيان «ميسنر – Meissner» و«أوشنفيلد – Ochsenfeld» عام 1933. [2]

توضح الصورة تأثير المجال المغناطيس الخارجي على الماداة في حالة التوصيل الكهربي الطبيعي وفي حالة التوصيل الكهربي الفائق (تأثير مايسنر)

ولكن مع زيادة شدة المجال المغناطيسي المؤثر على المادة فائقة التوصيل، يبدأ المجال باختراق المادة وتتحول بعدها لمادة موصلة عادية. وتسمي شدة المجال المغناطيسي التي عندها تتحول المادة الفائقة التوصيل لموصل عادي «المجال المغناطيسي الحرج – critical magnetic field». في الصورة التالية علاقة بين درجة الحرارة والمجال المغناطيسي يوضح كيف يجب على المادة أن تبقي تحت درجة الحرارة الحرجة والمجال الحرج لتحافظ على توصيليتها الفائقة.

يوضح الشكل الشروط التي تكون عندها المادة فائقة التوصيل.

وبالتالي، الموصلات الفائقة هي مواد موصلة تنعدم مقومتها الكهربية تحت درجات حرارة معينة ولها نفاذية مغناطيسية مثالية.   وليست كل المواد جيدة التوصيل للكهرباء يمكن أن تكون فائقة التوصيل، فالنحاس نفسه ليس من الموصلات الفائقة.

تاريخ تطور الموصلات الفائقة

كان أول اكتشاف للمواد فائق التوصيل الكهربي كما ذكرنا هو مع تبريد العالم أونز للزئبق باستخدام الهيلوم المسال. واكتشاف أونز فتح مجال كامل للبحث في الموصلات الفائقة مثل مادة النيوبيوم عند درجة حرارة 9.3 كلفن وسبائكها عند حوالي 23 كلفن. حتى عام 1986 عندما أحدث العالمان «جورج بيدنورز – Georg Bednorz» و«أليكس مولر – Alex Müller» طفرة في مجال الموصلات الفائقة. أكتشف بيدنورز ومولر الموصلات الفائقة في المواد السيراميكية والذي تصل درجات الحرارة الحرجة لها ل 90 كلفن. مما تسبب في حصولهما على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1987. وتسمى الموصلات الفائقة التي تصل درجات حرارتها الحرجة لأعلى من 77 كلفن بالموصلات فائقة في درجات الحرارة العالية (HTSC). [3]

تطبيقات المواد فائقة التوصيل للكهرباء

انعدام مقاومة الموصلات الفائقة لمرور التيار وكونها مواد مغناطيسية قوية جعلت منها مواد ذات مستقبل عظيم في مجالات الصناعة. فخطوط النقل الكهربي يمكن أن تكون باستخدام موصلات فائقة بدلًا من الموصلات العادية. سيوفر ذلك طاقة كبيرة تستهلك في الموصلات العادية، بل وستدوم لمدة أطول من الموصلات العادية. صنع ماتور من مادة فائقة التوصيل يمكن أن يوفر كم أكبر من الطاقة المتولدة، بل وبحجم أصغر بكثير من الماتور العادي. [3]

ونظرًا لاعتماد أجهزة مثل أجهزة التصوير المغناطيسي على المغناطيسات القوية الثابتة الشدة، فإن استخدام الموصلات الفائقة حل مناسب. بالمثل فإن مصادمات الجسيمات حول العالم أيضًا على المغناطيسات القوية وبالتالي فالموصلات الفائقة ستوفر الكثير في صنعها وتطويرها.

يعد القطار المغناطيسي المعلق في اليابان أشهر تطبيق على الموصلات الفائقة. حيث استغلت اليابان قوة النفاذية المغناطيسية للموصلات الفائقة لخلق قطار معلق بدون أي احتكاك مع القطبان.

المصادر

[1] The discovery of superconductivity

[2] New Theory of Superconductivity. Method of Equilibrium Density Matrix. Magnetic Field in Superconductor

[3] The Early Years of Superconductivity

ما هو علم البالستيات؟

تؤثر البالستيات في العديد من مجالات الدراسة، والتي تتراوح من تحليل منحني مسار كرة البيسبول إلى تطوير أنظمة توجيه الصواريخ في الجيش. [2]

لنتعرف في هذا المقال على علم المقذوفات ومجالات دراسته.

علم «البالستيات-Ballistics» (القذائف)

هو العلم الذي يدرس حركة وتأثير المقذوفات. ويقسم إلى عدة تخصصات، وهي البالستيات الداخلية والخارجية، وتبحثان في دفع وطيران المقذوفات. ويسمى الانتقال بين هذين النظامين البالستيات الوسيطة. والبالستيات النهائية، وتدرس تأثير المقذوفات على الأجسام المستهدفة.

