حياة جورج ليمتير الذي عرف كيف بدأ الكون وعارض أينشتاين

بفضل ورقته البحثية التي نُشرت عام 1927، استطاع جورج ليمتير أن يخلد اسمه في التاريخ كواحد من أكبر المساهمين في فهمنا للكون ونشأته. أحب العلوم والتكنولوجيا. وشهد أحداثًا رائدة في التاريخ خلال الحرب العالمية الأولى وما وبعدها. واليوم في سلسلتنا التي تُنصف العلماء الذين لم تنصفهم نوبل، سنلقي نظرة عن كثب على هذا العالم المميز.

من هو جورج ليمتير؟

لأبوين مسيحيين كاثوليكيين، وُلد جورج جوزيف ليمتير في بلجيكا عام 1894. ولم تتميز طفولته بشيء خارق. كان طفلًا عاديًا ولم يعرف أنه سيصبح واحدًا من أعظم علماء الفلك مساهمةً في تاريخ العلوم. التحق جورج بالجامعة الكاثوليكية بمدينة لويفن البلجيكية عام 1911 آملًا أن يحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة. ولكن لسوء حظه أن العالم دخل في حرب عالمية في عامه الثالث من التحاقه بالجامعة.

تطوع صاحبنا بالجيش وخدم كضابط مدفعية في الجيش البلجيكي. ومُنح وسام الشجاعة وغيره من الأوسمة وذلك عرفانًا بإقدامه وشجاعته. لكن المشكلة الوحيدة أنه كان يكتم بداخله ما يراه من أهوالٍ بما يكفي لتغيير حيوات أشجع الأشخاص. وهذا الأمر غيّر حياته بشكل عميق. وبعدما انتهت الحرب، عاد ليمتير إلى دراسته الجامعية. ولكن هذه المرة تغيرت رغبته الدراسية من الهندسة إلى الرياضيات، والتي برع فيها وتخرج بدرجة في الدكتوراه في العلوم والرياضيات عام 1920 بعدما قدم أطروحة رائعة.

أحب ليمتير الفلك، وأراد أن يربطه بدراسته للرياضيات، فاتجه نحو الرياضيات الفلكية Mathematical Astronomy. ذهب ليدرس في كامبريدج العريقة في إنجلترا، وكان أحد تلامذة الفلكي الكبير آرثر إدنجتون الذي وصفه بالعبقرية، والرؤية الواضحة، والبراعة في الرياضيات. لم يكتف العالم الشاب بهذا وحسب، بل ذهب إلى الجامعة العملاقة الأخرى التي دائمًا ما يرتبط اسمها بكامبريدج؛ ألا وهي جامعة هارفارد، وذلك في عام 1923 وحتى 1924، وكان دائمًا ما يتفقد مرصد ماستشوستس.

بعد هذه الخبرة الكبيرة، عاد صاحبنا إلى بلجيكا في عام 1925، وعُرض عليه أن يصبح محاضرًا بالجامعة التي بدأ فيها دراسته -الجامعة الكاثوليكية- وهذا ما لم يستطع رفضه. وفي الوقت ذاته، لم يتخل عن ماستشوستس ولا عن مرصدها المميز وكان دائم الزيارة هناك، ومُنح درجة الدكتوراه عن أطروحته لمعهد MIT، والتي كانت بعنوان The gravitational field in a fluid submitted عام 1927. [1]

أينشاين يعارض أفكار ليمتير

في الورقة البحثية المذكورة آنفًا، قدم ليمتير حلًا رياضيًا محكمًا لمعادلات النسبية العامة [2] فيما يختص بتوسع الكون. وفي نفس العام، عام 1927، انعقد مؤتمر سولفاي الشهير، الذي شهد حضور كِبار العلماء وقتها، ومن بينهم أينشتاين الذي تحدث مع ليمتير وأخبره بأن أفكاره المُقدمة في هذه الورقة البحثية ذُكرت من قبل عام 1922 بواسطة الفيزيائي الروسي أليكساندر فريدمان، وعلى الرغم من أنها أفكار صحيحة رياضيًا، إلا أنها غير واقعية على المستوى الفيزيائي، قائلًا:

حساباتك صحيحة، لكن فهمك للفيزياء بغيض

أينشتاين إلى ليميتر

لم يكن أينشتاين الوحيد الذي رفض أفكار ليمتير، بل كان معظم الوسط العلمي متشدقًا في معارضة أفكار البلجيكي. باختصار شديد، كانت أفكار ليمتير تدعم توسع الكون، وكان أينشتاين والوسط العلمي متمسكين بسكونه. [3]

هابل يُنصف أفكار ليمتير

إلى أن جاء إدوين هابل عام 1929. وقتها قدم من الأدلة العلمية ما يفيد بتوسع الكون معارضًا بذلك فكرة الكون الساكن Static Universe وقتها. فبدأ العلماء يقتنعون شيئًا فشيئا. وفي عام 1927، أرسل ليمتير نسخة من ورقته البحثية إلى أستاذه آرثر إدنجتون، والذي اقتنع بها على الفور ورأى أنها تقدم حلولًا واقعية تثبت تمدد الكون. وهذا ما جعله يترجمها إلى الإنجليزية، وينشرها في دورية Monthly Notices of the Royal Astronomical Society في 1931.

وعلى الرغم من معارضة إدنجتون وغيره من العلماء لبعض أفكار ورقة ليمتير، مثل أن الكون له نقطة بداية؛ إذ أنهم كانوا يصدقون بأن الكون موجود منذ الأزل، ولم يبدأ من نقطة محددة، إلا أن معظم أفكار ورقة ليمتير البحثية بدأت تلاقي قبولًا واسعًا لم تكن لتحظى به من قبل. [2]

الانفجار العظيم أو البيج بانج!

مثّلت ورقة ليمتير البحثية بذور ما نعرفه اليوم باسم نظرية الانفجار العظيم أو Big Bang Theory. وهي النظرية التي تقبلها معظم العلماء، وما زالوا يتقبلونها. ولكن الطريف في الأمر أن هذا المصطلح صُك من قِبَل أشرس المعارضين لها وهو فريد هويل، الذي نعته ا بالـ Big Bang عام 1950 في أحد اللقاءات للسخرية منها.

وبعد أن كان أحد المعارضين الأساسيين للنظرية، انضم أينشتاين لصف جورج ليمتير، وأبدى إعجابه بنظريته.

