مساحات خضراء حضرية حول العالم

منذ تشكّل أول مدينة في العالم –أوروك– حوالي 4000 سنة قبل الميلاد وحتى الآن يزداد التحضر أكثر فأكثر على حساب الريف. وأصبحت الحاجة إلى المساحات الخضراء الحضرية ذات أهمية متزايدة، إذ لا توفر قيمة جمالية فحسب بل تساهم أيضًا في صحة السكان ورفاهيتهم. وقد تتخذ المساحات الخضراء الحضرية أشكالًا مختلفةً من الحدائق العامة إلى الجدران الخضراء، والمنتزهات والأسطح الخضراء. وسوف نستكشف في هذا المقال بعض الأمثلة عن المساحات الخضراء مع التركيز على تصميمها، وتنفيذها، وتأثيرها على البيئة والمجتمع.

حديقة بنجاكيتي في بانكوك

تقع حديقة «بنجاكيتي-Benjakitti» في بانكوك عاصمة تايلاند، وهي منتزه متاح للجميع. وتعاني تايلاند بشكل عام من الرياح الموسمية، والفيضانات، والجفاف. نتيجةً لذلك، صمّمت الحديقة لتعمل كإسفنجة تحتفظ بمياه الأمطار في موسم الأمطار، من ثم تصرف المياه في موسم الجفاف بسعة مائية تبلغ 128 ألف متر مكعب. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الحديقة في تنقية مياه قناة مجاورة لها ملوثة بالجريان السطحي، ومياه المجارير. مما ينتج حوالي 1600 متر مكعب من المياه النظيفة يوميًا.[1]

حديقة بنجاكيتي في بانكوك عاصمة تايلاند.

احتوى موقع الحديقة على مستنقعات مع مستويات عالية من المياه الجوفية. واستخدمت طريقة الزراعة التقليدية التايلاندية للحفاظ على جذور الأشجار أعلى من المستنقعات من أجل تجنب الفيضانات. وتمتلك أيضًا مسارات تساعد على تصريف المياه، وقنوات الري. وقد قام المشروع بتحويل التربة السطحية الطينية إلى موئل رطب وإسفنجي مما سمح بنمو النباتات المحلية بأقل قدر من الري. فزرع حوالي 5600 شتلة من 360 نوع وهي أشجار أصلية نادرة في حوض النهر المركزي، مختلطةً مع نباتات صغيرة ومتوسطة الحجم توفّر الظل. كما تم الحفاظ على جميع الأشجار الموجودة سابقًا في الموقع، وأدمجت في تصميم الحديقة.[1]

مسطّح تاينان

تقع مدينة تاينان في تايوان، وتميّزت أساسًا في الصناعات البحرية وصيد الأسماك منذ القرن ال17. لكن شهدت المدينة في الثمانينيات خروجًا عن هذا النهج الحضري التاريخي، فبني مركز تسوّق الصين-تايوان على قمة الميناء القديم عام 1983. وبعد مرور الوقت أصبح عبارة عن هيكل تجاري كبير لم يعد يخدم الغرض المقصود منه. لذلك سعت المدينة إلى إزالة المركز وإعادة تدويره بدقة. فقامت شركة MVRDV المعمارية بتصميم وتنفيذ مشروع Spring Tainan.

Spring Tainan في تايوان.

حوّلت الشركة موقف السيارات تحت الأرض إلى ساحة عامة يهيمن عليها حمام سباحة، ومناطق خضراء تحيط بها ممر مظلّل. وخطّطت بعناية لجعلها بقعة تجمّع مثالية لجميع الفصول، إذ يرتفع منسوب المياه، وينخفض استجابةً لمواسم الأمطار والجفاف. كما يقلّل الرذاذ من درجة الحرارة في الطقس الحار، ويقلّل من استخدام التكييف في أشهر الصيف. ويضم الموقع ملاعب، ومساحات تجمّع، ومسرح للعروض. كما يحتوي على مناطق يمكن تحويلها لاحقًا إلى محلات تجارية، وأكشاك، وأمور إضافية.[2]

Spring Tainan في تايوان.

سعى المشروع إلى جلب الخضرة إلى المدينة، وإدخال مساحات واسعة مزروعة بالنباتات المحلية. وأثّر بالمجمل على المنطقة فانخفضت حركة المرور في الشوارع. وفي حين تعذّر إزالة عناصر البنية التحتية السابقة للمشروع، فطُليت بلون موحّد في محاولة للتقليل من وجودها البصري. من ثم اختارت المدينة عددًا من الفنانين المحليين لتزيين هذه الهياكل. كما كشف عن جزء من هيكل الطابق السفلي الثاني باستخدام أرضية زجاجية مما يسمح للناس فهم تاريخ الموقع، وتقديره كجزء مهم من تاريخ المنطقة.[2]

Spring Tainan في تايوان.

ساحة الوحدة في ليتوانيا

أرادت مدينة كاوناس في ليتوانيا إعادة تصميم ساحة الوحدة المغمورة بالتاريخ بمبانيها المنتمية لعصور مختلفة. واستقر المشروع على شركة 3DELUXE ودعي باسم V-plaza. أرادت الشركة خلق مساحة حيوية تفاعلية تواكب احتياجات الشباب المتغيرة.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

طورت الشركة مستويين من التصميم أحدهما خطي ويشكل السياق التاريخي، حيث تؤخذ محاور الرؤية والحركة الموجودة سابقًا في الاعتبار. بينما صمّمت المستوى الثاني ليكون عضويًا، ومائعًا، ويعكس التدفقات الطبيعية لحركة المارة. وتضم البنية بالإضافة إلى الممرات أماكن لسير الدراجات الهوائية والنارية، وقسم المقاهي، والمطاعم. إضافةً إلى مسطّحات مائية، وأماكن خاصة بالتزلج، وأضيف مدرج جديد يمكن استعماله للعروض.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