و«القذيفة-Projectile» هي الجسم الذي تم إطلاقه أو إسقاطه، والذي يستمر في الحركة بسبب عطالته. ويحدد مسارها بواسطة سرعتها الابتدائية واتجاهها وقوى الجاذبية ومقاومة الهواء. فمثلاً، بالنسبة للأجسام المقذوفة بالقرب من الأرض ومع مقاومة هواء مهملة، يتخذ المسار شكل قطع مكافئ. [1]، [2]

دفع القذائف

تعد البندقية والمحرك الصاروخي مثلًا نوعان من المحركات الحرارية، يحوّلان جزئيًا الطاقة الكيميائية للوقود الدافع إلى طاقة حركية للقذيفة. وتختلف المواد الدافعة عن أنواع الوقود التقليدية من حيث أن احتراقها لا يتطلب الأوكسجين الجوي. ويؤدي إنتاج الغازات الساخنة عن طريق الوقود المحترق إلى زيادة الضغط الذي يدفع القذيفة ويزيد من معدل الاحتراق. كما تسبب الغازات الساخنة تآكل تجويف البندقية.

عندما تشتعل شحنة المادة الدافعة في حجرة البندقية، تحصر غازات الاحتراق بواسطة الطلقة؛ فيرتفع الضغط. وتبدأ الطلقة في التحرك عندما يتغلب الضغط على مقاومتها للحركة. يستمر الضغط في الارتفاع لبعض الوقت ثم ينخفض، وذلك بينما تسرّع الطلقة لتصل إلى سرعة عالية. سرعان ما ينفد الوقود الدافع الذي يحترق بسرعة، وفي الوقت المناسب تخرج الطلقة من الفوهة. وقد سجّلت سرعات تصل إلى 15 كيلومترًا (9 أميال) في الثانية. تعمل البنادق المقاومة للارتداد على تنفيس الغاز عبر الجزء الخلفي من الحجرة لمقاومة قوى الارتداد.

يحدث الانفجار الأولي الذي يسبق خروج الطلقة، ثم يتبعه الانفجار الرئيسي، حيث تطلق الغازات المضغوطة خلف الطلقة. يتخطى التدفق الغازيّ السريع الطلقة لفترة وجيزة وبالتالي قد تعاني من تذبذب شديد. وتسمع موجة الصدمة الانفجارية، التي تنتقل إلى الخارج بسرعة أكبر من سرعة الصوت، كطلقات نارية. وتتسبب الحرارة المتولدة قرب الفوهة في حدوث وميض تصاحبه ألسنة اللهب في المدافع الكبيرة. كما يمكن تثبيت الأجهزة على الفوهة لكتم الانفجار والوميض عن طريق تشتيت موجات الصدمة، ويمكنها تقليل الارتداد عن طريق تشتيت التدفق. [1]

تعرّف البالستيات الوسيطة أو الانتقالية بأنها حالة انتقالية بين البالستيات الداخلية والخارجية قرب الفوهة. إذ يدل انبعاث الغاز من السبطانة أمام القذيفة وتفريغ الغازات الدافعة خلفها على هذه التغيرات الانتقالية. وفي هذا الصدد، فإن التأثير على مغادرة القذيفة للمدفع واستخدام زخم الغازات الدافعة لهما أهمية خاصة. [3]

السقوط الحر للأجسام

لفهم حركة المقذوفات من الضروري أولاً فهم حركة «السقوط الحر-Free Fall» للأجسام، وهي أجسام نسقطها ببساطة من ارتفاع معين فوق الأرض. في أبسط الحالات، عندما تكون مقاومة الهواء مهملة وعندما تكون الأجسام قريبة من سطح الأرض، بيّن الفلكي والفيزيائي الإيطالي «جاليليو جاليلي-Galileo Galilei» (1564-1642) أن جسمين يسقطان نفس المسافة وفي نفس الفترة الزمنية، بغض النظر عن وزنيهما. تزيد سرعة الجسم الساقط زيادات متساوية في فترات زمنية متساوية. على سبيل المثال، ستبدأ الكرة التي تسقط من أعلى مبنى من السكون، وتزيد سرعتها إلى 32 قدمًا (9.8 مترًا) في الثانية بعد ثانية واحدة، ثم إلى سرعة 64 قدمًا (19.6 مترًا) في الثانية بعد ثانيتين، ثم إلى سرعة 96 قدمًا (29.4 مترًا) في الثانية بعد ثلاث ثوانٍ، وهكذا. وبالتالي، نجد أن التغير في السرعة هو دائمًا 32 قدمًا في الثانية. يعرف التغير في السرعة لكل فترة زمنية بالتسارع وهو ثابت. ويساوي هذا التسارع 1 g حيث يرمز g إلى التسارع الناتج عن قوة الجاذبية الأرضية.