إنها أجمل وأكثر التفسيرات المُرضية التي سمعتها في حياتي

أينشتاين عن نظرية ليميتر

تعاون العالمان -أينشتاين وليميتير- في إلقاء سلسلة من المحاضرات لشرح النظرية التي ازداد ثِقلها وانتشرت كما النار في الهشيم. وقدم جورج ليمتير أٌسسًا علمية ما زال معترفًا بها حتى يومنا هذا. كما أجاب لنا عن السؤال الأبدي: كيف بدأ الكون؟ ولم يفقد الأمل في أطروحته التي أصر على منطقية ما جاء بها. وبعد أن كان الجميع يعارضه، لم يجدوا بُدًا من الاقتناع بالأطروحة التي أجابت عن السؤال المؤرق. [3]

المصادر

  1. Britannica
  2. American Museum of Natural History
  3. Catholic Education Resource Center

لغز وجود الكون، هل كان لكوننا أن ينشأ من البداية؟

تشير أحدث الدراسات في مختبر Cern بسويسرا إلى أن الكون لم يكن من المفترض أن يوجد من الأساس. فحتى الآن لا يوجد سبب واضح لوجود الكون حاليًا. إذن فما هو لغز وجود الكون؟ وما الحلول الممكنة لذلك اللغز؟

عملية الإبادة

“ماذا إذا التقيت بالشخص المضاد لك في مكاٍن ما من الكون؟ ستختفي أنت وهو وتتحول أجسامكما إلى طاقة”.

يعتمد ذلك السؤال، الفلسفي، وأجابته على ما توصل له علماء فيزياء الجسيمات. إذ يتكون الكون من عنصرين أساسيين، مادة و طاقة، وكلٍ منهما يتكون من جسيمات أصغر تسمى جسيمات أولية. ويقسم علماء فيزياء الجسيمات تلك الجسيمات الأولية من خلال نموذج يسمى «النموذج المعياري – The standard model». وأشهر الجسيمات الأولية التي تتكون منها المادة، مثلي أنا وأنت والأرض، هي البروتونات والإلكترونات. [1]

وفي عام 1928، اقترح العالم الإنجليزي «بول ديراك – Paul Dirac» وجود جسيم مماثل للإلكترون، ولكنه موجب، أي عكسه في الشحنة. وتم تأكيد فرضية ديراك عام 1932 عن طريق العالم الأمريكي «كارل أندرسون – Carl Anderson». وفتح ذلك الاكتشاف الباب لوجود جسيمات أولية مماثلة للجسيمات المعروفة، ولكنها معاكسة لها في الشحنة، وأطلق عليها الجسيمات المضادة.

وعند اجتماع الجسيم مع الجسيم المضاد له يلاشيان بعضهما البعض، وينتج كم من الطاقة في عملية تسمى «الإبادة – Annihilation». تخيل إذا التقيت بشخص مماثل لك تمامًا، ولكنه مكون من مادة مضادة، فسيلاشي كل منكما الأخر وتتحول أجسامكما لطاقة. وتلك هي معضلة نشأة الكون!

يفترض النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات تساوي عدد الجسيمات والجسيمات المضادة عند الانفجار العظيم. ولكن كيف لم تتلاش الجسيمات مع الجسيمات المضادة عند نشأة الكون في عملية تمنع الكون من أن يكون موجودًا من الأساس؟

البحث عن حل

حاول علماء فيزياء الجسيمات التجريبية خلال السنوات الماضية البحث فيما إذا كان هناك أي عدم تماثل بين الجسيمات والجسيمات المضادة. فوجود عدم تماثل بينهما يعني وجود أفضلية لوجود المادة حولنا بعكس المادة المضادة، أي وجود الكون كما نراه على حساب دماره عند النشأة. وكانت أخر تلك التجارب عام 2017 في مختبر «سِرن – CERN» في سويسرا والتي كانت بهدف قياس العزم المغناطيسي للبروتون المضاد. وكانت من أصعب تجارب سِرن، ولكنها تمت بدقة وصلت ل 68%. وجاءت نتيجة البحث على تشابه العزم المغناطيسي للبروتون والبروتون المضاد والذي يقربنا جدًا من استنتاج التماثل التام بين خصائص الجسيمات والجسيمات المضادة. [2]

عدم التناظر عند الانفجار العظيم

واحد من أهم مبادئ فيزياء الجسيمات هو تناظر «الشحنة – Charge» و«التكافؤ – Parity» و«الوقت – Time» أو الCPT. ويعنى ذلك المبدأ أن إذا انعكس الكون واستُبدلت المادة بالمادة المضادة ورجع الزمن للوراء لن يحدث تغيير في قوانين الفيزياء. وعلى ذلك فإن عدم التماثل سيخل بمبدأ ال CPT. والقليل من عدم التناظر كافي لتفسير سبب وجود كميات من المادة حولنا مقارنة بالمادة المضادة، فلم نرصد حتى الآن كوكب من مادة مضادة مثلًا! ولكننا لم نرصد غياب التناظر حتى الآن. وعلى جانب آخر، لا نعلم ما حدث بالفعل في اللحظات الأولى من الانفجار العظيم. بل وتبقى صحة نظرية الانفجار العظيم محل جدل حتى الآن.

هل عجزنا عن تفسير لغز نشأة الكون؟

ليست نهاية المطاف بعد، إذ يعمل الباحثون على تطوير التجارب ويستمرون في البحث عن أي دليل بخصوص عدم التماثل. ويحاول علماء فيزياء الجسيمات التجريبية حاليًا دراسة تأثير قوة الجاذبية في حالة الجسيمات المضادة. فنحن نعلم مثلًا أن الأرض (مادة) تجذب الإنسان (مادة)، أي أن المواد تجذب بعضها البعض من خلال قوى الجاذبية. فماذا عن المواد المضادة؟ هل تجذب المادة المضادة بعضها أم تتنافر؟ وهل تنجذب أم تتنافر المادة مع المادة المضادة؟ [3] [4]

من المتوقع أن يكون التفاعل بين المادة المضادة والمادة هي قوة تجاذب عند المسافات القصيرة. وأن قوة الجاذبية للمواد المضادة مع بعضها هي قوة جذب لا تنافر. ولكن حتى يظهر أي دليل سيبقي واحد من أهم الألغاز في الفيزياء الحديثة هو لغز وجود الكون. [4]  

