ما هي البقع الشمسية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

تلعب الشمس دورًا هامًا في تحديد مناخ كوكب الأرض لا سيما أنها مصدر الطاقة الحرارية الرئيسي له. ولدراسة تأثيرها على المناخ؛ يلجأ علماء الفلك لقياس مستوى النشاط الشمسي عن طريق حساب عدد البقع الشمسية. فما هذه البقع وكيف تتشكل؟ وكيف يُحسب عددها؟

ما هي البقع الشمسية وكيف تتشكل؟

من المعروف أن الشمس لا تدور ككيان واحد؛ فمناطقها الاستوائية تدور أسرع من القطبية. كما تمتلك الشمس مجالاً مغناطيسياً قوياً تتصل خطوط حقله بالقطب الشمالي للشمس من جهة وبالجنوبي من جهة أخرى. إلا أن اختلاف سرعة الدوران تلك تؤدي إلى فتل ولوي خطوط الحقل المغناطيسي فتخرج من سطح الشمس في بعض المواقع مشَكِّلةً أزواجاً من البقع الداكنة تعرف ب«البقع الشمسية-Sunspots».

ونتيجة لقوة الحقل المغناطيسي في هذه البقع؛ لا تنتقل التيارات الحرارية بشكل جيد من داخل الشمس إلى سطحها؛ مما يجعلها أبرد وأقل توهجًا من غيرها من المناطق الأخرى من الشمس، حيث يبلغ متوسط درجة حرارتها حوالي 4500 درجة مئوية (أي أقل ب1500 درجة من متوسط حرارة سطح الشمس). يمكن أن تظهر البقع في أي مكان من سطح الشمس ويمتد ظهورها من عدة ساعات لعدة أشهر، كما تتميز بأنها غير ثابتة الشكل أو الموقع؛ حيث تتوسع وتتقلص أثناء حركتها وقد يصل طول قطرها إلى 80,000 كيلومتر.

أول رصد للبقع الشمسية

في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد، سجّل الصينيون رؤيتهم لبقع داكنة على الشمس. ولكن أول رصد فعلي للبقع الشمسية يعود لعام 1610م، حين قام كل من الإيطالي «غاليليو غاليلي-Galileo Galilei» والهولندي «يوهانس فابريسيوس-Johannes Fabricius» والألماني «كريستوفر شينر-Christopher Scheiner» والإنكليزي «توماس هاريوت-Thomas Harriott» برصدها كل منهم على حدى، فقد رصد كل من الرجال الأربعة بقع على الشمس عن طريق تلسكوباتهم، ورسموا مخططات توضح تغيرات أشكال هذه البقع ومواقعها.

رسم يوضح تغيرات البقع الشمسية من قبل غاليليو غاليلي عام 1612

الدورة الشمسية

تمتلك الشمس في بعض الأحيان عددًا كبيرًا من البقع الشمسية؛ بينما يقل ذلك العدد حتى ينعدم في أحيان أخرى. وفي عام 1843م اكتشف الكيميائي والفلكي الألماني «هنريك شويب-Heinrich Schwabe» وجود نظام دوري لتغير أعداد البقع الشمسية كل 11 سنة وأسماه ب«الدورة الشمسية-Solar Cycle». تسمى الفترة من الدورة الشمسية التي ينخفض فيها نشاط البقع ب «الحد الأدنى من الطاقة الشمسية-Solar Minimum»، بينما تعرف الفترة الدورية ذات النشاط الشمسي المرتفع ب«الحد الأعلى من الطاقة الشمسية-Solar Maximum».

أما حالياً فيحسب عدد البقع من العلاقة:

R=K(10g+s) حيث:

K  عامل التحجيم المتغير (غالباً <1) يشير إلى مجموعة عوامل منها ظروف الرصد وحالة التلسكوب.
G  عدد مجموعات البقع.
S  عدد البقع المنفردة في كل مجموعة.

مخطط الفراشة

يبين «مخطط الفراشة-Butterfly Diagram» -الذي سمي نسبة لشكله- مواقع توضح البقع لكل دورة شمسية منذ عام 1874م، ويظهر أن تجمعات البقع تنشأ على خطوط العرض الوسطى للشمس، ثم تتوسع وتتحرك باتجاه خط الاستواء خلال فترة الدورة الشمسية.

عندما تصل البقع إلى خط الاستواء تكون الدورة الشمسية في مرحلة أدنى حد للطاقة، وعندها تبدأ بقع جديدة بالتشكل قرب خطوط العرض الوسطى.

مخطط الفراشة

التوهجات الشمسية وآثارها

خلال مدة الدورة الشمسية تحدث انفجارات ضخمة على سطح الشمس تدعى «التوهجات الشمسية-Solar flares»، قد تستمر هذه التوهجات الهائلة لعدة دقائق أو عدة ساعات وتصدر طاقة تعادل انفجار مليار طن من الديناميت! تحدث التوهجات الشمسية قرب البقع الشمسية وغالبًا ما تكون على طول الخط الفاصل بين المناطق ذات الأقطاب المغناطيسية المتعاكسة، أما التوهجات الأكبر فتحدث خلال السنين التالية للحد الأعلى من الطاقة الشمسية.

تعد التوهجات الشمسية هي السبب الأساسي في التشويش الذي يصيب إشارات الراديو الأرضية. فعند انبعاث الطاقة منها إلى خارج الشمس تتحول إلى رياح شمسية. والتي تتكون من جسيمات عالية الطاقة قادرة على اجتياز طبقة الغلاف الجوي الأرضي المسماة «الأيونوسفير-Ionosphere». وبما أن طبقة الأيونوسفير تلعب دورًا هامًا في نقل الإشارات الراديوية عن طريق عكسها لتعود إلى سطح الأرض. فإن التشويش الذي تحدثه الرياح الشمسية يمكن أن يؤدي إلى ضياع الإشارة الراديوية بشكل كامل.  

بالإضافة إلى ما يمكن أن تسببه الرياح الشمسية من تعطيل شبكات الطاقة المغذية للأقمار الصناعية. ففي عام 1979م تعطلت «محطة سكايلاب الفضائية-Skylab space station» ودخلت الغلاف الجوي للأرض نتيجة تعرضها لنشاط شمسي عالي الطاقة، وتناثر حطامها فوق المحيط الهندي وأجزاء من أستراليا الغربية.

وبذلك نرى أن أعظم التكنولوجيا الأرضية قد تتعطل من نشاط نجم يبعد عنا حوالي 150 مليون كيلومتر!

المصدر:

NASA

كرة دايسون، مصدر طاقة لا تنتهي

يرتب «مقياس كارداشيف-Kardashev scale» الحضارات الفضائية الافتراضية إلى ثلاث أنواع رئيسية بناء على مقدار الطاقة التي يستخدمها كل منهم، على النحو التالي:
• النوع الأول، يستطيع هذا النوع السيطرة على كافة أشكال الطاقة المتاحة على كوكبه.


• النوع الثاني، يستطيع هذا النوع السيطرة على كل الطاقة القادمة من النجم الذي يدور حوله كوكبه.

• النوع الثالث، يستطيع هذا النوع السيطرة على كل الطاقة التي تحتويها مجرته.

ونحن كبشر لم نبلغ النوع الأول، ولكن كيف لنا أن نسيطر في يوم من الأيام على طاقة الشمس الكاملة؟
الحل في بناء كرة دايسون

ما هي كرة دايسون؟

كرة دايسون هي بناء تخيلي يُبنى في الفضاء، حيث يكون عبارة عن كرة تحيط بالنجم لاستخراج طاقة ذلك النجم الضوئية، تماما مثلما نفعل مع الخلايا الشمسية، ولكن بالطبع على مقياس أكبر.

تم تقديم نموذج كرة دايسون عام 1960 على يد الفيزيائي «فريمان دايسون-Freeman Dyson»، حيث افترض وجود حضارة فضائية تسعى لإيجاد طاقة تناسب معدلات استهلاكها المتزايدة، وكان الحل الذي اقترحه هو بناء كرة حول النجم الذي يدور حوله كوكبهم.

لماذا نحتاج إلى كرة دايسون؟

نحن في حاجة دائمة إلى الطاقة، فعدد البشر يتزايد بشكل مستمر، كما أن مخزون كوكبنا من الوقود الأحفوري على وشك الانتهاء، لذا فنحن نحتاج إلى مصدر طاقة نظيفة عظيمة.

ولك أن تفكر فيما يمكننا تحقيقه إذا وضعنا يدنا على هذه الكمية الكبيرة من الطاقة، فهذه الطاقة كافية لتنقلنا إلى حضارة من النوع الثاني، حيث سنمتلك وقتها الطاقة الكافية لتحويل المريخ، والسفر إلى النجوم الاخرى، وغيرها الكثير من الأمور التي نحلم بها.

كيف نقوم ببناء كرة دايسون؟

علينا أولًا أن نرى مدى صلاحية نموذجنا عنها، فهناك العديد من المشاكل في نموذج الكرة، حيث أنه سيكون مغلقًا ومتماسكًا، وهو ما يصعب بناءه ليحيط بنجم، بالإضافة إلى إمكانية تأثير جاذبية النجم عليه مما قد يؤدي إلى انهياره باتجاه النجم وهو ما سيسبب كافة أنواع المشاكل غير المرغوبة، بالإضافة إلى كمية الكويكبات الكبيرة التي تدور حول الشمس، حيث سيكون اصطدام كويكب بالكرة كافيًا لتفكيكها وانهيارها.

النموذج الغير مناسب


نحتاج إلى شيء أخف، ربما ليس كرة، ولكن سرب، نحتاج إلى سرب دايسون، وهو عبارة عن سرب كبير من الخلايا الشمسية التي تدور حول الشمس لاستخراج طاقتها الكبيرة، وتوجيه هذه الطاقة نحو نقطة مركزية لإعادة توجيهها نحو الأرض لاستخدامها في كافة أنواع الاستخدامات المختلفة.

النموذج المناسب


لنقوم بعملية البناء نحتاج إلى كميات كبيرة من الموارد والطاقة، وهو ما لا نجده على كوكبنا، لذا فالحل سيكون في اختيار أحد كواكب المجموعة الشمسية لتفكيكه واستخدام موارده لبناء كرة دايسون، ويبدو عطارد كاختيار مثالي، حيث أنه يحتوي على الكثير من المعادن، بالإضافة إلى قربه من الشمس وامتلاكه لجاذبية ضعيفة مقارنة بالأرض، مما سيتيح إطلاق الخلايا الشمسية إلى مدار الشمس بسهولة.

ولكننا نحتاج طاقة كبيرة كذلك لتفكيك كوكب عطارد، وهو ما سيجعل من بنائها مهمة صعبة، حيث أنها قد تتطلب عقودًا لإتمام عملية البناء التي ستتم على النحو التالي:

نقوم بوضع خلايا شمسية على سطح كوكب عطارد، وهو ما سيوفر الطاقة للبدء في عملية التعدين وإعادة تشكيل المعادن لصناعة الخلايا الشمسية الخاصة بكرة دايسون، ثم نقوم بإطلاق عدد صغير من الخلايا الشمسية التي صنعناها نحو مدار الشمس، ونستخدم الطاقة التي ستحصل عليها هذه الخلايا لصنع المزيد من الخلايا، حيث ستوفر خلية شمسية تدور حول الشمس الطاقة اللازمة لبناء واحدة مثلها، وستوفر اثنتان ما يكفي لبناء اثنتين مثلهم، وستوفر أربعة الطاقة اللازمة لصنع أربعة مثلهم، وهو ما يعرف ب«النمو الأسي-Exponential growth»، وعلى هذا النحو قد ننتهي من بناء كرة دايسون بعد 10 أعوام من البدء.

قد يبدو حلم كرة دايسون بعيد المنال في الوقت الحالي، لكنه لن يكون بذلك البعد على أحفادنا، فأجدادنا لم يكونوا قادرين على الحصول على المعلومات التي نستطيع الحصول عليها الآن بنقرة زر، وهي فكرة تدعو للتأمل.

المصادر

space
earthsky
nerdist

كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

خطى الإنسان أولى خطواته على عالم غير عالمنا في أواخر ستينيات القرن الماضي، عندما خطى أول خطوة على القمر كنا ندرك أن هذه ليست سوى خطوة صغيرة في طريق طويل بانتظارنا، عوالم كثيرة بانتظار من يستكشفها ومن يخلّد التاريخ اسمه كأول من خطاها بقدميه، ولكن ماذا عن ما وراء مجموعتنا الشمسية؟ هل سنزور النجوم التي نراها في سماء الليل يومًا ما؟ أم أنها ستظل حلمًا بعيد المنال؟ وكيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

لماذا قد نذهب إلى النجوم؟

أولى الأسباب هي الفضول البشري، فما العلم بكل ما قدم لنا من اختراعات واكتشافات إلا نتيجة للفضول البشري، وهنا يجب أن نرد على ما يقوله البعض بشأن علم الفلك، فيقولون أن إنفاق الأموال على الأبحاث المتعلقة بعلم الفلك عديمة الجدوى فهو فرع من العلوم لا يمس حياتنا بأي شكل من الأشكال، إلا أن في هذا الطرح ضيق أفق، حيث لم يكن مايكل فاراداي يملك أدنى فكرة عما نفعله اليوم باستخدام الكهرباء عندما كان يجري تجاربه البسيطة، ولم يكن يدري نيوتن أن قوانين الحركة الخاصة به هي التي سنستخدمها لمغادرة كوكبنا والتطلع إلى العوالم الأخرى، فالسؤال عن الجدوى لا يجب أن يكون مطروحًا.