تحتوي الساحة على مسطّحات خضراء مائلة بلطف، وأحواض مائية تربط مستويات الساحة المختلفة. ويستند اختيار النباتات على الأنواع المحلية بسبب ذلك يكثر الصنوبر والبتولا مع الأعشاب، والشجيرات الصديقة للحشرات. وقد نفّذت الساحة بمواد الجرانيت الخفيف، والخشب، والخرسانة البيضاء لخلق جو مرحب بالزوار. وتستخدم الساحة اليوم للاحتفالات، والمهرجانات، والأسواق، وتعد عمومًا موقعًا مناسبًا كمنطقة ترفيهية يومية للسكان.[3]

الحديقة الأسترالية

اكتملت الحديقة الأسترالية عام 2012، وهي أكبر حديقة نباتية مخصّصة للنباتات الأسترالية المحلية. تتيح للزوار أن يتابعوا عبر مسار مائي المناظر الطبيعية للبلاد من الصحراء إلى الطرف الساحلي، ويجمع هذا المشهد التكامل بين البستنة، والهندسة المعمارية، والبيئة، والفن.[4]

الحديقة الأسترالية.

يضم الجانب الشرقي من الحديقة معارض الحدائق والمناظر الطبيعية، ومصفوفات الغابات بطريقة توضّح ميل الشعب إلى ترتيب المساحات الخضراء الحضرية بطريقة رسمية. بينما يضم الجانب الغربي الحدائق التي تستلهم من الدورات الطبيعية، وأشكال الزهور غير المنتظمة. ويلعب الماء دور الوسيط بين الجانبين.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعد المشي في المشهد الأسترالي رحلةً من التحولات والقفزات المستمرة، فالمرء لا يسافر أبدًا في خط مستقيم. وتعترض النباتات الطريق كثيرًا، وتتغير المسارات وفقًا للمشهد الطبيعي، وأحيانًا لا يبقى المسار ظاهرًا حتى. نتيجةً لذلك لا يحمل كل زائر إلى بيته الرسالة نفسها، إذ يختبر كل شخص تجربةً مختلفةً وفريدةً.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعتبر هذا المشروع أكبر حديقة نباتية مكرّسة لعرض النباتات الأسترالية، كما تلعب دورًا مهمًا في حماية التنوع البيولوجي. وتستخدم كذلك لأغراض علمية وتعليمية، بالإضافة إلى التسلية من خلال حلقات العمل التفاعلية، والسينما، والأسواق، والمقاهي.[4]

سنترال بارك في نيويورك

دفع التوسع الحضري المتزايد في أربعينيات القرن ال19 في مانهاتن الأمريكية إلى الدعوة لبناء حديقة جديدة كبيرة. وانتهى شراء الأراضي حوالي عام 1856 وبدأ بناء حديقة «سنترال بارك- Central park» وتعتبر اليوم أكبر وأهم حديقة في مانهاتن. فتبلغ مساحتها 340 هكتارًا، وهي واحدة من أوائل الحدائق الأمريكية المطوّرة باستخدام مبادئ هندسة المناظر الطبيعية.[5]

Central park في نيويورك.

نُقل خلال بناء الحديقة ملايين عربات الأتربة والتربة السطحية لتنفيذ التضاريس. وزرع حوالي 5 مليون شجرة وشجيرة، كما وضع نظام إمدادات المياه، وشيّد العديد من الجسور والأقواس والطرق.[5]

افتتحت سنترال بارك رسميًا عام 1876 ولاتزال واحدةً من أعظم الإنجازات في المناظر الطبيعية الاصطناعية. حيث تتنوّع تضاريسها ونباتاتها بشكل كبير وتتراوح من منحدرات عشبية مسطحة إلى وديان صخرية حادة، ونوافير و3 بحيرات صغيرة. وتحتوي الحديقة على العديد من الحصون التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن ال19، وإبرة كليوباترا وهي مسلة مصرية قديمة.[5]

منتزه سيرينغيتي الوطني في تنزانيا

تأسس منتزه «سيرينغيتي- Serengeti» الوطني عام 1951 في شمال وسط تنزانيا، ويغطي مساحة 14.763 كم. ويعد من أفضل المراعي في أفريقيا، ويشتهر بقطعانه الضخمة من الحيوانات. حيث يعتبر المكان الوحيد في أفريقيا الذي لايزال يجري فيه هجرات واسعة للحيوانات البرية.[6]

منتزه Serengeti الوطني في تنزانيا.

يضم المنتزه أنواع كثيرة من الحيوانات مثل الغزلان، والأفيال، والزرافات، والحمير الوحشية، والأسود، والضباع، والنمور، والفهود، والتماسيح. كما يسجّل أكثر من 350 نوعًا من الطيور بما فيها النعام والنسور. بلا شك يمتلك المنتزه أهميةً بيئيةً كبيرةً، ويساعد في حماية التنوع الحيوي، وقد أُدرج ضمن قائمة اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي.[6]

يمكننا ضمان حياة كريمة للأجيال القادمة من خلال العناية بالاستدامة، والاستثمار في المساحات الخضراء الحضرية. وسواء كنت تتمتع بنزهة قصيرة في حديقة مجاورة أو أعجبت بمنتزه ضخم فإن هذه المساحات الخضراء تذكرنا دائمًا بأهمية الطبيعة في حياتنا.