المصادر
[1] The Standard Model: How far can it go and how can we tell?
[2] A parts-per-billion measurement of the antiproton magnetic moment
[3] LHCb sees new form of matter–antimatter asymmetry in strange beauty particles
[4] Gravitational matter-antimatter impact interactions

ما هي متفردة الثقب الأسود؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

ما هي متفردة الثقب الأسود؟

لكي نفهم مفهوم «المتفردة-singularity»، لا بد من تخيل مقدار هائل من الجاذبية، يضغطك إلى نقطة لا متناهية الصغر، بحيث لا يجعلك تشغل -حرفيًا- أيّ حجم يذكر. قد يبدو لك الأمر مستحيلًا، وهو بالفعل كذلك! ومتفردات كهذه، والتي يعتقد أنها موجودة داخل الثقوب السوداء وفي بداية الانفجار العظيم، لا تمثل شيئًا فيزيائيًا. بل يظهر مفهومها في الرياضيات ليخبرنا أن نظرياتنا الفيزيائية تنهار، وأننا نحتاج لتبديلها بنظريات أفضل.

تحديدًا، ما هي المتفردة؟

يمكن أن تحدث المتفردات في أي مكان، وهي شائعة بشكل كبير في الرياضيات التي يستخدمها الفيزيائيون ليعبروا عن نظرياتهم. وبشكل مبسط، يمكن القول أن المتفردات هي نقاط تسلك الرياضيات فيها سلوكًا “شاذًا”، غالبًا بإنتاجها أرقامًا كبيرةً لا منتهية، أو بأن يصبح التابع غير معرف في نقطة ما أو غير قابل للاشتقاق عندها. وكمثال على المتفردات في الرياضيات نأخذ العملية 1/X. فعمليًا، كلما أخذت معادلة ما القيمة السابقة، وسعت قيمة X إلى الصفر، تسعى قيمة المعادلة إلى اللانهاية. فنقول أن التابع السابق غير معرف عند الصفر، أي يملك متفردة عند الصفر. ويمكن حل غالبية هذه المتفردات بالإشارة إلى أنها تنقص عاملًا مفقودًا يجب إضافته إلى معادلتها. أو إلى استحالة الوصول إلى قيمتها الفعلية، وكأن نقول أن المتفردات غير “حقيقية”. [1]

الخط البياني للتابع 1/X

متفردة الجاذبية

ولكن بعض المتفردات في الفيزياء لا تحل بهذه البساطة. ومن أشهرها «متفردات الجاذبية-gravitational singularities»، أي القيم اللامنتهية التي تظهر في نظرية النسبية العامة لأينشتاين، أفضل نظرية حالية لوصف الجاذبية. في النسبية العامة، يوجد نوعان رئيسيان من المتفردات، هما «متفردة الإحداثيات-coordinate singularity»، و«المتفردة الحقيقية-Real singularity». تحدث متفردات الإحداثيات عندما تظهر لا نهاية في جملة إحداثيات معينة، وتختفي عند اختيار جملة أخرى، فتكون ظاهرية فقط.

*جملة الإحداثيات: في هذه الحالة تبين الاحداثيات المستخدمة للتعبير عن الزمان والمكان. [2]

مثلًا، طبق الفيزيائي «كارل شوارزشايلد-Karl Schwarzschild» قوانين النسبية العامة على نظام بسيط لكتلة كروية، مثل النجوم. فوجد أن حلول المعادلات تضمنت متفردتين: إحداهما في مركز الكرة، والأخرى على بعد معين من مركزها. وتعرف المسافة الثانية اليوم ب «نصف قطر شوارزشايلد-Schwarzschild radius» وتتعلق بكتلة الجسم. لعدة سنوات اعتقد الفيزيائيون أن كلا المتفردتين تمثل انهيارًا لقوانين الفيزياء، ولكنهم لم يبالوا للثانية طالما كان نصف قطر الكتلة الكروية أكبر من نصف قطر شوارزشايلد.

ولكن ما الذي يحدث لو تقلص جسم ما لأقل من نصف قطر شوارزشايلد الخاص به؟ عندها ستقع المتفردة الثانية خارج الجسم، ويعني أن النسبية العامة ستنهار في مكان لا يجب أن تنهار فيه. ولم تطل المعضلة حتى اكتشف العلماء أن متفردة نصف قطر شوارزشايلد هي متفردة إحداثيات لا أكثر. ومجرد تغيير في نظام الإحداثيات المستخدم يزيل المتفردة، ويحمي النسبية العامة من الانهيار. [3]

أين تحدث متفردات الجاذبية؟

بقيت المتفردة المتمركزة داخل مركز الجسم بينما أزيلت قرينتها. لأنك إن ضغطت جسمًا ما لأقل من نصف قطر شوارزشايلد الخاص به، تصبح جاذبيته شديدةً لدرجة أنه ينهار على نفسه باستمرار إلى نقطة لا متناهية الصغر. ولعقود من الزمن، تناقش الفيزيائيون حول إمكانية حدوث انهيار في اللانهاية كهذا، أو وجود قوة تمنع هكذا انهيار. ففي حين تحافظ «الأقزام البيضاء-white dwarfs» و«النجوم النيوترونية-neutron stars» على نفسها من الانهيار، أي جسم كتلته أكبر من 6 أضعاف كتلة الشمس سيملك مقدارًا هائلًا من الجاذبية. وتتغلب جاذبيته على كل قوى الطبيعة فينهار في نقطة لا منتهية، تشكل متفردةً حقيقة. [4]

ما هي المتفردة المجردة؟

إن التعريف السابق ذكره هو التعريف الفعلي لماهية «الثقب الأسود-black hole». فهو نقطة كثافتها لا متناهية، تحاط بأفق حدث يقع عند نصف قطر شوارزشايلد. حيث “يحمي” أفق الحدث المتفردة داخل الثقب، مانعًا المراقبين الخارجيين من رؤيتها إلا إذا عبروا أفق الحدث. اعتقد الفيزيائيون سابقًا أنه في النسبية العامة، تحاط جميع المتفردات بآفاق حدث. وعرف المفهوم السابق باسم «فرضية الرقابة الكونية-the Cosmic Censorship Hypothesis». وسموها كذلك لأنهم اعتقدوا بوجود عملية ما في الكون “تكون رقيبة” على المتفردات وتمنعها من أن تكون مرئية. ثم أظهرت المحاكاة الحاسوبية إمكانية وجود «متفردات مجردة-naked singularities». حيث تكون المتفردة المجردة عبارةً عن متفردة بدون أفق حدث، مما يجعلها قابلة للرصد من العالم الخارجي. ولكن يبقى وجود هكذا متفردات موضع جدل العلماء حتى اليوم. [5]