ثم أن موارد كوكبنا تنقص يومًا بعد يوم نتيجة لزيادة عدد البشر وزيادة معدلات الاستهلاك، فنحن في حاجة للسكن في عوالم أخرى، للبحث عن موارد جديدة

ولعلك تتساءل عن عنوان المقال “كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟” وهو ما سنشرحه بعد قليل.

كيف نذهب إلى النجوم؟

لسوء الحظ، لن تجدي الطريقة المعهودة نفعًا عند السفر إلى النجوم، فلا يمكننا الاعتماد على الوقود الأحفوري، حيث يُعد نجم «قنطور الأقرب-Proxima Centauri» أقرب النجوم إلى مجموعتنا الشمسية، حيث يبعد عنّا 4 سنوات ضوئية فقط، إلا أن أسرع صواريخنا (أبولو 10) – والذي كان يتحرك بسرعة تقارب 40,000 كم/ساعة – سيحتاج إلى 100,000 سنة للوصول إليه!

وهنا يحين الوقت للكشف عن سر عنوان مقالنا الغريب.

ندما أبحر كولومبوس نحو الأمريكيتين كان يبحر بالسفن الشراعية، استخدم كولومبوس الأشرعة الهوائية لتحريك سفينته وسط أمواج المحيط حتى وصل إلى العالم الجديد، ونحن أيضًا يمكننا الذهاب إلى عالمنا الجديد باستخدام الأشرعة، ولكنها لن تكون أشرعة هوائية، بل ستكون أشرعة ضوئية.

كيف نذهب إلى النجوم بالسفن الشراعية؟

يكمن السر في قانون نيوتن الثالث الذي ينص على أن لكل فعل رد فعل معاكس له في الاتجاه ومساوي له في مقدار القوة.

فكّر في الأمر، إذا قمت ببذل أي مقدار من الطاقة في أي اتجاه في الفضاء سيُدفع بك في الاتجاه المعاكس بنفس المقدار الذي بذلته، أي أنك إن أضأت مصباحًا في الفضاء الخارجي، فسيؤدي هذا إلى دفعك في الاتجاه المعاكس للاتجاه الذي توجه فيه المصباح، ولكن ببطئ شديد بالطبع.

إذا فنحن نحتاج إلى أشرعة ضخمة لتجميع أكبر قدر من الضوء لإعطائها أكبر دفعة ممكنة نحو النجم الذي نرجو الوصول إليه، ولكي تنطلق الأشرعة عليها أن تعكس الضوء، وهو ما سيتطلب أن تكون هذه الأشرعة ذات سطح ناعم يعكس الضوء بسهولة، كالمرايا، لذا سنقوم بكسوة هذه الأشرعة الخفيفة بطبقة عاكسة للضوء.

ولكن من أين نحصل على الضوء؟

تُعد هذه الخطوة هي الخطوة الأصعب، حيث سنحتاج إلى طاقة ضوئية كبيرة، قد نحتاج هنا إلى بناء جهاز ليزر ضخم على سطح القمر، وهذا الليزر سيُزوّد بالطاقة عن طريق مفاعلات نووية موجودة على القمر، حيث أن تربة القمر غنية بنظير الهيليوم «هيليوم 3-Helium 3» نتيجة لتعرض تربته لأشعة الشمس المباشرة على مدى ملايين السنين.

قد نستخدم الهيليوم 3 في المفاعلات النووية التي سنبنيها على سطح القمر لتزويد جهاز الليزر العملاق بالطاقة اللازمة لإطلاق كمية كبيرة من الضوء لتحريك الأشرعة باتجاه النجوم بسرعة كافية، وهذا قد يعني أننا علينا أن ننتظر استعمار القمر وبناء المستوطنات عليه حتى نفكّر في السفر إلى النجوم، وهو ما قد يبدو محبطًا، إلا أنه ليس بعيد المنال، فأولى خطوات بناء المستعمرات هي الهبوط والاستكشاف، وهي ما بدأنا فيها من القرن الماضي وما زلنا نفعلها إلى الآن.

لم يفكر أجدادنا عندما اكتشفوا إمكانية استخدام الأقمشة لصنع أشرعة تستغل حركة الهواء لتحريك سفنهم في البحار أن أحفادهم سيستخدمون نفس الطريقة، ولكن هذه المرة ليس للتنقل في مياه البحار، ولكن في ظلام الفضاء، وليست من يابسة إلى يابسة، ولكن من نجم إلى نجم آخر.

المصادر

esa
space
nasa
sciencedirect

5 تنبؤات صحيحة قام بها أينشتاين

إذا سألت الناس عن أذكى رجل في التاريخ، سيجيبك معظمهم عن أينشتاين، ذلك الرجل الذي غيّر مفاهيمنا عن الكون بطريقة ثورية.
ولا يمكن ذكاء أينشتاين في نظرياته واكتشافاته وحسب، بل أنه قد تنبأ بأشياء اكتُشفت بعد وفاته، وسنتعرف اليوم على أبرز 5 تنبؤات له.

«الطاقة المظلمة-Dark energy»

عندما صاغ أينشتاين معادلات نظرية النسبية العامة، اكتشف أن وجود الكُتل الكبيرة على نسيج الزمكان ستؤدي مع الوقت إلى سقوط بعضها نحو بعض، فافترض وجود طاقة تتسبب في تمدد الكون، لتؤدي إلى التوازن الذي يمنع الكون من الانهيار على نفسه، ولكن المجتمع العلمي رفض هذه الفرضية، إلا أنه في عام 1998 اكتُشفت الطاقة المظلمة، وهي الطاقة التي تتسبب في تسارع تمدد الكون، أي أن أينشتاين كان على صواب حتى عندما أخطأ!

تمدد الكون

«تمدد الزمن-Time dilation»

تنبأت نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين بأن الوقت يتحرك بشكل أبطأ عند التحرك بسرعة أكبر، فإذا كان الجسم أ يتحرك بسرعة أعلى من الجسم ب، فإن الوقت يمر بشكل أبطأ على الجسم أ من مروره على الجسم ب، كما كان في فيلم Interstellar، وهو ما أُثبت في تجربة العالمين «جوزيف هافل-Joseph Hafele» و«ريتشارد كيتينج-Richard Keating»، حيث قاما بوضع ساعة ذرية في طائرة، وساعة ذرية أخرى على الأرض، وعند هبوط الطائرة وُجد فرق في حساب الوقت بالفعل.

تمدد الزمن

«عدسة الجاذبية-Gravitational lensing»

عندما يأتينا الضوء من النجوم أو المجرات البعيدة فإننا نراها في مكانها (على افتراض أنها ثابتة)، ولكن ماذا يحدث إذا كان هناك جسم ذو كتلة كبيرة بيننا وبين الشيء الذي نرصده؟

سيجذب هذا الجسم أشعة الضوء القادمة من الجسم المرصود، وبالتالي انحناء أشعة الضوء وهذا يؤدي بدوره لتشوه الصورة القادمة إلينا، فنرى الجسم في غير مكانه، أو نحصل على صورة مشوّهة، كان هذا ما تنبأت به نظرية النسبية العامة لأينشتاين، وهو ما أثبتته المشاهدات مرارًا وتكرارًا.

شرح ظاهرة عدسة الجاذبية
صورة مشوهة لمجرة

«الثقوب السوداء-Black holes»

الثقوب السوداء هي أجسام ذات كتلة كبيرة وكثافة عالية وبالتالي قوة جاذبية كبيرة، تؤدي إلى تشوه نسيج الزمكان، ولا يستطيع أي شيء الهروب من جاذبيتها بما في ذلك الضوء.

كانت نظرية النسبية العامة لأينشتاين هي أول ما تنبأ بوجود مثل هذه الأجسام وتنبأت بتأثيراتها الغريبة على الضوء، ولا نحتاج إلى القول بوجود الثقوب السوداء، فقد التُقطت أول صورة لثقب أسود عام 2019، لتثبت وبدون شك صدق تنبؤات أينشتاين.

أول صورة لثقب أسود

«موجات الجاذبية-Gravitational waves»

افترض أينشتاين قبل 100 عام حدوث تموجات في نسيج الزمكان إثر تصادم أجسام ذات كتلة كبيرة، وهو ما أُثبت في عام 2016 في مرصد «ليجو-LIGO»، حيث رصد الباحثون أثر موجات جاذبية ظلت تُسافر في الفضاء لمدة 1.3 بليون سنة، نتيجة لتصادم اثنين من الثقوب السوداء في الماضي السحيق.

موجات الجاذبية

قوة العلم

لم تكن تنبؤات أينشتاين -والتي تزيد عن الخمسة المذكورة أعلاه- نتيجة لقدرات سحرية، وإنما هو سحر العلم والرياضيات، واللذان عن طريقهما ندرس ما كان، لنتنبأ بما هو آت.

المصادر

earthlymission
nasa
worldscientific

لماذا سماء الليل مظلمة؟

 نعيش اليوم في كون لا نهائي من النجوم والمجرات، وأينما نظرنا في سماء الليل نرى نجمة أو مجرة منها، يشبه الأمر الوقوف في غابة لا منتهية من الأشجار؛ حتماً سترى شجرة في كل مكان! فلماذا إذاً تكون سماء الليل مظلمة مع كل هذا الحشد من النجوم؟

قد تعتقد أن ضوء المجرات البعيدة يخفت في طريقه إلينا؛ لكن سماءنا تذخر بعدد كبير من المجرات يزداد كلما نظرنا في أعماقها والذي يكفي لإنارة سماء الليل بأكملها.

يعرف هذا التناقض بين المنطق الذي يخبرنا أن سماءنا يجب أن تكون منيرة والواقع المتمثل بظلمتها باسم «مفارقة أولبرز-Olbers’ paradox» نسبة للفلكي الألماني «ه.و.م أولبرز-H.W.M. Olbers»، فما هي حلول هذه المفارقة؟ وما أبرز الفرضيات التي فشلت بحلها عبر التاريخ؟

أبرز الحلول الفاشلة

1.  المسافة

لقد كان «توماس ديغز-Thomas Digges» أول من لاحظ مشكلة أولبرز وكتب عنها عام 1576م، كما اقترح أول حل لها حيث اعتقد أن النجوم بعيدة جداً ويخفت ضوءها في طريقه إلينا لدرجة لا نتمكن من رؤيته نهائياً.

كما أعيدت صياغة هذه الفكرة بشكل أكثر تعقيداً في نظريات الضوء المنهك.

2.  الضوء المنهك

تعود الفكرة إلى «رينيه ديكارت-Rene Descartes»، إلا أنها اقترحت كحل للمفارقة لأول مرة من قبل «نيكولاس هارتسويكر-Nicolaas Hartsoeker»، الذي حاجج أن ضوء النجوم يمكن أن يخف ويصبح «منهكاً-Tired» في طريقه إلينا حتى يختفي تماماً عند وصوله للأرض.

وقد أعيد ذكر هذه الفكرة في القرن العشرين عند محاولة بعض الفيزيائيين تفسير الانزياح الأحمر للمجرات دون اعتبار تمدد الكون.

3. الامتصاص

كتب «جان فيليب لويس دو شيزو-Jean-Philippe Loys de Chéseax» عام 1744م أن طاقة الضوء قد تتناقص بمعدل أكبر مما ينص عليه قانون التربيع العكسي إذا كان الفضاء مكوناً من مائع قادر على امتصاص مقدار قليل من طاقة الضوء.

أعجب أولبرز بهذه الفكرة وتبناها عام 1823م كحل محتمل لمفارقته، إلا أنها فشلت في ذلك لأن الوسط المائع سترتفع حرارته بعد امتصاص الضوء وسيبدأ بالتوهج بنفس مقدار الضوء الذي امتصه سابقاً بحسب قانون «حفظ الطاقة».

 *قانون فيزيائي ينص على أن كمية أو قوة فيزيائية معينة تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة إلى مصدر هذه الكمية الفيزيائية 

4. التوزيع التجزيئي

نشر «هرشل-Herschel» نظريته عن الكون التجزيئي عام 1848م، والتي وصفت كوناً منظماً بمجموعات تجزيئية؛ فالنجوم منظمة ضمن مجرات والمجرات ضمن عناقيد مجرية وهكذا.. 

يمكن لفكرة هرشل عن الكون أن تفسر كون سماء الليل مظلمة؛ فيمكن افتراض أن المادة موزعة بشكل معين في الكون بحيث تكون بعض الاتجاهات فارغة ومظلمة تماماً.

قد تبدو الفكرة صحيحة نظرياً ولكنها تتعارض مع الواقع؛ فالكون يبدو متناظر بشكل مثالي تقريباً على المقياس الكبير (أي نفسه في كل الاتجاهات).

5. الفضاء المنحني

في عام 1872م اقترح «ج.ك.ف زولنر-J.K.F. Zöllner» حلاً مهماً للمفارقة افترض فيه أن أبعاد الفضاء الثلاثة كلها منحنية بحيث يمكن للخطوط المتوازية أن تلتقي، فالفضاء غير محدود ولكن مصادر ضوئه محدودة.