يصبح تسارع الجاذبية g أصغر مع زيادة المسافة عن الأرض. ولكن بالنسبة لمعظم التطبيقات الأرضية يمكن أن نعد قيمة g ثابتة (تتغير فقط بنسبة 0.5٪ مع تغير الارتفاع بمقدار 10 أميال [16 كم]). من ناحية أخرى يمكن أن تختلف «مقاومة الهواء-Air Resistance» اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على الارتفاع والرياح وخصائص وسرعة المقذوف نفسه. فمن المعروف أن المظلّيّين يمكنهم تغيير ارتفاعهم بالنسبة إلى المظليين الآخرين ببساطة عن طريق تغيير شكل أجسامهم. ومن المعروف أيضًا أن الصخرة ستسقط بسرعة أكبر من سقوط الريشة. فعند البحث في مسائل المقذوفات، من الضروري فصل التأثيرات الناتجة عن الجاذبية -وهي بسيطة جدًا- والتأثيرات الناتجة عن مقاومة الهواء، وهي أكثر تعقيدًا. [2]

المصادر

[1]

[2]

[3]

استعمال مادة البولونيوم المشع في الاغتيالات السياسية

في سنة 2006، وبالتحديد في الأول من نوفمبر، حدث أول اغتيال سياسي باستعمال مواد مشعة. وكان العميل السابق في الاستخبارات الروسية ألكساندر ليتفينينكو الذي هرب من بلاده وصار يفضح سياسات بلاده غير الأخلاقية الضحية لهذه الجريمة. استعملت روسيا في تنفيذ هذا الاغتيال أندر وأفتك سم على الإطلاق: وهو مادة البولونيوم المشع. فما هو هذا السم؟ وكيف يؤثر على جسم الإنسان؟ وكيف تم استخدامه في اغتيال ألكساندر ليتفينينكو؟

ما هي مادة البولونيوم المشع؟

ينتج البولونيوم المشع عن التحلل الإشعاعي لمادة اليورانيوم-238. ويعتبر من أندر المواد الموجودة في الطبيعة. حيث نجد فقط 0.0001 غرام من البولونيوم المشع (Po-210) في طن من اليورانيوم الخام. ويعتبر هذا العنصر شديد النشاط إشعاعيًا، إذ يبلغ النشاط الإشعاعي لغرام واحد فقط من هذه المادة1 661 014Bq . ويبعث Po-210 جسيم ألفا أثناء تحلله بطاقة تصل إلى 5.304MeV وبزمن نصف (المدة الازمة لتحلل نصف الكمية) يقدر بـ 140 يومًا. ويتم تصنيع هذه المادة في المفاعلات النووية من أجل استخدامها في بعض الصناعات. ولا تتجاوز الكمية التي ينتجها العالم من البولونيوم المشع 100 غرام في السنة، لذلك فنادرًا ما نسمع بتسمم أحدهم بالبولونيوم المشع [1].

سمية البولونيوم المشع

لا تنشأ سمية البولونيوم المشع عن تفاعل كيماوي مع جسم الإنسان بل عن الإشعاعات التي يبعثها، والتي قد تؤدي إلى الموت خلال أيام أو أسابيع. و يعتبر البولونيوم المشع أفتك السموم على الإطلاق. حيث تزيد سُمِّيتُه بحوالي 250 مليار مرة عن سُمِّية سيانيد الهيدروجين الذي يُستعمل في صناعة الأسلحة الكيماوية. ويكفي غرام واحد من البولونيوم المشع لقتل 50 مليون شخص وللتسبب في إصابة 50 مليون آخرين. وبالنسبة لشخص واحد، فتكفي كمية أقل بمليون مرة (بحجم ذرة غبار) للتسبب بمقتله. ولحسن الحظ، فإن هذا السم لا يشكل خطرا إلا عند ابتلاع السم أو استنشاقه. ويرجع هذا إلى عدم قدرة الإشعاعات ألفا التي يبعثها على اختراق المادة، حيث تنجح قطعة ورق في إيقاف هذا الإشعاع [2].