المصادر

  1. Archdaily
  2. MVRDV
  3. 3DELUXE
  4. Archdaily
  5. Britannica
  6. Britannica

ما دور المساحات الخضراء في العمارة المستدامة؟

يسيطر الفولاذ، والخرسانة، والزجاج على أفق مدننا الصاخبة، وقد يبدو الزحف العمراني أحيانًا بلا نهاية. وتبرز في زحمة المباني الكثيرة المساحات الخضراء كرئتين حيويّتين لمدننا، فتربطنا مع الطبيعة. ولا شك أن العشب والأزهار يثيران مشاعر البهجة والراحة لدينا، فما أهمية المساحات الخضراء في التخطيط العمراني؟

ارتفاع درجات الحرارة في المدن

امتلأ ثلث مركز فينيكس أريزونا للحروق بالمصابين بحروق شديدة إثر سقوطهم على شوارع المدينة الإسفلتية في تموز سنة 2023. وصدرت تنبيهات عامة تحذّر السكان من مخاطر الحرارة المرتفعة للأسفلت والتي قد تصل إلى 82 درجة مئوية في فترة ما بعد الظهر. وقد حدثت هذه الحروق بسبب التعثر العرضي في الشوارع، أو من حالات الإغماء الناجمة عن الحرارة الشديدة. وقد أثبتت أغلب مدننا أنها لا تستجيب للتغيّر المناخي، والاحتباس الحراري الحاصل، لذلك قدّم المخططون العمرانيون المساحات الخضراء كحل محتمل للتخفيف من شدة الإجهاد الحراري في الأماكن العامة. [1]

ماذا يقصد بالمساحات الخضراء؟

خلقت عملية التحضّر السريع بيئةً غير طبيعية، ويتّفق اليوم المخططون، وعلماء البيئة، والاقتصاد، والاجتماع على ضرورة وجود مساحات خضراء تتخلّل المدينة. وتضم المساحات المفتوحة العامة والخاصة التي تغطيها النباتات في المقام الأول، وتشمل المنتزهات، والحدائق، والمزروعات بين فواصل الطرق وعلى جوانب الشوارع، وغيرها من المسطّحات الخضراء.[2]

مستويات المساحات الخضراء

تصنّف المساحات الخضراء عادةً في 3 مستويات؛ على المستوى الإقليمي، ومستوى المدينة، ومستوى الحي، وتختلف نسبتها ومساحتها بحسب مستواها. وتمتلك عمومًا شخصيتين رئيسيتين تميّزها وهما البنية والنمط. فالبنية هي الخصائص الرأسية للمناظر الطبيعية بما في ذلك أنواع النباتات المزروعة، وأنواع الموائل، والأشكال البيئية. بينما النمط هو الخصائص الأفقية مثل الترتيب المكاني للمزروعات، وأحجامها، وربط المناطق البيئية ببعضها.[2]

فوائد المساحات الخضراء

على مستوى البيئة

يعد تلوث الهواء والضوضاء ظاهرةً شائعةً في المناطق الحضرية، وينتجان عن وجود العديد من الآليات التي تطلق أول وثاني أكسيد الكربون، وبسبب انبعاث الغازات من المصانع مثل ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النتروجين التي تعتبر شديدة السميّة للبشر والبيئة على حد سواء. ويمكن أن يقلّل تخضير المناطق الحضرية من ملوثات الهواء عندما تحتجز النباتات جزيئات الغبار والدخان. وقد أظهرت الأبحاث أنه في المتوسط يمكن ترشيح حوالي 85% من ملوثات الهواء في الحدائق. ويمكن كذلك أن تقلّل المسطّحات الخضراء من مستويات الضوضاء اعتمادًا على كميّتها، ونوعيتها، وبعدها عن مصدر التلوث.[2]

تعمل المساحات الخضراء كمركز حماية لتكاثر الأنواع، والحفاظ على النباتات، والتربة، ونوعية المياه. على سبيل المثال؛ تخفّف المساحات الخضراء من مياه العواصف مما يشكّل تدبيرًا جيدًا لتقليل حدّة الفيضانات. كما تعد صلة وصل بين المناطق الريفية، والحضرية فهي تشعر سكانها بالتغيّر الموسمي، وتربط المدن بعالم الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، توفّر المسطّحات الخضراء للمدن خدمات النظام البيئي التي تتراوح من الحفاظ على التنوع البيولوجي إلى تنظيم المناخ.[2][3]
تحدث في المدن ظاهرة الجزر الحرارية إذ تمتص الأسطح البيتونية والزجاجية الحرارة، وتحتفظ بها، وتعكسها. نتيجةً لذلك، ترتفع درجات الحرارة في المدن بمقدار 5 درجات مئوية تقريبًا عن محيطها. وتستطيع الغابات، والغطاء النباتي، والمسطحات المائية تخفيف حدة هذه الظاهرة.[2]

على مستوى الاقتصاد

تُحسّن النباتات دوران الهواء، وتوفّر الظل مما يساعد على التبريد، وخفض درجات الحرارة بالتالي تقليل تكلفة الطاقة اللازمة لتبريد المباني. على سبيل المثال؛ كشفت دراسة في شيكاغو أن زيادة مساحة الغطاء النباتي بنسبة 10% يمكن أن يخفّض إجمالي الطاقة اللازمة للتدفئة والتبريد بنسبة 5-10%. [2]

كما تدل المؤشرات أن المساحات الخضراء تزيد من قيم العقارات، وإعادة التحوّل المالي لمطوّري الأراضي بنسبة تتراوح بين 5-15% بحسب نوع المشروع . فمثلًا أدى تجميل سنغافورة وماليزيا، والاهتمام بالغطاء النباتي إلى جذب استثمارات أجنبية كبيرة ساعدت على النمو الاقتصادي.[2]

على مستوى المجتمع

يلبّي الناس معظم احتياجاتهم الترفيهية داخل المنطقة التي يعيشون فيها، وتوفّر المساحات الخضراء مكانًا مناسبًا لهم. على سبيل المثال؛ أشارت دراسة أجريت في هلسنكي عاصمة فنلندا إلى أن أغلب السكان -حوالي 97% منهم- يشاركون في أنشطة ترفيهية في الهواء الطلق خلال العام. ويقوم نصف النزلاء بزيارات في الهواء الطلق على أساس يومي أو كل يومين. أيضًا تستقطب حديقة Chapultepec في المكسيك 3 ملايين زائر في الأسبوع يستمتعون بمجموعة واسعة من الأنشطة الترفيهية.[2]

حديقة Chapultepec في المكسيك.