يفشل هذا التفسير عملياً لأن أمواج الضوء قد تنحرف بسبب الجاذبية وتصل إلينا من كل الجهات.

وعلى رغم فشل فكرة زولنر في حل مفارقة أولبرز؛ إلا أنه توقع خلالها انحناء الفضاء قبل أينشتاين بـ 43 عام!

6. الفراغات الأثيرية

وفي عام 1878م قدم «س. نيوكام-S. Newcomb» حلّه الجديد للمفارقة، حيث افترض أن الأثير الكوني* غير موزّع بشكل متساوً في أنحاء الكون؛ بل يتخلله في بعض الأماكن فراغات خالية منه تدعى «الفراغات الأثيرية-Ether voids»، والتي تشكل حواجز تمنع مرور الضوء.

ثم اقترح «ج.ي غور-J.Y. Gore» أن مجرة درب التبانة محاطة كلياً بفراغ أثيري لجعلها مناسبة أكثر لتفسير كون سماء الليل مظلمة.

فشلت هذه الفكرة في حل المفارقة لأنها لو كانت صحيحة فالفراغ الأثيري المحيط لدرب التبانة سيمنع الضوء الموجود فيها من الخروج جاعلاً إياه يرتد عن الحاجز الأثيري مضيئاً السماء بأكملها.

*مادة كان يُعتقد أنها تملأ كل الفضاء الكوني

الحلول الجديدة

1. العمر والطاقة المحدودة

بما أن سرعة الضوء محدودة فإن ضوء النجوم والمجرات البعيدة يحتاج لوقت كبير ليصل إلى الأرض، بالتالي تكون السماء مظلمة لأن غالبية النجوم بعيدة بشكل كبير بحيث لم يصل ضوءها لنا بعد. أعجب «جون مادلر-Johann Mädler» بهذه الفكرة وربطها مع فكرة عمر الكون المحدود لتقديم حجة أقوى؛ فكوننا ونجومه صغيرة في العمر بحيث لم يحصل ضوءها على الوقت الكافي لينير سماءنا بعد!

ومن جهة أخرى طاقة النجوم أيضاً محدودة ولا تملك الطاقة الكافية لإنارة كامل السماء، وقد دعم «هاريسون-Harrison» هذا الحل حسابياً عندما أثبت أن النجوم تحول 0.1% من كتلتها إلى طاقة، ولكن حتى لو حولت كامل كتلتها لن تسطيع إضاءة السماء أكثر مما يفعل القمر.

2. توسع الكون

وأخيراً قدم «ه. بوندي-H. Bondi» و«ت. غولد-T. Gold» و«ف. هويل-F. Hoyle» حلاً للمفارقة عام 1948م، حيث اعتقدوا أن الكون يبدو متماثلاً في كل الأوقات وكل الجهات «نظرية الحالة المستقرة-Steady State Theory»، كما أنه يتوسع بشكل مستمر جاعلاً الأمواج الضوئية تمتط ومُبعِداً فوتونات الضوء عن بعضها البعض، كلا التأثيرين يقللان من شدة الضوء الذي يصلنا من النجوم البعيدة بنسبة 40% مما يجعل السماء مظلمة.

رغم دحض نظرية الحالة المستقرة؛ إلا أن توسع الكون لا يزال مقبولاً كأفضل حل لمفارقة أولبرز.

وفي الختام نرى كيف يكمن وراء ظاهرة بسيطة كظلام الليل أحد أكبر أسرار الكون!

المصدر:

Towson university

إشعاع هوكينج | تأثير الكم في الثقوب السوداء

هذه المقالة هي الجزء 9 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

إشعاع هوكينج | تأثير الكم في الثقوب السوداء

في عام 1975 نشر العالم ستيفن هوكينج دراسة صادمة: الثقوب السوداء ليست سوداء حقاً بل تصدر إشعاعاً حرارياً! فما علاقة الكمّ والنسبية وكيف جمعت هذه الدراسة بينهما؟ كيف يحدث الإشعاع؟ وما أهم المشكلات المتعلّقة به؟

النسبية وأفق الحدث

بشكل عام تبدو علاقة النسبية واضحة هنا، فالإشعاع صادر عن الثقوب السوداء التي تُعتَبر إحدى أهم تطبيقات النظرية النسبية، أما بشكل خاص فغالبية الأمر متعلق بأفق الحدث، الذي يعرف بأنه منطقة حول الثقب الأسود تشكل الحد الذي لا يمكن لأي شيء أن يفلت منه؛ حيث تتجاوز سرعة الإفلات سرعة الضوء التي لا يمكن تجاوزها بحسب النسبية الخاصة [3].

ولكن ما علاقة نظرية الكم؟

في الحقيقة إن ادعاء هوكينج يستند بشكل أساسي إلى ميكانيك الكم؛ حيث أثبتت نظرية الكم أن الفضاء الفارغ ليس فارغ حقاً في المستويات دون الذرية، فحتى أكثر المناطق فراغاً في الكون تتذبذب فيها حقول الطاقة مؤديةً لتشكل أزواج من الجسيمات الافتراضية بشكل مستمر، يتكون كل زوج منهما من جسيمين متكافئين في الكتلة ومتعاكسين في الطاقة يشكلان ما يعرف بزوج جسيم-مضاد جسيم؛ ونتيجة لطاقتهما المتعاكسة يُفنيان بعضهما فوراً في حادثة تعرف باسم «الفناء-annihilation»، حتى أن سبب تسميتهم بالجسيمات الافتراضية يعود لنفس السبب؛ فهذه الجسيمات تفنى قبل أن تصبح حقيقية [2].

كيفية حدوث إشعاع هوكينج

تتشكل الجسيمات الافتراضية السابقة قرب الثقوب السوداء كأي منطقة أخرى في الكون إلا أن الجاذبية الفائقة للثقب الأسود تحدث الفرق. فقد لاحظ هوكينج أنه عند تشكل زوج جسيم-مضاد جسيم قرب منطقة أفق الحدث تقوم قوى الجذب بفصل الجسيمين قبل أن يفنيان بعضهما. يسقط مضاد الجسيم (سالب الطاقة) في الثقب الأسود تاركاً قرينه الجسيم (موجب الطاقة) يغادر الثقب الأسود بشكل إشعاع هوكينج الذي يتكون من الفوتونات وجسيمات «النيوترينو- neutrino» وغيرها من الجسيمات الثقيلة. وتنص قوانين الكم على أن الجسيم الساقط في الثقب الأسود هو دوماً سالب الطاقة. وبالتالي سيقوم بإنقاص كتلة الثقب الأسود الذي سقط فيه فيبدو وكأنه ينكمش بمرور الزمن. [1] [2]

كيف يمكن لجسيم سالب الطاقة أن يكون حقيقاً ليؤثر في كتلة الثقب الأسود؟


رغم أن الجسيمات السالبة الطاقة لا يمكن لها التواجد بشكل حقيقي خارج منطقة أفق الحدث. إلا أنها تصبح حقيقية عندما تسقط في الثقب الأسود، بدايةً ليكون الجسيم حقيقياً يجب أن يملك طاقة موجبة بالنسبة إلى إحداثيات الزمن. أي أن يتحرك إلى الأمام من الحاضر إلى المستقبل لا العكس. وفي الثقب الأسود تجبر جاذبيته الجسيمات على ذلك بغض النظر عن طاقتها. [3]

لماذا الجسيم السالب هو من يسقط وليس الموجب؟

لا يمكن للجسيم الموجب أن يتجاوز أفق الحدث بينما يبقى الجسيم السالب خارجاً، لأن الجسيم السالب الطاقة لا يمكنه التواجد كجسيم حقيقي خارج منطقة أفق الحدث [3].

مفارقة معلومات الثقب الأسود:

وبالعودة إلى ميكانيكا الكم نجد أكبر المشكلات التي تحيط بفكرة إشعاع هوكينج وهي«مفارقة معلومات الثقب الأسود-black hole information paradox». فبحسب قوانين الكم لا يمكن أن تضيع المعلومات. ولا بد من وجود طريقة لاستعادة المعلومات، كمعرفة ما يدخله عبر قياس الحالة الكمية للإشعاع الصادر عنه. إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة؛ فقد أوضح هوكينج أن الإشعاع الصادر شديد العشوائية بحيث لا يمكننا استخلاص أي معلومات مفيدة منه حتى ولو راقبنا الثقب الأسود يتبخر كاملاً! وقد قسمت هذه المفارقة العلماء إلى مجموعتين. منهم يدعي أن المعلومات ستختفي بموت الثقب الأسود والذي يتعارض مع قوانين ميكانيكا الكم. وحينها على العلماء إيجاد قوانين جديدة أفضل! والمجموعة الأخرى تتمسك بقوانين الكم التقليدية. وما زلنا بانتظار الدراسات أو الاكتشافات الجديدة التي ستثبت خطأ أحدهما وتحدث ثورة في هذا المجال. [1]

المصادر:

[1] nature
[2] nature
[3] springer

مسبار «الأمل-Hope» الإماراتي: أهداف ما بعد دخول مدار الكوكب الأحمر

• الوصول التاريخي للمدار ‏

نجح «مسبار الأمل – hope» الإمارتي بالوصول إلى مدار كوكب المريخ قبل عدة أيام، لينهي الجزء الأخطر من مهمته التي سوف تستغرق عامين، بفضل هذا الإنجاز العظيم سوف تكون الإمارات العربية المتحدة الجهة الخامسة التي تنجح في بلوغ الكوكب الأحمر، حيث يعد المسبار جزءاً من أول بعثة عربية على الإطلاق لاستكشاف فضاء مابين المجموعة الشمسية، وقد انطلق مسبار “الأمل” من مركز تانيجاشيما الفضائي بالقرب من بلدة ميناميتانه في اليابان، و يُعد أحد ثلاثة مسابير فضائية استهدفت بلوغ المريخ، وانطلقت في يوليو من العام الماضي، إذ وصلت مركبة «تيانوين1 – Tianwen1» الصينية إلى الكوكب الأحمر في العاشر من فبراير الجاري، في حين هبطت مركبة «بيرسيفيرانس – Perseverance» الجوالة التابعة لوكالة ناسا على سطح الكوكب في الثامن عشر من الشهر نفسه [1]

• صانعوا الإنجاز

شيد مسبار “الأمل”، ذو التكلفة البالغة 200 مليون دولار أمريكي، في مركز الأمير محمد بن راشد للفضاء (MBRSC) في دبي، و أجزاء منه في جامعة كولورادو بولدر في الولايات المتحدة، حيث قام بتصميمه فريق من المهندسين تابع للجامعة المذكورة ومركز محمد بن راشد، وشركاء آخرون من الولايات المتحدة ، إذا وتجدر الإشارة إلى أن مهندسي المشروع قد عجزوا عن إدارة المسبار عن بُعْد آنيًّا من غرفة التحكم، نظرًا إلى أن وصول إشارات التحكم من الكوكب الأحمر وإليه يستغرق 11 دقيقة. وعليه، بدلًا من ذلك، يعمل المسبار ذاتيًّا، باستخدام أوامر جرى تحميله بها قبل أربعة أيام من وقت تنفيذها. وفوق ذلك، يقول بيت ويثنيل، مدير برنامج البعثة من جامعة كولورادو، إن المسبار صُمم بحيث يتمتع بـ”قدر من الذكاء” يمَكِّنه من التأقلم مع ما قد يطرأ من مفاجآت خلال المناورة. [1]

  • وقد شكَّل هذا “الجزء الأخطر” من البعثة، على حد قول عمران شرف، مدير “مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ” في مركز محمد بن راشد للفضاء. وقد بدا أن المناورة لدخول مدار المريخ، “فرص نجاحها وفشلها متساوية”، على حد قول بريت لاندِن، المهندس في جامعة كولورادو بولدر. [1]

• ما هو الهدف الرئيسي للمسبار ؟

هدف مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ بشكل أساسي إلى رسم صورة واضحة وشاملة حول مناخ كوكب المريخ. [2]

إذ ‏يمهد دخوله إلى مدار المريخ الطريق لتحقيقه مهمته العلمية، المزمع أن يرصد خلالها الغلاف الجوي للكوكب في مختلف بقاعه، وفي شتى الأوقات بشكل أساسي
في الوقت الحالي، يشغل المسبار مؤقتًا مدارًا إهليجيًّا، ريثما يحاول مهندسو المشروع اختبار مُعِدّاته وتكليفها بالمهام، استعدادًا للانتقال إلى (مدار المهام العلمية)، حيث يمكنه أن يباشر أداء مهامه بصورة مكثفة في منتصف مايو القادم. وهذا المدار الإهليجي الشاسع هو ما يضفي أهمية خاصة على مهمة المسبار، إذ يُفترض به أن يسمح لأدوات المسبار الثلاث وهي كاميرا تصوير عالية النقاء، ومقياس طيف يَستخدِم الأشعة تحت الحمراء، وآخَر يَستخدِم الأشعة فوق البنفسجية– برصد جميع المناطق الجغرافية من الكوكب، على مدار اليوم، مرة كل تسعة أيام، بهدف وضع خريطة عامة لتتبُّع الأحوال الجوية للمريخ. وهي أرصاد لم يسبق الحصول عليها من على ظهر المريخ. [1][2]