ويؤدي التعرض لإشعاعات ألفا التي يبعثها البولونيوم إلى تضرر الحمض النووي وبالتالي موت الخلية أو التسبب في أضرار غير قابلة للإصلاح فيها. وكلما زادت الجرعة زادت معها كمية الخلايا المتأثرة بالإشعاعات وبالتالي زادت معها سرعة التأثر التي قد تمتد من بضع دقائق إلى عدة أسابيع قبل أن يفقد الشخص حياته [2].

آثار البولونيوم على الجسم

يتلقى جسم الإنسان  نسبة قليلة من البولونيوم المشع الطبيعي عن طريق الطعام. ولا تشكل هذه النسبة أي خطر على جسم الإنسان لأنها لا تصل إلى الجرعة القادرة على إحداث الضرر. ويسبب التدخين رفع الجرعة التي يمتصها الجسم من هذه المادة، حيث يراكم البولونيوم المشع في الرئتين، مما قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة [2].

وفي حالة التسمم بالبولونيوم، فإنه يتركز في خلايا الدم قبل أن ينتشر بعدها إلى الكبد و الكلى والنخاع العظمي وباقي الأعضاء الأخرى. وتتجلى أعراضه في الغثيان والقيء وفقدان الشهية بادئ الأمر. ثم تتطور فتشمل تساقط الشعر وانخفاض عدد الخلايا البيضاء والإسهال وتلف النخاع العظمي. بعد ظهور هذه الأعراض، يبدأ المريض الشعور بالتعافي، لكن النخاع العظمي يستمر بالتضرر متسببًا في انخفاض عدد الكريات البيضاء وبالتالي ضعف مناعة الجسم. في النهاية، تنتشر آثار الإشعاعات في مختلف أجهزة الجسم بما في ذلك الجهاز الهضمي والجهاز القلبي الوعائي. وحين يصل الأثر إلى الجهاز العصبي تموت الضحية [2].

اغتيال ألكساندر ليتفينينكو

كان ألكساندر ليتفينينكو ضابطا في جهاز الاستخبارات السوفييتي ثم عميلا في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي قبل أن يتحول إلى صف المعارضة ويطلب اللجوء في بريطانيا. وكان عمله منكبا على فضح السياسات الإرهابية لروسيا. حيث تم اغتياله أثناء تحقيقه في علاقات بين إسبانيا والمافيا الروسية بعد عدة محاولات فاشلة.

ألكساندر ليتفينينكو قبل وبعد تسممه

محاولات الاغتيال

وكانت المحاولة الأولى في 16 أكتوبر 2006 حين التقى ألكساندر ليتفينينكو بالعميلين الروسيين أندريه لوغوفوي وديمتري كوفتون. ادعى لوغوفوي أنه شريك تجاري يقدم المشورة للشركات التي تسعى للاستثمار في روسيا. وبعدما طلبوا الشاي، أفرغ المشتبه فيهم –حسب ما تقوله بريطانيا-السم في كأس ألكساندر ليتفينينكو. لكن هذا الأخير لم يشرب كأسه ذلك اليوم. بعد هذه المحاولة الفاشلة، دبر أندريه لوغوفوي لقاء مع ألكساندر ليتفينينكو لكنه لم ينجح في وضع السم في إبريق الشاي [3].

العميلان المشتبه فيهما أندريه لوغوفوي وديمتري كوفتون

في 1 نوفمبر 2006، نجح العميلان في جعل المعارض ألكساندر ليتفينينكو يشرب الشاي المسمم. أحس بعدها ألكساندر ليتفينينكو بغثيان وتوعك في جسمه ثم أخذ للمشفى قبل أن يلقى حتفه بعد 21 يوما من تسميمه [4].

إبريق الشاي الذي تسمم به ألكساندر ليتفينينكو

اتهام روسيا

واتهمت السلطات البريطانية روسيا بضلوعها في عملية الاغتيال، لكن روسيا أنكرت أية علاقة لها بالأمر. ويرجع هذا الاتهام إلا استحالة الحصول على المادة من قبل المشتبه فيهما إلا بمساعدة السلطات الروسية. بعد عشر سنوات من الحادثة أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق النسان ما توصلت إليه بريطانيا من تحقيقات حول اغتيال ألكساندر ليتفينينكو لكن روسيا رفضت تسليم أي من المشتبه بهم [4].

