مدينة السلام؛ مدينة بغداد الدائرية

تتمتع بغداد ، عاصمة العراق ، بتاريخ ثري وتراث ثقافي عريق. ومن بين أكثر المدن الإسلامية القديمة شهرة هي مدينة بغداد الدائرية، والمعروفة أيضًا باسم مدينة السلام. بنيت في عهد الخلافة العباسية في القرن الثامن الميلادي ، وتعتبر من روائع العمارة الإسلامية. يستكشف هذا المقال تاريخ وتصميم وإرث مدينة بغداد المستديرة.

تاريخ مدينة بغداد الدائرية

تم بناء مدينة بغداد الدائرية، والمعروفة أيضًا باسم مدينة السلام ، في 762 من قبل الخليفة العباسي المنصور [1]. واكتمل بناؤها في عام 766م [7]. كانت المدينة الدائرية من روائع العمارة والهندسة الإسلامية ، حيث جمعت بين مبادئ التصميم الإسلامية التقليدية والتقنيات المبتكرة [5].

جعل الخليفة المنصور العمال يرسمون مخطط مدينته المستديرة على الأرض باستخدام الرماد تحت إشراف صارم. كانت الدائرة المثالية مستوحاة من التعاليم الهندسية لإقليدس ، التي درسها الخليفة وأعجب بها. ثم سار خلال هذا المسقط على مستوى الأرض ، وأشار إلى موافقته وأمر بوضع كرات قطنية منقوعة في النفثا (البترول السائل) على طول الحدود الخارجية وإشعال النار فيها لتحديد موضع الجدران الخارجية [7].

بناء مدينة بغداد الدائرية

ذُكِرَ أنّ القوة العاملة كانت ذات حجم هائل، حيث تم توظيف الآلاف من المهندسين والخبراء القانونيين والمساحين والنجارين والحدادين والحفارين والعمال من جميع أنحاء الدولة العباسية. أولاً، قاموا بمسح وقياس وحفر الأساسات. بعد ذلك ، قاموا ببناء أسوار المدينة الشبيهة بالقلعة باستخدام القرميد المشوي الذي كان دائمًا مادة البناء الرئيسية في سهول بلاد ما بين النهرين المغمورة بالنهر في غياب المقالع الحجرية ، وقُدِّر أن 100000 عاملٍ قد شارك بعمليّة البناء [7].

تصميم وتخطيط مدينة بغداد الدائرية

الشكل 1: رسم يوضح مدينة بغداد الدائرية مظهراً قصر الخليفة والقصور المحيطة به في المركز والشوارع المحيطة وأسماء البوابات الأربع

كانت مدينة بغداد الدائرية ذات قطر يساوي 2 كم تقريباً [7]. محاطة بسور ضخم تتخلله أربع بوابات تواجه الاتجاهات الرئيسية ، مزينة بأنماط هندسية معقدة ونقوش قرآنية [1]. وكانت الشوارع تؤدي من البوابات الأربعة إلى المناطق المركزية بينما تتركز أماكن المعيشة والمحلات التجارية في حلقة بين الجدار الخارجي للمدينة الذي كان محاطًا بخندق عميق وجدار دائري محصن ثانٍ [6].

فتحت بوابة الكوفة إلى الجنوب الغربي وبوابة البصرة إلى الجنوب الشرقي على قناة سارات – وهي جزء رئيسي من شبكة الممرات المائية التي جلبت مياه نهر الفرات إلى نهر دجلة وجعلت هذا الموقع جذابًا للغاية. بوابة الشام (السورية) إلى الشمال الغربي تؤدي إلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى الأنبار ، وعبر الصحراء إلى سوريا. وإلى الشمال الشرقي بوابة خراسان التي تقع بالقرب من نهر دجلة.

وكانت الطرق الأربعة المستقيمة التي تمتد باتجاه وسط المدينة من البوابات الخارجية محاطة على جانبيها أروقة مقببة تحتوي على متاجر وأسواق للتجار. كانت الشوارع الأصغر تسير خارج هذه الشرايين الأربعة الرئيسية ، مما يتيح الوصول إلى سلسلة من الساحات والمنازل ؛ استجابت المساحة المحدودة بين الجدار الرئيسي والجدار الداخلي لرغبة المنصور في الحفاظ على قلب المدينة كمنطقة محميّة مخصصة للخليفة [7].

مركز المدينة

تم تخصيص الهوامش الخارجية لقصور أبناء الخليفة ، ومنازل الموظفين والخدم الملكيين ، ومطابخ الخليفة ، وثكنات حرس الخيول ومكاتب الدولة الأخرى. كان المركز نفسه فارغًا باستثناء أرقى مبنيين في المدينة: المسجد الكبير وقصر الخليفة الذي كان يسمى قصر البوابة الذهبية [7]. كما كانت المدينة أيضًا موطنًا لبيت الحكمة، وهو مركز للتعلم والبحث في العالم الإسلامي [2].

نظام الري المبتكر لمدينة بغداد الدائرية

من أبرز سمات المدينة نظام توزيع المياه ، والذي كان ضروريًا لبقاء المدينة في المناخ الجاف لبلاد الرافدين [5]. حيث قام مهندسو المدينة ببناء شبكة واسعة من القنوات لجمع وتوزيع المياه في جميع أنحاء المدينة. كما أنشؤوا نظامًا من الأنفاق الجوفية التي سمحت بالنقل الفعال للمياه من نهر دجلة إلى ينابيع المدينة وحدائقها [2].

الشكل 2: موقع مدينة بغداد الدائرية على نهر دجلة وشبكة القنوات المائية التي كانت ترويها

موقع استراتيجي

كانت مدينة بغداد الدائرية تقع على موقع استراتيجي على طريق الحرير ، وهي شبكة من الطرق التجارية التي تربط الصين بالبحر الأبيض المتوسط. ونتيجة لذلك ، أصبحت بغداد مركزًا للتجارة الدولية ، وامتلأت أسواقها بالسلع من جميع أنحاء العالم [4].

نهاية مدينة بغداد الدائرية

تم تدمير مدينة بغداد المستديرة أثناء الغزو المغولي عام 1258 ولم تعد قائمة [4]. وتم هدم آخر آثار مدينة المنصور المستديرة في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر عندما قام مدحت باشا ، الحاكم العثماني الإصلاحي ، بهدم أسوار المدينة [7] ومع ذلك ، فإن إرثها لا يزال حياً في الروايات التاريخية والخرائط والرسومات المعمارية التي بقيت حتى يومنا هذا [6].

