تاريخ ناطحات السحاب: كيف ظهرت شواهد المدن الحديثة؟

تعتبر ناطحات السحاب اليوم واجهات المدن الحديثة والعمران الإنساني. إذ تأسر الأنظار بارتفاعاتها الشاهقة وأضوائها الباهرة. لكن هذا النوع من البناء يعتبر حديثًا جدًا، واحتاج إلى العديد من التطورات والاختراعات ليتمكن من الانتشار كما هو الآن.

البناء الرأسي في التاريخ

كان العمران على مدار التاريخ محكومًا بالتقنيات المتوفرة والمواد المتاحة جغرافيًا، كما أن الحاجات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية كانت تلعب دورًا مهمًا في البناء والتخطيط. ولذلك لم يكن هناك حاجة كبيرة تاريخيًا للبناء بشكلٍ رأسي نحو الأعلى، إلا في حالات نادرة محكومة أيضًا بالقدرات التقنية والإدارية والموارد المتاحة لدى المجتمعات.

تعود أوائل المنشآت البشرية الرأسية لحقب ما قبل التاريخ وكانت تستعمل كشواهد على طرق الهجرة والرعي وكانت عبارة عن أحجار طويلة يتم رفعها. ومع نشوء المدن في التاريخ وظهور الديانات المنظمة والامبراطوريات بدأت المباني الشاهقة كالمعابد والقصور في الظهور في الحضارات الكبيرة. لعل أبرز الأمثلة على هذا هي أهرامات بلاد الرافدين المدرجة أو أهرامات الجيزة بمصر. ظل الهرم الأكبر في مصر أعلى مباني العالم ارتفاعًا لآلاف السنوات، بارتفاع يقترب من الـ147 مترًا شاهدًا على قدرة المصريين القدماء الهندسية والإدارية.

في الصين وشرق آسيا ظهرت الباغودا «Pagoda» كنمط معماري متعدد الطوابق يستعمل عادة للطقوس الدينية، لكنها كانت في العادة مبنية من الخشب أو الحجارة والطوب. وبحلول القرن السابع الميلادي كان هناك انتشار لباغودات حديدية لكنها كانت مكلفة ناهيك عن صعوبة تصنيع الحديد بجودة عالية في تلك الفترة. كما أن استعمالها لم يتغير كثيرًا كما لم يتغير تخطيطها الداخلي أيضًا.

الشرق والغرب: المآذن والهندسة الإسلامية

في الحضارة الإسلامية تعدّ المئذنة أكثر الأنماط المعمارية شهرة، وقد تعددت أشكالها حسب النطاق الجغرافي الذي وجدت فيه. بشكلٍ عام لم تظهر المئذنة كمكوّن رئيس في المساجد سوى في العهد الأموي وبعد انتقال الإسلام إلى الحضارات المفتوحة واختلاطه بها. وقد استعار المسلمون العديد من تقينات ومعارف البناء وطوروها. فنجد على سبيل المثال أن المآذن في العراق قديمًا تشبه إلى حدٍ ما الأهرامات المدرجة. مع الوقت طوّر المسلمون وسائل هندسية مثل القباب والأقواس والأعمدة التي ساعدتهم على بناء منشآت أعلى، والتي نراها في المساجد القديمة كالسلطان أحمد في اسطنبول أو الحمراء بغرناطة.

المئذنة الملوية بسامراء

لكن هذا التبادل المعرفي العمراني سار أيضًا في الاتجاه المعاكس، فحسب الكاتبة والمؤرخة المعمارية «ديانا دارك»، فإن النمط المعماري الأوروبي المعروف بالنمط القوطي «Gothic» متأثر بشكل مباشر بالعمارة والهندسة الإسلامية . بل إن بعض المهندسين والمعماريين قبالة عصر النهضة قد تلقوا معرفة معمارية وهندسية من المسلمين واستعملوها لتطوير المعرفة البنائية لديهم، مثل المعماري الشهير «برونيلسكي» في تصميمه وبناءه لكاتدرائية فلورنسا.[1]

مساجد السليمانية للمعماري العثماني معمار سنان، وتظهر المعرفة الهندسية باستعمال القباب والأقواس للبناء عاليًا.

أبراج خشبية، وشواهد حديدية

في القرن الرابع عشر بدأت أبراج الكنائس في أوروبا بتعدي ارتفاع الهرم الأكبر. كاتدرائية لنكولن في انجلترا قد تكون وصلت إلى ارتفاع 160 مترًا عام 1311، ولكن برجها الخشبي انهار أثناء عاصفة عنيفة في فترة حكم إدوارد السادس. وبعد انهياره ظل لقب أعلى منشآت العالم في حيازة أبراج كنائس أوروبية متعددة، مثل كنيسة القديسة ماري في ستراسبورغ، وانتهاءً بكاتدرائية كولون الالمانية التي انتهى العمل عليها عام 1880، قبل أن تخسر لقب أعلى مبنى في العالم لنصب واشنطن في أمريكا.

رسم لكاتدرائية لنكولن بانجلترا قبل احتراق برجها الخشبي
نصب واشنطن، بارتفاع 168 مترًا

كان برج ايفل (بارتفاع 300 متر) محطة فاصلة في تاريخ الإنشاءات وبالأخص إنشاءات ناطحات السحاب لاستعماله هيكلًا حديديًا يحمل وزنه. استخدام هيكل حديدي أو فولاذي لحمل أوزان وأحمال المبنى صفة هندسية مركزية لناطحات السحاب.

يعرّف بروفيسور الاقتصاد بجامعة هارفارد والمهتم بالاقتصاد الحضري «إدوارد غليزر» ناطحة السحاب بأنها “مبنى “طويل”، مكوّن من 10 طوابق على الأقل، ومزود بمصاعد وذو هيكلٍ معدني أو حديدي”. هذا التعريف يبيّن أن نشوء ناطحة السحاب اعتمد بشكلٍ أساسي على تقنيتين ناشئتين من القرن التاسع عشر: انتاج الحديد والصلب بجودة عالية، والمصاعد الآمنة.[2]

الحديد والصلب: مفتاح الإنشاءات المرتفعة

قبل الثورة الصناعية، كان انتاج الحديد والصلب مكلفًا وغير متساوٍ في الجودة. في الواقع، فإن أحد دوافع «جيمز واط» لتصنيع محركات البخار في مدينة برمنغهام بدلًا من موطنه في غلاسغو، هو جودة الحديد والصلب المنتج في المدينة والذي أنتجته مصانع «جون ولكنسون – John Wilkinson». كان لولكنسون أيضًا دور في بناء أول جسر حديدي في العالم عبر نهر السيفرن عام 1775.

في عام 1797 انتهى العمل على أول مبنىً ذي هيكلٍ حديدي في العالم، وهو مطحنة ديثرنغتون للكتان «Ditherington Flax Mill»، ورغم أنها لم تتجاوز الخمس طوابق إلا أنها تعتبر النواة الأولى لناطحات السحاب الحديثة.

«Ditherington Flax Mill»

نوافذ وتجارة!

الإطار الحديدي للمباني يعني أن وزن المبنى لا يُحمل بواسطة الجدران بل بواسطة الهيكل. تصبح الواجهة حينئذ شبه معلقة على هذا الهيكل. ولذلك، في حين احتاج إنشاء المباني تقليديًا إلى جدران بالغة السماكة او إلى دعامات، سمحت الهياكل الحديدة ببناء جدران أنحف أو حتى زجاجية. ولهذا السبب صارت المباني ذات الهياكل الحديدية مفضلة للأنشطة التي تحتاج إلى إضاءة جيدة.

أدرك «ألكساندر ستيورات – Alexander Turney Stewart» -أحد أنجح التجار ورواد الأعمال في نيويورك في القرن التاسع عشر-، أن عرض البضائع على نوافذ الأدوار الأرضية لمتاجره سيجذب المشاة الكثر في شوارع نيويورك إليها. وهكذا صمم “قصر الرخام” الخاص به عام 1848 بنوافذ كبيرة مطلة على الشوارع. بالطبع جعلت النوافذ الكبيرة الدور الأرضي ضعيفًا، لكن المبنى كان مستندًا على أعمدة حديدية لحمل وزنه.

قصر الرخام لرجل الأعمال أليكساندر ستوارت، أول مبنى يوظف نوافذ الطابق الأرضي لعرض البضائع

كان استعمال زجاج في المباني فتحًا هندسيًا إن جاز لنا التعبير، وكان من أوائل المنشآت التي استعملت الزجاج بوفرة هو قاعة لندن الكبرى للمعارض عام 1851، والتي صممها المهندس «جوزيف باكستون – Joseph Paxton». أنشئت هذه القاعة العملاقة بأكثر من 4000 طنٍ من الحديد وأكثر من 84 ألف مترٍ مربع من الزجاج، وتعتبر أحد أسلاف ناطحات السحاب الحديثة.

معرض لندن الكبير

المصاعد: كلمة السر لرواج المرتفعات

عام 1854، وقف «إليشا اوتيس – Elijah Otis» ليقدم عرضًا لزوار معرض نيويورك. لقد وقف على منصة مرتفعة وأمر بقطع الحبل الذي يمسكها، ليتوقف سقوطه مباشرة باستعمال آلية السلامة التي صممها بنفسها. ومنذ ذلك الحين سمحت مصاعد أوتيس بالحركة رأسيًا بشكل آمن، وبدأت الأبراج العالية في الظهور مستعملة تقنية المصاعد. ففي حين كانت الأدوار المرتفعة قديمًا غير محببة ورخيصة لمشقة صعود السلالم العالية، فقد جعلت المصاعد من الأدوار المرتفعة رفاهية ورفعت من قيمتها. ظهر أول برج يشغل المصاعد عام 1870، وهو برج «Equitable Life» بنيويورك. ورغم أنه لم يتعد السبع طوابق بارتفاع 40 مترًا، إلا أن استعماله للمصاعد ضمن نجاحه كمكان للعمل والسكن.

مبنى «Equitable Life» بمانهاتن بنيويورك، والذي هُدم عام 1912 بعد احتراقه.

من أول ناطحة سحاب حتى “مدينة ناطحات السحاب”

يصنّف العديد من المؤرخين مبنى «بيت التأمين – Home Insurance Building» كأول ناطحة سحاب. أقيمت الناطحة عام 1885 باستعمال هياكل حديدية مقاومة للحرائق وباستعمال الاسمنت المسلح، وقد صممها المهندس «ويليام لي بارون جيني – William Le Baron Jenney» والذي يعتبر الآن أبا ناطحات السحاب. ولكن بالطبع، وكما في أي نقاش تاريخي، فإن هناك الكثير من الجدل. فارتفاع مبنى بيت التأمين بالكاد يتعدى ارتفاع مبنى الحياة العادلة بـ3 أمتار، وإن كان يتكون من 10 طوابق بدلًا من 7. ولكن برج «مونتاوك”، والذي أنشئ قبل مبنى الحياة العادلة ببضع سنوات بتصميم المهندسين «دانييل برنهام» و «جون روت» كان أيضًا مكونًا من 10 طوابق.

الثنائي «برنهام» و «روت» قاما فيما بعد ببناء محفل شيكاغو الماسوني ذي الـ21 طابقًا، ولذلك قد يعتبرهم البعض الآباء الحقيقيين لناطحات السحاب. أو يمكن اعتبار المعماري «لوي سوليفان»، والذي اشتهر بفكره المعماري واستغلاله لطاقة الهياكل الحديدية وإمكانياتها.

محفل شيكاغو الماسوني، والذي كان أطول مباني شيكاغو حتى تم هدمه هو أيضًا عام 1939

في الواقع، عمل كلٌ من «سوليفان» و «برنهام» كمتدربين لدى «جيني»، واستعاروا جميعهم أفكارهم من بعض. يمكننا القول أن «جيني» كان الخطوة الجريئة الأولى التي بُنيت على انجازات عدة قبله، وأن متابعيه أكملوا ما بدأه ووصلوا به إلى أبعادٍ جديدة.

العمارة الحداثية: استغلال الناطحات لأقصى حد

لن تكون مبالغة إن وصفنا ناطحة السحاب بأنها ذروة سنام العمارة الحداثية، فقد استغلها المعماريون الحداثيون إلى أقصى طاقاتها. فـ«لوي سوليفان» نفسه في تصريحه الشهير “الشكل يتبع الوظيفة” قد ابتكر تصميم الطوابق بشكلٍ مختلف بناءً على وظائفها المختلفة، ما يسمح بمرونة وفعالية أكبر للمبنى ويسمح له بتعدد الاستخدامات. إلا أن النموذج الأكثر وضوحًا لاستغلال ناطحات السحاب هو بدون منازع رائد العمارة الحديثة الأول «لو كوربوزيه». لقد رأى لو كوربوزيه في ناطحات السحاب الحل الأمثل لمشاكل المدينة الحديثة الصناعية ومشاكلها السكنية، و كان من اوائل مشاريعه ذائعة الصيت هو وحدة السكن «Unité d’Habitation».

كان لو كوربوزيه أيضًا مغرمًا بالنظام، وكان قد أعلن أنه “إما العمارة وإما الثورة”، أي أن التخطيط المعماري الجيد الذي يتجاوب مع التحديات الجديدة هو ما يحول بين السلم وبين الثورة وانهيار المجتمع. وربما من هنا نشأ مخططه الذي قدمه لتطوير مدينة باريس والذي يلقب بـ”مدينة ناطحات السحاب”، والذي يعيد مَحوَرة المدينة حول ناطحات السحاب.

مخطط «Plan Voisin» – لو كوربوزيه.