وبتتبع أثر الإشعاعات، استطاع المحققون كشف الأماكن التي زارها المشتبه فيهما خلال جميع محاولاتهما لاغتيال ألكساندر ليتفينينكو. ذاك أن آثار الإشعاع كانت منتشرة في كل بقعة لمساها. ويبدو أن المشتبه فيهما لم يكونا على علم بأن السم إشعاع. ويتبدّى ذلك واضحًا من خلال تعاملهما مع السم، حيث كانا يتخلصان منه في حمام الفنادق التي أقاما فيها عحين لا تنجح خطة الاغتيال. وقد وصف تصرفهما مع هذا الفتاك بالانتحراري [3].

في النهاية، إذا حالفك الحظ وتم اغتيالك بسم البولونيوم المشع، فتذكر أنك تموت بأندر وأنفس مادة فتاكة على الإطلاق!

المصادر

[1] Impact du polonium 210 sur l’homme

[2] ?Polonium-210: Why is Po-210 so dangerous

[3] Alexander Litvinenko and the most radioactive towel in history

[4] Russia behind Litvinenko murder, rules European rights court – BBC News 

إشعاع الجسم الأسود

في البداية عندما نذكر مصطلح إشعاع الجسم الأسود قد يخطر على بالك كرة سوداء مشعة بطاقة عظيمة. حسناً ليس هذا بالضبط ما يشير إليه هذا المصطلح، حيث أن الجسم الأسود هو جسم وهمي مثالي يعمل على امتصاص الإشعاع الكهرومغناطيسي الساقط عليه. ويطلق هذه الطاقة على شكل إشعاع حراري يشمل كل الأطوال الموجية وذلك الإشعاع يتناسب مع حرارته.

ولفهم نظرية إشعاع الجسم يجب علينا توضيح بعض النقاط أولاً، مثل الطيف الكهرومغناطيسي، ونوع الأجسام من حيث الطاقة الصادرة عنها، وغيرها من الموضوعات المهمة التي سنذكرها في هذا المقال.

الطيف الكهرومغناطيسي

يتكون الطيف الكهرومغناطيسي من إشعاعات كهرومغناطيسية تحمل ترددات وأطوال موجية مختلفة، وتشترك فقط بالسرعة (٣٠٠,٠٠٠ كم/ث). ولكن مهلاً.. ما هو الإشعاع الكهرومغناطيسي؟ حسناً، الإشعاع الكهرومغناطيسي هو  نوع من أنواع الطاقة التي توجد حولنا بصورة كبيرة. ولها عدة أشكال، مثل: أشعة المايكروويف، والأشعة السينية، وأشعة جاما، حتى أن أشعة الشمس نوع من أنواع الإشعاع الكهرومغناطيسي. ويشكل الضوء المرئي جزء صغير جداً من الطيف الكهرومغناطيسي. تتكون هذه الإشعاعات نتيجة تعامد المجالين الكهربي والمغناطيسي. ويملك الشعاع الناتج خواص تكسبه طبيعته وهي الطول الموجي والتردد. ويوجد العديد من أنواع الإشعاعات الكهرومغناطيسية والتي تشكل مجتمعة الطيف الكهرومغناطيسي. [4]

الأجسام في الطبيعة

تنقسم الأجسام في الطبيعة من حيث الإشعاعات الصادرة عنها إلى قسمين. أجسام متوهجة، وأجسام غير متوهجة. الأجسام المتوهجة هي تلك الأجسام التي تفقد الطاقة على شكل ضوء مرئي وحرارة، مثل النجوم على سبيل المثال أو حتى ورقة مشتعلة. أما الأجسام غير المتوهجة فهي تلك الأجسام التي تفقد طاقتها على شكل صورة أخرى من صور الإشعاع الكهرومغناطيسي ( إشعاع حراري ) ويمكن رؤية ورصد هذه الإشعاعات الصادرة عن الأجسام غير المتوهجة باستخدام معدات خاصة مثل النظارات الحرارية. كما يمكن الكشف عنها أيضاً باستخدام الأشعة تحت الحمراء.

والآن وبعد أن فهمنا سريعًا الطيف الكهرومغناطيسي والجسم الأسود وأنواع المواد في الطبيعة، يمكننا فهم معضلة الجسم الأسود.

معضلة إشعاع الجسم الأسود في الفيزياء الكلاسيكية

في الواقع وضعت الفيزياء الكلاسيكية تفسيراً مرفوضاً لظاهرة إشعاع الجسم الأسود. وذلك لأن هذا التفسير تعارض مع قانون حفظ الطاقة الذي ينص على أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم. إذ قام مجموعة من العلماء بوضع معادلة تناسب الأطوال الموجية الكبيرة، ولكن عندما يتم تطبيقها على الأطوال الموجية القصيرة فإنها تعطي نتيجة منافية للواقع. حيث تقول بأن الأجسام تشع بشكل لا نهائي ولتتمكن من ذلك فإنها تحتاج إلى طاقة لا نهائية وهذا ما يخالف قانون حفظ الطاقة. [2] [3] والآن يمكننا البدء في نظرية إشعاع الجسم الأسود.