المصادر

  1. Dictionary of Islamic Architecture
  2. .themaparchive.com-plan-of-baghdad-city
  3. Baghdad during the Abbasid Caliphate (JSTOR)
  4. Baghdad – Britannica
  5. short-history.com/round-city-of-baghdad
  6. socks-studio.com/the-round-city-of-baghdad
  7. the birth of Baghdad was a landmark for world civilisation – The Guardian

الأبلق، أصله بيزنطي وتطوّر في العالم الإسلامي، فما هو؟

الأبلق مصطلح يستخدم لوصف تقنية في البناء تستخدم صفوف متناوبة من الحجارة الفاتحة والداكنة، وتختلف أنواع الحجارة المستخدمة فيه بين منطقة وأخرى، فهل ما يشاع عن أن هذه التقنية ذات أصل بيزنطي صحيح؟ أم أن أصلها وبدايتها كانت جنوب سورية أثناء الفترة الأيوبية؟ [1] وما أسباب استخدامها؟ وكيف تطورت؟

منشأ الأبلق وتطوره

تم تطوير استخدام الحجارة المتناوبة من قبل المهندسين الرومان، حيث استخدموا حجارة معشّقة (متداخلة) في بناء الأقواس والسواكف. والساكف هو جائز أو صف من الحجارة يوجد أعلى النوافذ والأبواب. وظيفة هذه التقنية، باهظة الثمن في زمانها، هو ربط ووصل الحجارة ببعضها البعض بشكل يحمي العنصر الإنشائي من التضرر في حال حدوث أية حركات أفقية أثناء الهزات الزلزالية. مما يمنع العناصر من الانزلاق إلى الأسفل بعد تغير قيم الضغط عليها بشكل سريع. وقد ساعد الأبلق في تلافي حدوث تلك المشكلات بأن تداخلت الحجارة المكونة للساكف. [2]

كما تم استخدام الأحجار المتداخلة في العديد من الكنائس البيزنطية والجدران القديمة التي كانت تبنى بحجارة منحوتة فاتحة وقرميد برتقالي اللون. [3] لكن تقنية الأبلق كما نعرفها في العمارة الإسلامية نشأت جنوب سوريا، حيث توجد حجارة البازلت والحجارة الكلسية بشكل طبيعي وبكميات متساوية. [1] ويمكن العثور على أمثلة لهذه التقنية في الفترة الفاطمية في عدة مباني منها بوابة القاهرة الفاطمية، باب الفتوح 1087 م. ومن ثم أصبحت هذه التقنية من السمات المميزة للعمارة الأيوبية في القرن الـ 12 ولاحقًا المملوكية في القرن الـ 13 الميلادي.

وقد تم استخدام هذه التقنية في ترميم الجدار الشمالي للجامع الأموي في دمشق عام 1109 م. [2] واستخدمت في مباني عديدة تعود لهذه الفترة، منها قلعة حلب، حيث يظهر استخدام الأبلق على جانبي بعض النوافذ.

الشكل 1: باب الفتوح في القاهرة ويظهر استخدام تقنية الأبلق والحجارة المعشقة في الساكف
الشكل 2: مدخل قلعة حلب

استخدام الأبلق في العمارة المملوكية

من المعروف أن استخدام الألوان من الخصائص المميزة للنمط المملوكي. حيث استخدم المماليك هذه الخاصية لإبراز السواكف والأقواس الموجودة في الواجهات. وفي فترة المماليك البحرية المبكرة تم استخدام حجارة معشّقة من لونين مختلفين. [4]

وفي عام 1206 م، أمر السلطان بيبرس ببناء قصر عرف باسم قصر الأبلق. وقد بني باستخدام صفوف من الحجارة الفاتحة والداكنة. ورغم أن المبنى لم يعد قائمًا اليوم، لكنه يدل على أن مصطلح الأبلق تم استخدامه لوصف الحجارة المبنية بهذا الشكل . وفي القرنين الـ 14 و15 الميلاديين، أصبحت تقنية الأبلق خاصية مميزة للعمارة المملوكية في سورية ومصر وفلسطين. وبحلول هذه الفترة، تم استخدام الحجارة ذات اللون الأحمر، فأصبحت بعض المباني مخططة بثلاثة ألوان: الأحمر، والأسود، والأبيض. [1]

الشكل 3: مدخل جامع السلطان حسن في القاهرة
الشكل 4: جامع قايتباي في القاهرة

الأبلق العثماني

إن الاختلاف الأكبر في استخدام تقية الأبلق بين النمطين العثماني والمملوكي هو أن استخدام المماليك لها كان مقتصرًا على الواجهات والأبواب والنوافذ. في حين أنها كانت تستخدم في الفترة العثمانية لتزيين المبنى كاملًا، مغطيةً الأرضيات أحيانًا. ويمكن رؤية ذلك في العديد من المباني التي تم بناؤها في الفترة العثمانية، مثل خان أسعد باشا وقصر العظم في دمشق، وجامع خالد بن الوليد في حمص. بالإضافة إلى العديد من الجوامع التي تم بناؤها في تركيا في تلك الفترة. [1]

الشكل 5: خان أسعد باشا في دمشق
الشكل 6: قصر العظم في دمشق
الشكل 7: جامع خالد بن الوليد في حمص
الشكل 8: جامع رستم باشا في تركيا

استخدامات مختلفة

نلاحظ أن استخدام الأبلق لم يقتصر على الجوامع والمباني المهمة كالقصور لكن يمكن العثور عليه أيضًا في العديد من المباني العامة كالحمامات، والمدارس، والأسواق المغلقة أو البازارات. وأكثر الأسباب منطقية لاستخدام هذه التقنية هو استخدام أقصى عدد ممكن من مواد البناء المتوفرة في المنطقة. أي استخدام نوعان من الحجارة بلونين مختلفين في أغلب الحالات. حيث ينتج عن استخدام هذه التقنية تأثير تزييني مميز، وفي نفس الوقت يعدّ استخدامها عمليًّا حيث يساعد على توفير مواد البناء. [3]

ومن المنطقي افتراض أن الأمثلة التي تعود للعمارة الغربية والتي تم استخدام هذه التقنية فيها قد اقتبست هذا النمط من النماذج التي اخترعها الرومان. ومن ثم تطوّرت في العالم الإسلامي وتم استيرادها من جديد إلى أوروبا عن طريق إسبانيا. طرق التجارة مع إيطاليا عبر بيزا والبندقية أو عن طريق الحملات الصليبية. [2]

المصادر

1 – DICTIONARY OF ISLAMIC ARCHITECTURE (archive.org)
2 – (PDF) A. Camiz, Morphology of Roman, Islamic and Medieval seismic design: pointed arch and ablaq | Alessandro Camiz, Ph.D. – Academia.edu
3 – Study – Ablaq – Stars in Symmetry (wordpress.com)
4 – (PDF) The Treatment of the Architectural Unit above Openings of the Mamluk and Ottoman Facades in Cairo (researchgate.net)

ما هي المقرنصات؟ وكيف ميزت العمارة الإسلامية عن غيرها؟

هل لاحظتَ يومًا مئذنة أو إفريزًا مزيّنًا بتشكيلات هندسية معقدة؟ وهل تساءلتَ عن اسم هذه العناصر، ومصدرها؟ إنها «المقرنصات -Muqarnas/Stalactite work/Honeycomb work » التي تعد من أبرز العناصر التي تميز العمارة الإسلامية، فمن أين نشأت المقرنصات؟ وكيف تم تكوين هذه التشكيلات المعقدة؟

متى وأين نشأت المقرنصات؟

يختلف الباحثون على الزمان والمكان المحددين لمنشأ المقرنصات. لكن الأكيد أنه بحلول القرن ال 12، أصبحت من الخصائص المميزة للعمارة الإسلامية عبر مناطق العالم الإسلامي المختلفة.

ونشأت العديد من النظريات حول مكان وزمان نشوء المقرنصات. حيث أشار عدد من الباحثين إلى أربع مناطق مختلفة يمكن أن تكون نقطة البداية لمنشئها. وهي بخارى في أوزبكستان الحالية، وسامراء في العراق، ومصر، والجزائر. [1]

بينما يرجع آخرون أصلها؛ وبالتحديد الوحدات المكونة لها (الحنيات) إلى الساسانيين في إيران. حيث تعد الحنيات نوعًا من الأقواس التي يتم استخدامها في زوايا المسقط المربع لتحويله إلى شكل مثمن ومن ثم إلى قبة دائرية. وقد تم استخدامها في معظم المباني التي تعود للفترة الساسانية في بلاد فارس منذ القرن ال3 الميلادي (حوالي 300 عام قبل الإسلام).