يؤثر الغطاء النباتي على الصحة البدنية للإنسان، ويقلّل عمومًا مستوى الإجهاد والضغط. وقد أظهرت دراسة أن المرضى الذين واجهت غرفهم الحديقة في المستشفيات، كان شفاؤهم أسرع بنسبة 10% واحتاجوا إلى 50% دواء أقل قوة لتخفيف ألمهم مقارنةً مع المرضى الذين واجهت غرفهم جدار المبنى.[2]

يؤثر تدهور البيئة في الأحياء السكنية سلبًا على شعور السكان بالأمن، وقد يزيد من احتمال حدوث الجرائم. وتفيد دراسة أمريكية أن تخضير المدن قد يقلّل ذلك، ويرافق ذلك زيادة في النشاط البدني حيث يميل الناس إلى ممارسة الرياضة في بيئة أكثر نظافةً، واخضرارًا، وأمانًا. بالإضافة إلى ذلك، توفّر المساحات الخضراء فرصًا للتفاعلات الاجتماعية مما يساعد في الحد من العزلة، ويعتبر هذا العامل مهمًا بشكل خاص لفئات المسنين.[3]

لماذا يقصد الناس المساحات الخضراء؟

يهتم المخطّطون لفهم سبب ذهاب الناس إلى المساحات الخضراء، وهي أسباب متنوعة على نحو لا يثير الدهشة. وغالبًا ما يكون الغطاء النباتي مكانًا لممارسة الرياضة والنشاط البدني سواءً على أساس فردي أو جماعي. وتشمل الاستخدامات الأخرى الاسترخاء، والحد من الإجهاد أو التواصل مع الطبيعة، أو طريق للتنقّل. ولا يرى جميع المستخدمين المساحات الخضراء بنفس الطريقة، نتيجةً لذلك يستوجب على المخطّطين دراسة تنوّع الأسباب من أجل الوصول إلى التخطيط العمراني الفعّال.[3]

أشارت دراسة أسترالية أن الفئات المختلفة للمستخدمين تمتلك متطلبات مختلفة من المساحات المفتوحة. على سبيل المثال؛ قد يجد البعض أن المسطّحات المائية هادئة، وجذابة في حين قد ينظر إليها آباء الأطفال الصغار على أنها خطر على سلامة أطفالهم.[3]

محدّدات استخدام المساحات الخضراء العامة

تعتبر محدّدات استخدام المساحات الخضراء العامة معقدةً، ومترابطةً، ومتغيرةً كما يحدد حجمها كيفية استخدامها حيث أن المساحات الأكبر تكون عرضةً أكثر للاستخدام في الرياضة. بينما تستخدم المساحات الأصغر في المقام الأول من أجل الراحة والتفاعل الاجتماعي. ذكرت بعض الدراسات كذلك أهمية الوصول إلى المساحات الخضراء، واعتبرت أن المسافة المثلى للوصول تكون أقل من 0.5 كم أو 5 دقائق للمشي. كما أن سهولة الوصول مهمة مثل وجود مسارات للدراجات، والحد الأدنى من العوائق كعدم الحاجة إلى عبور طرق مزدحمة. مثلًا أظهرت دراسة في أودنسي في الدنمارك أن 46% من المستطلعين لم يستخدموا المسطّح الأخضر الأقرب إليهم، بينما وجدوا أن الذين أنجبوا طفلًا دون 6 سنوات، أو يرعون كلبًا، أو يعانون من صحة سيئة هم أكثر احتمالًا لاستخدام أقرب مساحة خضراء إليهم.[3]

تعد مفاهيم النظافة، والأمن، والسلامة محدّدات مهمة، إذ غالبًا ما ترتبط المساحات العامة المهجورة بأنشطة بغيضة مثل القمار غير القانوني، والتشرد، والبغاء فضلًا عن الجريمة، والتخريب. مما ينعكس سلبًا على بعض فئات المستخدمين ولاسيما النساء، والأطفال، والمسنين. بالإضافة إلى ذلك، تلعب مشاعر التماسك الاجتماعي دورًا مهمًا في لجوء الأفراد إلى الحدائق العامة، وقد تكون المجموعات العرقية والأقليات أقل احتمالًا لاستخدامها. [3]

مستقبل مستدام للمدن

في إطار السعي إلى تحقيق التنمية الحضرية المستدامة يبرز الدمج بين الهندسة المعمارية والمساحات الخضراء كأداة قوية لإنشاء مدن فعّالة، ونابضة بالحياة، وشاملة للجميع. فلا يكمن مستقبل العمارة في المباني الشاهقة، وناطحات السحاب فحسب بل في التكامل السلس للطبيعة مع المنشآت المبنية.

المصادر

  1. Archdaily
  2. Research Gate
  3. National Library of medicine

هل تتحول نماذج المدن الذكية في الوطن العربي إلى واقع؟

هذه المقالة هي الجزء 18 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تمتلك مدن الخليج العربي مؤشرًا ضعيفًا جدًا لقدرة السكان على المشي. إذ يعد السير مستحيلًا أحيانًا بسبب الأحوال الجوية الحارقة وخاصةً في فصل الصيف، وكذلك بسبب اعتماد السكان المفرط على السيارات الخاصة. نتيجةً لذلك تسعى الدول لإيجاد حلول للتشجيع على التنقّل المستدام، وذلك عن طريق الحلول الحضرية الذكية.[1] فما هي المدن الذكية في الوطن العربي، وكيف تتحوّل إلى واقع ملموس؟

ظهور المدن الذكية في الوطن العربي

تكثر شعبية المدن الذكية في الوطن العربي وخاصةً في دول الخليج العربي مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. ويمكن أن يعزى ذلك إلى ازدياد الوعي بأزمة البيئة العالمية، والحاجة إلى حلول مبتكرة للاستدامة. فتحلّ المباني الذكية ذات العمارة الخضراء محل الأبراج الشاهقة ذات الواجهات الزجاجية.[2]