نظرية إشعاع الجسم الأسود

 لاحظ العلماء أن الأجسام الساخنة تطلق إشعاعات بمختلف الأطوال، وذلك باختلاف درجة حرارتها. فنحن نعتبر أن تلك الأجسام الساخنة والتي تشع بإشعاعات كهرومغناطيسية بعدة أطوال موجية وترددات مختلفة، هي أجساماً سوداء ( تطلق طاقة على شكل إشعاعات كهرومغناطيسية باختلاف درجة حرارتها ).
بدأ الأمر في بداية القرن العشرين، حيث كانت مسألة إشعاع الأجسام الساخنة تشغل الفيزيائيين وقتها. وكان من المعروف بأن الحرارة تسبب اهتزاز جزيئات وذرات المادة الصلبة. وقد قال ماكسويل بأن هذه الأجسام تطلق موجات كهرومغناطيسية بسرعة الضوء. أي أنه عند تسخين جسم غير متوهج، فإن الطاقة الناتجة عن اهتزاز جزيئات الجسيم تنطلق على شكل أمواج كهرومغناطيسية بأطوال موجية مختلفة.

ويجدر الإشارة إلى أن شدة الأمواج الصادرة عن الجسم تختلف باختلاف درجة حرارة الجسم والطول الموجي للموجة المنبعثة. ويمكن توضيح ذلك باستخدام منحنى بلانك.[1] [2] [3]

منحنى بلانك

مثّل العالم ماكس بلانك العلاقة بين شدة إشعاع الجسم الأسود والطول الموجي للموجات المنبعثة في هذا المخطط:

فعند تحليل هذا المنحنى نجد بأن الجسم الأسود لا يشع موجات ذات أطوال موجية كبيرة جداً أو صغيرة جداً، ونلحظ وجود علاقة طردية بين شدة الإشعاع ودرجة حرارة الجسم الأسود. حيث كلما زادت درجة الحرارة زادت شدة الإشعاع.

وعند زيادة درجة حرارة الجسم الأسود، تنخفض قيمة الطول الموجي للموجة التي يكون عندها أعلى شدة إشعاع. [3]

ولكن ماذا نستفيد من إشعاع الجسم الأسود؟ في الواقع تدخل هذه النظرية في الكثير من مجالات الحياة.

تطبيقات إشعاع الجسم الأسود في حياتنا اليوم

  • في الطب، حيث تدخل هذه التجربة في مجال علاج الأورام وعلوم الأجنة.
  • تدخل في الأجهزة العسكرية والأمنية، مثل أجهزة الرؤية الليلية والرؤية بالأشعة تحت الحمراء.
  • تدخل في الأبحاث والجرائم الجنائية، حيث يبقى الأثر الحراري للأجسام ( مثل الدم ) بعد إزالة أثرها لفترة.
  • كما تستخدتحديد الأماكن الغنية بالموارد الطبيعية وذلك بمسح سطح الأرض باستخدام الأشعة تحت الحمراء.[1]

المصادر

  1. Wikipedia
  2. Galilio.phys.virginia.org
  3. Hyperphysics.phy-astr.gsu.edu
  4. Livescience.com

ما هي أشباه الموصلات وتطبيقاتها؟

تعد أشباه الموصلات مواد توصيليتها للكهرباء ليست عالية كتلك التي في الموصلات ولا ضعيفة جدًا كتلك التي في المواد العازلة. ولكن بسببها قد تقوم حروب بين الدول ومجازر في أفريقيا. فما هي أشباه الموصلات وتطبيقاتها؟

تأثير أشباه الموصلات على الاقتصاد العالمي

تأسس عام 1987 الشركة التايوانية لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) والتي تستحوذ على حوالي 55% من سوق أشباه الموصلات في العالم. فالهيمنة التايوانية في صناعة أشباه الموصلات قد تكون من أهم الأسباب التي تمهد غزو الصين لتايوان [1]. بل وتسببت الصين في تهديد الأمن القومي البريطاني بعد سيطرتها على معظم شركات أشباه الموصلات في بريطانيا [2]. والأصعب من كل ذلك هو عمليات القتل والاغتصاب والسرقة في دول إفريقية مثل الكونغو للتنقيب غير الشرعي عن المواد التي تستخرج منها أشباه الموصلات. وقد تكون شركات كبرى، مثل Apple للهواتف وTesla للسيارات، مسؤولة عن تلك الكوارث في دول إفريقيا [3].