يمكن العثور على أمثلة لهذا النوع من القباب من هذه الفترة في القصور الفارسية التي تعود للفترة الساسانية. كتلك الموجودة في فيروز آباد وسارفيستان في إيران.

وقد بدأت مضاعفة الحنيات واستخدامها بشكل المقرنصات كما نعرفها بالانتشار في الدول الشرقية للعالم الإسلامي (العراق، سوريا، مصر) خلال القرن الـ11 الميلادي. [5]

الشكل 1: رسم منظوري من صنع الكاتب يوضح كيفية الانتقال من الشكل المربع إلى الشكل المثمن باستخدام الحنيات في المباني الساسانية

عنصر إنشائي

تعد المقرنصات، أو بالأحرى الحنيات المكونة لها عناصر دعم إنشائية للزوايا. فبما أن الزاوية تحتاج إلى دعم إضافي بسبب تركز الضغط عندها، يظهر لنا الابتكار الانشائي للمقرنصة. فهي تتحمل الوزن بشكل مباشر. وكلما ازدادت زخرفةً وزادت الطبقات المكونة لها، كلما ازداد الوزن والحمولات التي يمكن أن تحملها. حيث أن كل طبقة أو صفّ إضافي من المقرنصات يشكّل مساحة سطح أكبر بالنسبة للمنشأة. مما يزيد الدعم للهيكل الانشائي. كما تفيد الإمكانيات المتعددة لتشكيلها وتصميمها في إخفاء وظيفتها العملية.

بالنسبة للعمارة الغربية، فإن الشكل والوظيفة منفصلان عن بعضهما في أغلب الأحيان. وكثيراً ما تتم التضحية بأحدهما على حساب الآخر. لذلك تُظهِر المقرنصات تداخل التطبيقات العملية والاعتبارات الجمالية للعمارة الإسلامية. [6]

ما هي خصائص المقرنصات؟

هناك 4 خصائص تميّز المقرنصات من ناحية المظهر، وهي:

  1. أولًا: إنها ثلاثية الأبعاد، وبالتالي تعطي تكويناتٍ حجميّةً في المنشآت المبنية.
  2. ثانيًا: إن أحجامها قابلة للتغيير. مما سمح للمعماريين باستخدامها كعنصر إنشائي لتحمل الحمولات بالإضافة إلى استخدامها كعنصر جمالي.
  3. ثالثًا: ليست هناك معوقات إنشائية أو رياضيّة تحد من المقياس أو التكوين الذي يمكن لها تشكيله. لذلك فإن تعقيدها محدود فقط بمهارة البنّاء وإبداع المهندس المعماري المصمم لها.
  4. رابعًا: بسبب تنوع أحجامها، يمكن تحويلها من وحدات ثلاثية الأبعاد إلى شكل ثنائي الأبعاد عند إسقاطها على مستوي أفقي.[6]

قد تبدو المقرنصات شديدة التعقيد، إلا أنه يمكن ملاحظة تمتعها بانتظام هندسي عند إسقاطها على مستوى أفقي تتم رؤيته من الأعلى. [3]

يظهر لنا الشكل 2 أربع أنواع رئيسية:

الشكل 2: الأنواع الرئيسية للمقرنصات، ويظهر لكل نوع مسقط (يسار) ورسم منظوري (يمين) [3]

تتنوع أبعاد العناصر المكونة للمقرنصات. فقد تتراوح من عدة سنتيمترات (كما هي الحالة في المغرب) إلى عدة أمتار (كما في المسجد الجامع في أصفهان-إيران).

ويعتمد حجمها على عاملين رئيسيين هما مواد البناء والمنطقة. فمواد البناء تتغير بتغير الإقليم في العالم الإسلامي. ففي سوريا ومصر وتركيا، يتم بناءها باستخدام الحجارة، وهي مواد البناء المحلية الرئيسية في هذه الدول. وفي شمال إفريقيا، تبنى بالجص والخشب. أما في إيران والعراق، فيتم بناؤها بالقرميد، وقد تغطى بالجص أو بالخزف. [1]

المقرنصات كعنصر تزييني جمالي ذو استخدامات متعددة

مع الوقت، ومع تطوّر العمارة، بدأ استخدام المقرنصات كعنصر تجميلي للزينة بالإضافة إلى استخدامها كعنصر إنشائي حامل. [1] حيث وصلت إلى أوج تطورها في القرنين 14 و15م. عندما أصبحت العنصر التزييني الشائع استخدامه أعلى الأبواب والمحاريب. وفي الأطناف أسفل الكورنيشات في المباني المختلفة وتحت شرفات المآذن. [3] كما تم استخدامها أعلى تيجان الأعمدة في الجوامع. [5]

الشكل 3: مجمع السلطان حسن في القاهرة ونلاحظ استخدام المقرنصات في الكورنيشات وشرفات المآذن وأعلى النوافذ

في حين أن أهم سبب لزخرفة المقرنصات في المباني هو زيادة جمال المبنى. فإن السبب الآخر هو إظهار الثراء من خلال زيادة تعقيد شكل المبنى. ومن الأمثلة على ذلك استخدام المقرنصات المغطاة بالخزف في إيران.

وفي الفترة العثمانية تم استخدام المقرنصات في شرفات المآذن وتيجان الأعمدة، إلخ. وبالإضافة إلى ذلك، تم تلوين الأشكال والعناصر المكونة لها بألوان مثل الأزرق والذهبي تبعًا لمكانها في الفراغ. كما يمكن رؤية تزيينها أسفل القباب والزوايا في مساحات صغيرة في المباني الإيرانية والعراقية والتركية وذلك لتزيين نقاط الانتقال، كما في الأعمدة التي تحمل القباب. وجعلها أكثر جاذبية للنظر، بالإضافة إلى استخدامها كعناصر حاملة في المبنى.[2]

الشكل 4: المقرنصات في قصر الحمراء في غرناطة

ومن الابتكارات الفريدة الخاصة بالعمارة الإسلامية التي ظهرت في القرن الحادي عشر بعد وقت قصير من انتشار المقرنصات في العالم الإسلامي (حوالي 1050-1075م) هي القباب المقرنصة. وهي قباب مخروطية الشكل تتألف من عدة طبقات من المقرنصات تعلوها قبة صغيرة. [7]

أحد أبرز الأمثلة على هذا النوع من القباب هو ضريح/تربة زمرد خاتون والدة الخليفة العباسي الناصر لدين الله. ويتميز الضريح بمسقط مثمن تعلوه تسع طبقات تتخللها عدة نوافذ وتعلوها قبة صغيرة. [8]

الشكل 5: تربة زمرد خاتون من الخارج (يسار) والقبة المقرنصة من الداخل (يمين) وتظهر في الشكل النوافذ التي تتخلل طبقات القبة

تعد المقرنصات شاهدًا على براعة الإنشاء والدقة الهندسية في العمارة الإسلامية عبر العصور بأشكالها واستخداماتها المختلفة. وأصبحت خلال قرون عدّة من أهم الخصائص التي تميز العمارة الإسلامية وحدها رغم محاولات إعادة استخدامها من قبل العديد من الأطراف.

المصادر:

Elements of Muqarnas in the Islamic World: Academia.edu
Muqarnas: Academia.edu
The use of Muqarnas in the transitional zone of domes in Egyptian Islamic Architecture: Academia.edu
Britannica.com
Stalactites – jeasonline.org
Encyclopedia.com
Jstor.org
Archnet.org

برج إيفل وكل ما تحتاج معرفته عنه

برج إيفل وكل ما تحتاج معرفته عنه

يمثل برج إيفل (Eiffel Tower – La Tour Eiffel) أحد أشهر المعالم السياحية في فرنسا والعالم. تربع لمدة أربعين عاماً على عرش أطول برج في العالم، ومنذ افتتاحه في عام 1889، لاقى نجاحاً منقطع النظير رغم كل الاعتراضات التي واجهت فكرة بنائه.