تحديات تنفيذ المدن الذكية في الوطن العربي

يواجه الوطن العربي عدّة تحدّيات متعلّقة بتنفيذ المدن الذكية ومنها:

  • النظم التقليدية، لا تستطيع النظم التقليدية الاستجابة لطبيعة مطالب المدينة الذكية، وتقديم الحلول وفقًا للمعايير التي تلبّي طموح التخطيط. حيث تعد الاختيارات التقليدية عقيمةً مع التطور المستمر للتقانة.[3]
  • الكثافة السكانية، تشهد العديد من المدن في البلدان العربية نموًا سكانيًا سريعًا مما يشكّل ضغطًا على البنية التحتية، والخدمات القائمة فيها.[3]
  • البنية التحتية الضعيفة، يواجه صنّاع القرار، والمخططون العرب تحديات عديدةً بسبب ضعف البنية التحتية.[4]
  • التحضر السريع، يؤدي التحضر السريع إلى زيادة معدل الانبعاثات، وهدر الموارد، والنمو السكاني، وضعف البنية التحتية. ويشتد على نحو خاص في الدول النامية مثل مصر، حيث لا يزال تحويل المدن إلى مدن ذكية عند مستوى البداية.[4]
  • نقص التمويل، يتّسم هذا التحدي بالحدّة بوجه خاص في بلدان ما بعد الحرب مثل سوريا. إذ تتمثّل الحاجة الفورية لإعادة الإعمار في توفير بنية تحتية كافية لمواكبة الوتيرة المتزايدة للتحضُّر بعد الحرب. يأتي هنا دور التقنيات الذكية لتحقيق قفزات نوعية بعد الحرب، لكن تواجه هذه الدولة عادةً تحديات نقص التمويل، وقلّة نماذج الأعمال المتطوّرة.[5]
  • جوانب ثقافية واجتماعية، تتطلّب المدن الذكية تغييرات في الجوانب الثقافية، والاجتماعية للمجتمعات العربية، وقد يستغرق هذا الأمر وقتًا لتنفيذه.[6]

مبادرات المدن الذكية في دول مجلس التعاون الخليجي

اتّخذت دول مجلس التعاون الخليجي -والتي تشمل البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات- مبادرات لإنشاء مدن ذكية. إذ تعتبرها الحكومات وسيلةً لتعزيز التنوّع الاقتصادي للمنطقة، وتحسين نوعية الخدمات العامّة. وقد جعلت أزمة أسعار النفط المستمرّة من المدن الذكية سبيلًا ممكنًا للتنويع الاقتصادي، وزيادة القدرة التنافسية. ويعد عمومًا دور القيادة والثقافة التنظيمية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح هذه المبادرات.[7][8]

حالات لمدن ذكية في الوطن العربي

مدينة نيوم في السعودية

يجري بناء مدينة «نيوم -NEOM» في السعودية كجزء من مبادرات البلد لخلق مجتمع متكامل مع ثقافات وأنماط حياة متنوّعة. وهي خطّة من مشروع التحوّل إلى اقتصاد قائم على المعرفة (رؤية 2030). حيث تسعى الحكومة لإنشاء مدينة تعتمد على تقنيات مبتكرة تدمجها في طرق المعيشة والعمل من أجل خلق نموذج حياة جديد مستدام ومزدهر.[9]

تقع نيوم في شمال غرب السعودية على طول ساحل البحر الأحمر، وهي منطقة معرّضة للفيضانات. نتيجةً لذلك درس الخبراء وضع تقنيات الاستشعار عن بعد، ونظم المعلومات الجغرافية GIS. لتقييم مخاطر الفيضانات المفاجئة في المدينة، وتحديد درجات المخاطر في المناطق المختلفة.[10]

خريطة لتصنيف درجات خطر الفيضانات المفاجئة في مدينة NEOM.

يسعى المخططون لجعل نيوم مدينةً مستدامةً، ومركزًا للطاقة المتجدّدة الخالية من الكربون. فسعوا إلى توفير طاقة نظيفة من غير الاعتماد على الوقود الأحفوري، وساعدهم على ذلك موقع المدينة. حيث يعتبر واحدًا من أغنى الموارد الطبيعية في المنطقة من حيث الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.[11] وصمم الخبراء «نظام الطاقة المتجددة الهجين- HRES» وهو نظام يدمج مختلف مصادر الطاقة المتجددة مثل الخلايا الكهروضوئية PV، وتوربينات الرياح، محوّلات الطاقة، ومولِّدات الديزل، والبطّاريات. بهدف تلبية ذروة الحمولة المطلوبة البالغة 1353 كيلو واط.[12] والخلايا الكهروضوئية هي خلايا تُحوِّل الضوء إلى كهرباء باستخدام موادّ شبه موصلة.

من المقرّر أن تصبح المدينة مركزًا للابتكار وخاصّةً بالنسبة للجهات الناشئة، والأعمال التجارية العالمية. إذ ستوصل جميع المنشآت التجارية، والمجتمعات المحلية فيها من خلال إطار رقمي يشمل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات التي تتعلّم وتنمو باستمرار. وستحلّل أكثر من 90% من البيانات من أجل توفير نظام تنبؤي مع خدمات تتحسن باستمرار للسكان والشركات.[13]

مدينة لوسيل في قطر

تقع مدينة لوسيل على بعد حوالي 23 كم شمال الدوحة في قطر. وتسعى لتحسين نوعيّة حياة الأفراد، وتعزيز تنمية الأعمال التجارية مع الأخذ بعين الاعتبار الخصائص الثقافية، والطبيعية لدولة قطر. كما صُمّمت المدينة لتصبح وجهةً للزوّار والشركات، ولاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.[14]