وبعد معالجة بيانات هذه الأرصاد، من المزمع إتاحتها للمجتمع العلمي العالمي، دون قيد أو شرط. ومن المقرر أن تَصدُر أول مجموعة منها بحلول سبتمبر القادم، حسب ما أدلت به سارة الأميري -نائبة مدير مشروع البعثة، وقائدة الفريق العلمي بها- في مؤتمر صحفي وجيز قبل هذا الحدث. ومن شأن هذه البيانات أن تسمح للباحثين بدراسة الغلاف الجوي للكوكب، بدءًا من العواصف الترابية التي تهبّ في أدنى بِقاعِه، وصولًا إلى أعلى طبقات غلافه الجوي الخارجي الذي يسرِّب الهيدروجين والأكسجين إلى الفضاء. كما يُتوقع أن تساعد هذه البيانات العلماء على اكتشاف كيفية تَأَثُّر أنشطة الغلاف الجوي المختلفة في الكوكب ببعضها البعض. [1]

كما صرحت الأميري بأنّ العلماء قد أخذوا بالفعل في تحليل بيانات تجارب أجراها المسبار في أثناء رحلته، ولم يسبق التخطيط لها، “اغتنامًا لهذه الفرصة”. وفي إحدى هذه التجارب، رصد المسبار في أثناء مسحه للمجموعة الشمسية مركبة بيبيكولومبو-BepiColombo المسافِرة إلى كوكب عطارد. ويُفترض مع رصد كلٍّ من المَركَبتين للأخرى عبر المسافة نفسها أنْ ترصدا المستويات نفسها من الهيدروجين، وهو ما يسمح لفريقيهما بمقارنة قياساتهما، ودراسة توزيع الهيدروجين في منظومتنا الشمسية. [1]

• أهداف استراتيجية أخرى خلال مهمة مسبار الأمل

1- استكشاف التغيرات المناخية

سيقوم «مسبار الأمل» باستكشاف أعمق التغيرات المناخية في الغلاف الجوي للمريخ من خلال جمع بيانات على مدار اليوم وباختلاف المواسم ومقارنتها ببعضها كما سيجري المسبار بعض القياسات الأساسية التي تساعدنا على فهم كيفية دوران الغلاف الجوي للمريخ وطبيعة الطقس في كل من طبقتيه السفلى والوسطى [2][3]
ويستخدم المسبار في مهمته ثلاثة أجهزة علمية صممت خصيصا لتساعده في تحقيق أهداف مهمته ومن المستهدف أن تساعد هذه القياسات والبيانات بالإضافة إلى مراقبة الطبقات العليا من الغلاف الجوي في فهم أسباب صعود الطاقة وجزئيات الأكسجين والهيدروجين إلى طبقات الغلاف الجوي ومن ثم فهم كيفية هروبها من جاذبية المريخ.[3]

ويضم “مسبار الأمل” مزيجا فريدا من الأجهزة العلمية المتطورة التي صممت خصيصا لهذه المهمة والقدرة على التنقل بين طبقات الغلاف الجوي للمريخ وتغطيته على مدار اليوم وباختلاف المكان وتغير المواسم وهو ما سيتيح إلقاء نظرة لطالما كنا في أمّس الحاجة إليها على أجواء الكوكب المجاور. [3]

2- التطور التاريخي

وحول التطور التاريخي لاستكشاف الكوكب الأحمر ﺗﺸﯿﺮ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﻟﺘﻘﺎﻃﻬﺎ ﻟﺴﻄﺢ ﻛﻮﻛﺐ اﻟﻤﺮﯾﺦ إﻟﻰ وﺟﻮد أدﻟﺔ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻤﺮيخ ﻛﺎن رﻃﺒﺎ وأﻛﺜﺮ دﻓﺌﺎ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﯿﻮم وﯾُﻌﺪ اﻟﺘﻐﯿﺮ اﻟﻤﻨﺎﺧﻲ وﻓﻘﺪان اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي ﻫﻲ أﻫﻢ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ ﺗﺤﻮل اﻟﻤﺮﯾﺦ إﻟﻰ ﻛﻮﻛﺐ ﺟﺎف وﻣﻐﺒﺮ. [3]

وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﯾﻮاﺻﻞ ﻓﯿﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ دراﺳﺔ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻟﻄﻘﺲ ﻛﻮﻛﺐ اﻟﻤﺮﯾﺦ ﯾﺄﺗﻲ ﻣﺸﺮوع اﻹﻣﺎرات ﻻﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﻤﺮﯾﺦ ﺑﺄوﻟﻮﯾﺔ ﺗﻮﻓﯿﺮ ﺑﯿﺎﻧﺎت ﻋﻠﻤﯿﺔ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﺴﺪ اﻟﻔﺠﻮة اﻟﻤﻌﺮﻓﯿﺔ ﻋﻦ ﻓﻬم ﻄﺒﯿﻌﺔ ﻣﻨﺎخ اﻟﻤﺮﯾﺦ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﻟﻲ. [3]

3- مراقبة طقس المریخ

ﯾُﻌﺪ ﻣﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ اﻷول ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺮﺻﺪ اﻟﺘﻐﯿﺮات اﻟﻤﻨﺎﺧﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﯾﺦ ﺣﯿﺚ ﺳﯿﻘﻮم ﺑﺪراﺳﺔ ﻧﻈﺎم اﻟﻄﻘﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮﻛﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل رﺻﺪ اﻟﺘﻐﯿﺮات اﻟﻤﻨﺎﺧﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي اﻟﺴﻔﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﯿﻮم ﻷول ﻣﺮة وﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ أﻧﺤﺎء اﻟﻜﻮﻛﺐ وﻋﺒﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻔﺼﻮل واﻟﻤﻮاﺳﻢ. [3]

4- الأجهزة العلمية

سيقوم مسبار الأمل بمهمته التي تتعلق بدارسة الغلاف الجوي للمريخ من مدار علمي يكون في أقرب نقطة إلى سطح المريخ على ارتفاع يبلغ 20 ألف كيلومتر وفي أبعد نقطة يكون على ارتفاع 43 ألف كيلومتر وسيتمكن المسبار من إتمام دورة كاملة حول الكوكب كل 55 ساعة بدرجة ميل مداري تبلغ 25 درجة. [3]

ويعطي هذا المدار أفضلية لمسبار الأمل عن أي مركبة فضائية أخرى، حيث لم يكن لأي من المهمات السابقة إلى المريخ مدارا مشابها حيث كانت لها مدارات لا تسمح لها سوى بدراسة الغلاف الجوي للمريخ في وقت واحد خلال اليوم. ويحمل مسبار الأمل على متنه ثلاثة أجهزة علمية تعمل معاً بتناغم كامل وفي وقت واحد لمراقبة المكونات الرئيسية للغلاف الجوي للمريخ. [3]

5- ﻛﺎﻣﯿﺮا اﻻﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﺮﻗﻤﯿﺔ

تعد ﻛﺎﻣﯿﺮا اﻻﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﺮﻗﻤﯿﺔ “EXI” كاميرا إشعاعية متعددة الطول الموجي قادرة على التقاط صور مرئية للمريخ بدقة 12 ميجا بكسل ولديها القدرة أيضا على كشف توزيع جليد الماء والأوزون في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي للمريخ باستخدام حزم الأشعة فوق البنفسجية. [3]

6- اﻷﺷﻌﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻤﺮاء

يرصد المقياس الطيفي ﺑﺎﻷﺷﻌﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻤﺮاء “EMIRS” اﻟﻤﺮﯾﺦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﺰم اﻷﺷﻌﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻤﺮاء، ﻋﺒﺮ ﻗﯿﺎس اﻟﻌﻤﻖ اﻟﺒﺼﺮي ﻟﻠﻐﺒﺎر واﻟﺴﺤﺐ اﻟﺠﻠﯿﺪﯾﺔ وﺑﺨﺎر اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي. ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮم أﯾﻀﺎ ﺑﻘﯿﺎس درﺟﺔ ﺣﺮارة اﻟﺴﻄﺢ ودرﺟﺔ اﻟﺤﺮارة ﻓﻲ اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي اﻟﺴﻔﻠﻲ. [3]

7-الأشعة فوق البنفسجية

كما يقوم «المقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية-EMUS» ﺑﺪراﺳﺔ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﻠﻮﯾﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي ﻟﻠﻤﺮﯾﺦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﺰم اﻷﺷﻌﺔ ﻓﻮق اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﯿﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ اﻟﻤﺪى وﻫﻮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﯾﺪ ﺗﻮزﯾﻊ أول أﻛﺴﯿﺪ اﻟﻜﺮﺑﻮن واﻷﻛﺴﺠﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻐﻼف اﻟﺤﺮاري ﻟﻠﻜﻮﻛﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﻛﻤﺎ ﯾﻘﯿﺲ ﻛﻤﯿﺔ اﻟﻬﯿﺪروﺟﯿﻦ واﻷﻛﺴﺠﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻐﻼف اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻟﻠﻤﺮﯾﺦ. [3]

المصادر:

[1] Nature

[2] (UPA)وكالة الإمارات للفضاء

[3] WAM, Emirate news agency

تعدين الكويكبات، كنز في السماء

بلغت ثروة «جيف بيزوس-Jeff Bezos» صاحب شركة أمازون 190.8 بليون دولار، مما قلّده المركز الأول ضمن قائمة أغنى رجال العالم، إلا أن ثروات البشر على مدار التاريخ لم تبلغ التريليون الواحد، فلم يسبق أن امتلك فرد تريليون دولار من قبل، وفي حال كنت تريد أن تصبح أول تريليونير في التاريخ، فننصحك بتعدين الكويكبات.

ما هي الكويكبات؟

الكويكبات هي بقايا عملية تكوين نظامنا الشمسي، حيث بردت كتل الغازات إلى أن تصلبت، لكنها كانت أصغر من أن تكون كوكبًا، وهذا بسبب ضعف قوة الجاذبية الخاصة بها، فلم تستطع أن تتجمع مع بعضها البعض لتكوين كوكب.

وتختلف أحجام الكويكبات بفروقات شاسعة، حيث قد يكون قطر بعضها 10 أمتار فقط، بينما يبلغ حجم البعض الآخر أحجام بعض الدول!

كما أن للكويكبات أنواع مختلفة، حيث تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

• «نوع سي-C type»، وهو نوع من الكويكبات يتكون بشكل أساسي من الكربون والماء (على صورة جليد في أغلب الأحيان).
• «نوع إس-S type»، ويتكون هذا النوع من الصخور والسيليكات مع نسب قليلة من الحديد والنيكل.
• «نوع إم-M type»، وهو نوع من الكويكبات يتكون أغلبه من المعادن مثل الحديد والنيكل وبعض المعادن الأخرى.

وتتواجد الكويكبات في مكانين أساسيين في مجموعتنا الشمسية، وهما حزام الكويكبات بين المريخ والمشترى، وحزام كويبر الذي يحيط بمجموعتنا الشمسية من الخارج.

مما سبق نستنتج أن عملية تعدين الكويكبات هي القيام باستخراج المعادن منها.

لماذا نحتاج إلى تعدين الكويكبات؟

صرح عالم الفيزياء الفلكية الشهير «نيل ديجراس تايسون-Neil deGrasse Tyson» بأن أول تريليونير في التاريخ سيجني ثروته بفضل تعدين الكويكبات، ولا عجب في ذلك، إذ أن كويكب “16 سايك” وحده يحتوي على معادن بقيمة 700 كوينتليون دولار، أي ما يكفي لإعطاء 93 بليون دولار لكل شخص على كوكب الأرض!

يحتوي حزام الكويكبات وحده على ما يزيد عن 150 مليون كويكب، بمتوسط قطر يبلغ 100 متر، وتحتوي هذه الكويكبات على عناصر مهمة مثل الحديد، والنحاس، والقصدير، والنيكل، والذهب، والفضة، والبلاتينيوم، والزنك، والكوبلت، والرصاص.

نحن في أمس الحاجة إلى هذه العناصر والمعادن، فنظرًا للزيادة السكانية المستمرة على كوكب الأرض والتي يتزايد معها معدل استهلاك الموارد الطبيعية للكوكب، أصبح من المتوقع نفاد العناصر الأساسية المستخدمة في الصناعة في خلال 60 عامًا في أفضل الأحوال.

كما تستخدم هذه المعادن في صناعة الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، ولماذا نذهب بعيدًا؟ فجهاز الحاسب الآلي الخاص بك أو هاتفك الذكي الذي تقرأ منه هذا المقال مصنوع من هذه المعادن الثمينة.

ولك أن تتخيل عزيزي القارئ ما بوسعنا أن نصنعه إذا وضعنا أيدينا على هذه الثروة الهائلة الموجودة في الفضاء، فعند حصولنا على هذا الكم من المعادن والعناصر المهمة سيصير بمقدورنا بناء المستوطنات في الفضاء، واستعمار القمر والمريخ، والتوسعة في بناء المستعمرات حتى نبسط نفوذنا على أقمار المشترى وكل المجموعة الشمسية!

ولكن كيف نبدأ بتعدين الكويكبات؟

عملية التعدين

تنقسم عملية التعدين إلى خمس خطوات:

1- تحديد الكويكب المناسب.
2- الهبوط على سطحه.
3- نقل الكويكبات إلى مكان مناسب.
4- استخراج المعادن.
5- نقل المعادن إلى الأرض.