ما الذي يوجد في مركز الثقب الأسود؟   

ولأنها تعتبر متفردات رياضية، لا أحد يعلم حقًا ماذا يوجد في مركز الثقوب السوداء. ولكي نعلم ذلك، نحتاج إلى نظرية أخرى غير نظرية النسبية العامة، لأنها تنهار في المتفردة. وتحديدًا، نحتاج إلى نظرية كم للجاذبية، أي نظرية تصف سلوك الجاذبية القوية على مقاييس صغيرة جدًا. توجد بعض الفرضيات التي تعدل أو تستبدل نظرية النسبية العامة كليًا محاولةً وصف متفردة الثقب الأسود. ومنها فرضية «نجوم بلانك-Planck stars»، وهي حالة افتراضية لمادة شديدة الانضغاط. و«نجوم الطاقة المظلمة-dark energy stars»، وهي حالة افتراضية لطاقة الفراغ، تبدو وتتصرف كثقب أسود. وحتى يومنا هذا، تبقى  هذه الأفكار مجرد افتراضات لن تجيب عنها إلا نظرية كم الجاذبية المنتظرة. [6]

ما هي متفردة الانفجار العظيم؟

تعتبر «نظرية الانفجار العظيم-The Big Bang theory» والتي تفترض صحة النسبية العامة، النموذج الكوني الحديث لتاريخ كوننا. كما تتضمن متفردة تقع في الماضي البعيد، منذ حوالي 13.77 مليار سنة. فبحسب هذه النظرية، كان الكون بأكمله منضغطًا في نقطة لا متناهية الصغر تشكل ما يعرف بمتفردة الانفجار العظيم. [7]

ويعلم الفيزيائيون اليوم أن الاستنتاج السابق خاطئ. فرغم نجاحها الكبير في وصف تاريخ كوننا، إلا أنه وكما في الثقوب السوداء، يخبرنا وجود متفردة في الانفجار العظيم -مرة أخرى- أن نظرية النسبية العامة غير مكتملة، وتحتاج للتحديث.

المصادر

The Basque Center of Applied Mathematics [1]
The Stanford Encyclopedia of Philosophy [2]
[3] the University of California
Universe Today [4]
ScientificAmerican [5]
Physics of the Universe[6]
The Astrophysics Data System[7]

التاريخ الكبير: الانفجار العظيم

التاريخ الكبير: الانفجار العظيم

بعد أن أعددت مشروبك المفضل في سلام، وجلست في شرفة بيتك الهادئة بعد منتصف الليل، تنظر إلى السماء بعجب، فإذا القمر يتوسط المشهد بنوره الفضي الساحر، محاطًا بمجموعة بالكثير والكثير من النجوم، ووسط هذا الجو الشاعري الجميل تتساءل: “كيف بدأ كل هذا؟”.

الحقيقة أننا نعرف كيف بدأ كوننا الجميل، لقد بدأ بداية عنيفة، بدأ ب «انفجار عظيم-Big bang»، ولكن كيف نعرف هذا؟ وما هي الأدلة على هذا الادعاء؟ تابع معنا سلسلة التاريخ الكبير ج١: الانفجار العظيم

1- توسع الكون

بدأ الأمر في بدايات القرن العشرين حينما وجه العلماء تليسكوباتهم نحو السماء، كان الاعتقاد السائد آنذاك أن الكون هو عبارة عن تجمع نجمي يحوي جوالي 400 بليون نجم، له أربعة أذرع، ويدعى ب«مجرة درب التبانة-Milky way galaxy»، لكن هؤلاء العلماء اكتشفوا اكتشافًا قد مثل ثورة علمية في ذلك الوقت، اكتشفوا أن مجرتنا ليست وحيدة!

بل أن هناك العديد من المجرات الأخرى، لم تكن تلك المجرات موجودة فقط، بل أنها كانت تبتعد عنّا، وأنه كلما كانت المجرة أبعد، كلما تحركت أسرع، فيما يعرف باسم «قانون هابل-Hubble’s law» نسبةً إلى العالم «إدوين هابل-Edwin Hubble».

لذا فإن كانت المجرات تبتعد عنا، فهي غدًا ستكون أبعد، كما أنها كانت أقرب إلينا في البارحة، فلنرجع الشريط إذًا للخلف، وسنرى أن المجرات تصبح أقرب مع التراجع في الزمن أكثر وأكثر، حتى يصبح الكون كله كتلة غازية ساخنة.

ومع بعض الحسابات يمكننا حساب عُمر كوننا، وبالفعل أطلق العلماء لأياديهم العنان لصياغة حسابات رياضية لحساب عمر الكون، ألا وهو 13.8 بليون سنة.

2- «الخلفية الكونية الميكرووية-Cosmic microwave background»

في بدايات الكون، كانت درجة الحرارة عالية جدا، عالية بشكل لا يسمح للنجوم أو المجرات أو الكواكب بالتكون، بل حتى أنها لا تسمح بوجود الذرات نفسها!

كانت الغازات ساخنة للغاية حتى بدأت في عملية «التأين-Ionizing»، كانت كل المادة في الكون منصهرة في حساء كوني من البلازما، حيث تندمج نوى الذرات، وتخرج الالكترونات عن مساراتها، والبلازما تنتج الكثير من الضوء والاشعاع لكنها تحتبسهم بداخلها، ولكن بعد أن أتم الكون 300 ألف سنة من عمره، هبطت درجة حرارته إلى 3000 درجة نتيجة للتوسع، رغم أنها درجة عالية نسبيًا، إلا أنها تسمح بتكون الذرات، لذا أصبح هناك مجال للإشعاع بأن يتحرك بحُرية أكثر، وكلما زاد عمر الكون كلما زاد الطول الموجي لهذا الإشعاع، فأصبحت هذه الموجات كانت موجات ميكروويف.

ثم رصدها العلماء وكونوا صورة لخلفية كوننا الميكرووية، فقد رصدوا إشعاعًا قادمًا من أولى سنوات الكون، فهذا أيضًا دليل على أن لكوننا بداية.

