ما هي القدم السكري وكيف نتجنب الإصابة بها؟

تحتاج السيارة إلى وقود لتتحرك، وتحتاج المروحة إلى الكهرباء كي تعمل. وكما كل الأشياء تحتاج إلى مصدر للطاقة لتقوم بوظائفها فإن جسم الإنسان أيضًا يحتاج إلى الطاقة كي يقوم بأبسط الوظائف، كرفع الكأس عن الطاولة أو حتى التنفس. ويعد «الجلوكوز- Glucose»، الذي هو نوع من أنواع السكر، مصدر الطاقة الأساسي للخلايا لتقوم بوظائفها. يقوم هرمون يُدعى «الأنسولين – Insulin» بتنظيم عملية دخول سكر الجلوكوز إلى الخلايا، ويعمل على تنظيم مستويات السكر في الدم. ويحدث مرض السكري عندما يعجز الجسم عن إفراز هرمون الأنسولين، وهذا ما يعرف بالنوع الأول من مرض السكري. أما النوع الثاني من مرض السكري فيحدث عند عدم قدرة الأنسولين الذي أفرزته الخلايا على تنظيم دخول سكر الجلوكوز إلى الخلايا. وفي كلتا الحالتين فإن نسبة السكر سترتفع في الدم.

كيف يؤثر السكري في القدم؟

يتسبب مرض السكري في تغيرات عديدة في الجسم، وسنركز في هذا المقال على التغيرات التي تصيب القدمين. إذ تظهر على قدم المصاب بالسكري العديد من المشكلات الناجمة عن مرض السكري نفسه أو عن المضاعفات المرافقة له. وتعرف هذه المشكلات باسم القدم السكري. وتعد القدم السكري من أكثر المشكلات شيوعًا والتي تصيب مرضى السكري وأحد أكثر الأسباب التي تُلزم المريض دخول المستشفى. ويشمل مصطلح القدم السكري بحسب الجمعية الأمريكية للسكري العديد من المشاكل منها:

«الاعتلال العصبي السكري الطرفي – Diabetic Peripheral Neuropathy»

يُقصد به تلف الأعصاب في القدمين، حيث يشعر المريض بالخدر والتنميل. وعلى الرغم من ذلك إلا أن تلف الأعصاب يُقلل من قدرة المريض على الشعور بالألم والحرارة والبرودة. ويؤثر تلف الأعصاب في القدمين بعدة طرق:

  1. التغير في شكل القدم أو أصابع القدم، حيث يتسبب غياب شعور المريض بالألم في إمكانية تحمّيله الوزن على جزء معين من قدمه أكثر من الأجزاء الأخرى. كأن يرتدي حذاء غير مناسب يضغط على جزء من قدمه دون أن يشعر. بالتالي تتغير شكل القدم أو الأصابع دون أن يشعر.
  2. جفاف القدم وتشقق الجلد بسبب تأثير تلف الأعصاب على قدرة الجسم على التحكم في إفرازاته المرطبة للقدم.
  3. يتسبب عدم شعور المريض بالألم في عدم شعوره بالإصابات أو الجروح التي قد تحدث. بالتالي لا يتنبه للجروح، مما قد يؤدي إلى تفاقم هذه الجروح وتحولها إلى قرح مزمنة.

ضعف في الدورة الدموية وتدفق الدم

يتسبب مرض السكري في تضيق وتصلب الأوعية الدموية في القدم مما يجعلها أقل قدرة على مقاومة العدوى والشفاء.

«تقرح القدم السكري – Diabetic Foot Ulcers»

يُقصد بالتقرح، الجرح العميق والمكشوف الذي يصل إلى الأنسجة الداخلية. ويُقدر خطر إصابة المريض بتقرح القدم خلال حياته مع مرض السكري بـ 25٪ [2]. ويحدث تقرح القدم نتيجة لتلف الأعصاب في القدمين، إذ أن الجروح والإصابات قد تصيب مريض السكري دون شعوره أو الانتباه لها. ومع ضعف التروية وتدفق الدم إلى القدم، فإن علاج هذه الجروح والتئامها يحتاج إلى وقت طويل. وفي حال لم ينتبه المريض إلى هذه الجروح، ومع استمراريته بالمشي عليها أو ارتداء الأحذية، تتحول هذه الجروح إلى قرح مكشوفة عميقة معرضة للبكتيريا والالتهابات. وقد تصل العدوى إلى العظام ما يجعل القدم معرضة للبتر.

بتر القدم

وفقًا للإحصائيات العالمية يُقدر أن أكثر من مليون شخص من مرضى السكري يحتاجون إلى بتر أطرافهم كل عام، ونظرًا إلى أن غالبية عمليات بتر الأطراف في مرضى السكري يسبقها تقرح في القدم، فإنه يمكن منع عملية البتر من خلال العناية بالقدم.[2][3] وليست التقرحات وحدها التي تعتبر سببًا لبتر القدم، حيث يعتبر اعتلال الأوعية الدموية أيضًا سببًا أساسيًا لبتر القدم.

القدم السكري من نظرة اجتماعية

تؤثر البيئة الاجتماعية في التعامل مع الحالات المرضية غالبًا، حيث تختلف نظرة الأفراد في تلقي العلاج باختلاف الثقافة السائدة والمستوى التعليمي وحتى المستوى الاقتصادي. فجميعها عوامل تؤثر في الانتباه وعلاج القدم السكري أو حتى الحد من المضاعفات.