أين يقع برج إيفل؟

يا لسهولة هذا السؤال! ومن لا يعرف أن برج إيفل هو أبرز المعالم الفرنسية، والباريسية على وجه الخصوص؟ لكننا سنقرب عدسة الكاميرا أكثر لنتعرف على موقع هذا المَعلَم بالتحديد، ونلقي نظرة على المنطقة المحيطة به.

في الدائرة السابعة شمال غرب العاصمة الفرنسية، وعلى ضفة نهر السين (Seine)، ينتصب هذا البرج الذي كان فيما مضى أطول برج في العالم. تحيط به حدائق شامب دو مارس (Champ de Mars)، وتقابله على الضفة الأخرى للسين ساحة تروكاديرو (Trocadéro) التي تعد منطقة مميزة لالتقاط صور للبرج [1].

تاريخ برج إيفل

السبب وراء بنائه

عمل المهندس الفرنسي غوستاف إيفل (Gustave Eiffel) على تشييد البرج ليكون جزءاً من المعرض العالمي (Exposition Universelle) العاشر في باريس في عام 1889. وكان هذا العام يمثل الذكرى المئوية الأولى للثورة الفرنسية. ولهذه المناسبة، تم الإعلان في عام 1886 عن مسابقة تخص المعرض لتشييد برج حديدي بارتفاع 300 متر. وقد اختير مشروع غوستاف إيفل من بين 107 مشروعات أخرى. وعمل على تصميمه كل من المهندسين موريس كويشلين (Maurice Koechlin)، وإميل نوغوير (Emile Nouguier)، وستيفن سوفيستر (Stephen Sauvestre) الذين كانوا يعملون لدى شركة إيفل [2].

بدأت عملية التشييد في 1887 وانتهت في 1889. وعلى وجده الدقة، استمرت لمدة عامين وشهرين وخمسة أيام، وهذا ما عدَّ آنذاك إنجازاً معمارياً مهماً. أطلق على البرج بداية الأمر اسم “برج 300 متر”، واقد افتُتح رسمياً في 15 أيار/مايو من عام 1889، أول أيام المعرض. ولكن سرعان ما أصبح معروفاً باسم بانيه [2] [3].

في ذلك العام، استقبل المعرض العالمي ملايين الزوار. وكان عدد كبيرٌ منهم، تحديداً 1,953,122، قد أتوا لرؤية برج إيفل. وفي أول أسبوع له، وحتى قبل أن يتم تفعيل المصاعد، تسلق حوالي 30,000 زائراً إلى قمة البرج، باستخدام السلم الذي يتألف من 1,710 درجة. لقد كانت رؤية باريس من قمة أعلى برج في العالم أمراً مذهلاً في ذاك الوقت، ولم يمنع الارتفاع الشاهق أولئك الزوار من خوض هذه التجربة الفريدة [4].

المعرض العالمي في عام 1889

أعمال غوستاف إيفل

كانت شركة غوستاف إيفل مختصة ببناء الهياكل والأطر المعدنية، ويعود له الفضل في إنشاء العديد من الأعمال في أوروبا. ونذكر على سبيل المثال جسر غارابيت في فرنسا، ومحطة قطار بودابست في هنغاريا. ولكنه تجاوز حدود القارة الأوروبية ووصل إلى أمريكا. فقد شيد الهيكل المعدني لأحد أشهر النصب في العالم، وهو تمثال الحرية في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية [5].

إذاً، تحيط ببرج إيفل معالم مميزة على عدة أصعدة، منها جغرافياً أي في نفس المنطقة المحيطة به، ومنها تاريخياً أي في فترات زمنية متقاربة. كما لا تخفى عبقرية صانعه على أحدٍ، مع كل المنشآت التي شيدها والإنجازات التي حققها. وتكمن أهمية برد إيفل أنه بات رمزاً للمهارة التقنية، وتمثيلاً للهندسة الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر، وصرحاً مميزاً للحقبة الصناعية. ولكن عند بنائه، كان من المقصود له أن يبقى مشيداً لمدة 20 عاماً فقط. إلا أن التجارب العلمية التي شجعها أطالت بعمره وجعلت له أهمية كبيرة تفوق مجال الجذب السياحي [6].

موقف الفن من الصرح المعماري

احتجاجات الفنانين على بناء برج إيفل

قبل تشييده، لم يلق برج إيفل شعبية كبيرة في المجتمع الفني. إذ إن برجاً حديدياً بارتفاع 300 متر لم يكن ليُعتبر فناً بالأصل، فهو نتيجة عمل مهندسين ومعماريين.

في 14 من شهر شباط/فبراير من عام 1887، وبعد أن بدأ تشييد البرج بالفعل عقب توقيع المهندس إيفل على اتفاقية مع الدولة ومدينة باريس مُنح بموجبها حقوق الموقع لمدة عشرين عاماً. وعندها، اشتعلت احتجاجات مجموعة من الفنانين على الصفحات الأولى لصحيفة “لو تيمبس” (Le Temps) التي كانت من أشهر الصحف آنذاك. وكان من ضمن الأربعين فناناً الذين وقعوا على الاحتجاج المؤلف الموسيقي شارل جونو (Charles Gounod)، والكاتب غي دو موباسان (Guy de Maupassant)، والفنانون ويليام بوغيرو (William Bouguereau) وإرنست ميسونييه (Ernest Meissonier). وحتى المهندس المعماري تشارلز غارنييه (Charles Garnier) الذي صمم أوبرا باريس اشترك بالاحتجاجات التي كانت تدافع عن “جمال مدينة باريس” [7].

وقد تمثلت المخاوف من أن يلوث تشييد هذا البرج “عديم الفائدة” – على حد تعبيرهم – قلب العاصمة، ويهدد تاريخها وفنها. وقد ذهبوا إلى حد الهجوم على المهندس إيفل ووصفه “بباني الآلات”، واتهام مشروعه بأنه سيجلب العار لمدينة باريس التي تخاطر بالتخلي عن جمالها مقابل قبحٍ لا يمكن إصلاحه. من ضمن احتجاجهم، شبّه أولئك الفنانون برج إيفل بمدخنة مصنع سوداء عملاقة تمتد على كامل المدينة مثل “بقعة حبر سوداء” [7].

كيف رد غوستاف إيفل؟

لم تكن آراء الفنانين المعارضة لتحبط من عزيمة المهندس إيفل. بل واجه احتجاجهم بالتأكيد على جمالية البرج. وذهب إلى مقارنته مع أهرامات مصر التي – إذا جردناها من قيمتها الفنية والتاريخية – تستحيل إلى كتل صناعية من التراب. وبهذا كان إيفل يحاول جذب الانتباه إلى الطبيعة المميزة لتصميم برجه. ساعد الدعم الرسمي الذي تلقاه المشروع في إكمال العمل بع رغم كل التحديات، ولم يخيب البرج أمل أحدٍ. بل أصبح بعد إتمامه رمزاً للتقدم التقني والصناعة، وإحدى علامات باريس المميزة التي تحمل عناصر جمالية جديدة [7].

تشييد البرج

عمل على تصميم البرج 50 مهندساً ومصمماً بالمجمل. وفي مرحلة البناء، بلغ عدد العمال المتواجدين في المصنع في بلدة لوفالوا-بيري 150، مقابل 150-300 عاملاً في موقع التشييد. استُخدم لبناء البرج 18,038 قطعةً معدنيةً و2,500,000 مسمار تثبيت (برشام). وقد بلغ وزن الحديد المستخدم 7,300 طن متري، واستهلك 60 طن متري من الطلاء [2].