نفّذت لوسيل نظام حوكمة ذكي يتضمّن نظامًا شاملًا للحكومة الإلكترونية، وبنيةً تحتيةً رقميةً بغاية تحسين كفاءة وشفافية الخدمات الحكومية مع خفض هدر الورق. واعتنت كذلك بميزات المعيشة الذكية التي تشمل المنازل الذكية، والخدمات الذكية بهدف خفض استهلاك الطاقة، وانبعاثات الكربون.[15]

تتمتّع لوسيل بنظام تنقل ذكي شامل يتضمّن:

  • إدارة مواقف السيارات والتوجيه، وهو برنامج يساعد السائقين على العثور على مواقف سيارات متاحة بسرعة وسهولة.
  • مراقبة إشارات المرور، وهو نظام يعدّل إشارات المرور باستمرار على أساس ظروف المرور. بهدف الحد من الازدحام، وتحسين تدفّق حركة المرور، وتقليل الحوادث.
  • تشجيع المشي وركوب الدراجات في الطرق الحضرية المزدحمة.
  • نظام معلومات، صنعت المدينة نظامًا يوفّر معلومات آنيةً عن الحافلات، وسيارات الأجرة، ومركبات الأجرة المائية لمساعدة الركاب على تخطيط رحلاتهم.
  • مرافق تخطيط الرحلات، تتيح للمسافرين تخطيط رحلاتهم المختلفة باستخدام وسائل نقل متعدّدة.[14]

ترتكز رؤية مدينة لوسيل على أربع نقاط وهي المستقبل، والناس، والأعمال، والتكامل. والتي تتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030 في سياق التنمية البشرية، والخدمات، والنظم الذكية.

مدينة دبي في الإمارات

تحاول دبي أن تصبح مدينةً ذكيةً ذات اقتصاد بيئي، وتهدف إلى أن تكون المدينة الأكثر استدامةً. لذلك جعلت البيئة جزءًا من خطتها الاستراتيجية الشاملة من أجل تحسين الظروف البيئية للإمارة. على سبيل المثال؛ تشجّع أنظمة ومواصفات البناء الأخضر في دبي جميع المقاولين على بناء مبانٍ مستدامة من أجل غد أكثر صداقةً للبيئة. وتغطّي اللوائح والقوانين مجموعةً واسعةً من المواضيع المتعلّقة بتصميم المباني الخضراء بما في ذلك التخطيط البيئي، والعمارة الحيوية، وكفاءة الموارد.[16]

خطة دبي للطاقة النظيفة لعام 2050.

تعد دبي مقصدًا للسيّاح ويعتبر إكسبو دبي Expo city مثالًا على السياحة الذكية. ويسلِّط الضوء على استخدام التقانة الذكية في كل من المناطق السكنية، والأماكن السياحية. ويعرض التطبيقات الجديدة كالجيل الخامس 5G، والبيانات الكبيرة، وإنترنت الأشياء IoT، والروبوتات.[17]

يزداد عدد المسنين في دبي ومن المتوقع أن تصل نسبة الأشخاص فوق سن ال65 إلى 24.3% بحلول عام 2030. نتيجةً لذلك تصمم دبي المنزل الذكي للمسنين من خلال التركيز على تفضيلاتهم، واحتياجاتهم، فضلًا عن الفوائد المحتملة بالنسبة لصحّتهم، وسلامتهم.[18] وتتواجد في هذه المنازل عدّة ميّزات ومنها:

  • إدارة الصحة، تُستعمل التقنيات الذكية لإدارة الحوادث، والأمراض المزمنة والشائعة بين المسنين. على سبيل المثال؛ تركب أجهزة استشعار للكشف عن السقوط في غرف النوم أو المعيشة، من ثم تنبِّه مقدمي الرعاية أو الطوارئ.[18]
  • الأمن والمراقبة، تستخدم الميزات الأمنية المتقدّمة مثل الرصد عن بعد، وكاميرات الأمن، ومستشعرات الحركة لمنع الحوادث مما يزيد شعور الأمان. كما تستخدم هذه الأجهزة لمراقبة الأنشطة اليومية للمسنين مثل أنماط النوم، والأكل، وجداول الأدوية مما يفيد في الكشف عن أي تغييرات في السلوك والتي قد تشير إلى مشاكل صحية.[18][19]
  • دعم المعيشة المستقلّة، تسمح الأجهزة الذكية للأفراد بالتحكُّم في بيئتهم مثل تشغيل الأضواء، وضبط درجة الحرارة، وفتح الأبواب وذلك عن طريق الأوامر الصوتية، أو الوصول عن بعد. فتحافظ على الحياة المستقلة للمسنين لفترات طويلة من الزمن.[19]

يعتمد عمومًا تطبيق المنزل الذكي على بحوث، وتحليلات لتفضيلات المسنين في دولة الإمارات لضمان نجاح هذه الميزة، وتحسين الخدمات.[18]

مدينة مصدر في الإمارات

تركز مدينة مصدر في الإمارات على الاستدامة، وكفاءة الطاقة، والتصميم المبتكر. فصُمّمت المدينة لتكون غنيةً بمصادر الطاقة المتجددة وخاصةً الطاقة الشمسية. وهي أوّل مدينة خالية من الكربون، والنفايات، وتتزوّد بالطاقة بشكل كامل من الطاقة المتجدّدة. وتتميّز المدينة بمبانٍ مستدامة مثل معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا. علاوةً على ذلك، تهدف إلى جذب الخبرات الدولية الرائدة، والأكاديميين، والتجّار.[20]

معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا.

بُنيت مصدر كمدينة خالية من السيارات الخاصة، مع التركيز على خيارات التنقّل المستدامة والصديقة للبيئة. فتتميّز بنظام «النقل السريع الشخصي- PRT» وهو نظام سيارات كهربائية ذاتية القيادة، أي تعمل بدون سائق على الطرق الإرشادية. ويوفّر نظام PRT النقل للمواطن عند الطلب دون توقّف بين أي نقطتين على شبكة الطرق الإرشادية، وصمم عمومًا ليكون موثوقًا، وآمنًا، ومريحًا للركاب. إضافةً إلى PRT تقدّم المدينة أنواعًا مختلفةً من خيارات النقل المستدام ومن ضمنهم المشي، وركوب الدراجات، والنقل السريع الجماعي، والحافلات. وبسبب تركيز المدينة على الأماكن المخصّصة للمشاة وغياب المركبات المملوكة للقطاع الخاص تقلّ الحاجة إلى الطرق الواسعة، ومواقف السيارات مما ينعكس بدوره على استدامة المدينة ككل.[21][22]

سيارة كهربائية ذاتية القيادة.