الوضع الاقتصادي الاجتماعي

ترتفع معدلات حدوث مضاعفات القدم السكري عند الأفراد ذوو الوضع الاقتصادي المتدني، بسبب عدم تمتعهم برفاهية الحياة الصحية والعناية. كما تنخفض قدرتهم على الوصول إلى العلاج، ويتخلفون غالبًا عن مراجعة الطبيب، ومراقبة الحالة الصحية للقدمين. وبالتالي فإن فرصة تطور مضاعفات القدم السكري أكبر عندهم.

نوع الجنس – Gender Variable

أظهرت العديد من الدراسات أن نوع الجنس يؤثر على تطور القدم السكري. فعلى الرغم من أن نسبة النساء هي الأكبر في الإصابة بمرض السكري إلا أن الذكور هم الأكثر عرضة للإصابة بالقدم السكري ومضاعفاتها. وقد يعزى السبب في ذلك الارتفاع بين الذكور إلى زيادة الجهد البدني المبذول عند الذكور. [4] كما يعد الذكور أكثر عرضة لبتر الأطراف لأن نسبة الإصابة باعتلال الأوعية الدموية أعلى عندهم منها عند وهو ما يشكّل عامل خطر لبتر القدم.

وهناك عوامل أخرى تؤثر بظهور مضاعفات القدم السكري حسب نوع الجنس بناءً على الثقافة المجتمعية. ففي السعودية مثلًا، وُجد أن تقرحات القدم السكري عند النساء أكبر حجمًا وغير معالجة، وقد يرجع السبب في ذلك إلى القيود يفرضها المجتمع على النساء تؤثر سلبًا على جودة الحياة الصحية، وتحد من إمكانية وصولهنَ لتلقي العلاج والرعاية اللازمين. [4]

في مثال آخر عن تأثير الثقافة المجتمعية في تلقي العلاج، وُجد أن وصول الرجال إلى الخدمات الصحية أقل مقارنة بالنساء لأنهم يعتقدون أن لديهم وقتًا أقل لصحتهم. [5]

الآثار الاجتماعية والنفسية للقدم السكري

لمضاعفات القدم السكري آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية خطيرة على كلٍ من الأفرادِ المتضررين والقائمين على رعايتهم. وتتناسب هذه الآثار طرديًا مع شدة المضاعفات، فمثلًا يؤثر الاعتلال العصبي السكري في جميع جوانب الحياة. وفي المقام الأول يؤدي إلى انخفاض في القدرة على الحركة، ويترتب على ذلك الحاجة إلى التكيّف مع أسلوب الحياة الجديد. [5]

تظهر علامات اكتئاب وقلق عند مرضى السكري عامًة وعند الذين يعانون من القدم السكري خاصًة. وتزداد نسبة التعرض للاكتئاب بين الذين خاضوا عملية البتر، حيث يواجهون صعوبة في التأقلم مع الصورة الجديدة للجسم والتغيرات المرافقة لها مثل صعوبة الحركة وتغير في نمط الحياة ككل. لذا فالمعرضون للبتر هم الأشد عرضة للحزن والوحدة. وهنا يأتي دور العائلة ومقدمي الرعاية، حيث ينعكس الدعم النفسي والاجتماعي إيجابًا على هؤلاء المرضى، وتزيد نسبة تقبلهم لأنفسهم مع ازدياد الدعم لهم. لذا من المهم أيضًا زيادة الوعي المجتمعي بمرض السكري ومشكلات القدم السكري والوعي بمراحله المرضية والعلاجية.

الوقاية

يمكن تجنب العديد من مشاكل القدم السكري من خلال تقديم الرعاية الكافية والمناسبة. ويعد العامل الأساسي والأهم لتجنب المضاعفات هو تثقيف مريض السكري وتعليمه كيف يمنع هذه المضاعفات قدر المستطاع. فبالإضافة إلى مراقبة نسبة السكر في الدم، يلزم مريض السكري مراقبة ضغط الدم ومحاولة تحسين نمط الحياة اليومي من خلال زيادة التمرينات والتخلص من الوزن الزائد والإقلاع عن التدخين. فالوقاية من مشاكل القدم أمر ضروري للأشخاص الذين يعانون من مرض السكري. ويجب أن يكون الشخص يقظًا بشأن صحة القدمين ونظافتهما. وفيما يلي أهم النصائح للعناية بالقدمين:

  1. فحص القدمين يوميًا من قبل المريض أو من يرعاه، للتحقق من أي تغييرات أو إصابات.
  2. غسل القدمين يوميًا، فنظافة القدمين تمنع الالتهابات.
  3. ارتداء أحذية وجوارب داعمة، لحماية القدمين في كل الأوقات، وقد يوصي الطبيب بأحذية خاصة للمساعدة في توزيع الوزن بالتساوي ومنع التشوهات من خلال حماية العظام.
  4. تعزيز تدفق الدم إلى القدمين عن طريق رفع القدمين عند الجلوس أو ممارسة تمرين بسيط.
  5. تقليم الأظافر بعناية، حيث تُقص أظافر القدم بشكل مستقيم. فالأظافر المستديرة يمكن أن تنمو إلى الداخل، مما يؤدي إلى الإصابة بالتهاب.
  6. الالتزام بفحوصات منتظمة للقدمين عند الطبيب، فهي المفتاح للوقاية من الالتهابات وبتر الأطراف والتشوهات الشديدة.

