مساحات خضراء حضرية حول العالم

منذ تشكّل أول مدينة في العالم –أوروك– حوالي 4000 سنة قبل الميلاد وحتى الآن يزداد التحضر أكثر فأكثر على حساب الريف. وأصبحت الحاجة إلى المساحات الخضراء الحضرية ذات أهمية متزايدة، إذ لا توفر قيمة جمالية فحسب بل تساهم أيضًا في صحة السكان ورفاهيتهم. وقد تتخذ المساحات الخضراء الحضرية أشكالًا مختلفةً من الحدائق العامة إلى الجدران الخضراء، والمنتزهات والأسطح الخضراء. وسوف نستكشف في هذا المقال بعض الأمثلة عن المساحات الخضراء مع التركيز على تصميمها، وتنفيذها، وتأثيرها على البيئة والمجتمع.

حديقة بنجاكيتي في بانكوك

تقع حديقة «بنجاكيتي-Benjakitti» في بانكوك عاصمة تايلاند، وهي منتزه متاح للجميع. وتعاني تايلاند بشكل عام من الرياح الموسمية، والفيضانات، والجفاف. نتيجةً لذلك، صمّمت الحديقة لتعمل كإسفنجة تحتفظ بمياه الأمطار في موسم الأمطار، من ثم تصرف المياه في موسم الجفاف بسعة مائية تبلغ 128 ألف متر مكعب. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الحديقة في تنقية مياه قناة مجاورة لها ملوثة بالجريان السطحي، ومياه المجارير. مما ينتج حوالي 1600 متر مكعب من المياه النظيفة يوميًا.[1]

حديقة بنجاكيتي في بانكوك عاصمة تايلاند.

احتوى موقع الحديقة على مستنقعات مع مستويات عالية من المياه الجوفية. واستخدمت طريقة الزراعة التقليدية التايلاندية للحفاظ على جذور الأشجار أعلى من المستنقعات من أجل تجنب الفيضانات. وتمتلك أيضًا مسارات تساعد على تصريف المياه، وقنوات الري. وقد قام المشروع بتحويل التربة السطحية الطينية إلى موئل رطب وإسفنجي مما سمح بنمو النباتات المحلية بأقل قدر من الري. فزرع حوالي 5600 شتلة من 360 نوع وهي أشجار أصلية نادرة في حوض النهر المركزي، مختلطةً مع نباتات صغيرة ومتوسطة الحجم توفّر الظل. كما تم الحفاظ على جميع الأشجار الموجودة سابقًا في الموقع، وأدمجت في تصميم الحديقة.[1]

مسطّح تاينان

تقع مدينة تاينان في تايوان، وتميّزت أساسًا في الصناعات البحرية وصيد الأسماك منذ القرن ال17. لكن شهدت المدينة في الثمانينيات خروجًا عن هذا النهج الحضري التاريخي، فبني مركز تسوّق الصين-تايوان على قمة الميناء القديم عام 1983. وبعد مرور الوقت أصبح عبارة عن هيكل تجاري كبير لم يعد يخدم الغرض المقصود منه. لذلك سعت المدينة إلى إزالة المركز وإعادة تدويره بدقة. فقامت شركة MVRDV المعمارية بتصميم وتنفيذ مشروع Spring Tainan.

Spring Tainan في تايوان.

حوّلت الشركة موقف السيارات تحت الأرض إلى ساحة عامة يهيمن عليها حمام سباحة، ومناطق خضراء تحيط بها ممر مظلّل. وخطّطت بعناية لجعلها بقعة تجمّع مثالية لجميع الفصول، إذ يرتفع منسوب المياه، وينخفض استجابةً لمواسم الأمطار والجفاف. كما يقلّل الرذاذ من درجة الحرارة في الطقس الحار، ويقلّل من استخدام التكييف في أشهر الصيف. ويضم الموقع ملاعب، ومساحات تجمّع، ومسرح للعروض. كما يحتوي على مناطق يمكن تحويلها لاحقًا إلى محلات تجارية، وأكشاك، وأمور إضافية.[2]

Spring Tainan في تايوان.