3- نسبة الهيليوم:

في نواة شمسنا الدافئة، تؤدي قوى الجاذبية الشمسية إلى التحام نوى ذرات الهيدروجين، حيث تتحد ذرتا هيدروجين لتكوين ذرة هيليوم واحدة، وهذا ما يحدث في النجوم فيما يعرف بعملية «الاندماج النووي-Nuclear fusion»، فإذا قمنا ببعض الحسابات استنادًا إلى عمر الكون، وإلى قوانيننا الفيزيائية المعروفة، فنستطيع التنبؤ بأن في ظروف كهذه، ستكون نسبة الهيليوم في يومنا هذا هي 1:10 من المادة الموجودة في الكون، ثم نأتي على أرض الواقع لنقيس نسبة الهيليوم وتكون المفاجأة، نسبة الهيليوم مطابقة لحساباتنا في ظروف كون بانفجار عظيم!

وهذا أيضًا يعتبر دليلًا قويًا على صحة نظرية الانفجار العظيم. لكن قد يسأل سائل: “هل نعلم كل شيء عن الكون الآن؟”

و الإجابة هي: “لا وبكل تأكيد”

إذ أن كل ما نعلمه عن كوننا كميًا هو 5% فقط من الكون. كل المادة التي نحن مصنوعون منها نحن والنجوم، لا تحظى إلا بنصيب 5% فقط من الكون.

فنحن لا نعلم ما يجعل المجرات متماسكة بهذا الشكل، فأطلقنا عليها اسم «المادة المظلمة-Dark matter»، كما أننا لا نعرف طبيعة القوة التي تتسبب في توسع الكون من الأساس، ونسميها «الطاقة المظلمة-Dark energy»، كما أننا أيضًا لا نعرف ما تسبب ببداية الكون، لا نعلم ما هو سبب الانفجار العظيم، إذ أن الكون كان كثيفًا وساخنًا للغاية بدرجة لا تسمح لقوانيننا الفيزيائية المعهودة بالعمل.

فهناك الكثير والكثير الذي لا نعلمه عن الكون وعنّا، في الواقع نحن نجهل عن الكون أكثر مما نعلم، وكما ترى عزيزي القارئ، هناك الكثير من جوائز نوبل في انتظار من يجيب عن هذه الأسئلة، ومن يدري؟ أليس من الممكن أن يكون أنت من يفعل؟

من كورس تابع لCoursera، مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam university».

اقرأ المزيد حول: داروين لم يكن أول من وضع نظرية التطور

كيف أحدث الفائزون بجائزة نوبل الفيزياء 2019 ثورة في علم الفلك؟

كيف أحدث الفائزون بجائزة نوبل الفيزياء 2019 ثورة في علم الفلك؟

كيف أحدث الفائزون بجائزة نوبل ثورة في علم الفلك؟ استكشف ميشيل مايور-Michel Mayor وديدييه كويلوز Didier Queloz مجرة درب التبانة بحثا عن عوالم مخفية. وفي عام 1995، قاموا باكتشاف أول كوكب خارج نظامنا الشمسي يدور حول نظير شمسي.

تحدى اكتشافهم أفكارنا حول هذه العوالم الغريبة وأفضى إلى ثورة في علم الفلك. إن الكواكب الخارجية المعروفة التي يزيد عددها عن 4000 كوكب تثير الدهشة بأشكالها الغنية، حيث أن معظم هذه الكواكب لا تشبه نظامنا في شيء. وقد دفعت هذه الإكتشافات الباحثين الى تطوير نظريات جديدة عن العمليات الفيزيائية المسؤولة عن ولادة الكواكب.ويتفق معظم علماء الكون الآن على أن نموذج الانفجار العظيم هو قصة حقيقية عن أصل الكون وتطوره، على الرغم من أن 5 في المائة فقط من مادته وطاقته أصبحت معروفة الآن. هذه القطعة الصغيرة من المادة تجمعت في النهاية لتصنع كل ما نراه حولنا من النجوم والكواكب والأشجار والأزهار والبشر أيضاً. هل نحن وحدنا في الكون؟ أهناك حياة في مكان آخر في الفضاء على كوكب يدور حول شمس أخرى؟ لا أحد يعلم لكننا نعرف الآن أن الشمس ليست وحدها التي تملك كواكب، وأن معظم مئات بلايين النجوم في درب التبَّانة ينبغي أن تكون مرافقة أيضا لكواكب. يعرف الفلكيون الآن أكثر من 4000 كوكب خارجي واكتُشفت عوالم جديدة غريبة لكن لا شيء يبدو مثل نظامنا الكوكبي.

علن ميشيل مايور وديدييه كويلوز اكتشافهما المثير في مؤتمر فلكي عقد في فلورنسا الإيطالية في 6 أكتوبر من 1995. كان أول كوكب أثبت أنه يدور حول نجم من النوع الشمسي الكوكب بيغازي بي-51 يتحرك بسرعة حول نجمه 51 بيغازي الذي يبعد ب50 سنة ضوئية عن الأرض ويستغرق لإكمال مداره أربعة أيام، مما يعني أن مساره قريب من النجم الذي لا يبعد عنه سوى ثمانية ملايين كيلومتر. يسخن النجم الكوكب ب 1000 درجة سلسيوس ونلاحظ أن الأمور تعد هادئة كثيرا على الأرض التي تدور حول الشمس على بعد 150 مليون كيلومتر لمدة عام.

كما تبين أن الكوكب المكتشف حديثاً ضخم جدا فهو أشبه بأكبر كرة غازية في النظام الشمسي: المشتري. وبالمقارنة مع الأرض، يكون حجم المشتري أكبر بـ 1300 مرة ويزن أكثر منه ب 300 مرة. ووفقاً لأفكار سابقة حول الكيفية التي تتشكل بها المنظومات الكوكبية، فإن الكواكب بحجم المشتري كان من المفترض أن تتكون بعيداً عن النجوم التي تستضيفها، وبالتالي فإن دورانها يستغرق وقتاً طويلاً. يستغرق المشتري حوالي 12 عاماً لإكمال دائرة واحدة على الشمس، لذا فإن الفترة المدارية القصيرة لـ 51 بيغازي بي كانت مفاجأة لصائدي الكواكب الخارجية. لقد كانوا يبحثون عنه!