المصادر

  1. Diabetic Foot Problems: Symptoms, Treatment, and Care (webmd.com)
  2. An Overview of Diabetic Foot Ulcers and Associated Problems with Special Emphasis on Treatments with Antimicrobials – PMC (nih.gov)
  3. Foot Complications | ADA (diabetes.org)
  4. Diabetic Foot | Encyclopedia MDPI
  5. Diabetic foot ulcers: a quality of life issue – Vileikyte – 2001 – Diabetes/Metabolism Research and Reviews – Wiley Online Library
  6. Diabetes and Peripheral Nerve Disease – Clinics in Geriatric Medicine (theclinics.com)

أنظمة إيصال الدواء النانوية قادرة على تحقيق ثورة طبية!

أصبح علم النانو نعمة للبشرية من خلال ما يقدمه من مزايا وخاصة في مجال الطب. حيث أدى التقدم الكبير في هذا المجال لتحفيز التفكير لابتكار آلية فعالة لمحاربة الأمراض والاضطرابات الصحية المزمنة. وقد استُخدم طب النانو لتطوير أنظمة إيصال للدواء تستخدم مع مجموعات كبيرة من الأمراض. فما هي أنظمة إيصال الدواء النانوية؟ وما الهدف منها؟ وما هي تطبيقاتها؟

ما هي أنظمة إيصال الدواء النانوية؟

تعد أنظمة إيصال الدواء النانوية علمًا جديدًا وسريع التطور لعلاج الأمراض المختلفة. حيث تستخدم مواد نانوية صغيرة لإيصال الأدوية وعلاج الأمراض في المناطق المستهدفة بطريقة مدروسة وخاضعة للرقابة. ويتم في هذه الأنظمة دمج الأدوية في هيكل الجسيم النانوي أو يربط الدواء مع سطح الجسيم النانوي.

تعمل الجسيمات النانوية المستخدمة كوسيلة لتوصيل للأدوية عمومًا أقل من 100 نانومتر. وتتكون من مواد مختلفة قابلة للتحلل الحيوي مثل البوليمرات الطبيعية أو الاصطناعية أو الدهون أو المعادن. وأكثر الجسيمات النانوية أهمية هي الجسيمات الشحمية، واتحادات البوليمر، والجسيمات النانوية المعدنية (على سبيل المثال ، AuNPs)، وغيرها. ويتم امتصاص الجزيئات النانوية بواسطة الخلايا بشكل أكثر كفاءة من الجزيئات الدقيقة الأكبر، وبالتالي يمكن استخدامها كنظم نقل وإيصال فعّالة.

ما هي الحاجة إلى تقنيات إيصال الدواء النانوية؟

يؤدي رش الحديقة بالمبيدات الكيماوية لموت الأعشاب الضارة، ولكن تُُقتل معها الزهور الجميلة. هذا نفس ما تفعله جرعات الكيماوي المستخدمة في علاج السرطانات، فعند إطلاقها بشكل حر في الجسم تقوم بقتل الخلايا السرطانية الضارة والخلايا السليمة. كما أن إطلاقها بشكل حر هكذا في الجسم يؤدي لتحلل الجرعة في الجسم، فتصل مخففة وضعيفة للكتلة السرطانية. يؤدي ذلك إلى الحاجة لجرعات أكبر، وكذلك تواتر أكثر من الجرعات مما يؤدي لمزيد من الضرر.

من هذا المثال نستنتج الحاجة الماسة لإنشاء جسيمات نانوية محملة بعلاجات محددة ولها أهداف دقيقة معروفة. مما يحسّن من خصائص العلاجات الدوائية ويزيد من ثباتها ضمن الجسم وتوزعها البيولوجي وقابليتها للذوبان. والأهم من ذلك هو إطلاق جرعات أعلى من الدواء في الموقع المستهدف. وتتمثل الفائدة الأساسية من هذه الأنظمة في تقليل الآثار الضارة للأدوية التقليدية. كما تقلل من كمية الجرعة المستخدمة، وتحسّن من امتصاص الخلايا المستهدفة للدواء المرسل. وتتيح إمكانية عبور الحواجز البيولوجية وتقليل سمية الدواء الحر للخلايا غير المستهدفة. وسيؤدي كل ذلك لزيادة فعالية ونجاح العلاج المقدم. كما ستزيد المدة بين الجرعات، مما يؤدي لفعالية علاجية كبيرة (على سبيل المثال استهدافالخلايا السرطانية).

طرق إيصال الدواء باستخدام الجسيمات النانوية

عن طريق الفم

يعتبر الطريق الفموي أشهر الطرق استخدامًا، وأكثرها ملاءمة وأمان وسلامة. نظرًا لسهولة استخدامها وقبول المريض لها. كما أن طرق تصنيعها غير مكلفة وأرخص في الإنتاج. وتستحب الطريقة الفموية بسبب طبيعتها غير الغازية، حيث يقدم المسار الفموي ميزة تجنب الألم وعدم الراحة المرتبطة بالحقن والتلوث.

فمثلا، يجب أن تقاوم الأدوية النشطة بيولوجيًا مثل الببتيدات والبروتينات بيئات المعدة والأمعاء. لذلك لا تتوافر الببتيدات والبروتينات دوائيًا بشكل فموي. يرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض نفاذية الغشاء المخاطي لها، وعدم الاستقرار في بيئة الجهاز الهضمي. مما يؤدي إلى تدهور المركب قبل امتصاصه. ركزت العديد من الدراسات ولسنوات عديدة على تحسين توصيل الببتيدات العلاجية والبروتينات عن طريق الفم. وهكذا تم تطوير استراتيجيات مختلفة لتعزيز إعطاء الدواء واللقاحات عن طريق الفم. لذلك يؤدي ارتباطهم بحاملات غروية مثل الجسيمات النانوية البوليمرية كأحد الأساليب العديدة المقترحة إلى تحسين التوافر البيولوجي عن طريق الفم.