تتركز قوائم البرج في قاعدة إسمنتية بعمق بضعة أمتار تحت مستوى الأرض. واستُخدم القيسون المنيع للماء في الأساسات من جهة نهر السين كي يتمكن العمال من العمل تحت مستوى الماء [2].

اختيار مادة البناء

اختار السيد إيفل لبناء برجه الحديد المطاوع المصهور في فرن التسويط (puddling iron) بدلاً من الاعتماد على الحجر كما كان حال الأبنية حتى منتصف القرن التاسع عشر. ويعود سبب الابتعاد عن الحجر إلى طول البناء الشاهق آنذاك، والذي كان سيجعل من استخدام الحجر أحد عوامل الخطورة. فكلما زاد الارتفاع، زاد وزن البناء معه. وستكون الأجزاء السفلية هي التي تحمل الأجزاء العلوية وتدعمها لدرجة قد تؤدي إلى التصدع وانهيار البناء [8].

في ذلك الوقت، كانت المعادن من المواد حديثة العهد في عمليات البناء والتشييد، إذ إن دراسة علم المعادن واستخدامها في الصناعة كانت في بداياتها. وكانت الاكتشافات الجديدة هي الطريقة المعتمدة لإثبات إمكانية استخدام المعادن في عمليات البناء [8].

لم يقع الاختيار على الفولاذ لأنه قاسٍ جداً بالنسبة لهيكل البرج الذي يتطلب المرونة بقدر ما يتطلب المقاومة. كما أن عملية تصنيع الفولاذ كانت باهظة في ذاك الوقت. ولم يصبح الفولاذ متوفراً للاستخدام إلى في القرن العشرين مع إدخال طرق الإنتاج الحديثة. ولذا كان لابد من الاعتماد على الحديد الذي تناسب خواصه من مرونة ومقاومة مشروع البرج. ومع أن إيفل كان يستخدم الحديد الصب في مشاريع الجسور الحديدية، كان قد درس الحديد المطاوع الناتج عن الصهر. ووقع اختياره عليه في بناء برجه ذي الـ 300 متر بسبب مقاومته بالمرتبة الأولى. كما أن خفة وزنه مقارنة بمواد البناء الأخرى تجعل بالإمكان تخفيف الدعائم في القاعدة [8].

ولكن كأغلب أنواع المعادن، يتعرض هذا الحديد للتمدد الحراري، أي تتغير أبعاده مع تغير درجات الحرارة. ويبلغ مقدار التمدد/التقلص 15 سم بين أكثر الأيام حرارة وأكثرها برودة [9].

طلاء برج إيفل

تساعد طبقات الطلاء المتعددة على حماية برج إيفل من التأكسد. وكان غوستاف إيفل قد أكد على أهمية الطلاء في كتابه “برج الـ 300 مترٍ” حيث ذكر أن الطلاء هو مادة جوهرية في الحفاظ على المعادن. وكلما كانت عملية الطلاء أكثر دقة، كلما زادت مدة بقاء البرج [10].

منذ إنشائه، أعيد طلاء البرج 19 مرة، بمتوسط مرة كل سبع سنوات. وقد اكتسى العديد من الألوان المختلف، من البني المحمر مروراً بالأصفر المائل إلى البني الفاتح والبني الكستنائي والبرونزي حالياً. كما أن اللون يكون أغمق في الأعلى لضمان أن يبدو البرج بلون واحد حتى الأعلى حيث تظهر سماء باريس خلفه [10].

يتم طلاء البرج بالطريقة التقليدية. حيث يستخدم العمال الطرق اليدوية التي كانت مستخدمة في زمن غوستاف إيفل. في البداية يقشرون طبقات الطلاء القديم الأكثر تآكلاً، ثم ينظفون مكانها، ويضعون مادة مضادة للصدأ، وبعدها تتم عملية الطلاء. تستمر عملية الطلاء لمدة تتراوح بين عام ونصف وأكثر من ثلاث سنوات أحياناً. إذ تؤخذ عوامل الطقس بعين الاعتبار. حيث يستحيل العمل في الأجواء شديدة البرودة، كما أن الطلاء لا يلتصق عندما يكون المعدن رطباً [10].

ما هو مصدر الحديد المستخدم في بناء برج إيفل؟

يواجه صانع برج إيفل اتهاماتٍ بسرقة الحديد المستخدم في الإنشاء من الجزائر، وتحديداً من منجمي زكار والروينة. ولكن لا يوجد دليل قاطع على هذا، ولذلك يبقى مصدر الحديد محل جدال. فحسب الموقع الرسمي لبرج إيفل، تم جلب حديد البناء من منطقة تعدين موجودة فيما هو الآن إقليم مورت وموزيل (Meurthe-et-Moselle). كما رد المؤرخ والباحث الجزائري محمد الصالح بوقشور على هذه الاتهامات ونفاها. حيث يشير إلى أن استثمار المنجمين المذكورين لم يبدأ حتى أعوام 1904 و1906 على الترتيب، في حين انتهى بناء البرج في عام 1889. كما يضيف أن شركة “مقطع الحديد” هي التي كانت تعمل في الجزائر في وقت إنشاء البرج، لكن لم يكن لديها ترخيص للعمل في هذين المنجمين. لذلك لا توجد أدلة كافية على أن حديد البرج قد سرق من الجزائر. لكن تبقى هذه الاتهامات نقطة غامضة في قصة بناء أحد أشهر الأبراج في العالم [8] [11].

أقسام برج إيفل

المصاعد

تضم المصاعد التي تعمل حالياً على برج إيفل اثنين من المصاعد الأصلية. وكان بناء المصعد في ذاك الوقت يعتبر إنجازاً كبيراً، خاصة وأن ارتفاعاً كهذا لم يكن له مثيل. ولكي يكون العمل متكاملاً، وضعت خمس مصاعد هيدروليكية على كل من الأعمدة الشمالي والجنوبي والشرقي والغربي، إضافة إلى مصعد هيدروليكي أيضاً بين الطابق الثاني والثالث. وقد سمحت هذه المصاعد للزوار أن يعيشوا تجربة البرج بالكامل ويتمتعوا بمنظر مدينة باريس [12].

المطاعم

ليس هذا فحسب، بل عند افتتاحه في عام 1889، كان البرج يضم أربعة مطاعم فخمة في الطابق الأول، يتسع واحدها لـ 500 شخص. طرأت عدة تعديلات على هذه المطاعم منذ إنشائها، والآن يعتبر مطعم جول فيرن في الطابق الثاني من أهم الوجهات لمحبي تذوق الطعام في باريس [13].

المختبر

ولكن الجزء الأهم الذي حافظ على بقاء البرج كل هذا الوقت هو المختبر العلمي الذي بناه إيفل. فقد كان الاتفاق أن يتم هدم البرج بعد عشرين عاماً، لكن التجارب العلمية التي قامت فيه كانت كفيلة بإطالة عمر بقائه. كان للمهندس إيفل مكتب في الطابق الثالث يقوم فيه بعمليات مراقبةٍ فلكية وفيزيولوجية. كما سمح للقيام بعدد من التجارب العلمية في مجال الأرصاد الجوية والفيزياء ومقاومة الهواء. في النهاية، نجح إيفل في إبقاء برجه قائماً بعد أن جعل منه لاقطاً هوائياً ضخماً للبث اللاسلكي، وسخره لأغراض الهندسة العسكرية. وبالفعل، كان لمحطة الإبراق اللاسلكي أو الإبراق عن طريق الراديو في البرج دور كبير في كشف العديد من مراسلات الأعداء في الحرب العالمية الأولى [14].