تعالوا لنناقش كل خطوة منها سويًا:

1- تحديد الكويكب المناسب

تتضمن هذه الخطوة دراسة الكويكبات ومكوناتها، ومن ثم تحديد أنسب الكويكبات والتي ستغطي قيمة المعادن المستخرجة منها تكلفة عملية التعدين، وهذا ليس بالأمر الصعب، فنحن بالفعل نستطيع معرفة مكونات الكويكبات عن طريق عملية «التحليل الطيفي-Spectroscopy»، حيث يمكننا تحليل الطيف الضوئي القادم من هذه الكويكبات، وكل مجموعة من الأطوال الموجية تشير إلى عنصر معين، وبهذا نستطيع تحديد مكوناتها.

2- الهبوط على سطح الكويكب

وهذا أيضًا شيء تمكن جنسنا البشري من تحقيقه، حيث كانت أول مرة نفعل فيها هذا في عام 2001 عندما هبطت مركبة وكالة الفضاء الأمريكية ناسا على كويكب “433 إيروس”.

كما نجحت اليابان في إرسال مهمة «هايابوسا-Hayabusa» عام 2003 لتهبط على كويكب «إيتوكاوا-Itokaua» لتقوم بأخذ بعض العينات الصخرية، وبالفعل نجحت المركبة في الهبوط عام 2005، وعادت بالعينات إلى الأرض عام 2010.

نجحت وكالة الفضاء الأوروبية في إرسال مسبار «روزيتا-Rosetta» الذي تمكن من الهبوط على مذنب «تشيريوموف جيراسيمنكو-Churyumov Gerasimenko» أثناء دورانه حول الشمس عام 2014.

فضلًا عن مهمة «أوزيريس ريكس-Osiris REx» التي أرسلتها ناسا، لدراسة كويكب «بينو-Bennu» والحصول على بعض العينات منه عام 2016، والتي من المقرر عودتها عام 2023.

كما أرسلت اليابان مجددًا مهمة «هايابوسا 2-Hayabusa 2» لدراسة كويكب «ريوجو-Ryugu» عام 2019.

وتستعد ناسا لإرسال مهمة «سايك-Psyche»، والتي من المفترض أن تطلق عام 2022 لدراسة كويكب “16 سايك” الذي ذكرناه مسبقًا، ومن المقرر عودتها عام 2026.

ومما سبق نستنتج أن هذه الخطوة ليست صعبة على الإطلاق، فنحن بالفعل نستطيع القيام بها.

3- نقل الكويكب إلى المكان المناسب

في هذه الخطوة سيتوجب علينا بعد الهبوط على سطح الكويكب أن نقوم بنقله من حزام الكويكبات إلى مدار قريب من الأرض لبدء عملية استخراج المعادن، فستقوم المركبات بتشغيل محركاتها لتوجيه الكويكب بعد الهبوط عليه، وبالطبع لن تكون القوة كافية لتدفعه المركبة تجاه الأرض مباشرة، ولكنها ستكون كافية لتغيير مساره ليصل إلى مدار الأرض في عملية طويلة المدى قد تمتد لعدة شهور أو أعوام في بعض الحالات، ولكن الأمر يستحق الصبر بأي حال.

4- استخراج المعادن

تختلف عملية استخراج المعادن على الكويكبات عن تلك على الأرض، حيث يصعب استخدام الحفارات العملاقة لأن هذا قد يؤدي إلى تفكك الكويكب وابتعاد أجزاءه عن بعضها البعض، ولهذا اقترح الباحثون استخدام أشعة الشمس، حيث سنقوم باستخدام المرايا العملاقة لتوجيه ضوء الشمس وتركيزه على نقطة معينة على سطح الكويكب، مما سيؤدي بدوره إلى تسخينها وبالتالي تطاير الغازات الموجودة على سطح الكويكب لفصلها عن المعادن، وهنا يمكننا أن نستخدم حفارات صغيرة بقوة تكفي فقط لتطاير غبار المعادن، ثم نقوم بتجميعها، وباستخدام قوة الطرد المركزي يمكننا فصل العناصر الكثيفة عن الأقل كثافة، وبهذا نحصل على المعدن في صورته الخام.

5- نقل المعادن إلى الأرض

ليست هذه العملية بالغة في الصعوبة، فما علينا بعد استخراج المعادن الخام إلى وضعها في حاويات لإرسالها إلى الأرض، ويكفي فقط أن تُلقى هذه الحاويات في المحيط لتلتقطها السفن بعد ذلك، دون أي تعقيدات أخرى.

مشكلة صغيرة

وفقًا ل «معاهدة الفضاء الخارجي-Outer space treaty» عام 1967، فإنه يُمنع على أي دولة أن تدعي امتلاك أي جزء من الفضاء الخارجي، مما سيجعل الشركات المسئولة عن التعدين تواجه المشكلات القانونية، كما أن الحروب على الأرض يكون سبب أغلبها هو الصراع على الموارد، فهل ينقل تعدين الكويكبات حروبنا إلى الفضاء؟

الخلاصة

نظر الإنسان في الماضي إلى الكويكبات على أنها لعنة من الآلهة لعقاب البشر على خطاياهم، إلا أننا تمكنّا من الهبوط عليها بل وحتى أخذ بعض العينات منها، فما كان غضب الآلهة في الماضي أصبح طريقنا نحو النجوم، وهذا ليس بخيال علمي، فنحن نمتلك التكنولوجيا لتحقيق ذلك في الوقت الحالي، فلم يعد السؤال المطروح هو “متى سنستطيع أن نقوم بتعدين الكويكبات؟”، ولكن أصبح “متى سنبدأ بتعدين الكويكبات؟”، فعلينا أن نتخلى عن خلافاتنا السخيفة، وأن نوجه أعيننا نحو السماء لتحقيق المجد.

المصادر

technologyreview
bbvaopenmind
mining
nasa
sciencedirect
interestingengineering
asteroidmining
armscontrol

تحويل المريخ، كيف ولماذا؟

لطالما سحرت السماء أعيننا، حتى قالت فيروز في أغنيتها: “شايف السما شو بعيدة؟ بعد السما بحبك”، فقد أدهشتنا السماء بنجومها وكواكبها وغموضها.
كانت السماء بعيدة المنال حتى أننا صرنا نقسم ببعدها عنّا، ونستخدم بعدها عنّا ككناية عن الكبر والاتساع، إلا أن العلم ساعدنا على الوصول إليها، لنستكشف ما فيها ونبحر في فضاءها الشاسع.
قرّب العلم السماء من أعيننا ومراصدنا، حتى أننا هبطنا على سطح القمر، والآن حان الوقت لمحطتنا التالية، المريخ، وهذه المرة نحن نخطط للاستقرار عليه.

لماذا نحتاج إلى المريخ؟

يقترب عددنا اليوم من 8 بليون نسمة، لكن الأرض لن تتحملنا لكثير من الوقت، فمواردها محدودة، وأعدادنا في زيادة مستمرة، كما أن كثرة عدد سكان كوكبنا أدى إلى زيادة المصانع وحركة المواصلات لتوفير الخدمات وفرص العمل لهؤلاء السكان، وهذا ما أثقل كاهل كوكبنا، بداية من ثقب الأوزون، مرورًا بالاحتباس الحراري، وصولًا إلى الحيوانات التي انقرضت نتيجة تدمير مواطنها والمد العمراني للبشر على حساب الغابات والمساحات الخضراء، مما أدى بالطبع إلى اختلال النظام البيئي الطبيعي.
أصبح كوكبنا مزدحمًا للغاية، نحتاج إلى كوكب آخر، يبدو كل من المريخ والزهرة خيارين جيدَين، ولكننا سنركز على المريخ، وإذا أردنا الاستقرار عليه فنحن نحتاج إلى تحويله ليناسب حياتنا.

صحراء باردة

يمتلك المريخ غلافًا جويًا رقيقًا للغاية، فالغلاف الجوي السميك للأرض (نسبيًا)، يحتبس أشعة الشمس لبعض الوقت ليرفع من حرارة الكوكب، بينما غلاف المريخ الرقيق يسمح بدخول أشعة الشمس وخروجها دون أي مقاومة تذكر، ودون أي احتفاظ بكمية تذكر من الحرارة، جاعلًا من الكوكب صحراء ميتة بدرجة حرارة تبلغ 60 درجة مئوية تحت الصفر!

ولكن كيف نحل هذه المشكلة؟

يمكننا أن نتعلم الدرس مما يحدث لكوكبنا، فالغازات الدفيئة تزيد من «تأثير البيت الأخضر-greenhouse effect»، والذي بدوره يرفع من درجة حرارة الأرض، فيمكننا أن نلجأ لضخ كميات معقولة من «الكلوروفلوروكربون-CFC» في غلاف المريخ الجوي، والذي سيساعد على احتباس حرارة الشمس داخل غلافه الجوي ليزيد من حرارته.

المجال المغناطيسي

بردت نواة المريخ وتصلبت على مدار بلايين السنين، ونتيجة لهذا الجمود فقد الكوكب مجاله المغناطيسي، لذا فسطحه في عرضة دائمة للإشعاع الكوني ولأشعة الشمس الضارة.
يساعد المجال المغناطيسي للأرض على تشتيت أشعة الشمس الضارة ليحمينا منها، وهذا نتيجة لتدفق المعادن السائلة في نواة الكوكب أثناء دورانه حول محوره.


بالطبع لا يمكننا إعادة تحويل نواة المريخ إلى حالتها السائلة، وهنا يمكننا أن نصنع مولدًا ضخمًا للمجال المغناطيسي بينه وبين والشمس، ليعمل على خلق مجال مغناطيسي يشتت أشعة الشمس الضارة عن سطحه، وهذا بالطبع يحتاج إلى تكنولوجيا بالغة التعقيد ومبالغ طائلة من المال.

الغلاف الجوي للمريخ

نحتاج إلى المزيد من ثاني أكسيد الكربون من أجل النباتات ولزيادة احتفاظ الكوكب بحرارته أيضًا، فكميات الكلوروفلوروكربون التي استخدمناها لن تفي بالغرض.
تتوافر كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الأملاح المترسبة في قشرة المريخ، ولكننا نحتاج إلى طاقة كبيرة لاستخراج هذه الكمية من ثاني أكسيد الكربون، لذا فسنقوم بإرسال الروبوتات والطابعات ثلاثية الأبعاد لصناعة الخلايا الشمسية باستخدام السيليكون الموجود على سطح الكوكب، وسنغطي مساحات واسعة من سطح المريخ بهذه الخلايا لتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل الروبوتات المسئولة عن التعدين واستخراج الصخور التي تحتوي على ثاني أكسيد الكربون.

سنستخدم هذه الطاقة الكبيرة في «التحليل الكهربائي-Electrolysis» لأكاسيد المريخ الصلبة، والذي سيعطينا الأكسجين كمنتج ثانوي، ومن ثم تُستخدم الطاقة على الأملاح من الصخور المستخرجة من قشرة المريخ لتعطي ثاني أكسيد الكربون كمنتج ثانوي، وبهذا سنحصل على ثاني أكسيد الكربون وقليل من الأوكسجين، ومن هنا يمكننا إرسال الطحالب والبكتيريا المعدلة وراثيًا لتزيد من كمية الأوكسجين على الكوكب، فهذه الطريقة هي التي أتت بالأوكسجين إلى كوكبنا.

ولكن كيف نحصل على النيتروجين؟

قد تبدو هذه الفكرة مجنونة ولكننا سنحتاج هنا إلى توجيه النيازك من حزام الكويكبات باتجاه المريخ، وهذا بالطبع سيكون باستخدام أساطيل فضائية كبيرة (وهذه تكنولوجيا لا نملكها حتى الآن)، فهذه النيازك تحتوي على كميات لا بأس بها من النيتروجين، والآن بتنا نمتلك غلافًا جويًا!

الماء على المريخ

بعد أن أصبح لدينا غلاف جوي على المريخ، وبتنا نمتلك ضغطًا جويًا مناسبًا، أصبح بإمكان الماء التواجد في حالته السائلة بصورة مستقرة، ومن هنا يمكننا استخدام الأسلحة النووية، حيث أن المريخ يملك كميات من الماء المتجمد في قطبه الجنوبي، كما اكتُشف وجود كميات من الجليد على بعد أمتار تحت سطح المريخ وهنا ستلعب الأسلحة النووية دورها حيث ستستخدم في إذابة هذا الماء المتجمد، وها هو ذا الماء السائل!

الخلاصة

قد يبدو تحويل المريخ صعب المنال بل حتى مستحيلًا في المستقبل القريب، إلا أن حلم الإنسان القديم بالطيران قد تحقق، فالعلم هو وسيلتنا لتحقيق أحلامنا، وكما قال عالم الفيزياء الروسي «قسطنطين تسيولكوفسكي-Kostantin Tsiolkovsky»: “إن الأرض هي مهد الإنسانية، ولكن المرء لا يمكن أن يعيش في المهد إلى الأبد”.