لم يكتب لمخطط لو كوربوزيه الثوري ذاك أن يرى النور. لكن الفكرة الكامنة وراءه انتشرت في مدن كثيرة حول العالم، ولاقت ناطحة السحاب رواجًا كبيرًا لفاعليتها وقدرتها على توظيف المساحة. وعلى الرغم من ذلك كان لانتشار نمط العمارة الحداثية أثار سلبية بالطبع، ولذلك فقد انتهت تقريبًا منذ السبعينات. وليست صدفة أن الحدث الذي اصطُلح على تسميته بـ”نهاية الحداثة” -كنمط معماري- كان هدم أبراج «برويت-آيغو»، والتي كانت عبارة عن مجموعة من الأبراج العالية المرتبة والتي عانت من مشاكل إدارية ومجتمعية بالإضافة إلى قصور في التخطيط.

أبراج إسكان برويت-آيغو، والتي تم هدمها في أوائل السبعينات بسبب مشاكل اقتصادية وإدارية ومجتمعية متعددة.

ناطحات السحاب: واجهات وتحديات المدينة الحديثة

لا تخطئ العين مشهد ناطحات السحاب في حواضر العالم الآن، سواءً انتقلنا من نيويورك إلى لندن أو من ضفاف النيل بالقاهرة إلى هونغ كونغ. ناطحات السحاب والأبراج نموذج لمحاولة المدن حل مشاكلها بطرق معاصرة، ولكنها بالطبع لا تأتي بدون تحديات خاصة بها.

الكثير من العواصم الاوروبية مثل روما وباريس تكاد تخلو من ناطحات السحاب وذلك لقوانينها العمرانية التي تحاول الحفاظ على نسيج المدينة التقليدي (أعلى برج في روما بالكاد يصل إلى 155 مترًا). الأمر نفسه مشاهد في مدن مثل لندن، ذات الوجود الملحوظ للأبراج العالية وناطحات السحاب. إذ أن الإدارات المحلية كثيرًا ما تعترض على إقامة الأبراج العالية حفاظًا على مشهد الأحياء وروحها التقليدية،  كما حدث مع برج «22 بيشوبغيت» في لندن الذي اعترض الكثيرون عليه لتغييره مشهد أفق المدينة وحجبه كاتدرائية القديس بولس العريقة ونصب حريق لندن.[3] يشبه الأمر أيضًا الاعتراضات الموجهة نحو بناء الأبراج في مدن مقدسة كمكة. حيث يتحول مركز الانتباه والثقل في المدينة من المكان المقدس إلى الأبراج الاستهلاكية، ناهيك عن احتلالها المشهد العام مقابل الكعبة.[4]   تنتشر ناطحات السحاب بالمقابل بشكل أكبر في المدن الجديدة نسبيًا (مثل نيويورك) او التي تحاول تحديث وتطوير نفسها بسرعة مثل ساو باولو.

مدينة ساو باولو، والتي تبدو كغابة من ناطات السحاب اللامتناهية

التطوير والإسكان: دور ناطحات السحاب اليوم

يتعلق هذا الأمر أيضًا بتطوير المدن واستبدال الأحياء القديمة بالأبراج، وهو نمط مشهور في تطوير المدن ومحاولة تجديد مراكزها. لكنه يواجه الكثير من الانتقادات بالنسبة لأولويات ورغبات سكان المناطق التي يتم تطويرها. حيث يتم نقلهم واستبدالهم باستثمارات أجنبية وتجارية ومساكن فارهة عوضًا عن توفير مساكن وخدمات كافية (وهو ما يسمى بالانجليزية Gentrification). هناك العديد من الآراء التي ترى أن هذا الطريقة في التطوير ترفع المستوى الاقتصادي للمدن وتحسن مستوى خدماتها ووضع سكانها المعيشي بالفعل.[5] إلا أنه يجب أخذ حاجات ورغبات السكان قيد الاعتبار أثناء وضع أي خطط لتطوير المدن. وذلك لتفادي مشاكل مثل عدم توافر الخدمات الكافية أو ارتفاع تكلفة المعيشة والسكن في مراكز المدن المطوّرة، ما يدفع أصحاب الدخل المحدود بالسكن بعيدًا عن مراكز العمل ليتمكنوا من توفير سكنٍ مناسب.[6]

كما أن ناطحات السحاب تمثل في كثير من الأحيان نموذجًا للضغوط الاقتصادية والحضرية والإدارية في المدن. فمثلًا، تقام في مدينة نيويورك الكثير من الأبراج التي ينتهي بها الحال (بسبب تعقيدات نظم التطوير الحضري والتمويل) كأبراج فارهة يشتريها الأغنياء كاستثمارات.[7] بالطبع، هذه المشكلة ليست خاصة بنيويورك وحدها بل هي منتشرة في الكثير من المدن عالميًا. فالأبراج السكنية توفر نمطًا من الإسكان عالي الكثافة «High-density Housing» والذي يمكن توفيره بجودة مناسبة وعلى مساحة أصغر داخل المدن عوضًا عن الضواحي البعيدة، ولذلك تلقى رواجًا في المدن التي تعاني من كثافة سكانية عالية (مثل هونغ كونغ أو سنغافورة) أو من أزمات إسكانية (مثل لندن). ولكن نموذج الاستثمار في العقارات والأنظمة الإدارية والاقتصادية كثيرًا ما تجعل هذه المشاريع غالية الثمن. ولذلك بدأت العديد من المدن والأحياء وشركات التطوير بابتكار نماذج تمويل وإسكان مخصص للأفراد والعوائل الصغيرة التي تشتري منزلًا للمرة الأولى فقط (مثل نظام الـملكية المشتركة «Shared Ownership»).[8]

التصور المقترح لناطحات نيويورك المطلة على الحديقة المركزية

كما هو واضح، فالعالم بما هو سائر في طريقه نحو التمدّن. وستكون ناطحات السحاب جزءًا من تكوين المدن لأسباب عدة، معيشية وعملية واقتصادية وسياسية. فهي توفر حلولًا للعديد من التحديات التي واجهتها المدن الصناعية وتوفر فرصًا للمدن المعاصرة. لكنها تأتي مع تحدياتها الخاصة أيضًا والتي تتداخل فيها العمارة بالاجتماع والسياسة والاقتصاد بل وحتى مع سيكولوجية البشر الاجتماعية. قصة ناطحات السحاب وتاريخها نموذج لتاريخ التطور التاريخي للبشر ومجتمعاتهم، وكيف أن كل قفزة تأتي بناءً على خطوات سابقة وتواجه تحدياتها التي تختلف بمرور الزمن.

المصادر:

[1] Stealing from the Saracens
[2] CitiesX: The Past, Present, and Future of Urban Life
[3] A tortured heap of towers': the London skyline of tomorrow
[4] من مكة إلى لاس فيغاس
[5] What happens after a neighborhood gets gentrified?
[6] Choosing the Unwalkable suburbs, or settleing for them?
[7] Super-tall, super-skinny, super-expensive: the 'pencil towers' of New York's super-rich
[8] Shared Ownership

البيئات التصالحية: كيف تكون البيئة متنفسًا صحيًا؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

يُترجم مصطلح «Restoration» أحيانًا إلى التعافي، وهو مصطلح واسع في نطاق علم النفس البيئي. يشمل عملية التعافي النفسية أو الفسيولوجية التي تنتج عن بيئات معينة، والتي تسمى بالبيئات التصالحية -أو البيئات العلاجية-.

أشار عدد كبير من الدراسات النفسية والسلوكية إلى أن البيئات الطبيعية أكثر تجديدًا وتحفيزًا للتعافي من البيئات الحضرية، كما أن التعرّض لتلك البيئات التصالحية يساعد في الهدوء والاسترخاء ويحول دون الإصابة بعدة أمراض -مثل تلك التي عرضناها في المقال السابق حول الإجهاد البيئي-. ولذلك فإن البيئات التصالحية ومكوناتها موضوع رئيس في دراسة المنافع الصحية للطبيعة.

نظريات التعافي بالبيئة

سيق البحث حول البيئات التصالحية بشكلٍ أساسي اعتمادًا على تفسيرين نظريين: الأول هو نظرية التعافي من الإجهاد «Stress Recovery Theory»، والمعنيّة بالتعافي من الإجهاد الناتج عند تعرض الفرد لموقفٍ أو ظرفٍ متطلبٍ ذهنيًا أو مهددٍ لسلامته؛ والثاني هو نظرية استعادة الانتباه «Attention Restoration Theory» والمعنيّة بعلاج الإرهاق الناتج عن التركيز المطوّل. بشكلٍ عام يمكننا اعتبار النظريتين متكاملتين حيث تركز كلٌ منهما على جوانبٍ محددة من عملية التعافي.

أول من وضع أسس نظرية التعافي من الإجهاد كان روجر أولريك، والذي كان رائد أبحاث البايوفيليا كما سبق لنا الحديث. حسب أولريك، فحين التعرض للطبيعة فإن انطباع الناس الأوليّ نحو بيئةٍ ما يتكون بشكلٍ لا واعٍ ودون التدقيق في مكونات البيئة المحيطة في غالب الأحيان.

تصدر الانطباعات الأولية الإيجابية عند توافر صفات بيئية معينة في البيئة المحيطة، تشمل هذه الصفات تواجد المكونات الطبيعية (مثل النباتات)، وتناظر الهيكل أو المخطط الفيزيائي للمكان، واستواء الأرضية، وغياب المخاطر على سبيل المثال. تساهم هذه الانطباعات الإيجابية عن البيئة في التعافي إذ توفر ملاذًا آمنًا من التوتر والإجهاد وتوفر مستويات أقل من الانتباه والقلق والخوف.

استعادة الانتباه: بيئات تدعو للاسترخاء

تهتم نظرية استعادة الانتباه لراشيل كابلان وستيفن كابلان بالمقابل بالعمليات الذهنية الأبطأ في التعافي. تفترض النظرية ابتداءً أن البشر لديهم قدرة محدودة لتركيز انتباههم نحو شيء ليس مثيرًا في حد ذاته، وهو ما يجهد آلية الفلترة الذهنية المسؤولة عن التركيز ويتسبب بإرهاق تركيز الانتباه «Directed attentional fatigue».

تتوقع نظرية استعادة الانتباه أن البيئة يمكنها مقاومة الإرهاق الناتج عن تركيز الانتباه حين تتصف العلاقة البشرية-البيئية بأربع صفات:

  1. الإبهار، أي قدرة البيئة على جذب الانتباه دون جهدٍ ذهني من الفرد
  2. الشعور بالتواصل او الارتباط
  3. الابتعاد عن المشاغل والمشاكل اليومية
  4. التوافق بين تفضيلات المرء وخصائص البيئة.

ولما كان من المعتاد توافر هذه الخصائص الأربع في تفاعل البشر مع الطبيعة، كانت البيئات الطبيعية أكثر فاعلية ونجاعة في العلاج عن معظم البيئات الحضرية. ولكن منشآت مثل دور العبادة أو المتاحف يمكنها توفير بعض الخصائص العلاجية أيضًا، وبالأخص بالنسبة للزوار الذين يشعرون بالراحة في تلك الأماكن.

التصميم العلاجي للمدن

تُناسب معايير التصميم العلاجي المذكورة البيئاتِ المتوفرة على مستويات عالية وحادّة من الإجهاد وصعوبة التركيز.  ولهذا فإن المعايير والمكونات العلاجية أصبحت جزءًا مهمًا من عملية التصميم المبني على الأدلة «Evidence-Based Design»، وبالأخص للمنشآت الصحية. ولكن مع كون عوامل حضرية عديدة مصدرًا رئيسيًا للإجهاد والتوتر فإن التصميم الحيوي المحب للبيئة ينال انتشارًا وتطبيقًا واسعًا على مستوى البيئات الحضرية الكاملة. فالدراسات عن البيئات العلاجية والتأثيرات الصحية للطبيعة وجدت أن التعرض للبيئة والخضرة توفر متنفسًا حتى للأشخاص غير المصابين بمستويات عالية من التوتر كما أنها تحسن من تفضيل السكان لبيئتهم.

حديقة الملك سلمان بالسعودية، مشروع قيد الإنشاء لـ”عمرانية” يدمج الطبيعة بالنسيج العمراني لمدينة الرياض.

تحديات تواجه البيئات التصالحية

يواجه التصميم المحب للبيئة والعلاجي عدة تحديات. إحدى  هذه التحديات هو القدر الأمثل من التعرض للطبيعة والبيئات الصحية الذي يجب أن يتعرض له الفرد. فحسب استبيان موسع في المملكة المتحدة نصح الباحثون بـ30 دقيقة أسبوعيًا كزيارة للأماكن الطبيعية والخضراء لخفض مستويات الضغط والاكتئاب لدى الأفراد. كما أن دراسة تأثيرات الطبيعة العلاجية وجدت أن مساحة المسطحات الخضراء في الحي غير مرتبطة بالعائد الصحي للتعرض له، ما يعني أن تخطيط المسطحات الطبيعية يجب أن يركز على توفير المساحات الخضراء لقطاعات أكبر من الناس وجعلها أسهل للاستخدام عوضًا عن زيادة مساحاتها فقط.