الأنسولين هو الدواء الأكثر فعالية في خفض مستوى الجلوكوز في الدم لعلاج داء السكري. ومن المعروف بالطبع أن حقن الإنسولين واحدة من أشهر العقاقير للتعامل مع السكري. وقد وجدت الدراسات أن للإدخال المبكر للأنسولين قدرة على حماية الجزر الفارزة للإنسولين من موت الخلايا المبرمج، وبالتالي زيادة تجديد خلايا β في مرض السكري من النوع 2. وقد بقيت حقن الأنسولين تحت الجلد هي الطريقة السائدة لتعاطي مرضى السكري للإنسولين، ولكنها غالبًا ما تؤدي إلى ضعف استجابة المريض. ويبدو أن إعطاء الأنسولين عن طريق الفم سيكون الطريقة الأكثر ملاءمة ويمكن أن يحاكي الإنتاج الداخلي للأنسولين. ومع ذلك فإن تركيبة الأنسولين الموثوقة للإعطاء عن طريق الفم تواجه بعض العوائق في الجهاز الهضمي مثل التحلل الأنزيمي في الجهاز الهضمي وضعف نفاذية الأنسولين من خلال نظام الجهاز الهضمي. ولكن يمكن عن طريق النظم النانوية التغلب على تلك المشاكل.

عن طريق الحقن

ظهرت حقن الجسيمات النانوية في بداية التسعينيات كنظام جديد لتوصيل الأدوية الغروية مع مزايا مثل عدم السمية والتوافق الحيوي الممتاز. والتطبيق بالحقن هو مجال واسع، حيث يمكن استخدام الحقن تحت الجلد وداخل الصفاق وداخل المفصل. كما يعتبر الحقن في الوريد أمراً جذاباً للمرضى. وبعد إعطاء حقن الجسيمات النانوية في الجسم الحي، يمكن للدم توزيعها على جميع أعضاء وأنسجة الجسم. كما يمكن للجسيمات النانوية الدهنية الصلبة أن تحمي الدواء المدمج من التحلل الكيميائي في البيئات المختلفة قبل وصولها للهدف بفضل تصميمها المتماسك.

التطبيق الموضعي كالكريمات والمراهم

يسمح التطبيق الموضعي باستخدام دواء قوي نسبيًا مع حد أدنى من مخاطر السمية. حيث يتميز المسار عبر الجلد لتوصيل الدواء بمزايا فريدة من نوعها، حيث يتجاوز الدواء عملية التمثيل الغذائي الأول ويصل إلى الدورة الدموية الجهازية مباشرة. كل هذا يؤدي إلى تعزيز التزام المريض خاصة عند الحاجة إلى علاج طويل الأمد كما هو الحال في علاج الآلام المزمنة وعلاج الإقلاع عن التدخين. ويتضمن التوصيل عبر الجلد تطبيق مركب فعال دوائيًا على سطح الجلد لتحقيق مستويات امتصاص الدم العلاجية لعلاج الأمراض البعيدة عن موقع التطبيق.

ومنذ الموافقة على Transderm-Scop، كأول نظام لتوصيل الأدوية عبر الجلد (TDDS) في عام 1981 ، تفجرت الأبحاث في هذا المجال. وظهرت مجموعة متنوعة من الحالات السريرية المناسبة لتطبيق تلك الطريقة السهلة. حيث يوفر تطبيق اللصقات غير المؤلم وغير الجراحي والصديق للمريض وسيلة مناسبة ومريحة له. كما يسهل إزالة اللصقات في حالة فرط أنسولين الدم مثلا.

ومن أجل تحسين الانتشار الموضعي للعلاجات، كان المسار الموضعي أحد أكثر خيارات التوصيل غير الغازية الواعدة. أدى ذلك إلى تحسين تجاوب المريض. كما أدى إلى تحسين الديناميكية الدوائية للمركبات القابلة للتحلل وتقليل الآثار الجانبية التي تحدث بشكل متكرر. ومع ذلك لا تزال الطرق الموضعية للدواء تواجه تحديًا في المستحضرات الصيدلانية بسبب الصعوبات في ضبط اختراق الجلد، وتحديد وإعادة إنتاج الكمية الدقيقة من الدواء الذي يصل إلى الطبقات بالعمق المطلوب.

عن طريق الأنف والرئة

يوفر توصيل الدواء من خلال المسار الرئوي العديد من المزايا مثل زيادة التركيز الموضعي للدواء في الرئتين، وتحسين عمل المستقبلات الرئوية. كما تزيد من الامتصاص بسبب مساحة السطح الشاسعة والجرعة المنخفضة والتوصيل الموضعي والجهازي للدواء وتقليل الآثار العكسية الجهازية.

 ومع ذلك، لا يزال توصيل الدواء من خلال المسار الرئوي يواجه تحديات أيضًا، مثل الإزالة المخاطية الهدبية، والبلعمة بواسطة البلاعم السنخية، والتي يمكن أن تسبب تدهور الدواء في موقع الامتصاص. وتذوب الجزيئات الكبيرة في سائل القصبات الهوائية (BALF) وتنتشر عبر الظهارة السنخية، حيث يمكن أن يتسبب وجود البلاعم السنخية هنا في تدهور تركيزات الدواء مما يؤدي إلى انخفاض التوافر البيولوجي. وبالتناوب، تمتص الجزيئات الصغيرة بسرعة من خلال ظهارة الرئة والتي يمكن أن تكون مفيدة للإفراز الفوري، ولكنها قد لا تفيد في الإطلاق المستمر. كلتا الحالتين ستنتهي بزيادة وتيرة الجرعات، مما قد يؤدي إلى صعوبة تعاطي العلاج.