المصادر

nature
space
nasa
scientificamerican
space
nasa
sciencedirect

لماذا تمطر الألماس على نبتون؟

بعيدًا على أطراف المجموعة الشمسية، حيث تتضاءل الحرارة القادمة من الشمس، يقبع كوكب نبتون بلونه الأزرق الداكن في غموض، من المثير أن تعرف أن المعلومات التي نمتلكها عن هذا الكوكب محدودة للغاية، فلم يبلغ كوكب نبتون من مركباتنا سوى «فوياجر 2-Voyager 2»، والتي مرت بجواره في طريقها إلى خارج المجموعة الشمسية، لكننا لم نرسل بعثة مخصصة لدراسته، إلا أننا نمتلك الحواسيب المتطورة التي بمقدورها محاكاة ظروف هذا الكوكب لنخرج بالتنبؤات عما قد يكون بداخله، وبفضل ذلك بِتنا نعلم أن الأمطار على كوكب نبتون من الألماس!

كيف يتكون الألماس؟

تكوّن الألماس على كوكبنا على مدار 3 بليون سنة، ويرجع ذلك إلى الضغط الشديد والحرارة المرتفعة تحت سطح الأرض بما يزيد عن 150 كيلومتر، حيث تبلغ درجة الحرارة على هذا العمق ما بين 900 إلى 1300 درجة مئوية، ويبلغ الضغط ما بين 45 إلى 60 كيلوبار (أي ما يعادل 50,000 ضعف الضغط الجوي على سطح الأرض)، وهذه الظروف تتسبب بحدوث عملية «التبلور-Crystallization» لجزيئات الكربون، مما يؤدي إلى تحولها للألماس، والذي يخرج بدوره مع الثورانات البركانية إلى سطح الأرض.

الظروف على كوكب نبتون

يُعد كوكب نبتون أحد «العمالقة الجليدية-Ice giants»، حيث يستخدم مصطلح “الجليد” في علم الفلك للإشارة إلى المركّبات التي تحتوي على الهيدروجين، وهو ما ينطبق على على نبتون، حيث أن الطبقة الخارجية من غلافه الجوي مكونة من الهيدروجين (H)، والهيليوم (He)، وهي بسُمك 3,000 كيلومتر، بينما تتكون الطبقة الوسطى والتي تُسمى «الطبقة الجليدية-Icy layer» من الماء (H2O)، والأمونيا (NH3)، والميثان (CH4)، وهي بسُمك 17,500 كيلومتر.

كما أنه ذو ضغط جوي شديد، وهذا بالطبع نتيجة لسُمك غلافه الجوي، وله أيضًا حرارة داخلية مرتفعة.

تفسير محتمل

تقدًم «مارفن روس-Marven Ross» عام 1981 بورقة بحثية في مجلة Nature لتفسير ظاهرة الأمطار الألماسية على كوكب نبتون، حيث افترض أن الحرارة الشديدة تؤدي إلى فصل المركبات الهيدروكربونية (التي تحتوي على الكربون والهيدروجين مثل الميثان) في الطبقة الجليدية الوسطى، لتعطي جزيئات الكربون وجزيئات الهيدروجين منفصلة، ثم تؤدي الحرارة المرتفعة بمساعدة الضغط الجوي الشديد إلى تحول الكربون إلى الألماس، وبما أن الألماس أعلى كثافة من غازات الطبقة الوسطى، فإنه يتساقط على هيأة الأمطار باتجاه مركز الكوكب، وهذا قد يفسّر وجود طبقة كربونية حول نواة الكوكب، إلا أن درجة الحرارة الشديدة تؤدي إلى انصهار الألماس ليتحول إلى حالته السائلة، مما يعني وجود بحار من الألماس السائل!

اختبار الفرضية

قام الباحث الفيزيائي «دومينيك كراوس-Dominik Kraus» في ألمانيا بعمل تجربة مع فريقه، حيث استخدموا فيها جهاز LCLS والذي هو اختصار Linac Coherent Light source، أي “مصدر الضوء المتماسك” باللغة العربية، حيث أن محاكاة الظروف الداخلية لكوكب نبتون صعبة هنا على الأرض، وهنا يأتي دور ال LCLS، كما استخدم الباحثون «الهيدروكربون بوليستيرين-Hydrocarbon polystyrene» بدلًا من الميثان.

يقوم ال LCLS بإرسال نبضات ضوئية باتجاه البوليستيرين، مما يرفع حرارته إلى 5,000 كيلفين (حوالي 4,727 درجة مئوية)، كما يزيد من ضغطه ليصل إلى 1.5 مليون بار، وقد نجحت التجربة بتحويل البوليستيرين إلى الألماس.

إنه لشيء مذهل بحق ما يستطيع الإنسان أن يصل إليه عن طريق العلم، فها نحن ذا نحاكي ظروف كوكب آخر على كوكبنا، ويضيف كراوس قائلًا: “هذه التقنية ستساعدنا على قياس العمليات المثيرة التي كان يصعب علينا إعادة محاكاتها”.

المصادر

americanscientist

sciencealert

nature

لماذا يجب علينا التفكير في استعمار الزهرة بدلًا من المريخ؟

احتل المريخ مكانة كبيرة في خيال مؤلفي روايات وأفلام الخيال العلمي، فهو الكوكب الأحمر الذي يعج بالوحوش الغريبة، أو الكائنات الفضائية الخضراء إن حالفك الحظ، أو ربما وجهة سفر لرجل أعمال يطمح لبناء مدينة على كوكب آخر.

ولكن أين توأم الأرض من هذا كله؟

جحيم في السماء

يُعد كوكب الزهرة واحدًا من أجمل الأجرام السماوية التي يمكنك أن تمتع نظرك بها في سماء الليل، حتى أنه أخذ اسمه من الإلهة الرومانية «فينوس-Venus»، إلهة الحب والجنس والجمال، إلا أن ليس كل ما يلمع ذهبًا، فالزهرة عن مقربة هو أبعد ما يكون عن كل ما هو جميل، إنه في الواقع أقرب إلى الجحيم، حيث يمتلك غلافًا جويًا سميكًا للغاية، وهذا الغلاف السميك الممتلئ بثاني أكسيد الكربون يقوم بحبس الحرارة القادمة من الشمس داخل الكوكب، جاعلًا من الزهرة أكثر كواكب المجموعة الشمسية حرارة بدرجة حرارة تبلغ 465 درجة مئوية (أكثر حرارة من عطارد الذي هو أقرب كوكب إلى الشمس).

كما أن هذا الغلاف الجوي السميك ساعد في زيادة الضغط الجوي على سطح هذا الكوكب، إذ أن الضغط الجوي للزهرة يبلغ 90 ضِعف الضغط الجوي للأرض، وتسبب هذا الضغط الجوي في سحق مركبة «فينيرا 13-Venera 13» السوفيتية، التي تمكنت من الصمود في حرارة الزهرة وضغطه الجوي لمدة ساعتين، قبل أن تنسحق على نفسها.

وحتى إن نظرت إلى سماء الزهرة، فإنها ملبدة بغيوم صفراء ذات أمطار من حامض الكبريتيك.

لماذا ليس المريخ؟

أين نتجه إذًا؟ إلى المريخ؟

كلا، فالمريخ يمتلك غلافًا جويًا رقيقًا جدًا، وهذا الغلاف الجوي يسمح للشمس بأن تمطر من عليه بكمية رهيبة من الإشعاع، كما أن المريخ ذو عواصف شديدة للغاية، وهذه العواصف قد تهدد أي منشأة ينوي البشر إقامتها على سطحه، كما أنه يمتلك جاذبية تعادل ثلث جاذبية الأرض تقريبًا، فستصير عظامنا ضعيفة بسبب هذه الجاذبية، وتضمر عضلاتنا، وتصير أجسادنا أضعف وأكثر وهنًا، ففكرة استعمار المريخ لا تبدو بالفكرة السديدة.

لماذا الزهرة؟

يُعد الزهرة توأم الأرض، إذ أن كليهما بنفس الحجم تقريبًا، كما يمتلكان نفس التكوين الداخلي بنواة شبه سائلة، كما يمتلك الغلاف الجوي للزهرة كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون الذي يمكننا استخدامه لإنتاج الأوكسجين، كما أنه أقرب إلينا بكثير من المريخ، كما أن له غلافًا جويًا سميكًا يحمينا من الإشعاع الشمسي بشكل أفضل من المريخ.

بيت في الجحيم

ما الحل في هذه المعضلة إذًا؟ كيف نستقر على هذا الكوكب الأشبه بالجحيم؟

هناك حل دائمًا لكل مشكلة، فظروف الزهرة تصير أفضل عند ارتفاع 31 ميل عن سطح الكوكب، حيث تكون الحرارة أقل من السطح، نظرًا للخروج من سجن الغازات الدفيئة، كما ينخفض الضغط الجوي إذ أن الضغط الجوي يقل كلما زاد الارتفاع عن السطح.فالسبيل إذًا لاستعمار الزهرة هو السكن في مدن طائرة في الجو، فقدمت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا نموذجًا للمدن الطافية في الجو الذي يمكننا أن نسكن فيها، وهي تبدو كشيء مثل هذا.

جنة على الأرض

يبدو استعمار كواكب أخرى غير كوكبنا الأزرق بعيد المنال في المستقبل القريب، لذا وجب علينا أن نقدر قيمة هذا الكوكب حق قدره، وأن نحافظ عليه، فليس لدينا بيت آخر في هذا الكون الشاسع، حتى الآن على الأقل.

اقرأ أيضًا هل كان للديناصورات ريش؟

المصادر:

nasa

bigthink

sciencealert

nasa

فطر يحمي من الاشعاع النووي يقدمنا خطوةً نحو السفر إلى المريخ

عندما يعود رواد الفضاء إلى القمر أو يسافرون إلى المريخ، كيف سيحمون أنفسهم من المستويات العالية من «الإشعاع الكوني-cosmic radiation»؟ تقترح تجربة حديثة على متن محطة الفضاء الدولية حلًا مفاجئًا: فطر يحمي من الاشعاع النووي، أو فطرٌ آكلٌ للإشعاع – كما وُصِف، يمكن استخدامه كدرع ذاتي النسخ للحماية من «أشعة جاما-gamma radiation» في الفضاء.

يُطلق على الفطر «كلادوسبوريوم سفيروسبيرموم-Cladosporium sphaerospermum»، وهو نوعٌ من الكائنات الحية المحبة للظروف القاسية يزدهر في المناطق عالية الإشعاع مثل محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية. بالنسبة إلى فطر يحمي من الاشعاع النووي، يمثل الإشعاع طعامًا بدل التهديد. ذلك لأن الفطر قادر على تحويل إشعاع جاما إلى طاقة كيميائية من خلال عملية تسمى «التخليق الإشعاعي-radiosynthesis» (فكر في الأمر على أنه عملية التمثيل الضوئي، لكن استبدل ضوء الشمس بالإشعاع).

فطر «كلادوسبوريوم سفيروسبيرموم-Cladosporium sphaerospermum»

يقوم الفطر الإشعاعي بالتخليق الإشعاعي باستخدام الميلانين (نفس الصبغة التي تعطي لونًا لبشرتنا وشعرنا وعينينا) لتحويل الأشعة السينية وأشعة جاما إلى طاقة كيميائية. لم يفهم العلماء هذه العملية تمامًا لحد الآن. لكن الدراسة تشير إلى أن كميات كبيرة من الميلانين في جدران الخلايا لهذه الفطريات تتوسط في عملية انتقال الإلكترون، وبالتالي تسمح باكتساب صافي الطاقة.

بالإضافة إلى ذلك، يتكاثر الفطر ذاتيًا، مما يعني أنه من المحتمل أن يكون رواد الفضاء قادرين على “إنبات” وسائل حمايتهم من الإشعاع في مهمات الفضاء السحيق، بدلاً من الاضطرار إلى الاعتماد على الإمدادات الأرضية المكلفة والمعقدة.

ومع ذلك، لم يكن الباحثون متأكدين مما إذا كان الفطر «كلادوسبوريوم سفيروسبيرموم-Cladosporium sphaerospermum» سيعيش في المحطة الفضائية.

أثناء وجود الفطر على الأرض، تتضمن مصادره الإشعاعية أشعة غاما والأشعة السينية، أو أشعة جاما لوحدها؛ لكن الإشعاع في الفضاء وعلى سطح المريخ (المعروف أيضًا باسم «الإشعاع الكوني المجري-galactic cosmic radiation (GCR)») هو من نوعٍ مختلفٍ تمامًا ويتضمن جسيماتٍ عالية الطاقة، معظمها من البروتونات. هذا الإشعاع أكثر تدميراً من الأشعة السينية وأشعة جاما، لذلك لم يكن حتى بقاء الفطر على محطة الفضاء الدولية أمراً مضمونًا.

لاختبار “المقاومة الراديوية” لهذا الفطر في الفضاء، تعرضت طبقة بسمك 0.06 بوصة من الفطر موضوعة في «أطباق بتري-petri dishes» للإشعاع الكوني على متن محطة الفضاء الدولية. كما تم تعريض أطباق لا تحتوي على الفطريات إلى نفس الإشعاع. وأظهرت النتائج أن الفطر خفض مستويات الإشعاع بنحو 2%.

استقراءًا لهذه النتائج، قدر الباحثون أن طبقة 8 بوصات تقريبًا من هذا الفطر ستكون مفيدةً جدًا لرواد الفضاء. ففي النهاية، رائد الفضاء الذي يقضي عامًا واحدًا في بعثةٍ للمريخ قد يتعرض لإشعاع أكثر بمعدل 66 مرة من الشخص العادي على الأرض. وحينها يأتي دور فطر يحمي من الاشعاع النووي.