في هذا السياق يكون من الضروري الحديث عن الجانب الإداري والاجتماعي للبيئات الصحية. فكما أشرنا مرارًا في هذه السلسلة فالعلاقة بين البشر والبيئة متداخلة على عدة مستويات. أحد هذه المستويات والذي نال اهتمامًا بالغًا حول العالم بعد جائحة كورونا هو عدالة توفير الأماكن العامة والخضراء للسكان. كما زاد الاهتمام بقدرة كل فئات المجتمع ومكوناته من الوصول والتمتع بالأماكن العامة بشكلٍ آمن. فمع موجة احتجاجات حركة «Black Lives Matter» العام الماضي، توسّع الحديث حول حقوق السكان السود في أمريكا وأوروبا في الاستمتاع بالحدائق والأماكن العامة. ففي ظل شعور العديد منهم بالتهديد بسبب العنصرية، تفقد الحدائق والمساحات الطبيعية فاعليتها وأهميتها كبيئةٍ تصالحية. وتتحول المساحات هناك لمصدر للقلق عوضًا عن ذلك. [1]

التفرقة العنصرية في الأماكن العامة أيضًا تأخذ حيزًا من الاهتمام علميًا كما اجتماعيًا. مع ارتفاع درجات الحرارة عالميًا بسبب الاحتباس الحراري، ما يعني أن بعض الفئات تتمكن من الاستراحة في الحدائق والأشجار. بينما لا تجد بعض الفئات الأخرى سوى الأبنية الأسمنتية والشوارع الجرداء حولها. [2] أيضًا، يجري الحديث حول حرمان الفئات الأثر فقرًا حول العالم من الحصول على متنفسٍ صحي في ظل إجراءات الحظر المفروضة. ويزداد الأمر تعقيدًا عند الأخذ في الحسبان نفور العديد من أفراد الطبقات المتوسطة والأغنى من الفئات الأفقر. ما يجعلهم غير مرغوب فيهم في الأماكن الخضراء.

بيئات تصالحية داخل المدن؟

توفير المساحات الخضراء ليس سهلًا في الكثير من المناطق، إما لظروف المناخ أو لعدم توافر الموارد الكافية. وفي هذه الحال فيمكن الاستعاضة عن المساحات الخضراء (وهي الخيار الأمثل كما سبق لنا الحديث) فمكونات أخرى عوضًا عنها. فمثلًا وجدت بعض الأبحاث أن التعرض لمحاكات بصرية للطبيعة كالفيديوهات واللوحات الفنية) والتعرض للروائح والأصوات الطبيعية يمكن أن يوفرا عوائد صحية وعلاجية أيضًا.

كما أن الخصائص الهندسية للبيئة المحيطة، مثل التناظر والأنماط المتكررة في المكان وسلاسة التصميم نفسه ناهيك بتوفير الملاذ الآمن بعيدًا عن الضوضاء والتلوث، تساهم أيضًا في توفير بيئات علاجية ولكنها غير معتمدة على الطبيعة حصرًا. وقد وعي الكثير من سكان المدن ومحافظيها حول العالم بأهمية توفير البنية التحتية الصديقة للمشاة والسكان بعد أزمة كورونا. ويُتوقع ويُرجى أن تستمر هذه الإجراءات في المدن عالميًا لزيادة المساحات العامة المتاحة للسكان. [3]

مركز ماغيز بمستشفى سانت بارتس بلندن « Maggie’s St Bart’s » ، نموذج للتصميم العلاجي والصحي ويوفر ملاذًا لمرضى السرطان بالمستشفى.
ميدان أزاتليك « Azatlyk Square » في روسيا، والذي تم تطويره وسط المدينة ولا يعتمد حصرًا على المكون الأخضر.
المصادر: 
[1] The Toxic Intersection of Racism and Public Space
[2] Racism is magnifying the deadly impact of rising city heat
[3] City dwellers gained more access to public spaces during the pandemic – can they keep it?
[4] Restorative Environments, in Environmental Psychology: An Introduction, Linda Steg.

صابر صبري وإعادة إحياء العمارة المملوكية في مصر

صابر صبري وإعادة إحياء العمارة المملوكية في مصر

صابر صبري باشا هو مهندس معماري مصري ولد عام 1845 وتوفي عام 1915 على الارجح، وعلى عكس معظم معماريين جيله، لم يدرس بالخارج ولكن تلقى تعليمه في المهندسخانة، عمل عام 1881 كمدرس للرياضيات والهندسة الوصفية في المهندسخانة. تولى وظيفة “باشمهندس نظارة الأوقاف”، وهي أحد أعلى المراتب في النظارة، منذ تولى الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892 حتى عام 1906. إحتوى تقرير قدمه صبري بعد تقاعده، أن الأوقاف مسؤولة منذ عام 1892 عن بناء أو تجديد حوالي مائة مسجد وضريح، في حين تم تجديد أكثر من مائتي مبنى سكني وتجاري. وهذه الأرقام تبدو كبيرة إلى حد ما عند مقارنتها بنشاط الأوقاف في السابق، ففي عهد والده الخديوي توفيق، تم بناء وترميم عشرين مسجدًا وثلاثين مبنى تجاريًا فقط.
لصبري العديد من التصميمات منها: تصميم مسجد أولاد عنان 1894، تصميم مسجد السيدة نفيسة 1895، تصميم مبنى وزارة الأوقاف بالتعاون مع آخرين 1896، تصميم مبنى جامعة القاهرة مع محمود بك فهمي 1914.

الأوقاف في أواخر القرن التاسع عشر

الأوقاف هي هيئة إدارية تشكلت عام 1835 لإدارة المؤسسات الدينية، أُعيد تنظيم الأوقاف في عام 1851 كديوان له سلطة على جميع مباني الأوقاف. وأصبح فيما بعد نظارة أو وزارة عام 1879؛ والأهم أنها اكتسبت، أو بالأحرى استرجعت، استقلالية كبيرة عند تحويلها إلى “هيئة إدارية” في 23 يناير 1884، على اساس أن تُدار الأوقاف وفقًا للشريعة وبالتالي تكون منفصلة تحت الوصاية المباشرة للخديوي. تلك الاستقلالية كانت قصيرة الأجل، حيث تم إعادتها إلى وزارة في 20 نوفمبر 1913.

الطراز المملوكي

الطراز المملوكي هو الطراز الذي تطور في مصر اثناء حكم المماليك (1250-1517) ويعتبره الكثيرون الطراز المعبر بصدق عن مصر العربية والاسلامية حيث أنه استمد سماته من التراث المصري. معظم المباني التي بنيت في الفترة من 1892 حتى 1906 تنتمي الى إعادة إحياء الطراز المملوكي. وذلك بعد سيطرة اتجاهات التغريب على العمارة المصرية في عهد الخديوي اسماعيل.
وبالرغم أن تلك المباني يمكن تمييزها بسهولة من المباني المملوكية الأصلية، إلا انها قدمت نماذج رائعة لفهم الطراز المملوكي وتعبير صادق عن البراعة في فهم خصائص الطراز. نستعرض في المقالة مثالين من ذلك الطراز.

1- تصميم مسجد أولاد عنان

يمثل مسجد أولاد عنان مشروعًا مبكرًا لصابر صبري في الأوقاف. تم بناؤه في باب الحديد، الآن رمسيس، مقابل محطة سكة حديد القاهرة، حيث يقع مسجد الفتح الآن. نجا مسجد أولاد عنان من الهدم لبناء مسجد الفتح، في عام 1979 تم تفكيكه ونقله .إلى الميدان الكبير أسفل القلعة، وأعيد تسميته باسم مسجد السيدة عائشة

مسجد أولاد عنان بُنى مكان ضريح قديم من القرن الرابع عشر تم هدمه اثناء الحملة الفرنسية. انتقلت ملكيته الى الأوقاف عام 1893. وتم البدء في انشاؤه عام 1894 وتم افتتاحه عام 1896 بتكلفة اجمالية بلغت حينها 7000 جنيه مصري.

تم بناء المسجد من الحجر، مع الطبقات المعتادة من الحجر الأحمر والأبيض (المشهر والأبلق) من محاجر المقطم. احتوى التصميم على قاعة صلاة مغطاة، مضاءة بواسطة مِشكاوات (كما كان الحال في العديد من المدارس المملوكية)، كما تضمن كُتاب في الطابق الأول. وكانت عائدات صيانة المبنى تنتج عن طريق إيجار شقة ومخزن ملحق بالمسجد. والتي اضيفت نتيجة الانحراف الناتج عن الدوران لاتجاه القبلة ومحاذاة حدود الشارع.

تظهر الاقتباسات الحرفية من الآثار المملوكية في زخرفة المئذنة، والتي تجمع بين البدن والجزء السفلي من مئذنة قايتباي في الأزهر (1494)، مع الجزء العلوي من مئذنة قايتباي الملحقة بضريحه في المقبرة الجنوبية (1472). كما تستحضر قبة المسجد المنحوتة عمارة قايتباي أيضًا، كما تظهر في موقعها الحالي من القلعة. شكلت العمارة المملوكية المتأخرة المصدر الأساسي لإلهام تصميم مسجد أولاد عنان.

2- تصميم مبنى وزارة الأوقاف

المثال الثاني هو مبنى الأوقاف (1898) وهو مازال قائم في وسط القاهرة حتى الآن، مع إضافات تمت لاحقا عام (1911 و1929). يتوافق المسقط الأفقي مع الوظيفة الإدارية للمبنى، وهي منظمة حول فناء داخلي. تحمل الرسومات هذه المرة اسم مهندس أوروبي غير معروف. والذي يذكر انه رسم ونسخ الرسومات في يونيو 1896. ووقع صابر صبري المشروع في اليوم التالي. وفقا للنقوش على الواجهة، تم الانتهاء من المبنى في عام 1898.

المبنى عبارة عن مجموعة (تلقيطية – Eclectic) من المفرادات المستعارة من آثار مملوكية متنوعة:
فتحات غاطسة، تعلوها نقوش وزخارف جصية واستخدام الأبلق، استخدام تكوين مجموعة نوافذ قلاوون. وتم استخدام التلقيطية في هذه الحالة حيث أنه لا يمكن اللجوء إلى مثال تاريخي لتصميم مثل هذا النوع من المباني. والذي يعني بالضرورة الحاجة الى ابتكارات مختلفة.

توضح (Mercedes Volait) أن تصميمات صبري لمسجد أولاد عنان وجدت طريقها إلى مجلة معمارية فرنسية: وكان هذا وضعًا استثنائيًا لمهندس شرق أوسطي في ذلك الوقت! وبالرغم من ذلك تعرض صبري للنقد عام 1915، فتصميم مسجد أولاد عنان اعتمد بدون شك على نموذج قديم، ولكن كان يُنظر إلى المسجد الآن على أنه ذو مئذنة غير متناسبة ومراجع تاريخية غير صحيحة. وكانت الحداثة التي ستقطع العلاقات بالماضي هي التيار القادم.

في النهاية، إعادة إحياء الطراز المملوكي في القاهرة في نهاية التاسع عشر. يعتبر ظاهرة معقدة إلى حد ما، مع معاني وقراءات محتملة ومتنوعة، تتجاوز الرمزية السياسية بشكل عام المتعلقة بالطراز.

المراجع

.Mercedes Volait. Appropriating Orientalism? Saber Sabri’s Mamluk Revivals in late 19th c. Cairo
Doris Behrens-Abouseif; Stephen Vernoit. Islamic Art in the 19th Century: Tradition, Innovation
.and Eclecticism, Brill, pp.131-155, 2005

محمد فوزي المناوي، جامعة القاهرة في عيدها المئوي، المكتبة الأكاديمية، 2007.

اقرأ أيضًا هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

كيف تمكن الإغريق من بناء معابدهم الضخمة بوسائل بدائية ؟

 

كيف تمكن الإغريق من بناء معابدهم الضخمة بوسائل بدائية ؟

ظهرت الرافعات في اليونان لأول مرة منذ أكثر من 2500 عام، لكن يشيرُ بحثٌ جديد لوجود آلة رفعٍ بدائية (كنوع سابق من الرافعات) كانت قيد الاستخدام قبل حوالي 4 آلاف عام.

اشتهر الإغريق القدماء بضخامة عمارتهم الحجرية التي تمكنوا من بنائها دون مساعدة معدات حديثة، ويُذكر أنهم استفادوا من الرافعة التي ربما استخدمت لأول مرة في أواخر القرن 6 ق.م.

يُعتقد بأن الاغريق قاموا برفع الكتل الحجرية الثقيلة بواسطة منحدرات أرضية أو سلالم مصنوعة من الطوب على غرار ما فعله الآشوريون والمصريون القدماء منذ قرون.

وفقاً لبحثٍ جديد نُشر في المجلة السنوية للمدرسة البريطانية في أثينا، تبين أن بناة المعابد الحجرية الأولى في تاريخ اليونان بما فيها معابد Isthmia و Corinth، قد استخدموا رافعة بدائية في وقتٍ مبكر من منتصف القرن 7 ق.م. بناءً عليه يمكن اعتبار هذه الرافعة كآلة هامة سابقة للرافعة الحالية، كانت قادرة على رفع الكتل الحجرية المنحوتة في معابد Corinth التي يتراوح وزنها بين 200 و 400 كغ.

يشير Alessandro Pierattini (الكاتب الوحيد للدراسة الحديثة من جامعة نوتردام)، بأن آلة الرفع هذه قد تم اختراعها في الأصل من قبل الكورنثيين الذين استخدموها في بناء السفن وفي إنزال التوابيت الثقيلة Sacrophagi في حفرٍ ضيقة عميقة. من ناحيةٍ تقنية لم تكن رافعة (بالمعنى المعاصر الحالي) لعدم اعتمادها على السحب والرفع بأسلوب رافعات hoists وwinches، فعوضاً عن ذلك قام الإغريق بإعادة توجيه القوة باستخدام حبلٍ مارٍ عبر إطار.

الدليل الرئيسي لهذا الادعاء يأتي من وجود أخاديد محفورة في قاعدة الأحجار المستخدمة في بناء معابد Isthmia و Corinth. إن مؤرخي الآثار والباحثين على دراية بهذه الأخاديد وقد اقترحوا تفسيرات لها بأنه قد تم استخدامها إما لربط الكتل الحجرية بآلات الرفع أو لتحريك الكتل الحجرية ضمن مقالع الحجر.