المدن الذكية في الوطن العربي، إلى أين؟

يحظى موضوع مستقبل المدن الذكية في الوطن العربي باهتمام وبحوث متزايدة. بينما لا تزال تنمية المدينة الذكية في مرحلة البداية في العديد من البلدان العربية النامية، إلا أنها تنمو وتزدهر في بعض الدول العربية الأخرى. ويمكن للدول العربية التعلم من تجارب الدول الأخرى في تنفيذ مشاريع ومبادرات المدن الذكية مثل سنغافورة، والصين، وكوريا الجنوبية، والإمارات. وبشكل عام يحتاج الوطن العربي وجود قيادة حالمة وقوية تُخطط لتنمية البلاد، وتحسين الواقع العربي.

المصادر

  1. Emerald insight
  2. Iraqi academic scientific journals
  3. IOP science
  4. IOP science
  5. IOP science
  6. Research Gate
  7. Semantic scholar
  8. IGI Global
  9. MDPI
  10. Semantic Scholar
  11. IEEE
  12. Semantic Scholar
  13. Semantic scholar
  14. civil engineering journal
  15. AHFE international
  16. Semantic scholar
  17. IEEE
  18. Research Gate
  19. ICSIS
  20. Research Gate
  21. Wiley online library
  22. Semantic scholar

كيف تستخدم المدن الذكية IoT لتحسين الرعاية الصحية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

يشمل مصطلح «المدينة الذكية-smart city» التقنيات والمفاهيم التي تهدف إلى جعل المدن فعّالةً وتقدّميةً. والمدن الذكية هي رد فعل على التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجهها المجتمعات في بداية الألفية الجديدة. ويعد استخدام التقنيات الحديثة مثل انترنت الأشياء والمعروف اختصارًا بـ IoT في الرعاية الصحية من العوامل الرئيسيّة التي تحسّن تجربة المستخدم للمدن الذكية.

IoT أو انترنت الأشياء في المدن الذكية

يقصد ب IoT «انترنت الأشياء-Internet of Things»، وهو الجيل الجديد من الانترنت الذي يربط بين الأجهزة المختلفة والنُظُم بشبكة. ويتيح انترنت الأشياء إمكانية تبادل البيانات فيما بينها. ويشمل أجهزة الاستشعار والحسّاسات وأدوات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات وغيرها من الأدوات.

ويعتبر استخدام IoT في المدن الذكية فكرة واعدة. على سبيل المثال؛ يساعد استخدام IoT في تطبيقات الرعاية الصحية في الحد من عدم كفاءة البنية التحتية الحالية. ويعد نهج التعلّم الآلي المفتاح الأساسي لنجاح شبكات الاستشعار اللاسلكية التي تعمل بتقنية IoT، نظرًا لوجود كمية كبيرة من البيانات التي يتم التعامل معها عبر تلك المستشعرات.

تطبيقات عديدة لانترنت الأشياء IoT في المدن الذكية

سرعان ما بدأت أهمية IoT في المدن الذكية تزداد سريعًا وأخذ الباحثون يقدّمون دراسات لإدخاله في مختلف التطبيقات. ونذكر من بعض الدراسات:

  • درس باحثون الاتجاهات الناشئة في تطبيقات الرعاية الصحية الذكية، والتطورات التكنولوجية الرئيسية التي لها تأثير مباشر عليها. بينما استعرض آخرون اعتبارات أمنية مختلفة في أنظمة الرعاية الصحية الذكية وعواقبها والتدابير اللازمة. [1]
  • قدّم آخرون دراسات شاملة للتقنيات والتطبيقات المحتملة للطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى ربطها مع النقل الجوي الدولي. واقترحوا استخدامها لتعزيز ذكاء المدن الذكية استنادًا إلى جميع البيانات، وقوانين الأمن والسلامة العامة، وإدارة الكوارث، واستهلاك الطاقة، ونوعية الحياة في المدن الذكية. [2]
  • اقترح خبراء نموذجًا يجمع بين الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النقل الداخلي، من أجل الحد من الازدحام المروري ضمن المدن الذكية.
  • أجرى باحثون دراسة لوضع نظام فعّال للرصد المحتمل للخسائر، وإدارة حركة المرور في المدن. [3]
طائرة بدون طيار مجهزة بأجهزة IoT لجمع البيانات

استخدام IoT في الرعاية الصحية كنموذج

جرت العديد من الأبحاث خلال السنوات القليلة الماضية حول انترنت الأشياء IoT والبلوك تشين Blockchain والذكاء الاصطناعي AI. وبدأت بعض المدن بالفعل في استعمال تلك التقنيات في مختلف التطبيقات وبشكل خاص في مجال الرعاية الصحية. ويجلب IoT كميةً غير مسبوقة من البيانات التي تحتاج الشبكة إلى التعامل معها فسبّب مشكلةً كبيرةً. نتيجةً لذلك تم تكييف تصاميم الشبكات التقليدية مع أحدث معايير ذكاء الشبكات مما يضمن الأمن الأمثل. [4]

بشكل عام تحتاج المستشفيات والعيادات والمرافق الطبية إلى شبكة واحدة وفعّالة من حيث التكلفة. ويمتثل أمنها كذلك للوائح حماية المعلومات، ويسهل استخدامها وتشغيلها في ذات الوقت.[5]