وأكد الباحثون إن هناك حاجة إلى مزيدٍ من التقصي، وأنه من المحتمل استخدام هذا الفطر مع تقنيات الحماية من أنواع أشعةٍ أخرى على متن المركبات الفضائية. لكن حاليًا، تسلط النتائج الضوءَ على كيفية تقديم الفعاليات الحيوية البسيطة نسبيًا فوائدَ عظيمة في بعثات الفضاء المرتقبة.

المصادر: Futurism, Phys.org, Big Think
إقرأ أيضًا: ما هو لون المرآة؟

الرد على أبرز ثلاثة ادعاءات لأصحاب نظرية الأرض المسطحة

ها نحن ذا على مشارف عام 2021، وما زال البعض يعتقد أن الأرض مسطحة، وأنها محاطة بجدار جليدي بامتداد 65,000 ميل تحرسه وحوش عملاقة، وأن السماء قبة تحيط بأرضنا الجميلة، وأن الشمس والقمر يركضان خلف بعضهما البعض لسبب لا يعلمه أحد، وأن ناسا وكالة دجل مدعومة من الشيطان لطمس الحقائق.

لذا فقد قررنا الرد على ثلاثة ادعاءات لهم.

1. “لو كانت الأرض كروية وتدور بسرعة عالية في الفضاء، فإنه من المستحيل أن تبقى المياه في البحار والمحيطات ساكنة، بدلا من ذلك يجب عليها أن تكون في حركة مستمر، ولكننا نشاهد العكس.”

من منا لم يسأل نفسه هذا السؤال في الصف الأول الابتدائي عند معرفتنا بدوران الأرض حول محورها؟

لكن ما لم نفهمه في ذاك الوقت هو كيف تعمل الجاذبية، لنأخذ مثالًا عمليا للتوضيح، خذ كرة قدم عادية، ثم قم بتثبيت خرزة صغيرة عليها جيدًا باستخدام الصمغ، ثم قم بتدوير الكرة بأقصى سرعة ممكنة، هل طارت الخرزة؟

بالطبع لا، لأنها مثبتة على سطح الكرة بالصمغ، كذلك تعمل الجاذبية الأرضية، فالمحيطات والبحار مثبّتة في الأرض بفعل الجاذبية، كما أن الأرض تتحرك بسرعة ثابتة.

عندما تتحرك بسرعة ثابتة في السيارة، يمكنك سكب الماء من كوب لآخر بدون أن يتبلل قميصك، لأن الماء لن يتحرك للخلف، إذ أن سرعة السيارة ثابتة، إنها الفيزياء ببساطة.

2. “إذا كانت الأرض كروية وتدور بسرعة معينة، يمكن للمروحيات الارتفاع عن سطح الأرض والبقاء في المكان ذاته حتى تصل إلى المكان المطلوب.”

عادة ما يُساء فهم مسألة الدوران من قِبل أصحاب نظرية الأرض المسطحة، إذ أن الطائرات تبقى داخل الغلاف الجوي مهما طارت، فهي تحلق داخل مجال جاذبية الأرض، لذا فهي تدور مع الأرض بدورانها، كل شيء على الأرض يدور معها في الواقع بما فيهم أنت، إذ أنك تنطلق بسرعة رهيبة في الفضاء بينما تقرأ هذا المقال، لكنك لا تشعر بذلك لأن السرعة ثابتة كما بينّا في النقطة السابقة، فكذا الطائرات، إذا ظلت معلقة في الهواء بثبات فستدور مع الأرض، لذا فستبقى فوق النقطة التي طارت منها، فوجب عليها التحرك لبلوغ وجهتها.

3. “لو كانت الأرض حقا تدور، فإن الرصاص الذي تم إطلاقه بشكل عامودي إلى الأعلى، لسقط بمكان آخر بعيد عن المكان الذي تم الإطاق منه، وهذا لا يحدث.”

كما وضحنا في النقطة السابقة، فإن الرصاصة مهما انطلقت بشكل عامودي فهي بداخل مجال جاذبية الأرض، ما لم تبلغ سرعة الإفلات، فالرصاصات المُطلقة للأعلى تدور مع دوران الأرض أيضًا، كما أن حجم الأرض كبير للغاية مقارنة بالرصاصة، ولتوضيح هذه النقطة علينا القيام بتجربة أخرى.

خذ خيطًا، واربط طرفه بإصبعك، واربط الطرف الآخر بخرزة صغيرة، ثم قم بلف إصبعك، وبلا شك ستدور الخرزة مع دوران إصبعك، فإصبعك هنا يمثِّل الأرض، والخيط يمثّل الجاذبية، والخرزة تمثل أي جسم في مجال جاذبية الأرض.

الخلاصة:

تتعدد أسباب المؤمنين بتسطيح الأرض، كما تتعدد أسباب المؤمنين بالخرافة، فالأرض كروية، وستظل كروية للأبد، فالعلم لا يعبأ بمن لا يصدقونه.

المصادر:

physicsforum
scientificamerican
popsci.com

اقرأ أيضًا

هل حقًا سقطت نظرية التطور كما يزعمون؟

ما المقصود بفكرة الحتمية الكونية؟ وما هو رأي ميكانيكا الكم في الحتمية السببية؟

ما المقصود بفكرة الحتمية الكونية؟ وما هو رأي ميكانيكا الكم في الحتمية السببية؟

في عشرينيات القرن الماضي احتدم النقاش وحمي الجدال بين العالمَين أينشتاين وماكس بورن وكان صدامًا بين فلسفتين، بين مذهبين متناقضين في التصوّرات الميتافيزيقيّة لطبيعة الواقع وما يمكننا أن نتوقّعه من التصوير العلميّ لهذا.  في ديسمبر من العام 1926 كتب أينشتاين “إنّ لنظرية ميكانيكا الكمّ فوائد جمة، لكنها لا تقرِّبنا من سر الإله”. أنا على يقين تام بأن الله لا يلعب النَّرْد”. كتب أينشتاين هذا في ردِّه على خطاب من الفيزيائي الألماني ماكس بورن. كان ماكس يقول إنّ قلب نظرية ميكانيكا الكم الجديدة ينبض بالشك والعشوائية، وكأنه يعاني من اضطراب النَّظْم القلبي. فحين كانت الفيزياء قبل نظرية الكمّ قِوامها أنّا إذا أدخلنا مُدخلًا معينًا، نحصل على مخرج محدد، بَدَا قِوام ميكانيكا الكمّ أنّا إذا أدخلنا مُدخلًا معينًا نحصل على مُخرج باحتماليّة ما، وفي بعض الحالات يمكننا الحصول على مُخرج آخر. في هذا المقال سنتعرف على مفهوم الكون الحتمي وعلى رأي نظرية ميكانيكا الكم في مفهوم حتمية الكون.

ما المقصود بفكرة الحتمية الكونية؟

اعتقد العديد من جهابذة العلماء كنيوتن ولابلاس وأينشتاين بأن الكون يعمل تمامًا كالساعة، أي بقوانين محددة ودقيقة وما علينا سوى اكتشاف هذه القوانين نتمكّن من التنبؤ بالمستقبل تنبؤًا دقيقًا لا يُساوره الرّيب. يُعرف هذا المنهج بالفلسفة باسم الحتمية السببية وهي الاعتقاد بأنه يمكن استنتاج المستقبل بناءً على الحاضر وقوانين الطبيعة.

طُور المعتقد الفلسفي بالحتمية لأول مرة من قبل الفلاسفة اليونانيين ما قبل سقراط مثل هيراقليطس وليوكيبوس بين القرنين السابع والثامن قبل الميلاد. في السنوات اللاحقة، بنى أرسطو عليها، لكن الفلاسفة الرواقيين هم من قدموا أهم المساهمات وشاعوا هذه الفلسفة. تتجذر فكرة الحتمية بالتأكيد في فكرة فلسفية شائعة جدًا، الفكرة القائلة بأنه يمكن تفسير كل شيء، من حيث المبدأ، أو أن كل شيء له سبب كافٍ للوجود والوجود كما هو، وليس غير ذلك. بعبارة أخرى، تكمن جذور الحتمية فيما أسماه “ليبنيز” مبدأ العقل الكافي ولكن منذ أن بدأت صياغة النظريات الفيزيائية الدقيقة بطابع حتمي ظاهريًا، أصبحت الفكرة قابلة للفصل عن هذه الجذور. غالبًا ما يهتم فلاسفة العلم بالحتمية أو اللاحتمية في النظريات المختلفة، دون أن يبدأوا بالضرورة من وجهة نظر حول مبدأ «لايبنتز-Leibniz».

لا يتعلق مفهوم الحتمية السببية بالكون فقط بل ذهب بعض الحتميين للقول بأن سلوك البشر تحدده مورثاتهم مسبقًا من البيئة التي نشأوا فيها أو من خلال التفاعلات الكيميائية في دماغهم وبالتالي فخياراتنا وقراراتنا هي مجرد نتائج حتمية تحددها قوانين الطبيعة والتي إن استطعنا فهمها فسنكون قادرين على التنبؤ بسلوك البشر تنبؤًا حتميًا. بعبارة أخرى، أنت لا تمتلك إرادة حرة وليس لديك حرية الاختيار فيما تفعله ولكن عارض هذا الرأي الكثير من العلماء وطوّرا نظرياتهم بخصوص مفهوم الإرادة الحرة. الحقيقة ليس هذا مجرد نقاش فلسفي بل هو موضوع هام ومتعلق بالمسؤولية الأخلاقية، فهل يجب أن نعاقب المجرم إذا لم يكن الجرم الذي اقترفه نابعًا من إرادته بل نتيجة حتمية لقوانين الطبيعة-مُقدّر له ومكتوب بواسطة قوانين الطبيعة-؟

الحتمية وعلم الفيزياء الكلاسيكية

حتى نهاية القرن التاسع عشر، كان علم الفيزياء يسير بشكل عام على نهج وفلسفة العالم “إسحاق نيوتن”. فقد كانت آلية عمل قوانين الفيزياء مفهومة جيداً، ولا شيء فيها يدعو إلى القلق. فالسببية والحتمية منسوجتان في صُلب قوانين الطبيعة. وكل ما نحتاجه لمعرفة حالة الكون المستقبلية هو معرفة شروطه الحالية فقط. بمعنى آخر، بات الكون أشبه بآلة عملاقة تعمل بدقة الساعة، لا يصيبها الخلل ولا الملل منذ أن أُطلقت للعمل. فإذا ما علمنا عن موضع وسرعة كوكب أو نجم ما أو حتى ذرة شاردة في الكون في لحظة معيَّنة، يمكننا تحديد كل حركات هذا النجم أو تلك الذرة في المستقبل تحديدًا دقيقًا، شرط أن نأخذ في الحسبان جميع التأثيرات الخارجية. وبهذه الطريقة نستطيع، من حيث المبدأ، عبر استخدام قوانين الفيزياء أن نحدِّد حالة كل ما في الكون، من أكبر مجراته إلى أصغر ذراته. عندها فقط ستكون صورة الكون المستقبلية ماثلة أمام أعيننا، تماماً كالماضي.

ما الذي قصده أينشتاين في قوله ” إنّ الله لا يلعب بالنرد مع الكون”؟

ما الذي قصده أينشتاين بالضبط عندما قال هذا؟ لفهم طبيعة اعتراض أينشتاين، من المهم تقدير الدور الذي تلعبه الحتمية في الفيزياء الكلاسيكية. وفقًا لمعادلات الفيزياء الكلاسيكية -من حيث المبدأ-يمكن حساب جميع الأحداث المستقبلية والتنبؤ بها بدقة تامة.

إذا كان من الممكن معرفة الموقع الدقيق وسرعة كل ذرة وكل جسيم آخر في الكون، وإذا كان بإمكان المرء اختراع جهاز حاسوب ذي قدرات هائلة للغاية، فيمكن عندئذٍ استخدام معادلات الفيزياء الكلاسيكية لحساب كل شيء يمكن أن يحدث على الإطلاق في المستقبل. سيكون من الممكن أيضًا تشغيل هذه المعادلات للخلف لمعرفة كل ما حدث في الماضي. في الواقع، وفقًا للفيزياء الكلاسيكية، يمكن تحديد المستقبل يتحدد بدقة من قبل الحاضر. يشبه الكون ساعة كبيرة ومعقدة، تتحرك للأمام بطريقة معقدة، ولكن يمكن التنبؤ بها تمامًا. أيّد أينشتاين هذه الرؤية للكون؛ وفقًا للفيزياء الكلاسيكية، لا دور للصدفة أو الاحتمال وهذا يعني أن إله الفيزياء الكلاسيكية لا يلعب النرد. ولكن مع تقديم تفسير بورن لميكانيكا الكم صورة مختلفة، لم يعد الكون قابلاً للتنبؤ به كما كان في الفيزياء الكلاسيكية.

تفسير ماكس بورن لميكانيكا الكم

وفقًا لبورن وطريقته في التفكير حول ميكانيكا الكم، فإن الإلكترون (أو أي جسم كمي آخر) يمتد عبر حجم الفضاء الذي تغطيه الدالة الموجية. عندما نقيس موقع الإلكترون، فإنه دائمًا ما يشبه النقطة دون أي مدى مكاني. ومع ذلك وقبل أن يُقاس، يكون الإلكترون في نفس الوقت في جميع المواقع التي تغطيها دالة الموجة الخاصة به، أي أنه فعال في العديد من الأماكن وكلها في نفس الوقت. بهذا المعنى، تتمتع الإلكترونات والأجسام الكمومية الأخرى بنوع من الوجود الاحتمالي، حيث توجد في جميع الأماكن الممكنة وتقوم بكل الأشياء الممكنة في جميع الأوقات الممكنة.