مباشرة بعد هذا الاكتشاف، قام اثنان من الفلكيين الأمريكيين وهما بول بتلر وجفري مارسي، بتحويل تلسكوبهما بإتجاه النجم 51 بيغازي-51 Pegasi b، وسرعان ما تمكنا من تأكيد اكتشاف مايور وكويلوز. وبعد بضعة أشهر فقط وجدوا كوكبين خارجيين جديدين يحلقون حول نجمين من النوع الشمسي. كانت هذه الاكتشافات جد مفيدة للفلكيين الذين لا يحبدون الإنتظار لشهور وسنوات لرؤية كوكب خارجي يدور حول نجم من النوع الشمسي. بفضل هذه الإكتشافات، كان لديهم الوقت لمشاهدة الكواكب تأخذ دورة تلو الأخرى.

أول كوكب يدور حول نجم من النوع الشمسي يمكن العثور عليه خارج نظامنا الشمسي يقع في كوكبة بيجاسوس. يدور حول نجم يسمى 51 Pegasi، وهو مرئي فقط بالعين المجردة عندما تكون السماء مظلمة. ومع ذلك، من السهل التعرف على النجوم الأربعة التي تشكل ميدان بيجاسوس.

كيف اقترب هذا الكوكب من النجم؟ يشكك السؤال في النظرية القائمة بشأن الأصول الكوكبية وأفضى إلى نظريات جديدة تصف كيفية تكوّن كرات الغاز الكبيرة عند حواف أنظمتها الشمسية، ثم تدور نحو النجم المضيف.

إن الأساليب المعقدة ضرورية لتعقب كوكب خارجي Exoplanet لأن الكواكب الخارجية لا تتوهج من تلقاء نفسها، بل تعكس ضوء النجوم. أما الطريقة التي تستخدمها مجموعات البحوث للعثور على كوكب ما تسمى السرعة السعاعية؛ يتم قياس حركة النجم المضيف الذي يتأثر بجاذبية كوكبه. وبينما يدور الكوكب حول نجمه، يتحرك النجم أيضاً بشكل طفيف، فكلاهما يتحرك حول مركز جاذبيته المشترك. يتأرجح النجم إلى الوراء وإلى الأمام في خط الرؤية من نقطة المراقبة الأرضية.

ويمكن قياس السرعة الشعاعية بإستخدام تأثير دوبلر Doppler المعروف. فالأشعة الخفيفة من جسم يتحرك نحونا تكون أكثر زرقة، وإذا كان الجسم يتحرك بعيدا عنا تكون الأشعة أكثر احمراراً. وهذا هو نفس التأثير الذي نسمعه عندما يرتفع صوت سيارة الإسعاف بينما تتحرك باتجاهنا وينخفض بعد مرورها.

وبالتالي فإن تأثير الكوكب يغير بالتناوب لون ضوء النجم نحو الأزرق أو الأحمر؛ وهذه التغييرات في طول الموجة الضوئية هي التي يلتقطها الفلكيون بأجهزتهم. ويمكن تحديد التغيرات في اللون بدقة بقياس الأطوال الموجية الضوئية للنجم، مما يتيح قياساً مباشراً لسرعته على مستوى الرؤية.

تعد السرعات نصف القطرية تحديا لأنها منخفضة للغاية. فجاذبية المشتري مثلا تجعل الشمس تتحرك ب 12 متر في الثانية حول مركز جاذبية النظام الشمسي. فالأرض لا تساهم إلا بمقدار 0.09 متر في الثانية، وهذا ما يفرض متطلبات إستثنائية لحساسية المعدات المستخدمة إذا ما أريد اكتشاف كواكب شبيهة بالأرض. ولزيادة الدقة، يقيس الفلكيون عدة آلاف من الأطوال الموجية في آن واحد. وينقسم الضوء إلى أطوال موجية مختلفة بإستخدام مطياف Spectrograph.

كيف أحدث الفائزون بجائزة نوبل ثورة في علم الفلك؟

وفي أوائل التسعينات، عندما بدأ ديدييه كويلوز حياته البحثية في جامعة جنيف، كان ميشيل مايور قد قضى بالفعل سنوات عديدة في دراسة حركة النجوم، وصنع أدوات القياس الخاصة به بمساعدة باحثين آخرين. وفي عام 1977، تمكن مايور من تركيب أول مطياف له على تلسكوب في مرصد Haute-Provence على بعد 100 كيلومتر شمال شرق مرسيليا. وهذا ما سمح بالحد الأدنى للسرعات بنحو 300 متر في الثانية، ولكن هذا الإرتفاع كان عاليا بحيث يمنعه من رؤية كوكب يسحب نجمه.

وبالاشتراك مع فريق البحث، طُلب من طالب الدكتوراه ديدييه كويلوز تطوير طرق جديدة لإجراء قياسات أكثر دقة. واستخدموا تكنولوجيات جديدة عديدة مكّنت من النظر بسرعة إلى العديد من النجوم وتحليل النتائج في موقعها. وبإمكان الألياف البصرية أن تحمل ضوء النجوم إلى المطياف دون أن تشوهه، وأن تعمل على تحسين أجهزة الاستشعار الرقمية للصور، وأن تزيد من حساسية الآلة للضوء (جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2009 لتشارلز كاو، وويلارد بويل، وجورج سميث). وتتيح الحواسيب القوية للعلماء تطوير برامجيات مصنوعة خصيصا لمعالجة الصور والبيانات الرقمية.

وعندما انتهى العمل على المطياف الجديد في ربيع عام 1994، نزلت السرعة اللازمة إلى بين 15 و10 متر في الثانية، وكان أول اكتشاف لكوكب خارجي يقترب بسرعة. في ذلك الوقت، لم يكن البحث عن الكواكب الخارجية جزءاً من علم الفلك السائد ولكن مايور و كويلوز قرروا أن يعلنوا عن اكتشافهم. وأمضوا عدة أشهر في صقل نتائجهم. في أكتوبر 1995 كانوا على استعداد لتقديم أول كوكبهم إلى العالم.

اكتشاف عدة عوالم جديدة: كان أول اكتشاف لكوكب خارج الأرض يدور حول نجم من النوع الشمسي سبباً في اندلاع ثورة في علم الفلك. تم الكشف عن آلاف العوالم الجديدة المجهولة. فالمنظومات الكوكبية الجديدة لا تكتشفها التلسكوبات على الأرض فحسب، بل تكتشفها الأقمار الصناعية أيضا. فالمقراب الفضائي الأمريكي TESS يقوم حاليا بمسح اكثر من 200 ألف نجم من النجوم الأقرب إلينا بحثا عن كواكب شبيهة بالأرض. وفي السابق، كان مقراب Kepler الفضائي قد أتى بمكافآت سخية، إذ عثر على أكثر من 2300 كوكب خارجي.