درس العلماء التعاطي عن طريق الأنف بسبب سهولة الوصول إليه وطبيعته غير الغازية. كما يسمح مسار الأنف بالتوصيل الموضعي إلى الجهاز التنفسي العلوي (أي منطقة الأنف والأنسجة الأنفية وسوائل الأنف). ويسمح الأنف أيضًا بالتوصيل الدموي وإيصال الأدوية للجهاز العصبي المركزي بسبب مساحة السطح الكبيرة وطبيعة الأوعية الدموية الكثيفة في تجويف الأنف والوصول المباشر إلى منطقة حاسة الشم. وقد أظهر تعاطي الدواء عن طريق الأنف نجاحًا على مر السنين. مما يسمح بتجنب تأثير المرور الأول، وتقليل الآثار الجانبية الجهازية وتجاوز الحاجز الدموي الدماغي (BBB) ​​وزيادة التوافر البيولوجي.

إن توصيل الأدوية الموصلة عن طريق الأنف له أهمية كبيرة محتملة فيما يتعلق بنقل الأدوية مباشرة إلى الدماغ عبر منطقة الشم. فأثبتت الجسيمات النانوية PLGA فعاليتها في توصيل عامل نمو الأرومة الليفية الأساسي (bFGF) مباشرةً إلى الدماغ والمستخدم لعلاج مرض ألزهايمر. كما يمكن أن يكون خيارًا علاجيًا أفضل حتى بالمقارنة مع تعاطي الدواء الحر و/أو الجسيمات النانوية المحملة بالدواء.

وقد تم تطوير الجسيمات النانوية لإنتاج لقاحات على شكل قطرات أنفية بسيطة. وبالتالي يمكن استخدام لقاحات الأنف في المناطق الفقيرة أو الريفية حيث يوجد نقص في عاملي الرعاية الصحية الضروريين لحقن اللقاحات بطرق آمنة.

نظم الإيصال المزروعة (الغرسات)

تعمل الغرسة في الموقع المستهدف بشكل أساسي على توصيل جرعة الدواء من الخزان الخارجي إلى الموقع المستهدف. وقد تحتوي على وظائف أخرى مثل الاستشعار والتحكم في التدفق. ويحتوي الخزان الخارجي على مضخة أو آلية تمكنه من توصيل الدواء إلى الغرسة في الموقع المستهدف عبر قسطرة متصلة بين الجزئين. وقد ظهر هذا النهج لعلاج داء السكري خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يوجد خزان مضخة الأنسولين في المنطقة تحت الجلد للمريض بدلاً من زرعها في الموقع المستهدف. مما يتيح لها الحصول على المزيد من الأدوية المتاحة للعلاج.

تطبيقات إيصال الدواء

في الوقت الحاضر يطبق طب النانو في أنظمة توصيل الأدوية لعلاج العديد من الأمراض بما في ذلك السرطان والاضطرابات التنكسية العصبية والسكري والأمراض المعدية.

لعلاج السرطان

منذ اكتشافه يعتبر العلاج الكيميائي هو العلاج الأكثر فعالية لعلاج جميع أنواع السرطانات. وفي الوقت الحاضر، يتم استخدامه قبل كل شيء في الحالات المتقدمة من المرض. ومع ذلك فإن الانتقائية الضعيفة للعلاج الكيميائي ضد الأنسجة تؤدي إلى تدمير الأنسجة السليمة. وتزداد أهمية هذه الآثار الجانبية عندما يكون من الضروري زيادة جرعات الدواء من أجل توفير تركيز مناسب في منطقة الورم. لهذا السبب تمثل تقنية النانو القائمة على أنظمة التوصيل بديلاً محتملاً لإحداث تأثير كبير في علاج السرطان.

خلال العقدين الماضيين، تمت دراسة أنظمة إيصال الدواء النانوية لعلاج السرطان. وتمت الموافقة على بعضها بالفعل من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لإعطائها للمرضى. وما زال البعض الآخر قيد الدراسات ما قبل السريرية. وتتمثل المزايا الرئيسية لاستخدام أنظمة توصيل الأدوية الدقيقة النانوية في انتقائيتها العالية ضد الخلايا السرطانية التي تقلل إلى حد كبير الآثار الجانبية السامة لعوامل العلاج الكيميائي (مثل السمية الكلوية، والسمية العصبية، والسمية القلبية، وما إلى ذلك). بالإضافة إلى سماحها بتقليل كمية الدواء الذي يتم تناوله لأن حبسه في حامل النانو يحسن من استقرار الدواء، مما يساهم أيضًا في تقليل التأثيرات السامة في الأنسجة السليمة. وتتنوع أنظمة توصيل الأدوية للتطبيقات المضادة للسرطان بين جسيمات شحمية، وجسيمات نانوية بوليمرية، وجسيمات نانوية غير عضوية/المعدنية أو جسيمات نانوية بكتيرية، وغيرها.

لعلاج ألزهايمر

التحدي الأكثر صعوبة الذي يجب على علاج ألزهايمر مواجهته هو عبور الحاجز الدموي الدماغي (BBB). حيث يمنح ذلك الحاجز الجهاز العصبي المركزي (CNS) حيزًا مناعيًا متميزًا، ويمكن تحقيق ذلك العبور باستخدام الجسيمات النانوية. لكن ما زالت المواد المعالجة لألزهايمر غير مكتشفة بعد بسبب التعقيد الهائل للمرض.