سعى المشروع إلى جلب الخضرة إلى المدينة، وإدخال مساحات واسعة مزروعة بالنباتات المحلية. وأثّر بالمجمل على المنطقة فانخفضت حركة المرور في الشوارع. وفي حين تعذّر إزالة عناصر البنية التحتية السابقة للمشروع، فطُليت بلون موحّد في محاولة للتقليل من وجودها البصري. من ثم اختارت المدينة عددًا من الفنانين المحليين لتزيين هذه الهياكل. كما كشف عن جزء من هيكل الطابق السفلي الثاني باستخدام أرضية زجاجية مما يسمح للناس فهم تاريخ الموقع، وتقديره كجزء مهم من تاريخ المنطقة.[2]

Spring Tainan في تايوان.

ساحة الوحدة في ليتوانيا

أرادت مدينة كاوناس في ليتوانيا إعادة تصميم ساحة الوحدة المغمورة بالتاريخ بمبانيها المنتمية لعصور مختلفة. واستقر المشروع على شركة 3DELUXE ودعي باسم V-plaza. أرادت الشركة خلق مساحة حيوية تفاعلية تواكب احتياجات الشباب المتغيرة.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

طورت الشركة مستويين من التصميم أحدهما خطي ويشكل السياق التاريخي، حيث تؤخذ محاور الرؤية والحركة الموجودة سابقًا في الاعتبار. بينما صمّمت المستوى الثاني ليكون عضويًا، ومائعًا، ويعكس التدفقات الطبيعية لحركة المارة. وتضم البنية بالإضافة إلى الممرات أماكن لسير الدراجات الهوائية والنارية، وقسم المقاهي، والمطاعم. إضافةً إلى مسطّحات مائية، وأماكن خاصة بالتزلج، وأضيف مدرج جديد يمكن استعماله للعروض.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

تحتوي الساحة على مسطّحات خضراء مائلة بلطف، وأحواض مائية تربط مستويات الساحة المختلفة. ويستند اختيار النباتات على الأنواع المحلية بسبب ذلك يكثر الصنوبر والبتولا مع الأعشاب، والشجيرات الصديقة للحشرات. وقد نفّذت الساحة بمواد الجرانيت الخفيف، والخشب، والخرسانة البيضاء لخلق جو مرحب بالزوار. وتستخدم الساحة اليوم للاحتفالات، والمهرجانات، والأسواق، وتعد عمومًا موقعًا مناسبًا كمنطقة ترفيهية يومية للسكان.[3]

الحديقة الأسترالية

اكتملت الحديقة الأسترالية عام 2012، وهي أكبر حديقة نباتية مخصّصة للنباتات الأسترالية المحلية. تتيح للزوار أن يتابعوا عبر مسار مائي المناظر الطبيعية للبلاد من الصحراء إلى الطرف الساحلي، ويجمع هذا المشهد التكامل بين البستنة، والهندسة المعمارية، والبيئة، والفن.[4]

الحديقة الأسترالية.

يضم الجانب الشرقي من الحديقة معارض الحدائق والمناظر الطبيعية، ومصفوفات الغابات بطريقة توضّح ميل الشعب إلى ترتيب المساحات الخضراء الحضرية بطريقة رسمية. بينما يضم الجانب الغربي الحدائق التي تستلهم من الدورات الطبيعية، وأشكال الزهور غير المنتظمة. ويلعب الماء دور الوسيط بين الجانبين.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعد المشي في المشهد الأسترالي رحلةً من التحولات والقفزات المستمرة، فالمرء لا يسافر أبدًا في خط مستقيم. وتعترض النباتات الطريق كثيرًا، وتتغير المسارات وفقًا للمشهد الطبيعي، وأحيانًا لا يبقى المسار ظاهرًا حتى. نتيجةً لذلك لا يحمل كل زائر إلى بيته الرسالة نفسها، إذ يختبر كل شخص تجربةً مختلفةً وفريدةً.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعتبر هذا المشروع أكبر حديقة نباتية مكرّسة لعرض النباتات الأسترالية، كما تلعب دورًا مهمًا في حماية التنوع البيولوجي. وتستخدم كذلك لأغراض علمية وتعليمية، بالإضافة إلى التسلية من خلال حلقات العمل التفاعلية، والسينما، والأسواق، والمقاهي.[4]

سنترال بارك في نيويورك

دفع التوسع الحضري المتزايد في أربعينيات القرن ال19 في مانهاتن الأمريكية إلى الدعوة لبناء حديقة جديدة كبيرة. وانتهى شراء الأراضي حوالي عام 1856 وبدأ بناء حديقة «سنترال بارك- Central park» وتعتبر اليوم أكبر وأهم حديقة في مانهاتن. فتبلغ مساحتها 340 هكتارًا، وهي واحدة من أوائل الحدائق الأمريكية المطوّرة باستخدام مبادئ هندسة المناظر الطبيعية.[5]

Central park في نيويورك.