وإلى جانب الإختلافات في السرعة الشعاعية، يتم الآن استخدام القياس الضوئي العابر عند البحث عن الكواكب الخارجية. وهذه الطريقة تقيس التغيُّرات في شدة ضوء النجم عندما يمر كوكب أمامه في حالة ما إذا حدث ذلك على مرأى منا. ويتيح القياس الضوئي العابر أيضا للفلكيين أن يرصدوا الغلاف الجوي للكوكب الخارجي مع مرور ضوء النجم عليه في الطريق نحو الأرض. وفي بعض الأحيان يمكن استخدام كلتا الطريقتين؛ ويوفر القياس الضوئي العابر حجم الشبكة الخارجية، بينما يمكن تحديد كتلتها باستخدام طريقة السرعة نصف القطرية. ومن الممكن بعد ذلك حساب كثافة الكوكب الخارجي وبالتالي تحديد بنيته.

وقد فاجأتنا الكواكب الخارجية المكتشفة حتى الآن بتنوع مذهل في الأشكال والأحجام والمدارات. فقد طعنت أفكارنا المسبقة عن الأنظمة الكوكبية وأجبرت الباحثين على مراجعة نظرياتهم عن العمليات الفيزيائية المسؤولة عن ولادة الكواكب. ومن المقرر أن تبدأ عدة مشاريع في البحث عن الكواكب الخارجية، فقد نجد في نهاية المطاف جواباً للسؤال الأبدي حول ما إذا كانت الحياة موجودة في مكان آخر.

الشمس هي واحدة من عدة ملايين النجوم في مجرتنا درب التبانة، وينبغي أن يكون هناك كواكب تدور حول معظم تلك النجوم. حتى الآن ، اكتشف علماء الفلك أكثر من 4000 كوكب حول النجوم الأخرى وهم يواصلون البحث في مجال الفضاء الأقرب لنا.
المصدر: Noble Prize Website

بيانات هابل الجديدة وثابت جديد لمعدل توسع الكون اللانهائي

الكون يزداد حجمه كل لحظة، وتتمدد المسافات بين المجرات مثلما يحدث للعجين في الفرن. ولكن السؤال الأهم هنا، ما هو معدل توسع الكون؟ ولأن هابل والتلسكوبات الأخرى تم توجيهها للعثور على الإجابة، فأنهم قد أثاروا فرقًا مثيرًا بين ما يتوقعه العلماء وما ترصده تلك التلسكوبات.

يقول علماء الفلك العاملون بتلسكوب هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا أنهم تقدموا خطوة مهمة في الكشف عن التناقض بين الطريقتين الرئيسيتين في لقياس معدل توسع الكون. وتبين الدراسة الأخيرة أننا بحاجة إلى نظريات جديدة لشرح القوى التي شكلت الكون.

تشير قياسات هابل إلى أن معدل توسع الكون الحديث أكبر مما كان متوقعًا، وذلك استنادًا إلى كيفية نشأة الكون قبل 13 مليار عام. هذه القياسات تأتي من القمر الصناعي بلانك (Planck satellite) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. هذا التناقض تم تعريفه في الأوراق البحثية في السنوات الماضية، ولكن لم يكن واضحًا إن ما كان الاختلاف في تقنيات القياس هي السبب أم بعض الفروق في القيم المقاسة.

وقد تطورت دقة قياسات هابل خلال هذا العام. وهذه القياسات الأكثر دقة تجبرنا على اكتشاف فيزياء جديدة قد تكون ضرورية لشرح هذا التناقض.

ويقول آدم ريس، الحائز على جائزة نوبل في معهد مراصد علوم الفضاء:

“إن الاختلاف بين الكون المبكر والكون الحديث قد يكون أكثر التطورات الأخيرة في علم الكونيات منذ عقود، وقد كان هذا الاختلاف صغيرًا فيما مضى، إلا أنه ظل ينمو حتى وصل إلى نقطة لا يمكن استبعادها باعتبارها مجرد صدفة. هذا التفاوت لا يمكن أبدًا أن يحدث عن طريق الصدفة.”

يستخدم العلماء ما يسمى سلم المسافات الكونية (Cosmic distance ladder) لتحديد مكان وجود الأشياء في الكون. تعتمد هذه الطريقة على اجراء قياسات دقيقة للمجرات القريبة ثم الانتقال إلى مجرات أبعد وأبعد، وذلك باستخدام نجومها كمعلم ميليّ. يستخدم الفلكيون هذه القيم، بالإضافة إلى قياسات أخرى لضوء المجرات المحمر أثناء مرورها عبر الكون المتمدد، لحساب مدى سرعة توسع الكون مع الزمن، وهي قيمة تعرف باسم ثابت هابل. ويعمل العلماء وعلى رأسهم البروفيسور آدم رييس (Adam G. Ries) على السعي من أجل تحسين قيمة هذا الثابت.

في هذه الدراسة الجديدة، استخدم علماء الفلك تلسكوب هابل لمراقبة 70 من النجوم النابضة، والتي تسمى (متغير قيفاوي-Cepheids)، بداخل سحابة ماجلان الكبرى. وقد ساعدت هذه الملاحظات العلماء في “إعادة بناء” سلم المسافة من خلال تحسين المقارنة بين تلك النوابض وأقربائهم الأكثر بعدًا من السوبرنوفا الوليدة حديثًا. وقد خفض فريق رييس حالة عدم اليقين في قيمة ثابت هابل من 2.2% إلى 1.9%.

على الرغم من قياسات الفريق التي أصبحت أكثر دقة، إلا أن حساب ثابت هابل طل على اختلاف مع القيمة المتوقعة والمستمدة من ملاحظات تمدد الكون المبكر. هذه القياسات قد أجريت بواسطة القمر الصناعي بلانك، والذي رسم خريطة الكون المعروفة بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهي صورة ملتقطة لحالة الكون عندما كان عمره 380,000 سنة بعد الانفجار العظيم.

وبقد تمت فحص تلك القياسات بشكل دقيق، لذلك لا يمكن للعلماء إهمال أو استبعاد تلك الفجوة بين القيمتين نظرًا لاحتمال حدوث خطأ في القياس في واحدة منهما أو كلاهما. وقد تم اختبار كلتا القيمتين بطرق متعددة.