لعلاج السكري

أحد أهداف الطب النانوي المطبق على مرضى السكري هو تقليل تواتر الحقن عن طريق استخدام صيغة الجسيمات النانوية طويلة المفعول للأدوية المضادة لمرض السكر. وقد يصبح إعطاء الأنسولين عن طريق الفم الشكل الأكثر تفضيلاً للأدوية المزمنة. ومع ذلك تقلل الحواجز الفيزيائية والكيميائية الحيوية في الجهاز الهضمي من فعاليته. ومن المتوقع أن يؤدي تطبيق أنظمة إيصال الدواء النانوية إلى تحقيق وصول الأدوية سليمة إلى الموقع المستهدف.

نشهد، مع تطور تقنيات النانو، ثورة في تركيب الأدوية بحق، حيث يعد طب النانو بالحل لمشكلة توصيل الدواء إلى خلايا بعينها، وتسهيل انتقال الأدوية عبر الحواجز المختلفة في الجسم بسهولة. وكما رأينا، تمتلك الجسيمات النانوية إمكانات هائلة كنظام فعال لتوصيل الأدوية في حالات الالتهاب والسرطان. ولكن لا تزال هناك حاجة إلى فهم أكبر للآليات المختلفة للتفاعلات البيولوجية وهندسة الجسيمات.

المراجع

jnanobiotechnology

pdfdrive.com: drug delivery approaches and nanosystems

الهبات الساخنة وكيف تتعاملين معها؟

بمجرد وصول المرأة إلى سن اليأس، يبدأ الشعور بالهبات الساخنة الذي قد يستمر لمدة 6 أشهر إلى 5 سنوات. ولدى بعض النساء قد تصل لمدة 10 سنوات أو حتى أكثر، ووفقًا لجمعية سن اليأس في أمريكا الشمالية (NAMS). فما هي الهبات الساخنة وكيف تتعاملين معها ؟

اثنتان من الشكاوى الأكثر شيوعًا حول انقطاع الطمث هما الهبات الساخنة والتعرق الليلي. إذ تعاني أكثر من ثلثي النساء في أمريكا الشمالية من هذه الأعراض. كما أنها تؤثر على النساء اللائي يدخلن سن اليأس بعد العلاج الكيميائي أو الجراحة لإزالة المبايض.

ما هي الهبات الساخنة؟

شعور مفاجئ بالحرارة الشديدة، مصدرها ليس خارجي. قد تكون مرتبطة بتغيرات في الدورة الدموية، تبدأ باتساع في الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد لتبرد. مما يجعلك تتعرقين وخاصة الجزء العلوي من الجسم، يصاحبه الشعور بالدفء في البشرة، واحمرار في الوجه والرقبة.
تعاني بعض النساء من تسارع في معدل ضربات القلب أو قشعريرة أيضًا. وقد تحدث أثناء النوم، وهنا تسمى تعرق ليلي، وهي تصعب من الحصول على قسط الراحة الكافي.

كم من الوقت تدوم الهبات الساخنة؟

بينما تزول بعض الهبات الساخنة بعد بضع ثوانٍ، قد تستمر أخرى لأكثر من 10 دقائق. في المتوسط، تستمر الهبات الساخنة حوالي أربع دقائق. كما يختلف تواتر الهبات أيضًا. إذ تعاني بعض النساء من بضع هبات ساخنة أسبوعيًا، بينما قد تتعرض أخريات لعدة هبات في الساعة. حوالي 2 من كل 10 نساء لا يصبن بهبات ساخنة أبدًا، وقد تلازم أخريات لمدة 11 عامًا أو أكثر. في المتوسط، تصاب النساء بهبات ساخنة أو تعرق ليلي لمدة 7 سنوات.

ما الذي يسبب الهبات الساخنة؟

هناك دليل واضح على أن الهبات الساخنة تنتج عن تغيرات هرمونية في الجسم. كما تجري دراسة لتوضيح علاقتها بالمشاكل الصحية الأخرى، مثل مرض السكري. يُعتقد أن السمنة ومتلازمة التمثيل الغذائي تزيد من حدوث الهبات الساخنة. هناك بعض المحفزات تجعل من الهبات أكثر تواتر أو أكثر حدة، سأذكر الشائع منها:

  • شرب الكحول.
  • استهلاك المنتجات التي تحتوي على الكافيين.
  • تناول الأطعمة الحارة.
  • التواجد في غرفة ساخنة.
  • الشعور بالتوتر أو القلق.
  • ارتداء ملابس ضيقة التدخين أو التعرض لدخان السجائر.

تغير نمط الحياة

قبل البدء في تناول الدواء، حاولي أولًا إجراء تغييرات على نمط حياتك.

  • استخدمي المراوح أثناء النهار.
  • ارتدي ملابس خفيفة الوزن فضفاضة مصنوعة من القطن.
  • جربي التنفس البطني العميق والبطيء (من 6 إلى 8 أنفاس في الدقيقة). ممارسة التنفس العميق لمدة 15 دقيقة في الصباح، و 15 دقيقة في المساء، وعندما تبدأ الهبات الساخنة.
  • تمرني يوميًا كالمشي والسباحة وركوب الدراجات والرقص، جميعها خيارات جيدة.
  • قللي درجات الحرارة بمحيط تواجدك، واشربي الماء البارد عند بداية الشعور بالهبات الساخنة.
  • تجنبي الكحوليات والأطعمة الغنية بالتوابل والكافيين. وسيفيدك الإقلاع عن التدخين أيضًا.
  • حافظي على وزن صحي.