شروط زيارة البرج

والآن لنذهب بزيارة إلى البرج. يجب الانتباه إلى أن الحجز المسبق إلكترونياً يسمح بتجنب الطوابير الطويلة أمام مكتب الحجز. تتفاوت أسعار البطاقات حسب عمر الزائر وحسب الطابق الذي يرغب في زياراته، كما يختلف السعر باختلاف طريقة الصعود إن كانت على السلم أو باستخدام المصعد.

يمكن الصعود للطابق الثاني بإحدى الطريقتين، ولكن لا يمكن الوصول لقمة البرج دون استخدام المصعد، إما من الأرض، أو من الطابق الثاني. بالنسبة للأعمار، يعد الأطفال الصغار دون الرابعة من العمر الفئة الأكثر حظاً لأن بطاقات دخولهم للبرج مجانية. أما إذا كان مع الزوار حيوانات أليفة، فيمنع دخولها منعاً باتاً باستثناء الكلاب المرافقة للعميان. ويمنع أيضاً اصطحاب الحقائب الثقيلة إلى الداخل، في حين قد تجري مراقبة محتوى الحقائب والطرود والأمتعة التي تبقى مع أصحابها [15].

ولنختم بهذا الانفوجراف المبسط عن سبب بناء برج إيفل ومعلومات أخرى عنه.

معلومات عن برج إيفل

اقرأ أيضاً: تاريخ ناطحات السحاب

المصادر

  1. Landmarks of the World
  2. History of the Tower
  3. Eiffel Tower
  4. Universal Exhibition
  5. Gustave Eiffel
  6. Key Figures about the Tower
  7. The Artists
  8. Choice of Iron
  9. Purdue University
  10. Painting the Tower
  11. الجزيرة
  12. Lifts
  13. Restaurants
  14. Laboratory
  15. Prices & Timing

تاريخ ناطحات السحاب: كيف ظهرت شواهد المدن الحديثة؟

تعتبر ناطحات السحاب اليوم واجهات المدن الحديثة والعمران الإنساني. إذ تأسر الأنظار بارتفاعاتها الشاهقة وأضوائها الباهرة. لكن هذا النوع من البناء يعتبر حديثًا جدًا، واحتاج إلى العديد من التطورات والاختراعات ليتمكن من الانتشار كما هو الآن.

البناء الرأسي في التاريخ

كان العمران على مدار التاريخ محكومًا بالتقنيات المتوفرة والمواد المتاحة جغرافيًا، كما أن الحاجات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية كانت تلعب دورًا مهمًا في البناء والتخطيط. ولذلك لم يكن هناك حاجة كبيرة تاريخيًا للبناء بشكلٍ رأسي نحو الأعلى، إلا في حالات نادرة محكومة أيضًا بالقدرات التقنية والإدارية والموارد المتاحة لدى المجتمعات.

تعود أوائل المنشآت البشرية الرأسية لحقب ما قبل التاريخ وكانت تستعمل كشواهد على طرق الهجرة والرعي وكانت عبارة عن أحجار طويلة يتم رفعها. ومع نشوء المدن في التاريخ وظهور الديانات المنظمة والامبراطوريات بدأت المباني الشاهقة كالمعابد والقصور في الظهور في الحضارات الكبيرة. لعل أبرز الأمثلة على هذا هي أهرامات بلاد الرافدين المدرجة أو أهرامات الجيزة بمصر. ظل الهرم الأكبر في مصر أعلى مباني العالم ارتفاعًا لآلاف السنوات، بارتفاع يقترب من الـ147 مترًا شاهدًا على قدرة المصريين القدماء الهندسية والإدارية.

في الصين وشرق آسيا ظهرت الباغودا «Pagoda» كنمط معماري متعدد الطوابق يستعمل عادة للطقوس الدينية، لكنها كانت في العادة مبنية من الخشب أو الحجارة والطوب. وبحلول القرن السابع الميلادي كان هناك انتشار لباغودات حديدية لكنها كانت مكلفة ناهيك عن صعوبة تصنيع الحديد بجودة عالية في تلك الفترة. كما أن استعمالها لم يتغير كثيرًا كما لم يتغير تخطيطها الداخلي أيضًا.

الشرق والغرب: المآذن والهندسة الإسلامية

في الحضارة الإسلامية تعدّ المئذنة أكثر الأنماط المعمارية شهرة، وقد تعددت أشكالها حسب النطاق الجغرافي الذي وجدت فيه. بشكلٍ عام لم تظهر المئذنة كمكوّن رئيس في المساجد سوى في العهد الأموي وبعد انتقال الإسلام إلى الحضارات المفتوحة واختلاطه بها. وقد استعار المسلمون العديد من تقينات ومعارف البناء وطوروها. فنجد على سبيل المثال أن المآذن في العراق قديمًا تشبه إلى حدٍ ما الأهرامات المدرجة. مع الوقت طوّر المسلمون وسائل هندسية مثل القباب والأقواس والأعمدة التي ساعدتهم على بناء منشآت أعلى، والتي نراها في المساجد القديمة كالسلطان أحمد في اسطنبول أو الحمراء بغرناطة.

المئذنة الملوية بسامراء

لكن هذا التبادل المعرفي العمراني سار أيضًا في الاتجاه المعاكس، فحسب الكاتبة والمؤرخة المعمارية «ديانا دارك»، فإن النمط المعماري الأوروبي المعروف بالنمط القوطي «Gothic» متأثر بشكل مباشر بالعمارة والهندسة الإسلامية . بل إن بعض المهندسين والمعماريين قبالة عصر النهضة قد تلقوا معرفة معمارية وهندسية من المسلمين واستعملوها لتطوير المعرفة البنائية لديهم، مثل المعماري الشهير «برونيلسكي» في تصميمه وبناءه لكاتدرائية فلورنسا.[1]

مساجد السليمانية للمعماري العثماني معمار سنان، وتظهر المعرفة الهندسية باستعمال القباب والأقواس للبناء عاليًا.

أبراج خشبية، وشواهد حديدية

في القرن الرابع عشر بدأت أبراج الكنائس في أوروبا بتعدي ارتفاع الهرم الأكبر. كاتدرائية لنكولن في انجلترا قد تكون وصلت إلى ارتفاع 160 مترًا عام 1311، ولكن برجها الخشبي انهار أثناء عاصفة عنيفة في فترة حكم إدوارد السادس. وبعد انهياره ظل لقب أعلى منشآت العالم في حيازة أبراج كنائس أوروبية متعددة، مثل كنيسة القديسة ماري في ستراسبورغ، وانتهاءً بكاتدرائية كولون الالمانية التي انتهى العمل عليها عام 1880، قبل أن تخسر لقب أعلى مبنى في العالم لنصب واشنطن في أمريكا.

رسم لكاتدرائية لنكولن بانجلترا قبل احتراق برجها الخشبي
نصب واشنطن، بارتفاع 168 مترًا

كان برج ايفل (بارتفاع 300 متر) محطة فاصلة في تاريخ الإنشاءات وبالأخص إنشاءات ناطحات السحاب لاستعماله هيكلًا حديديًا يحمل وزنه. استخدام هيكل حديدي أو فولاذي لحمل أوزان وأحمال المبنى صفة هندسية مركزية لناطحات السحاب.