يقوم بحث Pierattini على إعادة فحص الكتل الحجرية في معابد منتصف القرن 7 ق.م في Isthmia و Corinth بتقطيعاتها الفريدة (زوجٌ من الأخاديد المتوازية) على القاعدة السفلية للحجر التي تصل إلى الجزء الجانبي منه في نهاية واحدة. يخلص الفحص إلى أن الأخاديد قد استُخدمت في الرفع لتشهد على التجربة الأولى في رفع الكتل الحجرية المعمارية في تاريخ اليونان. أوضح Pierattini باستخدامه لأحجار وحبال فعلية، بأن الأخاديد قد تؤدي وظيفة مزدوجة مما يسمح للبناءين برفع الكتل الحجرية وتثبيتها بإحكام إلى جانب مجاورتها في الحائط.

تمثل هذه المرحلة من أعمال البناء خطوة مفصلية في تطور عمارة اليونان الحجرية الضخمة، متمثلةً بانتهاء البناء بالطوب في العمارة الطينية وبالتجارب الأولى في البناء بالحجارة.

قال Pierattini مع وجود كتل حجرية ثقيلة والاحتكاك الكبير بين أسطحها، كانت تشكل معضلة في عملية البناء تطلب في وقتٍ لاحق إحداث مجموعة من الثقوب المصممة خصيصاً لاستخدام الرافعات المعدنية.

الرافعة البدائية التي تم استخدامها للمباني الضخمة

يوضح البحث بأن بناة المعابد القديمة Isthmia و Corinth كانوا يستخدمون بالفعل الرافعات لعملية التموضع الأخير للكتل الحجرية وهذا يمثل أول استخدام موثق للرافعة في العمارة اليونانية في وقت مبكر من منتصف القرن 7 ق.م أي قبل حوالي 150 عام من بدء انتشار الرافعات المطورة بالكامل (للسحب) winch crane  و ( للرفع) hoist crane وهذا الاكتشاف هو دليل آخر على الابداع الفذ للاغريق القدماء.

 

المصادر:

لمعرفة المزيد عن فنون الحضارة اليونانية تابعوا مقالنا: الفن الهلنستي (اليوناني)
إعداد: رنا قنواتي
مراجعة: بتول سيريس

هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

وفقًا لـ “صحيفة الإيكونومست” سيتم استبدال 47٪ من العمل الذي ينجزه البشر بالروبوتات بحلول عام 2037، حتى تلك المرتبطة بالتعليم الجامعي التقليدي. على مدى 50 عامًا، كان البشر قلقون من قيام الآلات بوظائفهم، وفي بعض الحالات، تحول هذا الخوف الى حقيقة. ولكن في مجالات التصميم يجني المصممون المبدعون فوائد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي (Machine Learning) في التصميم والعمارة. فيوفر المصممون المزيد من الوقت للإبداع، بينما تتعامل أجهزة الكمبيوتر مع المهام التكرارية المعقدة التي تعتمد على البيانات. لكن التقدم الحقيقي في المجال يعني تحدي التعاريف التقليدية للتصميم والمصممين واعادة تعريف دور المصمم، من العمارة إلى الهندسة إلى التصنيع.

في حين أن بعض المصممين سيواجهون صعوبة في التخلص من النماذج التقليدية، سيشجع آخرون الحرية الإبداعية الجديدة التي يوفرها التعلم الآلي في العمارة. ورؤية هذه التطورات كأدوات بدلاً من عقبات يمكن أن يؤدي إلى التحرر من قيود النماذج القديمة التقليدية لدور المصمم.

تشجيع الذكاء الاصطناعي لأتمتة التصميم

يطلق مصطلح (أتمتة – Automation) على إسناد المهام التي كان يقوم بها الانسان أو المهام المستحيل القيام بها الى الآلة، لتصبح مهام آلية تلقائية. ويأخذ المجتمع الحديث الأتمتة كأمرًا مفروغًا منه. وبينما قد لا يُطلق عليهم مصطلح “روبوتات”، لكن الهواتف والطابعات وأجهزة الميكروويف والسيارات والمساعد الصوتي “اليكسا”، كلها مهام آلية لكن يتم إجراؤها يدويًا. وبالرغم أن التقنيات الآلية ليست جديدة؛ لكنها تتطور مؤخرًا، بنفس الطريقة التي يتطور بها العقل البشري وبالطريقة التي يعالج بها المعلومات.

العمليات الآلية هي بالفعل جزء لا يتجزأ من التصميم؛ لكننا سميناهم بشكل مختلف. يقول Jim Stoddart من استوديو The Living للعمارة:

“إذا كنت أقوم بتصميم شيء في برنامج (Revit)، وينتج البرنامج تلقائيًا مستندات منسقة لبناء هذا الشيء، فإنها أتمتة. إنه يفعل كل الأشياء التي اعتدت فعلها يدويًا.”

توفر الحوسبة المتطورة مزيدًا من الفرص لموازنة ذكاء الإنسان والآلة، مما يتيح لكل منهما القيام بما هو أفضل له. يقول Mike Mendelson، محاضر معتمد ومصمم مناهج في Nvidia Deep Learning Institute:

“إن أجهزة الكمبيوتر ليست جيدة في الحلول الإبداعية مفتوحة النهاية؛ فهذا لا يزال محجوزًا للبشر. لكن من خلال الأتمتة، يمكننا توفير وقت القيام بالمهام المتكررة، ويمكننا إعادة استثمار هذا الوقت في التصميم.”

الثقة في التصميم المعتمد على البيانات

في الوقت الحاضر،يمكن للمصممين إنشاء واختبار نماذج لا حصر لها قبل اعتماد أي تصميم فعلي في الإنشاء، مما يوفر الوقت والمال والموارد. في حين أن بعض سمات التصميم التي تساهم في خلق فراغًا “مثاليًا” -مثل الإضاءة النهارية، والمشتتات البصرية، وما إلى ذلك- يمكن قياسها كمياً، فإن تفضيلات الإنسان تميل إلى أن تكون معقدة للغاية بحيث لا يمكن قياسها يدويًا.

يقول Zane Hunzeker، مدير التصميم الإفتراضي والإنشاء في شركة Swinerton Builders:

“إن الشركة تستخدم بالفعل برنامجًا لتحسين التصميم استنادًا إلى تعليقات المستخدمين. أحد برامجنا في الواقع الافتراضي (VR) سيتتبع المكان الذي تنظر إليه، وإذا توقفت ونظرت إلى شيء لأكثر من نصف ثانية، فسيضع علامة صغيرة في تلك المنطقة، ثم تكرر هذا لـ 25 شخصًا في هذا المكتب، وبالتالي، تعرف أين يريد الناس أن ينظروا، وبعد ذلك يمكنك إدخال ذلك في التعلم الآلي. حتى تتمكن من توجيه أثاثك بطريقة محددة، على سبيل المثال.”

وعلى هذا النحو، يمكن تحسين التصميم بسهولة قبل تناول آخر رشفة من قهوة الصباح. كما يمكن أن يمتد تقييم (التصميم المعتمد على البيانات – Data-Driven Design) إلى مفاهيم عالية المستوى. كما يوضح Stoddart:

“يمكننا وضع شخص ما في الواقع الافتراضي، حيث يكون داخل الفراغ ونسأله، ‘هل هذا مثير أم لا؟ هل يشعرك بالترحيب؟ هل هو جميل؟’ بعد ذلك يمكننا تغذية تلك البيانات في نظام للتعلم الآلي بإعتباره (مشكلة تعلم خاضعة للإشراف من المصمم)، وفي الواقع، هذا البرنامج يساعدنا على التنبؤ، من بين الآلاف من التصميمات التي ننتجها، أي منها يقدم حلول مثيرة وذات صفات مكانية ومادية عالية المستوى والتي تستحق المزيد من الاستكشاف. “

إذًا كيف يمكن للبشر أن يتعلموا الثقة بالذكاء الاصطناعي في العمارة؟

يقول Stoddart إن الأمر كله يتعلق بالتحقق من صحة المخرجات (Validation):

“في الوقت الحالي يمكننا التحقق من صحة المخرجات، ويمكننا أن نثق بها، يمكننا في الواقع السماح له بالبدء في استكشاف الأفكار بمعنى أوسع. ليس فقط لتأكيد الأشياء التي نعرفها بالفعل، ولكن من الأفضل أن توضح لنا طرقًا بديلة لفعل الأشياء التي ربما لم نفكر فيها من قبل. “

ولكن هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

قدرت “صحيفة التلغراف” احتمالية أن يستبدل الذكاء الاصطناعي لعدد 700 وظيفة، من دراسة أجرتها جامعة أكسفورد نشرت في عام 2013. والأخبار السارة أنه يتمتع المعماريون بواحد من أقل معدلات الاستبدال بالذكاء الإصطناعي (يبلغ 1.8٪)، وذلك مع مصممي الأزياء (2.1٪)، ومهندسي الفضاء (1.7٪)، وأخصائي علم الأحياء المجهرية (1.2٪)، وفناني الماكياج المسرحي (1٪)، علماء الأنثروبولوجيا (0.8 ٪) ومصممي الرقصات (0.4 ٪).

الأتمتة والذكاء الاصطناعي، في الوقت الحالي، لن يستبدل دور المصمم، ولكن هذا لا يعني أن المجال لن يخضع لتحولات عميقة في ممارسته: الكمبيوتر والبرامج تقضي على الأنشطة المتكررة الشاقة، وتزيد إنتاج المواد إلى الحد الأمثل، وتسمح بتصغير حجم المكاتب المعمارية. فمع مرور الوقت، هناك حاجة إلى عدد أقل من المعماريين لتطوير مشاريع أكثر تعقيدا.

في النهاية، لا يزال الإبداع عالم العقل البشري وحده. وبفضل الذكاء الاصطناعى، أصبح لدى البشر القدرة على خلق وتصميم العالم الذي يريدون العيش فيه وترك العمل الشاق للآلات.

المصادر:

Britannica

How Machine Learning in Architecture Is Liberating the Role of the Designer

?Will Automation Affect Architects

The Economist 

The Telegraph

Unsplash

إقرأ أيضًا: كيف ستطور تكنولوجيا نمذجة معلومات البناء (BIM) من تصميم وإنشاء المباني؟

لماذا تعد صيانة المباني مهمة للغاية؟

لماذا تعد صيانة المباني مهمة للغاية؟

بالنسبة للشركات أو الملاك الذين يأجرون مباني كبيرة، يمكن أن تبدو صيانة المباني مهمة متعبة، أو مكلفة، أو ربما لا لزوم لها، خاصة عندما يبدو أن المبنى يؤدي وظيفته بسلاسة. لكن صيانة المباني بشكل صحيح ودوري أمر ضروري لعدد من الأسباب. تقل كفاءة المباني بطبيعتها بمرور الوقت بسبب الأسباب الطبيعية مثل المناخ، واستخدامات شاغلي المبنى اليومية، والإجهادات الميكانيكية، وغير ذلك. وعندما تُترك دون حل، يمكن لهذه المشكلات أن تقلل من تجربة المستخدم، وأن تخلق بيئات خطيرة وغير صحية، بل وتكبد تكاليف أعلى وأكثر مفاجئةً من تكاليف صيانة المباني الدورية الثابتة.

يتراوح نطاق صيانة المباني من أكثر التفاصيل الصغيرة إلى الوظائف الأكثر أهمية. فبعض الوظائف، مثل غسل النوافذ، تبدو غير مهمة ولكن يمكن أن يكون لها تأثير هائل على المظهر العام وسعادة العمال. كما تحتاج الى تكليف الشركات الأخرى المتخصصة بسبب الحاجة إلى معدات متخصصة وعمال إضافيين. وبعبارة أخرى، على الرغم من صغر المهمة، فإنها تتطلب عملاً واهتمامًا كبيرين.

وقد تكون صيانة أشياء أخرى ضرورية لصحة شاغليها. فحوصات سلامة الغاز، فحوصات المصاعد، وصيانة نظام الإطفاء، على سبيل المثال، تمنع حوادث الغاز والمصاعد ويمكن أن تنقذ الأرواح في حالة الطوارئ. وظائف أخرى، مثل اختبار المياه وفحوصات تكييف الهواء، من الممكن أن تعزز الصحة وتضمن الوفاء بالمعايير البيئية. وبالتالي، فإن صيانة المباني متنوعة في وظائفها وفي أسباب صيانتها.

لكن كيف تتم صيانة المباني؟

لصيانة المباني وللوقاية من المشكلات، يمتلك أصحاب المباني عدة خيارات، نظرًا لضرورة وجود المعرفة اللازمة واستخدام المعدات المتخصصة. يمكنهم توظيف فنيين متخصصين بشكل فردي لنقاط الصيانة الكثيرة للمبنى كل على حدى، أو يمكنهم توظيف مدير للمنشأ للإشراف على وظائف المبنى أيضًا، كما هو الحال في المستشفيات والفنادق وغيرها.

بفضل المعدات المتخصصة والمساعدة الفنية، تتوسع إمكانيات صيانة المباني بشكل كبير. فمثلا إحدى الشركات، تسمى (Falcon Lifts)، متخصصة في المصاعد الميكانيكية التي توفر إمكانية الوصول إلى المساحات التي يصعب الوصول إليها، مما يسمح للفنيين للوصول الى المناطق التي يتعذر الوصول إليها. مع وجود أذرع طويلة ومرنة يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 170 قدمًا أو 50 مترًا وتنحني بطرق مختلفة لا حصر لها، مما يضمن أن صيانة المباني تكون شاملة قدر الإمكان.