نُقل خلال بناء الحديقة ملايين عربات الأتربة والتربة السطحية لتنفيذ التضاريس. وزرع حوالي 5 مليون شجرة وشجيرة، كما وضع نظام إمدادات المياه، وشيّد العديد من الجسور والأقواس والطرق.[5]

افتتحت سنترال بارك رسميًا عام 1876 ولاتزال واحدةً من أعظم الإنجازات في المناظر الطبيعية الاصطناعية. حيث تتنوّع تضاريسها ونباتاتها بشكل كبير وتتراوح من منحدرات عشبية مسطحة إلى وديان صخرية حادة، ونوافير و3 بحيرات صغيرة. وتحتوي الحديقة على العديد من الحصون التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن ال19، وإبرة كليوباترا وهي مسلة مصرية قديمة.[5]

منتزه سيرينغيتي الوطني في تنزانيا

تأسس منتزه «سيرينغيتي- Serengeti» الوطني عام 1951 في شمال وسط تنزانيا، ويغطي مساحة 14.763 كم. ويعد من أفضل المراعي في أفريقيا، ويشتهر بقطعانه الضخمة من الحيوانات. حيث يعتبر المكان الوحيد في أفريقيا الذي لايزال يجري فيه هجرات واسعة للحيوانات البرية.[6]

منتزه Serengeti الوطني في تنزانيا.

يضم المنتزه أنواع كثيرة من الحيوانات مثل الغزلان، والأفيال، والزرافات، والحمير الوحشية، والأسود، والضباع، والنمور، والفهود، والتماسيح. كما يسجّل أكثر من 350 نوعًا من الطيور بما فيها النعام والنسور. بلا شك يمتلك المنتزه أهميةً بيئيةً كبيرةً، ويساعد في حماية التنوع الحيوي، وقد أُدرج ضمن قائمة اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي.[6]

يمكننا ضمان حياة كريمة للأجيال القادمة من خلال العناية بالاستدامة، والاستثمار في المساحات الخضراء الحضرية. وسواء كنت تتمتع بنزهة قصيرة في حديقة مجاورة أو أعجبت بمنتزه ضخم فإن هذه المساحات الخضراء تذكرنا دائمًا بأهمية الطبيعة في حياتنا.

المصادر

  1. Archdaily
  2. MVRDV
  3. 3DELUXE
  4. Archdaily
  5. Britannica
  6. Britannica

تعرف على أشهر مواد البناء المستدامة

بالتأكيد سبق ورأيت منازل مصنوعةً من القش، أو الفلين، أو غيرها من المواد الغريبة في قصص الأطفال. لكنك ربما ستستغرب إذ قلنا لك أن هذه المنازل قد تكون مستدامةً، ومريحةً، وتمتلك خصائص حراريةً، وسمعيةً، وهيكليةً جيدةً. حيث تعتبر مواد بناء مستدامة ذات تأثير إيجابي على البيئة، فدعونا نتعرّف سويًا على أشهر مواد البناء المستدامة حول العالم.

دور مواد البناء التقليدية في العمارة المستدامة

تطوّر شكل العمارة بشكل مستقلّ في كل قارّة من العالم. فمثلًا، تشير الأدلّة الأثرية أن أوّل مدينة حضرية في بلاد الرافدين استخدمت الطين لبناء مساكن متواضعة، من ثم استخدمت القرميد المشوي، وسرعان ما تطوّر أسلوب البناء في المنطقة. ومع استمرار نمو المدن وتقدّمها عانت أساليب البناء التقليدية، وانخفضت تدريجيًا بينما ازدهرت المواد الصناعية. لكن أثارت أزمة المناخ، والاحتباس الحراري اهتمامًا متجدّدًا بمواد البناء التقليدية والمستدامة بين المهندسين. إذ تلعب دورًا أساسيًا في تحقيق الاستدامة البيئية العالمية.[1]