وقد أوضح رييس قائلاً:

“هذه ليست مجرد تجربتين مختلفتين، فنحن نقيس شيئًا مختلفًا اختلافًا جذريًا. الأول هو قياس مدى سرعة تويع الكون كما نراه اليوم. والثاني عبارة عن تنبؤ قائم على فيزياء الكون المبكر وعلى قياسات للسرعة يجب أن يتوسع بها. وإذا لم تتفق هذه القيم، فستكون هناك احتمالية قوية لأننا نفتقد شيئًا ما في النموذج الكوزمولوجي الذي يربط بين تلك الفترتين الزمنيتين من الكون.”

كيف تمت إجراء الدراسة الجديدة؟

يستخدم الفلكيون المتغيرات القيفاوية كمقاييس كونية لقياس المسافات القريبة بين المجرات لأكثر من قرن. ولكن محاولة حصاد مجموعة كبيرة من النجوم قد تستغرق وقتًا طويلًا بحيث لا يمكن تحقيقها. لذلك استخدم الفلكيون طريقة ذكية تسمى (Drift And Shift-DASH)، وذلك باستخدام تلسكوب هابل كنقطة تصوير والتقاط لالتقاط صور سريعة للنجوم النابضة المشعة للغاية، مما يلغي الحاجة المستهلكة للوقت للحصول على دقة كبيرة.

وأوضح ستيفانو كاسير تانو، أحد أعضاء الفريق:

“عندما يستخدم هابل توجيهًا دقيقًا عن طريق تتبع النجوم الدالّة، فإنه يمكنه رصد متغير قيفاوي واحد فقط كل تسعين دقيقة كزمن دورة تلسكوب هابل حول الأرض. ولذلك سيكون مكلفًا للغاية بالنسبة للتلسكوب أن يلاحظ كل متغير قيفاويّ، وبدلًا من ذلك فأننا نقوم بالبحث عن مجموعة من تلك النجوم النابضة بحيث تكون قريبة بما فيه الكفاية حتى نتمكن من التحرك بينها دون الحاجة إلى إعادة معاير التلسكوب. وهذه التقنية تسمح لنا بمراقبة عشرات النجوم النابضة خلال دورة التلسكوب الواحدة حول الأرض.”

بعد ذلك جمع علماء الفلك نتائجهم مع مجموعة أخرى من الملاحظات، وهي التي أدلى بها مشروع أراوكاريا (Araucaria Project) وهي تعاون بين علماء الفلك في تشيلي والولايات المتحدة وأوروبا. حيث أجرت هذه المجموعة قياسات المسافة إلى سحابة ماجلان الكبرى عن طريق رصد خفوت الضوء القادم من نجم واحد يمر أمام شريكه فيما ما يسمى كسوف الأنظمة النجمية الثنائية (Eclipsing binary-star systems). وهذا قد ساعد فريق رييس في تحسين قياس السطوع الفعليّ للنجوم النابضة. حيث تكمن الفريق مع هذه الدقة الإضافية، من تشديد البراغي لبقية سلم المسافة الذي يمتد لعمق الكون.

إن القيمة المقدرة الجديدة لثابت هابل هي 74 كيلومترًا في الثانية لكل ميجابارسك. هذا يعني أنه لكل 3.3 مليون سنة ضوئية لمجرة تبعد عنا، فإنها تبدو لنا أنها تتحرك مسافة 74 كيلومترًا لكل ثانية بشكل أسرع، وهذا كنتيجة لتمدد الكون.

ويشير هذا الرقم إلى أن الكون يتمدد بمعدل أسرع بنسبة 9% من التنبؤ ذو 67 كيلومترًا في الثانية لكل ميجابارسك، والذي يأتي من ملاحظات بلانك للكون المبكر، إلى جانب فهمنا الحالي للكون المبكر.

إذًا، ما الذي يفسر هذا التناقض؟

واحدة من التفسيرات المحتملة لهذا التناقض يتضمن ظهورًا غير متوقع للطاقة المظلمة في الكون المبكر، والذي يُعتقد أنه يشكل 70% من الكون. ويقترح فلكيون من جامعة جونز هوبكينز نظرية يطلق عليها (الطاقة المظلمة المبكرة-early dark energy)، حيث تشير إلى أن الكون تطور مثل مسرحية ثلاثية الفعل.

افترض العلماء بالفعل أن الطاقة المظلمة قد تكون موجودة في الثواني الأولى من ولادة الكون ودفعت المواد في أنحاء الفضاء، حيث بدأ التوسع الأولي. ربما تكون الطاقة المظلمة هي السبب وراء التوسع السريع للكون لما هو عليه اليوم. تشير النظرية إلى أن هناك حلقة ثالثة للطاقة المظلمة بعد فترة ليست بكبيرة بعد الانفجار العظيم، والتي عملت على تمدد الكون بمعدل أسرع مما هو متوقع. وما تبقى من هذه الطاقة المظلمة الأولية يمكن أن يفسر سبب اختلاف قيمتي ثابت هابل.

وهناك فكرة أخرى تقول بأن الكون يحتوي على جسيمات دون ذرية جديدة تتحرك بسرعة مقاربة لسرعة الضوء. وتسمى هذه الجسيمات بالإشعاع المظلم، وتشمل مجموعة من الجسيمات المعروفة بالنيوتريونات، والتي تتكون في المفاعلات النووية.

وهناك فكرة أخرى مثيرة، وهي أن المادة المظلمة، وهي شكل غير مرئي للمادة لا تحتوي بروتونات ولا إلكترونات ولا نيوترونات، تتفاعل بشكل قوي مع المادة العادية أو الإشعاع الذي ذُكر آنفًا. لكن مازال التفسير الحقيقي للاختلاف لغزًا غامضًا.

إن الكون الفسيح في حالة تمدد مستمر، وتلك حقيقة لا يمكن الجدال حولها. وسيظل العلماء باحثين خلف معدل التمدد الحقيقي للكون الحالي، ففريق رييس سيواصل استخدامه لتلسكوب هابل حتى يقلل حالة عدم اليقين إلى 1%، وقد يساعد هذا العلماء على تحديد سبب التناقض بين القيمتين المتوقعة والفعلية المقاسة.

إعداد وتقديم: محمد المصري

المصادر:

Exit mobile version