 

ومع ذلك، لا ينبغي دائمًا الاستعانة بشركات خارجية للصيانة، ولكن يمكن دمج الصيانة كجزء لا يتجزأ من إدارة المبنى، مما يوفر حلاً كاملاً طويل الأجل، كخيار دائم للاستخدام. بحيث يجب اختيار المصعد المناسب للمبنى، واعتباره جزءًا من المبنى بحيث يمكن استخدامه بسرعة وسهولة، كلما دعت الضرورة.

وبالتالي، فإن صيانة المباني مهمة للصحة والسلامة وخفض التكاليف وحتى الاستدامة، وبمساعدة الفنيين والمعدات الميكانيكية المتخصصة تكون الصيانة الشاملة ممكنة. في حين أن التكلفة والجهد يبدوان مرتفعين، فإن الصيانة الدورية تكون أقل تكلفة من الاستجابات السريعة لحالات الطوارئ المتعلقة بالصحة والسلامة عند حدوث مشاكل، كما أنها يمكن إدراجها في الميزانية بسهولة أكبر من التكاليف غير المتوقعة عندما يحدث خطأ ما. كل هذه الأسباب تظهر أن صيانة المباني هي أمر لا يحتاج إلى التفكير.

المصدر: مقالة Lilly Cao على موقع ArchDaily

اقرأ أيضًا: كيف ستطور تكنولوجيا نمذجة معلومات البناء (BIM) من تصميم وإنشاء المباني؟

فن الإضاءة: كيف يتم إضاءة اللوحات الفنية؟

فن الإضاءة: كيف يتم إضاءة اللوحات الفنية؟

يمكن أن يكون اختيار الإضاءة المناسبة لأي فراغ قرارًا معقدًا. حيث يجب مراعاة الاعتبارات المتعلقة بالغرض من إستخدام الإضاءة وشكلها ووظيفتها. كما تلعب الجماليات أيضًا دورًا في تلك المعادلة. مع وجود العديد من الخيارات للإضاءة في السوق، فإن الأمر يتطلب معرفة وفهم المتخصصين لتحديد أفضل إضاءة تناسب فراغاتك. يمكن أن تشكل إضاءة معرض فني أو متحف معضلة وتأخذ مجهود كبير للإضاءة بشكل صحيح. لحسن الحظ، قامت إضاءات الليد (LED) بتبسيط جزء كبير من الإضاءة للعرض الفني.

إضاءات الليد (LED) وأشعة الشمس الطبيعية: معامل إظهار اللون (CRI) ودرجة حرارة اللون

الإضاءة الطبيعية مهمة جدًا لعرض الفن أو العمل عليه. أشعة الشمس لديها أعلى معامل إظهار اللون وهو قياس لقدرة مصدر الضوء على الكشف بدقة عن ألوان الأجسام المختلفة؛ كتمثيل حقيقي للألوان الفعلية في القطعة الفنية تحت الضوء. إذا تعذر الوصول إلى الإضاءة الطبيعية، فإن إضاءات الليد تكون أقرب ما يكون إلى إعادة إنتاج الضوء الطبيعي. حيث تحاكي إضاءات الليد خصائص ضوء الشمس، وعلى وجه التحديد معامل إظهار اللون ودرجة حرارة لون الضوء.

خلافا للاعتقاد الشائع، فإن أشعة الشمس ليست صفراء. مع درجات حرارة اللون تتراوح بين 5200 كلفن و 6400 كلفن يكون لون أشعة الشمس هو في الواقع يميل للأزرق. هذه هي أقرب درجات حرارة للإضاءة الاصطناعية التي يمكن أن تحاكي أشعة الشمس الطبيعية وهي أيضًا نطاق درجة حرارة اللون الموصى بها لإضاءة القطع الفنية.

إضاءات الليد ذو المسار – LED Track Lighting

بدأت المعارض الفنية وسلاسل البيع بالتجزئة بالتحويل من مصابيح الهالوجين والفلوريسنت إلى مصابيح الليد ذو المسار. بعض المخاوف الأولية للمعارض الفنية الصغيرة كانت التكاليف الأولية المرتبطة بالتحويل الى إضاءات الليد ذو المسار، فهي أغلى من مصابيح الهالوجين التقليدية، ومع ذلك، فقد انخفضت أسعار إضاءات الليد لتتقارب مع مصابيح الهالوجين أو مصابيح الفلورسنت. بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة فوائد استخدام إضاءات الليد لعرض القطع الفنية، يشمل ذلك الحفاظ على الفن حيث تقل الحرارة لإضاءات الليد بنسبة 80 في المائة من مصابيح الهالوجين وإنخفاض قيمة فواتير الكهرباء.

تستهلك إضاءات الليد جزءًا صغيرًا من طاقة الإضاءة التقليدية للمعرض كما أصبح الإشعاع الحراري من بعض المصابيح يشكل مشكلة. فأحد الجوانب الأكثر فائدة لإختيار إضاءة الليد ذو المسار هو أنه يقلل الحرارة ويزيد من إظهار اللون الحقيقي. ويعد هذا الأمر مهمًا في أي مكان، ولكن في مساحة مثل معرض فني، فهي عناصر أساسية في العرض والحفظ. في الواقع، حتى في حالة الإضاءة الخافتة، تحتفظ مصابيح الليد بالطيف المناسب من الضوء بحيث يتم عرض الألوان الحقيقية بشكل صحيح.

تأثير الإضاءة في المعارض الفنية

غالبًا ما تكون الإضاءة الطبيعية (أشعة الشمس) هي الحل الأمثل للعرض الفني، لكن هذا ببساطة ليس خيارًا في معظم الفراغات. أفضل شيء تالي هو الاستوديو المضاء جيدًا، وهنا تكمن العوامل التقنية في التأثير عند اختيار إضاءة المعرض. تستخدم درجات حرارة اللون ومعاملات إظهار اللون في الاقتراب قدر الإمكان من عرض القطع الفنية بدقة. تقاس درجة حرارة الضوء الأبيض في أنقى درجاته عند 6500 كلفن. العديد من الفنانين يعملون في إضاءة أقرب إلى 5000 كلفن، وهو لون أقل برودة. كلما زادت درجة حرارة الألوان من مصدر الضوء، سواء كان لونًا يميل للأصفر (دافيء) أو يميل للأزرق (بارد)، كلما كانت ألوان اللوحة الأصلية مشوهة عند عرضها.

لذلك يكمن الهدف الأساسي من تصميم اللإضاءة هو الاقتراب من الأبيض النقي قدر الإمكان. لعدم التأثير على ألوان القطع الفنية الأصلية وعرضها كما هي في الطبيعية.

المصدر: مقالة David Hakimi على موقع ArchDaily

اقرأ أيضًا: كيف تؤثر الإضاءة على مزاجك؟

كيف يؤثر تصميم الصوتيات في المدارس على العملية التعليمية؟

كيف يؤثر تصميم الصوتيات في المدارس على العملية التعليمية؟

لا توجد الكثير من الأشياء التي تثير غضبنا أكثر من التعرض لضوضاء مفرطة أو عدم القدرة على سماع ما نريد سماعه. سواء أكان هذا بسبب موقعًا للبناء قريب أو حركة المرور على الطرق السريعة أو صوت تكييف الهواء أو جارك الذي يحاول تعلم الساكسفون، فقد أظهرت الأبحاث أن الضوضاء يمكن أن تساهم في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم والصداع والتغيرات الهرمونية واضطرابات النوم وتقليل الأداء البدني والعقلي. من ناحية أخرى، ففي البيئات المريحة صوتيًا التي نستطيع فيها الاستماع إلى ما نريد، فنحن نركز بشكل أفضل ونشعر أكثر بالراحة.

غالبًا ما ينصب الاهتمام بتصميم بيئات مريحة صوتيًا إلى تصميم دور السينما وقاعات الحفلات الموسيقية واستوديوهات التسجيل. لكن تصميم الصوتيات مهم بشكل خاص في بيئات التعلم، مثل الفصول الدراسية، لأنه يؤثر بشكل مباشر على طريقة التعليم وكفاءة التعلم. إن الإزعاج الصوتي يمكن أن يضر بعملية اكتساب المعرفة، ويقلل من الانتباه ويزيد من سوء التواصل بين الطالب والمعلم.

تشير الدراسات إلى أن الفصول الدراسية غير المريحة تسبب تقلبات في المزاج والشعور بعدم الراحة. مما يساهم في زيادة التوتر والإرهاق لدى الطلاب، بالإضافة إلى انخفاض المهارات المعرفية. حيث أن التداخل الصوتي من البيئات الخارجية في الفصل، يؤدي إلى التحدث بصوت أعلى مما يسبب الإرهاق الصوتي والسمعي للمعلمين والطلاب.

المفاهيم الأساسية للصوتيات

لفهم مشاكل الصوتيات بشكل أفضل، من المهم معرفة بعض المفاهيم الأساسية. عندما يتم اعتراض الموجات الصوتية من قبل جهاز استقبال مثل الأذن البشرية، يتم إرسالها ونقلها كمعلومات إلى الدماغ: أي أنها “تُسمع”. بينما تقاس الشدة الصوتية بالديسيبل (dB)، ويتم التعبير عن نغمة الصوت كـ “تردد” من خلال وحدة الهرتز (Hz). للأذن البشرية السليمة حساسية لنطاق واسع جدًا من الترددات، من حوالي 20 هرتز إلى 20000 هرتز. أدنى وفوق هذا النطاق هي الموجات تحت الصوتية والموجات فوق الصوتية.

العوامل المؤثرة في تصميم الصوتيات

من المفهوم أنه في المبنى، أو في حالتنا، في الفصول الدراسية على وجه التحديد، توجد أربعة أنواع من الأصوات:

1- الضوضاء الخارجية (من السيارات، الفناء، الملاعب الرياضية)
2- الضوضاء الداخلية (حديث المعلم، محادثات متوازية)
4- ضجيج الأجهزة والمعدات (من أنظمة تكييف الهواء والمراوح وأجهزة الكمبيوتر)
3- التأثيرات الصوتية الإضافية (خطوات الأقدام، القفزات)

كل هذه الضوضاء مجتمعة، تؤثر على الراحة الصوتية للشاغلين للفراغ. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لا يمكن أن يتجاوز المستوى الآمن للضوضاء في الفصل الدراسي عن 35 ديسيبل. بعدها يبدأ ضعف القدرة على التعلم.
في فرنسا، وجدت دراسة أنه مع كل زيادة بمقدار 10 ديسيبل في ضوضاء الفصول الدراسية، انخفضت درجات الطلاب في اللغة والرياضيات بنسبة 5.5 درجة.

كما توجد بعض المعاملات الأخرى المستخدمة لوصف توزيع الصوت هي:

      • زمن الارتداد – Reverberation time: وهو الوقت المستغرق لينخفض مستوى الصوت بعد إيقاف تشغيل مصدر الصوت.
      • العزل الصوتي – Acoustic isolation: وهي الخصائص المادية لمساحات سطح الفراغ والتي تحدد انتقال الصوت.

مع وضع ذلك في الاعتبار، هناك مفهوم آخر مهم للغاية بالنسبة للفصل الدراسي وهو معامل انتقال الكلام (Speech Transmission Index)، والذي يشير إلى جودة نقل الكلام إلى المستمعين. فمثلًا إذا كان زمن الارتداد في الفصل الدراسي أكبر من 0.6 ثانية، فسيواجه الأطفال الذين يجلسون وراء الصفوف الأمامية صعوبة في التفريق بين الحروف الساكنة وبالتالي لن تكون قادرة على التعلم بشكل صحيح. كلما طال زمن الإرتداد، انخفضت القدرة على الفهم بسبب التداخل الصوتي أو كلما قلت وضوح الرسالة. وهذا يعني أن التحدث بصوت أعلى لن يحدث فرقًا كبيرًا في الوضوح، وسيجعل البيئة فقط أكثر تشويشًا مع ارتفاع الصوت.

ولكن كيف نستطيع تحسين الراحة الصوتية في الفصول الدراسية؟

من خلال أختيار المنتجات والمواد المناسبة، يمكن العثور على بدائل فعالة لتحسين الصوتيات في الفصول الدراسية. فمن أجل تقليل مدخلات الضوضاء الخارجية، يجب عزل عناصر المبنى صوتيًا، مما يعني زيادة كتلة الجدران الخارجية والبلاطات الخرسانية وشراء إطارات النوافذ والأبواب الأكثر إحكامًا وعزلًا. وتعتبر كتلة البناء تقليديًا هي أفضل مزود للعزل الصوتي. ومع ذلك، يمكن أن تضمن أنظمة البناء خفيفة الوزن الحالية، المبنية على مبادئ الكتلة الفعالة (mass-spring-mass principles) حماية فعالة للضوضاء الخارجية، رغم أنه يجب توخي الحذر بشكل خاص عند النظر في المواصفات الفنية والتفاصيل الإنشائية لتلك الأنظمة الإنشائية.

المواد الماصة للصوت، مثل الصوف الصخري في الأسقف وألواح الجدران، أو ألواح الجبس الصوتية (Acoustical Plasterboard)، ستساعد على تقليل التأثيرات الصوتية الإضافية مثل الخطوات وتأثير الضوضاء داخل المبنى، والتي ستتأثر أيضًا باختيار نوع التشطيب الأخير للجدار أو الأرضية. استخدام المواد التي تبعثر الصوت أو تمتصه على الجداران، تقضي على الأصداء الصوتية المزعجة التي قد تحدث بين الجدران. كما أن استخدام المواد المسامية على الأسطح الداخلية (خاصة الأسقف) تساعد أيضًا في تقليل الصدى الصوتي وتحسين وضوح الكلام.