فما الضرورة القصوى التي تراها تلك الدول في أشباه الموصلات؟ هل هي بنفس أهمية البترول لتقوم بسببها مثل تلك الحروب؟ وهل هي بنفس قيمة الألماس كي يقتل بسببها أبرياء أفريقيا؟

أشباه الموصلات وخصائصها الفزيائية

يمكن تقسيم المواد في الطبيعة حسب توصيليتها الكهربية إلى مواد موصلة للكهرباء وشبه موصلة وعازلة. المواد الموصلة هي مواد تسمح بمرور التيار الكهربي بسهولة خلالها، أما المواد العازلة هي مواد لا يمر خلالها التيار الكهربي. وبين توصيلية المواد الموصلة والعازلة للكهرباء توجد المواد شبه الموصلة مثل السيليكون أو الجرمانيوم.

ولفهم تفاصيل اختلاف توصيل المواد للكهرباء يجب أن ننظر للتركيب الذري لتلك المواد. حيث تتكون المواد من نواة موجبة الشحنة تدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة، والإلكترونات هي الجسيمات المسؤولة عن التيار الكهربي. فهناك نوعان من الإلكترونات، إلكترونات التكافؤ وإلكترونات التوصيل. إلكترونات التكافؤ هي إلكترونات قريبة من النواة وحركتها ليست حرة وتكون في حيز يسمى منطقة التكافؤ. أما الإلكترونات الحرة هي بعيدة عن النواة وحرة الحركة وبالتالي هي المسؤولة عن مرور تيار كهربي لذلك فهي تقع في حيز يسمى حيز النقل.

كلما كانت الإلكترونات أقرب للنواة كانت طاقتها أقل، وبالتالي فإن مستويات التكافؤ أقل طاقة من مستويات النقل. في المواد العازلة مستويات النقل بعيدة جدًا عن مستويات التكافؤ، أي بينهما فجوة كبيرة. وبالتالي، تحتاج إلكترونات التكافؤ طاقة تساوي طاقة تلك الفجوة كي تعبر إلى مستويات النقل وتصبح إلكترونات حرة. أما في المواد الموصلة فلا وجود لتلك الفجوة حيث تتداخل مستويات التكافؤ مع مستويات النقل وبالتالي سهولة في حركة الإلكترونات داخل المواد الموصلة. أما المواد الشبه موصلة فالفجوة بين مستويات التكافؤ ومستويات النقل ليس ضخمة كتلك التي في العوازل وليس منعدمة مثل الموصلات.  [5] 

الفرق بين المواد العازلة وشبه الموصلة والموصلة

التأثير الكهروضوئية

حصل العالم ألبرت أينشتاين عام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء لتفسيره ظاهرة التأثير الكهروضوئي. تشرح الظاهرة الكهروضوئية كيفية انتقال إلكترونات من مستويات أقل في الطاقة إلى مستويات أعلى في الطاقة وذلك عن طريق سقوط ضوء (أو فوتونات وهي الجسيمات الكمومية من الضوء) على سطح مادة معينة. ومعنى ذلك أن إلكترونات التكافؤ في أشباه الموصلات إذا سقط عليها ضوء له طاقة تساوي طاقة الفجوة ستعبرها وتصبح إلكترونات نقل مسؤولة تعمل على نقل التيار الكهربي. [5]

وأصبح التأثير الكهروضوئي رائد في التكنولوجيا الحديثة حيث يستخدم في تطبيقات مثل الخلايا الشمسية. لذلك يسعى العلماء لتطويرها كي تكون بديل آمن للبترول وغيره باستخدام أشباه الموصلات.

تطعيم أشباه الموصلات بالشوائب لجعلها موصلة

تحتوي أي ذرة على مجموعة من المستويات التي يكون في كل منهم مجموعة من الإلكترونات. ولكي تكون أي ذرة مستقرة يجب أن يحتوي أخر مستوي إلكتروني لها على 8 إلكترونات. فمثلًا، عنصر السيليكون (Si) يحتوي أخر مستوى إلكتروني فيه على 4 إلكترونات وبالتالي فهي تحتاج أن ترتبط بأربع إلكترونات خارجيين كي تكون مستقرة. وبالتالي، نرى في بلورة السيليكون النقية (أي مجموعة من ذرات السيليكون مرتبطة ببعضها) ذرة السيليكون ترتبط بأربع ذرات سيليكون في كل اتجاه وبالتالي يصبح مجموع إلكتروناتها الخارجية 8 إلكترونات.