يمكن وصف ذلك أيضًا من منظور مبدأ اللايقين لهايزنبرج. وفقًا لهذا المبدأ، كلما تم تحديد موقع الكائن الكمي بدقة أكبر، كلما قلت قدرتنا على تحديد سرعته بشكلٍ دقيق، والعكس صحيح. لذا، ما تقوله ميكانيكا الكم هو أن الجسيم الكمي لا يمكن أن يكون في مكان واحد فقط ويتحرك بسرعة واحدة فقط.

تخيل إلكترون يُوصف من خلال دالة موجية تبلغ ذروتها بشكل حاد في مكانين، والتي سنسميها الموقعين “أ” و “ب “. الآن، دعنا نفترض أن شكل الدالة الموجية يغطي المواقع “أ” و”ب” بالتساوي وبنفس المدى. في هذه الحالة، إذا تم أُجريت تجربة لقياس موقع الإلكترون، فستكون هناك فرصة بنسبة 50٪ للعثور عليه في الموقع “أ” وفرصة بنسبة 50٪ العثور عليه في الموقع “ب”.

قد يبدو هذا المثال مطابقًا لرمي قطعة نقود معدنية والذي يقدم نتيجتين متساويتين في الاحتمال -50% للشعار 50% للكتابة-. ومع ذلك، قد تفشل مثل هذه المقارنة في أن تأخذ في الاعتبار شيئًا مهمًا حول الدور الذي يلعبه الاحتمال في ميكانيكا الكم.

عند رمي قطعة معدنية فإن احتمالية ظهور الشعار أو الكتابة هي بالتساوي 50% لكل منهما (حقوق الصورة: W. Scott McGill/Shutterstock)

عندما ترُمى عملة معدنية وتُغّطى، فمن الممكن تشبيهها بالإلكترون المذكور أعلاه. يمكن أن يكون الوجه الذي ظهر شعارًا أو كتابةً. الاختلاف الجوهري هو أنه في الوقت الحالي يتم تغطية العملة المعدنية، وقد حدث النتيجة بالفعل إما للشعار أو الكتابة ونحن لا نعرف ذلك حتى الآن. في حين أن الإلكترون في التجربة المذكورة أعلاه موجود في نفس الوقت في كلا الموقعين “أ” و “ب “.

توضح هذه التجربة أنه حتى لو كنا نعرف كل شيء عن الإلكترون، حتى لو عرفنا الشكل الدقيق لدالة الإلكترون الموجية، فلا يزال هناك احتمال بنسبة 50٪ أن يتم العثور عليه في الموقع “أ”، وفرصة بنسبة 50٪ أن يكون يمكن العثور عليها في الموقع “ب”. لذا، فإن الكون لا يتصرف بشكل حتمي  بل يحمل في ثناياه على الدوام جزءًا من العشوائية وهذا ما تم تأكيده في مؤتمر «سولفاي-Solvay» عام 1927 بحضور كوكبة من علماء الفيزياء آنذاك.

صورة جماعية لكوكبة من علماء الفيزياء في مؤتمر سولفاي

المصادر

thegreatcoursesdaily
Stanford University
aeon
simplypsychology

جائزة نوبل في الفيزياء 2020 تُثبت نظرية النسبية العامة

جائزة نوبل في الفيزياء 2020 تُثبت نظرية النسبية العامة، أخذ مفهوم “الثقب الأسود” معانٍ جديدةً في العديد من أشكال التعبير الثقافي ولكن بالنسبة لعلماء الفيزياء، فإن الثقوب السوداء هي نقطة النهاية الطبيعية لتطور النجوم العملاقة. أُجري  أول حساب للانهيار الدراماتيكي لنجم هائل في نهاية الثلاثينيات من قبل الفيزيائي “روبرت أوبنهايمر” الذي قاد فيما بعد مشروع مانهاتن الذي بنى أول قنبلة ذرية. عندما ينفد الوقود من النجوم العملاقة التي تبلغ كتلتها أكبر من الشمس عدة مرات، فإنها تنفجر أولاً على شكل مستعرات أعظمية ثم تنهار إلى بقايا شديدة الكثافة ثقيلة للغاية لدرجة أن الجاذبية تسحب كل شيء  إلى داخلها حتى الضوء. أُخذت فكرة “النجوم المظلمة”  بالاعتبار منذ زمن بعيد حتى نهاية القرن الثامن عشر كما هو موضح في أعمال الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني “جون ميشيل” والعالم الفرنسي الشهير “لابلاس”. كلاهما استنتج أن الأجرام السماوية يمكن أن تصبح كثيفة لدرجة أنها ستكون غير مرئية – وحتى سرعة الضوء الهائلة لن تُسعفها من الهروب من جاذبيتها. بعد أكثر من قرن بقليل-عندما نشر ألبرت أينشتاين نظريته العامة عن النسبية-، وصفت بعض الحلول لمعادلات النظرية الصعبة مثل هذه النجوم المظلمة. حتى مطلع ستينيات القرن الماضي، كانت هذه الحلول تعتبر تكهنات نظرية بحتة تصف المواقف المثالية التي تكون فيها النجوم وثقوبها السوداء مستديرة ومتماثلة تمامًا. ولكن لا يوجد شيء مثالي في الكون وقد كان “روجر بنروز” الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء 2020 أول من نجح في إيجاد حل واقعي لجميع المواد المنهارة بما فيها من نتوءات وعيوب طبيعية.

لغز  الكوازارات «quasars»

عادت مسألة وجود الثقوب السوداء إلى الظهور في عام 1963 مع اكتشاف الكوازارات وهي ألمع الأجسام في الكون. منذ ما يقرب من عقد من الزمان، كان علماء الفلك في حيرة من أمرهم بسبب الأشعة الراديوية من مصادر غامضة، مثل 3C273 في كوكبة العذراء. وأخيرًا  كشف الإشعاع الواقع ضمن طيف الضوء المرئي عن الموقع الحقيقي للكوازار- 3C273 والذ اتضح أنه بعيد جدًا لدرجة أن الأشعة  الصادرة منه يستغرق وصولها  إلى الأرض أكثر من مليار سنة. وكما هو معروف، إذا كان مصدر الضوء بعيدًا جدًا، فلا بد أن يكون له شدة تساوي ضوء عدة مئات من المجرات وقد أطلق العلماء على مصادر الضوء تلك اسم “كوازار”. سرعان ما وجد علماء الفلك الكوازارات التي كانت بعيدة جدًا لدرجة أنها أطلقت إشعاعها في الطفولة المبكرة للكون.  السؤال الذي يطرأ الآن؟ من أين يأتي هذا الإشعاع المذهل؟ هناك طريقة واحدة فقط للحصول على هذا القدر من الطاقة ضمن الحجم المحدود للكوازار أي من سقوط المادة في ثقب أسود فائق الكتلة.

الحل في مفهوم الأسطح المحاصرة

هل يمكن للثقوب السوداء أن تتشكل في ظل ظروف واقعية ؟ حيّر هذا السؤال الفائز بجائزة نوبل هذا العام “روجر بنروز”. الجواب، كما يتذكره لاحقًا، أثناء نزهة مع زميل له في لندن في خريف عام 1964، حيث كان “بنروز” أستاذًا للرياضيات في كلية “بيركبيك”. عندما توقفوا عن الحديث لوهلةٍ لعبور الشارع، ظهرت فكرة في ذهنه. في وقت لاحق من ظهر ذلك اليوم، بحث عنه في ذاكرته وكانت هذه الفكرة -التي أسماها الأسطح المحاصرة – هي المفتاح الذي كان يبحث عنه دون وعي، وهي أداة رياضية ضرورية لوصف الثقب الأسود. يجبر السطح المحاصر جميع الأشعة على التوجه نحو المركز وذلك بغض النظر عما إذا كان السطح منحنيًا للخارج أو للداخل. باستخدام الأسطح المحاصرة ، تمكّن “روجر بنزور” من إثبات أن الثقب الأسود يخفي دائمًا “التفرد”، وهو الحد الذي ينتهي فيه الزمان والمكان وكثافته لا حصر لها وحتى الآن لا توجد نظرية لكيفية التعامل مع هذه الظاهرة الغريبة في الفيزياء. أصبحت الأسطح المحاصرة مفهومًا مركزيًا في إكمال إثبات بنروز لنظرية التفرد إذ أن الأساليب الطوبولوجية التي قدمها تُعد من أفضل الأدوات لدراسة كوننا المُنحني.

طريق ذو اتجاه واحد حتى نهاية الزمان

 بمجرد أن تبدأ المادة في الانهيار ويتشكل سطح محاصر، لا شيء يمكن أن يوقف الانهيار من الاستمرار. لا مجال للعودة ، كما في القصة التي رواها الفيزيائي والحائز على جائزة نوبل “سوبراهمانيان شاندراسيخار”  في  طفولته في الهند. تدور القصة حول اليعسوب ويرقاتها التي تعيش تحت الماء. عندما تكون اليرقة جاهزة لفتح أجنحتها ، فإنها تَعِدُ بأنها ستخبر أصدقاءها كيف تبدو الحياة على الجانب الآخر من سطح الماء. ولكن بمجرد أن تمر اليرقة عبر السطح وتطير بعيدًا مثل اليعسوب لا تعود. ونتيجةً لذلك، لن تسمع اليرقات الموجودة في الماء قصة الحياة على الجانب الآخر.

وبالمثل، يمكن لكل مادة أن تعبر أفق حدث الثقب الأسود في اتجاه واحد فقط. ثم يحل الوقت محل المكان وتتجه جميع المسارات المحتملة إلى الداخل ، حيث يحمل تدفق الوقت كل شيء نحو نهاية لا مفر منها عند التفرد كما هو موضح في الصورة أدناه. لن تشعر بأي شيء إذا سقطت في أفق الحدث لثقب أسود فائق الكتلة  ومن الخارج، لا أحد يستطيع رؤيتك تسقط، وتستمر رحلتك نحو الأفق إلى الأبد. إن التحديق في ثقب أسود غير ممكن ضمن قوانين الفيزياء المعروفة؛ إذ أن الثقوب السوداء تخفي كل أسرارها وراء آفاق أحداثها.

عندما ينهار نجم ضخم بفعل جاذبيته، فإنه يشكل ثقبًا أسودًا ثقيلًا لدرجة أنه يلتقط كل شيء يمر عبر أفق الحدث. حتى الضوء لا يستطيع الهروب. في أفق الحدث، يحل الزمان محل المكان ويشير إلى الأمام فقط. يحمل دفق الزمان كل شيء نحو «التفرد-singularity» الأبعد داخل الثقب الأسود حيث تكون الكثافة لانهائية وينتهي عندها الزمان. يُظهر مخروط الضوء مسارات أشعة الضوء للأمام وللخلف بمرور الوقت. عندما تنهار المادة وتشكل ثقبًا أسود فإن المخاريط الضوئية التي تعبر أفق الحدث للثقب الأسود ستتحول إلى الداخل، باتجاه التفرد. وبذلك لن يرى المراقب الخارجي أبدًا أن أشعة الضوء تصل إلى أفق الحدث ، بل تدفعه فقط. ولا أحد يستطيع رؤية أزيد من ذلك

الثقوب السوداء تتحكم في مسارات النجوم

على الرغم من أننا لا نستطيع رؤية الثقب الأسود، إلا أنه من الممكن تحديد خصائصه من خلال مراقبة كيفية توجيه جاذبيته الهائلة لحركات النجوم المحيطة. يقود العالمان الحائزان على نوبل في الفيزياء 2020 “راينهارد جينزل” و”أندريا غيز” مجموعات بحثية منفصلة تستكشف مركز مجرتنا- درب التبانة- والتي تبدو من المسقط العمودي مشكل قرص مسطح يبلغ عرضه حوالي 100000 سنة ضوئية كما هو موضح في الصورة أدناه، ويتكون من الغازات والغبار ومئات المليارات من النجوم وأحد هذه النجوم هو شمسنا. من وجهة نظرنا على الأرض ، تحجب السحب الهائلة من الغاز والغبار بين النجوم معظم الضوء المرئي القادم من مركز المجرة. كانت التلسكوبات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء وتكنولوجيا الراديو هي أول ما سمح لعلماء الفلك برؤية قرص المجرة وتصوير النجوم في المركز. باستخدام مدارات النجوم كمرشدين ، توصل جينزل و غيز إلى الدليل الأكثر إقناعًا حتى الآن على وجود جسم فائق الكتلة مختبئ في مركز مجرتنا ويُعد الثقب الأسود هو التفسير الوحيد الممكن.


مجرة درب التبانة والتي تبدو من المسقط العمودي كقرصٍ مسطح يبلغ عرضه حوالي 100000 سنة ضوئية كما هو موضح في الصورة أعلاه، ويتكون من الغازات والغبار ومئات المليارات من النجوم وأحد هذه النجوم هو شمسنا

للتعرف على مساهمات الفائزين في جائزة نوبل في الفيزياء 2020 اضغط هنا.

المصادر

Nobelprize

Exit mobile version