لذلك، يعد تحسين الصوتيات في الفصول أمرًا بالغ الأهمية لعملية التعليم والتعلم المناسبة. ويلعب المعماري دورًا مهما في ذلك طوال المشروع في اختيار المواد المناسبة حيث يؤثر ذلك على الطلاب والمعلمين، الذين لن يحتاجوا إلى تجاوز حدود أصواتهم في الفصول.

 

المصدر: مقالة Eduardo Souza على موقع ArchDaily

كيف ستطور تكنولوجيا نمذجة معلومات البناء (BIM) من تصميم وإنشاء المباني؟

كيف ستطور تكنولوجيا نمذجة معلومات البناء (BIM) من تصميم وإنشاء المباني؟

نمذجة معلومات البناء أو (BIM) هي اختصار شائع بين المعماريين والمهندسين اليوم. حيث بدأت معظم المكاتب بالتحويل الى ذلك النظام بالفعل أو تخطط للتحويل إليه، والذي يمثل محاكاة رقمية للخصائص المادية والوظيفية للمبنى، ودمج المعلومات المختلفة حول جميع المكونات والعناصر الموجودة في المشروع. وذلك من خلال برنامج يعمل بنظام (BIM) كبرنامج (Autodesk Revit)، حيث يمكن إنشاء نموذج أو أكثر من النماذج الافتراضية للمبنى، مما يوفر تحكمًا أكبر في التكلفة والكفاءة في الإنشاء. كما يمكن أيضًا محاكاة المبنى وفهم سلوكه قبل بدء البناء ودعم المشروع خلال مراحله، بما في ذلك صيانة ما بعد البناء أو التفكيك والهدم.

الفرق بين نظام (CAD) ونظام (BIM)

بينما كانت تقوم برامج التصميم بالكمبيوتر (CAD) سابقًا بإنشاء رسومات ثنائية (2-D) أو ثلاثية الأبعاد (3-D) مجردة لا تميز بين عناصرها، فإن في تقنية (BIM) لكل عنصر خصائصه الخاصة، فمثلا الباب له عرض وارتفاع ومادة مصنوع منها كل قطعة وخصائص أخري، كما تتضمن البعد الرابع (4-D) وهو الوقت حيث يمكنك عمل جدول زمني للمشروع والبعد الخامس (5-D) وهي التكلفة حيث يمكن عمل حصر ووضع تكلفة كل عنصر في المشروع، والبعد السادس (6-D) وهو الإستدامة والبعد السابع (7-D) وهو إدارة ما بعد الإشغال والصيانة. يتيح ذلك للمكاتب إدارة المعلومات بذكاء طوال دورة حياة المشروع، وأتمتة العمليات مثل البرمجة والتصميم الإبتدائي والتصميم التفصيلي والتحليل والمحاكاة والتوثيق في اللوحات والتصنيع والخدمات اللوجستية للبناء والتشغيل والصيانة والتجديد أو الهدم.
“في أي مشروع تصميم وبناء هناك عدد غير محدود من المشاركين، بالإضافة إلى تفاعلات غير محدودة بين الأطراف. المشاريع الإنشائية هي مشاريع متعددة التخصصات وتشمل معلومات ليست ضرورية لجميع المعنيين. فمن المسؤول عن ماذا في كل مشروع؟ إلى أي مدى تذهب مسؤوليتي وأين تبدأ مسؤوليتك؟ تساعد تقنية (BIM) على ترتيب هذه العملية المعقدة.”
من المهم توضيح الفرق بين نظام (BIM) والبرامج التى تسمح بتطبيق ذلك النظام مثل: Revit – ArchiCAD – AllPlan وغيرها، يعتبر (BIM) هو نظام في العمل يسمح بالأطراف المختلفة المشتركة في المشروع بالتكامل في تصميم مشروع بكامل معلوماته، في حين أن تلك البرامج هي برامج تتوافق معها نظام (BIM). حيث يُكمل الاثنان بعضهما البعض ويسمحان بتنفيذ أعمال المهندسين بكفاءة.

دور موردين المواد في تقنية (BIM)

“يلعب الموردون دورًا أساسيًا في المشروع نظرًا لأنهم هم المفتاح للمواد المتوفرة للمشروع. لذلك يمكن فهم (BIM)،كنوع من كتالوج المواد المُصممة، مما يحسن الطريقة التي يتم بها نقل المواصفات الفنية للمشروع إلى المسؤولين عن بنائه في الواقع.”

هناك مواقع كثيرة تحتوي على مكتبات ضخمة من المنتجات مثل (BimObject)، مما يسمح لك بتنزيل نماذج محددة لإدراجها على الفور في مشروعك المعماري، وبالتالي توفير الوقت الذي تستغرقه كتابة المواصفات. ومع تحميل كل هذه المعلومات للنماذج، فإن النظام لا يحسن من جودة العمل فحسب، بل يقلل أيضًا من مشاكل عملية صناعة القرار والتغييرات في اللحظة الأخيرة أثناء عملية البناء، ويعالج المشاكل المفاجئة بشكل عملي ويخفض التكاليف الإجمالية للمشروع.
بالإضافة إلى ذلك، لكل عنصر سماته الخاصة، ويرتبط بشكل معين مع العناصر الأخرى المرتبطة به في المشروع. حيث إذا تم تعديل أحد هذه العناصر فإن العناصر التي تعتمد عليه ستتغير أيضًا تلقائيًا. فمثلا يرتبط عنصر الشباك مع عنصر الحائط، فإذا تم تعديل سمك الحائط يتم تعديل سمك الشباك ليتماشى معه. وبهذه الطريقة، تسمح (BIM) بالعمل المشترك للمهندسين المعماريين والعملاء والمقاولين والمهندسين وغيرهم من الجهات ذات الصلة بالمشروع الإنشائي بالإشتراك في عملية واحدة ذكية ومتكاملة.

 

المصدر: مقالة José Tomás Franco على موقع ArchDaily

أقرأ أيضًا كيف نعيد صلة الإنسان بالطبيعة؟

البيوفيليا: كيف نعيد صلة الإنسان بالطبيعية؟

البيوفيليا: كيف نعيد صلة الإنسان بالطبيعية؟

إذا طلب منك أن تتخيل بيئة للاسترخاء التام، فالاحتمالات هي أن أول صورة تتبادر إلى الذهن هي مكان محاط بالطبيعة، سواء كانت غابة، أو جبال، أو بحر. نادراً ما يتخيل المرء مكتبًا أو مركزًا تجاريًا كمصدر للراحة والاسترخاء. ومع ذلك، فإن غالبية الناس يقضون ما يقرب من 80-90 ٪ من وقتهم في داخل المباني، ذهابًا وإيابًا من منازلهم إلى أماكن عملهم. يبحث المعماريون والمصممون الآن عن حلول تصميمية من شأنها أن يتردد صداها جيدًا في المستقبل، لذلك اتجهوا إلى “البيوفيليا” كمصدر مهم للإلهام الذي يعزز الرفاهية والصحة والراحة النفسية.

ما هي البيوفيليا؟

منذ أقدم الحضارات، كانت الطبيعة بمثابة الموئل الطبيعي للبشر، حيث توفر المأوى والغذاء. ولكن في العصر الحديث، أدت الثورات الصناعية والتكنولوجية إلى إعادة تشكيل الطريقة التي يتفاعل بها البشر مع الطبيعة. يُترجم مصطلح “البيوفيليا – Biophilia” إلى “حب الكائنات الحية” حيث في اليونانية القديمة تعني “فيليا”: الحب أو الميل نحو. وبالرغم أن المصطلح يبدو جديدًا نسبيًا وبدأ يزداد استخدامه تدريجيًا في مجالات العمارة والتصميم الداخلي، إلا أن عالم النفس (Erich Fromm) استخدمه لأول مرة في عام 1964، ثم قام عالم الأحياء (Edward O.Wilson) بنشره في الثمانينيات عندما اظهر كيف يؤدي التمدن إلى انقطاع الصلة مع الطبيعة.

لماذا نحتاج البيوفيليا في تصميم أماكن عملنا؟

أجريت الكثير من الدراسات حول فوائد دمج الطبيعة في أماكن العمل. حيث يقضي الموظف متوسط 8-9 ساعات يوميًا في الجلوس داخل المكتب، وهذه العادة تؤثر في النهاية على جسم الإنسان. وتشمل الآثار السلبية: انخفاض معدلات الأيض، وزيادة خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب، وزيادة خطر الاكتئاب، وآلام أسفل الظهر والرقبة. في الآونة الأخيرة، قام المعماريون بدمج البيوفيليا في أماكن العمل الحديثة، مما أدى إلى زيادة الإنتاجية والإبداع والانخفاض في غياب الموظفين. بمعنى آخر، كلما كان المكتب يبدو وكأنه ليس مكتب، كانت النتائج أفضل.

ما هو (التصميم البيوفيلي – Biophilic Design)؟

المبدأ الرئيسي وراء البيوفيليا بسيط إلى حد ما: ربط البشر بالطبيعة لتحسين الرفاهية. ولكن كيف يمكن للمهندسين المعماريين تحقيق هذا الصدد؟ ببساطة من خلال دمج الطبيعة في تصاميمهم. تتمثل الإستراتيجية الرئيسية في جلب خصائص الطبيعة إلى الفراغات الداخلية، مثل الماء والمساحات الخضراء والضوء الطبيعي وعناصر مثل الخشب ذو المظهر الطبيعي والحجر. ويعد استخدام الكتل والأشكال النباتية بدلاً من الخطوط المستقيمة سمة من سمات التصميمات البيوفيلية، بالإضافة إلى إقامة علاقات بصرية طبيعية، على سبيل المثال التباين بين الضوء الطبيعي والظلال.

في حين أن هناك العديد من الطرق لدمج البيوفيليا في التصميم، فإن أحد الحلول الشائعة هو استخدام الخشب. فالخشب مادة طبيعية متعددة الاستخدامات، ويخلق اتصالًا رائعًا بالخارج. وأظهرت الدراسات أن الخشب الذي تظهر فيه انسجته يريح الجهاز العصبي اللاإرادي، مما يؤدي إلى انخفاض الاستجابة للإجهادات.
عندما يتعلق الأمر بالمظهر، فالخشب يوفر اتصال بصري فريد مع الطبيعة، بسبب وفرة الأنواع والقوام والألوان. سواء أكان يستخدم كأرضيات أو ألواح أو أثاث، فإن جاذبية تلك المادة عالمية. بينما يختار بعض المعماريين تلميع الخشب لإضافة مظهر أكثر جمالًا، يستخدم آخرون المادة كما هي وتسليط الضوء على تعقيد التصميم الذي توفره أنسجة الخشب.

وعندما يتعلق الأمر بالوظيفة، يمكن استخدام الأخشاب في جميع أنواع الفراغات الداخلية (المكاتب والفنادق والمطاعم والمنازل) لتوفر نفس الصلة البصرية والعاطفية مع الطبيعة. وفي كثير من الأحيان، يجمع المعماريين بين الخشب والمساحات الخضراء مع وفرة من ضوء النهار الطبيعي لإنشاء لوحة غنية بالبيوفيليا التي تعزز الرفاهية.

المصدر: مقالة Dima Stouhi على موقع ArchDaily

إعلان الفائزات بجائزة (التميز) في العمارة والبناء

إعلان الفائزات بجائزة (التميُّز) في العمارة والبناء

أعلنت جائزة التميز عن الفائزات بجائزة المرأة في العمارة والبناء لعام 2019، وهي جائزة تُكرّم المعماريات في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، تحت فئتين: (النجمة الصاعدة – Rising Star) و (المرأة ذات الانجازات المتميزة – Woman of Outstanding Achievement). وسيتم تكريم الفائزين والمرشحين النهائيين للجائزة خلال حفل التميز السنوي الذي سيقام في الأردن في ديسمبر القادم.

الفائزة بجائزة التميز في فئة النجمة الصاعدة: دانة العمري من السعودية

دانة العمري مهندسة معمارية ومؤسس شريك في (ستوديو وَتَد) في جدة، والذي يبحث في التصميمات المناسبة للسياق والحلول المعمارية التي تلبي الاحتياجات المحلية. وتمثل العمري جيلًا ناشئًا من المعماريات من المملكة العربية السعودية الطامحات في دعم احتياجات المجتمعات المحلية والنسيج الحضري المتطور لمدينتهم وبلدهم. وقد صممت دانة عددًا من المشاريع التي تغطي القطاعات السكنية والتجارية وأماكن الضيافة.

عملت العمري أيضًا في مشاريع ذات مسئولية مجتمعية، مثل مشروع أفران الطاقة الشمسية الذي يهدف إلى تثقيف أولئك الذين دمرتهم فيضانات جدة حول استخدام الطاقة الشمسية. بالإضافة الى عمل بحث حول تجديد أحياء جدة الفقيرة والأحياء التاريخية المهملة؛ و(اعادة تطوير طريق مالك – Malik Road Redevelopment) الذي يسعى إلى حلول بديلة لتخطيط شوارع المنطقة، على أمل الحد من حوادث المرور والسيارات. شاركت العمري أيضًا في مؤتمرات ومعارض، مثل قمرة، ناقشت خلالها أهمية الهندسة المعمارية وطرق البناء المستدامة.