بلورة السليكون النقية

ولكي تصبح تلك البلورة موصلة للكهرباء فإنها تحتاج لتعديل بسيط. وذلك بتبديل ذرة سيليكون بذرة يحتوي أخر مستوى فيها على خمس إلكترونات مثل الزرنيخ (As). وبالتالي فإن إلكترونات الزرنيخ سترتبط بأربع روابط سيليكون وسيبقي إلكترون حر دون أن يرتبط ويصبح ذلك الإلكترون هو المسؤول عن التوصيل الكهربي. وتسمى بلورة شبه الموصل المطعمة بذلك النوع من التطعيم ب (n-type) أو النوع السالب.

بلورة سليكون مطعمة بشائبة زرنيخ

أما النوع الأخر من التطعيم هو النوع الموجب P-type. وفي ذلك النوع تطعم البلورة بذرة لها ثلاث إلكترونات فقط في المستوى الأخير كذرة البورون (B). حيث ترتبط إلكترونات البورون الثلاثة بثلاث روابط فقط من السليكون وتبقي الرابطة الرابعة ناقصة وكأن بها فجوة موجبة الشحنة. وبالتالي فالفرق بين أشباه الموصلات من النوع السالب والموجب هو: احتواء النوع السالب على إلكترون سال حر أما النوع الموجب يحتوي على فجوة موجبة حرة.

تطعيم بلورة سيليكون بشائبة من البورون

أشباه الموصلات في الإلكترونيات الحديثة

توصيل البلورة الموجبة مع البلورة السالبة يعطينا تركيبة مهمة جدًا تسمى الوصلة الثنائية PN Junction. يتصل الجزئين ببعضهما ويتكون بينهما منطقة تسمى منطقة النضوب وهي متعادلة الشحنة وتمنع مرور الإلكترونات لمنطقة الفجوات والعكس.

الوصلة الثنائية

عند توصيل الوصلة الثنائية ببطارية بحيث يكون طرف البطارية السالب مع طرف الوصلة السالب ويكون طرف البطارية الموجب مع طرف الوصلة الموجب. في تلك الحالة تتنافر إلكترونات الجزء السالب من الوصلة نحو منطقة النضوب بعيدًا عن طرب البطارية السالب وكذلك الطرف الموجب من الوصلة. وبتلك الطريقة تقل مساحة منطقة النضوب وتستطيع الإلكترونات المرور لمنطقة الفجوات والعكس للفجوات وبالتالي يمر تيار كهربي في تلك الدائرة.

التوصيل الأمامي للوصلة الثنائية

أما عند عكس طرفي البطارية، ستعكس العملية بالكامل. ستنجذب إلكترونات الطرف السالب من الوصلة نحو طرف البطارية الموجب وكذلك بالنسبة لطرف الوصلة الموجب مع طرف البطارية السالب. وبذلك ستزيد مساحة منطقة النضوب وتصعب عملية مرور الإلكترونات لمنطقة الفجوات وبالتالي لا يمر تيار في تلك الدائرة.

التوصيل العكسي للوصلة الثنائية

وبذلك قد تحكمنا في مرور التيار الكهربي في الدائرة عن طريق الوصلة الثنائية. والوصلة الثنائية هي أساس الإلكترونيات الحديثة حيث إن فكرة عملها طورت معظم الإلكترونيات المستخدمة حاليًا. مثلا، الدايود بكل أنواعه والترانزستور وغيرهم من مكونات الدوائر الإلكترونية كلها قائمة على فكرة عمل الوصلة الثنائية. [6]

في النهاية فإن هاتفك أو جهاز الحاسوب أو حتى تقنية معينة في سيارتك، كل ذلك يعتمد على أشباه الموصلات. فالدولة التي تتحكم في سوق أشباه الموصلات ستتحكم في كل التكنولوجيا الحديثة حاليًا ومستقبلًا. وعلى الرغم من كل ما ستشهده البشرية من تطور بسبب أشباه الموصلات، فإن ضريبتها أرواح الأبرياء وحروب متوقعة بين الدول.    

المصادر

[1] Will China invade Taiwan?

[2] Semiconductors: Chinese takeover of UK’s leading chipmaker doesn’t need a security review – here’s why

[3] Blood minerals are electronics industry’s dirty secret

[4] Valence band

[5] Photoelectric Effect: Explanation & Applications

[6] PN Junction Diode

Exit mobile version