الأدوية غير الهرمونية لعلاج الهبات الساخنة

إذا لم تكن التغييرات في نمط الحياة كافية لتحسين الأعراض، فقد تعمل الخيارات غير الهرمونية للتحكم في الهبات الساخنة. قد يكون هذا خيارًا جيدًا إذا كنت غير قادر على تناول الهرمونات لأسباب صحية أو إذا كنت قلقًا بشأن المخاطر المحتملة.

  • الباروكستين: وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على استخدام الباروكستين لعلاج الهبات الساخنة، وهو أحد مضادات الاكتئاب الانتقائية من مثبطات امتصاص السيروتونين (SSRI). وفي هذه الحالة يستخدم بجرعة أقل مما لو كان يستخدم لعلاج الاكتئاب.
  • ربما سمعت عن الكوهوش الأسود أو DHEA أو الايسوفلافون الصويا: وتستخدم لعلاج الهبات الساخنة. لكن لم تثبت فعالية هذه المنتجات، وبعضها يحمل مخاطر مثل تلف الكبد.
  • فيتويستروغنز: هي مواد شبيهة بالإستروجين توجد في بعض الحبوب والخضروات والبقوليات (مثل فول الصويا) والأعشاب. قد تعمل في الجسم مثل شكل ضعيف من هرمون الاستروجين، ولكن لم يتم إثبات فعاليتها، كما أن سلامتها على المدى الطويل غير واضحة.

استخدام الهرمونات لعلاج الهبات الساخنة والتعرق الليلي

الهرمون مادة كيميائية ينتجها عضو مثل الغدة الدرقية أو المبيض. أثناء فترة انقطاع الطمث. وبمرور الوقت ينخفض إنتاج الهرمونات من المبيض مثل الإستروجين والبروجسترون. ويُعتقد أن مثل هذه التغييرات تسبب الهبات الساخنة وأعراض انقطاع الطمث الأخرى.

العلاج بالهرمونات يثبّت مستويات هرمون الإستروجين والبروجسترون في الجسم، وهو علاج فعال للغاية للهبّات الساخنة لدى النساء القادرات على استخدامه. ويمكنهم أيضًا المساعدة في علاج جفاف المهبل والنوم والحفاظ على كثافة العظام.

وتسمى أحيانًا العلاج الهرموني لانقطاع الطمث أو MHT، وهي موجودة على شكل حبوب، أو لاصقات، أو غرسات، أو مواد هلامية، أو كريمات. وقد تكون اللصاقات، وهي الأفضل للنساء المصابات بعوامل الخطر القلبية، مثل تاريخ عائلي للإصابة بأمراض القلب.

هناك مخاطر مرتبطة بتناول الهرمونات، بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية والجلطات الدموية وسرطان الثدي وأمراض المرارة والخرف. وتختلف المخاطر حسب عمر المرأة وما إذا كانت قد خضعت لعملية استئصال الرحم. النساء اللواتي لا يزال لديهن رحم يأخذن هرمون الاستروجين مع البروجسترون أو علاج آخر لحماية الرحم. ويُضاف البروجسترون إلى الإستروجين لحماية الرحم من السرطان، ولكن يبدو أيضًا أنه يزيد من خطر الإصابة بجلطات الدم والسكتة الدماغية.

المصادر

كيف تختار شركات الأدوية المركب الدوائي الأنسب ؟

ما هو الدواء؟ وكيف يتم اكتشافه وتصنيعه وتطويره؟ ما الاختبارات التي تثبت فعالية الدواء؟ هل من آثار جانبية للدواء المُنتج؟ هل هناك إمكانية لتصنيعه في أشكال صيدلانية جديدة غير الموجودة في السوق الدوائية؟ أم يحمل هذا الدواء الجديد المطور تأثيرًا نوعيًا متميزًا يختلف عما هو متوافر حاليًا في الأسواق الدوائية؟ تابعوا سلسلة المقالات لسبر أغوار الصناعة الدوائية ومعرفة كيف تختار شركات الأدوية المركب الدوائي الأنسب ؟

رحلة إنتاج المركب الدوائي الأنسب

ابتداءً من لحظة اكتشاف التأثير الدوائي الأولي للمادة في المختبر على حيوانات التجربة وصولًا للدواء بشكله النهائي كمستحضر صيدلاني جاهز للاستعمال، تستغرق هذه الرحلة عادةً سنوات طويلة مليئة بالاختبارات والتجارب بكل أنواعها. وتستهلك مبالغ طائلة أيضًا، لذلك تمول الشركات الدوائية العملاقة غالبًا هذه المراحل مع مراكز بحوث عالمية مختلفة، وتسبقها دراسات عميقة حول الجدوى الاقتصادية المأمولة من إنتاج هذا الدواء.

ما الذي يدفع شركات الأدوية لإنتاج دواء بعينه؟

لدينا ما يسمى “الحاجة الطبية غير المُلباة-Unmet medical needs”، أو (UMNs) ويعني هذا المصطلح وجود مرض ما بلا علاج فعال، وربما يكون هناك علاج ولكنه غير فعال عند بعض المرضى، وهذه الحاجة الطبية غير الملباة هي الدافع الأساسي لتمويل عملية اكتشاف دواء جديد.

لتبسيط الفكرة أكثر، هناك ما يُسمى بالأمراض الشائعة والأمراض اليتيمة والأمراض النادرة والأمراض الاستوائية المهملة.

يعاني الكثيرون من ارتفاع في ضغط الدم، وتوجد العديد من الأدوية التي تتعامل مع مثل هذا المرض الشائع. نذكر من تلك الأدوية مجموعات مثبطات (ACE)، وحاصرات بيتا (BB)، وحاصرات قناة الكالسيوم (CCB) وغيرها. لوجود كل هذه المجموعات من العقاقير، يصبح مرض ارتفاع الضغط حاجة مُلباة/مستوفاة بالفعل. أي لا توجد حاجة طبية قوية للتعامل معه.