اللبن

يعتبر اللبن من أقدم وأشهر مواد البناء المستدامة في العالم، كونه مادةً يسهل الحصول عليها. واعتبره المعماري حسن فتحي الحل لتحسين ظروف فقراء الريف في مصر إذ يتطلّب القليل من المعالجة الصناعية، أو النقل مما يسمح بتوفير الطاقة والموارد. كما يمكن تجفيفه تحت الشمس بدلًا من حرقه في أفران، من ثم نستطيع إعادة تدويره بسهولة. إضافةً إلى ذلك، يمتلك اللبن خصائص حراريةً ممتازةً في المناخات الجافة. أثّرت هياكل فتحي الطينية على العمارة حول العالم، وانتشرت مبادئه في جميع أنحاء أفريقيا، والشرق الأوسط، ونيومكسيكو، وفرنسا.[1]

نموذج بناء طيني من تصميم حسن فتحي.

حزم القش

يصنع القش من بقايا إنتاج الحبوب عادةً القمح، أو الأرز، أو الشعير، وبعد حصاد الجزء الصالح للأكل من الحبوب تلقى السيقان في النهاية، أو تحرق في أغلب الأحيان. لكن بدلًا من تبديدها يمكن ضغط السيقان، وتكديسها، واستخدامها كحشوات أو حتى جدران ذاتية الدعم في تقنية تعرف بأسلوب نبراسكا. والتي استخدمت على نطاق واسع في القرن ال19 في سهول ولاية نبراسكا الأميركية. [2]

منزل مستدام مبني من القش.

من الشائع استخدام القش كمادة عزل إلى جانب المواد الإنشائية الأخرى عوضًا عن استخدامه بمفرده. ولأنه يتكوّن أساسًا من الهواء فهو يوفّر عزلًا حراريًا ممتازًا. ويقدّر أن بيتًا مصنوعًا من القش يوفّر نحو 75% من تكاليف التدفئة والتبريد. لكن يرافق البناء بالقش مشكلتين رئيسيتين وهما الرطوبة، والعفن. فإذا تعرّض القش للماء يمكن أن يمتصّه ويتمدّد حتى يسبّب شقوقًا في الجدار. نتيجةً لذلك يجب ألا يتّصل القش مباشرةً مع رطوبة الأرض، ولتجنُّب ذلك يجب رفعه عن الأرض 20 سم على الأقلّ.[2]

منزل مستدام مبني من القش.

عندما تتهالك مباني القش وتحتاج إلى هدم تتحلل في التربة دون مشاكل كونها قابلةً للتحلّل بنسبة 100%. لكن من المهم توافرها محلّيًا، إذ تعتبر أكثر ملاءمةً للمناطق الريفية ولا سيما تلك القريبة من مزارع الحبوب.[2]

الخيزران

ينمو الخيزران بوفرة في الغابات الاستوائية المطيرة. واستعمل سابقًا في البيوت التقليدية لكنه أصبح بعد العصر الصناعي في تصوّر الأفراد مادة بناء عفا عليها الزمن. إلا أنه ظهر كمادة بناء مستدامة بعد قضايا الاحتباس الحراري، وازدادت شعبيته بين المعماريين لأنه متجدد وسريع النمو، فيمكن حصاده ما بين 3-4 سنوات. كذلك نستطيع الاستفادة منه بعدّة طرق مثل بناء الأرضيات، والجدران، والأسقف. ويعد مقاومًا للآفات، والرطوبة، وهو خفيف الوزن كما يمكن معالجته لزيادة قوته ومتانته.[3]

على خلاف الشائع، يمكن تقديم هياكل لم يسبق لها مثيل بواسطة الخيزران، مثل الحل الذي قدّمته شركة IBUKU. فبنت قوس في حرم المدرسة الخضراء في إندونيسيا صنع قفزةً في العمارة العضوية، وأصبح مرجعًا في الهياكل خفيفة الوزن.[4]

القوس في حرم المدرسة الخضراء في إندونيسيا.