الفائزة بجائزة التميز في فئة المرأة ذات الانجازات المتميزة: زينب جيليك من تركيا

الدكتورة زينب جيليك أستاذ في العمارة والتاريخ بمعهد نيوجيرزي للتكنولوجيا بجامعة روتجرز وأستاذ في التاريخ بجامعة كولومبيا. قامت أيضًا بكتابة وتحرير وإنتاج العديد من المنشورات التي تستكشف الهندسة المعمارية ومدن الإمبراطورية العثمانية المتأخرة والاستعمار الفرنسي. في الماضي، درَّسَت في جامعات مختلفة بما في ذلك جامعة كاليفورنيا، بيركلي، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، هارفارد، مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس، والمدرسة الوطنية للعمارة والهندسة في تونس، وكلية بارنارد وجامعة البوسفور في اسطنبول.

تشمل بعض كتب الدكتور جيليك: “The Remaking of Istanbul – إعادة صناعة اسطنبول” (1986)، “Displaying the Orient: Architecture of Islam at Nineteenth-Century World’s Fairs – عرض الشرق: هندسة الإسلام في معارض القرن التاسع عشر العالمية” (1997)؛ و”About Antiquities: Politics of Archaeology in the Ottoman Empire – حول الآثار: سياسة الآثار في الإمبراطورية العثمانية” (2016). كما تستكمل حاليًا كتابًا جديدًا بعنوان “مدن الشرق الأوسط” بين الإمبراطورية العثمانية المتأخرة وبين الانتداب البريطاني والفرنسي.

بالإضافة إلى منشوراتها، قامت بتصميم وتنسيق العديد من المعارض في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك “جدران الجزائر” في معهد (جيتي – Getty) للأبحاث في لوس أنجلوس و “التدافع من أجل الماضي: قصة في علم الآثار في الإمبراطورية العثمانية” في سالت، إسطنبول. كما تتعاون حاليًا مع فريق دولي في معرض ومؤتمر بعنوان “فلسطين من السماء”، سيفتتح في رام الله عام 2020.

وأخيرًا الفائزة بجائزة التميز كمعمارية جديرة بالإشادة في فئة المرأة ذات الانجازات المتميزة: شهيرة فهمي من مصر

شهيرة فهمي هي مهندسة معمارية وباحثة. ومؤسس ومدير مكتب (شهيرة فهمي للعمارة) الذي تم تأسيسه في القاهرة عام 2005. قامت شهيرة فهمي بتصميم وبناء مشاريع في الشرق الأوسط وأوروبا، وقد أشادت بها دار (فايدون – Phaidon) للنشر باعتبارها “أحد المعماريين الذين يبنون المستقبل العربي”. تشمل مشاريعها المخطط الرئيسي لمنتجع (Andermatt Swiss Alps’ Ski Resort)، المرحلة الثانية والثالثة. والتصميم المعماري لمنتجع أليجريا (Allegria Resort) وهو مشروع سكني في القاهرة؛ وترميم قاعة الفنون التجريبية في نيويورك.

إلى جانب أعمالها المعمارية، فقد أجرت بحوث في ظاهرة التمدن السريع، وهي حاصلة لمرتين على برنامج الزمالة لمرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد، من خلال عملها الرائد في دراسة العلاقة ما بين مفهوم التحضر والإدارة والفضاء الإلكتروني. كما دَرَّسَت في جامعة كولومبيا: كلية العمارة والتخطيط والحفاظ، والجامعة الأمريكية في القاهرة، وجامعة القاهرة. وتعمل حاليًا في مشروع الإسكان الميسور التكلفة في المملكة المتحدة.

المصدر: Tamayouz Excellence Award

إختيار هلا وردة لتصميم الجناح اللبناني في بينالي فينيسيا 2020

إختيار هلا وردة لتصميم الجناح اللبناني في بينالي فينيسيا 2020

أعلن وزير الثقافة اللبناني الدكتور محمد داود ورئيس اتحاد المهندسين اللبنانيين النقيب المعمار جاد تابت نتائج مسابقة تصميم الجناح اللبناني في بينالي فينيسيا 2020. ففازت في الجائزة الأولى: هلا وردة عن مشروع A Roof for Silence وفي الجائزة الثانية: مكتب Collective for Architecture عن مشروع 100Years Online وفي الجائزة الثالثة: ساندرا افرام وبولس دويهي عن مشروع Life at The Ground Floor.

تم اختيار هلا وردة، مؤسس مكتب HW architecture، لتصميم الجناح اللبناني في بينالي فينيسيا للعمارة 2020. ويهدف المشروع الذي يحمل عنوان “سقف للصمت – A Roof for Silence” إلى دراسة الإشكاليات التي تطرح نفسها بإلحاح في عالمنا اليوم تحت شعار: “كيف سنعيش سوياً؟ – ?How will we live together”.

بينالي فينيسيا للعمارة – La Biennale di Venezia

يعتبر معرض بينالي فينيسيا للعمارة (La Biennale di Venezia) هو المعرض الأشهر على المستوى الدولي، وهو واحد من أهم المعارض التي تستعرض الاتجاهات المعمارية المعاصرة.حيث تتنافس الدول المشاركة في إظهار أفضل ما لديها من أعمال وأفكار معمارية، ويخصص لكل دولة جناح تعرض فيه أعمال فنانيها المشاركين.

يهدف التصميم اللبناني الى خلق مساحة للتبادل والحوار، بين المعمارية هلا وردة والشاعر والفنان اللبناني المعاصر إيتل عدنان. حيث سيجمع الجناح بين الماضي والحاضر، العصور القديمة والحديثة، من أجل ربط هذه العصور وكشف الإجابات العميقة للتحدي المطروح.

في الواقع، توضح المعمارية هلا وردة أن “المشروع سوف يبحث إمكانية كيف سنعيش معًا من خلال الكشف عن كيفية عيشنا معًا بالماضي”. ومن خلال هذا التبادل الذي يستخلص انعكاسات من 16 لوحة فنية من إيتل عدنان، وأشجار الزيتون العتيقة ذات الآلاف عام في جبال لبنان، تقوم فكرة الجناح على الحاجة الماسة إلى مساحة فارغة، وأن الحياة التي قد تسكن هذا الفراغ يمكن أن تكون شكل من أشكال الصمت.

“لماذا لا نفكر في الأماكن بإمكانياتها بأن تكون متعلقة أكثر بالفراغ وليس الكتل؟ كيف يمكننا أن نواجه الخوف من الفراغ في العمارة؟ كيف نستطيع أن نتصور أشكالًا تخلق أماكن للصمت والتأمل؟ كيف نخلق أماكن شاعرية حيث يمكن للناس التقابل والتحاور؟ كيف نصمم أماكن تخلق العاطفة والرغبة في البقاء بها؟… سنبني فكرة الجناح على الحاجة إلى مساحة فارغة، وأن الحياة التي قد تعيش في هذا الفراغ بمكن أن تكون شكل من أشكال الصمت.” – هلا وردة

كانت المعمارية هلا وردة مسئولة عن متحف أبو ظبي منذ التصورات المبدئية في 2006 حتى التسليم النهائي للمشروع في 2017. وأسست مكتبها الخاص عام 2008، ولكنها ظلت تتعاون مع مكتب المعماري الرائد جون نوفيل “Jean Nouvel Atelier”، والذي عملت معه لأكثر من 20 عامًا.

فكرة المعرض

في المناطق النائية بلبنان، توجد ستة عشر شجرة قديمة لها جذوع ملتوية عملاقة تبدأ بالانقسام والصغر كلما صعدت لأعلى. يعتقد أن تلك الشجرات الرائعة والتي تسمي الأخوات الستة عشر، عمرها حوالى 6000 عام. هذه الأشجار هي نحن، انها الشعب بدون الزحام، انها الدولة بدون التعصب، فهي تمثل تشبيهًا للغموض الذي يصاحب الحياة. بعض الأشجار ميت والبعض الآخر مازال حي. المنطقة التي تنتمي لها تلك الأشجار السحرية تم إزالتها في الحاضر، بفعل العوامل المضادة من نسيان للآخر، الكراهية، الانسحاب، الانقسام، الخوف، وعدم القدرة على العيش سويًا، رد الفعل على الإقصاءات الموجودة.

قام الفنان القائم في باريس، إيتل عدنان، بعمل فني يسمى “تكريمًا للإلهة أوليفيا – Tribute to the goddess Olivéa” بدون سابق معرفة بوجود الأسلاف الستة عشر. حيث رسم الفنان ستة عشر شجرة زيتون بشكل دائري جنبًا الى جنب، تخلق نفس الهدوء، نفس الإتساع، نفس غياب الصراعات.

زيارة المعرض

زيارة المعرض سوف تنقسم الى خطوتين تتضمن فراغين معاصريين: الفارغ والممتليء. بالدخول الى الفراغ الأول المستطيل، يجد الزائر نفسه في فراغ من الاسقاطات الضوئية لأفلام وصور. وبعدها بالدخول الى الفرغ الدائري والذي سيعرض فيه لوحات إيتل عدنان الستة عشر والتي تكون عمله “تكريم الإلهة أوليفيا”.

الجناح هو تمهيد لمساحة ستعاد بعد فترة البينالي إلى بيروت. مساحة صمت يُقترح إنشاؤها على موقع خط ترسيم الحرب الأهلية اللبنانية. شعار معماري وثقافي جديد لمدينة بيروت. مساحة للجوء والتأمل؛ في أمس الحاجة إليها المدينة التي أفسدتها العشوائية.

 

المصدر: مقالة Christele Harrouk في موقع ArchDaily

كيف تؤثر الإضاءة على مزاجك؟

كيف تؤثر الإضاءة على مزاجك؟

من المحتمل جدًا أنك تقرأ هذا المقال في غرفتك مع وجود الإضاءة بجانبك. بالنسبة لمعظم الناس، تستلزم الحياة العصرية قضاء معظم اليوم في غرف مغلقة، جالسين مستغرقين في مجموعة من الإضاءات الاصطناعية والطبيعية. رغم أن الضوء الاصطناعي قد أتاح للبشرية إمكانيات لا تُحصى، فقد تسبب أيضًا في حدوث بعض الارتباكات في أجسامنا التي تطورت منذ آلاف السنين للاستجابة لمنبهات ضوء الشمس في النهار والظلام في الليل. تدعى هذه الاستجابة للضوء الطبيعي بدورة الساعة البيولوجية، تتأثر الساعة البيولوجية بشكل أساسي باستقبال الضوء، بالإضافة لدرجة الحرارة وغيرها من المحفزات التي تلعب أيضًا دورًا في هذه العملية.

توجد لدينا جميعًا ساعة طبيعية داخلية وهي جزء من الدماغ يسمى (ما تحت المهاد – hypothalamus) ومرتبطة بمستقبلات الضوء الموجودة في جميع أنحاء الجسم (مثل شبكية العين). هذه المستقبلات مسؤولة عن مزامنة الساعة الداخلية لدينا مع الضوء الذي نمتصه خلال اليوم. يعد فهم الدورة اليومية أمر ضروري، لأنه يؤثر على الجسم البشري ويؤثر على النوم والمزاج واليقظة والهضم والتحكم في درجة الحرارة وحتى عمليات تجديد الخلايا. تظهر الأبحاث أن وجود كمية كافية من الضوء يحسن مستويات الحالة المزاجية والطاقة، في حين أن الإضاءة السيئة تساهم في الاكتئاب وأوجه القصور الأخرى في الجسم. كما تؤثر كمية ونوع الإضاءة بشكل مباشر على التركيز والشهية والمزاج والعديد من جوانب الحياة اليومية.

ولكن كيف يمكن أن يكون لدينا دورة يومية صحية إذا قضينا معظم وقتنا في بيئات مغمورة بالضوء الصناعي؟ أو إذا كان آخر شيء نقوم به قبل النوم وأول شيء نفعله عندما نستيقظ هو فحص هواتفنا؟ كيف يمكن للمهندسين المعماريين استخدام الإضاءة لتعزيز الساعة البيولوجية الصحية، وبالتالي، جعل حياتنا صحية أكثر؟

يوصي الباحثون بمحاكاة دورات ضوء النهار الطبيعي باستخدام المصابيح الصناعية. حيث يُنصح باستخدام مصابيح أكثر إشراقًا وأقوى في الصباح وخلال النهار، في حين يُنصح باستخدام مصابيح خافتة لليل. يمكن أن تتسبب الإعدادات المعاكسة لذلك في إرباك إيقاع الساعة البيولوجية، أو تغيير مواعيد النوم لدينا، أو تؤدي إلى انخفاض طاقتنا طوال اليوم. أظهرت دراسة من جامعة تورنتو أهمية قوة الضوء في اتخاذ القرارات، حيث أظهرت أن الأضواء الساطعة تكثف من رد فعلنا العاطفي الأولي للمحفزات وأن آثاره يمكن أن تكون إيجابية وسلبية على حد سواء.

درجة حرارة الضوء

تؤثر درجة حرارة لون الضوء بشكل كبير على جسم الإنسان. وعادةً ما يتم تقديرها بالكلفن (K)، فكلما ارتفعت درجة حرارة الضوء، كان الضوء أكثر إشراقًا وبرودة ويميل للأزرق. في هذه الحالة، لا يشير “دافئ” و “بارد” إلى الحرارة المادية الفعلية للمصباح، ولكن إلى لون الضوء. الأنوار الدافئة تجعل البيئة تشعرك بمزيد من الترحيب والاسترخاء. في حين أن الأضواء الباردة تجعل البيئة أكثر تحفيزًا، فهي تجعلنا نشعر بمزيد من اليقظة والتركيز، ويمكن أن تزيد من مستويات الإنتاجية.