أما بالنسبة لمرض مثل “مرض تشاجاس- Chagas disease”، وهو عدوى طفيلية قد تسبب للمصاب فشل قلب احتقاني، وفشل القلب الاحتقاني يحدث عندما لا تضخ عضلة القلب الدم كما ينبغي. عند حدوث ذلك، غالبًا ما يرتد الدم، ويمكن أن تتراكم السوائل في الرئتين، الأمر الذي يسبب الإصابة بضيق النفس. ويعتبر التشاجاس مرض استوائي مهمَل (NTD)، لكنه أيضًا حاجة غير ملباة، فلا يوجد عقار يتعامل مع هذه العدوى ويقضي عليها بشكل مباشر.


ماذا عن مرض السكري مثلًا؟ هل هو حاجة مستوفاة أم غير ذلك؟ فرغم أن هناك الكثير والكثير من الأدوية التي تتعامل مع هذا المرض، إلا أن بعض المرضى يعانون من حقن الإنسولين الضرورية لمصابين النوع الأول من هذا المرض. ولتجنب الألم الناتج عن هذه الحقن، سيكون الإنسولين الفموي شكل صيدلاني مرغوب أكثر بالنسية لأولئك المرضى، مما يجعله حاجة طبية غير مستوفاة.

لتحديد ما إذا كان هذا المرض هو حاجة طبية غير ملباة، يتوجب على شركات الأدوية البحث باستمرار في الشروط والعلاجات المتاحة والفجوات واحتياجات المرضى.

كيفية تحديد الهدف الدوائي الأنسب؟

بمجرد تحديد احتياجاتنا الطبية غير الملباة، يحين الوقت لبدء عملية اكتشاف المركب الدوائي الأنسب. وتكون البداية بالبحث عن المسارات البيولوجية المرتبطة بالمرض، لفهم آلية حدوثه. غالبًا ما تتحكم البروتينات في المسارات البيولوجية عبر الإنزيمات والمستقبلات.

يعد اختيار الهدف الدوائي خطوة أساسية في رحلة اكتشاف الأدوية. فمن الناحية النظرية، إذا تمكنت من منع عمل إنزيم أو إغلاق مستقبل على طول المسار البيولوجي، فمن المحتمل أن يكون لديك تأثير علاجي على المرض. لنفترض أن لدينا مجموعة من الإنزيمات والمستقبلات كأهداف دوائية محتملة ومرتبطة باستجابات مختلفة، لكن ما يهمنا حقًا هو علاج التهاب ما. سنختار أحد هذه المركبات كهدف دوائي، ولكن كيف نختار هذا الهدف من بين الأهداف الدوائية المحتملة الكثيرة؟

يفضل بالطبع استخدام البروتينات المتصلة بمسار استجابة واحد فقط من بين الأهداف الموجودة. فمثلًا، يرتبط إنزيم B وإنزيم C بمسار الالتهاب فقط، فهذين الإنزيمين هما أكثر الأهداف جاذبية. بشكل عام، البروتينات هي الأقرب للاستجابة المناسبة، وبالتالي سيكون إنزيم C هو الاختيار الأفضل، ومن ثم يأتي فريق الأحياء الجزيئية لدراسة إنزيم سي وتحديد مدى صلاحيته ليصبح الدواء المستقبلي من عدمها.

اختبارات هامة لإثبات فعالية الدواء الأنسب على الهدف المطلوب

بعد اختيار الهدف، يتقدم فريق علم الأحياء من أجل الاختبار الكيميائي الحيوي، والذي يقيس نشاط البروتين المستهدف. يسمى هذا الاختبار “المقايسة-assay”، ويحدد عاملين أساسين لوصف الدواء.

  • العامل الأول هو potency وتعني الفاعلية أو تركيز الدواء المطلوب للعمل على البروتين المستهدف. فهل سنحتاج إلى 5 مجم من المادة الفعالة أم 10 أم 500؟
  • العامل الثاني هو Efficacy الفعالية وهو حجم/مقدار التأثير على الهدف. أي مقدار تأثير الـ 5 مجم تلك على الإنزيم، فهل تمنعه بالقدر الكافي ولكل درجات الإصابة؟

بعد أن تصبح نتائج هذه الاختبارات في متناول أيدي العلماء، سيختبر فريق الاكتشاف فاعلية وفعالية عدد كبير من الجزيئات ضد الهدف الدوائي المحدد، وتسمى هذه العملية “حملة الفرز-screening campaign”، حيث يتم اختبار أكثر من مليون جزيء باستخدام الحواسيب. من بين هذه الأعداد الهائلة، يرشح عدد قليل منها وربما مركب واحد ذو الفعالية الأقوى ضد المرض، وبذلك يتم الوصول للمُركّب الرئيسي للتقدم في عملية اكتشاف الدواء.

في هذا المقال تم توضيح ثلاثة عمليات رئيسية. أولاً، الهدف الدوائي وهو أساسي للتأثير على المرض. ثانيًا، المقايسة وهي اختبارات كيميائية حيوية تم تطويرها لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا التأثير على هذا الهدف. وأخيرًا، فحص عدد كبير من الجزيئات إلى أن يتم الحصول على المركب الرئيسي الذي يفوز بحملة الفرز. تخضع كافة الأدوية الحديثة لهذه العمليات من أجل الوصول لعقار مناسب دون إهدار للموارد من وقت وتمويل.

المصادر

Exit mobile version