يعدّ القوس الأوّل من نوعه على الإطلاق، ويتكوّن من سلسلة أقواس من الخيزران المتقاطعة بطول 14م والتي تمتدّ على 19م. وتتداخل مع بعضها بواسطة قشرة شبكية مضادّة للتحلّل، والتي تستمد قوتها من الانحناء في اتّجاهين متعاكسين. يخلق القوس مساحةً كبيرةً مع الحدّ الأدنى من الهيكل، مما يشكّل صالة ألعاب استثنائيةً للمدرسة.[4]

صوف الخراف Sheep’s wool

يعد صوف الخراف مادةً طبيعيةً، ومستدامةً، ومتعددة الاستعمالات، ويمكن الاستفادة منه في مجال مواد البناء. إذ لا تُحدث الألياف الصوفية أي خطر على صحة الإنسان. وينمو الصوف باستمرار، ويلزم قصّه على الأقل مرّةً واحدةً في السنة.[5]

أجرى الخبراء دراسات على صوف الخراف لاستعماله كمادة عزل، وبيّنت النتائج أن العزل الحراري المصنوع من صوف الأغنام يوفّر خصائص مماثلةً للعزل المصنوع من المواد التقليدية، بل ويؤدي أداءً أفضل من بعض المواد. ويتميّز الصوف بقدرته على امتصاص الرطوبة دون خفض الأداء الحراري مما يجعله مادة عزل مثالية. ويقلّل كذلك مستوى الضوضاء، ولا يدعم الاحتراق إذ ينطفئ في حالة نشوب حريق. ويبدو أن استخدام صوف الخراف مع موارد متجدّدة أخرى هو أحسن حل بديل لخفض الاحتياجات الأوّلية من الطاقة لمبنى ما، بالتالي تلبية متطلّبات كفاءة الطاقة، والاستدامة.[5]

خرسانة نبات القنب

يعتبر نبات القنب سهلًا وسريع النمو، ويتطلّب كمّيةً أقل من المياه، والمبيدات الحشرية، والأسمدة مقارنةً مع محاصيل أخرى. يشاع استخدامه كمخدرات، لكنه قد يدخل في صناعات عديدة أخرى كالأدوية، ومنتجات التجميل العضوية، والملابس، وحتى الخرسانة .و«خرسانة القنب-Hempcrete» هي خرسانة ركام حيوي، تُخلط فيها قطع صغيرة من خشب نبات القنب مع الجير، أو الأسمنت الطيني، والماء للحصول على معجون سميك. والذي يتجمّد بدوره، ويخلق مادة بناء متينةً وصديقةً للبيئة.[6]

شكل خرسانة القنب Hempcrete.

تتميّز خرسانة القنب بوزنها الخفيف، ويمكن صبّها إما في الموقع، أو تصنيعها مسبقًا في المعامل، وبمجرد صبها تحتاج معالجتها إلى كمّية مياه أقلّ بكثير من الأسمنت التقليدي. كما تمتلك خصائص عزل حراري فعّال، وتقاوم العفن والآفات.[6]

استخدام خرسانة القنب Hempcrete في البناء المستدام.

يحدث التباس لدى الناس بسبب ارتباط نبات القنب بالماريجوانا، والمخدرات، ويتساءل الكثيرون حول ما سيحدث في حال اشتعال خرسانة القنب. بخلاف ما قد تتخيلون، أظهرت الاختبارات سلوكًا ممتازًا للمادة ضدّ النار. على سبيل المثال؛ وُثّق اختبار في أستراليا لمحاكاة هجمات الجمر خلال حرائق الغابات -التي تحدث كثيرًا في المنطقة- ولم يلاحظ أي ضرر على جدران الخرسانة القنب والتي يبلغ سمكها 20 سم عندما تعرّضت للهب يبلغ ارتفاعه 60سم ويحترق مباشرةً أمام الجدار لمدة 60 دقيقةً. وتشير البيانات إلى إمكانية زيادة مقاومة الحريق إلى 90 أو 120 دقيقة عند إحداث تغييرات في المواصفات. بالرغم من ذلك، لا يزال القنب نباتًا موصومًا بالعار في العديد من المجتمعات، وتحيط به العديد من التحديات كالقوانين والرقابة مما يفرض قيودًا على زراعته ومعالجته.[7]