يعرّف بروفيسور الاقتصاد بجامعة هارفارد والمهتم بالاقتصاد الحضري «إدوارد غليزر» ناطحة السحاب بأنها “مبنى “طويل”، مكوّن من 10 طوابق على الأقل، ومزود بمصاعد وذو هيكلٍ معدني أو حديدي”. هذا التعريف يبيّن أن نشوء ناطحة السحاب اعتمد بشكلٍ أساسي على تقنيتين ناشئتين من القرن التاسع عشر: انتاج الحديد والصلب بجودة عالية، والمصاعد الآمنة.[2]

الحديد والصلب: مفتاح الإنشاءات المرتفعة

قبل الثورة الصناعية، كان انتاج الحديد والصلب مكلفًا وغير متساوٍ في الجودة. في الواقع، فإن أحد دوافع «جيمز واط» لتصنيع محركات البخار في مدينة برمنغهام بدلًا من موطنه في غلاسغو، هو جودة الحديد والصلب المنتج في المدينة والذي أنتجته مصانع «جون ولكنسون – John Wilkinson». كان لولكنسون أيضًا دور في بناء أول جسر حديدي في العالم عبر نهر السيفرن عام 1775.

في عام 1797 انتهى العمل على أول مبنىً ذي هيكلٍ حديدي في العالم، وهو مطحنة ديثرنغتون للكتان «Ditherington Flax Mill»، ورغم أنها لم تتجاوز الخمس طوابق إلا أنها تعتبر النواة الأولى لناطحات السحاب الحديثة.

«Ditherington Flax Mill»

نوافذ وتجارة!

الإطار الحديدي للمباني يعني أن وزن المبنى لا يُحمل بواسطة الجدران بل بواسطة الهيكل. تصبح الواجهة حينئذ شبه معلقة على هذا الهيكل. ولذلك، في حين احتاج إنشاء المباني تقليديًا إلى جدران بالغة السماكة او إلى دعامات، سمحت الهياكل الحديدة ببناء جدران أنحف أو حتى زجاجية. ولهذا السبب صارت المباني ذات الهياكل الحديدية مفضلة للأنشطة التي تحتاج إلى إضاءة جيدة.

أدرك «ألكساندر ستيورات – Alexander Turney Stewart» -أحد أنجح التجار ورواد الأعمال في نيويورك في القرن التاسع عشر-، أن عرض البضائع على نوافذ الأدوار الأرضية لمتاجره سيجذب المشاة الكثر في شوارع نيويورك إليها. وهكذا صمم “قصر الرخام” الخاص به عام 1848 بنوافذ كبيرة مطلة على الشوارع. بالطبع جعلت النوافذ الكبيرة الدور الأرضي ضعيفًا، لكن المبنى كان مستندًا على أعمدة حديدية لحمل وزنه.

قصر الرخام لرجل الأعمال أليكساندر ستوارت، أول مبنى يوظف نوافذ الطابق الأرضي لعرض البضائع

كان استعمال زجاج في المباني فتحًا هندسيًا إن جاز لنا التعبير، وكان من أوائل المنشآت التي استعملت الزجاج بوفرة هو قاعة لندن الكبرى للمعارض عام 1851، والتي صممها المهندس «جوزيف باكستون – Joseph Paxton». أنشئت هذه القاعة العملاقة بأكثر من 4000 طنٍ من الحديد وأكثر من 84 ألف مترٍ مربع من الزجاج، وتعتبر أحد أسلاف ناطحات السحاب الحديثة.

معرض لندن الكبير

المصاعد: كلمة السر لرواج المرتفعات

عام 1854، وقف «إليشا اوتيس – Elijah Otis» ليقدم عرضًا لزوار معرض نيويورك. لقد وقف على منصة مرتفعة وأمر بقطع الحبل الذي يمسكها، ليتوقف سقوطه مباشرة باستعمال آلية السلامة التي صممها بنفسها. ومنذ ذلك الحين سمحت مصاعد أوتيس بالحركة رأسيًا بشكل آمن، وبدأت الأبراج العالية في الظهور مستعملة تقنية المصاعد. ففي حين كانت الأدوار المرتفعة قديمًا غير محببة ورخيصة لمشقة صعود السلالم العالية، فقد جعلت المصاعد من الأدوار المرتفعة رفاهية ورفعت من قيمتها. ظهر أول برج يشغل المصاعد عام 1870، وهو برج «Equitable Life» بنيويورك. ورغم أنه لم يتعد السبع طوابق بارتفاع 40 مترًا، إلا أن استعماله للمصاعد ضمن نجاحه كمكان للعمل والسكن.

مبنى «Equitable Life» بمانهاتن بنيويورك، والذي هُدم عام 1912 بعد احتراقه.

من أول ناطحة سحاب حتى “مدينة ناطحات السحاب”

يصنّف العديد من المؤرخين مبنى «بيت التأمين – Home Insurance Building» كأول ناطحة سحاب. أقيمت الناطحة عام 1885 باستعمال هياكل حديدية مقاومة للحرائق وباستعمال الاسمنت المسلح، وقد صممها المهندس «ويليام لي بارون جيني – William Le Baron Jenney» والذي يعتبر الآن أبا ناطحات السحاب. ولكن بالطبع، وكما في أي نقاش تاريخي، فإن هناك الكثير من الجدل. فارتفاع مبنى بيت التأمين بالكاد يتعدى ارتفاع مبنى الحياة العادلة بـ3 أمتار، وإن كان يتكون من 10 طوابق بدلًا من 7. ولكن برج «مونتاوك”، والذي أنشئ قبل مبنى الحياة العادلة ببضع سنوات بتصميم المهندسين «دانييل برنهام» و «جون روت» كان أيضًا مكونًا من 10 طوابق.

الثنائي «برنهام» و «روت» قاما فيما بعد ببناء محفل شيكاغو الماسوني ذي الـ21 طابقًا، ولذلك قد يعتبرهم البعض الآباء الحقيقيين لناطحات السحاب. أو يمكن اعتبار المعماري «لوي سوليفان»، والذي اشتهر بفكره المعماري واستغلاله لطاقة الهياكل الحديدية وإمكانياتها.

محفل شيكاغو الماسوني، والذي كان أطول مباني شيكاغو حتى تم هدمه هو أيضًا عام 1939

في الواقع، عمل كلٌ من «سوليفان» و «برنهام» كمتدربين لدى «جيني»، واستعاروا جميعهم أفكارهم من بعض. يمكننا القول أن «جيني» كان الخطوة الجريئة الأولى التي بُنيت على انجازات عدة قبله، وأن متابعيه أكملوا ما بدأه ووصلوا به إلى أبعادٍ جديدة.

العمارة الحداثية: استغلال الناطحات لأقصى حد

لن تكون مبالغة إن وصفنا ناطحة السحاب بأنها ذروة سنام العمارة الحداثية، فقد استغلها المعماريون الحداثيون إلى أقصى طاقاتها. فـ«لوي سوليفان» نفسه في تصريحه الشهير “الشكل يتبع الوظيفة” قد ابتكر تصميم الطوابق بشكلٍ مختلف بناءً على وظائفها المختلفة، ما يسمح بمرونة وفعالية أكبر للمبنى ويسمح له بتعدد الاستخدامات. إلا أن النموذج الأكثر وضوحًا لاستغلال ناطحات السحاب هو بدون منازع رائد العمارة الحديثة الأول «لو كوربوزيه». لقد رأى لو كوربوزيه في ناطحات السحاب الحل الأمثل لمشاكل المدينة الحديثة الصناعية ومشاكلها السكنية، و كان من اوائل مشاريعه ذائعة الصيت هو وحدة السكن «Unité d’Habitation».