مراقبة المرضى في المدن الذكية

تستفيد المدن الذكية من IoT في مراقبة المرضى عن بعد، إذ يتمكّن أخصائي الرعاية الصحية من مراقبة العلامات الحيوية وتقييم التفاعلات البدنية للمرضى دون الحاجة إلى التواجد معهم في نفس المكان. ويحدث ذلك عن طريق أجهزة معينة كجهاز لمراقبة التنفس، أو لمراقبة انتظام دقات القلب، أو لقياس مستوى سكر الدم، أو غيرهم من الأجهزة المرتبطة بواسطة IoT. ويجمع الجهاز المعني البيانات المطلوبة؛ وفي حال لم تكن القيم كما ينبغي، ترسل البيانات في وقت واحد إلى قاعدة البيانات للتسجيل وإلى الطبيب المعالج. لكي يتمكن الطبيب من تحليل المعلومات في الوقت المناسب والاستجابة وفقًا لذلك. وغالبًا ما تستخدم هذه الأجهزة مباشرةً بعد التدخلات الجراحية.

يساعد IoT في تقليل مدّة إقامة المريض في المستشفيات، وتتحدّد المشاكل أيضًا بسرعة أكبر مما يسمح للأطباء بالاستجابة في وقت مبكّر وتجنّب المضاعفات المحتملة. وبمساعدة البيانات التي تُجمع من الممكن تعديل وتكييف خيارات العلاج اعتمادًا على رد الفعل البدني للمريض وحالته الجسدية. [6]

الأدوية الرقمية

طوّر العلماء ما يعرف باسم «الحبوب الذكية-smart pills». ويتناول الشخص الحبوب الذكية مثل الأدوية العادية لكنها تكون مجهّزة بنوع من تقنيات المراقبة بالإضافة إلى الدواء الفعلي. ويستعملها الأطباء لرصد البيانات البيولوجية وإرسالها إلى جهاز استشعار يرتديه المريض، فتراقب هذه المستشعرات مستويات الدواء في الجسم. ثم تنقل البيانات من أجهزة الاستشعار إلى تطبيق على الهاتف المحمول لكي يتمكن المريض من الوصول إلى المعلومات الخاصة بوظائفه الحيوية بنفسه. ويستطيع الأطباء كذلك الوصول إلى تلك المعلومات إذا وافق المريض. وبهذه الطريقة يحدّد الأطباء المعالجون إذا ما كان الدواء يعمل على النحو المطلوب أو ربما يتسبب بآثار جانبية أو أن جرعته تحتاج إلى زيادة مثلًا. [6]

ويوجد كذلك حبوب تدعى باسم «الحبوب الروبوتية-Robotic bills»، والتي بمجرد بلعها تصبح قادرة على أداء وظائف معينة في جسم المريض. على سبيل المثال؛ اخترع Rani حبة تنتقل عبر المعدة إلى الأمعاء الدقيقة حيث تحقن الدواء من دون التعرض للأنزيمات الهاضمة، وعندما يضخ الدواء بالكامل، تذوب البقايا وتهضم. [7]

الأدوات الطبية

تعد الأجهزة الطبية القابلة للارتداء الخيار الأكثر جاذبيةً اليوم بالنسبة للمستهلكين من جميع الأعمار وذلك من أجل تتبع علاماتهم الحيوية. علاوةً على Fitbit وApple watch وco يطور علماء تقنيات أخرى لا تسجّل البيانات فحسب، بل تؤدّي وظائف معيّنةً بناءً على أوامر أو حالات مسبقة التعريف. من الأمثلة على ذلك؛ Intelligent associations وهي مزودة بأجهزة استشعار لتقييم حجم الجروح وتحديد إذا ما كان الجرح سيلتئم لوحده أم لا، كما تصدر تنبيه أيضًا في حال حدوث عدوى. [8]

بدأت شركة Google وNovaritis عام 2014 بتطوير عدسات لاصقة بإمكانها مراقبة مستويات السكر في الدم عن طريق تحليل دموع المريض. وترسل البيانات التي تجمعها العدسات إلى مضخة الأنسولين المزروعة داخل جسم المريض، ويتم إعلام المريض في حال وصول مستوى السكر إلى درجات خطيرة. يمكن أن تُغيّر هذه التقنية حياة الكثيرين وخصوصًا المرضى الذين يعانون من حقن الإنسولين اليومية وشكاكات قياس نسبة السكري المؤلمة. [9]

المرافق الطبية في المدن الذكية

تطور وضع المرافق الطبية بفضل IoT كثيرًا. فتُقلِّل أجهزة الاستشعار عدد الاختبارات اليدوية، وقد تلغي الحاجة إليها في بعض الأحيان، ويؤدي ذلك إلى توفير الوقت. وتعتبر نقل المعدات والأجهزة من المشاكل الشائعة في المرافق الطبية، فأحيانًا يتعذر تحديد موقعها في حالات الطوارئ. وتسمح تقنية البلوتوث منخفض الطاقة بتحديد مكان الجهاز بدقة. [10]

أهمية IoT

بسبب تنامي الحجم الهائل للبيانات في المدن فإن استخدام التقنيات الحديثة صار أمرًا محتومًا على نحو متزايد. وبدأت المدن الذكية باستخدام IoT، وBlockchain، والذكاء الاصطناعي Al، والتعلم الآلي في مختلف التطبيقات. سيساعد الابتكار الصغير في إنقاذ أرواح لا حصر لها، ففي نهاية المطاف يهدف IoT لتحسين نوعية الحياة لأكبر عدد من السكان. وبالرغم من وجود سلبيات محتملة للذكاء الاصطناعي إلا أنه قابل للتطوير والتعديل لخدمتنا مع مرور الزمن بسبل لم تكن في الحسبان.

المصادر

  1. ResearchGate
  2. Readcube
  3. ResearchGate
  4. ResearchGate
  5. ResearchGate
  6. IAfCIS
  7. Rani therapeutics
  8. MDPI
  9. The new York times
  10. science direct
Exit mobile version