ويُعتقد أيضًا أن الضوء الأزرق يقلل من مستويات هرمون الميلاتونين المرتبط بالنوم، مما يجعلنا نشعر بمزيد من اليقظة. وتنبعث من خلال شاشات أجهزة الكمبيوتر والهاتف المحمول كثيرًا من الضوء الأزرق. بحيث يمكن لفحص البريد الإلكتروني الأخير قبل النوم أن يجعل نومنا أقل راحة. ولكن عند استخدام الضوء الأزرق البارد بذكاء، يمكن أن يكون مثاليًا للمساحات التي يحتاج فيها العقل إلى العمل بأقصى سرعة، مثل غرف الاجتماعات والمطابخ الصناعية وحتى المصانع، حيث يكون المتوقع التركيز العالي والانتباه.

تتوافق الإضاءات الصفراء مع فترة الغسق أو الفجر، وهي أوقات يكون فيها الجسم عمومًا أكثر استرخاءًا. هذا أمر منطقي، إذا اعتقدنا أنه حتى وقت قريب لم يكن يتعرض البشر لأضواء عالية الشدة في الليل، ولكن ببساطة كان الليل لضوء القمر والنار. ولذا تميل الإضاءة الضعيفة وغير المباشرة والدافئة إلى جعل البيئات أكثر هدوءًا وراحة. وعلى الرغم من أن ذلك قد لا يكون اختيارًا جيدًا لبيئة عمل تتطلب الكفاءة والإنتاجية، إلا أنه قد يكون مفيدًا جدًا لمطعم أو منطقة استراحة أو غرفة نوم.

الإضاءة الطبيعية

يتفق الخبراء على أن الاستفادة من أشعة الشمس أثناء النهار، وتجنب التعرض المباشر للضوء البارد أو الأزرق في وقت النوم. يمكن أن يحسن نوعية النوم ويؤثر إيجابًا على رفاهية الناس وإنتاجيتهم. وعلى الرغم من أنه من المستحيل التحكم في إضاءة جميع البيئات والفراغات التي نعيش بها، فإن إدراك تأثيرات الإضاءة على أجسامنا، يمكن أن يجعلنا نفكر مرتين في بعض الخيارات التي نتخذها بدون أي تردد، سواء كان ذلك شراء هذا المصباح الذي يوجد عليه تخفيض كبير، أو حتى مجرد التحقق من هاتفنا آخر مرة قبل النوم.

 

المصدر: مقال Eduardo Souza من موقع ArchDaily

الواجهات الذكية: كيف تتكيف المباني مع المناخ المحيط؟

الواجهات الذكية: كيف تتكيف المباني مع المناخ المحيط؟

الواجهات هي الحائل بين داخل وخارج المبنى. إنها الأجزاء الأكثر وضوحًا في المبنى، كما تحميه من العوامل الخارجية، وهي واحدة من المساهمين الرئيسيين في خلق بيئات داخلية مريحة حيث أنها مسئولة بشكل رئيسي عن الإكتساب والفقد الحراري تمامًا مثل بشرتنا، ذلك العضو الشديد التنوع في جسمنا. لذا من الطبيعي أن تكون الواجهات هي الجزء الذي يحمل تكنولوجيا قادرة على أن تجعل المبنى قابل للتكيف مع الظروف البيئية للمكان الذي يوجد فيه.

انتشر مصطلح الواجهات الذكية بشكل متزايد مؤخرًا. يمكن اعتبار الواجهة ذكية عندما تتكيف مع الظروف البيئية وتغير من نفسها وفقًا لذلك. ويحدث هذا من خلال مكوناتها -السلبية أو النشطة- والتي تتكيف مع الظروف المختلفة، وتستجيب للتغيرات التي تحدث في خارج وداخل المبنى. عندما يتعلق الأمر بالواجهات، ينصب التركيز الأساسي على معادلة تعظيم ضوء الشمس الطبيعي، والحماية من الإشعاع الشمسي، مع التحكم في التهوية وأكتساب/فقد الحرارة. ويمكن أن تحدث هذه التغيرات مثلا من خلال الزجاج والذي يمكن اعتباره ذكيًا عندما يتم تغيير خصائص مثل نفاذية الضوء للزجاج بسبب الجهد الكهربائي أو الضوء أو الحرارة، مما يتسبب في تغيير مظهره وبالتالي تغيير الشدة وكذلك بعض أطوال موجات الضوء الساقط عليه.
على الرغم أن العديد من الحلول المقدمة في موضوع الواجهات الذكية قد تبدو وكأنها خيال علمي، إلا أن هناك بالفعل خيارات متعددة متاحة في السوق للواجهات الذكية، مع وجود الزجاج الحديث الذي يتحكم في نفاذية الضوء، والشفافية، وظاهرة ذوبان الثلوج، لجعل المباني أكثر ذكاءً وتوافقًا مع البيئة. لقد اخترنا بعض حلول السوق الموجودة أدناه:

الزجاج الذي يغير مظهره عند وجود محفز

زجاج (SageGlass) وهو زجاج كهربي ذكي (Electrochromic) من شركة (Saint Gobain). فمن خلال تغير الإجهاد الموجود على اللوح الزجاجي فإنه من الممكن التحكم في لونه وبالتالي تغيير شدة الضوء والإشعاع فوق البنفسجي والأشعة تحت الحمراء التي تنتقل عبر هذه الألواح. أي أن هذا الزجاج الديناميكي يسمح لمستخدمي المبنى بالتحكم الفعال في الضوء الطبيعي واكتساب الحرارة الشمسية، مما يحسن الراحة ويقلل استهلاك الطاقة بشكل كبير. يتم تشغيل الزجاج الديناميكي بواسطة نظام تحكم ذكي يستخدم أجهزة استشعار لتلوين الزجاج تلقائيًا استجابة لظروف الإضاءة. ولكن يمكنك أيضًا التحكم في المظهر من هاتف محمول. من المهم أن نذكر أن الفائدة الرئيسية لذلك هي القدرة على الحفاظ على الاتصال البصري مع المنظر الخارجي من خلال الزجاج.

مع ذلك، يوجد حل آخر من سان جوبان ايضًا وهو (PRIVA-LITE)، وهو حل فريد في إدارة الفراغات من خلال التحكم الفوري في خصائص الزجاج (الشفافية والنفاذية الضوئية). إنه زجاج نشط يتحول باستخدام الكهرباء من زجاج معتم منفذ للضوء الى زجاج شفاف بدون تغيير نفاذية الضوء. وتتمثل فائدته الرئيسية بالتحديد في الحصول على الخصوصية مع الحفاظ على إمكانية دخول الضوء الطبيعي. كما يوفر الزجاج إمكانية إسقاط لمقاطع الفيديو والصور عليه، مما يحول الواجهة إلى شاشة عرض كبيرة.

الزجاج الذي يوفر الحرارة للفراغات الداخلية

زجاج (EGLAS) هو حل متكامل للتدفئة غير المرئية، والذي يسمح بمزيد من الراحة الداخلية، المرئية والحرارية. تم تطويره في عام 1986 في فنلندا، وبالطبع، مخصص للبلدان الأكثر برودة. إنه مصمم لتوفير الحرارة من الزجاج ويستند إلى عاملين: التيار الكهربائي وطبقة من أكاسيد المعادن. يتم تطبيقها على سطح واحد من الزجاج. اعتمادًا على نوع التطبيق والهيكل الزجاجي. وبالإضافة إلى المساعدة في تسخين الغرفة، فإنه يمكن أن يؤدي أيضًا وظائف مثل منع التكثيف أو حتى ذوبان الجليد.

الزجاج الذي ينظف نفسه

زجاج التنظيف الذاتي هو حقيقي وموجود بالفعل كذلك. حيث يتم تطبيق طبقة شفافة من المعادن المحبة للماء (hydrophilic) والحيوية ضوئيًا (photocatalytic) أثناء عملية التصنيع، مما يتيح للزجاج استخدام قوة الأشعة فوق البنفسجية الموجودة في ضوء الشمس، ومياه الأمطار للتحكم الفعال في الأوساخ التي تتراكم على السطح الخارجي للنوافذ. التعرض للأشعة فوق البنفسجية يؤدي إلى تحلل الأوساخ العضوية ويجعل سطح الزجاج محب للماء (hydrophilic). كما يشكل المطر أو الماء طبقة على الزجاج تعمل على غسله من الأوساخ العضوية والمعدنية. بالنسبة للواجهة، تتمثل الفائدة الرئيسية في الصيانة، حيث تتمثل الفكرة في خفض الحاجة إلى التنظيف إلى النصف، وتقليل تكلفة السقالات، والرافعات، أو جميع العمليات الخطيرة التي تتعلق بتنظيف واجهات المباني الشاهقة.

 

في النهاية، من المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من التقدم التكنولوجي فيما يتعلق بالواجهات، فإنه يمكن تحقيق الكثير من المكاسب من حيث الاستدامة من خلال التصميم الواعي واختيار المواد التي تناسب المناخ والبيئة. لذلك فاستخدام مزيج من الأنظمة والمواد التقليدية والذكية يمكن أن يعزز راحة المستخدمين وكفاءة المبنى.

 

المصدر: ArchDaily

إعلان قائمة الفائزين بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2019

إعلان قائمة الفائزين بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2019

تم الإعلان عن الفائزين الستة بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2019 يوم 29 أغسطس الماضي، بواسطة (إيرادا أيوبوفا – Irada Ayupova) وزير الثقافة بجمهورية تتارستان و(فاروق ديراخشاني – Farrokh Derakhshani) رئيس جائزة الآغا خان للعمارة. وذلك في مؤتمر صحفي عُقد بمدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان الروسية.

جائزة الآغا خان:

تهدف جائزة الآغاخان للعمارة، والتي أسسها سمو الآغاخان عام 1977، إلى تشجيع المشاريع التي تلبي بنجاح احتياجات وتطلعات المجتمعات التي يوجد بها حضور للمسلمين بشكل كبير. في الواقع، تذهب الجائزة للمشاريع التي تستجيب بشكل خاص لسياقها المحيط والاحتياجات الثقافية للسكان. يتقاسم الفائزون بالجائزة السنوية مبلغ مليون دولار أمريكي، والتي تعترف بجميع الأطراف المشاركة في أفكار وتصميم وتنفيذ المشروع المنفذ. علاوة على ذلك، لا تكافئ الجائزة المهندسين المعماريين فحسب، بل تعترف أيضًا بالبلديات والبنائين والعملاء والحرفيين والمهندسين الذين لعبوا أدوارًا مهمة في تنفيذ المشروع.

قائمة الفائزين بجائزة الآغا خان للعمارة لعام 2019:

البحرين: إعادة إحياء مدينة المحرّق.

بدأ مشروع إعادة إحياء مدينة المحرّق، الذي يسلط الضوء على تاريخ صيد اللؤلؤ في موقع التراث العالمي، لأول مرة كسلسلة من مشاريع الترميم وإعادة الاستخدام. ثم تطور المشروع ليصبح برنامجًا شاملاً يهدف إلى إعادة التوازن بين التركيبة السكانية للمدينة من خلال إنشاء مساحات عامة وتوفير أماكن اجتماعية وثقافية وتحسين البيئة العامة.

بنجلاديش: مشروع أركادیا التعليمي في جنوب كنارشور.

المشروع هو هيكل مديولي يضم فصول للحضانة وورشة للبالغين ومكتب، يقع بجانب موقع النهر والذي غالبا ما تغمره المياه لمدة خمسة أشهر كل عام. وبدلاً من التدخل في النظام الإيكولوجي وإنشاء تل مرتفع للبناء، ابتكر المهندس المعماري حل عن طريق منشأ برمائي يمكن أن يرتكز على الأرض أو يطفو على الماء، اعتمادًا على الظروف الموسمية.

فلسطين: المتحف الفلسطيني في بيرزيت.

المشروع الذي يتوج تلة مدرجات مطلة على البحر الأبيض المتوسط، حصل المشروع على شهادة اللييد ذهبية بسبب البناء المستدام. تم استيحاء الأشكال المتعرجة لكتلة المتحف والحدائق على التلال من المدرجات الزراعية الطبيعية المحيطة، مما يؤكد الارتباط بسياق الأرض والتراث الفلسطيني.

جمهورية تتارستان: برنامج تنمية الأماكن العامة.

وهو برنامج في جمهورية تتارستان قام حتى الآن بتحسين 328 مساحة عامة في جميع أنحاء تتارستان. سعى البرنامج الطموح لمواجهة الاتجاه نحو الملكية الخاصة من خلال إعادة تركيز الأولويات على المساحات العامة عالية الجودة لشعب تتارستان. وأصبح الآن نموذجًا في جميع أنحاء الاتحاد الروسي.

السنغال: مبنى محاضرات جامعة عليون ديوب في بامبي.

يقع المشروع في بامبي، حيث أدت ندرة الموارد إلى استخدام استراتيجيات المعالجات المناخية، وتتضمن مظلة سقف مزدوجة كبيرة وأعمال شبكية لتقليل تأثير الإشعاع الشمسي ولكنها تتيح تدفق الهواء من خلاله. ومن خلال استخدام تقنيات البناء المألوفة واتباع مبادئ الاستدامة، نجحت في تقليل التكاليف ومتطلبات الصيانة إلى الحد الأدنى، وذلك لم يؤثر على التعبير المعماري الجريء للمبنى.

الإمارات العربية المتحدة: مركز واسط للأراضي الرطبة بالشارقة.

المشروع عبارة عن تصميم قام بتحويل الأراضي القاحلة إلى أرض رطبة مرة أخرى، وعمل كمحفز للتنوع البيولوجي والتعليم البيئي. وبالإضافة الى استعادة الأرض لنظامها البيئي الأصلي، فقد ثبت أيضًا أنه مكان جاذب للزائرين للتعرف على بيئتهم الطبيعية.

المصادر

Aga Khan

ArchDaily

Exit mobile version