أسمنت الحديد Ferrock

يطلق مقابل صناعة كل طن من الأسمنت أكثر، أو أقلّ من 8 أطنان من ثاني أكسيد الكربون نتيجةً لذلك يدرس الخبراء صناعة أسمنت بوسائل مستدامة. ويجري اليوم تطوير مادة تدعى «فيروك-Ferrock» كبديل للأسمنت، ويعد غبار الحديد العنصر الرئيسي لصناعة الفيروك. وهو نفايات مطحون الحديد التي تذهب عادةً إلى مكبّ النفايات من دون إعادة تدويرها، لأن عملية استعادة الحديد من المسحوق غير اقتصادية ومكلّفة إلى حدّ ما. ويتفاعل غبار الحديد مع ثاني أكسيد الكربون، والصدأ مما يخلق مصفوفة كربونات الحديد، والتي تجفّ لتصبح الفيروك. يستخدم أيضًا مواد مثل الميتاكوالين، والحجر الجيري، والرماد المتطاير مع غبار الحديد من أجل الربط المناسب.[8]

تظهر التجارب أن عيّنات الفيروك المعالجة هي سلبية الكربون، على عكس الأسمنت البورتلاندي الذي يعد مصدرًا رئيسيًا لتلوث الهواء. كما أظهرت التجارب على خرسانة الفيروك نسبًا جيدةً لمقاومة الانضغاط، والشد، والثني عند مقارنتها مع الخرسانة التقليدية. ويمكن الاستفادة منها في تطبيقات مماثلة للخرسانة التقليدية، أي في المباني، والجسور. كما تعتبر مفيدةً جدًا في المواقع الصناعية الملوثة.[8]

الفلين

«الفلين-Cork» هو لحاء شجرة البلوط الخارجي، ويتكون من طبقات من خلايا صغيرة غير منتظمة الشكل مغلّفة بالشمع. ينمو شجر البلوط بكثرة في البرتغال، وإسبانيا، ويبلغ طوله حوالي 18م. ونحصل على الفلين بإزالة اللحاء الخارجي للشجرة فهو لا يلعب دورًا مهمًا في بقاء الشجرة، بل يحميها فقط من الحر والرياح الجافة في فصل الصيف. من ثم يصنع اللحاء الداخلي نسيجًا جديدًا، فيتشكّل 2.5-5 سم من غمد جديد في فترة بين 3-10 سنوات. بسبب ذلك يعد الفلين مادةً مستدامةً. ويستمدّ الفلين تفرٌده بفضل تركيبة خلاياه المملوءة بالهواء، فكل خلية تعمل كحجرة مرنة مانعة للماء. وتشكّل الخلايا وسيطًا عازلًا فعّالًا للغازات والسوائل، إضافةً إلى عزلها للحرارة، والصوت، والاهتزازات. ويعد الفلين بين المواد الأخفّ وزنًا حيث لا يزيد ثقله عن خمس ثقل الماء.[9][10]

Cork study في لندن.

يستخدم الفلين في تطبيقات متعددة، لعل أشهرها سدادات زجاجات النبيذ والمشروبات الكحولية. لكنه يدخل في المجال الإنشائي كذلك مثل تغطية الأرضيات المصنوعة من خلال ربط جزيئات الفلين مع روابط مختلفة. ويدخل أيضًا في العزل الصوتي أو عزل الاهتزازات فيستعمل بكثرة في استديوهات التسجيل، وغرف الآلات. ويدرس الخبراء إدخال حبيبات الفلين في صناعة الأسمنت لبناء سقائف خفيفة الوزن، وبيّنت نتائج الدراسات قدرة الفلين على خفض الضجيج الناتج عن الارتطام. يدرس كذلك الخبراء استخدام جزيئات الفلين لزيادة الخواص الميكانيكية لمادة الإيبوكسي اللاصقة. والتي تعمل على منع انتشار الشقوق، ويمكن الاستفادة منها في عمليات الترميم غير الهيكلية.[10]

بالطبع لم ننته من ذكر أشهر مواد البناء المستدامة لكثرتها، فيوجد الخشب، والكتّان، والقصب، والقرميد، وغيرها الكثير أيضًا. وأنت أي المواد تفضّلها أكثر لبناء منزلك؟

المصادر

  1. Archdaily
  2. Archdaily
  3. environment behaviour proceedings journal
  4. Archdaily
  5. MDPI
  6. Archdaily
  7. Archdaily
  8. Research Gate
  9. Britannica
  10. National library of medicine
Exit mobile version