كان لو كوربوزيه أيضًا مغرمًا بالنظام، وكان قد أعلن أنه “إما العمارة وإما الثورة”، أي أن التخطيط المعماري الجيد الذي يتجاوب مع التحديات الجديدة هو ما يحول بين السلم وبين الثورة وانهيار المجتمع. وربما من هنا نشأ مخططه الذي قدمه لتطوير مدينة باريس والذي يلقب بـ”مدينة ناطحات السحاب”، والذي يعيد مَحوَرة المدينة حول ناطحات السحاب.

مخطط «Plan Voisin» – لو كوربوزيه.

لم يكتب لمخطط لو كوربوزيه الثوري ذاك أن يرى النور. لكن الفكرة الكامنة وراءه انتشرت في مدن كثيرة حول العالم، ولاقت ناطحة السحاب رواجًا كبيرًا لفاعليتها وقدرتها على توظيف المساحة. وعلى الرغم من ذلك كان لانتشار نمط العمارة الحداثية أثار سلبية بالطبع، ولذلك فقد انتهت تقريبًا منذ السبعينات. وليست صدفة أن الحدث الذي اصطُلح على تسميته بـ”نهاية الحداثة” -كنمط معماري- كان هدم أبراج «برويت-آيغو»، والتي كانت عبارة عن مجموعة من الأبراج العالية المرتبة والتي عانت من مشاكل إدارية ومجتمعية بالإضافة إلى قصور في التخطيط.

أبراج إسكان برويت-آيغو، والتي تم هدمها في أوائل السبعينات بسبب مشاكل اقتصادية وإدارية ومجتمعية متعددة.

ناطحات السحاب: واجهات وتحديات المدينة الحديثة

لا تخطئ العين مشهد ناطحات السحاب في حواضر العالم الآن، سواءً انتقلنا من نيويورك إلى لندن أو من ضفاف النيل بالقاهرة إلى هونغ كونغ. ناطحات السحاب والأبراج نموذج لمحاولة المدن حل مشاكلها بطرق معاصرة، ولكنها بالطبع لا تأتي بدون تحديات خاصة بها.

الكثير من العواصم الاوروبية مثل روما وباريس تكاد تخلو من ناطحات السحاب وذلك لقوانينها العمرانية التي تحاول الحفاظ على نسيج المدينة التقليدي (أعلى برج في روما بالكاد يصل إلى 155 مترًا). الأمر نفسه مشاهد في مدن مثل لندن، ذات الوجود الملحوظ للأبراج العالية وناطحات السحاب. إذ أن الإدارات المحلية كثيرًا ما تعترض على إقامة الأبراج العالية حفاظًا على مشهد الأحياء وروحها التقليدية،  كما حدث مع برج «22 بيشوبغيت» في لندن الذي اعترض الكثيرون عليه لتغييره مشهد أفق المدينة وحجبه كاتدرائية القديس بولس العريقة ونصب حريق لندن.[3] يشبه الأمر أيضًا الاعتراضات الموجهة نحو بناء الأبراج في مدن مقدسة كمكة. حيث يتحول مركز الانتباه والثقل في المدينة من المكان المقدس إلى الأبراج الاستهلاكية، ناهيك عن احتلالها المشهد العام مقابل الكعبة.[4]   تنتشر ناطحات السحاب بالمقابل بشكل أكبر في المدن الجديدة نسبيًا (مثل نيويورك) او التي تحاول تحديث وتطوير نفسها بسرعة مثل ساو باولو.

مدينة ساو باولو، والتي تبدو كغابة من ناطات السحاب اللامتناهية

التطوير والإسكان: دور ناطحات السحاب اليوم

يتعلق هذا الأمر أيضًا بتطوير المدن واستبدال الأحياء القديمة بالأبراج، وهو نمط مشهور في تطوير المدن ومحاولة تجديد مراكزها. لكنه يواجه الكثير من الانتقادات بالنسبة لأولويات ورغبات سكان المناطق التي يتم تطويرها. حيث يتم نقلهم واستبدالهم باستثمارات أجنبية وتجارية ومساكن فارهة عوضًا عن توفير مساكن وخدمات كافية (وهو ما يسمى بالانجليزية Gentrification). هناك العديد من الآراء التي ترى أن هذا الطريقة في التطوير ترفع المستوى الاقتصادي للمدن وتحسن مستوى خدماتها ووضع سكانها المعيشي بالفعل.[5] إلا أنه يجب أخذ حاجات ورغبات السكان قيد الاعتبار أثناء وضع أي خطط لتطوير المدن. وذلك لتفادي مشاكل مثل عدم توافر الخدمات الكافية أو ارتفاع تكلفة المعيشة والسكن في مراكز المدن المطوّرة، ما يدفع أصحاب الدخل المحدود بالسكن بعيدًا عن مراكز العمل ليتمكنوا من توفير سكنٍ مناسب.[6]

كما أن ناطحات السحاب تمثل في كثير من الأحيان نموذجًا للضغوط الاقتصادية والحضرية والإدارية في المدن. فمثلًا، تقام في مدينة نيويورك الكثير من الأبراج التي ينتهي بها الحال (بسبب تعقيدات نظم التطوير الحضري والتمويل) كأبراج فارهة يشتريها الأغنياء كاستثمارات.[7] بالطبع، هذه المشكلة ليست خاصة بنيويورك وحدها بل هي منتشرة في الكثير من المدن عالميًا. فالأبراج السكنية توفر نمطًا من الإسكان عالي الكثافة «High-density Housing» والذي يمكن توفيره بجودة مناسبة وعلى مساحة أصغر داخل المدن عوضًا عن الضواحي البعيدة، ولذلك تلقى رواجًا في المدن التي تعاني من كثافة سكانية عالية (مثل هونغ كونغ أو سنغافورة) أو من أزمات إسكانية (مثل لندن). ولكن نموذج الاستثمار في العقارات والأنظمة الإدارية والاقتصادية كثيرًا ما تجعل هذه المشاريع غالية الثمن. ولذلك بدأت العديد من المدن والأحياء وشركات التطوير بابتكار نماذج تمويل وإسكان مخصص للأفراد والعوائل الصغيرة التي تشتري منزلًا للمرة الأولى فقط (مثل نظام الـملكية المشتركة «Shared Ownership»).[8]

التصور المقترح لناطحات نيويورك المطلة على الحديقة المركزية

كما هو واضح، فالعالم بما هو سائر في طريقه نحو التمدّن. وستكون ناطحات السحاب جزءًا من تكوين المدن لأسباب عدة، معيشية وعملية واقتصادية وسياسية. فهي توفر حلولًا للعديد من التحديات التي واجهتها المدن الصناعية وتوفر فرصًا للمدن المعاصرة. لكنها تأتي مع تحدياتها الخاصة أيضًا والتي تتداخل فيها العمارة بالاجتماع والسياسة والاقتصاد بل وحتى مع سيكولوجية البشر الاجتماعية. قصة ناطحات السحاب وتاريخها نموذج لتاريخ التطور التاريخي للبشر ومجتمعاتهم، وكيف أن كل قفزة تأتي بناءً على خطوات سابقة وتواجه تحدياتها التي تختلف بمرور الزمن.

المصادر:

[1] Stealing from the Saracens
[2] CitiesX: The Past, Present, and Future of Urban Life
[3] A tortured heap of towers': the London skyline of tomorrow
[4] من مكة إلى لاس فيغاس
[5] What happens after a neighborhood gets gentrified?
[6] Choosing the Unwalkable suburbs, or settleing for them?
[7] Super-tall, super-skinny, super-expensive: the 'pencil towers' of New York's super-rich
[8] Shared Ownership
Exit mobile version